أغذروني بنات للآن ما كملت تعليقاتكم وإن شاء الله برد ولو مبسط
لأن النت رجع سيء جدا فكل همي أنزل الفصل ولي معاكم كلام حلو
الفصل الثامن والعشرون
" هيه وسن أين وصلتِ "
رفعت رأسي لها فقالت ضاحكة " ألن تخبريني ما بك اليوم "
قلت ببرود " وما بي "
غمزت بعينها وقالت " متجهمة وشاردة الذهن وشيئا ما
في ملامحك لم أفهمه ولم أره سابقا "
أشحت بوجهي عنها للجانب الآخر ولم أتكلم فأمسكت بذقني
وأعادته جهتها وقالت " ماذا حدث بينكما هل تشاجرتما مجددا "
أنزلت نظري للأسفل وقلت بهمس " بل نام معي "
شهقت وقالت بصدمة " مستحيل ما هذه المعجزة "
أشحت بوجهي وقلت بضيق " ملاك لست بمزاج لك "
قالت بتوجس " هل أجبرك على ذلك "
عدت بنظري للأسفل وهززت رأسي بلا دون كلام فصفقت
واقتربت مني أكثر وقالت بحماس " ما كل هذه المستجدات
والتشويق هيا أحكي لي ولا تتركي ولا تفصيلا بسيطا "
نظرت لها بصدمة فضحكت وقالت " سرك في بئر
ولا تخجلي مني "
ضربتها بحقيبتي وقلت " وقحة ما تعنيه بهذا "
رفعت رأسها وضحكت كثيرا ثم نظرت لي وقالت بمكر
" أريد معرفة كفاءة رجال الخيول وها هي التجربة الأولى لديك "
ضربتها بالحقيبة مجددا ووقفت وقلت بضيق
" استحي قليلا يا قليلة الأدب "
وقفت وضمت يداها لصدرها وقالت بحالمية " وأخيرا يا وسن
لقد أطلتماها حتى تجاوزت الحد متى دوري يا رب "
قلت مغادرة من أمامها " وقحة والذنب علي أني أخبرتك "
لحقت بي وأمسكت يدي وسحبتني جهة أحد الكراسي وأجلستني
وجلست وقالت " أين أين هذا حدث تاريخي يلزمه جلسة "
قلت ببرود " لا شيء أخبرك عنه لكنت قلته من نفسي "
قالت بتذمر " لا سامح الله الفضول الذي رماني عليك , أقطعي
الفيلم من القبلة الأولى حتى الصباح واحكي لي عن الباقي "
تأففت وحكيت لها مبسطا فقالت بصدمة " سمعك تقولين ذلك "
نظرت للأرض وقلت بحزن " نعم لم أكن أعلم أنه
خلفي ويسمعني وحدث ما حدث "
تنهدت وقالت " مسكين هذا النواس يبدوا كان على
شعرة ينتظر فقط أن تقولي تلك الكلمة "
قلت بأسى " لكنه لم يقلها سمعها مني فقط حتى أنه لم
يجب عن أسئلتي بخصوص زوجته "
قالت بهدوء " وسن يا غبية يكفيك ردة فعله تلك يكفيك
أنه فقد زمام الأمور ما أن سمع فقط أنك تحبينه
ولازال ما كان في قلبك باق له "
نزلت دمعتي فمسحتها بقوة وقلت بحرقة " قال مي خط أحمر
لا أحد يحق له مناقشته في أمرها ولا حتى نفسه ويقول أني في
قلبه فكيف يكون كل هذا كيف فحتى كلامه وأنا في حضنه يمارس
على جسدي كل أحقية له كزوج كان كلاما كله أسى وحرقة
تصوري كان يقول ( عذبتني يا وسن , آه من حر قلبي حين حرمتِه
منك , أطفئي النار التي أشعلتها بي من سنوات ولم تخمد , علميني
معنى العشق الذي سلبته مني ) "
ثم نفضت يداي وقلت بحرقة أشد " والأسوأ من ذلك حين قال
من بين قبلاته ( مارسي الحب الذي حدثها عنه أرني كيف
تحبينني ) تخيلي وقاحته وجرأته "
كانت تنظر لي بصدمة لأنتبه لنفسي ولحماقتي
فهزت رأسها وقالت " نعم تابعي "
رفعت الحقيبة لأضربها بها مجددا فأخذتها مني وقالت
بضيق " يكفي لقد حطمتِ عظامي بها "
ثم وضعت يداها وسط جسدها وقالت
" ولما لم تمنعيه عنك مادمت لا تريدين "
نظرت للأسفل وقلت بحزن " لم أستطع "
قالت بهمس " كيف لم تستطيعي "
رفعت نظري لها لتمتلئ عيناي بالدموع وقلت بأسى
" لم أقدر نعم فالأمر ليس سهلا فأنتي لم تجربيه "
وقفت وقالت " وسن هذا لأنك تحبينه بل تعشقينه بجنون فأعطي
قلبك حريته ولا تضيعا المزيد من الأيام فلا أحد يعلم كم
سيعيش في هذه الحياة "
ثم غادرت جهة مبنى الجامعة وتركتني جالسة وحدي
فوقفت وتبعتها فلا أريد أن أفكر في شيء مما قلناه , أنهيت
يومي هناك وعند العصر خرجت ووجدت نواس ينتظرني واقفا
عند سيارته فأنزلت نظري للأرض واقتربت منه فركب السيارة
في صمت فتنهدت وركبت بجانبه وخرجنا من هناك وقال بهدوء
" سنخرج لتناول الغداء فأنا أيضا لم أتناوله حتى الآن "
لذت بالصمت ولم أعلق وعاد هوا لصمته حتى وصلنا أحد
المطاعم ونزل وأنا أتبعه , جلسنا عند أحد الطاولات وقال
" هل ترغبين في شيء معين أم أطلب أنا "
قلت ونظري لازال بعيدا عنه أشغله بكل شيء على
الطاولة " أنا أكلت في الجامعة ولا رغبة لدي
في شيء أطلب لنفسك فقط "
وقف وقال " لنغادر إذا "
رفعت نظري له لأول مرة منذ قدومنا وقلت
" ألم تقل أنك لم تتناول غدائك "
قال مغادرا وببعض الضيق " لم تعد لدي رغبة به "
تأففت ووقفت وتبعته , ما به هل أجبر نفسي بالإكراه ليرضى
لما لم يأكل هوا ثم نغادر ؟ ثم أنا لم أطلب منه جلبي إلى هنا
ركب السيارة وركبت بعده وشغلها وانطلقنا فقلت بعد وقت
ونظري على يدي في حجري " لما غضبت مني ما ذنبي أنا "
لم يجب فرفعت رأسي ونظرت له وقلت " نواس تكلم "
مد يده ليدي وأمسكها بقوة ثم سحبها نحوه وقبلها وقال
" وسن لنغلق الموضوع أرجوك "
سحبت يدي منه ولدت بالصمت , لما لا أفهمه ؟ تصرفاته غريبة
وكأنه يحاول كبت غضبه كلما انزعج مني ! ليثني أفهمك يا
نواس لقد أصبحت معقدا جدا , نظرت له مجددا وكأني ارسم
تفاصيل جانب وجهه بل وكأني أبحث عن كل الأجوبة فيه وبقيت
على هذا الحال للحظات فمد يده دون أن ينظر لي ومررها خلف
رأسي حتى وصلت لكتفي وشدني حضنه ويده الأخرى
تحرك المقود وفي صمت حتى وصلنا
*
*
دخلَتِ المنزل تسير بجانبي في صمت ومي تنزل السلالم
حتى صارت أمامنا فأسرعت وسن بخطواتها مبتعدة ورأسها
للأسفل تضم مذكراتها لحظنها بقوة وكأنهم سيطيرون من
بين يديها وتبعت أنا بنظري خطواتها المسرعة نحو ممر غرفتها
ليعيدني صوت مي قائلة " أرجوا أن لا تكونا تشاجرتما مجددا "
هززت رأسي بلا ثم تركتها وخرجت من المنزل وتوجهت
لساحة الخيول ووقفت عند السياج أنظر للأرض بشرود ، ترى
ما سر مقتل والدها وكيف هي من تعلم عن مجريات الحادث !
