مرت عدة أيام على ذاك اليوم ونزار يرفض حتى التحدث
معي ومجرد أن ادخل مكان وهوا فيه يخرج ويتركني ولم
أذهب للمدرسة طبعا منذ ذاك اليوم , أعلم أني مخطئة
واعترف بخطئي فلما يأخذ مني كل هذا الموقف ولما غضبه
وتجاهله لي أمر لا أحتمله ويحرق قلبي حرقا ولا أجد سوى
البكاء وحدي وسيلة لتخفيف ذلك عني حتى جفت دموعي
نزلت متوجهة لغرفة خالتي أنظر للجرح في يدي بعدما
نزعت الشاش وبقي أثره لم يشفى بعد , دخلت وكان
نزار هناك فوقف وخرج من فوره طبعا دون حتى أن
ينظر ناحيتي , نظرت حينها لخالتي وقلت بحزن وهمس
" هل رأيتِ كيف يعاملني "
قالت بابتسامة " قد يكون يختبر معزته عندك "
تنهدت وقلت " ولما يختبرها أنا حقا لا أحب أن يغضب مني "
ربتت بيدها على السرير بجانبها وقالت " تعالي أفهمك شيئا "
توجهت نحوها وجلست رغم أني لا افهم شيئا فأمسكت يدي
وحضنتها بين كفيها وقالت " سما بنيتي الرجال التعامل معهم
ليس كالنساء , هل تذكري حين كان يود أن يعتذر منك ما فعل "
قلت بهمس " أشترى لي هدية "
قالت مبتسمة " وأنتي أول ما تفكرين فيه أن تعتذري أليس كذلك "
هززت رأسي بنعم فقالت " وهذا هوا الاختلاف , هوا لا
يعبر عن مشاعره مثلك بوضوح كذلك سيقبل اعتذارك
لكن ليس بطريقتك "
قلت من فوري " هل اشتري له هدية "
ضحكت وقالت " لا طبعا "
ثم تنهدت وشردت بنظرها للفراغ وقالت بحزن
" نزار تغير كثيرا منذ انتهت قصته مع رهام وجرحته
ذاك الجرح , كان شابا متفائلا يفكر كيف سيكون في
المستقبل وينظر له بإشراق , أحبها ورأى فيها مجدافه
للمستقبل ليكتشف أن ذاك المجداف مكسور فتحول لإنسان
متشائم لا يثق بأحد ولا حتى بنفسه ونظرته للحياة أصبحت
سوداوية والأسوأ من ذلك أنه بات ينظر لنفسه على انه
عاجز عن فعل أي شيء لأي أحد وهذا أكثر ما يدمر الرجال
يا سما هذا أكبر مطب قد يصطدم به الرجل لينهيه كرجل "
قلت بحيرة " ولما يرى نفسه هكذا ! بالعكس أنا لا أراه
رجلا عاجزا وفاشلا أبدا يكفي بره بك وتضحيته من أجلك
وما فعله لي لن أنساه ما حييت يا خالتي أبدا ما حييت
وما كان غيره ليفعله وحينما رأيت ما حدث لي من ذاك
الشاب يومها أدركت أكثر أنه يتميز عن غيره بالكثير
حتى أنه أخبره بأنه لن يبلغ عنه الشرطة كي لا يضيع
مستقبله وعله يستفيق لنفسه "
مسحت بيدها على خدي وقالت مبتسمة " نعم هذا ما
ينقص نزار ليعلمه وأنتي من عليه إيصاله له قبل غيرك "
قلت بحيرة " لما قبل غيري لم أفهم !! "
قالت بعد ضحكة صغيرة " كمسابقة التفاحة من يقفز أكثر
يقضمها ويفوز بها ويكون الأسرع بل الأذكى ولا احد يعلم "
ثم ضغطت على كفي بقوة وقالت " رهام كسرت شيئا
كبيرا داخل نزار تفاقم مع السنين وجعله ينظر لنفسه نظرة
استصغار ودعاء لم تتحلى بالذكاء الذي يجعلها تلمس ذاك
الوتر الحساس والذكية من تصل له وتعزف عليه بإتقان "
بقيت أنظر لعينيها بتركيز وأترجم ما تقول فقالت " إن كنتي
تريدين أن يقبل اعتذارك مسي ذاك الوتر فقط فيقبله مباشرة "
قلت بهمس " كيف ؟؟ "
ابتسمت ولم تتحدث ثم تركت يدي وقالت " ذكائك عليه أن
يفهمها وإن لم يفعل يكون الوقت غير مناسب لهذا يا سما "
نظرت مطولا لكف يدي الذي كان بين يديها استرجع ما
قالته , هي لم تقل شيئا مبهما ولا صعبا بل شرحت بكل
تفصيل فلما أشعر بأني لم افهم !! هوا الخوف فقط من أن
أجرب وأفشل , وقفت وغادرت غرفتها وعدت لغرفتي أفكر
في كل حرف قالته , رهام حطمت ثقته بنفسه وأصبح
يرى أن الناس لا تتق به ودعاء لم تُرجع ذاك في داخله لكن
كيف ألمس ذاك الوتر كما قالت ؟ أنا افهم معنى كل كلمة
قالتها لكن كيف أطبقه ! أنا حقا أشعر بالعجز
وبقيت على ذاك الحال طوال النهار أحاول صياغة ولو
جملة تشمل ما قالته خالتي وفي النهاية استسلمت ولكن ليس
لفشلي بل أن أترك الجمل تصوغ نفسها بما أن خالتي قدمت
لي المضمون على طبق من ذهب وكان بإمكانها أن تعطيه
لدعاء ولم تفعل , نزلت للمطبخ وكان حينها بداية المساء
وكان هناك فهوا لم يتركني اطبخ حتى بعدما شفيت يدي
أو أنا من لم تتجرأ أن تتحدث معه في الأمر وهوا غاضب
مني هكذا , وقفت عند الباب وكان يقطع البصل فنظر لي ثم
عاد بنظره على يديه ولم يتحدث ولا يمكنه الهرب مني طبعا
