الفصل الخامس والعشرون
اجتزتها صاعدة ليوقفني صوتها قائلة " مي "
وقفت مصدومة وكأنها أصابتني برصاصة والتفت
لها للخلف فنظرت لي مطولا ثم أخفضت نظرها وقالت
" أطلبي من نواس أن يخرجني من منزلك "
فتحت عيناي على اتساعهما من الصدمة ثم قلت
" كيف أطلب منه هذا وما سيظنه بي ثم أنا
لست متضايقة أبدا من وجودك "
أشاحت بوجهها عني وقالت " أنا من لا تريد البقاء
أخبريه فقط أنك لا تريديني معك وأن يخرجني من هنا "
لم أستطع قول شيء ليس من هول ما سمعت فقط
بل وبسبب الواقف خلفها وهوا نواس الذي كان من
المفترض أنه سيقضي الليلة خارج المدينة
قال ببرود ونظره عليها " لن تخرجي من هنا يا وسن "
التفتت له بسرعة لتسقط الصينية من يدها ويتحول
كوب الشاي لقطع من زجاج تتدحرج على عتبات
السلالم مصدرة رنينا وكأنها آلة موسيقية وقالت بحدة
" لا أريد البقاء معك يا نواس لا أريد , فأخرجني من هنا "
أمسك خشب السلالم بقبضته بقوة وقال بغضب
" قلت لن تخرجي ولا مكان لك غير هنا فلا
تتعبي رأسك بهذه الأفكار "
هزت رأسها وقالت بحدة ملوحة بيدها في الهواء
" لا أريدك ألا تسمع فارحمني منك حالا وارمني
في الشارع فهوا أرحم لي منك "
تحول وجهه للاحمرار من الغضب ولاحظت يده
الأخرى يقبضها بقوة حتى خفت من أن يضربها
فتوجهت نحوه مسرعة ووقفت بينهما ورفعت
ذراعاي جانبا وقلت بجدية " نواس تعوذ من
الشيطان لأنه بدأ يسيطر عليك "
أشار لها بسبابته وهي خلفي وقال بحدة
" لم يمسكني عنك غيرها يا وسن لأنك أيقظتِ
بي الآن شيئا لم أتخيل أن أفكر فيه يوما "
خرج حينها صوتها الساخر من خلفي قائلة
" أجل فمن يوم عرفتها صرت أنا لا أساوي نعالها "
لوح بيده وقال بغيض " ليتك تفكرين فيها كما تفكر
فيك ليثك تقدرين هذا يا وسن "
قالت بأسى " نعم استوفي مني باقي ديونك يا ابن
خالتي لعلك ترحمني بعدها وتطلق سراحي "
فتح فمه ليتكلم فاقتربت منه وسددته له بيدي وأمسكت
بالأخرى ذراعه وقلت بهمس وأنا انظر لعينيه
" نواس حلفتك بالله أن تتوقف "
أبعد يدي وقال بضيق " لا تتدخلي يا مي كم مرة سأقولها "
قالت حينها الواقفة خلفي وبألم " يدك ومددتها
عليا سابقا فما بقي لم تفعله "
شددت كلتا ذراعاه بيداي وقلت برجاء
" تعوذ من الشيطان يا نواس وابتعد أرجوك "
همس بالتعوذ لأكثر من مرة ثم نزل السلالم وأنا أراقبه
حتى خرج من المنزل ثم التفت للخلف فكانت وسن
تجلس على العتبة تمسك بيدها أحد القضبان النحاسية
وبالأخرى تمسك معدتها بقوة وتتألم فاقتربت منها
وقلت " وسن ما بك "
قالت بصوت ضعيف " اتركيني ... ابتعدوا عني "
وعادت تئن بألم فنزلت السلالم ركضا وخرجت للخارج
وسيارة نواس كانت مكانها وهوا غير موجود فلم أعرف
ما أفعل فركضت جهة الإسطبلات أصرخ منادية له فجاء
من هناك مسرعا وقال من قبل أن يصلني " ماذا بها "
أمسكت ذراعه وقلت " لا أعلم تبدوا متعبة وتئن
من الوجع وتمسك معدتها "
ركض قبلي جهة المنزل مسرعا وأنا أركض خلفه
وحين دخلنا لم تكن هناك فصعد وأنا أتبعه حتى وصل
غرفتها وطرق الباب قائلا " وسن افتحي الباب "
لم يصل منها أي رد فقال بصوت غاضب مرتفع
" افتحيه أو كستره , بسرعة عليا أخذك للمستشفى "
خرج حينها صوتها صارخة " أقسم إن كسرته قتلت نفسي "
تأفف حينها وغادر بخطوات ثقيلة غاضبة ودخل
مكتبه وأغلق بابه خلفه بقوة ولم أسمع سوى تحطم
إحدى التحف وحمدت الله أنها تلك فقط ولم يلحقها
تحطيمه لباقي المكتب وصراخه الغاضب كتلك المرة
*
*
ما أن دخلت غرفتي حتى تكورت على الأرض من الألم
الفظيع في معدتي وبدأت بضرب قدم السرير بمشط
قدمي بقوة وكأن هذا سيخفف عني الألم , جلست بعدها
وانحنيت أمسكها بقوة واستسلمت للبكاء لعله ولو هوا
فقط يخفف عني هذه النيران المشتعلة , وما أن شعرت
بتحسن بسيط حتى وقفت وتوجهت لباب الغرفة فتحته
وخرجت ونزلت من فوري وغادرت المنزل وتوجهت
لإسطبل تلك الفرس وكأنه مأواي الوحيد بل هوا بالفعل
كذلك فمن بقي لي , وصلت وفتحت الباب ودخلت
وركضت نحوها مباشرة وحضنتها وبدأت بالبكاء بشدة
بل بالنحيب الموجع وبلا توقف , كنت أشد عنقها بقوة
بذراعاي وأبكي وأقول " لماذا يكرهني يا الوسن ؟ لماذا
يريد أن يحطمني ؟ أي قلب هذا الذي لديه أخبريني ما
الذي فعلته له ليكون عقابي هكذا وبكل هذه القسوة "
زاد بكائي أكثر وأنا أدس وجهي وأقول " أحبه يا الوسن
أكبر مصائبي في الحياة أني لم أتوقف لحظة عن حبه ولا
شيء يساعدني لأنساه ... لا أحد ولا حتى هوا , أقسم أنه
انتقم مني شر انتقام فما الذي يريده بعد , لما لا يتركني
ابتعد عنه على الأقل , لما لا يرحمني منه "
وبقيت على ذاك الحال حتى خف بكائي قليلا وقلت
بهدوء ومن بين شهقاتي المتتالية " يقول ليتك تقدرينها
كما هي تقدرك , يقول أنها وحدها من منعه عني
صدقي يا الوسن أنه يقولها بكل صراحة هي باتت في
نظره أفضل مني , لمن أشتكي وأين أذهب عن هنا
لأرتاح ليثني مثلك حيوان لا يعلم شيئا ولا يهمه أحد "
ابتعدت بعدها عنها ومسحت بيدي على وجهها من
بين عينيها نزولا لأنفها عدة مرات وقلت بحزن
" ليتك تكلمينني ولو مرة واحدة "
ثم قبلتها بين عينيها وقلت بدمعة تدحرجت من عيني
" لا تتركيني أنتي أيضا يا الوسن أرجوك لا ترحلي "
حركت رأسها تستنشق وجهي وعنقي فابتسمت
بحزن وبدأت أمسح على شعرها وعنقها ثم أخرجت
لها من جيبي قطعة الشكلاتة التي دسستها لها هنا منذ
النهار لأني قرأت عن الخيول وعلمت أنها تحب
الحلويات ويعطونها لها كحافز عند الأداء الجيد
قدمتها لها في كف يدي فأكلتها من فورها فمسحت
على غرتها وقلت " قطعة صغيرة فقط حسنا لأني
لا أعلم إن كان نواس يطعمك شيا حلوا أو لا
والإكثار منه لن يكون مفيدا لك "
قبلتها مجددا وقلت " تصبحين على خير وشكرا
لأنك خففتِ عني ألآمي كثيرا يا الوسن "
وخرجت بعدما حييتها عند الباب وهي حركت رأسها
لي وكأنها فهمت تحيتي أو هكذا خيل لي وقتها وفهمته
خرجت بعدها وأغلقت الباب كما كان وعدت أدراجي
للمنزل وصعدت ودخلت لغرفتي ونمت على السرير
بالعرض وحزن كل العالم أشعر به استوطن في داخلي
ليتك ضربتني يا نواس ولم تقل ذاك الكلام , ليتك قتلتني
ولا قلت أن غيري باتت في نظرك أفضل مني , ليثني
مت قبل هذا اليوم الذي وقفتْ فيه زوجته بيني وبينه
كي تنقذني من غضبه ويتركني هوا فقط لأنها طلبت
ذلك , لو أعلم ما الذنب الذي ارتكبته عاقبني الله عليه
بهذا العقاب القاسي لكنت استغفرته عليه ليلة كاملة
وبكيت على سجادتي حتى جفت دموعي ليصفح عني
ويخرجني من هذا الجحيم , آخر ما كنت أتخيله أن
يصبح قربه نار وعذاب وهلاك بعدما كان منايا
الوحيد في هذه الحياة ... قتلتني يا نواس أقسم أنك
نحرتني وبلا رحمة ولم تبقي شيئا للأيام القادمة
شعرت بالآلام بدأت تعود فأخرجت الحبوب وتوجهت
للثلاجة لكني لم أجد الحليب فيها ونسيت أن أخبر
راضية أن تضعه لي هنا فأخذت شريط الحبوب معي
ونزلت للأسفل قاصدة المطبخ وما أن وصلت حتى وجدت
نواس هناك يفتح الثلاجة معطيا ظهره لي , كنت سأعود
حين وقفت مكاني وأنا أراه فتح قارورة الماء التي أخرجها
من المبرد في الأعلى يخرج منها البخار من شدة برودتها
ورفع رأسه وسكب منها على وجهه وحركه يمينا ويسارا
ثم أنزل رأسه لتسكب مياهها عليه ثم أنزلها وأغلقها والماء
يقطر من شعره ثم اتكأ برأسه على ذراعه المستندة على
باب الثلاجة السفلي ورمى القارورة داخلها رميا فتراجعت
للخلف عدة خطوات لأصطدم بشي ما خلفي فسقط مصدرا
ضجيجا وكأنه قطعة من الحديد أو النحاس فالتفت لي نواس
من فوره فجمدت مكاني واقترب هوا حتى خرج من المطبخ
ونظر مطولا ليدي التي فيها شريط الحبوب , لففت لأغادر
فوقفت مكاني بسبب اليد التي أمسكت بيدي وأعادتني للوراء
وسحبني خلفه دون كلام حتى دخل بي للمطبخ وفتح الثلاجة
واخرج علبة الحليب ووضعها على الطاولة وتوجه بي للمغسلة
أخذ كوبا من هناك وعاد بي جهة الطاولة وكأني سأهرب منه
سكب الحليب في الكوب وكل هذا لم يرفع عيناه بي مطلقا
أخذ بعدها شريط الحبوب من يدي وقال بهدوء ونظره عليه
" كم واحدة أصبحتي تأخذين "
قلت بصوت منخفض يقارب للهمس " اثنتين "
أخرج اثنتين ووضعهم على الطاولة بجانب الكوب ثم
غادر من المطبخ في صمت وعيناي تتبعانه حتى اختفى
*
*
صعدت لغرفتي وأغلقت الباب خلفي وشغلت التكييف
على أعلى درجة له بسبب الحرارة التي أشعر بها تخرج
مني وكأنها حريق يخترق مسامات جلدي ليخرج من عروقي
للخارج , ارتميت على الأريكة ومررت أصابعي في شعري
ورأسي للأعلى مغمضا عيناي وجسمي أصبح يتنمل بأكمله
أي جنون هذا الذي كنت سترتكبه يا نواس لو لم توقفك مي
حينها , هل كنت ستمد يدك عليها ! أنت نواس وعلى من
على وسن ونسيت حتى قسمك لوالدتك يوم صفعتها أنك لن
تعيدها مجددا , أي قلب ذاك الذي سكن جوفك تلك اللحظة
أقسم لو فعلتُها لحظتها لما أبرد ناري بعدها سوى رصاصة
تخترق كف يدي كي لا أعيدها مجددا , سامحيني يا أمي
لأني يبدوا كما قلتي لست كفأ للأمانة ولا للحفاظ عليها
لم أستطع حتى أن أعتذر منها عن ذلك فما سأقول .. آسف
لأني كنت أود ضربك , ولا نفسي كانت ستطاوعني لفعلها
لأنها أخطأت فيما قالت بل وفقدت عقلها ولم تحترمني حتى
مجرد الاحترام ولا حتى أمام مي , سمعت طرقات على
الباب ففتحت عيناي وعدلت جلستي فانفتح الباب وكانت
مي التي دخلت وأغلقته خلفها ووقفت مستندة عليه
وقالت بهدوء " نواس عليك أن تجد حلا لكل هذا "
نظرت للجانب الآخر وقلت ببرود
" لن أخرجها من هنا يا مي لا اليوم ولا بعده "
قالت بذات هدوءها " أخرجني أنا إذا "
نظرت لها بصدمة فتابعت " كل عذابها مني ... أنا متأكدة
واشعر بها وأقدر مشاعرها وأقسم لو كنت مكانها لفقدت
عقلي فأخرجني من هنا يا نواس أرجوك ولو من أجلي "
هززت رأسي بلا دون كلام فقالت بعتب " ولما ... هل
يرضيك هذا الحال والوضع , تعذب نفسك وتعذبها معك
حتى الطعام لم تتناوله منذ يومين والله يعلم تنام هنا
أم لا وهي في غرفتها لا يعلم أحد عن حالها , ما هذا
الذي تفعله بنفسك وبها , ما الذي تريد الوصول له "
قلت بضيق " أخبرتك منذ البداية أن لا تتدخلي ولا
تحتكي بها بأي شكل كان ولم أتخيل أن تكسري
كلمتي لأنها ليست أخلاقك ولا أطباعك "
قالت برجاء " ظننت أنه لا يمكنني التدخل لكن هذا
الحال يجعل حتى الحجر ينطق فأخرجني من
هنا يا نواس أرجوك "
وقفت وقلت بحزم " قلت لا يعني لا أي جنون هذا
وأين سأضعك ومن سيكون معك , أنا لم أفقد عقلي
بعد لأفعلها وعلى وسن أن تقدر ظروف الجميع
وتستحمل الوضع فليست وحدها من تعاني ولا أحد
لها فأنتي مثلها وأكثر ولستِ تؤذينها بشيء لترفض
البقاء معك ولن أخرجك وأبقى هنا ولا على جثماني "
أبعدت نظرها وقالت بحزن " اقسم أن الإسطبلات
أرحم عندي من بقائي هنا "
قلت بحدة " مي لا تخترعي أمور من رأسك وتصدقيها
مشكلة وسن ليست فيك ولا معك ومشاكلنا معا لن تنتهي
بخروجك من هنا وسبق وأخبرتك أن ما انكسر انكسر من