كيف تعلم وحدها بأمر كهذا ولما تخفيه ، آخ لو فقط لم يطلب
مني أن لا يعلم أحد بالأمر حتى يتحدث معها أولا ، مررت
أصابعي في شعري وزفرت بضيق فشعرت بيد على كتفي
وصوت معاذ قائلا " ما به زوج الاثنتين هموم الدنيا
كلها تخيم فوق رأسه "
أنزلت رأسي وقلت ببرود " واحدة بهمين والأخرى
أنا المهموم عليها فكيف سأكون "
قال بعد ضحكة " إذا طلق صاحبة الهموم مالك ووجع الرأس "
هززت رأسي وقلت بأسى " تلك بهمومها قطعة
من قلبي إن أبعدتها أموت "
صفر تصفيره طويلة واتكأ بذراعه على كتفي وقرب رأسه
مني وقال بهمس " لا تسمع زوجتك الأولى هذيانك
بضرتها وتصبح في مشكلة "
قلت بضحكة صغيرة غلبتني " وما أدراك أني
عن تلك كنت أتحدث "
ربت بيده على كتفي وقال " أقسم أنها منافسة الغزلان فلا
غيرها تقلب مزاجك دائما وتعرف كيف تخرج الوحش من نواس "
ثم ضحك وتابع بخبث " بارعة في اللعب بأعصابك
وأرتنا نواس الغاضب الذي لم نكن نعرفه "
أبعدت ذراعه عني وقلت بضيق مغادرا من أمامه
" أقسم إن تغزلت فيها مجددا قطعت لك لسانك "
ضحك وقال بصوت مرتفع لأسمعه " لا تنسى أني قلت
عيوبها أيضا أم تسمع فقط ما تريد "
لوحت له بيدي على صوت رسالة وصلت لبريدي فأخرجته
وفتحتها فنادى " هيه نواس أريدك فيما بعد في أمر مهم "
قلت ملوحا بيدي " في الغد وأخبر وليد يأتي لمكتبي حالا "
أعدت هاتفي لجيبي بابتسامة انتصار لما قرأت ودخلت وقلت
لراضية المارة من أمامي " أخبري وسن لا تخرج من
غرفتيها لأن وليد سيدخل لمكتبي "
هزت رأسها بحسنا وصعدت أنا للأعلى أخذت بعض الأغراض
من غرفتي ونزلت وضعتهم على الأريكة في الصالة ومررت
بالمطبخ وقفت أمام الباب وقلت " الأغراض على الأريكة
ضعيهم في غرفة وسن سأخرج للصلاة وسأتعشى هنا "
ثم خرجت من المنزل ووليد قادم نحوي ، وصل عندي فوضعت
يدي على كتفه وقلت ونحن نتابع سيرنا " لدي لك خبر
سيعجبك لكن دعنا نصلي أولا ونرجع "
قال بهدوء " لدي موعد مع المحامي فهل سيأخذ موضوعك وقتا "
هززت رأسي بحسنا ولم أعلق , وصلنا المسجد صلينا وعدنا
للمنزل فأمسك يدي وقال " إذا نتحدث ثم أذهب له "
أمسكت كتفه وقلت مبتسما " خذ وقتك اذهب وارجع أولا "
وضع يده على ظهري وقال " بل ندخل الآن والمحامي ينتظر
ثمن للمال الذي يأخذه على الأقل "
ضحكنا معا ودخلنا وتوجهنا لمكتبي فورا دخلت وهوا خلفي
وقلت ما أن أصبحنا في الداخل " أمسكوا بأنور سبب فضيحة مي "
من صدمته ترك الباب الذي كان سيغلقه ولحق بي قائلا
" قل قسما حدث وكيف "
*
*
منذ أحضرت الخادمة ملابس نواس وأنا جالسة أنظر لهم كالتمثال
فما يعنيه بهذا ملابس داخلية وبيجامات نوم وعدة حلاقة وفرشاة
أسنان وعطر ولم يترك سوا ملابس الخروج فلما لم يرسلها أيضا
يبدوا أنه ترك راضية تواجه ردة فعلي ليفهم إن كنت أقبل بليلة
أخرى كالبارحة وأن تكون لنا حياة طبيعية كزوجين أو أنها
كانت بالنسبة لي خطأ لا أريد أن يتكرر , تبدوا إشارة ينتظر
ردي عليها فإما أن أقبل أغراضه هنا وأعطيه الضوء الأخضر
أو أرميها خارجا أو في غرفته , هذا إن لم يكن قصده منها أنتي
زوجتي وأنام معك أحببتِ ذلك أم كرهته , لكن مستحيل هذا ليس
طبع نواس فأنا أعرفه جيدا لن يجبرني على شيء لا أريده
ترددت كثيرا واحترت ما سأفعل ثم وقفت ورتبتها في الخزانة
سأتركه أيضا يكتشف بنفسه جوابي وردة فعلي , عدت بعدها
لمذكراتي أشغل عقلي بها لكنه لم يتركني وشأني أبدا وكلما
تحرك شيء ارتجف جسدي ظنا أنه أمام الباب وسيدخل رغم
أن الوقت لازال مبكرا على نومه وقد ينام الليلة معها وليس
معي , ضغطت بقبضتي على القلم بقوة لتنزل دموعي على
الورق وتفسد الكلمات وتحولها لبقع زرقاء متداخلة وقلت بوجع
" يا رب لما أنا يحدث معي هكذا كيف تقبلها نفسي كيف ؟ أقسم
أنها نار تشتعل داخلي وليثه يشعر بحجمها ومعناها "
طرق أحدهم الباب فانتفضت واقفة ومسحت دموعي على دخول
راضية قائلة " العشاء جاهز ونواس هنا فلا مفر لك من تناوله "
ابتسمت لها بحزن وتبعتها بعد قليل خارجة من الغرفة لأفاجئ
بنواس يسير أمامي على بعد خطوات عديدة فخففت من سيري
حتى وصل وقال مخاطبا راضية الخارجة من هناك
" أين مي ليست هنا "
قالت وهي تتابع سيرها مارة من أمامه " قابلتها منذ
قليل هنا وقالت لا تريد وأن رأسها يؤلمها وتبدوا متعبة "
مررتُ حينها من أمامه ودخلت فتابع سيره ودخل غرفة
الطعام دون أن يسأل أكثر أو يرجع ليصعد لها , شكرا لك
يا رب رحمتني بها لا أريد أن يحدث ذلك أمامي , سحبت
الكرسي وجلست مكاني المعتاد لتوقفني يده ممسكة بذراعي
حتى وقفت وقال وهوا يسير بي لرأس الطاولة " حتى متى
ستهربين من الجلوس بجانبي أنا لا آكل البشر
والجميلات خصوصا "
أنزلت رأسي وعضضت شفتي بإحراج اتبعه منصاعة