توجهت للطاولة سحبت الكرسي وجلست وقلت بهدوء ونظري
على يداي فوقها " نزار حلفتك بالله أن لا تخرج
وتتركني , استمع لي فقط على الأقل "
لم يتحدث ولم يلتفت لي ولم يخرج وهذا الأهم , تنفست بقوة
أهدئ اضطراب قلبي وقلت بهدوء " لو كان لي شقيقا اكبر
مني لما تمنيت أن يكون إلا مثلك لأنك تعرف كيف ترعاني
كفتاة ولو كان لي زوج ما حلمت أن يكون أفضل منك لأنك
تملك كل تلك المقومات وحتى ابني إن اخترت كيف سيكون
سأختاره مثلك ليكون لي كما أنت الآن مع والدتك , أنت لا
تعلم كم تذكرني بوالدي رحمه الله حتى خوفك علي مثله
تماما وأدركت بعد تلك الحادثة انه كان على صواب دائما
نزار أنت رجل يعرف كيف يكون في المقام الأول في حياة
كل من يحيطون به , وأنت لست شقيقي ولا ابني ولا زوجي
لكني لا أريد أن أخسرك في كل حياتي فقط ولو أن تذكرني
دائما بذكريات جميلة وتتحدث عني بالحسنى "
نزلت دمعة من عيني مسحتها وقلت " أنت قدمت لي ما
عجز عنه حتى من يمثلون العدالة في هذه البلاد ويحتمي
الناس بهم , ما عجز حتى رئيسها أن يعطيه لي وهوا
الأمان في أشد خوفي ولا أريد أن أخسرك أبدا , أنا آسفة
عدد شعر رأسي وأعترف أنني أخطأت , لا أريد مدرسة
ولا دراسة فقط لا تغضب مني "
زادت حينها دموعي ولحقتها عبراتي أخفي وجهي بذراعي
متكئة على الطاولة فسمعت صوت السكين وهوا يضعه في
المغسلة ثم بخطواته تقترب ويده تمسح على شعري ووصلني
صوته قائلا " توقفي عن البكاء يا سما لست غاضبا منك هيا توقفي "
سويت جلست ومسحت دموعي ونظري للأسفل لم أرفعه فعاد
لما كان يفعل وعاد للصمت أيضا فوقفت أشعر بكم هائل من
الفشل وخيبة الأمل وتوجهت جهة الباب لأخرج فأوقفني صوته
قائلا " تحدثت مع جابر وستدرسين في المنزل ووافق
أيضا أن نخرج للبحر لأنه مكان مزدحم وسيوفر لنا الحماية
لقد وافق بصعوبة فقط لأنه متأكد من بعدهم عنك , جهزي
نفسك سنذهب في الغد "
بقيت انظر له بصمت وهوا نظره على ما يفعل لم ينظر
ناحيتي أبدا ثم وضع السكين ونظر لي وقال " وأنا أيضا
لو كان لي شقيقة أو زوجة أو ابنة ما تمنيتهم أقل منك
أنا آسف أيضا أعلم أنني أناني وأفكر في نفسي فقط "
ارتسمت حينها على شفتاي ابتسامة وقلت بهدوء
" شكرا لك يا نزار "
لم أجد وقتها غيرها لأقولها لأنه لا كلمات قد تعبر عما
اجتاحني من مشاعر حينها ولو تركت العنان للساني لقال
مالا أحب أن يقوله أبدا , ثم غادرت مسرعة ودخلت غرفة
خالتي وقلت مبتسمة " لقد تصالحنا أخيرا ولم يعد غاضب مني "
قالت بابتسامة " جيد علمت انك ستفهمين مقصدي يا سما "
بعدها بوقت أدخل نزار الطاولة وجلب العشاء وجلس يتناوله
معنا ويتحدث ويحاول أن يبتسم لكن ليس كالسابق وكأن
ثمة ما غيّره فجأة لكنه أفضل بكثير من الأيام الماضية
وجميعنا تصرفنا وكأن شيء لم يكن وأمضينا وقتا تحكي
خالتي عن رحلاتهم سابقا للبحر وحكت عنه في طفولته حين
كانوا يأخذونه إليه وأنا أضحك وهوا غضب منها وصعد لغرفته
بسببها كأغلب المرات , نظرت لها وقلت مبتسمة
" أغضبته ككل مرة "
قالت ضاحكة " من يكره أن يحكوا له عن طفولته
هوا لا يقدر هذا النعيم "
نظرت للأرض بحزن وقلت " نعم فلن أجد أنا
من سيحكي لي عما نسيته من طفولتي "
قالت " لما لا نقرأ روايتنا ونترك عنا الأحزان
فنحن لم نقرأها منذ ذاك اليوم الحزين "
تنهدت وقلت بأسى " لا أحب أن أتذكره أبدا "
ضحكت ومدتها لي وقالت " هيا خذي لنعلم ما حدث مع رُدين "
أخذتها منها وعدت للجلوس مكاني وفتحت حيث وقفنا وقرأت
(( نظرت له بصدمة ثم قلت " ومن أخبرك أني أحبه "
وضع الصحن على الطاولة وقال " علمت وحدي "
بقيت أنظر له بحيرة يستحيل أن يعلم ! هذا خبيث يمارس
ذكائه علي ولأنه محقق يملك حيلا كثيرة بالتأكيد "
قلت ببرود " لعبة قديمة وسخيفة ومكشوفة أيضا "
رفع حبة لوز وفتحها وقال " فسريها كما تشائين "
بقيت أنظر له بتشكك وهوا منشغل بما يفعل , هذا الأحمق
يلعب بأعصابي وأفكاري ويريد إيهامي بأشياء غير موجودة
سأل إن كنت أحب اللوز الأخضر وليس لأنه يعرف فإن صادفت
هوا الرابح وإن فشل لن يخسر شيئا , كان يأكل ويرمي
القشور على الطاولة بعشوائية ثم قال
" ماذا ستدرسين في الجامعة "
نظرت له وقلت بسخرية " وقل ما أحب من