قبل أن أعرفك وأعرف والدك حتى , وخروج لن أخرجك
وطلاق لن أطلقك إلا باستيفاء الشروط ولست متضايق
من وجودك هنا ولو بقيتي العمر كله "
شعرت حينها بدوار خفيف فتوجهت جهة السرير وقلت
" لا أريد أن أسمع منك هذا مجددا أو غضبت يا مي "
قالت مباشرة " تزوجها إذا "
دخلت إلى السرير وغطيت نفسي باللحاف وقلت بتذمر
" لا أعلم لما يراه الجميع الحل الوحيد لكل شيء
وهوا لن يزيده إلا تأزما فوق تأزمه "
ابتعدت عن الباب وقالت " أخفض درجة التكييف
فالغرفة تكاد تتجمد وستمرض "
أغمضت عيناي وقلت " اتركيه أشعر بجسدي
يشتعل , أطفئي النور فقط "
تنهدت وأطفأت النور وخرجت من الغرفة وأغلقت الباب
خلفها ورميت أنا اللحاف من علي لأني لم أعد أطيقه أيضا
*
*
لم أستطع التركيز على أي كلمة مما يقوله المذيع والمتصلين
بعد الذي سمعته , من تكون هذه الفتاة يا ترى ! هل تسكن هنا
في هذا الحي من العاصمة أم في مدينة والدتي بالقرب من
منزلنا هناك أم بالقرب من المزرعة أو مكان غيره وكيف
تراني دائما ولا أراها إن لم تكن تسكن بقربي بل وتعلم
حتى أني أعمل في تجارة الخيول وحتى اسمي تعرفه وهذا
يعني أنها أقرب لي مما أتخيل , بل كيف علمت أنه أنا نفس
الشخص وهذا يؤكد معرفتها السابقة لي وقد تكون ربطت
الأحداث من كلامي عن شقيقتاي ووالدتي ومن ثم ذكري
للحادث الذي حدث معي سابقا , لطالما لفتت انتباهي بأسلوبها
وأفكارها لكني لم أفكر أن تكون تعرفني ! ولم يأتيني الفضول
لرؤيتها يوما , لا والجملة التي ختمت بها كلامها بأني أتعبها
كثيرا وهذا مؤشر واضح على أن في قلبها شيء اتجاهي
وتعلم أني سأعرف أن الكلام موجه لي , ما هذه اللغز
المحير ! قربت هاتفي من وجهي واتصلت بهم فأدخلوا
مداخلتي على الهواء في الفور وقال المذيع
" مساء الخير يا أحزان السنين "
لابد وأنها تستمع الآن لنرى ما تريد الوصول له , قلت
" مساء الخير لك ولجميع متابعيك ما هذه الليلة الساخنة
القاسية , يبدوا أن أحدهم ينوي نفسه بالشر يا صفوان "
ضحك وقال " مهلك يا رجل لم أفهم منك شيئا "
قلت بابتسامة جانبية " لا تهتم المهم أن المجني عليه يفهم "
قال من فوره " إذا أبدي رأيك في حلقتنا "
قلت " جميلة ككل مرة وبلا شك "
قال " إذا من الشخص الذي التقيت به مرة ولم تنسه يوما "
ابتسمت بمكر وقلت " بل ثمة شخص أتمنى أن ألتقي به
يوما فليتمنى أن لا أراه وأن ينجوا مني "
ضحك وقال " قلنا التقيت به وليس تتمنى أن تلقاه "
ضحكت وقلت " حسنا .... هناك رجل قدم لي مساعدة يوما
لا أعرفه ولم أره قبلها وأتمنى أن أجده في موقف صعب
مثلي لأرد له الدين , لازال يسكن مخيلتي ولم أنساه أبدا "
قال بصوت مبتسم " وعند الله لا يضيع شيء وسيوقف
في طريقه من يساعده كما ساعدك "
قلت مباشرة " بالتأكيد عند الله لا يضيع شيء , وختاما
أشكرك صفوان وكل من شارك في الحلقة "
ثم قلت بابتسامة جانبية " وأحيي ملاك الليل وحمدا
لله على سلامتها ونراها قريبا "
ثم أغلقت الخط وسمعت المذيع يقول ضاحكا
" نسى أحزان السنين شعاره ولأول مرة "
ضحكت وضربت جبهتي بيدي لقد نسيته حقا بل لن أقوله
بعد اليوم فقد يكون هوا سبب معرفة الناس لي , انفتح
حينها باب الشقة ودخل معتصم وأغلق الباب خلفه
واقترب قائلا " ماذا تفعل مستيقظ حتى الآن "
قلت بعد ضحكة " من يسمعك يضننا وقت الفجر
منذ متى أنام قبل هذا الوقت "
لوح بيده وقال " المهم لا تزعجني بتلفازك أريد
أن أنام ورائي جامعة مبكرا "
قلت ببرود " شقتي مثلك إن نسيت "
قال بسخرية " نعم ذكر نفسك أيضا بهذا
وأنه لي فيها النصف "
رفعت قدمي على حافة الأريكة وقلت بلا مبالاة
" ما ذنبي مع بخلك , لديك كل ورثك من مال
والدك وتشاركني ثمن شقة "
وضع يديه وسط جسده وقال " تعلم يا أحمق أنه بإمكاني
شرائها والعمارة بأكملها لكني كنت أريد أن تبقى معي
فيها على أنها ملك لك ولو جزء منها ولا تخرج
من أصغر كلمة قد أقولها لك "
قلت بسخرية " معك حق لكنت خرجت الليلة
بلا رجعة بسبب جملتك تلك "
لوح لي ببرود فغمزت بعيني على يده وقلت
" ومن هذا الذي تذكرك في عيد ميلادكم يا منبوذ "
نظر لي بضيق فضحكت وقلت " لم أرى حياتي
رجلا لديه قصرا ويسكن في شقة لا يوجد بها ولا
حتى خادمة ويترك الخدم هناك "
قال بضيق " معاذ ما بك معي الليلة "
وضعت يدي خلف رأسي واتكأت عليها وقلت " مزاجي
في أحسن حالاته ووجدتك أمامي أم لك رأي آخر "
قال بسخرية " أدام الله عليك النعيم "
أشرت بوجهي ليده وقلت " ممن هذه لا تكون من حبيبة القلب "
نظر للصندوق في يده ثم فتحه وأخرج ما فيه فضحكت
بقوة ما أن رأيته وقلت من بين ضحكاتي " من هذا الذي
سخر منك هكذا , لا وتجلبها معك وسعيد جدا بها "
قال متوجها جهة غرفته " لا شأن لك ولا ترفع
صوت التلفاز أو كسرته على رأسك "
ضحكت ثم وقفت وأغلقت التلفاز ودخلت لغرفتي وحاولت
النوم لكني لم أحضا بذلك سريعا حتى مر أغلب الليل لأن
تلك الفتاة لم تغب عن بالي وفكرة واحدة تسيطر على
دماغي ..... من تكون تلك
*
*
في الصباح استيقظت مبكرا كعادتي لأخرج قبل وقت
المحاضرة وأستفيد من الوقت , مررت المطبخ سريعا
ودخلت وقلت " صباح الخير يا روضة "
ضحكت وقالت " من قالها لك "
قلت وأنا واقفة آخذ قطعة خبز محمص وأضع عليها
المربى " سمعت المقيم هنا يناديك به فأعجبني
كثيرا وأره أجمل من اسمك "
وضعت الطبقين على الطاولة وقالت " ما الجمال فيه
هوا يسخر مني ليناديني بكلمة روضة أي روضة أطفال "
قلت بابتسامة صغيرة " يبدوا يحبك كثيرا "
قالت مبتسمة " وأنا أحب كل واحد فيهم أربعتهم وكأنهم أبنائي "
ثم قالت بمكر " ولن أرتاح حتى أكون عضوا في
مجموعة أخرى توقع به كرفيقه معاذ "
قلت وأنا أحمل حقيبتي ومذكراتي وأغادر
" حاذري أن يعلم بمخططنا كما أخبرتك يا راضية "
سمعتها تقول وأنا ابتعد " لا تقلقي بشأن هذا الأمر "
ثم خرجت سريعا قبل أن ينزل نواس فهي على ما يبدوا
تجهز له الإفطار , أستغرب كيف يتناوله في المطبخ
ووحده أيضا ! خرجت وركبت السيارة وغادر بي من
فوره فهوا حرّم أن يتأخر لأني بالأمس نفث غضبي
من نواس كله به عندما تركني واقفة هناك صباحا
دخلت الجامعة بعد الطريق الممل لتستقبلني ملاك
وهي تنظر لوجهي بتفحص ثم قالت " وسن ما
بك هكذا شاحبة ووجهك مصفر "
قلت ببرود ونحن نسير للداخل " لا تكوني ممن
يدرسون الطب ولا أعلم بك "
قالت بضيق " وسن ما أَحَبّك للكلام المسموم
قولي ما بك وكفى "
قلت بذات البرود " لا شيء "
تنهدت وقالت " طبعا لا شيء وكالعادة ولكن حالك لا
يعجبني منذ انتقلتِ للعيش في مزرعة ابن خالتك ولا
أستبعد أن تسقطي علينا ميتة في أي وقت "
قلت مغيرة مجرى الحديث " جلبت لك معلومات ستعجبك "
قفزت أمامي ووقف وأوقفتني وقالت وهي تمسك يدي
" حقا بهذه السرعة يالك من نابغة "
قلت بابتسامة صغيرة " وطبعا لن نتحدث حتى
نزور المعمل والمكتبة أولا "
قالت بتذمر " آه وسن مابك هكذا معي "
ثم قالت بنصف عين " ألا تريدي أن تعرفي
نتائج الجولة الأولى قبل أن ندخل "
قلت بلامبالاة وأنا أتابع سيري
" لا ... سأعرف فيما بعد لما الاستعجال "
لحقت بي قائلة باستياء " أقسم أنك استمعت لها
البارحة لهذا لا تعبئين لها اليوم "
ابتسمت بألم ولم أعلق ... ليتك تعلمين أي ليلة مررت
بها البارحة وأي برنامج شاهده ومباشر لما كان هذا
كلامك , دخلنا المعمل ووجدنا طلال هناك منشغل مع
الشرائح وعيناه عليها فقالت ملاك هامسة بضحك
" انظري أين وصل به الانسجام "
ابتسمت على شكله واقتربت هي منه بخطوات خافتة
وقالت بصوت مرتفع " ياااآآآااع "
فانتفض من مكانه لكن دون صراخ طبعا مثلنا نحن
الفتيات ثم نظر لها بغيض وقال " أتعلمي من تشبهين "
ثم رفع لها إحدى الشرائح في وجهها وقال
" البكتيريا العنقودية "
ضحكت وقالت " مقبولة منك يا الدودة الشريطية "
سمعنا حينها طرقات بقلم على طاولة فنظرنا فورا
اتجاه الصوت فكان الدكتور عادل الذي لم ننتنه لوجوده
لأن ثلاث طلبة كانوا يقفون حوله ، نظرت لي ملاك
وأخرجت لسانها جانبا دليل أنه فيها موتها وسمعنا
صوت الدكتور قائلا " لا ضجيج ولا استهتار في
مكان إلا ومصدره السيدة ملاك طبعا "
لوت شفتيها وتمتمت شيئا لم أسمعه ثم سحبت كرسيا
وجلست أمام طلال وسحبت أنا كرسيا لي وجلست بجوارها
وغرقنا في العمل حتى وقت المحاضرة فوقف طلال وقال
" سننهي هذا فيما بعد وسآخذ أنا الأوراق والصور
معي هذه المرة وأحظرهم في الغد "
ثم غادر ووقفنا نحن وقالت ملاك وهي تضع حقيبتها
على كتفها " مر الوقت كله هنا ولم نزر المكتبة ولن
ندخلها قبل أن تحكي لي ما قالته لك مفهوم"
حملت مذكراتي وقلت مغادرة " فلنخرج من المحاضرة
أولا ثم لكل حادث حديث يا سيدة الدلال "
وصلنا القاعة على رنين هاتفي فأخرجته ونظرت
للمتصل فكانت فرح , غريب منذ مدة لم تكلمني وهاتفها
مقفل أيضا وحين اتصلت بجواد قال أن شريحة هاتفها
معطوبة وسيخرج لها أخرى والأغرب أن تكلمني وقت
الجامعة !! استأذنت من دكتورة المادة قليلا وخرجت
وأجبت عليها فقالت من فورها " وسن حبيبتي كيف
حالك اشتقت لك شقيقتي الحبيبة "
قلت بابتسامة حزينة " وأنا أكثر منك يا فرح ولا
أصدق متى يأتي اليوم الذي تعودين فيه "
تنهدت وقالت " لا أعلم لما يمر كل العمر ركضا
إلا حين تنتظرين شيئا , أشهر حملي تمر بسرعة ولا
أشعر بها أما أشهر سفرنا فأشعر أنه لم يمر منها شيء "
قلت مبتسمة " وكيف يكون ذلك "
قالت بتذمر " لا أعلم لا أريد أن ألد وقت دراستي
وأريد أن تمر الشهور لننهي ولو فصلا آخر
لننزل لزيارتك وتلك تمر كالريح وهذه لا "
اكتفيت بالابتسام دون تعليق فقالت بهدوء
" لن أسألك كيف أوضاعك هناك لأني أعلم مسبقا "
لذت بالصمت ولم أتحدث فقالت بأسى " وسن هوني
عن نفسك قليلا وقولي لي ولو أكثر ما يتعبك هناك "
قلت بابتسامة مغصوبة " ما سأحكي لك يا فرح من ماذا "
قالت بحزن " هل الأوضاع سيئة لهذا الحد "
قلت بحسرة " للبارحة تشاجرنا حتى كان سيضربني
لولا زوجته أوقفته "
شهقت بقوة ثم قالت بحدة " خسئ تنقطع يده قبل أن يمدها
عليك , أقسم إن فعلها لكان حسابه معي أنا ولو كان ثمنها
دخولي السجن ولا يضن أنه لا أحد ورائك لأن لا
عائلة لك غيره ذاك الجلمود المغرور "
ثم تابعت بحرقة " كيف تسكتين على ذلك
يا وسن كيف "
قلت بسخرية " وما بيدي أفعله ؟ أنا في منزله وأعيش
على نفقته وبنقوده فما الذي سأدافع به على نفسي "
قالت بحدة " وإن يكن , هذا لا يعطيه الحق في فعل
ذلك فليمدها على زوجته ليرينا المرجلة , وتلك الحية
تجدينها تحفر من بعيد ثم تدعي الدفاع عنك "
قلت بحزن " لا أعتقد ذلك "
قالت بتذمر " يالك من طيبة يا وسن ويسهل خداعك
والضحك عليك , المهم أنه سيأتيك اليوم الذي ستقتصين منه
يا وسن فلا تتواني عن فعلها وأذيقيه معنى عذاب الروح
وهوا بقربك فذاك سيكون فيه دماره "
قلت بحيرة " ماذا تعني بهذا أنا لم أفهم شيئا "
قالت مباشرة " لا تفهمي ... فقط تحفظيهم جيدا وتذكريهم