حتى أجلسني في الكرسي الذي بجانبه وقال وهوا يجلس
" سأزيل كل تلك الكراسي بسببك "
أنزلت رأسي ليحجبه شعري عني ويخفي توتري وخفقان
قلبي الذي أشعر أنه ينبض في وجهي ويفضحني فمد يده
وأبعد شعري للخلف قائلا " وهذا كيف نبعده أيضا "
تحركت للخلف بالكرسي بتوتر ورجفة من حركته وكلماته
فأبعد يده وقال بضحكة " حسنا فقط لا تقعي للخلف
لن أزيل الشعر كالكراسي "
ثم بدا الأكل وقال بهدوء " هل من مشاكل تواجهك
في الجامعة أو تحتاجين شيئا "
هززت رأسي بلا ونظري على طبقي فقال وهوا يتابع أكله
" وكيف تدبرون أموركم في المراجع والمواد من الأماكن
البعيدة خارج العاصمة "
حمحمت قليلا وشغلت نفسي بالأكل مثله وقلت بهدوء
" طلال يفعل كل ذلك "
قال بنبرة استغراب " ومن يكون طلال !! "
حركت الطعام في الطبق وقلت
" شاب يعمل معنا أنا وملاك على الرسالة "
قال " ولما شاب معكما "
رفعت نظري له لأول مرة فكان ينظر لي عاقدا حاجبيه
فعدت بنظري للأسفل وقلت " تلك هي القوانين إما
شاب وفتاتين أو شابين وفتاة "
تنهد بضيق ولم يعلق أكثر , نواس لم يدرس في الجامعات
ولا يعرف طبيعة الظروف التي تجمع الطلبة هناك فلا
أستغرب أن يتضايق لكن هذا واقعنا مهما اعترضنا عليه
فتكون الفتاة مجبرة على الاحتكاك ببعض زملائها وكل واحدة
واحترامها ودرجة تربيتها , تابع طعامه في صمت من كلينا
حتى قال " لم تسأليني سابقا عن مهرك ولا جهازك "
رفعت نظري إليه فكان ينظر لطبقه فنظرت للأسفل وقلت
" ولا أنت تحدثت عنه سابقا ولا يعنيني منه شيء "
نظر لي وقال بجدية " وسن لا تضني أني لم أتحدث عنه
عمدا ليحدث ما حدث البارحة أولا , كنت فقط أنتظر
الوقت المناسب لأنك ..... "
سكت فجأة فرفعت يدي وأبعدت بها شعري عن وجهي
بقوة وعبرة تخنقني أجاهدها كي لا تخرج وقلت بأسى
" كنتُ ماذا لما لا تكمل كلامك "
مد يده لوجهي مجددا ومسح بظهر أصابعه على خدي وقال
" آسف فهلا توقفنا عن هذا كي لا نصنع منه مشكلة "
نظرت لعينيه بحيرة وكل الأسئلة التي تحيرني تدور فيها
فهرب مني بعينيه فقلت بهدوء حزين " لا أفهمك يا نواس "
نظر لي وقال بضيق " ولما ؟؟ هل في السابق وشجاراتنا
تهد الجدران كنتِ تفهمينني والآن لا "
نظرت له بصدمة فوقف وقال مغادرا " ليثني أنا من يفهمك "
وغادر الغرفة فمسحت بيدي على عنقي ورفعت شعري للأعلى
أتنفس بقوة ثم وقفت وغادرت غرفة الطعام أيضا فالتقيت براضية
فوقفت وقلت بتردد " هل ... نواس هل صعد للأعلى "
قالت بنظرة استغراب " لا رأيته يخرج للخارج "
نظرت للأرض وقلت " وأين يكون الآن في العادة "
ضحكتْ فرفعتُ رأسي ونضرت لها بحيرة فغمزت بعينها
وقالت بهمس " عند ساحة الخيول والجو الهادئ
والأضواء فأسرعي إليه "
ابتعدت عنها بتوتر وخجل قائلة " ليس هذا أقصد "
ثم غادرت جهة غرفتي
*
*
وضعت كف يدي على فمي أكتم شهقاتي وبكائي الذي لم
يخف أبدا منذ نزلت لمكتب نواس لأخبره أن عاصم يريد
زيارتنا وسمعت ما كان يدور بينه وبين وليد وهوا يقول له
" أمسكوه وشلته في جريمة اغتصاب فتاة قاصر ولن
ينجى منها هذه المرة كما حدث مع مي "
قال حينها وليد " الآن فقط ارتاح ضميري ولو قليلا أقسم
أني حتى النوم كباقي البشر لم أكن أتذوقه من كثرة
ما كان يؤنبني "
قال نواس " لكن مي ستكتشف يوما كل ذلك فأنت أعلم
الناس أنهم اغتصبوها وليس كما تظن هي "
قال وليد " السر مات معك فمن سيعلم "
قال نواس " هواجسي ليست كهواجسك يا وليد ولا
أستطيع قول كل ما في قلبي "
قال وليد " ماذا هناك "
قال نواس " كنت أريد أن أخفي هذا لكن الوضع لن يستحمل "
سكت قليلا ثم تابع " أنا لم أقرب مي حتى الآن
وكل منا ينام في غرفة "
سمعت صرير الكرسي دليل أن وليد وقف مصدوما
ثم قال " كيف ولما !! "
تنهد نواس وقال " شيء بيني وبينها لن أطلعك عليه ومي
تصر أن تتركني بعد انتهاء السنة الذي بات وشيكا وباقي
شرط العقد ينص على أن لا أطلقها إلا بزواج لغيري وهي
ستكتشف الأمر حين ستتزوج بالتأكيد "
لاذا بالصمت كليهما وأنا أغلق فمي بكفي ودموعي تنزل بلا
توقف حتى قال وليد " وماذا ستفعل وبمن ستزوجها "
قال نواس " لا أعلم لقد اتفقت وعمها وشقيقها عاصم على
هذا ولن أبقيها معلقة هكذا وتعيسة وإن اضطر الأمر أن
أواجهها بحقيقة ما حدث لها وعلاقتك بالأمر "
قال وليد بضيق " إياك يا نواس إياك أن تخبرها
بجرمي فيكفيني عذاب ضمير "
قال نواس " وليد لن أرتاح قبل أن تحكي لي ما
تخفيه عني تفهم "
قال ببرود " ما لدي قلته سابقا "
قال نواس " بل ثمة ما تخفيه وأنت من سيندم وقت لا ينفع
الندم ومي لن تخسر أكثر مما خسرته وأقسم لولا حكاية
اغتصابها تلك ما نقضت عهدي لها وأخبرتك عما بيني وبينها
لأنه علينا أن نجد حلا للأمر فلا أريد التعاسة أكثر لهذه