التخصصات أيضا يا ذكي "
رمى بقشرة أمامي تماما وقال ببرود ونظره عليها
" المحاماة "
وقفت حينها على طولي أنظر له بصدمة لم أستطع إخفائها
فرفع نظره لي ومد لي بيده مليئة باللوز الذي قشره وقال
" أنتي الخاسرة إن رفضتِ فلا يوجد غيره في الداخل "
قلت ناظرة له متجاهلة يده " لما تجمع كل هذه المعلومات
عني ومن أخبرك "
أعاد يده وقال وهوا يأكل منها " لم يخبرني أحد مجرد
لعبة سخيفة وقديمة وصادفت "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بسخرية" لم أكن أعلم أني
مهمة لديك هكذا تتحرى عني وتترك أعمالك "
ركز نظره على خصري حيث أمسكه بيدي بنظرة غريبة
بتركيز فأنزلت يدي وقلت بحدة " أبعد نظرك يا وقح "
رفع نظره لعيناي لثواني بهدوء وصمت ثم أبعده عني
وقال ببرود " أنظري لإصبع يدك التي جهة الوقح "
رفعتها ونظرت لأصابعي وصرخت بكل صوتي انفض
من عليها الحشرة الخضراء الكبيرة وهوا يضحك علي
فتوجهت لحوض النعناع مغتاظة وأخرجت خرطوم المياه
منه فوقف وقال بتحذير " أقتلك إن فعلتها "
لكني طبعا من حرقتي ولأني رُدين التي لا تضيع حقها مهما
كانت النتائج رششته فورا بالماء ولم أتوقف حتى وصل عندي
فرميته علية وهربت عائدة جهة المنزل وما أن وصلت الباب
حتى شعرت بذراعين أمسكتاني من خصري بقوة ورفعتاني
عن الأرض وسارتا بي حيث كنا وأنا أرفس واصرخ لعل
عمي رياض أو عمتي سعاد يسمعاني وبلا نتيجة , وصل بي
عند حوض النعناع الكبير ورماني فيه بكل بساطة لأجد نفسي
في الماء والطين والحشرات , رفعت يداي ونظرت له وهوا
يقف يقطر ماءا وعيناه ستحترق من الغضب فأشرت له بإصبعي
وبدأت بالضحك , قد تكون حالة دفاعية فقط كي لا أشعره أنه
هزمني لكن شكله كان مضحك بالفعل , توجه جهة الخرطوم
رفعه ورشني به وأنا وسط سيقان النعناع الطويلة أشعر بالماء
والتراب تحتي أخفي وجهي بذراعي وهوا يرشني دون توقف
حتى صرخت به " يكفي .... يكفي هذا توقف يا فراس "
فرماه عليا وغادر فوقفت من فوري وأمسكته ولحقت
به أرشه من ظهره فالتفت لي ولم أتحرك من مكاني أرشه
بأكبر قدر أستطيع عليه فوصلني يحمي وجهه بذراعه
وأصبحنا نتشاجر على الخرطوم أنا أمسكه بقوة بكلتا يداي
وهوا يسحبه مني والماء يطير في كل اتجاه مرة عليه ومرة
علي أو في الأرض أو الهواء حتى توقف ضخ الماء فجأة
وأصبح الخرطوم بين يدينا لا شيء ينزل منه سوا بعض
القطرات , التفت للخلف ليرى من أغلقه وظهر لي من كانا
ورائه والده ووالته ينظران لنا باستغراب ثم انفجرا
ضاحكين على أشكالنا وتحرك فراس وقال بضيق مارا
بجوارهما " زوجوها بسرعة رجاءا "
أما أنا فبقيت أنفض يداي من الماء وأبعد شعري عن وجهي
وأبصق التراب من فمي وأمسحه حتى تحول الأمر لبكاء
أخفي عيناي بذراعي وأبكي بحرقة , أنا من النوع الذي
لا ترى دموعه إلا نادرا وها أنا أبكي للمرة الثانية
هنا وبسببه هوا في المرتين
اقتربت مني عمتي سعاد وأمسكت يدي وأدخلتني وأنا
على حالي أبكي بشدة وصعدت بي حتى غرفتي وأخرجت
لي ثيابا ووضعتها في الحمام وخرجت وقالت " أدخلي هيا
استحمي وغيري ثيابك وسيرا فراس عقابه منا وإن
فعلتها أنا وحدي وحقك لن يضيع "
جلست على الأرض ولم أزدد سوا بكاء وأنا عن نفسي
أستغرب لما ابكي هكذا , شعرت أني ابكي حزن كل سنيني
وعقباتها التي واجهتها بقوة وصمود حتى تعبت ثم وقفت
ودخلت الحمام استحممت ولبست ثيابي وخرجت جففت
شعري وأنا أشعر باستياء لم أشعر به حياتي لن يأخذ أحد
حقي إلا نفسي وسيرى , لم اخرج من غرفتي باقي النهار
ورفضت حتى أن أتناول العشاء ولم يغمض لي جفن
تلك الليلة حتى أشرقت شمس الصباح وما أن ذهب
ذاك المتوحش لعمله حتى جلست وأمسكت هاتفي انتظر
وأنظر لساعتي وبعدما مضى أكثر من نصف ساعة
على خروجه اتصلت بجوجو فقالت مباشرة
" مرحبا رُدين ما هذه المفاجئة "
قلت بابتسامة خبيثة " مرحبا جوجو أين أنتي الآن "
قالت من فورها " في عملي طبعا هل من مشكلة "
قلت مباشرة " أعطني فراس قليلا "
قالت باستغراب " من فراس "
قلت بصدمة " فراس ابنـ آآآآ أعني شقيقي
وشقيق أشرف "
قالت بعد صمت " وما علاقتي به أعطيه لك أنا
لا يعمل معي أحد اسمه فراس "
قلت بصدمة أشد " وأين تعملين أنتي "