في وقتها , لن أستطيع أن أقول لك أكثر من هذا لكن
تذكري كل ما قلته الآن حين يصير في قبضتك "
تنهدت وقلت " فرح أتركي عنك الألغاز وتحدثِ بوضوح "
قالت ببرود " لو بيدي ما توانيت عن فعلها ولكن لا بأس
سأرى فيه يوما وقريبا جدا وعلى يديك "
قلت بهدوء " ورائي محاضرة وعليا العودة لها
الآن ألم تجدي أفضل من هذا الوقت "
قالت بضيق " وكيف وذاك الجواد يشتغل لي هنا كالحارس
ويمنعني من التكلم معك ويتوعد ويهدد "
بقيت على صمتي أحاول تفسير كلامها فقالت
" مؤكد ستسألين لما ... لأنه يرى أني سأزيد الأمور
لديك تأزما , لا أعلم كيف يحب شقيقه ولا يسمح لي
أن أخاف على مصلحة شقيقتي مثله "
تنهدت وقلت " لم يعد هناك شيئا مهما يتحسر أحد على
ضياعه يا فرح فلا تشغلي بالك بي واهتمي بصحتك
وزجك ودراستك وأبعديني عن دماغك فأنا بخير ولا
تخافي علي ولا تفكري بي "
تنهدت بقوة وقالت " أسعدك الله يا وسن وأزال عنك
كل هذه الظروف السوداء , لن أستطيع الدعاء عليه بعد
الآن لذلك سأقول هذه اللحظة أسأل الله ..... "
قاطعتها قائلة بضيق " فرح ليس من أجله بل من أجلك
توقفي عن هذا فدعائك سيضرك أيضا "
تأففت وقالت " وداعا الآن وسأكلمك متى ما وجدت فرصة
كهذه لأنه إن علم جواد بي سيخاصمني أسبوعا كاملا
وسأموت من قهري فلا أحد غيره هنا أتحدث معه "
قلت مبتسمة " وداعا إذا "
ثم أنهيت المكالمة منها وأرسلت رسالة لجواد لأني فهمت
الآن لما لم يعد يجيب هوا أيضا على اتصالاتي .. ليتهرب
من سؤالي عن سبب إقفاله لهاتف فرح طبعا , جواد لا يتغير
أبدا كما كان في طفولته مدمن على الكذب ولا تستطيع
أن تصدق منه شيئا , أرسلت له رسالة كتبت فيها
( جواد أجب على اتصالي أريدك في موضوع مهم )
ثم عدت لمحاضرتي ولم يغب كلام فرح عن بالي
ترى ما تعنيه بكل ما قالته لي !! يبدوا تعلم شيئا ولا
تريد قوله فما معنى أن يصير تحت قبضتي وأنتقم
منه وأذيقه عذاب الروح , ياله من أمر مضحك حقا
فأي قبضة هذه التي سيصير فيها , أنهيت محاضرتي
ولم تتركني ملاك حتى أخبرتها بكل ما أخبرتني به
راضية لتكمل مخططها الذي كل ما أخشاه أن يزيد حياتها
انتكاسا على انتكاسها , وانتهى يومنا وعدت للمزرعة ولم
أعد أرى نواس ولا بالمصادفة لأني لم أغادر غرفتي إلا
للجامعة أو لزيارة تلك الفرس التي أصبحت زيارتها
بالنسبة لي شيئا لا يمر يومي من دونه
*
*
وقف بجانبي ونظر حيث أنظر وقال " ما بها فرسك المدللة "
هززت رأسي وقلت " لا أعلم الحال كما هوا أمامك فمنذ
أيام رفضت الخروج إلا بصعوبة وفي اليوم الذي يليه
رفضت أن أخرجها أنا وخرجت مع وليد بدون جهد
ولا تعب ومن يومها على هذا الحال "
ضحك وقال " أخبرتك منذ البداية أن أمر فرسك
هذه مريب وستكتشف نهاية الأمر أنها مسكونة "
قلت بتذمر " معتصم بالله عليك أنت تعلم جيدا أن الخيل
من أذكى الحيوانات وأنها تتعلق بصاحبها كثيرا وتشعر
به بل وتبكي لموته أيضا وهذه الأمور يعرفها العرب
منذ صاروا وعرفوا الخيل "
اقترب وليد وقال " نواس المهندس وصل
وينتظرك عند باب المنزل "
غادرت من فوري على صوت معتصم يتبعني قائلا
" وأنا محاضرتي ستبدأ بعد ساعة وداعا "
عدت جهة المنزل حيث وجدته ينتظرني هناك فوقفت
أمامه وصافحته قائلا " مرحبا أستاذ نزار كيف الحال "
قال مبادلا لي الابتسامة " بأفضل حال سيد نواس شكرا لك "
ثم رفع ورقة طويلة ملفوفة وقال " أحضرت الخرائط واعتذر
على تأخري لأني كنت في عمل لم ينتهي إلا الآن "
وضعت يدي على ظهره وقلت " لا بأس أخبرتك أني
لست مستعجلا عليها , هيا تفضل للداخل "
دخلنا لمجلس الرجال لأن مكتبي في الأعلى وبعد زواجي
وعيش وسن معنا هنا لم يعد يمكنني السماح لأحد بالصعود
معي ويبدوا أصبح عليا تغيير مكانه للأسفل فقد يكون نصف
سبب سجن وسن لنفسها في غرفتها أنه هناك في نفس الممر
جلسنا وفرد الورق على الطاولة وقال " رسمت مخططين
الأول يستلزم تغيير هذين المكانين هنا لينجح لأنهما
سيعيقان كل العمل "
نظرت للمكانين بتركيز ثم قلت وأنا أشير لأحدهما
بإصبعي " تقصد هذا عند طرف الإسطبلات "
قال " نعم "
هززت رأسي وقلت " مستحيل هذا لا يمكنني تحطيمه أبدا "
رفع نظره عن المخطط ونظر لي وقال " لكنه إسطبل
منفرد ومكانه خاطئ وغير مناسب "
هززت رأسي بلا دون كلام فتنهد وأبعد الورقة وقال
" في هذا الحال سنستخدم الأخرى "
فردها وبدأ يشرح عليها قائلا " هنا سيكون التوسيع في
الإسطبلات وعلى ثلاث مراحل أما هذه الجهة تستغلها
لتوسيع مخزن أدوات الخيل من أعنة ورشوم وسروج وما
إلى ذلك والتوسيع الثالث فيها سيكون منحن يسارا وهنا تزيد
مساحة مستودعات التخزين والجديدة يجب أن تكون بأساسات
تتحمل الطوابق لتستفيد منها مستقبلا ببناء طابق فوقها بما
أنه لا يمكن بناء واحدة تحتها بسبب الرطوبة "
واستمر يشرح مطولا وأنا منتبه له في كل حرف وتفصيل
حتى ضرب بكف يده عليها وقال " وهذا مخطط لتوسع به
كل شي هنا على ثلاث مراحل في سنوات مختلفة وإن
اتبعته يمكنني أن أزيده إن احتاج الأمر "
هززت رأسي وقلت " رائع ... عمل ممتاز "
أشار بعدها لمساحة معينة وقال وهوا يحددها بإصبعه
" هذه استثنيتها من كل شيء , موقعها ممتاز خصوصا
من ناحية المنزل مستقبلا حين سيكون لديك أبناء فلن
تواجه مشكلة الحديقة ومسبح صغير وحتى بعض الألعاب
الثابتة لهم فأنا لاحظت أنه لا شيء من كل هذا هنا ولا
حتى حديقة ومستقبلا ستفكر في كل هذا "
ابتسمت بألم على الأمر وقلت " معك حق إن كان هناك
أبناء سأواجه هذه المشكلة فعلا وحتى شقيقي حين يعود
من سفره قد يعيش معي هنا ويكون حينها لديه ما
لا يقل عن اثنين أو ثلاثة "
رفع رأسه ولفها مجددا وقال " إذا نبدأ على بركة الله "
هززت رأسي وقلت بثقة " نبدأ يا حضرة المهندس "
قال بعد ضحكة " لست بذاك الحجم "
قلت مبتسما " بل عملك متقن وثقتي بك كبيرة "
ثم تابعت بهدوء " وثمن أتعابك حدده بنفسك وستأخذه
كاملا فقط تكفل لي بكل مشاكل العمال والمستلزمات
ومعاذ سيساعدك في أمر المواد التي ستحتاجها فهذا
اختصاصه وأريد منك فقط ورقة نهاية الأمر بجميع
التكاليف وسأقدم لك الدفعة الأولى من أجل المواد
وبالنسبة للأدوات فلدينا بالفائض من توسيعنا السابق
لأني اشتريتهم ولم أستعن بعمال من شركات خاصة
يجلبون معهم كل ما يحتاجونه لأن تلك الشركات أصبح
يدخل فيها الغش في مواد البناء فلا ثقة عندي بهم "
وقف وقال " خيرا صنعت فعمال الأعمال الفردية
عملهم أنظف بكثير "
وقفت أيضا وقلت " لا تخبرني لأني أكثر من يعلم
فقد عملت عملهم لسنوات "
نظر لي باستغراب فضحكت وقلت " لا تستغرب
هذا فكم من مال بني من لا شيء والمهم أنه
من حلال والله لا ينسى أحدا "
هز رأسه وقال " معك حق المهم أنه من حلال فلا أحد
يبقى طوال حياته صغيرا كما لا أحد يدوم كبيرا "
ابتسمت وأمسكت كتفه وقلت " لم تشرب شيئا
أو تناول الغداء معنا على الأقل "
رفع ورقته الأخرى وقال " مرة أخرى عليا المغادرة الآن
فوالدتي تركتها في المستشفى وعليا الذهاب لأعود بها "
صافحته وقلت " إذا نلتقي قريبا وشفاها الله لك وحفظها "
شكرني وغادر وغادرت أنا بعده المنزل متوجها للخارج
حيث توقفت سيارة معاذ و فتح النافذة وقال " نغادر الآن "
قلت وأن أتوجه لسيارتي " نعم فقد نتأخر هناك "
ركبت سيارتي على رنين هاتفي فنظرت للمتصل فكان
جواد فأجبت عليه وأنا أنطلق خارجا من المزرعة
*
*
كنت جالسة على سريري أراجع بعض محاضراتي فمنذ
عدت عصر اليوم من الجامعة وأنا منهمكة فيهم فانقطاعي
عنها وقت مرض خالتي ووفاتها وما بعده سبب لي إرباكا
كبيرا وطيلة الأيام الماضية أحاول تدارك ما فآتني مع ما
نأخذه الآن , رميت القلم من يدي ونظرت للساعة فكانت
العاشرة ونصف فجمعت الكتب ومذكراتي وأعدتها لمكانها
على صوت طرقات على الباب ولم يدخل بعدها أحد فتوجهت
جهة حجابي ولبسته فمؤكد هذا نواس ويبدوا جواد تحدث
معه لأني هذه المرة لم أترك له مجالا للأعذار فكم تحجج
بألف حجة كي لا يكلمه وكان رافضا الفكرة من أساسها
لكنه يعلم جيدا عواقب الأمر إن تحدثت أنا معه فليتفاهم
معه هوا ويخرجا بحل وما قلته يجب أن يحدث فهذا
كان الاتفاق منذ البداية , ما علمته من راضية أنهم اليوم
خرجوا من المزرعة منذ الظهيرة ويبدوا عاد للتو
توجهت للباب وفتحته فكان يقف أمامه مسندا يده على
حافته وينظر لي بجمود فتركت يد الباب ونظرت جانبا
ليس من أجل شيء لكن كي لا يتّقد هذا الشوق إليه أكثر
وصلني صوته قائلا بجدية " ما معنى هذا الذي قاله جواد "
قلت وأنا على حالتي " معناه كما قاله لك وقالته
والدتك سابقا ولم تنفذه "
قال بحزم " وسن "
نظرت له لتلتقي عينانا وقال بضيق " قالت وقلتي
ولم أوافق عليه إن كنتي تذكرين ذلك "
هززت رأسي بقوة وقلت " بل وضعته خالتي أساسا
ولم تعترض أنت عليه إلا بأفعالك لاحقا "
ثم أشرت بإصبعي جانبا وقلت " قالت أعيش معها
وأترك شقة والدي ونفذت ذلك بل أكثر منه وبت هنا
وقالت أني سأدرس من مالي وبعدما أتخرج أصرف
على نفسي ولم تنفذه أنت وأخللت به من قبل وفاتها
والآن أريد أنا أن أتكفل بكل ما دفعته أنت للجامعة "
قال بحدة " أي جنون هذا أنتي لم تدفعي من مالك أنتي
كمن يشحذ منهم تكاليف رسوم المواد ورسالة تخرجك "
رميت أصبعي في الهواء وقلت بحدة أكبر " أنا متسولة
في كل الأحوال إن منك أو منهم وعلى الأقل هناك
لا أعرف من صاحبها ولن يعرفني "
ضرب حافة الباب بكفه التي يسندها عليها ونظر
جانبا ومرر أصابعه في شعره يتأفف ثم قال بنفاذ
صبر " متى سننتهي من أسطوانة المتشردة
العالة المتسولة يا وسن متى "
قلت ببرود " حين ينتهي تصدقك عليا بمالك "
هز رأسه بيأس وقال " لا أعلم أي دماغ هذا الذي تفكرين به "
ابتسمت بألم وقلت " نعم فأنا أصبحت لا شيء بالنسبة
لك و منذ وقت طويل "
قبض يده بقوة وقال بغضب " وسن لا تفقديني أعصابي
وكأنك تتعمدين ذلك من أجل إغاظتي "
قلت بحرقة " أجل افعلها واضربني فزوجتك ليست
هنا لتمنعك عني لكي أُقدر لها هذا "
ضغط على أسنانه بقوة وأغمض عينيه وقال
" اسمعي يا وسن مال غير مالي لن ُيدفع عليك
ولآخر عمرك فهمتي "
أشرت له وقلت بضيق " لا يا نواس هذا في أحلامك لن
تبقيني هنا لتنفذ مخططك فإما أن تزوجني إمعتك ذاك أو
سأخرج بنفسي من هنا , ومال من أحد لن أقبل "
قال صارخا " قلت لك سابقا لا تنعتيه بالإمعة ولنرى
نهاية كل هذا إن كان حله زواجك به فسيكون الليلة
فلعلنا ننتهي من تكرار هذه العبارات مخطط وانتقام
ومتسولة ومتشردة وغيرها الكثير "
ثم أشار لي بإصبعه وقال " تذكري فقط أن عليك أن
لا تكرري هذا مجددا بعدما تصيري زوجته "
ثم غادر دون أن يضيف شيئا آخر ليتركني أنظر لمكانه
بصدمة , ماذا يعني بما قال ! ما معنى أن لا أذكرها
مجددا هل يقصد أنه سيبقى يصرف علي حتى بعد أن
أتزوج ولكن كيف ! رجعت بعدها عدة خطوات للوراء
حتى سقطت جالسة على الأريكة ... نعم معناه شيء
