الفصل الرابع
دخلت المنزل متوجهة من فوري لغرفتي التي أغلقتها
خلفي ولحقت بي فرح وأمسكتني من ذراعي قائلة
" وسن ما بك لما عدتما سريعا "
خلصت يدي منها وقلت " اتركيني وحدي "
سحبتني قبل أن أصل للسرير وقالت
" وسن على هذه المهزلة أن تنتهي أنتي تدمرين نفسك
بسجنها في هذا السرير هل تعلمي ما قال الطبيــ ... "
صرخت فيها بحرقة " أخرجي واتركيني وحدي قلت لك "
قالت بصراخ غاضب ملوحة بيدها في
الهواء " لا لن أخرج ويكفيك انطواء على
نفسك لقد دمرتِ صحتك "
قلت بغضب " وما الذي تبقى فلتذهب هي أيضا "
ثم ارتميت على السرير أمسك اللحاف وأضغط به على
النار المشتعلة في أحشائي وأئن بوجع مكتوم فجلست
بجواري وقالت ببكاء " وسن تكلمي قولي ما في قلبك
خففي على نفسك شقيقتي الحبيبة "
قلت بصعوبة " اتركيني يا فرح أرجوك "
قالت بهدوء " هل تحدثتما ماذا قال لك "
قالت بألم " لم يقل شيئا ولن يقول بعد اليوم ولن
أسمع منه , انتهى كل شيء "
خرجت وعادت بعد قليل وأجلستني مرغمة وهي تقول
" خذي الحبوب هي مسكنات للآلام فقط ستريحك وتنامي "
أخذتها منها وعدت مرتمية على السرير فغطتني
باللحاف وغادرت وتركتني لألمي وبكائي وهمومي
ودموع تحتضنها وسادتي , لأول مرة أراه ليس نواس
الذي أعرفه الذي أحببته لسنين منذ رأيته أول مرة وأنا في
منزل خالتي حين فوجئت بشاب لا أعرفه يقف عند الباب
يدخل دون أن يفتح له أحد , نظرت له وكأني لأول مرة في
حياتي أرى رجلاً , كنت في الخامسة عشرة حينها لكني كنت
بعقل فاق سني كما يقول الجميع فكم كرهت حديث زميلاتي
عن الشباب والعلاقات الغرامية والرسائل واللقاءات وكل
تلك الأمور التي تعبث بعقول المراهقات , لكن ذاك الذي
رأيته يومها كان من كوكب آخر وشيء ما في قلبي قال لي
هذا لك أنتي ملكك منذ سنين , كنا نحدق في بعضنا وكأن كل
واحد منا يرى الجنس الآخر للمرة الأولى لأستفيق لنفسي
فركضت نحو خالتي وغطيت شعري وأنا أقول
" خالتي هناك شخص غريب في البيت "
نظرت لي بصدمة وتوثر ثم قالت
" من الغريب الذي سيدخل أنتي تتخيلي يا وسن "
هززت رأسي وقلت " لا متأكدة , إنه عند البـــ .... "
قاطعني حينها طرقات على الباب وصوت رجولي
عميق يقول " أمي هل أنتي هنا "
قفزت حينها خالتي وقالت بصراخ " نواس ابني نواس "
ثم ركضت للخارج ولم أسمع بعدها سوى بكائها
وصوته الثقيل وهوا يقول " أمي لما البكاء الآن أنا
مشتاق لضحكتك لا لدموعك "
نواس الفتى الذي غادر البلاد وهوا ابن السابعة عشرة ولا
نعرف عنه سوى حديثهم المحب له وحكايتهم القديمة عن
طفولته , الشاب الذي كل ما أعرفه عنه رسائل تقرأها
خالتي بدموع وسلام منه لنا جميعا بالاسم واحدا واحدا
ونقود يعيل بها والدته وشقيقه الوحيد , رجل لا أعلم
أحببته قبل أن أعرف من يكون ومن نظرتي الأولى له
أم أحببت حبهم له وحديثهم عما فعل من أجلهم وما
ضحى به وهوا فتى لم ينهي دراسته الثانوية بعد , حب
احتل قلبي ليكبر مع الأيام والسنين لأجد نفسي خطيبة له
بعد عام من قدومه لأن والدي رفض موضوع الزاج قبل
سن التاسعة عشر أو العشرين لنستمر بعدها مخطوبان
لأربعة أعوام , لا أعرفه كالخطاب الآخرين لا مكالمات
ليلية لا رسائل غرامية ولا خروج برفقته ولا حتى مع خالتي
كان كل شيء بالنسبة لي ليتحول عالمي للآ شيء من دونه
يوم زارني والدي في غرفتي وحكا لي حكاية كالخيال عن
ديون وتجارته في دكانه وتاجر كبير وسجن ومبالغ خيالية
ليفجعني بأني طوق نجاته الوحيد لأني سأكون القربان
لذاك الرجل لأني سلعة ستكون ثمن تهور والدي وتوقيعه
على كل تلك الشيكات , لم أعرف ما أجيبه وأنا أرى الترجي
في كلماته وعينيه فلذت بالصمت لأجد نفسي بعد ساعة
مرتبطة به بل مخنوقة به وخبر خطبتي منه في كل مكان
فبدأت مأساتي وأصبحت الشيكات تحت توقيعي بدلا من
والدي كي تكون مهري ليلة الزواج منه وكأن أحدهم أخبره
أن والدي سيموت وعليه أخذ الوعود والمواثيق لكي لا نخل
بالاتفاق , لم أرى نواس بعدها لأشهر وكأنه ذاب من العالم
لم يكلمني ولم يعاتبني , اختفى فقط كالحلم الطويل الذي
استفقت منه وكالسعادة التي أعطوها لي لخمس سنين
وأعادوها في ظرف ساعة , وبعد عشر شهور مات والدي
وشقيقي في حادث سيارة وأصبح ذاك التاجر يطالب بنقوده
أو بي إما أنا أو نقوده أو السجن فرفضت الزواج منه بعدما
ضاع والدي ورضيت بالسجن على الارتباط بمثله ليخرج
نواس مجددا ويسدد كل تلك الديون التي من ضمنها طعنتي
له يوم ارتبطت بغيره وزواجنا بعد شهر ومن ضمنها صدمته
والسكين التي ضربه بها والدي في ظهره واستبدله بغيره
لم يقبل بعدها أعذاري ولا شرحي للأمر وأني لم أوافق
وكنت في موقف سيء وإن كان في مكاني لفعل مثلي
وهوا من ضحى بدراسته ومستقبله وأحلامه من
أجل عائلته فلما أنا لا يحق لي
*
*
كان اليوم سيئاً على الجميع وأولهم وسن وما أصابها
عدت بفرح ووالدتها لشقتهم ولم نتوقف عن الشجار
طوال الطريق , كيف أجزء نفسي لأجزاء بين شقيقي
الأكبر الذي فعل الكثير لأجلي وبين زوجتي التي باتت
تكرهه كرها أعمى درجة أن ترى أنه يتحكم بي وبتصرفاتي
وقراراتي وبين ابنة خالتي التي أعجز عن فعل شيء
لأجلها ونحن البقية المتبقية من أهلها , ما أن وضعتهما أمام
عمارتهم حتى غادرت للمزرعة حيث معتصم ينتظرني
هناك منذ وقت لأننا سنجرب ترويض الفرس الجديدة
العنيدة وهي هوايتنا المحببة , وصلت المزرعة التي لا تبعد
أكثر من نصف ساعة في منطقة شبه جبلية وهي ملك
لنواس حيث خيوله جميعها وتجارته الجديدة وهي ذاتها
مدينة معتصم , وصلت المزرعة ونزلت من السيارة بقرب
ساحة الخيول حيث أراه من بعيد سبقني ويمسك لجامها
محاولا تثبيت حوافرها على الأرض , اقتربت منه وقفزت
من السياج قائلا " سبقتني يا محتال "
قال ضاحكا وهوا يحاول ركوبها
" هل تريد أن انتظرك حتى تنتهي من غرامياتك "
أمسكته وهوا يكاد يقع لأنها جمحت منه وقلت