قالت من فورها " موظفة في شركة تصدير "
كذب عليا أشرف ذاك المحتال ليأخذ مني ما يريد , قلت
" لكنه تعرف عليك عندما حييتني وأنا راكبة السيارة معه "
قالت بعد صمت " تلك أول مرة أراه فيها , أنا حقا لا اعرفه "
ضغطت على أسناني بقوة من الغيظ , أشرف المخادع
وها هي خطتي فشلت , لكن مهلا كيف عرفها إذا ولما
سألني إن كنت أعرفها , الحقيقة كلها عند أشرف , قلت
من فوري " شكرا لك يا جوجو يبدوا أني أنا من فهم
الأمر خطأ ولا تخبري أشرف رجاءا ... وداعا "
أنهيت المكالمة معها ورميت بالهاتف بعيدا عني ثم خرجت
من غرفتي وتوجهت لغرفة التنين النائم أشرف , فتحت الباب
ودخلت وهززته بقوة قائلة " أشرف استيقظ "
قفز جالسا وقال " ما بكم ماذا حدث لكم "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بغيض
" حدث أنك كاذب وكذبت علي وخدعتني أيضا لكني أحفظ
رقم أسوم تلك ومرمر ووجدان وكل من رأيت
أرقامهم في هاتفك وسأنتقم منك "
قال بضيق " توقظينني لأجل هذا يا أفعى "
أخذت الوسادة وضربته بها على رأسه وقلت
" نعم فأنت الكاذب وأنا المكذوب عليه "
أبعد الوسادة عنه وقال " أنا لم أكذب عليك "
قلت بحدة " بلى كذبت وقلت أن جوجو تعمل مع فراس
وهي تعمل في شركة تصدير ولا تعرفه أيضا "
نظر لي بصدمة وقال " من أخبرك !! "
قلت بضيق ملوحة بيدي " علمت ولا يهم وإن لم تخبرني
بالحقيقة أفسد عليك كل مغامراتك يا قيس النساء "
عاد نائما في سريره وغطى رأسه فسحبت اللحاف
منه قائلة " قل الحقيقة أو ندمت على ما أخبرتني "
أعاد اللحاف على رأسه قائلا " جاءني بشعاراته الهابطة
مثلك عندما رآني معها لذلك عرفها فاتركيني وشأني "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت " لم أفهم "
جلس وصرخ بي " أخرجي حالا "
فهربت خارجة وأغلقت الباب من زمجرة هذا الأسد على
ظهور فراس من نهاية الممر فغادرت بخطوات مسرعة
لا أريد أن أراه حتى النظر هذا الوقح القذر , وما أن وصلت
لغرفتي حتى كانت ذراعي في قبضته ولفني حوله فقلت بتذمر
متجنبة النظر له " ماذا بقي لم تفعله جئت لتمارسه علي "
ضغط على ذراعي بقبضته بقوة وقال من بين أسنانه
" ماذا كنتي تفعلين في غرفة أشرف " ))
نظرت لها وقلت " يبدوا تعقدت الأمور أكثر "
قالت مبتسمة " ولن يسكت لها عليها طبعا أو تتوقعين العكس "
رفعت كتفاي وقلت " لا أعلم لا أستطيع أن أتوقع شيئا "
ثم قلت بحيرة " لكن هل أخطأت بدخولها لغرفته "
قالت " نعم هوا يبقى رجل ولكلن حدوده "
قلت ونظري للأرض " لكني أدخل غرفة نزار ليشرح لي
بعض المسائل أو آخذ ثيابه أو أضع المكوية وهوا موجود
هل أكون مخطئة مثلها "
وصلني صوتها مبتسمة " لا خوف من ابني نزار وأعرفه
جيدا ورُدين دخلت غرفته وهوا نائم أما أنتي فتطرقين
الباب أليس كذلك "
نظرت لها وهزت رأسي بنعم وقلت
" ولا أدخل أبدا إن لم يأذن لي "
ثم قلت بشرود " لكنه لا يدخل غرفتي أبدا وإن أراد شيئا
قال لي أن أخرج للممر ليتحدث معي , إذا أنا
مخطئة أليس كذلك "
قالت بعد ضحكة " لو رأى أنك مخطئة لن يخجل من
قولها لك وتعرفين نزار جيدا ثم غرفة الفتاة ليست كغرفة
الرجل ولا يجوز أن يدخلها إلا إن كان مُطرا "
تنهدت واكتفيت بالصمت فمدت يدها وقالت
" هاتي هيا وللنوم لتستيقظي باكرا من أجل الرحلة للبحر "
وقفت و مددتها لها وقلت مبتسمة " أجل عليا أن أنام
باكرا لأستيقظ باكرا نشيطة "
وعند الصباح استيقظت منذ الفجر وكانت فرحتي لا
توصف لأني سأخرج أخيرا من المنزل , جمعت كل ما قد
نحتاجه من أغراض هناك وجهزت نفسي وطرقت باب
غرفته ففتحه يتثاءب وقال " سما ما كل هذا النشاط "
قلت بتذمر " نائم حتى الآن وأنا أنتظر أن تنزل
في أي لحظة !! بسرعة نحن جاهزتان "
خلل أصابعه في شعره وقال بعين واحدة مفتوحة
" البحر قريب لما كل هذه العجلة منذ الفجر "
أدرته للخلف ودفعته جهة الحمام وأنا أقول
" بسرعة أمامك عشرون دقيقة فقط وتكون في السيارة "
ثم خرجت من فوري ونزلت للأسفل وساعدت خالتي
لتجلس على الكرسي ووضعت جميع الأغراض عند الباب
وأخرجتها للصالة على نزول نزار قائلا بابتسامة
" ما كل هذا النشاط يا كسولتان "
قالت خالتي ضاحكة " بقي أن تشغل لك السيارة
فقط وتناديها بالكسولة "