واحد يزوجني بصديقه الذي يعيش معه هنا لأصبح أنا
وهوا وحتى أبنائنا نعيش على نفقته وصدقاته وفي منزله
لا ولن أخرج من هذا المكان وسأبقى له ولزوجته كل
العمر هذا إن لم أقوم بخدمتهم من أجل المال , جلست
كالصنم بل كالمحكوم عليه بالإعدام ينتظر مصيره
المجهول , هذا ما لم أفكر فيه يا نواس أن تكون فكرت
هكذا ... تزوجني به وأبقى هنا أسوء من بقائي الآن
مرت عليا الساعات وأنا جالسة مكاني ودارت بي جميع
الأفكار حتى أن أهرب من هنا ولا أعود , أمسكت
بعدها بهاتفي واتصلت به , عليا أن افهم منه أولا من
يكون ذاك الذي يتحدث عنه , اتصلت به مرارا ولم
يجيب , قد يكون نام وغير رأيه في الأمر وكلامه كله
كان في ساعة غضب , وقفت وبدأت بالدوران في
الغرفة كالتائهة ثم توجهت نحو الباب من دون أدنى
تفكير وخرجت منها ونزلت للأسفل وتوجهت لغرفة
راضية وطرقت عليها الباب كثيرا حتى فتحت لي
من نومها وقالت بقلق " وسن ما بك ماذا حدث "
قلت مباشرة " أين نواس هل هوا في غرفته "
قالت بعد تفكير " بعدما عاد عند العاشرة صعد للأعلى "
قلت مباشرة " نعم اعلم هل نزل بعدها وخرج أم لا "
قالت " نعم نادى على وليد بصوت مرتفع ويبدوا
غاضبا جدا وخرجا معا "
نظرت لها بضياع مطولا فقالت " وسن ماذا هناك
هل نواس به مكروه !! "
قلت " لا لكن تذكري هل عادا بعدها أم لا "
رفعت كتفيها وقالت " دخلت غرفتي عند الثانية
عشرة وكانا لم يعودا بعد "
إذا هم في الخارج منذ ساعتين وظنوني صدقت وهذا
ما سيفعله , غادرت من عندها وأخذتني قدماي لإسطبل
الوسن ولو كان لي مكان غيرها لقصدته لكن قدري لم
يترك لي أحدا ألجا إليه , فتحت الباب ودخلت وتوجهت
نحوها فورا واحتضنتها وبدأت بالبكاء دون أي كلام
فحتى الشكوى لن تجدي لأنها لن تجيب , أين أنتي يا
خالتي لتري ما يحدث لي , أين وصاياك له ووعده لك
بكيت حتى تعبت وشعرت بالدوار فابتعدت وجلست
عند الجدار وخبأت رأسي بين ذراعاي المحتضنة
لساقاي لأواصل مسيرة بكائي هناك
*
*
عدت ووليد للمزرعة مجددا ونزل قبلي ووقف
عند نافذتي وقال " لا أعلم كم مرة سنبارك لك
وأتمنى أن لا تكون أربع "
نظرت للجانب الآخر وقلت بضيق " وليد أنا لست
في مزاج لدعاباتك فوفرها لوقت آخر "
قال مغادرا جهة باب المنزل " مبارك لك إذا وحاول
قدر استطاعتك أن تعدل بينهما "
ثم دخل المنزل ونزلت أنا من السيارة وأغلقت بابها
بقوة ووقفت مستندا عليها بيدي ونظري للأرض أفكر
كيف ستكون ردة فعلها على الأمر وكيف سأقولها لها
ابتعدت عن السيارة لأغادر فركض أحد العمال نحوي
قائلا " سيد نواس إسطبل الوسن مفتوح "
أخذت البندقية منه وركضت دون شعور وأنا أصرخ به
" ولما لم تدخل وتقتله كان من يكون فسيكون سرقها وذهب "
قال وهوا يركض خلفي " حركتها ما تزال في الداخل
وها هما عادل وعمار قادمان "
ركضت جهة إسطبلها وهم خلفي ببنادقهم وقلت
" أقتلوه دون تفكير ولا تردد هذا إن لم يكونوا مجموعة "
****************************************************
******************************************
نزلت السلالم ودخلت غرفتها فمدت يدها لي وقالت
" تعالي بنيتي أين أنتي شغلتني عليك "
توجهت نحوها وجلست بجوارها واتكأت على كتفها
وبدأت دموعي بالنزول فقالت وهي تمسح على ذراعي
" لما كل هذا الحزن والبكاء والعزلة يا سما , لا تكوني
ضعيفة بنيتي فلا شيء في الحياة يأتي بسهولة إلا
ويذهب بسهولة أما ما نتعب عليه فهوا الذي يدوم "
رن بعدها هاتفها فأجابت عليه قائلة " نعم يا نزار "
" نعم نزلت لي وهي بخير "
ثم أنزلته لحجرها وقالت " لما لم تذهبي للبقاء مع صباح
حتى عودتنا من المستشفى , نزار كان منشغلا عليك
ورفض حتى أن يذهب لموعده مع تاجر الخيول
ليرجع لك هنا لولا أصررت عليه أن يذهب "
كنت أمسح دموعي دون كلام وأشهق شهقات صغيرة بين
الفينة والأخرى فقالت " ألن تقولي لي ما يضايقك يا سما "
لم أتحدث ولم أعرف ما أقول , مسحت على شعري
وقالت " نزار قال أنه سيتحدث معك في موضوع
رفضه لتزويجك ومن وقتها وحالك لا يعجبني فهل
قال شيئا جرحك , هل قسا عليك بكلماته "
ابتعدت عنها ومسحت دموعي وقلت " سألني إن كان
لدي شخص أريد الزواج به فسيزوجني له بعدما
يتحقق من شيء لا أعلمه ولم يقله لأني رفضت
قبل أن ينهي كلامه لي "
تنهدت وقالت " وهذا ما يزعجك في الأمر "
نظرت ليداي في حجري وقلت بحزن
" قال لي انسيه وستجدين أفضل منه "
ثم رفعت نظري لها وقلت بحيرة وضياع ودموع
" كيف أنساه يا خالتي كيف "
تنهدت ومسحت على خدي وقالت
" هوا نزار يا سما أليس كذلك "
أردت أن أقول لا لكني لم استطع الكذب فعدت للبكاء مجددا
فضمتني لصدرها بحنان وقالت " سأتحدث أنا معه "
ابتعدت عن حضنها وهززت رأسي بقوة رافضة
وقلت " لا يا خالتي حلفتك بالله أن لا تفعليها يكفيني
ما سمعت منه ولا أريد أن يعلم بكل هذا "
تنهدت وقالت " فقط لأنك أقسمتِ علي لكنت
علِمت كيف أتصرف معه "
نظرت للأسفل أشعر بالخجل من نفسي أمامها بسبب
ما حدث , هذا كله من حماقتي مالي ومال كل هذا من
البداية , سمعنا حينها صوت الباب انفتح فوقفت من فوري
كالملدوغة أريد أن أغادر من هنا لكن لا مجال لفعل ذلك
وقف نزار عند الباب وظهري له ووصلني صوته قائلا
" مساء الخير "
أجابت خالتي ثم قالت " هل تريد عشاءا ؟ سئمنا من
قول هذا كل ليلة والجواب نفسه "
قال مغادرا " إذا لما تسألي إن كنتي تعلمين الجواب "
ثم صعد لغرفته ككل ليلة , ليته يعلم كم جرحني وهوا
لا يدري , كيف يقول لي أن أنساه وهوا أمامي وأني
سأجد شخصا أفضل منه وأنا لا أرى غيره , وأن
مشاعري ستتغير مع الزمن وهي لم تتحرك لأحد قبله
ولا غيره , كم كسرني وحطم مشاعري وحمدا لله أني
لم أفكر كما قالت خالتي سابقا أن أتحدث معه لكان
مصيري أسوء من دعاء , نزلت دمعتي مجددا فمسحتها
بسرعة فقالت باستياء " سما هذا الذي تفعليه بنفسك سيء
إما تحدثي معه وافهمي منه حقيقة شعوره ناحيتك ومهما
كانت النتيجة قاسية عليك أو ارحمي نفسك وحاولي نسيانه
والتفتي لدراستك ومستقبلك كي لا يؤثر فيك تعبك منه "
ركضت مغادرة الغرفة وصعدت السلالم , لما يحصل معي
كل هذا ألا يكفيني ما قاله لي لتزيد والدته الأمر سوءا
بإخباري أنها تعلم أنه هوا , كم هذا محرج ومخزي
صعدت راكضة لأصطدم بشيء بقوة وما كان إلا نزار
الذي قال ويده على صدره " تنوين تكسير ضلوعي بلا شك "
نظرت للأسفل أمنع فقط دموعي من الانهمار أمامه
فقال عندما طال صمتي " لا تغضبي مني يا سما
فلم اقصد جرحك بما قلت "
أنزلت رأسي أكثر وقلت بحزن " أبدا لم أغضب وآسفة لأني
قلت ما قلت فأنا كنت متضايقة قليلا وقلت ما لا أستوعبه "
ثم توجهت مسرعة جهة غرفتي لتمسك يده ذراعي
ويوقفني مكاني وقال بصوت منخفض " لا أريد رؤية
دموعك يا سما فتوقفي عن البكاء "
أخفيت عيناي بذراعي الأخرى لأن دموعي عادت تنزل
أكثر من السابق فترك ذراعي وقال " لا يستحق دمعة من
عينيك كان من يكون ولن تنتهي الحياة على .... "
وضعت يدياي على أذناي وقلت " يكفي يا نزار
أرجوك توقف عن قول كل هذا .... توقف "
ثم دخلت غرفتي وأغلقت الباب وركضت للسرير
وارتميت عليه أبكي بحرقة
*
*
بقيت أنظر للباب الذي أغلقته خلفها لوقت ثم تنهدت ونزلت
لغرفة والدتي ووقفت عند الباب وقلت " ماذا قالت لك "
قالت ببرود " لا شيء "
قلت بضيق " أمي لما هكذا "
قالت بضيق " أذهب وسألها بنفسك يا محطم القلوب , كم
واحدة ستنتقم من رهام فيها ؟ نزار أنت مريض وعليك
أن تذهب لطبيب نفسي "
قلت بضيق أكبر " أمي ما هذا الكلام الذي تقولينه "
قالت بحدة " أخبرني ما في سما لا يعجبك ؟ دعاء وقلنا
صديقة رهام وكذبت علينا مرارا وتعاملت بخبث وسوء
مع سما وبها عيوب تضطرك لرفضها , سما مما تشتكي
امرأة تقاس بالذهب وزد عليها أنها تحبك وأنت كالجدار
لا أعلم ما الذي تحبه فيك النساء "
هززت رأسي وتأففت بقوة أمنع لساني من أخطأ في
حقها فهي والدتي مهما كان , قالت بسخرية
" العيب ليس بها بل هوا بك أنت "
قلت بضيق " أمي إنها طفلة لا أعلم بأي عين تريها , عمري
فوق ضعف عمرها بخمس سنين , أي وجه هذا الذي
سأقابل به أبناء عمها وأعمامها فيما بعد ... وجه المستغل
لمالها أم وجه المضطهد يتزوج بفتاة في الخامسة عشرة "
قالت بحدة " حجة ضعيفة وتعلم ذلك جيدا فلما كنت تريد
تزويجها بغيرك إن كان عائلتها أو عمرها السبب "
لوحت بيدي وقلت بضيق " ليس أنا ... المهم ليس أنا فأنا
اعلم كل شيء عنها وعن ثروتها التي بين يداي وأراها
بعيناي وزيدي على كل هذه المبالغ الخيالية ثروة وأسهم
أكثر منها , غيري لا يعلم أما أنا فلا تفسير لزواجي بها
سوا أني طامع في مالها وسما صغيرة قلتها ومصر عليها
ولن أتزوج من طفلة ولو فيها موتي ولن أظلمها بأطفال
وتعب في غير سنها والله وحده يعلم متى تنتهي ظروفها
وتعود لعائلة والدها "
كانت ستتحدث فقاطعتها باستياء " توقفي عن لومي يا
أمي وحلفتك بالله أن ترحميني لما لا تهتمي بمشاعري
أيضا , أنا رجل ربيتني على أن لا أنزل نفسي فأي مظهر
هذا الذي سأقف به أمام أبناء عمها فيما بعد وأنا ذاهب لهم
بها لنعيش على أموالها وأموالهم أم بظنك سيرضون أن
تبقى معنا هنا في منزلنا هذا وهي ثرية ابنة أثرياء
يكفي يا أمي يكفيني ذل ومهانة في حياتي "
نظرت للأرض وقالت بهدوء " لكنك قسوت عليها بني
وجرحتها فلما لا تراعي مشاعرها أيضا "
أشحت بوجهي وقلت " يوم تصير هي في سن زواج
وأكون أنا كفأ لأناسبهم ولو قليلا وتبقى هي مشاعرها
نحوي ذاتها سأتزوجها "
قالت بسخرية " نعم أغلقتها من جميع الطرق ثم تقول أتزوجها "
تنهدت بقوة ثم نظرت لها وقلت " أقسم إن حدث كل ذلك تزوجتها "
هزت رأسها وقالت " ومتى يا ابن والدتك ستصبح غنيا
وهل ستنتظرك هي كل عمرها "
قلت بهدوء " ها قد قلتها بنفسك لن تنتظرني كل عمرها
وأنتي أدرى مني يا أمي أنها في سن ستتغير فيه مشاعرها
بكل سهولة وستقول يوما ما لا أعلم كيف أحببته وتكتشف
أن هذا ليس حبا من أساسه "
لاذت بالصمت غير مقتنعة قطعا بما أقول فقلت بهدوء
" تحدثي معها وأفهميها الأمر ولكن بطريقة غير مباشرة "
قالت ببرود " لن أقنعها إلا بأن تنساك وتكرهك أيضا "
قلت بضيق " أمي لا أعلم كيف بعدها كرهتني حتى أنا "
قالت بحدة " لأني إن أنجبت وربيت مليون فتاة ما
خرجت بواحدة مثلها وأنا متأكدة كما أراك الآن أمامي
أنها اعتذرت منك رغم أنك أنت المخطئ "
مررت أصابعي في شعري أنظر للأرض ثم قلت بانكسار
" أفهميها أن تنتظرني إذا ولكن دون أن تخبريها "
قالت مباشرة " لا "
رفعت رأسي ونظرت لها فتابعت باستياء " لن أقول حرفا
وقله لها وحدك فأنا لن أعلقها بالآمال الكاذبة لتأتي أنت فيما
بعد وتقول أنك تحب أخرى وتريد أن تتزوجها فأنت لا
يعجبك إلا شبيهات رهام "
غادرت وتركتها لأنها في حالة سيئة من الغضب ولن
أستطيع التفاهم معها , خرجت من المنزل وركبت
سيارتي وتحركت بلا هدف ألف الشوارع فقط , ما