" أي غراميات يا رجل لا تحسدني على آلا شيء "
ضحك وقال " كان عليك ترويضها قبل أن تتزوجها "
رميت بيدي في وجهه وأخذت منه حبل اللجام وأمضينا
وقتا طويلا نحاول معها وبلا فائدة , إنها مُتعبة ولم يعرف
أحد كيف يتصرف معها , بعد ساعتين من المحاولات
ربطناها لأحد المصالب ووقفنا عندها وقال معتصم
" لا أمل يرجى من هذه الفرس ولم تتعبنا واحدة مثلها "
ضحكت وقلت " يبدوا أننا سنستسلم كما فعل وليد ومعاذ قبلنا "
ضربني على كتفي وقال " بل بقي الرومانسي صاحب
الوشوشات في الأذنين نواس "
ضحكت وفتحت فمي لأتحدث على دخول سيارته
ففك معتصم لجامها وقال " ها هوا جاء مدير
جمعية الرفق بالخيول "
صهلت الفرس حينها حتى كادت توقعه وتضربني
بحوافرها على قفز نواس من السياج ووجه لا إله إلا
الله لا يبشر بخير , نواس ليس من طبعه كثرة الغضب
ولا يغضب بسهولة فما دهاه , أخذ من معتصم اللجام
والسوط وصرخ بنا " أخرجا من السياج "
نظرنا لبعضنا باستغراب فصرخ أكثر " الآآآآآآآن "
قفزنا خارجه على صوت الجلد وصهيل الفرس فالتفتت
للخلف ليظهر لي المشهد الذي لم أره حياتي نواس يضرب
الفرس بقوة بل بعنف وجنون وبدون تركيز , وقفت مصدوماً
دون حرك من هول ما أرى , نواس الأكثر رفقا بيننا في
التعامل مع خيوله يتصرف هكذا ! نظرنا أنا ومعتصم
لبعض وكأننا نتخاطر ذهنيا ثم قفزنا قفزة واحدة لداخل
الساحة وأمسكت اللجام من يد نواس وأمسك معتصم نواس
من ذراعيه محكما قبضته عليه لأنه ببنية جسدية أقوى مني
ثم أبعده عنها وهوا يصرخ به " نواس هل جننت منذ
متى تفرغ غضبك في الخيل "
سحبت الفرس الهائجة بعيداً محاولا تهدئتها ولو قليلا
ومعتصم يسحب نواس للخلف وهوا يريد الخلاص منه
يبدوا أن أموراً كثيرة حدثت معه بعدي فما الذي جعله
يجن هكذا , ترى أتحدث ووسن في موضوع خطبته !
أرغم معتصم نواس على الخروج والابتعاد فغادر مغتاظا
جهة منزل المزرعة واقترب معتصم مني وقال
" هل جن شقيقك أم ماذا "
هززت رأسي بحيرة وقلت " إن لم توصلنا
النساء لمستشفيات الأمراض العقلية فللسجون بالتأكيد "
ضحك بهستيرية مستندا بخشب السياج فقلت بضيق
" نعم تضحك دورك قريب يا عاشق "
وقف على طوله ولعب بيده في الهواء وقال " لن أفضح
نفسي لامرأة قبل أن تصبح كالإشارة في يدي كي
لا انتهي لما انتهيتم له جميعكم "
ربطت لجام الفرس وقلت " من تقصد بكلامك "
ضحك وقفز بقربي في الساحة وقال
" الكثيرين غيركم بل والملايين "
أشرت له برأسي وقلت " هه سنرى يا قوي إن
لم تلعب بعقلك طفلة "
نظر لي بغيض فضحكت وقلت
" هيا نعيد الفرس لإسطبلها وتأخذني حيث
وعدتني البارحة أم نسيت "
قال بضيق وهوا يفك اللجام " وهل ينسى شخص ورائه
أنت , اليوم سيأتي جابر ولا أريد رؤيته لا مزاج لي له لنؤجلها
يومين لندخل الحديقة ونخرج ولا أحد يدري عنا ككل مرة "
ثم سلمني اللجام وقال " سأغادر الآن أراك عند المساء اتفقنا "
قفز خارج الساحة وابتعد فصرخت مناديا له وقلت
" هيه معتصم "
لوح بيده متجاهلا لي وغادر وكأني لا أكلمه , أعدت
الفرس للإسطبل وتوجهت للمنزل ودخلت فقابلني وليد
قائلا " ما به نواس "
قلت بحيرة " ماذا حدث "
أشار بإبهامه خلف كتفه حيث إحدى التحف مهشمة على
الأرض وقال " رماها في طريقه ودخل لغرفته أخذ شيئا
وغادر في السيارة الصحراوية , أين يريد الذهاب "
تنهدت بقلة حيلة وقلت " أعلم أين سيذهب لا تقلق
عليه وسيعود خلال يومين "
وكما توقعت اختفى نواس ليومين وأنا خاصمت فرح ولم
أجب على اتصالاتها يومين أيضاً فعليها أن تعلم أن نواس
ليس كأي شقيق ولن أكافئه على تضحيته لأجلي بأن أعصي
أوامره يوما مهما كنت غير راض عن تهميشه لي فيما
يخص عائلتهم ولأني أفهم أسبابه أمسك نفسي عن مخالفته
*
*
طرقت الباب بقوة وصرخت بها
" وسن افتحي الباب أو جلبت من يكسره "
وطبعا لا حياة لمن تنادي , اقتربت مني والدتي وقالت
" توقفي عن الصراخ لقد فضحتنا مع الجيران
والكل بات يعرف صوتك من أميال ويميزه "
قلت بحدة " والحل يا أمي يومان تسجن نفسها لا طعام
لا دواء لا ماء ولا نعلم حية أم ميتة "
تنهدت وقالت " مادام صوت باب الحمام يغلق وقت كل صلاة
فهي حية وبخير , تعرفينها حين تسجن نفسها لن يخرجها أحد "
قلت بحنق " بل عليها أن تخرج أو تتركني أدخل لها وذاك الأحمق
جواد لا يجيب على اتصالاتي ليأتي ويكسر الباب أو يجد لنا حلا "
قالت بحدة " وكيف سيجيب عليك بعد سيل الشتائم الذي وجهته له "
قلت ببرود ونظري على الباب " تلك هي الحقيقة ولم أكذب فيها "
هزت رأسها بقلة حيلة وقالت " ابنتي ولن تتغيري , حين
يجن جنونك لا تميزي الصواب من الخطأ "
قلت بنفاد صبر " أمي ارحميني أقسم لست
بمزاج عتاب ولا توبيخ "
تأففت وغادرت وطرقت أنا الباب مجددا وقلت برجاء
" وسن افتحي لي الباب هل ترضين بعذابك وعذابي معك "
ولا جواب طبعا فضغطت على أسناني بقوة وقلت
" أقسم يا وسن وها قد أقسمت إن لم تفتحي الباب الآن
اتصلت بنواس ليحظر حالا ولك أن تختاري "
بعد قليل فتحت الباب وتوجهت من فورها جالسة على
السرير فدخلت وقلت بضيق " ما الذي ستجنيه من سجنك
لنفسك سوى خسارة محاضراتك والموت جوعا "
قالت ببرود وعيناها على الأرضية " لن أذهب لها بعد اليوم "
فتحت فمي من الصدمة وقلت بتلعثم " ما ماذا ... أأعيدي "
نظرت لي وقالت " لن أدرس بعد اليوم ولن آخذ مليما منه
وسأعمل كي لا نعيش عاله على أحد ولديا دين كبير
عليا أن أسدده ولو بالدرهم "
قلت بصدمة " وسن هل تعي معنى ما تقولينه وهل
تضني أن نواس سيرضى "
قالت بلامبالاة " تلك مشكلته وما لدي قلته وهوا ليس
مسئول عني لا هوا والدي ولا شقيقي ليتحكم بي "
قلت بجدية " ولكنه وليك قانونيا "
قالت بضيق " وهل الولي القانوني يتحكم بي أدرس أم
لا وأعمل أم لا هذه حرية شخصية ولن يثنى كلامي
هذا إلا الموت فليقتلني أولا حينها "