وصل عند كرسيها وأخذه مني فأعدته منه قائلة
" ضع الأغراض في السيارة أنا من سيوصلها هناك "
قال وهوا يتوجه جهة الباب " بل أنتي من تخرج للسيارة مباشرة "
نظرت لي خالتي للأعلى وقالت " ما كل هذا التدليل
ما الذي قلته له بالأمس "
شعرت بالدماء تصعد لوجهي من الخجل وقلت ونظري
للأرض " دائما يحرص على هذا كي لا يعرفني
أحد قد يكون يبحث عني "
قالت وهي تحرك العجلات بيديها " ذلك كان في السابق
أما الآن فلا حاجة له وها قد سمحوا لك حتى بالذهاب
للبحر وليس فقط الوقوف لدقائق في الشارع "
دخل حينها نزار وأمسك بيدا كرسيها وسحبها خارجا
بها وتبعتهم لأرى إن كان كلامها صحيحا ووقفت معهم
في الشارع حتى انزلها وأركبها السيارة ووضع الكرسي
في حقيبة السيارة وبالفعل لم ينبه علي للصعود ثم
قال وهوا يتوجه لبابه " يبدوا ستبقي هنا "
ابتسمت وفتحت الباب الخلفي وصعدت وقلت وأنا
أغلقه " أرأيتِ خالتي يريد إبقائي هنا "
ضحكت وقالت " الرحلة كلها من أجلك كيف نبقيك "
انطلق قائلا " كنت سأخبر عوني يأتي معنا لولا
تيقني من رفضك يا أمي "
قالت خالتي " لا نريد أن نمضي الوقت نراقب الأطفال
وتركضون خلفهم , وحدنا أفضل "
نظر ناحيتها وقال " وكيف ستفعلين مع أحفادك الذين
تنتظرينهم وتريدين الخروج معهم "
ضحكت وقالت " سأقوم وحدي بالواجب أنت فقط تزوج "
غريب ذكر نزار للزواج ! أول مرة يتحدث عن شيء يخص
هذا الأمر , تُرى كيف كان في الماضي إن كان كما قالت
خالتي أنه تغير كثيرا بعدما تركته رهام !
وصلنا سريعا وكان عدد الناس قليل , نزلت من السيارة أنظر
للبحر وأشعر أني تحررت من قيود كثيرة , ما اغرب هذا
الشيء يشعرك بالحزن والفرح والراحة في آن واحد وأهم
شيء يشعرك فعلا بوجودك
نظرت للناس بحزن وتذكرت خروجي في السابق وعائلتي
له وشعرت بالكآبة غزت فرحتي وأفسدتها , التفت للخلف
فجأة فكان نزار يُنزل خالتي وحملها بين ذراعيه لأنه طبعا
لا يمكن للكرسي أن يتحرك على الرمال ثم قال
" سما أحضري الكرسي رجاءا "
توجهت بسرعة له ورفعته بصعوبة وتبات حتى وضعته
في مكان بعيد قليلا ومناسب وعاد هوا جهة السيارة ينزل
باقي الأغراض وبقيت أنا مع خالتي وعيناي لم تفارق البحر
لحظة وكأني أغسل نفسي بمياهه ثم اقتربت بضع خطوات
من الشاطئ حتى أصبح صوت أمواجه في أذناي وكأنه يتحرك
في رأسي ثم عدت سريعا جهة خالتي وأمضينا الوقت نتحدث
عن كل شيء أمامنا وأعددنا الطعام والشاي , كان كل شيء
ممتع رغم أن نزار كان يتجنبنا طوال الوقت وكأنه يهرب من
التحدث إما يشوي أو يرتب الأغراض أو يشرد بعينيه حيث
الأطفال وبعدما صلينا الظهر جلس مبتعدا عند صخرة كبيرة
ينظر للبحر بشرود لوقت طويل وعيناي لم تتوقفا عن النظر له
بين الحين والآخر وأنا أتأمله ببنطلونه الأسود وقميصه الأسود
أيضا والجمجمة المرسومة على ظهره بخطوط بيضاء رقيقة
مع بياض ذراعيه ووجهه وسواد شعره ولحيته الخفيفة , كان
الهواء يحرك شعره بطريقة غريبة تجعلك تتأمله دون توقف
ولا ملل , لأول مرة يرتدي ملابس كلها سوداء هكذا
لا أعلم لما يبدوا لي حزينا وكئيبا وكأنه مثلي حين نزلت وكأن
البحر قد ذكّره بذكرى قديمة وحزن كبير , كانت الإذاعة عند
برج المراقبة تصدح بأغاني أجنبية منذ وصلنا وفجأة وقفت
الأغنية وغيروها بواحدة عربية , كانت من قصائد نزار قباني
تغنيها مغنية أسمها غادة رجب , أعرفها جيدا فوالدتي كانت
تحب جميع الأغاني المغناة لذاك الشاعر لحبها له وتسمعها
من أشرطة الكاسيتات لأن والدي كان لديه تحفظات كثيرة
بشأن التلفاز , عم صوتها الأرجاء وهوا ينتقل مع الريح قائلة
( لماذا تخليت عني إذا كنت تعلم أني أحبك أكثر مني لماذا )
امتلأت حينها عيناي بالدموع وأنا أراقبه على وقع تلك
الكلمات على مسامعي , لم أكن أهتم لها في السابق ليس فقط
لأني لا افهمها لكني لا اشعر بها , وما أن كررتها مجددا
( لماذا تخليت عني إذا كنت تعلم أني أحبك أكثر مني لماذا )
حتى خلل نزار أصابعه في شعره ونظر للجانب الآخر
وأخرجني حينها صوت خالتي من أفكاري قائلة
" نزار لا يعجبني أبدا هذه الأيام "
نظرت لها بصدمة فتابعت ونظرها عليه " عيب الرجال
أنهم لا يفتحون قلوبهم بسهولة والأم آخر من يستطيع أن