الذي لدي أقدمه لك يا سما حتى مهر كباقي الفتيات لا
أستطيع توفيره لك , ليس لدي سوا الفشل وخيبات الأمل
لن أستطيع أن أجلب لك ولا سلسالا ذهبيا يساوي أقل ما
لديك من حلي , ليس لدي سوا مشاعر ما تمنيت يوما أن
تستيقظ اتجاه أي امرأة بعدما رأيت من رهام , لا أختلف
مع والدتي أنك تساوين مليون امرأة وما كنت سأتمنى زوجة
أفضل منك لكن مستحيل لا تطاوعني نفسي ولا حتى أن أنام
معك في سرير واحد وأنتي بهذا السن والحجم ... حماقة
أقسم أنها أكبر حماقة سأرتكبها حينها وستندمين أنتي من أول
ليلة تنامي فيها معي , وقفت بعدها جهة البحر ولا أعلم لما
هنا بالتحديد ثم نزلت واقتربت من الشاطئ وجلست على أقرب
صخرة عند الأمواج , لم أتذكر أوقات قدومي مع رهام وجلوسنا
على الصخور هكذا نتحدث لساعات ... الذكرى التي أكرهتني
في البحر لسنوات ليس حبا لها طوال هذا الوقت ولكن كرها
لها ولخذلانها لي , هذه المرة تذكرت آخر زيارة لنا للبحر
وسما تجلس بجانبي تحمل براءة لم تعرفها رهام فلم ألحظ يوما
مشاعرها نحوي من كثرة ما كانت لا تظهر عليها , لم تفكر
يوما باستدراجي بطرق رخيصة لأتزوجها رغم أنها تعيش
معي في ذات المنزل بل وتدخل غرفتي وأنا موجود , وقفت
وعدت لسيارتي مقهور حتى من نفسي لأنها أجبرتني على
ما لا أحب ... لماذا يا نزار لما تحب امرأة من جديد بل
طفلة أمامك , ما فيها جعلك تتغير هكذا دونا عن باقي النساء
سما مراهقة وستتغير مشاعرها بسهولة لكن أنت ما سينسك
في جرحك منها , أنت لست للزواج ولا تنفع لتكوين عائلة
قد لا تستطيع أن توفر لهم كل ما يحتاجونه , عدت للمنزل
وكان الصمت والهدوء يعم المكان , مررت بغرفة والدتي
فكانت نائمة فتوجهت جهة السلالم لأصعد لغرفتي فوقفت
فجأة حين سمعت صوتا في المطبخ , يبدوا سما نسيت النافذة
مفتوحة ودخل قط هناك , عدت أدراجي وتوجهت للمطبخ
وما أن وصلت عند الباب حتى رأيت الثلاجة مفتوحة ثم
خرجت سما من خلف بابها وأغلقتها تمسك في يدها قارورة
ماء وما أن استدارت جهة الباب حتى وقفت مكانها تنظر
لي بصمت فقلت بابتسامة صغيرة " ظننتك قطا دخل
المطبخ , لما أنتي مستيقظة لهذا الوقت "
أخفضت نظرها ولم تتحدث ولم تبتسم حتى مجرد الابتسام
نعم يا أحمق تجرحها هكذا جرح وتريد منها أن تتصرف
معك كما كان في السابق , مرت مجتازة لي لتغادر فأمسكت
يدها وأوقفتها ولم أرى ملامحها وردة فعلها لأن شعرها كان
مفتوحا وغرتها تخفي أغلب ملامحها , فتحت فمي لأتحدث
ثم عدت وأغلقته , هل ستناقض نفسك يا نزار تقول لها ذاك
الكلام بل وفكرت حتى في إخراجها من هنا كي لا تتهور
أكثر والآن تفعل النقيض , تركت يدها ثم قلت مبتعدا
" تصبحين على خير "
وصعدت السلالم ودخلت لغرفتي
*
*
تبعته بنظري حتى اختفى ثم نظرت ليدي بحيرة من
تصرفه ثم وضعتها على القارورة الباردة لأزيل منها
الشعور بلمسته حين أمسكها فكل هذا فوق احتمالي
سرت بعدها بخطوات بطيئة أنظر للأرض حتى وصلت
السلالم فأوقفني صوت خالتي قائلة " سما تعالي "
عدت جهة غرفتها ووقفت عند الباب وقلت باستغراب
" ألم تنامي حتى الآن !! "
قالت مباشرة " لا وأنتي لما لم تنامي فليست عادتك "
نظرت للأرض وقلت " حاولت كثيرا ولم أنم "
قالت " أشعلي النور وتعالي خذي هذه "
شغلت النور واقتربت منها أنظر لما في يدها بحيرة ثم
أخذتها منها وقلت " لما تعطينها لي ألسنا نقرأها سويا "
قالت بهدوء " اقرئي أنتي متى ما وجدتِ وقتا
وعديني أن تقرئي كما كنا نقرأ "
قلت باستغراب " لكني أريد أن نقرأها معا "
تنهدت وقالت " أنا سبق وقرأتهم جميعهم ومرات عديدة
عديني فقط أن لا تشغلك عن دراستك فامتحاناتك لم
يبقى عليها سوا أقل من أسبوع "
هززت رأسي بحسنا وقلت " أعدك خالتي ولا تخافي
لن آخذ أقل من النسبة الكاملة ككل عام منذ طفولتي "
قالت مبتسمة " وفقك الله بنيتي ولا تدعي شيئا يؤثر
على دراستك واتركي الآن كل شيء عداها جانبا
وستجديه ينتظرك لاحقا صغيرتي "
نظرت لها باستغراب فتنهدت وقالت " اهتمي بدراستك
الآن وأغلقي قلبك عن كل شيء وفيما بعد سيكون لك ما تتمني "
قلت بحيرة " خالتي لما تعشقين الكلام المبهم "
قالت بابتسامة " لا تفكري في معناه كثيرا فقط أبقي تتذكرين
كل حرف فيه وستفهمين يوما معناه "
هززت رأسي بحسنا وأطفأت النور وصعدت لغرفتي
دخلت وأغلقت الباب وتوجهت لسريري وفتحت الرواية
سأقرأ قليلا بما أنه لا نوم أبدا رغم أني أشعر باستياء كبير
لكني سأقرئها علّي أتناسى بسببها كل شيء حدث , فتحت
حيث وصلنا وقرأت (( نظرت لها بصدمة لم أستطع التنفس
معها , جوجو تعرف فراس !! كم كذبة هذه التي سيكذبونها
علي !! اقتربت منا وقالت " مرحبا فراس "
قال ببرود " مرحبا جيهان "
نظرت لي وقالت مبتسمة " من هذه هل هي شقيقتك "
نظرت لها بصدمة أشد من سابقتها , هذه لديها انفصام
في الشخصية أم ماذا !! أم أنا التي فقدت عقلي
قال فراس " بل زوجتي "
تغيرت ملامحها حتى كادت تتحول لقرد ثم قالت
" زوجتك !! "
لو لها لسان فلتقل أن ذلك لا يمكن أن يحدث
قلت ببرود " نعم أم لم يخبرك شروف بذلك "
قالت باستغراب " من شروف !! "
ضحكت وقلت " العبيها على غيري يا جوجو
فلم تعد تمر علي "
نظرت بعدها لفراس وقلت " هل نغادر "
هز رأسه بحسنا ثم سرنا ولم نتحدث حتى ركبنا السيارة
وشغلها فقلت " كاذبة كذبت علي مرتين وممثلة بارعة "
خرجنا ولم يعلق , لو أفهم فقط قصته معها ولما مثلت
عليا كل تلك الأدوار , قلت محاولة جعله يتحدث
" رأيتها مع أشرف سابقا والآن أنكرت وسألتها إن
كانت تعرفك لأنك تعرفت عليها سابقا وقالت أنها لم
ترك إلا وقتها في السيارة "
لم يتحدث أيضا فتأففت وقلت " فراس ما بك
هل أتحدث مع جدار ولا أعلم "
قال ببرود " انتهى الحديث في هذا "
نظرت له مطولا باستغراب ثم قلت " لو لن نتحدث فيه
الآن فسأبقى أضن طوال حياتي أن ثمة شيء كان بينكما "
نظر لي ثم عاد بنظره للطريق وقال بذات بروده
" ضننت أن أمري لا يعنيك كما قلتِ سابقا "
نظرت للأمام وكتفت يداي لصدري وقلت بضيق
" واهم لا تفسر الأمور كما يحلوا لك "
قال مباشرة " لاحظي أني لم أسألك عما حدث بينكما
وما قلتِه لها فلا تسأليني أنتي أيضا "
نظرت له وقلت " حسنا هوا سؤال واحد فقط "
قال بحدة " رديييين "
نفضت يداي وقلت بضيق " لا ردين لا يا ليل
يا عين .... أي أسلوب حياة هذا "
انطلقت حينها ضحكته وأنا أنظر له بصدمة من
تبدل مزاجه ثم قال " سؤال واحد وإجابة بكلمة
واحدة أو رميتك من السيارة وهي تسير "
قلت ببرود " نعم ما ستخسره إن رميتني فحتى
مهري لم آخذه بعد "
ضحك ضحكة صغيرة وهز رأسه وقال
" اسأليه قبل أن أغير رأيي "
نظرت ناحيته وقلت " هل تعمل معك "
قال باختصار " نعم "
قلت بغل " كذبت عليا إذا وزاد عليها أشرف وكأنهما
متفقان , سيرى ذاك الكاذب "
قال بضيق " لا حديث لك مع أشرف عن شيء وانتهى الأمر "
قلت " هل صحيح كانت تضايقك بمكالماتها "
قال بنفاذ صبر " ردين ماذا قلنا "
رميت بيدي وقلت بتذمر " أي زوج هذا , أعانني
الله عليك باقي سنين حياتي "
أوقف حينها السيارة أمام الباب الخارجي للمنزل وقال
" نعم أعانك علي وأعانني عليك بالضعفين "
فتحت باب السيارة وقلت وأنا أنزل
" ومن ضربك على يدك كنت رفضت وأرحتني "
ثم أغلقت بابها بقوة رغم علمي أنه لا يؤثر ذلك به ودخلت
لأكتشف أن الأكياس بقيت في السيارة , كله بسببه أفقدني
حتى ذاكرتي لكن ما يحيرني لما لم يأتيه الفضول ليسأل
كيف عرفتها وما الكذبة التي كذبتها وكذبها أشرف
تأففت ودخلت أقلده باستياء " قال لا تتحدثي
مع أشرف ثانيتا هه "
سمعت حينها ضحكة من خلفي ثم صوت عمتي
سعاد قائلة " ردين ما بك تتحدثين مع نفسك "
التفت لها وقلت " كله من ابنك سيفقدني عقلي "
قالت مبتسمة " يبدوا لم تشتري شيئا "
أملت فمي وقلت " نسيتهم في السيارة "
قالت مبتسمة " جيد ليأخذهم لمنزلكما مباشرة "
فتحت عيناي من الصدمة وقلت " ماذا !! "
قالت بحيرة " ألم يخبرك "
قلت " يخبرني بماذا "
قالت مباشرة " بأنكما ستسكنان وحدكما في منزل
أجار وسيبدأ ببناء منزلكما الخاص "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق
" لم يخبرني ... ومن قال أني أوافق ذلك , أنا لا
أريد أن أبتعد عنك وعن عمي رياض "
تنهدت وقالت " ولا أنا أريد أن تبتعدا عني لكنه
تناقش مع عمك ووافق "
ثم قالت مغادرة " قد يكون معه حق عليكما أن تستقلا "
تأففت بقوة ضاربة الأرض بقدمي , أي استقلال هذا الذي
يقول عنه , هوا يريد أن يستفرد بي ولن أجد حتى والده
لأستنجد به وهوا يعرف أنه سيقف في صفي , لعبها جيدا
ذاك المخادع وأنا لم أفكر فيها أبدا لكنت اشترطت ذلك منذ
البداية , عدت لغرفتي ورميت حقيبتي بعدما أخرجت منها
هاتفي واتصلت به كثيرا ولم يجب فأرسلت له
( لم أعد أريدك طلقني حالا )
أرسل على الفور ( ذلك في أحلامك )
شتمته كثرا بكل ما أعرف من كلمات ثم أرسلت له
( من قال أني أوافق على الخروج من هنا لمنزل
لوحدنا , لا تقرر وحدك )
لم يجب فعاودت الاتصال به وبلا فائدة طبعا فأرسلت
له ( ستندم على قرارك هذا وقل ردين قالتها )
ثم أرسلت ( أحضر ثيابي إلى هنا )
أرسل ( سبقتك لمنزلك منذ وقت )
ضغطت على أسناني بقوة .... لا يجيب إلا على ما يريد
ويتصرف من دماغه وكما يحلو له وكأنه لا وجود لي
عند المساء طرق أحدهم الباب وسمعت صوت الخادمة
من الخارج قائلة " سيد رياد يريدك في تحت "
فوقفت وخرجت من الغرفة ولم أجدها , لا وعنيدة أيضا
فوق كل عيوبها , نزلت وبحثت عنه فوجدته وفراس في
مجلس الضيوف فوقفت عند الباب مكتفة يداي لصدري
وقال عمي " تعالي يا ردين نريد مشاورتك في أمر "
قلت ببرود " ومنذ متى يأخذ ابنك برأي ومشاورتي
أم فقط لأنك أنت من طلبت هذا "
نظر له ثم لي ثم قال " ما بكما "
قال فراس " لا تريد أن نسكن لوحدنا "
قال عمي رياض " وحدكما سيكون أفضل يا ردين وفراس
استأجر منزلا قريبا وسيباشر بناء منزلكما فورا وهوا أيضا
قريب من هنا , مالك ومنزل به عائلة كاملة تعيشان
في غرفة ستضايق حريتك "
قلت بضيق " لكني راضية ولم أعترض وبما أن
الأمر فيه حريتي أنا فلا أمانع أن أتضايق بكم "
قال فراس " وأنا أيضا أريد ذلك فهوا ليس من أجلك فقط "
قلت بضيق " أسكن فيه وحدك إذا أنا سأبقى هنا "
قال بنفاذ صبر " لما العناد على الرأي الخاطئ يا ردين "
نظرت لعمي رياض وأشرت بإصبعي لفراس وقلت بتذمر
" أنظر ما يقول أنا رأيي خاطئ "
تنهد وقال " ما بكما كالأعداء , هذا ولم يغلق
عليكما باب غرفة بعد "
قلت ببرود " نسكن هنا أو لا شيء مما كان سيستمر "
وقف فراس وقال " نسكن هناك رغما عنك ويستمر كل شيء "
قال عمي رياض " أجلس يا فراس وأرنا صمتك رجاءا "
جلس وتأفف ونظر جانبا وقال عمي رياض " ردين أنا مع
الرأي الصواب وليس لأنه ابني أقف في صفه لكن لأنه
معه حق وعيشكما وحدكما أفضل والقرار بات لي وليس له "
قلت باستياء " ولما لم يفكر بسؤالي حتى مجرد السؤال