****************************************************
******************************************
دخلت المدرسة بخطوات ثابتة وسريعة بعض
الشيء وتوجهت من فوري لمكتب المدير فوجدت فتاتين
هناك تعطيان الباب بظهرهما مقابلتان له , كنت سأعود
أدراجي لكنه أشار لي بيده أن أدخل فدخلت ملقيا عليه التحية
وصافحته وجلست لتظهر لي الفتاتان وهما وجدان وسما
وكانت وجدان تنظر للمدير بكل ثقة وابتسامة انتصار وسما
رأسها للأرض تمسح دموعها , قال السيد منصور
" الحقيقة لدى إحداكما ويجب أن تظهر "
قالت وجدان بجدية " أقسم أن هذا ما حدث
والدليل واضح أمامك "
رفعت سما عيناها المحمرتان من البكاء وقالت
" لا ليس صحيح وأنا لا أعرف ذاك الشاب ولم أقابله
حياتي ولا أعلم من أين جاءت هذه الرسائل "
قال بحزم " وكيف تدخل حقيبتك وأنتي لا تعلمي , هل
تعي معنى أن تتهمي إحدى زميلاتك أنها من دسها لك
وهي بريئة ... إنه الطرد يا سما "
قالت برجاء مكسور " لما لا تصدقني منذ متى وأنا أفعل
هذه الأمور , أنا لم أعرف شبابا في حياتي كيف أتفق معه
على موعد عند سور المدرسة , أقسم أني بريئة "
ضرب بيده على الطاولة وقال بحدة " سأعرف بطريقتي
والمذنب لن يسلم من العقاب "
اقتربت منه وهمست له في أذنه " اصرف وجدان واترك الأخرى "
نظر لي بحيرة ثم نظر لهما وقال " وجدان عودي لفصلك "
خرجت باستعلاء بعدما رمت سما بنظرة سخرية فقلت ما
أن خرجت " ما القصة يا سما وما علاقتك بالأمر "
كان السيد منصور سيتحدث لكني أشرت له بيدي فسكت
فقالت ببكاء " وصل بلاغ للمدير أنه توجد في حقيبتي رسائل
من شاب يكتب في الأوراق اسمي وكانت بالفعل في حقيبتي
لكني لم أكن أعلم عنها أقسم وربي يشهد على ذلك "
تنهدت وقلت " توقفي عن البكاء وامسحي دموعك
واحكي ما حدث منذ أول حصة لي معكم "
مسحت دموعها بكم زيها المدرسي وقالت " لم أعد أستمع
لأوامرها لا أمسح السبورة ولا أفتح باب الفصل وأرفع يدي
للإجابة أيضا فكادت لي هذه المكيدة أقسم أنها وراء هذا "
قلت بجدية " والدليل يا سما كيف تتهمينها دون دليل ألا تعلمي
أنها ستستغل هذه النقطة لصالحها وستتضررين أنتي "
هزت رأسها وقالت " أنا مطرودة في كلا الحالتين اتهمتها
أو لا , على الأقل أحاول إثبات براءتي "
قال في السيد منصور " وإن حضر الشاب للمكان الموجود
الورقة وحسب الموعد "
قالت بثقة " دعه يتعرف على شكلي إن استطاع
أقسم أنه لن يستطيع ذلك "
قال من فوره " وإن تعرف عليك "
مسحت خدها وقالت " مكيدة أقسم أنها مكيدة وأنت تعلم كما
الجميع أنه لا سند لي مثلها يردعكم عني لكني ما علمت أنك
ظالم أبدا وتحدثت وقلت ما قلت على أمل أن تنصت لي
وتنصفني فلا أحد لي بعد الله غيرك , لما كلكم ضدي ؟ اسأل
الأستاذ نزار هوا يعلم ما تفعله وجدان ورفيقتاها بنا "
قلت له بهمس خافت " دعها تعود لفصلها "
نظر لي بجمود فأومأت له برأسي بثقة فنظر جهتها وقال
" عودي لفصلك الآن وسأتحقق من الأمر بنفسي "
أنزلت رأسها للأسفل وقالت " شكرا أستاذ نزار "
وغادرت من فورها وكأنها تخبر المدير بخذلانه لها
بشكرها لي فقط , ما أن خرجت نظرت له وقلت
" بالفعل تلك الطالبة تكيد لزميلاتها "
قال بجدية " كيف نتهمها دون دليل "
قلت بضيق " وما الدليل إن كنتم لن تصدقوا كلام الطالبات "
قال بعد صمت " والد الفتاة صاحب منصب في الدولة
وليس من مصلحة أحد إيذائها تفهمني يا نزار بالتأكيد
فلا تورط نفسك في مشاكل لست ندها فهي ابنته المدللة "
وقفت وقلت " وهل ستسمح لها أن تعتوا في الأرض فسادا
فقط لأنها ابنته , هي تمنع الطالبات حتى من رفع أيديهن
للإجابة ومن خالفها كادت له لتطرده وقد هددتهن
بذلك وبصريح العبارة "
تنهد وقال " يجب أن يكون هناك دليل أقدمه لوالدها "
قلت بضيق " لا تطرد سما إذا أم أن ذلك أيضا يحتاج لدليل "
ضحك وقال " أجلس هيا وأخبرني ما قصتك مع هذه
الفتاة لتغضب هكذا من أجلها "
جلست وقلت ببرود " أنا لست غاضب من أجلها بل
من تصرفات الأخرى وصمتكم عنها "
قال ببرود مماثل " إن تأكدت أنه قادم لأجلها
فولي أمرها أو الطرد "
قلت بضيق " وما مشكلتك مع ولي أمرها "
قال " ترجتني مرتين أن لا أفصلها لأنه لا يمكنه الحضور
وأخبرتها أني لن أخرق القوانين مجددا إن لزم الأمر إحضاره "
قلت بحيرة " ولما ترفض الإفصاح عن السبب "
رفع كتفيه بلامبالاة وقال " الحال كما رأيت بنفسك
ترفض الكلام وصديقة والدتها تلك لم تعد تجيب على
اتصالاتنا لأن هاتفها مقفل على الدوام ولا علم لنا سوى
عن اسم المدرسة السابقة لها "
قلت باستغراب " أليست طالبة لديكم من أول العام "
هز رأسه بلا وقال " جاءت بعد بدايته بشهرين "
قلت من فوري " ولما لا تستعلمون عنها , أعني اسم عائلتها "
قال بهدوء " هذا ليس من شأننا أنت تعلم هذه الثانوية خاصة
ولا احتكاك لنا بأولياء الأمور إلا إن جاؤوا بأنفسهم أو استدعينا
أحدهم لسبب من الأسباب المدرجة في القوانين , صديقة والدتها
كانت على اتصال بنا وانقطعت عنا من مدة , هي لا تحمل نفس اسم
عائلتها أو عائلة والدتها لكنها هي من سجلتها لدينا وحتى اسم الفتاة
في أوراقها جميعها لا يحمل لقبا لها فقط سما أحمد عبد الله , لا
والدها ولا والدتها كل شيء مبهم ولا يحق لنا التدخل , وكما أنت
تراها أمامك كثلة من الصمت والغموض "
قلت بحيرة " غريب أمر هذه الفتاة وتبدوا
خائفة جدا ومن كل شيء "
لاذ بالصمت فقلت " ما اسم مدرستها السابقة ؟! "
ضحك وقال " أخبرتك أن تخبرني عن قصتك معها "
قلت بضيق " يالها من مخيلة هذه التي لديك
إنها طفلة أمامي أتعي هذا "
اكتفى بالابتسام دون تعليق وأخرج ملفها وقال
" مدرسة الرجاء الثانوية للبنات "
نظرت له بدهشة وقلت " هذه المدرسة تكاليفها
باهظة جدا ومشهورة "
رفع كتفيه وقال " صديقة والدتها تلك دفعت لنا ثمن الثلاث
أعوام كلها أي لن تعجز عن الدراسة في تلك المدرسة "