المسكينة فهي لا تستحق شيء مما يحدث معها "
غادرت بعدها راكضة وصعدت لغرفتي أبكي بحرقة , كذبة
عشت طوال الوقت في كذبة وأنا أضن أن من أنقدني من
هناك أدركني قبل أن يحصل شيء بل لا زلت أتذكر ذاك
الطيف في الظلام وذاك الرجل الذي لم أكن أتبين ملامحه
ولا صوته لأني أفقت من إغمائي ووجدت نفسي في حضنه
في ليل أسود لا يرى منه إلا القليل والرؤية عندي كانت ضبابية
لكن كلماته كانت واضحة وهوا يقول لي " لا تخافي لم يمسوك
بسوء وهذه الدماء من يدي لأنهم جرحوها "
كان يكذب إذا كذبوا علي وأوهموني أني لازلت شريفة
لم يمسسني أحد ولو لم يأتي نواس ويتزوجني لكنت سأواجه
مصيرا أسود مع غيره لكن كيف علم نواس ووليد وهل أخوتي
يعلمون أم مثلي كذبوا عليهم بل كذب عليهم ذاك الذي أنقدني
بل من يكون ذاك وما صلته بنواس ووليد أم أنه واحد منهما
زادت عبراتي أكثر وخبأت وجهي في الوسادة وأنا أتذكر
كلامه وهوا يقول أنه السبب فيما حدث لي , لماذا يا وليد
لما أنت من بين كل من خلق الله من كتب ماساتي
*
*
اتكأت على ظهر السرير وسافرت بنظري للسقف وأنا أتذكر
كلمات نواس وعلاّقة مفاتيحي تتدلى من بين أصابعه قائلا
" أليست هذه لك واختفت منذ وقت طويل "
نظرت لها بصدمة فتابع " هل تعلم مع من وجدتها "
نظرت له بحيرة فأعادها لجيبه وقال " عند مي في صندوق في
خزانتها لم تفارقها حتى وقت مجيئها هنا زوجة لي فها أنا أقولها
لك يا وليد إن كان لك فيها حاجة فاسبق غيرك لها أو انتقيت أنا
من ستعيش معه حياة ستعوضها عما خسرته ولن يكون من
ستتزوجه إلا من اختياري وبموافقتها وقدمها لن تعتب منزل
أهلها مجددا فحتى العدة يسقطها الشرع عنها لأني لم أقربها "
أنزلت حينها رأسي وقلت " كل ما كان كان في نفسي فقط ولا
تعلم ولا حتى هي به , سبق وصارحت عصام شقيقها أني أريد
خطبتها ومتردد لأنهم سيرفضونني بالتأكيد لأنه لا مال لدي
ولا منزل وكنت أنتظر أن أكّون نفسي بعملي معك لكن بعد
الحادثة وأنا من أخرجها من ذاك المنزل وأعادها لهم لم تعد
لدي فرصة لذلك لأني حينها كنت سأخسرها أكثر وسيضنون
بي ولن يعطوها لي وسيقسون عليها أكثر "
قال بضيق " ولما لم تخبرني منذ البداية يا وليد تحبها وهي
مثلك وتخفي هذا عني كيف وهي ليست عادتك "
تنهدت وقلت بهدوء " بادئ الأمر لم أخبرك لأني لم أرد أن
تكلف نفسك لتوفر لي مسكن لأني أعرفك جيدا ستسعى كل
جهدك لأتزوجها ثم حدثت تلك الحادثة المنكوبة التي جعلتني
أخرس لباقي حياتي خصوصا بعدما علمت بالوعد بينك ووالدها
فهل تضن أنني كنت سعيدا بذلك أقسم أنها نار تشتعل في داخلي
فقط لفكرة أنها تنام في حضن غيري وليس أي غير بل
أقرب صديق لي ومن أعده الأخ الذي لم أره يوما "
عدلت جلستي على السرير وأمسكت رأسي بيداي , لم تكونا
زوجين إذا يا مي لهذا سألتني ذاك السؤال في آخر يوم لي في
منزل نواس , لهذا سألتني لما لم أرجع لخطبتك لأنك تعلمين
بأنك ستتركين نواس وكنتِ تعيشين على أمل أن يشعر بك
هذا المتحجر الذي لم يجلب لك سوا المشاكل أينما ذهبتِ
الآن عليك أن تكوني لي وعلى نواس أن يعيد تحريك أحجار
اللعبة ويرجعك لي ويجبرهم على قراره كما كان الاتفاق مع
عمها وعاصم فنواس فكر فيها جيدا حين طلب تحويل الوصاية
لعمها قبل أن يتزوجها ومؤكد الآن نقلوها لعاصم
أخرجت هاتفي واتصلت بنواس فلن يهدا لي بال ويغمض لي
جفن قبل أن تسوى الأمور , جربت مرارا وتكرارا لكنه لم
يجب فأرسلت له ( أريدها يا نواس وإياك وتسليمها لغيري
وسر ما حدث لها سيموت معي ولن تعلم به )
*
*
وقفت عند سياج ساحة الخيول وهمومي أسود من هذا الليل
وسن التي بث أخاف عليها من النسيم لا يجرحها وتسوء
حالتها أكثر وأخسرها وأكون السبب ومن مي التي منذ قليل
مررت بغرفتها فكانت تبكي وتردد بحرقة " يا رب خذ
روحي وارحمني يا رب "
وحين دخلت عليها الغرفة نظرت لي بعينان محمرتان من
كثرة ما بكت فأوقفتها ومسحت دموعها وقلت " مي توقفي
عن تعذيب نفسك أقسم وبي نفس أن أسعى جهدي لإسعادك
مع من تتمنين وأن يحصل كل ما تريدينه "
قالت بشهقة باكية " لن أخرج من هنا سأبقى هنا وفي
غرفتي ألست تقول ستحقق ما أريد "
قلت باستغراب " نعم قلت "
ارتمت على سريرها وقالت بعبرة " إذا أريد البقاء هنا ولن
أذهب لأي مكان لأنه أي مكان غير هذا سيكون جحيما
فلعلي أموت هنا يا نواس "
ضغطت بقبضة يداي على السياج بقوة وأنا في حيرة من
أمري فلن أجبرها على ما لا تريد وهي اختارت البقاء هنا
لكن وليد ماذا بشأنه ووسن وأسئلتها التي لا تتوقف وعهدي
لمي وسمعتها فلن أضمن حتى أن لا تتشاجر ووسن وتعيرها
ثم أنا عاهدت أهلها عهدا حرا ويكفي أني كنت سأنقضه وقت
قررت أني سأخبر وسن تلك المرة فها هي السنة باتت تقترب