وكأني لست زوجته كل شيء يفعله دون أن نتناقش فيه "
تنهد وقال " لا تجعلاني أندم يوما على تزويجكما
لبعض وكبِّرا عقليكما فلستم أطفالا "
ثم تابع " فراس يرى أن يكون حفلا في المنزل وعمتك سعاد
تريده في فندق فنريد رأيك لأن هذا يخصك أكثر من الجميع "
نظرت لفراس وقلت " في فندق طبعا فأنا لست أقل من غيري "
قال فراس بضيق " ومن قلل من شأنك , جدي لا يمكنه المجيء
إلا هذا الأسبوع بسبب عمل خالي ولا حجوزات الآن في
الفنادق إلا الأسبوع الآخر لقد جُلتها جميعها ولم أحصل على
حجز ففكري في غيرك لأننا نريد أن تحضر كل العائلة "
قلت ببرود " ولما ترفض عمتي سعاد مؤكد هناك حل بديل
ولا أضن أنها لا تريد أن يحضر والدها وشقيقها "
قال ببرود أكبر " والدتي تريد أن نؤجله أسبوعان
ليتناسب مع قدوم جدي وحجز في فندق "
قلت " إذا نؤجله "
وقف عمي رياض وقال " نؤجله إذا , أنت قررت
بشان المنزل وهي بشأن الحفل وانتهى "
ثم خرج وتبعته بنظري حتى ابتعد ثم نظرت جهة فراس
الذي قال بضيق " لا تفرحي بهذا يا ردين لأنه لن يدوم
ويوم تصيرين في منزلي لن يكسر أحد كلمتي "
وضعت يدي وسط جسدي وقلت بضيق أكبر
" واحدة بواحدة كي تتعلم أن لا تقرر وحدك , تريد
أن تستفرد بي يا فراس أفهمك وأفهم خططك جيدا "
قال بسخرية " ومن يقدر عليك أنتي فلستِ تحتاجين
لمن يساندك فوحدك تكفين وزيادة "
قلت باستهزاء " أنت من تحتاج لكل العائلة لتوقفك
عند حدك فلا أحد يقدر عليك "
ثم تابعت بسخرية " لم أكن أتخيل أني أهمك درجة
أن تتمسك بموعد الزفاف , من المفترض أن تكون
أول من يصر على تأجيله "
وضع ساق على الأخرى وقال بابتسامة جانبية
" بل أنتي من ظننت أنك ستتمسكين بالموعد الأول "
نظرت له بصدمة ثم قلت " وقح ولا تجدي سوا في هذا "
دخل حينها أشرف وقال " ما بهما العريسان صراخهما في الشارع "
نظرت له وقلت بضيق " أنت تعالى هنا كيف تكذب عليا
أنت وجوجو خاصتك كل تلك الأكاذيب وفي .... "
قاطعني فراس بصرامة " ردين أغلقي الموضوع كم مرة سأقولها "
تجاهلته ونظرت جهة أشرف الذي جلس على إحدى
الأرائك وقلت " هي تعمل مع فراس إذا يا كاذبان "
وقف فراس وقال بحدة " ردييييين "
نظرت له وقلت بضيق " تكلم أنت إذا وقل الحقيقة "
قال بضيق أكبر " ما شأنك أنتي بالحقيقة وفيما تعنيك "
أشرت له بإصبعي ثم لوحت به وقلت " زوجي ويحق
لي أن أعرف تاريخك الأسود "
ضغط على أسنانه بغل فهربت قائلة
" حسنا لا أريد أن أعلم "
صعدت ركضا لغرفتي وأغلقت الباب خلفي ورميت
حجابي على السرير , ما سر تلك الفتاة يا ترى ولما
لا يريد فراس أن يتحدث أشرف عنها !! وأي من كلام
أشرف السابق حقيقة أم كله كذب , انفتح بعدها الباب
دون أن يطرق أحد فكان بالطبع فراس الذي دخل وأغلق
الباب خلفه وكتف يديه لصدره وقال " أخبرتك مرارا أن
هذا الأسلوب لن يأخذ لك بحقك مني ولن أمل ولن أطلقك "
قلت بضيق " بما تهذي أنت أنا لم أفكر بكل
هذا فلا تلصق أفكارك بي "
قال بابتسامة جانبية " بما أن موعد الزواج تأخر
فالرحلة ستكون أسبوعا فقط "
قلت بلامبالاة " لم أعد أريدها ابلعها واشرب خلفها الماء
لا أريد رحلة فيها أنت لأنها ستكون أسوء شيء عشته "
قال بجمود " ردين أقسم أنك لم تري وجهي العصبي بعد
وأمسك نفسي عنك كل وقت فلا تظهري ذاك الوحش من
داخلي لأنك الخاسر الوحيد حينها "
لويت شفتاي ونظرت للجانب الآخر ولم أتحدث
فاقترب مني ووقف خلفي وهمس في أذني قائلا
" سأخبرك سرا لم يعرفه أحد قبلك "
فتحت عيناي أستمع بانتباه وطال صمته فالتفت
له وقلت " سر تخبرني أنابه !!! "
قال مبتسما " نعم وعليك معرفته قبل زواجنا "
بقيت أنظر له بترقب فنظر لعيناي وقال بخبث
" جيهان ستكون زوجتي مثلك " ))
رفعت الصفحة لأقلبها فتذكرت وعدي لخالتي فأغلقت
الرواية ووضعتها في الدرج وأغلقته , يبدوا لي جميع
الرجال هكذا بلا مشاعر ولا يهتمون لمشاعر المرأة
تنهدت بأسى ثم غادرت السرير وأطفأت النور وعدت
له واستلقيت عليه نائمة على ظهري أفكر في كل ما
حدث لي هذه الشهور منذ أصبحت هنا في منزله وما
كنت عليه وما ألت له , غطيت وجهي باللحاف أحاول
النوم بل أجبر نفسي على ذلك كي لا أبكي أكثر فقد تعبت
من البكاء وتعبت من كل هذا وأشعر بالإهانة والذل
والاستصغار , هذا ولم يعرف حقيقة مشاعري اتجاهه
فكيف إن علم كيف سيكون شعوري حينها , انقلبت على
جانبي الأيمن لتسقط الدمعة التي كنت أسجنها منذ وقت
فمسحتها سريعا ومددت يدي لهاتفي وأدخلته معي تحت
اللحاف , فتحت الرسائل وأرسلت رسالة لبتول كتب فيها
( ما أن تري رسالتي أرسلي لي رقم جابر )
****************************************************
******************************************
نظر لي مطولا ثم قال ببرود " مؤكد تذكرين
كلامك يومها وحين طلبتُ دليلا وقلتي اختبرني "
نظرت للأسفل وابتسمت بألم وقلت " لم أنسه لحظة
وأنت متأكد أن كلامك ذاك لم يكن اختبارا لي"
قال باختصار " نعم "
ثم وضع يده في جيب البنطلون وقال " لكنه إن
كان كذلك فتكونين فشلت فيه "
نظرت له وقلت بثقة " بل أكون نجحت وبجدارة ثم أنت
يفترض بك أن تسعد بهذه النتيجة لأنها ما تريد "
قال بعد صمت " ليست ما أريد "
بقيت أحدق فيه بصمت أحاول على الأقل ترجمة ما
بين الأسطر فإن وضعت أنا تخمينا لما يعني بما يريد فسيقول
عكسه ليحاصرني , قلت " أعتقد أن من يتعامل مع الناس من
منظور يفترض أن يحب أن يعامله الناس منه فجرب أنت
كيف كنت معي لأشهر واحكم بنفسك لأني أنا
الآن صرت مثلك تماما "
رفع رأسه ينظر جانبا وقال ببرود " هل تذكرين كلامك
عن أنك لا تريدين أن تغضبي الله حين أدعوك
لي يا من تناقضين نفسك "
نعم هذا ما تفلح فيه حفظ كلامي وتكراره ، قلت ببرود أيضا
" أذكر كل حرف قلته ولا تتهرب من موضوعنا الأساسي "
عاد بنظره لي وقال " أنا لم أتهرب بل أنتي من فعلتها الآن "
تنفست بقوة محاولة تهدئة نفسي وقلت " وأنا لم أتهرب ولم
أناقض نفسي سيد جابر ولم أمنعك مني بل أنت من ابتعدت
من نفسك وما كنت سأجبرك على الابتعاد وكنت تستطيع
أن تأخذ ما تريد رضيت أنا أم كرهت "
قال وقد تحولت لهجته للحدة " وما معنى ما قلتيه
لي وقتها يا أرجوان "
قلت ببرود " معناه الحقيقة التي من كثرة ما
تجرحني لم أستطع كتمانها "
قال بضيق " وكلامي كان حقيقة من المفترض أن لا
تغضبك فاشرحي لي لما يتزوج الزوج على زوجته بل
ويطلقها وقد عاشا تحت مسمى الحب ولما تتزوج المرأة
بعد وفاة زوجها إن كانت ليست فقط اعتادت على وجوده
ثم اختفى , من المفترض أني لم أقل شيئا غريبا يستدعي
كل هذا فكلامي صحيح فقط نحن البشر نختلف
في طريقة التعبير "
قلت بسخرية " لا تقنعني بأني أحب والداي وأبنائك
وسوسن وأنت بنفس الطريقة وبسبب التعود , إن كنت أنت
تحبنا جميعنا نفس الشيء بل آسفة متعود على وجودنا في
حياتك بنفس الشكل فأنا آسفة لا أعرف كيف أكون
آلة لكني فقط بث أراك كما تراني "
هز رأسه وقال " وأنا من ضن أن لك عقلا كبيرا
وجئت أتناقش معك وهذا ليس طبعي "
قلت بحدة " توقف عن جرحي واهانتي يا جابر واعلم
أني لم أطلب منك مناقشتي وتوضيح منظورك
ونظريتك التي لن أعترف بها حياتي "
ثم أشرت له بإصبعي وقلت بثبات " فاسمع أنت باقي
نظريتي وهي أن الحب يموت من الإهمال وأن التعود
لن يكسر هذه القاعدة "
أدار ظهره ليغادر ثم نظر لي بجانب وجهه وقال
" إذا اعلمي أنه من نظريتكم الفاشلة أن الحب لا يموت "
ثم تابع مغادرا " لتعلموا أنكم تناقضون أنفسكم "
ولم أسمع بعدها سوا غلقه للباب بقوة فوقفت وأغلقت
باب الغرفة بقوة أيضا وعدت للسرير ومسحت الدمعة
الوحيدة اليتيمة بقهر وعلمت الآن ما شعرت به زهور
صباح اليوم حين نزلت دمعتها الوحيدة ومسحتها ... كانت
مقهورة من ماذا لست أعلم المهم أنه المتسبب لها به وسأقف
في صفها لأن الرجال سواسية , نمت بعدها لا أعلم من
قهري أم لأني أفرغت قليلا مما أكبت وقلته له , ولم أستيقظ
إلا على تشغيله لضوء الغرفة وقت الفجر ففتحت عيناي
ورميت اللحاف عني وتوجه هوا لغرفة الملابس وخرجت
أنا من الغرفة والجناح وتوجهت لغرفة أمجد وأيقظته ودخل
الحمام ليدرك والده الذي لن يسأل إن كان سيذهب معه أم
لا وقد يغادر من المسجد لعمله فورا , عدت بعدها للجناح
بعد صراع نفسي طويل لأني كنت أريد تجاهله والذهاب
لغرفة الفتاتين حتى يغادر , دخلت الغرفة ولم يكن فيها وبذلته
على السرير فتوجهت نحوها وحملتها من عليه وأبعدت السترة
وفتحت أزرار القميص لحظة خروجه من الحمام ليفاجئني
بدخوله لغرفة الملابس وخرج بواحدة أخرى وغادر الغرفة
وتركني والقميص في يدي فرميته على الأرض بغيض
ووضعت يداي وسط جسدي , أستحق ما أتاني منه يفترض بي
أني فعلت ما كنت أفكر فيه , تنهدت بعدها بضيق واستغفرت
الله ورفعت القميص من الأرض وأعدت البذلة لعلاقتها وأعدتها
لغرفة الملابس , سيعود هنا ليأخذ حاسوبه وإن وجدها مرمية
سيعلم أنه أغاظني لكن هكذا سيكون وكأنه تصرف طبيعي اعتدت
عليه منه , خرجت بعدها من الجناح وتوجهت لغرفة الفتاتين
وأيقظتهما لتدخلان الحمام وليبدأ صباحي المعتاد
*
*
نظرت للأوراق في يدي محاولا تثبيتها مع هذه الريح فقال
" كالسابقة سيدي أذون بتدخيل بضائع وكلها مزورة "
مددتها له وقلت " أين العقيد سالم "
قال من فوره " غادر المكان منذ قليل "
أخرجت هاتفي واتصلت به فأجاب من فوره قائلا
" الشهود ينتظرونك هنا "
قلت " بث أشك أن هذه الأوراق تلميح من أحدهم للفاعل "
قال " كيف تتكرر في أكثر من مرة فلو كانت
كذلك لكانت مرة واحدة فقط "
تحركت جهة السيارة وقلت " وأنا فكرت هكذا وما لم نفكر
فيه أنها قد تكون الأولى ليست منهم أي البقية تمويه فلا
تنسى أننا وجدنا عليها أثار دماء من أصابع أحد المقتولين "
ثم ركبت سيارتي قائلا " سآتي لكم حالا ثم نناقش الأمر "
ثم حركت السيارة واقتربت بها من الفريق وقلت
" لا تتركوا الموقع حتى آذن لكم ورجال أسعد لا
يغادرون من هنا ككل مرة أو قتلتهم "
ثم غادرت على نظرات رجالي الشامتة لرجال الشرطة
ووصلت للمركز ودخلت مكتبي ليتبعني مأمون قائلا
" لدينا خمس رجال شهدوا على أوقات متفرقة "
جلست على الكرسي وقلت " وافني بالمهم فقط "
نظر للدفتر في يده وقال " أولهم تعطلت سيارته هناك
واحتاج لنصف ساعة لإصلاحها وأعطى
مواصفات لمن دخل للمصنع "
قلت مقاطعا له " أي شيء مهم فقط يا مأمون "
ورق الأوراق وقال " آخر واحد منهم رأى رجل بلباس
أسود كامل وفي يده قطعة قماش خمن أنه غطاء رأس شفاف
لكن لم يكن داخلا ولا خارجا بل على مسافة تبعد عن المصنع .... "
قلت من فوري " أدخله بسرعة هذا المهم بينهم وتتركه للأخير "
قال " لم يدخل المصنع لذلك .... "
قلت بضيق " أدخله من غير كثرة حديث يا مأمون "
ضرب التحية وخرج من فوره ليدخل يتبعه رجل فيما
يقارب الخمسين من العمر فقلت مشيرا بيدي للكرسي
" أجلس "
جلس وقال " هل سيقتلونني أيضا يا سيادة ....."