وقفت وقلت " هذا جرس الحصة عن إذنك "
*
*
لا أعلم لما المواقف السيئة تكون بحضور ذاك الأستاذ
فلا فضيحة تحدث لي إلا وهوا شاهد عليها , منذ يومين
دبرا لي مقلب وأوقعاني في الممر على لحظة دخوله وساعدني
لأقف وانهرت باكية من الإحراج فازدادت غيضا وكرها لي
لأنه أوقفني وكأنها تحسدني على الموقف المحرج ذاك , كانت
وقعت هي وحضت بتلك الفرصة الذهبية بدلا من إحراجي , دخلت
الفصل وجلست في مقعدي وبعد قليل انتهت الحصة وخرج معلم
الفيزياء فوقفت والتفتت لي وقالت " تريدي توريطي في
غرامياتك إذا , سترين يا ... هه حبيبة أستاذك "
نظرت لها بصدمة على صوت شهقات البنات كلهم وفتحت
فمي لأتحدث فطرق أحدهم الباب ودخل الأستاذ نزار لأنها
حصتنا معه فجلستْ هي بعد أن رمتني بنظرة احتقار وجلست
أنا أمسح دموعي التي رفضت التوقف ولم أنتبه حتى لما يشرح
في الحصة لأني كنت منهارة تماما وهوا اكتفى بالصمت دون
أن يوبخني ولا يخرجني وبعد نصف ساعة قال وهوا يكتب على
اللوح " سما أخرجي واغسلي وجهك واشربي بعض الماء ويكفي بكاء "
وقفت وغادرت الفصل متوجهة لدورة المياه وأكملت بكائي هناك
ثم غسلت وجهي وعدت للفصل وجلست مكاني في صمت وكان
هوا جالسا على كرسيه وأمامه أوراق الاختبار المبدئي لنا لأنه
دخل على نصف العام تقريبا ولا يريد أن يعتمد درجات المدرس
السابق فقط , كان نظري على الطاولة ولم أرفعه فوصل صوته
قائلا " طبعا نتائج الاختبار ليست مرضية لي كيف لطالبات في
الثانوية العامة أن تكون إجاباتهم بهذا الشكل المخزي "
عم الصمت بعدها سوى من صوت تحريكه للأوراق
ثم قال " سما "
نظرت له من فوري بخوف , لما يُدم النتائج ثم أنا أول من
ينادي باسمها ؟ وقف بعدها وأخذ دبوسا من لوحة الإعلانات
خلف كرسيه حيث يثبت لنا المعلمين إعلانات الامتحانات
عليها وتبث ورقتي هناك وقال " علامة كاملة وورقة مرتبة
ونظيفة , كل من أراد منكم حل لإحدى المسائل يرجع لورقتها
لا أعلم فيما تنقص عقولكن عنها "
ثم عاد لكرسيه وجلس وقال " سلمى وثريا ونوال كانت درجاتهم
جيدة وهناك طالبة تعرف نفسها جيدا أقول لها لا داعي للكلام بين
الأسطر والإشارات الهابطة لأنه لا يمكن اللعب معي ولا بي وقد
حصلت على صفر وهي تستحقه وإن كان لديها اعتراض فلتقف
ما أن تصلها ورقتها وعليها أن تتدارك الأمر في باقي الاختبارات
كي لا ترسب لأني سآخذ من هذا الاختبار ثلث الدرجة "
قلب بعدها الأوراق وقال مادا بهم للطالبة أمام كرسيه
" وزعيها عليهم دون أن تقلبيها أسمائهم في الخلف "
رن حينها جرس الحصة فوقف من فوره مغادرا ووقفت
وجدان وتوجهت لورقتي وأمسكت طرفها بأطراف أصابعها
وقالت " انظروا وهذا الدليل يعلق ورقتها على اللوح "
قالت الأخرى " نعم دليل واضح وملموس "
وقفت وقلت بغضب " كاذبة وكريهة أرينا ورقتك إن استطعتِ
أم أنك الفتاة التي تحدث عنها , هل تحاولي رشوة المدرس "
صُدمت دون كلام وتأكد شكي أنها هي فقالت متداركة الأمر
" خطة فاشلة لتغيير الموضوع يا ثنائي الغرام "
قلت بغيض " لن يصدقك أحد "
نظرت للطالبات وقالت " هل من معترض على كلامي "
نظرن لبعضهن بصمت ودخلت حينها معلمة المادة الأخرى
وجلسنا, كنت سأضربها على كلامها لكني الخاسرة
الوحيدة في ذلك , إن طردني المدير سأضربها حتى
أتعب قبل أن أغادر وألقنها درسا لن تنساه وأمام الجميع
*
*
غادرت الفصل خارجا من المدرسة , لدي الحصة بعد القادمة
عند السنة الثالثة أي معي خمس وأربعين دقيقة لأذهب وأعود
المدرسة ليست بعيدة كثيرا أي أن الوقت يكفيني, ركبت سيارتي
وضحكت على نفسي , يبدوا أن جابر أصابني بعدوى المحققين
ولكن عليا معرفة سر هذه الفتاة ولما تخفيه , وصلت لمدرستها
السابقة ودخلت لمقابلة المدير , طرقت الباب ودخلت فوقف
مرحبا بي فصافحته وجلست قائلا " جئت أريد منك بعض
المعلومات عن طالبة كانت تدرس لديكم بداية العام في السنة
الأولى وانتقلت من هنا بعد شهرين "
أخرج ورقة وقال " أعطني اسمها وسبب السؤال عنها "
قلت " سما أحمد عبد الله هي طالبتي لي الآن في مدرستها
الجديدة ومستواها في المادة فوق الممتاز وبدايتها كانت لديكم
وأود عمل بحث عن تفوق الطلبة في المراحل الثانوية وأسبابه "
نظر لي بفخر وقال " الجذور دائما هي الأساس فاذكر اسم مدرستنا "
يالك من متعجرف ألا يكفيك شهرتها , قلت بابتسامة
" هل لي أن أعلم من الذي سجلها لديكم ومن سحب ملفها ولما "
نظر لي باستغراب ثم قال " من المفترض أن تسأل
عن معلميها وليس من سجلها "
قلت بثقة " لكل مرحلة أسئلتها ونحن في المرحلة الأولى "
نظر لي باستفهام ويبدوا أنه مغرور ولا يريد أن يظهر
غبائه لي فقال " والدها قام بتسجيلها بداية العام وسحبت
ملفها صديقة لوالدتها تدعى عفراء "
قلت من فوري " وهل كان والدها يزوركم
ليقيم مستوى ابنته "
قال " دائما "
قلت " ولما ليس هوا من أخرجها ونقلها من هنا "
قال بلامبالاة " صديقة والدتها جاءت وقالت أنهما
مسافران وتركاها لديها "
قلت بجدية " وكيف لمدرسة معروفة كمدرستكم
تعطي ملف طالبة لديها لشخص ليس وليها "
وقف وقال بضيق " هل جئت لتحقق معي أم ماذا "
وقفت وقلت " لم أتخيل أن تكونوا بهذا الاستهتار
فحتى المدارس الحكومية لا تفعل جريمة كهذه "
قال بغضب " أخرج من هنا الآن "
قلت بابتسامة سخرية " تأخذ الرشوة إذاً "
ضرب بيده على الطاولة وقال بغضب أكبر
" إن لم تخرج الآن من المدرسة استدعيت لك الأمن "
وضعت يدي على الطاولة وقربت وجهي منه وقلت
" بل أنا من سيضع سمعة مدرستك في الحضيض إن
كنتم تبيعون الشهادات أيضاً "
ثم خرجت وتركته فليحلم بكابوس مرعب الليلة لأني لن
أكترث له ولا لجرائمه , إذا والداها ليسا هنا لكن كيف
يضعانها عند امرأة غريبة ويسافران وكيف يسافر قبل
نقلها من هناك ولما ترفض قول أين هما ! وأين اختفت