وقد أطلقها وأزوجها بغيري ويبقى السر سرا وتحت التراب
ووسن ستنسى مع الأيام وستعدها ولو نزوة كما قلت لها
سمعت حركة من خلفي فالتفت بسرعة فإذا بها وسن واقفة
تنظر لي بصمت ثم أنزلت نظرها وقالت بنبرة طفولية
وإحراج " لما ابتعدت كثيرا هكذا خفت وأنا قادمة إلى هنا "
ابتسمت لطفلتي وسن التي ظهرت مجددا ومددت يدي
لها وقلت بهمس " تعالي يا وسن "
رفعت نظرها لعيناي واقتربت بخطوات بطيئة فضممته
لحضني أقبل خدها في كل مكان فيه فقالت بهمس
" مازلت غاضب مني ؟؟ "
زدت من احتضانها أكثر وقلت
" لم أغضب منك منذ البداية يا غزالتي "
قالت بعد ضحكة صغيرة " قلتها لي أخيرا وأنا من
كنت أسمعها على لسانهم فقط أنك تقولها "
رفعت رأسي للأعلى وقلت " بلى كنت أقولها للجميع
عداك أنتي منتظرا أن أقولها لك في وقت كهذا الوقت
وأنتي في حضني زوجتي وملكي "
دست وجهها في صدري أكثر وقالت بحزن
" هل تحبني يا نواس "
أبعدتها عني وأمسكت وجهها بيداي وقلت
" وتسالين يا وسن كل هذا وتسأليني هذا السؤال "
ابتعدت عني وتوجهت جهة السياج ووقفت عنده معطية
ظهرها لي وقالت " أخاف يا نواس أخاف أن يتكرر كل
ما كان وأنك لم تنسى حقدك علي "
ثم قالت بنبرة باكية " أقسم لو كان الأمر بيدي ما تركتك ساعة
في حياتي كنت مجبرة يا نواس ليتك فقط تفهم وتعذرني "
توجهت نحوها وأحطتها بذراعاي وضممتها من ظهرها
لصدري وقلت " لنتصافى إذا ونرتاح وسأعد ما
كان لم يحدث وأحاول نسيانه "
قالت بحزن " تحاول !! يعني أنك لم تنسى "
قبلت خدها وعنقها وقلت بهمس " أحبك يا وسن
أقسم وربي يشهد "
قبضت على يداي بيديها بقوة وأنا انتقلت لعالم غيبي
وانفصلت عن هذا العالم أقبّل عنقها بشغف حتى قالت
بهمس " تصافينا في جانب وتركنا الآخر يا نواس "
ابتعدت عنها فالتفتت لي وفتحت فمها لتتحدث فوضعت
أصابعي على شفتيها ثم حملتها بين ذراعاي وقلت
" دعينا ندخل عن هذا البرد فملابسك خفيفة "
*
*
دخل بي حتى غرفتي وأنزلني ونظر من حوله قائلا
" أين ملابسي "
نظرت للأرض وقلت بحياء " في الخزانة "
ضمني لحضنه وقال " ولما كل هذا الخجل والحياء
وكأنك ارتكبت جرما "
لم أجب ولم أعرف ما أقول فرفع وجهي له وأبعد خصلات
شعري للخف وقال ونظره على يده " علمي الليل معنى
أن لديك قطعة منه "
ثم نظر لعيناي وقال " بل قطعتين "
ثم انحنى لشفتاي فأغمضت عيناي بهدوء وقلبي أشعر أنه
سيخرج ويقفز من ضلوعي من شدة خفقانه وتنفسي أصبح
يرتفع تصاعديا كلما شعرت بأنفاسه تعبر مجرى تنفسي حتى
تلامست شفتينا فلم تكن سوا قبلة صغيرة وأبعد شفتيه فشهقت
بقوة أسحب الهواء ليعود لرئتي فضمني لحضنه وقال بضحكة
" نعم معك حق كانت صغيرة وبخيلة أنا أيضا لم تشبعني "
دسست وجهي في صدره وقلت بإحراج
" نواس أصمت "
قال بهمس " حسنا وبسرعة أخرجي لي ثيابا من التي
سرقتها وخبأتها في خزانتك لأني سأستحم "
ثم قبل رأسي وابتعد عني ودخل الحمام وأغلقه خلفه وأنا أشعر
أنني تحولت لكتلة من الإحراج بسبب حماقتي تلك , سمعت صوت
الماء في الحمام فتحركت مسرعة للخزانة وأخرجت له ملابس
داخلية وبيجامة ووضعتهم على السرير ثم جمدت مكاني ولم أعرف
ما أفعل وكيف أتصرف في نفسي نظرت لملابسي ثم عدت جهة
الخزانة وأخرجت بيجامة حريرية فليس هناك غيرهم لأني مزقت
كل قمصان النوم والفساتين القصيرة تلك الليلة وحولتها لقطع
مشطت شعري ورششت من عطري فرأيت مقبض باب الحمام
يدور فرميت ملابسي بعيدا فخرج بالمنشفة على خصره وقال
مبتسما وبإحراج " استخدمت منشفتك نسيت أن
أضع واحدة مع الأغراض "
أنزلت رأسي للأسفل وقلت بخجل من هيئته هكذا
" لا بأس فجميعها لك "
توجه نحو السرير جلس على طرفه وقال
" لما لا تُقربي لي ملابسي "
توجهت نحوهم بخطوات بطيئة رفعتهم واقتربت منه بارتباك
واضح حتى مددتهم له من بعيد ونظري للأسفل فمد يده وسحبني
من يدي لأرتمي في حضنه بشهقة مفزوعة فضحك وقال
" هل سنحتاج للحيل دائما "
حاولت الابتعاد عنه حتى جلست فأخذ الثياب من يدي ورماها
جانبا وأمسك ذقني ورفع وجهي له فحولت نظري للحرق في
كتفه ومددت يدي ببطء حتى لامسته وحركت أصابعي عليه ثم
نظرت لعينيه فكان ينظر لي بهدوء ثم أمسك يدي التي تلامسه
بأصابعها ووضعها عليه وتنهد تنهيدة طويلة وقال " عمره عامان
وثماني أشهر يا وسن , عمره ليلةَ أصبحتِ خطيبة لذاك
وأصبحت أنا أتقلب فوق جمر الجرح والصدمة "
ضغط بها عليه أكثر وتابع " كان هذا ما ضننت أنه سيبرد
حر تلك الليلة لكنه بقي يحرقني لعامين , بقي كتذكار لتلك
المأساة كلما نظرت له "
تنفست بقوة وقلت بدمعة تتدلى من رموشي " لم تنسى يا نواس
ولن تنسى أبدا , لو أعلم فقط لما تكابر على جرحك هكذا
وكأنك تجبر نفسك على تجاهله وليس حتى نسيانه "