قاطعته قائلا " لن يقتلك أحد فقط لا تتحدث عما رأيت بعد
خروجك من هنا وإن وجدنا الأمر خطيرا فنحن بأنفسنا
سنوفر لك الحماية "
هز رأسه وقال " حسنا سيدي "
نظرت للجالس بالمقربة منا وقلت " هل أخذتم جميع بياناته "
قال من فوره " نعم سيدي "
ثم مد لي بورقة على دخول أسعد الذي وقف عند
الطاولة في صمت , نظرت للرجل وقلت " أستاذ حامد
أريد أن تشرح لي مفصلا ما رأيته وما حدث "
قال من فوره " ابنتي تعبت ليلة البارحة وأخذوها للمستشفى
وابنتها الصغيرة أتعبتنا طوال الليل فخرجت بها لأخذها
للمستشفى معهم ورأيت رجلا على بعد حوالي ثلاثون مترا
من المصنع كان بملابس سوداء لا يرى منه شيئا لولا ضوء
أحد المنازل ويمسك في يده قماشا شفافا ويلوح بيده ويبدوا
غاضبا ثم نظر لهاتف في يده وبعدها ركض مسرعا وكأن
ثمة من سيلحق به "
قلت من فوري " ولم ترى بعدها أي شيء "
هز رأسه بلا وقال " لقد خفت سيدي وغادرت المكان للمستشفى "
قلت " ألم تسمع شيئا مما قال "
بقي ينظر للأرض بشرود لوقت ثم قال
" لم أسمع سوا ( سأضيعكم ) قالها وهوا يهرب "
قلت " هل رآك "
قال " نعم ونفث كل ذاك الغضب في وجهي وكأنه
يكلمني لكني لم أفهم شيئا "
نظرت لأسعد باستغراب ثم له وقلت
" ورآك بالمقربة من بيتك أم في مكان آخر "
قال " بل عند سيارتي والطفلة في يدي وصراخها
هوا الذي لم يجعلني أفهم ما قاله "
تنفست بقوة ثم قلت " إذا هوا قال كلاما لك لا أحد يمكنه تقدير
ما يكون , هل كنت في مكان فيه إضاءة "
هز رأسه بنعم ثم قال " أجل ضوء مضلة الباب "
قلت " هل تحفظ شيئا من ملامحه "
هز رأسه بنعم فقلت " رائع "
ثم نظرت لأسعد وقلت " أخرجوا عائلته من ذاك المنزل
ويختفي هوا وهم من العاصمة بأكملها وضعوا عليهم حراسة
ووفر الحماية يا أسعد لا أريد أن تتضرر أسرة بريئة "
هز رأسه بحسننا فنظرت للمدعو حامد وقلت " ستخرج
مع مأمون من هنا وتعطي الرسام ملامحه تفصيليا وتغادر
مع رجال الشرطة وهم من سيوفرون لك المكان والحراسة
ولا أريد أن يعرف أحد بمكانك ولا حتى أقرب المقربين لك "
هز رأسه بحسننا ووقف وغادرا معا ونظرت لأسعد وقلت
" الباقي عليك أحموه وعائلته فيبدوا ثمة شجار حدث
بينهم البارحة ولا مأمن على هذا الرجل منهم "
هز رأسه بحسنا وقال " إن وجدنا الرجل نجد
حلقة مفقودة قد تساعدنا "
وقفت وقلت " على الأقل نعلم من أي مصيبة هوا
لنضع مجموعة ولو تقديرية للمجرمين "
قال وهوا يخرج خلفي " لا شيء يبقى مبهما
طوال الوقت وإلا ما يخطئون يوما "
خرجت من المكتب قائلا بضيق " ما الفائدة إن فقدنا الأكثر
من الكثير من البشر الذين راحوا ضحيتهم "
قال " أين ستذهب الآن وزير الداخلية سيعقد الاجتماع اليوم "
قلت وأنا أتابع سيري " مشوار مهم وأعود سريعا فقط
أنت اهتم بأمر الرجل "
ثم خرجت وركبت سيارتي وغادرت , عليا العودة للقصر
من أجل رضا وزهور والعودة هنا لمتابعة كل شيء ولولا
ضرورة الأمر ما خرجت ، أخرجت هاتفي واتصلت بأسعد
فأجاب من فوره فقلت " أريد سجلا ببيانات وصورة لأي
حالة اختفاء أو اختطاف أو موت بأي طريقة كانت أي حادث
سيارة سقوط انتحار جميع حالات من سيكون في العمر الذي
سيقدره لكم الشاهد لأنهم مؤكد سيتخلصون منه "
قال من فوره " فكرة صائبة وسأرى المحاضر والوفيات
منذ الوقت الذي حدده "
قلت " جيد ... وداعا "
وصلت القصر ودخلت وصعدت السلالم لأجد ترف جالسة
على آخر عتبة تحضن ساقيها وتخفي وجهها فيهما فوقفت
عندها وقلت " ترف ماذا تفعلين هنا "
رفعت رأسها ومدتا ذراعاها لي وقالت بحزن
" انتظرك بابا "
حملتها مستغربا من لجوئها لي وتركها لأرجوان وبالتأكيد
لن تكون متعبة كالمرة السابقة لكنت وجدت بيسان وأمجد
معها ، مسحت بقايا الدموع من رموشها وقلت
" ما بك من أبكاك "
قالت وقد عادت للبكاء " ماما غاضبة مني ولا تكلمني
منذ أمس ، تُكلم أمجد وبيسان وأنا لا "
مسحت دموعها مجددا وقلت وأنا أسير بها
" وما الذي فعلته أغضبها "
تعلقت بعنقي وخبأت وجهها فيه وقالت
" بيسان أخبرتها أني قلت كلمة سيئة كمصعب "
وصلنا عندها ممر غرفهم فقالت
" أخبرها ترضى عني بابا أقسم لن أقولها مجددا "
اقتربت من الغرف قائلا " قد لا ينجح الأمر
فأنا أيضا غاضبة مني "
ابتعدت عن عنقي ونظرت لوجهي وقالت
" هل قلت كلمة سيئة أيضا "
ابتسمت ابتسامة جانبية وقلت وأنا انزلها عند غرفة
قلعتهم المفتوحة " يبدوا ذلك أو أن والدتك لا يعجبها الصدق "
نظرت لي للأعلى وقالت " لنعتذر منها معا
لأنها لم تقبل اعتذاري "
نزلت عندها وقلت " سأتحدث معها لكن عليك أن لا تعيدي
فعلتك لأني حينها سأغضب منك أيضا ولن أكلمك "
هزت رأسها بحسنا فوقفت وفتحت الباب فكانت تعطي
ظهرها لنا وبيسان مقابلة لها فقالت دون أن تلتفت إلينا
" ترف قلت لا تدخلي هنا ولغرفتكم حالا "
نظرت لترف التي سقطت دموعها على الأرض وستُحَرم
قول ما قالته ما حيت ثم نظرت لها وقلت " أرجوان "
التفتت لي بسرعة فقلت ونظري على ترف
" وعدتني أن لا تعيدها فسامحيها "
مدت حينها يدها لها فانطلقت نحوها مسرعة وجلست في
حجرها وحضنتها قائلة " لن أقولها مجددا ماما أقسم "
ثم ابتعدت عن حضنها ونظرت لي وقالت
" وبابا سامحيه أيضا ولا تغضبي منه "
التفتت لي تنظر لعيناي باستغراب وأنا لم أتحرك من
مكاني أنظر لها بجمود فعادت بنظرها أماما وقالت
" أنا لا أغضب من اللذين أحبهم أنا أعتب عليهم
فقط حبيبتي ماداموا يعترفون بخطئهم "
ابتسمت وغادرت من عندهم ، هكذا إذا يا أرجوان تربطين
الأمر بشرط أن أعتذر عما قلت ، اقتربت من ممر جناح
زهور ليرن هاتفي الخاص بالعائلة والمقربين وهذا بالتأكيد
رضا ، وقفت وأخرجت الهاتف فكان رقما غريبا فنظرت
له باستغراب لأنه لا أحد غير المسجلين فيه يملكه
فتحت الخط وقلت " نعم "
جاءني حينها الرد لصوت فتاة قائلة " مرحبا جابر أنا سما "
*
*
وضعت يداها وسط جسدها وقالت " اتصل به
يا رضا أو فعلتها بنفسي "
تأففت وقلت " أميرة كم مرة سأقول لك أنه صباح
اليوم قال سيتصل بي بنفسه "
قالت بضيق " بقي أقل من ساعتين على المغرب وسيأتي
الضيوف ، ماذا سأقول لهم لا توجد عروس "
قلت ببرود " كان عليك أخذ رأيها أو إقناعها منذ
البداية ، تحملي نتائج أفعالك "
قالت بحدة " رضا لا تكن متساهلا معها لهذا الحد ، تحبها
تعشقها لا بأس لن يلومك أحد لكن أن تقتل شخصيتك هذا
شيء عليك أن لا ترضى به , ثم وعائلتها لما لم يقيموا
ولو عشاء من أجلكما لما أنت ومنصور من يفعلها "
وقفت وقلت بضيق " أميرة يكفي نفخت لي رأسي
الرجل مشغول جدا وأوقف مشاغله من أجلي هل
أشترط عليه الآن عشاء وكلام فارغ لا يعنيني "
غادرت تتمتم بتذمر واقتربت مني بتول قائلة بابتسامة
" لا تجعل والدتي تعكر لك مزاجك فتذهب
بزوجتك عابس هكذا "
ابتسمت وقلت " وأين الفستان الذي أرسله
لك زوجك لم تلبسيه "
قالت بضيق " أسمه معتصم وليس زوجي فلا
تجعلني أغضب منك أيضا يكفيك والدتي "
ضحكت وقلت " معك حق يكفي هي "
نادت حينها أميرة بصوت مرتفع " بتول غيري لعدي ثيابه
تعالي وانظري كيف أصبحت وتعالي لتساعديني "
مدت شفتيها وقالت " لتعلم فقط كم أعاني من شقيقتك "
قلت بضحكة " اليوم بالذات لا تشرحي لي فقد جربت "
نادت أميرة مجددا " بتووول "
فغادرت قائلة " لا تكترث لأحد المهم لا تغضب
منك فاتنتك زهور "
ثم قالت مبتعدة " قادمة أمي أتركي صوتك
حتى يأتي الضيوف "
راقبتها مبتسما ثم تنهدت بحيرة ، هي أكثر من غاضب
مني يا بتول ولا أحد يعلم بحالي وحالها ، رن حينها هاتفي
وكان جابر فأجبت عليه فقال من فوره " أين أنت "
قلت " في منزل عمك وهوا مع الضيوف ، ماذا حدث معك "
قال بامتعاض " أنا ومعتصم أقنعناها بصعوبة لتوافق أن
تكون معهم قليلا فقط فأعطوها ثلاث ساعات لتتجهز "
قلت وأنا أغادر مكاني " جيد وأنت ألن تأتي "
قال " قليلا فقط من أجلك لأن لدينا اليوم أمور
مهمة ولو لم تكونا أنتما ما أتيت "
وقفت عند باب المطبخ وقلت
" أقطع عملك اليوم يا رئيس البلاد فلن تنهار "
قال ضاحكا " أنا في طريقي من القصر لكم وسأريك ، لدي
اجتماع مع وزير الخارجية هذا غير المصائب التي تنتظرني
في مكتبي , ثم معتصم سيكون معكم ألا يكفيك نسيبكم "
ضحكت وقلت وأنا أنظر لبتول المنشغلة بترتيب ما
في الطبق أمامها " بالطبع يكفي نسيبنا المعتصم
وسأكون معه في زواجه من ابنتنا "
ثم تابعت ضاحكا وأنا أممسك المنشفة التي رمتني
بها بتول " وما دام في الأمر وزير فسماح هذه
المرة .... هيا سأخرج لك فورا "
ثم أنهيت الاتصال منه وقلت " ثلاث ساعات وستكون
العروس هنا لكنها لن تتأخر فاجمعي ضيوفك في الوقت المحدد "
ثم خرجت على دخول جابر من الباب الخارجي وتصافحنا قائلا
" أخيرا سنتخلص منك ومن موضوعك الشائك "
ضحكت وقلت " قد تعلق بي هكذا حتى نهاية عمرك "
قال ونحن ندخل المجلس " أطلقها منك حينها وأرتاح "
دخلنا ووقف له جميع الحاضرين
*
*
" دعيني أقف بجانبها ... لا أريد "
تأففت وقالت " ابتعدي لأكمل عملي أولا "
قلت مبتسمة " ترف قليلا فقط وعودي حسنا "
مدت شفتيها مستاءة وقالت " كلكم لا تحبونني وتحبون
بيسان أنتي وعمي معتصم وجميعكم ماما فقط تحبني وبتول "
ضحكت وقلت " حسنا متعادلتان إذا "
خبئت عيناها بذراعها فرفعتها لحجري وقلت
" هيا ترف لا تبكي من سيرقص حينها "
أبعدت يدها وقالت " أنا سأرقص "
ضحكت وقبلت خدها وقلت " إذا اتركيها تنهي عملها لترقصي "
دخلت حينها أرجوان وقالت " ترف أنا أبحث عنك وأنتي هنا
تعالي لتغيري ثيابك واتركيهم ينجزون عملهم "
قالت مصففة الشعر " نعم رجاءا خذيها كدت
أحرق لها شعرها الناعم هذا عقابا لها "
نظرت لها أرجوان بضيق فقالت باستياء
" لما لا تريد تركي أمشطه معها أنتم لا تحبونني "
قالت وهي تقترب منها " سمحت لكم اليوم بالمجيء
هنا لتكونوا مع عمتكم لا لتربكوهم , بسرعة
تعالي أو بقيتي بفستانك هذا "
ثم أمسكتها من يدها ونظرت لمصففة الشعر وقالت
" أريدك أن تفعلي ذات التسريحة لبيسان وأنا أريد
تصفيف شعري أيضا حالما تنتهي منها "
هزت رأسها بحسنا وقالت " فقط ابعدي ابنتك أو
لن ننتهي حتى الصباح "
ضحكت وقالت مغادرة " حسنا لن تريها مجددا "
ثم خرجتا معا وقالت خبيرة الماكياج
" أنجزي عملك بسرعة لأعمل أنا "
قالت الأخرى " قليلا فقط مادمنا تخلصنا من تلك الطفلة "
تنهدت وقلت " لا تبالغا كثيرا شيء عادي فقط "
رفعت مشابك الشعر ومدتهم للتي خلفي وقالت " كيف لواحدة
بجمالك تطلب هذا , أنتي واحدة من أكثر من عملت عليهم
بتشويق لأرى نتيجة فريقنا النهائية فيهم "
لذت بالصمت ولم أعلق فيبدوا أنه كل شيء في هذا اليوم
يسير ضد رغباتي , بعد قليل رن هاتفي وكان المتصل جابر
فأجبت عليه فقال مباشرة " اعذريني يا زهور عليا الذهاب
سيكون معتصم معك هناك حتى يوصلكم لمنزلكم
لولا أن الأمر مهما ما تركتكما اليوم "
قلت بابتسامة حزينة " لا عليك يا جابر معتصم يكفي ويزيد "
ضحك وقال " لقد تفطرت قدماه اليوم واقفا هناك منذ
ساعات ... هيا وداعا ومبارك لك يا شقيقتي وسأكون لديكما
في أقرب فرصة وإن ضايقك بشيء فقط اتصلي بي "
قلت بهمس " حسنا ... وداعا "
ثم أنزلت الهاتف وحضنته , كم أشعر بقرب جابر هذه
الفترة وكأن والدي عاد للحياة من جديد ... جابر تغير
كثيرا منذ تزوج , يبدوا أن أرجوان أرسلها الله لتصلح
ما أفسدته والدتي أو يبدوا هي أيقظتني أنا أيضا لأقرّب
شقيقي مني فمنذ رأيت أبناء جابر وما أحدثت فيهم بتربيتها
لهم علمت أن كل شيء في الحياة يحتاج لأن نحركه لا
أن نقف نتفرج عليه فلا نتحرك نحن ولا هوا
بعد وقت انتهوا من تجهيزي الأمر الذي آخر ما كنت أفكر
أن أفعله ثم انتقلوا لأرجوان وبيسان وترف طبعا التي لم
تسكت حتى سرحوا لها شعرها أيضا أما بيسان فكانت
نسخة مصغرة عني حتى فستانها يكاد يكون كفستاني لأن
أرجوان تريدها أن تدخل معي هناك , وقفت أمام المرآة
أنظر لنفسي ... الفستان كان بسيطا قدر الإمكان فلا حاجة
لواحد منفوش بديل طويل , وتسريحة الشعر مرفوعة
للأعلى بلفات تنساب على كتفي وورود بيضاء متوسطة
الحجم منغرسة فيه , عدلت إحداهن طرف الفستان وقالت
" لم أتخيل أن هذا الفستان ببساطة تفصيله سيكون هكذا لقد
غيرتِ نظرتي لهذا النوع من الفساتين بسبب جمالك وجسدك "
اكتفيت بابتسامة مجاملة ليخيم بعدها الحزن على ملامحي
التي لم يفارقها لسنوات , دخلت بعدها أرجوان وقالت
" ما شاء الله لم ترى عيني عروسا مثلك "
ثم رفعت الغطاء وقالت " بسرعة معتصم أرسل أمجد
وعمر وقالا أنه ينتظرك في الأسفل "
ألبستني الغطاء ولم تتوقف عن إسداء النصائح لي وهي
تعدله وتربطه وكأنها والدتي وليس تلك التي لم أرها اليوم أبدا
لو كان لي شقيقة ترى هل ستكون كأرجوان الآن أم كوالدتي !