يجد حلا لفلذة كبدها وهذا أكثر ما يتعبها "
نظرت له فكان يمسك ذراعه بيده الأخرى ويقبض عليها
بقوة تكاد أصابعه تخترقها ونظره لازال للأفق , شعرت
بغصة اعتصرت قلبي ودموعي تستعد للنزول وقلت ببحة
" والحل يا خالتي "
تنهدت وقالت " نزار يحتاج لمن يغسل حزنه ويجبر كسوره
لكنه يكابر ويعاند ويفرض على نفسه الخيارات الخاطئة ويتمسك
بأفكاره وشعاراته وكبريائه وسيخسر الكثير ولا يدرك ذلك "
نظرت لها وقلت بحيرة " خالتي كلامك مبهم جدا لما لا أفهمك "
ابتسمت وقالت " أنا أفضفض عن خاطري فقط , ما رأيك
أن تذهبي له لا أحب عزلته هكذا , أشعر انه يسجن نفسه في
حزن قديم فاستخدمي ذكائك مجددا وأخرجيه منه ولو الآن فقط "
بقيت انظر له لوقت , قد لا يكون ذكائي من جعله يرضى عني
يوم أمس وهي المصادفة ليس إلا لكني حقا أتألم لرؤيته هكذا
وخصوصا بعد كل الكلام الذي قالته خالتي , وقفت دون تردد
وتوجهت نحوه بخطوات بطيئة حتى وصلت ووقفت خلفه
مباشرو وهوا لم يشعر بي وقلت بهدوء " هل أجلس "
نظر للأعلى حيث وجهي فنظرت للأسفل وقلت بذات هدوئي
" لو كنت تريد البقاء وحدك أخبرني ولن أغضب منك أبدا "
عاد بنظره للبحر وقال " أبدا ... يمكنك الجلوس يا سما "
ابتسمت برضا وجلست بجانبه وغلب الصمت على جلستنا
هوا لم يقل شيئا وأنا ضاعت مني الحروف وكأني لم اجلس
حياتي بقربه , لكن حقا لم يكن قريبا هكذا حتى أنه لو حرك
ذراعه ستصطدم بذراعي مباشرة , قلت بعد قليل ونظري
عليه " نزار هل أسالك سؤالا تجيبني عليه بصدق "
قال ونظره لم يغادر الأفق " نعم "
ولم يزد شيئا فتمنيت أني لم أتحدث فيبدوا لا يريد إلا سجن
نفسه كما قالت خالتي , نظر حينها باتجاهي وقال
" ماذا كنتي تريدين أن تسألي "
وقفت وقلت " إنسا الأمر يبدوا أني أزعجتك حقا "
وهممت بالمغادرة حين قال " أجلسي يا سما "
التفت له وقلت مبتسمة " لا تقلق لن أغضب من ذلك
وسأتركك وحدك "
قال وهوا يشير بنظره حيث كنت جالسة
" أجلسي أو غضبت أنا منك "
عدت للجلوس حاضنة ساقاي وقلت مبتسمة
" لا رجاءا فأنت إن غضبت يصعب إرضائك "
قال بصوت مبتسم " ولا تنكري أني لا أغضب بسهولة "
قلت ونظري على قدماي " لا أنكر ذلك أبدا "
قال وهوا ينظر لي " هل ستسالين سؤالك أم غيرتي رأيك "
نظرت لوجهه وشعرت بقلبي ينبض بشدة حتى خيل إلي انه
يسمعه فهربت بنظري وعدت به لقدماي فوق تلك
الصخرة وقلت بهدوء " أمازلت غاضب مني "
لاذ بالصمت لوقت ثم قال بنبرة استغراب
" لما هذا السؤال يا سما !! "
رفعت نظري للأفق وقلت " لأنك لست كما كنت وكأنك
غاضب من احدهم بشدة , وليس غيري حمقاء تخطئ دائما "
قال من فوره " لا تقلقي لست غاضبا منك أنتي
ولستِ حمقاء أيضا "
نظرت له وهوا ينظر للبعيد وقلت " ممن إذا "
أنزل يده للصخر وأخذ حصا صغيرة ورماها في البحر
وقال ونظره حيث سقطت " غاضب من نفسي "
لم اعرف ما أقول بقيت أنظر لملامحه بشعور لم استطع
تفسيره سوى بشيء واحد لم أفكر فيه من قبل أبدا وهوا أني
أردت أن أحضنه ولو لدقيقة واحدة فقط ومرة واحدة أيضا
عاد الصمت مجددا وعيناي معلقتان به لتتخلله كلمات الأغنية
بوضوح ( وخلفت هذي الصديقة هنا عند سور الحديقة على
مقعد من بكاء .... لماذا ) فرفع نظره للبحر مجددا وقال
بهدوء " تعجبني كثيرا هذه الأغنية "
شعرت بدمعتي طارت مع هواء البحر , هوا لم يراها
بالتأكيد وخدي لم يحتضنها لأنها طارت من عيني مباشرة
ولا أعلم أين استقرت , مسحت طرف جفني بأصابعي
وقلت بحزن " والدتي كانت تسمعها دائما , لم أكن افهم
يوما معناها لكني الآن فهمت كم هي جميلة وحزينة
وتعبر عن الجرح والخذلان "
نظر حينها ناحيتي لتقع عيناه على عيناي مباشرة وقال
" سما هل أسألك أنا الآن سؤال تجيبي عنه بصدق "
****************************************************
******************************************
وقفت أنظر لها باستغراب بل باستنكار , كيف تدخل
جناحي دون حتى أن تطرق الباب وتأخذ الإذن , كتفت
يداها لصدرها وقالت بحقد " من تظنين نفسك يا ابنة فارس
لا تغتري كثيرا بما بثي فيه ولا تفرحي بصمتي عن تجاوزاتك "
كتفت يداي لصدري مثلها وقلت بسخرية " وما تسمين
دخولك هكذا يا من تحترمين المظاهر والأخلاقيات فحتى