نظر للأسفل وشدني لحظنه دون حتى أن يعلق على كلامي
وتنهد بأسى قائلا " آآآآآآآه يا وسن داوي الجراح داويها "
فنزلت دموعي وقلت بحرقة " أجبني على الأقل لما استبدلتني
بها لما تزوجتها لما أحرقت قلبي أقسم أنها كانت أكبر ضربة
قسمت بها ظهري ولا زالت تفعلها لليوم , وآه يا نواس لو تعلم
عن نارها ما فعلتها بي , أرح لي قلبي أخبرني لماذا وماذا تعني
لك إن كنت لا تريد التغاضي عن كل ما حدث مني , إن كنت
لا تريد أن ترحم نفسك فارحمني على الأقل "
شدني لحظنه أكثر ولم يجب كعادته فأمسكت معدتي بقوة لأن
الآلام التي لم تزرها ليومين عادت لها اليوم فأبعد يدي بقوة
وقال بأسى " وسن يكفي وارحميني حتى في حضني تتعذبين
أشعري بي أنا على الأقل وارحمي نفسك ولو من أجلي "
وضع بعدها يده عليها ومسح بحنان وصوت همسه وهوا
يقرأ عليها يصلني بوضوح ثم رفع يده وحضنني أكثر
وقال " أين تضعين حبوبك لأحضرها "
قلت بهمس " أصبحت أفضل ولم أعد أحتاجها "
قبل رأسي وقال " هذا لأنك رحمت نفسك , أنتي تري
بعينك يا وسن علاجك في يدك كما تعبك "
قلت بحسرة " لو كان في يدي ما مرضت من
أساسه فمن يتمنى لنفسه المرض "
مسح على ذراعي وقال بهدوء " أرحمي نفسك
إذا من أجلي يا وسن أرجوك "
قلت بهمس " لم تؤلمني منذ يومين "
أبعدني عن حضنه ورفع وجهي له وقال
" هل كانت تؤلمك يوميا !! "
أرخيت نظري وابتسمت بحزن وقلت " بل قل كم مرة
تؤلمني في اليوم وأحيانا لا تهدأ طوال النهار "
عاد لاحتضاني مجددا وقال بحرقة " سحقا لك يا نواس سحقا "
تمسكت بحضنه وقلت ببكاء " لا .... لا تدعي على نفسك
أنت آخر من بقي لي توقف عن قول هذا "
أبعدني عن حضنه مجددا ومسح دموعي وقال
" يكفي بكاء حتى متى سنعيش في الحزن "
ثم أبعد خصلات شعري عن وجهي وقال مبتسما
" كيف الحل مع هذه ؟ كيف ترين معها "
ضحكت ضحكة صغيرة غلبتني فقبل خدي وقال مبتسما
" نعم دعيني أرى وأسمع الضحكة التي ماتت منذ أشهر طويلة "
خيم الحزن على ملامحي وكنت سأقول أنت من قتلتها
حين ماتت ابتساماتك لي لكن قبلته المجنونة أوقفت
كل ذلك ككل مرة حين يقتل الكلمات على طرف
شفتاي كي لا تخرج
عند الصباح فتحت عيناي وحاولت التحرك لكن ذراعه
التي تحضنني لصدره منعتني من ذلك وكل مناي أن أخرج
قبل أن يستيقظ , حاولت سحب نفسي منه ببطء لكنه شدني له
أكثر فقلت بهمس " نواس أتركني إنه وقت الصلاة "
أبعد حينها ذراعه فاردا لها وعيناه ما تزالان مغمضتان
وغادرت أنا السرير مسرعة ودخلت الحمام استحممت
وخرجت فلم يكن في الغرفة ومؤكد صعد ليستحم ويدرك
الصلاة وأستغرب كيف له الجرأة يدخل غرفتها هذا الوقت
ليستحم عندها وأستغرب أكثر لا مبالاتها فيبدوا لم تصب
بداء الحب لمَا كانت قبلت ولا بوجودي هنا
صليت ولبست فستانا خريفيا لنصف الساق وجففت شعري
وجمعته للخلف لتتساقط خصلاته من الأمام فأبعدتها مبتسمة
لتذكري لكلامه عنها ثم سرعات ما شعرت بغصة في حلقي
وماتت ابتسامتي , لا أعلم لما لا أستطيع تجاهل ما حدث وأنه
متزوج بها وأن لها فيه ما لي وقبلي , لا أعلم حتى متى سيكسر
هذا الأمر سعادتي , ضممت وجهي بيداي وبدأت بالبكاء وقلت
بحرقة " كيف أنسى هذا وأتجاهله كيف ؟ أقسم أنني تعبت "
بدأت أشعر بالآلام في معدتي وعضلاتها تتقلص فمسحت
دموعي وأبعدت كل ذلك عن تفكيري وتركت المجال فقط
للحظات السعيدة لي معه ليلة البارحة فهي كانت مختلفة
حتى عن سابقتها كل كلماته كانت مشبعة بالشوق والعشق
وأرضى الأنثى بي لأقصى حد
خرجت بعدها من الغرفة وتوجهت للمطبخ , كان المنزل هادئا
ولا حركة حتى لراضية , دخلت المطبخ وفتحت الثلاجة أخرجت
العصير وحمصت بعض الخبز فعليا الذهاب للجامعة مبكرا , نظرت
بعدها جهة الباب الخارجي للمطبخ وتوجهت نحوه وفتحته ليدخل
منه ضوء النهار والهواء البارد , لما يتركونه مغلق دائما كم
غيّر هذا في كآبة المكان فالمنزل لا يدخله النور الطبيعي أبدا
ولا هواء نسائم الفجر الرطبة الجميلة وأصوات صهيل الخيول
وقفت عند الطاولة مولية ظهري له أضع الخبز في الطبق
فشعرت بذراعان طوقتا خصري لأشهق مفزوعة على صوت
ضحكة نواس قائلا " تفتحين الباب ولا تتوقعين دخولي "
رفعت شعري خلف أذني أخفي ارتباكي وقلت بشبه
همس " وما يدريني أنك ستدخل منه "
قبل خدي وقال " لم أكن استخدمه في السابق وظننتها
راضية وكنت سأوبخها لأني أمنع عليها فتحه "
قلت بهدوء " ولما !! الهواء الذي يدخل منه منعش والبحر
قريب جدا من هنا استنشق رائحة الملح وكأننا عند الشاطئ "
شدني له أكثر وقبل خدي مجددا وقال " أعلم لكني لا أريد
لأعين العمال أن ترى غزالتي وهي هكذا "
لذت بالصمت ولم أعرف ما أقول فإن كان العمال يسلكون