تلك المرأة أيضا ! يالها من لغز محير , وصلت المدرسة
على وقت الحصة وكنت سأدخل الفصل حين استوقفني
صوت منادي " أستاذ نزار "
التفتت للخلف فكانت وجدان , نظرت لها بجمود فوقفت
أمامي وقالت ونظرها للأرض " لقد فهت الأمر خطأ أقسم لـ.... "
قلت بجدية " فهمته كما رأيته وقدمي اعتراضك للمدير أو ولي
أمرك وسأتناقش معه , أو لما تتعبي نفسك سأستدعيه أنا "
نظرت لي وقالت بخوف " لا سوف يوبخني ويفهمني مثلك "
قلت " سأتغاضى عن الأمر إن أوقفتي مهزلة الشاب الذي
سيأتي لسور المدرسة وأضنك تفهمينني جيدا ولن نتناقش
في الأمر فكل واحد منا يفهم الآخر ولك أن تختاري "
ثم تركتها ودخلت الفصل
*
*
كانت هذه الحصة الترفيهية وأستغلها دائما بالجلوس في
المكتبة , اتخذت مكانا متطرفا وأخرجت هاتفي ووضعته
في الكتاب وجربت الاتصال بها مجددا ... أرجوك خالة
أجيبي , أنا خائفة كيف تتركيني أنتي أيضا ألستِ وعدتني
بمساعدتي , حاولت وحاولت ودون فائدة فبدأت بالبكاء
لأنه الشيء الوحيد المتبقي لدي فحتى دراستي سأخسرها
كنت أبكي بصمت فرأيت حينها أصابع رجل تمتد لهاتفي
وتأخذه من يدي
****************************************************
******************************************
مرّت عدة أيام على ذاك اليوم المشئوم ولم يزرنا
والدهم حتى خلت أنني كنت أتوهم وأنها كانت كذبة أو كابوس
واستيقظت منه ولكن يالا خيبة الأمل فقد اتصل بي اليوم ولا
أعلم حتى من أين تحصل على رقم هاتفي , وأي سؤال غبي
هذا فكيف لضابط في الشرطة الجنائية أن يعجز عن معرفة حتى
متى آكل , منذ ذاك اليوم وأنا أنام وثلاثتهم في حضني وليس
ترف وحدها كالعادة , لم أستوعب حتى الآن فكرة أن يذهبوا
مني فكيف سأشرحها لهم ولكن والدهم سيكون هنا في الغد
ولم يعد لديا وقت , كانت فرحتهم اليوم لا توصف حين أخبرتهم
أنهم لن يذهبوا للمدرسة غدا يعتقدون أننا سنذهب للتنزه كأيام
العطلة لا بل جهزوا أغراض اللعب عند البحر, يا رب ساعدني
كي أمهد لهم الأمر , مؤكد سيفرحهم كون أن لهم والد
سيحقق كل رغباتهم التي عجت أنا عن تحقيقها لكن كيف
سأقنعهم أنه والدهم وليس والدي وأنهم ليسوا إخوتي ولن
أكون معهم , عليا أن أكون قوية من أجلهم كما كنت دائما
آآآآه يا رب كما أعطيتني القوة لتحمل مسئوليتهم وأنا صغيرة
فأعطني القوة لأواجه قدري بدونهم وبدون وجودهم فهم مع
والدهم سيكونون أفضل خصوصا والد بمركزه وشخصيته
سيحميهم من كل شيء خصوصا الفتاتان , عليا أن أزيح
أنانيتي جانبا وأفكر فيهما فستكبران وتحتاجان لمن يحميهم وأنا
أكثر من يعلم ما سيواجهانه وهما دون رجل يسندهم ويردع
عنهم المتربصين بهم , غطيت أمجد وأعدت ساقه تحت اللحاف
هذا المتعِب كل ليلة أزوره أكثر من مرة في غرفته لأغطيه
جيدا وكأنه يلعب كرة القدم وهوا نائم , ترى هل يوجد هناك
من سيتفقده كل ليلة ويغطيه ويمشط له شعره في الصباح
من تنام ترف في حضنه كل ليلة لأنها تخاف النوم وحدها
ولا تنام دون حكاية تجعلها تنام دون أن تشعر , هل يوجد
من سيستوعب حالمية بيسان وعالمها الخيالي الذي يسيطر
حتى على فهمها للدروس , نمت هذه الليلة على أصوات أفكاري
ودون شعور واستيقظت على صوت منبه الساعة لصلاة
الفجر , أيقظتهم معي ككل صباح وأدخلتهم الحمام , كان
أمجد في الداخل ونحن خارجه حين قالت بيسان بتذمر وهي
تفرك عيناها الزرقاء الغامقة الواسعة " ماما لما لا نذهب
للحمام الآخر لن يخرج أمجد لقد نام في الداخل "
ابتسمت بعينان تمتلئ بالدموع ومسحت على شعرها
الأشقر وقلت " لن تفترقوا عني اليوم حبيبتي "
طرقت عليه الباب دون كلام كما علمتهم فخرج يتثاءب
نظرت للخلف فكانت ترف مرمية على السرير بالعرض وقد
عادت للنوم فابتسمت وأوقفتها لتصحوا وأدخلت الفتاتان بعده
للحمام ثم دخلنا معا ليتوضئوا أمامي وضوءً صحيحا ككل صلاة
وكل يوم وبقيت كالعادة أنتظر الآنسة ترف وهي تغسل كل عضو
خمسين مرة بدعوى أنها لم تغسلها جيدا ثم صلينا جميعنا معا
كعادتنا , كم أتمنى أن يجدوا هناك من يهتم بصلاتهم كي يكبروا
عليها , تناولنا الإفطار معا ككل صباح مع تساؤلاتهم الطفولية
عن سبب إفطارنا مبكرا ثم وقفت وقلت " سآخذ الأطباق للمطبخ
أريدكم في صالة الجلوس ثلاثتكم فثمة أمر سنتحدث عنه "
ثم قلت بمرح " من سيسبق الجميع إلى هناك "
ركضا أمجد وبيسان وبدأت ترف بالبكاء وهي تهز قديها
لأنها لا تستطيع النزول وحدها هذه القزمة فأنزلتها وقلت
" أنتي الفائزة "
فركضت لهم تصرخ أنها فازت عليهم , وضعت الأطباق
في المطبخ وذهبت لهم وجلست على الأرض وقلت
" تعالوا اجلسوا أمامي "
جلسوا على خصومة شديدة طبعا بين ترف وأمجد من
يجلس في المنتصف فتأففت بيسان وقالت بتذمر
" ما بكما النبلاء لا يجلسون هكذا يالكم من همجيين "
ضحكت رغما عني بدلا من توبيخها على نعتهم بالهمجيين
ثم قلت " أمجد أنت الرجل وهي صغيرة فدعها تجلس "
ابتعد قائلا بتذمر " دائما صغيرة وأنا رجل لماذا "
جلست طبعا تلك الأنانية تمسح الدموع العالقة في رموشها دون
كلام, مددت يداي لهم وقلت " مدوا أيديكم وضعوها في يداي "
امتثلوا لأمري فنظرت لأعينهم الصغيرة الجميلة التي علمت
الآن من أين اكتسبوها وقلت بجدية " عدوني أنكم ستكونون يدا
واحدة هكذا عندما تكبروا "
قال أمجد فهوا في عمر يستوعب هذا الكلام
" نعم ماما أعدك "
قالت بيسان " أجل إمبراطورا "
قبلت أيديهم الصغيرة وقلت " هل تتمنون أن يكون لنا والد "
قال أمجد من فوره " كل أصدقائي يتحدثون عن أبائهم
وما يفعلون لهم وأنا ليس لدي أب ولكن الرسول
كان أيضا بلا أب كما أخبرتنا "
هزت الفتاتان رأسيهما بنعم دون كلام فتركت أيديهم وقلت
" وإن أصبح لنا والد "
نظروا لي باستغراب وصمت فقلت بابتسامة
" أي كان لنا والد ولا نعلم عنه "
ضمت بيسان يديها لصدرها وقالت بسعادة
" حقا لنا والد "
هززت رأسي بنعم فقال أمجد بابتسامة واسعة