ترف تربية ابنة فارس لا تدخل قبل أن تطرق الباب "
قالت ببرود " أعتقد أن القصر قصري إن نسيتي "
قلت بابتسامة جانبية " وإن نسيتي أنتي أيضا أنا
زوجة ابنك وله ما لك هنا يا سيدة القصر "
قالت من بين أسنانها " لا تفكري في فرض أرائك
هنا لأني حتى الآن لم أضعك في رأسي "
قلت ببرود " أنا لم أفرض رأي على أحد ولم أمسسك
بشيء فانفخي ريشك على من كان السبب "
قالت بسخرية " جميل وتؤلبيني على ابني أيضا
يا ابنة خريج السجون "
أنزلت يداي جانبا وقبضت عليهما بقوة وقلت بحرقة
" شرف لي وإن كان تاجر مخدرات أيضا "
قالت بذات سخريتها " لن أستغرب أن تكون ابنته هكذا إذا "
قلت بغيض " بل أنتي التي لا تستحق الأبناء ويفترض
بهم سجنك على جرمك حيالهم "
برز عرق جبينها الواسع من الغضب وقالت بحدة
" وما لا يعجبك في تربيتي يا ابنة الحسب وأحدهم
من انتشلك من مزبلتك وشرّفك بين الناس "
كتمت كل ألمي وغصتي وقلت بثبات " أنا لم أضربه
على يده لينتشلني من مزبلتي ولولا من خفت أن تضيّعيهم
كما ضيعتي من قبلهم ما قبلت بهذا الشرف والعز "
قالت بحقد " احترمي نفسك واحترميني , أنا ربيت وكبّرت
ولم أترك أبنائي وأسافر ليربيهم الشارع "
قلت بابتسامة جانبية " والنتيجة ابنة سجينة غرفتها محرومة
حتى من بهجة الحياة فاتنة الجمال يفترض أنه يزحف خلفها
الرجال وليس مطلقة ومعقدة , وابن يهرب أكثر مما يقيم
هنا فقط لأنه ليس على تربيتك , ولا تفتخري بجابر ومركزه
وقوته فداخله ميت بسببك لا يعرف كيف يسعد نفسه قبل أبنائه
لقد دمرتهم مع مرتبة الشرف يا فاضلة فلم أرك يوما اجتمعتِ
معهم ولا على طاولة طعام , قصر ميت بلا حياة لا أعرف
كيف تكوني أم وأنتي بهذا التحجر حتى أصوات ضحك
ولعب الأطفال التي لا يضاهيها شيء في الوجود
تكرهينها , من أي نوع من البشر أنتي بالله عليك "
أشارت لي بسبابتها وقالت " من النوع الذي سيكسر أنفك
هذا ولا يأخذك الغرور أن تضني أن جابر سيضع كلمتك
فوق كلمتي تفهمي "
قلت بهدوء " أنا أرأف لحالك وحالهم لا أحقد عليك وأكرهك
كما تضنين فاستفيقي لنفسك ولعائلتك قبل أن تنهار
أكثر وأنتي تتفرجين عليها "
صفقت بيديها وقالت " شكرا لن تغريني بأطروحاتك كغيري "
توجهتُ جهة الباب حيث تقف وقلت وأنا أفتح مقبضه
" لا أريد أن أخطأ في حقك أكثرا من أجل ابنك وليس من أجلك "
وما أن أدرت المقبض أكثر حتى شعرت بذراعي تسقط للأسفل بقوة
*
*
فتحت الباب وقلت وهوا يتبعني " بما أني متأكد من أنه
لن يصل هنا حيا فلن أتعب نفسي ككل مرة فلدي أمور
عائلية عالقة عليا إيجاد وقت لها أيضا لذلك يوم غد انسوا
أنه هناك مخلوق على وجه هذه الأرض يدعى جابر حلمي "
ثم ركبت سيارتي وأغلقت الباب خلفي فوقف مستندا
بالنافذة وقال " اترك هاتفك مفتوحا إذا "
شغلت السيارة وقلت " بل سأغلقه من الليلة "
عدل وقفته وقال " جيد كي لا تلقي باللوم على أحد
إن جد شيء ولم تعلم "
انطلقت قائلا " لن يتركوا لنا جديدا اطمئن ووجودي
كعدمه ... وداعا "
ثم زدت سرعتي وتوجهت فورا لمدينتي وللقصر , نظرت
للساعة في يدي فكانت الحادية عشرة فرفعت هاتفي واتصلت
برضا فأجاب وقلت من فوري وأنا أنتظر بوابة القصر تفتح
أمامي " غدا عند الغداء تكون هنا ونتم كل شيء "
قال مباشرة " وأخيرا رأفت بنا سيد مشغول "
ابتسمت وأنا أعبر البوابة ولم أعلق فقال
" لا تعتذر في الغد أو أجدك غير موجود تفهم "
أوقفت السيارة وقلت " لا تخف ما بك لا تثق في كلامي "
قال ببرود " أرى أن نتم الأمر فجرا لأني من كثرة
ما أتق بك لا أستأمنك حتى وقت الغداء "
أغلقت باب السيارة وقلت ضاحكا وأنا أدخل بخطوات
سريعة " لا تقلق كن أنت على الموعد فقط , هيا وداعا "
أنهيت الاتصال منه وصعدت وما أن وصلت لممر جناحي
حتى فوجئت بترف و بيسان وحتى أمجد يجلسون أمام بابه
وسيلا تقف معهم وما أن رأوني حتى انطلقوا نحوي ركضا
وتعلقتا الفتاتان بي تبكيان وأمجد أمسك يدي يسحبني ولم
أفهم شيئا مما يقولونه لأنهم يتحدثون مع بعض وترف
تبكي بصوت مرتفع فقلت بضيق " اهدءوا لأفهم شيئا "
سكتا بيسان وأمجد وترف على حالها فرفعتها وقلت
موجها حديثي لسيلا " ما بهم وما تفعلون هنا ومن
المفترض أنهم نيام منذ ساعة "