هذا الطريق فمعه حق , انتقل بعدها لعنقي وبدأ يقبله قبلات
متتالية وكأنه انفصل عن المكان والواقع ليزيد إرباكي وارتجاف
أطرافي لحظة دخول مي علينا فشعرت أني أصبحت والكرسي
أمامي سواء وأرخيت نظري للأسفل ونواس على حاله ولم ينتبه
لها فقلت بهمس أحاول الابتعاد عنه " نواس توقف عن هذا "
فرفع رأسه حينها ونظر لمي التي اتجهت للثلاجة قائلة
" صباح الخير "
فأجاب عليها ولازال يمسكني من خصري وظهري
ملتصق بصدره ثم عاد يقبل خدي وهي خرجت بقارورة
الماء دون أن يهتم أحدهما لأمر الآخر وخصوصا نواس
ونحن في هذا الوضع ولم يسألها حتى عن ألم رأسها
فملامحها تبدوا متعبة جدا
ابتعدت عنه بصعوبة وقلت بتذمر " نواس ما هذا
الموقف الذي وضعتنا فيه "
أمسك بذراعي وسحبني نحوه وأمسك وجهي بيديه قائلا
" وما في الأمر زوجتي وحلالي "
أبعدت يديه وقلت " وهي هل ستفعل هذا معها أمامي "
نظر لي بصدمة من كلامي فوضعت أصبعي على شفتاي وقلت
بحرقة وعيناي تمتلئ بالدموع " إياك وفعلها أمامي يا نواس
أقسم أن أفقد عقلي إن فعلتها "
قال بصدمة " وسن ما هذا الذي تقولينه "
نزلت أول دمعة وقلت " لا تنهي قتلي بها يا نواس أقسم
أنه حتى تخيلها يحرق لي قلبي قبل أحشائي "
ثم غادرت المطبخ راكضة حتى وصلت غرفتي وارتميت على
السرير واحتراق معدتي هذه المرة لا مزاح فيه ولا تهاون ليخرج
أنيني رغما عني فسمعت خطواته داخلا للغرفة ثم جلس بجواري
على السرير وقلبني على ظهري قائلا بحدة " وسن يكفي لن
يحدث ذلك أبدا ولن تريه فتوقفي عن تعذيب نفسك "
أمسكت خصري بقوة وتكورت على نفسي فصرخ قائلا
" وسن يكفي توقفي قلت لك واطردي هذه الأفكار من
رأسك فأنا ومـ .... "
فقطع كلامه صوت راضية وهي تدخل راكضة وقالت
" ما بكما ما بها أفزعتنا بصراخك ومي في
أول الممر مشغولة عليكما "
نزلت دموعي وبدأت بالبكاء فأمسك ذراعي وأجلسني
وضمني له وقال " كل شيء بخير لا تقلقا "
فخرجت حينها وزاد هوا من احتضاني أكثر حتى
خف بكائي وابتعدت أنا عنه وقلت
" تأخرت على ملاك أريد الذهاب لجامعتي "
أمسك يدي وقال " وأنتي متعبة هكذا "
هززت رأسي بلا وقلت " سأكون أفضل "
وقف وقال مغادرا الغرفة " غيري ملابسك وأنا من سيوصلك "
وخرج دون أن يسمع حتى رأيي في الأمر
*
*
خرجت من غرفتها وكأني أجنبها رؤيتي بل أجنبها أي شيء
يزيد من أوجاعها , لما لا تساعديني يا وسن لما لا تفهمي أني
لا أريد أن أخسرك , أخسر نفسي أخسر حياتي لكن لا تطلع
عليا شمس صباح لستِ فيه , الجراح نجتازها الماضي قد ننساه
لكن الفقد ما الذي يعوضه بل أن تموتي أمامي بالعرق وأنا أتفرج
لأنه لا حيلة لدي ، هززت رأسي أطرد حتى التفكير في الأمر
ومررت بمي واقفة في بداية الممر فقالت " نواس "
وقفت والتفت لها فقالت بقلق " ما بكما كنتما منذ قليل
بأفضل حال ما جعلك تصرخ عليها هكذا "
نظرت للأرض وقلت بهدوء " لا شيء يا مي لا
تقلقي وسأوصلها الآن لجامعتها "
قالت بعبرة " لما حدث ما حدث بعدما دخلت عليكما في
المطبخ أقسم لو كنت أعلم أنكما هناك ما دخلت "
قلت بتذمر " مي توقفي عن إلقاء اللوم على نفسك "
فغادرت بخطوات راكضة وهززت أنا رأسي بقلة حيلة ثم
خرجت لسيارتي , ما أفعل معكما أنتما الاثنتان ؟ لا مي
أسعدتها كما وعدتها ووعدت نفسي ولا وسن أنقدتها من
دنو الورم منها , قد يكون الحل أن افصل الطابقين وأجعل
مطبخا للطابق العلوي وخادمة وسلالم خارجي لتنفصل عنها
علها ترتاح وترحمني , لكن هذا أيضا ستضع له احتمالا واحدا
وهوا أني أريد إبعادها هي عن مي وليس فصل مي عنها
ركبت السيارة وأغلقت بابها بقوة واتكأت على المقود وأشعر
أن هموم حياتي كلها في كفة وهمي الآن في كفة لوحدها وأنا
أفكر في الطريقة التي تتوقف بها أوجاعها حتى أني كدت
أرتكب حماقة جديدة وسأخبرها مجددا بطبيعة وضعي مع مي
متناسيا مشاعر مي وحقها كزوجة علي أن اكتم ما قد يجرحها
لو فقط وسن تقدر الوضع وترحم نفسها وترحمني , آآآآه هل
ستضحك على نفسك يا نواس وتضع اللوم عليها وأنت من لم
تستطع ولا تزويجها بغيرك فتخيل أن يكونا أمامك ، شعرت
بباب السيارة انفتح فرفعت رأسي ونظرت لها تركب الكرسي
بجانبي وأغلقت الباب دون أن تنظر لي ولا تتحدث ويداها
تحتضن حقيبتها ومذكرتها التي في حجرها فشغلت السيارة ثم
أطفأتها مجددا فنظرت لي باستغراب فألتفت بجسدي ناحيتها
وأمسكت يدها وقبلتها ودسستها في حضني وقلت
" ما الذي يرضيك ويوقف أوجاعك شوري به علي
وأنفذه هل تريدي أن يكون منزلك وحدك "
امتلأت عيناها بالدموع التي تكابدها كي لا تسقط وقالت
ببحة بكاء " أريدك لي وحدي لا أحد يشاركني فيك "
ضغطت على يدها بقوة ولم أعرف ما أقول ثم رفعتها
لشفتاي وقبلتها مجددا ووضعتها على قلبي وقلت " أنتي