" ويشتري لي دراجة "
هززت رأسي بنعم أيضا دون كلام وأنا أرى السعادة في
أعينهم ثم قلت " قد يصعب عليكم استيعاب ما أقول ولكن
بالفعل لكم والد ولم نكن نعلم عنه هوا يحبكم وجاء ليأخذكم
معه ,لديه مال كثير ومنزل كبير وجميل وكان
يبحث عنكم كثيرا حتى وجدكم "
قالت بيسان " ولما تركنا !! "
ابتسمت بعفوية يبدوا لي عقول الصغار أكبر مما نتخيل
مسحت على وجهها وقلت "هوا لم يترككم حبيبتي هوا
فقط فقدكم وضعتم منه أنتم ووالدتكم "
بقوا ينظرون لي في صمت وعدم استيعاب فقلت
" ألستم تريدون والدا يحقق لكم كل ما تتمنونه
وتتحدثون عنه لزملائكم "
قالوا معا " أجل "
قلت بابتسامة " وأنتم لكم والد ستفخرون به كل حياتكم هوا
ضابط كبير ومعروف والكل يهابه ويخشاه "
قالت ترف بحيرة " هل هوا مخيف ؟؟ "
ضحكت وقلت " لا هوا ليس مخيفا هوا يمسك المجرمين
ويضعهم في السجن فهم يخافون منه "
قال أمجد من فوره " كفريق الشرطة في الكرتون "
ابتسمت ووضعت يدي على رأسه وقلت وأنا ألعب
بشعره الناعم " بل كرئيس المحققين في كونان "
تنهدت بعدها وقلت " سيأتي اليوم هنا وعليكم استقباله بأدب
وتقبيل يده والتحدث معه بهدوء كما علمتكم دائما "
هزوا رؤوسهم بالموافقة دون كلام , سيصعب عليهم استيعاب
ذلك ولكن الأمر مجرد مسألة تعوّد وسيعتادون الوضع الجديد
قلت بابتسامة " جهزت لكم كل أغراضكم وستذهبون
معه لمنزلكم الكبير الجميل "
قال أمجد " ألن تذهبي معنا !! "
ها قد استيقظوا للنقطة الصعبة في الموضوع , قلت
بابتسامة " لا بني هوا والدكم أنتم وليس أنا "
قالت ترف " ولما ليس والدك "
ابتسمت على الفكرة وقلت " لا حبيبتي هوا ليس والدي أبدا "
قالت بيسان " كيف ماما ألستِ شقيقتنا كما أخبرتنا "
قلت " نعم حبيبتي كنت أضن ذلك ولكن كان ثمة حقيقة مخفية عني
وهي أني لست شقيقتكم ووالدكم ليس والدي ووالدي ليس والدكم "
هز أمجد رأسه وقال " كيف !! لا أفهم "
آخ إن كان أكبرهم لم يفهم فكيف بالفتاتان , قلت بهدوء
" عندما كنتم صغارا ضعتم ووالدتكم من والدكم ولم
يجدكم فوجدكم والدي وأخذكم معه وسجلكم باسمه ثم مات
وماتت والدتكم فضننت أنا أنكم إخوتي والحقيقة ليست كذلك "
نظروا لي بشيء من الاستيعاب ثم قالت بيسان
" كيف لا تذهبي معنا لا أريد أن أذهب من دونك "
مسحت دموعا غلبتني وقلت " عليكم أن تذهبوا
هوا والدكم ولا يجوز أن أذهب أنا "
قال أمجد " وإن يكن أليس منزله كبيرا خذي غرفة وابقي معنا "
قفزت ترف لحضني وقالت " لا ماما لن نتركك أبدا "
وقلدها الآخران وتشبثوا بحضني لتنطلق دموعي
التي كنت أكبتها منذ الصباح حتى قالت بيسان
" ماما لما تبكي نحن لن نتركك "
تماسكت وأبعدتهم ومسحت دموعي وقلت " بل سأغضب منكم
إن قلتم أمام والدكم أنكم لا تريدونه أو لا تريدون الذهاب معه مفهوم "
بقوا ينظرون لي بعيون دامعة فتنهدت وقلت بهدوء
" عليكم احترامه ومقابلته بأدب حسناً "
بقوا على حالهم فقلت بضيق " هل تريدون إغضابي منكم "
هزوا رؤوسهم بلا فقلت بجدية " إذا افعلوا ما أقول "
قال أمجد " تزوجيه إذا "
نظرت له بصدمة كيف خطر بباله هذا الكلام ويقوله أمام
شقيقتاه, كيف نسيت أنه بعمر ستخطر كل هذه الأفكار عليه
قلت بحزم " أمجد لا تكرر هذا القول ولا واحدة منكما تقولها
أمام والدكم فيضن أنها أفكاري أنقلها لكم وسوف أبدوا سيئة
في نظره ولم أربكم جيدا فهمتم "
قال أمجد وعيناه أرضا " آسف ماما "
قالت ترف " ما يعني تتزوجينه هل هوا مثل
حفل الزواج الذي حضرناه "
تنهدت وقلت " ترف إنسي هذا الكلام ولا تفكري
فيه ولا تتحدثي عنه مفهوم "
لاذت بالصمت فقلت " أعلم أنكم أصغر من استيعاب الأمر
ولكنكم ستعتادون ذلك وتسعدون بالعيش مع والدكم , هيا
بسرعة لغرفكم لتبدلوا ملابسكم لقد وضعت لكم
ثيابكم على اسرتكم ... بسرعة هيا "
غادرت الفتاتان وبقي أمجد ولم أستغرب هذه الحركة منه
هوا في الثامنة الآن وفتى ذكي لن يفوته شيء مما قلت
نظر لي وقال بهدوء" لما لن تذهبي معنا ما في الأمر إن ذهبتِ "
أمسكت وجهه بيداي وقلت " أمجد أنت كبير وعقلك أكبر حتى
من سنك وتفهم جيدا معنى كل ما قلته أليس كذلك "
هز رأسه بنعم فقلت " هيا إذا والدكم سيأتي في أي وقت "
وقف وغادر في صمت , كان على ذاك الصخرة أن يساعدني
في هذا الأمر بأن يتقرب لهم ويخرج بهم ليتعلقوا به ثم يخبرهم
بالأمر بدلا من أن أحكي أنا لهم قصة طويلة بطلها غير
موجود, أعانكم الله يا أحبائي فلستم أفضل حالا مني
*
*
كنت جالسا على مكتبي أطرق على الطاولة بأصابعي
أي لقاء سيكون لي معهم وما قالته تلك الفتاة لهم عني
قد تحاول حشو رؤوسهم ليكرهوني ويطلبوا البقاء معها
فالنساء ماكرات , عليا أخذهم إن بالطيب أو بالإكراه وسيعتادون
شيئا فشيئا على حياتهم هناك , سمعت طرقات على الباب ثم
دخل حيان ضرب التحية مستقيما ثم قال " اتصل مأمون وقال
أن السيد أسعد أشار بــ... "
قاطعته قائلا وأنا أقف " أترك كل شيء سأخرج الآن وحين
أعود نتفاهم أخبروا الفريق أن يتركوا الموقع , اتصلت
بأسعد سيشددون الحراسة عليه "
ثم خرجت من فوري ركبت سيارتي وغادرت باتجاه منزلها
نزلت وطرقت الباب ففتحته لي ترتدي حجابا وملابس ساترة
وقالت وعيناها أرضا " صباح الخير تفضل يا سيد "
دخلتُ في صمت ولحقت هي بي تاركة الباب مفتوحا وسارت
أمامي قائلة " أعذرني عليا تركه مفتوح فأنت أول رجل
يدخل منزلي وأنت تعلم الجيران إن لاحظوا دخولك
فلن أسلم من الشائعات "
تبعتها في صمت وتوجهتْ بي لغرفة الجلوس ووقفت
عند الباب وقالت بهدوء " تفضل بالجلوس سيكونون
عندك حالا وسأنزل أغراضهم بنفسي "
ثم همّت بالمغادرة فقلت " عذرا يا آنسة "
التفتت إليا فقلت " هل تحدثتِ معهم في الأمر "
قالت باختصار ونظرها أرضا " نعم "
قلت " وما مدى استيعابهم لذلك "
نظرت جانبا وقالت " هم صغار ويصعب أن يتفهموا