تنهدت بأسى وتبعت خطواتها وهي تمسك كتفي وتسير بي
حتى صرنا في الأسفل ثم صعدت ليدخل معتصم وعمي منصور
بعدها , تحدثا ولم أفهم شيئا مما يقولان بسبب الدموع التي
تسأل أين والدتي عن كل هذا ؟ يكفي جابر شقيقي الأكبر ليس
هنا , ولما سأحزن وأنا سأعود لهم قريبا وقريبا جدا فهوا شهر
فقط شهر لا غير كزواجي الأول وأكون هنا وتعود زهور كما
كانت مطلقة وسجينة غرفتها , أخرجاني وبعد خطوات
قليلة كنت في منزل عمي وقال معتصم
" أذهب وأمسك شقيق زوجتك لا يخرج لنا "
ضحك عمي منصور وقال " لن يستطيع الخروج ولا أحد
منا مع الضيوف , تجده الآن يغلي من الغيظ "
تحركت خطوات معتصم بي حتى كنا عند الباب ودخلنا
وخرجت أميرة ورفعت عني الغطاء وقالت
" السنين لا تزيدك إلا جمالا يا زهور "
قال معتصم " أين علكتي لم تخرج معك "
ضحكت وقالت " لن تخطوا قدماها باب المنزل
وهي تعلم أنك من سيُدخل زهور "
قال ببرود " حسابي معها فيما بعد وإن لم ترتدي
الفستان سيكون عسيرا بالضعفين "
قالت وهي تفتح باب الصالة بوسعه " لا تقلق فعمر لها
بالمرصاد ويهددها ولبسته "
ثم نادت على بيسان وقال معتصم ضاحكا ما أن
اقتربت " العروس هنا ولا نعلم "
قالت أميرة مبتسمة " خطفت عيون الحاضرات جميعهن
قبل مجيء النسخة الأصلية , سأذهب لأبلغهن بدخولك "
غابت قليلا وأمسك معتصم يدي على صوت دخل
علينا قائلا " أترك يدها أنا من سيدخلها "
التفتنا لصاحب الصوت فكان رضا يرتدي بذلة رسمية
سوداء وربطة عنق وكانت المرة الأولى التي أراه بها شعره
مسرح للخلف بإتقان ولا أعلم كيف تحكم في الخصلات التي
لا تفارق جبينه ورائحة عطره طغت على عطر معتصم القوى
ونظاراته الطبية لم تفارقه على مقاس عيناه , اقترب مني
وأمسك يدي فأبعدت عيناي ونظرت للأسفل فرفعها له وقبلها
وقال هامسا " لما تريدين تعذيبي بكل هذا الحسن يا زهور "
أمسك معتصم يده وأبعدها قائلا " ما أعلمه أن شقيق العروس
يدخلها وليس زوجها لأنه من سيخرجها أو عكسنا الأمر
الآن تدخلها أنت وأخرجها أنا وللقصر فورا "
قال رضا بضيق " زوجتي وأفعل ما أريد فاخرج من هنا "
تخلل الأحداث صوت آخر قائلا " لا أنت ولا هوا أنا من يدخلها "
نظرنا له جميعنا فكان جابر فابتسمت ما أن رأيته , لا أعلم
لما أشعر باليوم غريب في كل شيء فيه حتى في خصومتهم
هنا عند الباب والنساء ينتظرن في الداخل , أمور لم أشهدها
زواجي السابق , اقترب وأمسك يدي وقال " اعذريني يا زهور
لم يطاوعني قلبي لأتغيب كزواجك السابق فما أن
خرجت من الوزارة حتى كنت هنا "
امتلأت عيناي بالدموع وهما معلقتان بملامحه وقلت
" وما جعلك تأتي بعدما اعتذرت مني "
أمال ابتسامته وقال بصوت منخفض " زوجة شقيقك المصون
تشاجرنا بسبب هذا الأمر وقالت هل الوزير أهم عندك من شقيقتك
وعندما صرت هناك قارنت مشاعري وعلمت أنك أهم عندي
منه فغادرت سريعا وأدركتكم "
قلت بذات الهمس " زواجك بها يا جابر كان أفضل خطوة قمت بها "
اكتفى بالابتسام دون تعليق فتأفف رضا وقال
" فيما تتهامسان دعوني أدخل زوجتي "
قلت ونظري على جابر " بل شقيقاي يدخلانني "
ضحك معتصم وضربه على كتفه قائلا
" جد لك مكان تبات فيه الليلة يا عريس "
قال مغادرا " لا تنسى أن زوجتك ابنة شقيقتي وكما تدين تدان "
أمسك جابر بيدي وقال معتصم ويداه وسط جسده
" وما مكاني أنا من هذا يا زهور "
لم أستطع إمساك ابتسامتي ودموعي التي لحقتها فاليوم أشعر
أن زهور ولدت من جديد مثلما ستموت حين يغلق عليها
وزوجها باب واحد , اليد التي امتدت لوجهي كانت يد معتصم
ولا أستغرب هذا منه فمعتصم مختلف عنا جميعا , مسح على
خدي بظهر أصابعه وقال " لا تفسدي جمالك يا غبية , كل هذا
من عين ذاك الأحمق رضا الله أكبر عليه أصابك بسرعة "
قلت ببحة " أين عمي منصور يدخل معنا أيضا "
ضحك معتصم وقال " أقسم أن يفقد رضا عقله "
ثم انطلق مسرعا لينادي عمي , اليوم أريدهم بالفعل معي لأنها
المرة الأخيرة التي سأتزوج فيها وبعدها لن أرضى الزواج
أبدا ما حييت لذلك أريد أن أشعر بعائلتي بقربي فيكفي والدتي
التي لا أعلم أين تكون الآن , هذا إن لم تكن في جناحها هناك
عاد معتصم بعدها وقال بضيق " لم يتركه زوجك يأتي قال
إما أنا معه أو لا فتركتهما كلاهما كي لا يأتي "
قال جابر " هيا إذا وقوفنا هنا زاد عن حده "
أدخلاني وبيسان أمامنا واجتازا بي الحضور حتى كنت
عند المنصة الصغيرة التي خصصوها لي هنا فأبعد
معتصم يد جابر وأمسك يدي وقبلها وقبل جبيني وقال
" زهور يا شقيقتي فعل رضا خيرا أن أخرجك لنا فالآن
لن أتوقف عن زيارتك بما أنك غادرت القصر "
ابتسمت له فقبل جبيني مجددا وقال " مبارك لك يا شقيقتي "
ثم غادر ورفعت نظر لجابر وقلت " شكرا يا جابر لا تعلم
كم أسعدني أني كنت لديك أهم من كل شيء "
أمسك وجهي وقبل جبيني وقال " سامحينا يا زهور نحن
من أهملك ليثبت لنا أطفال أننا عجزنا أمام ما فعلوه "
يا إلهي جابر لا تقسوا علي لو تعلم غرضي من الزواج به
لتغير رأيك هذا ولكني لا أنكر أن أبنائه غيروا في الجميع
الكثير , قلت ونظري على عينيه " جابر أمازلت عند وعدك لي "
قال بهدوء " ولن يثني كلامي إلا موتي يا زهور ورضا
بنفسه أعلمته وقال أنه سيفعلها من نفسه يوم تطلبينها منه "
غادر بعدها واقتربت مني أميرة وأرجوان وساعداني لأجلس
رغم أن الأمر لن يحتاج , رأيت حينها ترف ترقص مع
الأطفال على الموسيقى لهذا لم تتبع بيسان وتصر أن تكون
معنا , جلت بعدها بنظري حتى وقع على والدتي الجالسة
جلستها المعتادة وكأنها أحد الضيوف , كم تمنيت أن تنظر لي
بحنان ودموع كما يحدث مع جميع الأمهات وهن سعيدات
بزواج بناتهن وحزينات لفراقهن ذات الوقت , كم تمنيت أن
كانت بجانبي ويدي في يدها لكن والدتي لا تتغير أبدا تذكرني
بجدتي كثيرا كيف كانت تعاملها حتى خالتي لم تعد تزورنا
ولم أرها منذ زواجي السابق منذ رفضت والدتي ابنها لم
تعد تعترف بنا ولم تزرنا من تلك المرة التي رفضت فيها
ابنها علنا وقالت صعلوك رياضي لا أعطيه ابنتي
سافرت بنظري للأرض ولم أعد أرى أحدا حتى خفت حركة
الناس وصوت الأطفال واقتربت مني أرجوان وهمست
لي " هيا أيتها العروس الجميلة الحزينة زوجك ينتظر "
نظرت لها بسرعة وكأني استيقظت حاليا من نوم عميق وحلم
لم أكن أعلم أنه حقيقة , لا أريد الذهاب لا أريده ولا أريد أن
أكون معه ولست زوجته , أمسكت يدي وأوقفتني وجاءت أميرة
وسارت بي تحمل غطائي معها وأنا نظري على أرجوان وأبناء
جابر وبتول ووالدتي وباقي الحاضرين اللذين لم يغادروا بعد
وصلت بي حيث مجلس الرجال الذي يفتح على الخارج وأدخلتني
وكان رضا ومعتصم وعمي منصور هناك فاقتربنا منهم ونظري
للأرض وقالت أميرة " خذ عروسك واقرأ عليها الليلة كل ما
تحفظه من آيات لأن أقل لقب قيل عنها أنها ملاك "
سمعت حينها صوت رضا قائلا " ستكونين أنتي
السبب حينها لأن الحفل فكرتك "
قالت ضاحكة " وما أدراني أنهم نسوا جمالها في زواجها
الأول وسينبهرون بها الآن "
قال معتصم " إن أصاب شقيقتي مكروه فلن أغفرها
لكم آل الحارث سمعتم "
ضحكوا جميعهم وشعرت بيد أمسكت يدي فنظرت لها فكانت لرضا
فحاولت سحبها منه لكنه قبض عليها بقوة وقال عمي منصور
" مبارك لكما وأراني الله أبنائكما , عليا الصعود لغرفتي
ومعتصم وصديقك سيتكفلان بإيصالكما "
وغادر من فوره وقال معتصم مغادرا " أنتظركم في الخارج "
ألبستني أميرة غطائي ثم أمسكت يدينا وقالت " أسعدكما الله
زهور لا أوصيك برضا فهوا عانى الوحدة كل حياته ويحبك
أكثر حتى من نفسه وأنت يا رضا أهتم بزوجتك جيدا ولن
أكثر لأني أعلم مكانتها لديك "
قال بصوت مبتسم وهوا يشد على يدي أكثر
" لا توصيني على عيناي اللتان أرى بهما يا أميرة "
قالت بعد ضحكة صغيرة " لما لا تستحي يا مجنون "
لف يده حول كتفاي وقال وهوا يسير بي " لم أستحي وهي
ليست زوجتي لأستحي الآن ومن لا يريد أن يسمع فليغلق أذنيه "
ثم خرج بي للسيارة وأركبني وركب وانطلقنا وأصوات سيارات
انطلقت معنا وما أن صرنا وحدنا في سكون السيارة حتى نزلت
دموعي ولا أعرف لما وبدأت بمسحها كي لا يلحظها فهوا آخر
من عليه أن يشهد دموعي فهوا من قتل باقي أحلامي كما فعلت
والدتي ذلك قبله حين حرمتني من الزواج منه , قتلوني وقتلوا
حلمي أن أكون أم ولي أبناء أربيهم كما أريد أنا أن أتربى وليس
كما ربتني , لم أعرف الحب كما عرفه الجميع لكني كنت أعلم
شيء واحد أني اعتدت وجوده وأحببت رؤيته وحديثه الهامس
المفعم بكلمات الشوق المبهم , كنت مدمنة عليه ولا أعرف غير
هذا التعبير لتقتلني والدتي بتزويجي بمن اختارت ومن ثم أكتشف
أنه قتلني قبلها بسنوات , لو أخبرني بشناعة فعلته لما تزوجت ما
حييت فحتى إن تزوجت به ما كنت سأشعر بأني فتاة طبيعية
وسأشعر بالنقص كل حياتي لأني لم أكن كغيري في أول ليلة
لي معه لقد قتل أنوثتي بكل بساطة , مسحت الدموع التي عادت
للتسلل من رموشي فشعرت بيده أمسكت بيدي الأخرى بهدوء
فاستللتها منه بقوة فتنهد وقال " حسنا توقفي عن البكاء
على الأقل وارحميني يا زهور "
قلت ببرود " لا شأن لك بي "
اكتفى بالصمت ولم يعلق حتى وصلنا بتوقف السيارة عن السير
ثم نزل وسمعت أصواتهم ثم غادرت السيارات وفتح لي الباب
وأنزلني وأغلق الباب وقال وهوا يسير بي " حقائبك سأنزلها فورا "
ولم يزد حرفا ولم أتحدث أنا حتى وصلنا لباب بعدما صعدنا
درجات كثيرة وفتحه قائلا " لن أقول لك تفضلي وأنور
المكان فالشقة لك وأنا من عليك قول ذلك له "
ثم تابع وهوا يدخل بي " آسف حبيبتي لم يبقى لي مال
أحجز به جناحا لنا في فندق لكني سأعوضك عن كل هذا "
ثم أبعد يده من كتفي ما أن صرنا في الداخل ونزعت عني
الغطاء وهوا خرج من فوره ومؤكد نزل للسيارة , رميت
الغطاء على الأريكة وجلت بنظري في الشقة وأثاثها وأبوابها
حتى دخل يحمل حقيبتاي ووضعهما وأغلق الباب وقال وهوا
يتوجه ناحية أحد الأبواب " قليلا فقط وأعود انتظري "
ثم دخل وأنا أنظر له بحيرة وخرج بعد قليل بدون نظارة
ويحرك شعره بأصابعه وقطرات الماء تتناثر منه وقال
" لم أشعر بالراحة إلا الآن بعدما أزلت ذاك
الجبس الذي كان ييبسه "
كنت أنظر له باستغراب من عفويته وكأن شيء لم يكن وكأني
أتزوجه برضاي وهوا يعلم سبب زواجي به , هل هذا طبعه
كما كان في طفولته لم يتغير أم أنه يتعمد ذلك , وصل عندي
ورفع شعره بأصابعه ثم قال بابتسامة " ضننت أنه حلم سيزول
مع جل الشعر لكن الحياة لا تخلوا من المفاجأات "
عدت خطوتين للوراء وقلت " أين غرفتي أريد أن أنام "
أمسك يدي وقربني له وقال " غرفتنا هناك سوف آخذك حالا "
شعرت بكل جسدي قد ارتجف من الفكرة ومن ذكرى الماضي
فدفعته عني وابتعدت وقلت بحدة " ابتعد عني لا تلمسني "
قال بهدوء وخطواته تقترب " حسنا لن ألمسك يا زهور
لا تخافي أعلم أن الأمر ليس سهلا عليك "
قلت بصراخ غاضب وأنا أتراجع " ابتعد يا رضا قلت لك "
وقف وتراجع للخلف قليلا وقال مهدئا لي بيده من بعيد
" حسنا حسنا أدخلي أنتي للغرفة وسأنام أنا هنا "
أخذت الحقيبة الصغيرة وسرت جهة الغرفة ودخلت وأغلقت
الباب بقوة وجلست على الأرض وفتحت الحقيبة وأنا بالكاد
أرى شيئا من كثرة دموعي التي تحولت لنحيب وأنا أفتش في
الأغراض وأبعثرها في كل مكان لأجد شيئا ألبسه فسمعت
طرقات على الباب وصوته قائلا " زهور "
قلت بحدة " لا تقل زهور لا تكلمني ابتعد "
طرق الباب مجددا وقال " توقفي عن البكاء لن ألمسك أقسم لك "
مسحت دموعي وأخذت الفستان القطني ودخلت الحمام
وأغلقت بابه بقوة ورميت الفستان من على جسدي ولم أرتح
إلا وأنا تحت الماء يغسل دموعي وشهقاتي
.