هنا يا وسن في قلبي وأقسم أنه ولا واحدة تشاركك فيه "
سقطت دمعتها وقالت بأسى " ومي أجب عن
هذا السؤال وارحمني "
أنزلت رأسي للأسفل وقلت " مي فرضتها ظروفي
يا وسن لا أنتي ولا أنا السبب في وجودها "
ثم رفعت رأسي لها وقلت " ضعي نفسك مكانها تتزوجين
برجل يتزوج بأخرى هل ترضي أن يرميك من أجلها "
هزت رأسها وقالت بعبرة تتقاطر معها دموعها " ضع أنت
نفسك مكاني ولتضع هي نفسها فيما أنا فيه ، أنا أحبك بجنون
يا نواس هل تعي معنى هذه الكلمة أعشقك ولو الأمر بيدي
لا يشاركني أحد في حضنك ولا حتى خيولك "
أمسكت وجهها بيداي وقبلت جبينها وقلت بحزن " لا أحد
يأخذ الحنان والحب من حضني مثلك يا وسن ولا حتى خيولي
ولا كل نساء الأرض قدري ظروفي يا وسن أرجوك "
دست وجهها في صدري وقالت ببكاء " أَفهمني السبب إذا
أقنعني بالشيء الذي لم تقتنع أنت به لسنوات لا حين صرت
خطيبة لخالد ولا حين كنت سأصير زوجة لسليمان أخبرني
كيف أرضى بما لم ترضى به أنت , كيف أقتنع بما عجزت
عن أن أُفهمه لك في أكثر من عامين ارحمني
أنت يا نواس وقدر مشاعري "
حضنتها بقوة ولم أعرف ما أقول هل أقول لها اصبري قليلا
وسأطلقها ومي طلبت مني البارحة أن لا أخرجها من هنا أم
أخبرها بما بيني وبينها وسبب زواجي بها وأنقض العهد , لا
أستطيع فعلها الموت أرحم لي من ذلك ، أبعدتها عن حضني
ومسحت دموعها وقلت " يكفي يا وسن يكفي أرجوك
كم مرة سأقولها وأترجاك "
مسحت دموعها واستوت في جلستها على كرسيها وساد
الصمت سوا من صوت شهقاتها الصغيرة فقلت بهدوء
" لا داعي لأن تذهبي للجامعة اليوم "
هزت رأسها بلا وقالت " لا يمكنني التغيب هذه الفترة "
تنهدت بقلة حيلة وشغلت السيارة وخرجنا ولم نتحدث باقي
الطريق لأني أمضيتها أجيب على اتصالاتي من أجل الخيول
التي سيتم نقلها اليوم والبضائع التي ستنزل الميناء حتى وصلنا
جامعتها ونزلت في صمت وطلبتُ من السائق إرجاعها للمنزل
فيما بعد ولم أرجع له باقي النهار ونمت في غرفتي في منزل
والدتي وعند الصباح توجهت للمزرعة ولم أدخل المنزل
توجهت للإسطبلات فوقف وليد ما أن رآني وقال
" هل نتحدث الآن فيما تركناه معلقا "
قلت مجتازا له " ليس الآن حتى أتحدث معها أولا "
وأمضيت هذا النهار كسابقه ولم أدخل المنزل ولا من
أجل تناول الطعام لأني إن دخلت ستسحبني قدماي لها وستفتح
ذات الموضوع وتبكي وتتعب نفسيتها وإن تجنبتها ستكون
النتيجة واحدة فالأفضل أن أجنبها رؤيتي في كل الأحوال
حتى أجد حلا لكل هذا
*
*
نظرت لرسالته للمرة العاشرة الرسالة التي أرسلها صباح اليوم
وجعلتني مخدرة لباقي النهار ( لم يُعلم الصباح أحبتي أن يشتاقوا
فلُمت على الصباح فقط كي لا ألوم عليهم .... اشتقت لك غزالتي )
ضممت الهاتف لحضني وأنا أشعر حقا بالاحتياج والفقد والشوق
فيومان أصبحا عبئا كبيرا على قلبي لا يحتملهما كما في السابق فهذا
الرجل يعرف كيف يجعلني أعشقه كل يوم أكثر لأكتشف أن عشق
القرب أقوى مئات المرات من عشق البعد ، رميت الهاتف على السرير
وأخذت وشاحا خريفيا ولففته على جسدي فالجو هنا يبرد كثيرا في
الليل وخرجت من غرفتي وعبرت الممر الطويل حتى صرت في
وسط المنزل ودخلت المطبخ وفتحت النافذة ونظرت منها فكانت
سيارته ما تزال هنا فخرجت منه مسرعة أفكر أين سيكون الآن
فكرت أن أراه من نافذة غرفتي لأعلم إن كان هناك كما تلك الليلة
أو في .... شعرت بقلبي انقبض فسرعان ما أبعدت تلك الأفكار
من رأسي واتجهت جهة باب المنزل وأنا أتمتم " ليس معها ليس
في الأعلى نواس يحبني أنا أجل قالها أنا وحدي في قلبه "
وصلت للباب وكدت أموت فرحا حين وجدته مفتوحا وهذا إن
عنا يعني شيئا واحدا أن نواس في الخارج ولم يدخل ، فتحت
الباب وخرجت أخطو الخطوات ألف حول المنزل حتى صرت
عند ساحة الخيول ولم أجد أحدا فتحركت في المكان وكان الظلام
حالكا والوقت متأخر ولم أعرف أين أبحث أيضا حتى شعرت
بحركة في الجهة المظلمة فشعرت بالخوف فعدت راكضة
لتمسك يد بذراعي وسحبتني لأرتفع عن الأرض صارخة بخوف
لتسكتني الشفاه التي همست لي " ما أخرج غزالتي هذا الوقت "
لأكتشف أني بين ذراعي نواس الذي حملني عن الأرض
وضم رأسي لحضنه فتعلقت بعنقه وقلت بهمس
" أخفتني جئت من أجلك طبعا "
سار بي نحو كراج سياراته قائلا " ولما لم تتصلي بي لتري
إن كنت هنا أو لا أو حتى رسالة أين أنت اشتقت لك هل
أنت بخير معقول زوجة مهملة هكذا "
كان وجهي مختبئ عنه أدسه في عنقه متشبثة به ولم أعلق
على كلامه حتى أنزلني لأجد نفسي أمام سيارته الصحراوية
فنظرت له بحيرة ففتح بابها الذي بجانب السائق وقال
" اركبي ... قليلا وسأعود "
****************************************************
******************************************