بسرعة ولكن حين يكونون لديك هناك سيفهمون برؤيتهم
لأرض الواقع , لقد شرحت لهم كل شيء وأنهم ضاعوا منك
ووالدتهم وأن والدي وجدهم وسجلهم باسمه "
ثم رفعت عيناها لعيناي وقالت برجاء " أرجوك يا سيد لا
تشوه صورة والدتهم ولا حتى والدي لديهم , هم فهموا أن
لهم والد وفرحين بالأمر , فقط يصعب عليهم استيعاب أني
لست شقيقتهم وأنك لست والدي وأني لن أذهب معهم
فعليك أن تصبر عليهم قليلا وتفهم موقفهم "
تنفست بقوة وقلت بضيق " ولما أعطيتك كل هذا
الوقت أليس لتشرحي لهم "
قالت بضيق مماثل " أخبرتك أنهم صغار وإن قضيت
عمري أشرح لهم فلن يستوعبوا "
ثم غادرت من فورها وتركتني فجلست على إحدى أرائك
المجلس, غابت لوقت ثم دخلت يتبعونها ثلاثتهم بملابس
مرتبة ينظرون لي بريبة أو خوف لا أعلم , نزلتْ لمستواهم
وهمستْ لهم شيئا فتقدم أمجد مني قبل يدي وقال
" مرحبا أبي "
مسحت على شعره مبتسما له فاقتربت بيسان ورفعت
فستانها لتنحني ثم نظرتْ جهة الفتاة فنهتها بحركة من
رأسها فاعتدلت في وقفتها ثم قبلت يدي وقالت
" مرحبا بابا "
تقدمت بعدها ترف صعدت بجانبي على الأريكة تنظر
لي بتفحص ثم قالت " هل أنت والدنا حقا "
قلت مبتسما " نعم "
قالت من فورها " وتملك منزلا جميلا ونقودا
كثيرة كما قالت ماما "
نظرت للفتاة ثم لها وقلت " نعم صغيرتي "
عندها احتضنتني بقوة وقالت " دع ماما تذهب معنا أرجوك "
قالت حينها أرجوان بحدة " ترف "
ابتعدت عني ونظرت لها فقالت بغضب
" كم مرة سنكرر ما قلناه "
قالت ورأسها للأسفل " آسفة ماما "
قالت بضيق " وأين ما أوصيتكم به "
أمسكت يدي وقبلتها وقالت " مرحبا أبي "
قالت حينها أرجوان ورأسها أرضا " أغراضهم جميعها
عند الباب وكتبت في ورق كل الأمور التي يحتاجون
لأحد لمساعدتهم فيها "
ثم رفعت نظرها لي وقالت " أرجوك لا تفرضوا في
صلاتهم هم يؤذونها معي كل وقت بوقته , أمجد يمكنه فعل
كل خصوصياته بنفسه من الاستحمام لتغيير ملابسه
أرجوك لا تسمح لامرأة بالتدخل في أموره واجعلوا
له غرفة مستقلة "
ثم غادرت الغرفة في صمت وصوت لباب أغلق خلفها ويبدوا
لا تريد توديعهم , وقفت وقلت " هيا سنغادر لمنزلنا أخرجوا للسيارة "
بقوا ينظرون لي في صمت فقلت بحزم " للسيارة بسرعة "
خرجوا ببطء يلتفتون لكل زوايا المنزل بحثا عنها ثم
انطلقت ترف راكضة جهة إحدى الغرف المقفلة وبدأت
بطرقها قائلة ببكاء " ماما لا أريد الذهاب تعالي معنا "
تحركت بيسان ناحيتها فقلت بأمر " بيسان أمجد للخارج الآن "
نظرا لي فقلت بحدة مشيرا بإصبعي للباب " فورا "
خرجا من فورهما وتوجهت جهة ترف وسحبتها من يدها
وأخرجتها معي على صوت بكائها المرتفع فلا خيار لدي فإن
أطعتهم فلن أغادر بهم أبداً , سيكون الأمر صعبا عليهم ولكنهم
سيعتادون الوضع ويكبروا وينسوها
*
*
سحبني من يدي وقال " بسرعة لنغادر فأنت حين
تدخل هنا تنسى نفسك "
ضحك وقال " وأنت حين تعلم أن شقيقك جابر في
الطريق تخرج من عقلك "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت " معك حق كان عليا
تركك هنا ليأتي ويجدك في هذا المكان ليقطع لك رأسك "
ضحك وخرجنا معا ركبنا سيارتي وخرجنا من المنزل وبعد
مسافة رأيت شخصا في الطريق فوقفت فورا ونزلت من
السيارة ووقفت مستندا عليها بيدي وقلت
" أين حافلتك تعودين سيرا على قدميك "
نظرت لي ببرود وقالت بغنجها المعتاد
" وأنت ما الذي تفعله هنا هل تلاحق فتيات الثانوية "
قلت من بين أسناني " بتول احترميني أفضل لك "
قالت بسخرية " واحترمني أنت أولا ما قصدك بكلمة أين حافلتي "
فتحت باب السيارة الخلفي بغيض وقلت " اركبي سأوصلك "
نظرت لي بجمود فضربت على سقف السيارة وقلت
" بتول لا تفقديني أعصابي "
دفعت الباب وقالت " فقط لأنه معك شخص
ولا أريد إحراجك أمامه "
أغلقت الباب خلفها بقوة وركبت السيارة وانطلقت
قائلا بأمر " لا تعودي للمنزل سيرا مرة أخرى "
قالت بصوتها الرقيق " كيف !! أبات في المدرسة إذا "
أوقفت السيارة بقوة فقالت " آآآي أنفي ضرب الكرسي يا متهور "
همس لي جواد ضاحكا " مهلك يا رجل ما كل هذا "
نظرت له بغيض فضحك في صمت فانطلقت بالسيارة
مجددا وقلت " إن وجدتك مرة أخرى كما اليوم
فحسابك معي سيكون عسيرا "
وضعت يدها وسط جسدها وقالت " حمدا لله والدي لم يمت بعد "
كررت الحركة بشد سرعة السيارة فقالت بتألم
" أنفي أنفي ألا تفهم "
وصلنا حينها لمنزلهم نزلت وفتحت لها الباب فنزلت
تتأفف وتبعتها حتى باب منزلهم فالتفتت لي وقالت
" لا توصلني مرة أخرى تفهم "
قلت مقلدا لطريقة كلامها " بل سأقطع رأسك إن
عدتي سيرا يا بتول "
ضربتني على صدري بحقيبة يدها الصغيرة وركضت
للباب الداخلي ثم التفتت لي وفعلت حركتها المعتادة مخرجة
لسانها ودخلت وأغلقت الباب خلفها بقوة , ابتسمت بعفوية
وأنا أمسد ضربتها على صدري وقلت هامسا بابتسامة
" لن ينام في هذا الحضن غيرك أنتي وحقيبتك
أيتها العلكة ولكن عليا تقويمك أولا "
عدت لسيارتي ركبت فقال جواد ضاحكا
" معتصم مهلك على الفتاة هي لم تخطأ "
شغلت السيارة وانطلقت قائلا
" علكة وتحتاج من يحولها لشيء صالح للأكل "
ضحك كثيرا ثم قال " أقسم أنك تعشق دلالها
وغنجها وإن تغيرت لن تعجبك "
قلت بضيق " اسكت فورا قال أعشق غنجها قال
إنه يصيبني بالغثيان "
*
*
" ترف لا تقفي على المقعد اجلسي فورا "
جلست وقالت بحزن " ألن نرى ماما مجددا "
تأففت وقلت بحدة " ما الذي كنا نقوله الآن "
قالت بهدوء " سنزورها لاحقا "
عادت للصمت فنظرت لأمجد الجالس في الكرسي
الذي بجانبي فنظر لي وقال بهدوء " هل منزلنا بعيد "
قلت وقد عدت بنظري للطريق " ليس كثيرا "
ثم نظرت في المرآة وقلت " بيسان ما بك "
قالت بصوت منخفض " أريد الحمام "
يا إلهي ما هذه المشكلات , توقفت عند المحطة وأنزلتها
لتدخل الحمام فوقفتْ عند الباب فقلت " هيا بسرعة إنه الحمام "
قالت " لا أستطيع الدخول وحدي "
قلت بضيق " أنتي لستِ صغيرة عمرك سبع
سنين لما لا تدخلين وحدك "
قالت وهي تقفز " لا أستطيع بسرررعة "
تأففت ودخلت معها ثم أخرجت هاتفي واتصلت بأرجوان
فأجابت من فورها فقلت دون مقدمات " كيف لطفلة في
السابعة لا تستطيع دخول الحمام وحدها لابد وأن
ترف تفعلها في فراشها إذا "
قالت بحدة " مهلك لتسمع الجواب أولا ثم ألقي
بسيل شتائمك ... هل قرأت الورقة "
قلت بضيق " لا "
قالت من فورها " لا تلقي باللوم عليا إذا "
قلت ببرود " وهل لي أن أعرف السبب "
تأففت وقالت " لقد علقت في حمام المدرسة واحتاجوا
لوقت لإخراجها فأصبحت تخاف البقاء وحدها
فيه ..... وداعا "
ثم أغلقت الخط في وجهي فتأففت وقلت معطيا
ظهري لها " هل انتهيتِ "
جاء صوتها من جانبي " نعم "
خرجنا فقالت ونحن نقترب من السيارة
" ماما تقول لنا لا تتحدثوا في الحمام لما تفعل أنت ذلك "
تنهدت بضيق وقلت " معها حق بيسان أنا كنت مُطرا فقط "
أركبتها السيارة لأطمئن أن الباب مغلق جيدا وركبت وتابعنا
طريقنا , جيد أنهم توقفوا عن البكاء فلم يسكتوا إلا حين أخبرتهم
أننا سنزورها دائما , اضطررت للكذب عليهم لأنه الحل الوحيد
مؤقتاً , ستصل المربيان غدا ولا أعلم كيف سيمر اليوم فلا
أمي ستهتم بهم ولا زهور التي تسجن نفسها طوال الوقت في
غرفتها فلا حل أمامي سوى الخادمات , وصلنا القصر دخلت
بسيارتي نزلت ثم أنزلتهم ودخلت وهم يتبعونني , توجهت
حيث والدتي والتفتت لهم وقلت " افعلوا كما سأفعل أنا حسنا "
نظروا لي باستغراب فهززت رأسي بيأس , يبدوا أنهم لا
يتلقون الأوامر إلا من تلك الفتاة , نزلت عندهم وهمست لهم
" تلك جدتكم هناك فافعلوا معها كما أخبرتكم
أمكم أن تفعلوا معي حسنا "
هزوا رؤوسهم بحسنا فتنهدت بضيق وعدلت وقفتي , يبدوا
لن نتخلص من تلك الفتاة بسهولة ولو بذكرها فقط , توجهت
لوالدتي وقبلت يدها وتنحيت جانبا فاقتربوا منها وفعلوا مثلي
فنظرت لي وقالت " جيد لا نحيب وبكاء يبدوا لا يرغبون بها "
قلت بجدية " بل تعلقهم بها كبير وأكثر مما تخيلت وكل ما
يصبرهم وعود وهمية بأنهم سيرونها دائما "
ثم أدرت رأسي جانبا وقلت بصوت مرتفع " سيلا "
حضرت خادمتان ركضا وقالت إحداهما " نعم سيدي "
قلت بجدية " خدا الأولاد لغرفهم ولا تفارقوهم اليوم أبدا مفهوم "
قالا وهما يمسكون أيديهم ويسيرون بهم " مفهوم سيدي "
جلست بجانب والدتي فقالت بهدوء " ماذا قررت بشأنهم "
قلت ونظري للأرض " ستصل المربيات غدا وألحقتهم
بالمدارس هنا وسأجلب لهم مدرسين خصوصيين أيضا
وسائق يتكفل بتوصيلهم وجلبهم يوميا "
قالت بضيق " مربيات !! وفيما تجدي المربيات غير
الهروب دائما كالخدم وتضيع تربيتهم من مربية لأخرى "
قلت بضيق أكبر " وما الذي سأفعله لهم فلا حل لدي "
قالت من فورها " تزوج "
نظرت لها بصدمة فقالت بجدية " هل قلت شيئا غريبا , أنت
بحاجة لامرأة ثابتة هنا ترعى الأبناء بمساعدة الخادمات "
قلت بتذمر " أمي ما هذا الهراء هل جننت لأتزوج من جديد "
قالت متجاهلة كلامي " ابنة راضية كانت تدير روضة أطفال
بصرامة ونظام قوي تزوج بها ستربيهم جيدا "
قلت ببرود " الموضوع منتهي الكلام فيه أمي "
قالت بصرامة " جابر لم أعرفك تكسر لي كلمة
وأريد التحدث معهما اليوم "
وقفت وقلت " لا تضعي نفسك في موقف سيء أمامهم
يا أمي , لن أعصي لك أمرا يوما لكن مسألة الزواج
وحدي يقررها وقلت لن أتزوج "
قالت ببرود " فكر بمصلحة أبنائك "
تنهدت وقلت " المربيات حلي الوحيد أو أنتي وزهور "
قالت بسخرية " زهور !! وأي زهور بقيت لنا بعد
طلاقها وفرار زوجها بفعلته "
قلت مغادرا " ها أنتي ربيتنا جميعنا فأشرفي على تربيتهم بنفسك "
وخرجت من هناك فورا قبل أن تحاصرني بهذه الأفكار
الجديدة , عليا العودة للمكتب ينتظرني عمل كثير هناك
*
*
وضعت له القهوة على الطاولة على دخول بتول
تمسح دموعها فقلت بضيق " خير إن شاء الله
من المعلمة التي أهانتك اليوم "
نظرت لي وقالت ببكاء " أمي ما بك تكرهينني هكذا "
هززت رأسي بيأس وقلت بهدوء وأنا أسكب القهوة
" ما الجديد لديك "
قالت بعبرة " معتصم ... أقسم سأخبر والدته ووالدي وسيرا "
تأففت وقلت " عدنا لنفس الأسطوانة ما به هذه المرة "
قالت بكره " أكرهه لما لا يتركني وشأني "
تأففت مجددا وقلت " سلمي على خالك أم
أصابك العمى من البكاء "
صعدت السلالم راكضة تبكي وجلست أتنهد بضيق
فقال بضحكة " مهلك عليها هي ما تزال صغيرة "
قلت بضيق " أي صغيرة هذه إنها في السادسة عشر ولا
تجدي في شيء , كله من وراء منصور دللها حتى أفسدها
حتى أنه تركها تدرس هنا في الثانوية الحكومية ولم يضعها
معه هناك في مدرسته الخاصة وكله بحجة أنها تريد
صديقاتها لقد أفسدها وأنا المتضرر الوحيد "
اكتفى بالابتسام في صمت فنظرت لعينيه وقلت
" رضا ماذا عنك يا أخي الشيب بدأ يغزوا شعرك إن
كنت لا تراه , لما لا تتزوج بدلا من العيش وحيدا "
أرخى نظره أرضا وقال " لا رغبة لي
بالزواج هل أجبر نفسي مثلا "
تنهدت وقلت " زهور لا تصلح لك يا رضا عليك الاقتناع بذلك "
نظر لي وقال بضيق " ومن تكلم عن زهور الآن "
قلت ببرود " لأنه لا سبب وراء عزوفك عن الزواج إلا انتظارها "
أشاح بنظره للجانب الآخر دون كلام فقلت بهدوء
" زهور نسخة عن والدتها وكم عارض منصور شقيقه
زواجه منها رغم أنه أكبر منه , لم تربي أبناءها إلا
على الجلد والقسوة وقتلت مشاعرهم , معتصم الذي انزلق
من بين يديها لم يرحمه أي منهم ورأوا أنه فاسد وصعلوك
ولم يتربى جيدا رغم أنه شاب جيد من جميع النواحي فأبعد
زهور عن قلبك قبل رأسك فكما فشل زواجها الأول سيفشل
غيره وكما رفضتك والدتها سابقا سترفضك مجددا "
وقف وقال " أميرة هل سيطول الحديث في
الأمر لأني سأغادر حينها "
قلت بابتسامة " حسناً لن أتحدث فيه فاجلس هيا "
نهاية الفصل الرابع ...... أتمنى يكون نال إعجابكم