قالت من فورها " السيدة أرجوان في الداخل تبدوا متعبة
أو لا أعلم , قالت لا أحد يدخل لها ولا حتى الأولاد وهم
رفضوا التحرك من هنا ويبكيان دون توقف وأنا وأمجد
لم ننجح في إسكاتهما "
نظرت لباب الجناح بحيرة ومسحت الدموع من خدا
ترف قائلا " توقفي عن البكاء هيا هي بخير "
ثم نظرت جهة سيلا وأعطيتها إياها قائلا
" خذيهم لغرفهم حالا "
أمسكت ترف مني وقالت بيسان ببكاء
" لكن نريد أن .... "
قاطعتها بأمر " لغرفكم فورا وستأتيكم هناك
إن لم تكن متعبة "
انصاعوا مكرهين وغادروا برفقتها وأعينهم عندي للخلف
فراقبتهم حتى اختفوا ثم فتحت الباب ودخلت , غريب يستحيل
أن تبعد أرجوان الأطفال عنها ! لا وتتركهم في الخارج
وتمنعهم من الدخول ولا تهتم حتى إن ناموا أو لا , عندما
غادرت فجرا كانت بخير فما جد الآن ! كان الجناح يعمه
السكوت توجهت لباب الغرفة وفتحته فكانت نائمة على
السرير تخفي وجهها بإحدى ذراعيها والأخرى تحت وسادة
بجانبها وتبدوا نائمة , لكن سيلا قالت أنها متعبة ثم هي لا
تنام في النور أبدا , اقتربت من السرير وقلت
" أرجوان "
رفعت ذراعها عن وجهها ونظرت لي وكانت عيناها
متورمتان من البكاء , لا تكون تشاجرت مع والدتي ويا
ليلتك الليلة يا جابر , توجهت نحو الخزانة وفتحت أحد
أبوابها قائلا " الأطفال وجدتهم جالسين على الأرض في
الممر يبكون وأنتي نائمة وهم يضنون أنك مريضة "
وصلني صوتها قائلة " متعبة قليلا وأخبرت سيلا
لا تتركهم وتضعهم في أسرتهم "
أخرجت المنشفة والتفت فكانت تغطي وجهها بذراعها
مجددا وصوتها لم يكن طبيعيا , اقتربت منها وقلت
" هل ذهبت للمستشفى أو اتصلتم بالطبيب "
قالت دون أن تتحرك " الأمر لا يحتاج سأكون بخير "
دخلت الحمام وتركتها , صحتها وهي أدرى بها المهم لا
لائحة طويلة عريضة من الشكاوى وشجار كما ضننت
استحممت وخرجت وجلست على الطرف الآخر للسرير
واتصلت بعمي منصور فأجاب بعد قليل قائلا
" جيد لم تتذكر رضا وتنسني "
قلت مبتسما " لا لم أنساك قطعا لكن موضوع رضا
كما تعلم سيأخذ وقتا فتحدثت معه أولا "
قال ضاحكا " لا يحتاج أن تبرر يا ابن أخي المهم أنك بخير "
قلت " وما لديكم أنتم ذاك المنزل تطاردونني طوال الوقت "
ضحك وقال " احترم عمك يا ولد "
ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " على رأسي أنت
وعائلتك جميعهم فأمرني "
قال بهدوء " بتول يبدوا مات لسانها "
اتكأت للخلف ونظرت جهة أرجوان وقلت
" مستحيل تمزح أكيد "
قال مباشرة " بل حقيقة ولا تجيب علينا ومهما حاولنا ولم
تعد تذهب للمدرسة , تعال تحدث معها أنت حلنا الوحيد "
أمسكت يد أرجوان التي تغطي بذراعها وجهها وأنا أقول
" وأين زوجها عن كل هذا "
عقدت حاجباي باستغراب من حرارة أصابعها وسمعته
يقول " هوا أكثر من تقاطعهم ولم ترد عليه أيضا "
قلت باختصار وأنا أضغط على يدها بين يدي ونظري
على عيناها المنسدلتان للأسفل شبه مغمضتان
" حسنا سأرى إن استطعت غدا أن أمر بكم "
قال من فوره " أتمنى ذلك تعلم أني لا أريد أن
أقسوا عليها بعد كل هذا وداعا الآن "
أبعدت الهاتف عن أذني ومررت يدي الأخرى على
ذراعها وقلت " أرجوان حرارتك مرتفعه انهضي
هيا آخذك للمستشفى "
سحبت يدها مني وأعادتها حيث كانت وقالت بشبه
همس " سأكون بخير لقد انخفضت كثيرا "
تأففت وقلت بضيق " لا أريد أن أكون منتصف
الليل في المستشفى فدعيني آخذك الآن "
قالت باختصار " أنا بخير "
تركتها وغادرت السرير وتوجهت لغرفة الملابس ولبست
بنطلونا رياضيا اسود اللون بخطين أبيضان على جانبيه
وقميص أبيض بكتابة سوداء وخرجت وتوجهت للأريكة
وقربت الطاولة منها قليلا وفتحت حاسوبي وانشغلت به
ما يقارب الساعة ونصف ثم نظرت جهتها فكانت على
حالها فوقفت وتوجهت نحوها وأبعدت ذراعها ولمست جبينها
فكانت حرارتها كما هي لم ترتفع ولم تنخفض أكثر
خرجت من الغرفة ومن الجناح كله وتوجهت لغرف الأطفال
دخلت غرفة أمجد فكان نائما فتوجهت لغرفة الفتاتين وكانتا
في سريريهما لكن ثمة صوت بكاء مكتوم وأحدهم يتكلم
بخفوت وتمتمة فدخلت ببطء واقتربت من بيسان فكانت
نائمة فنظرت لسرير ترف فكانت تخبئ رأسها تحت الوسادة
وتبكي وتتمتم بكلام غير مفهوم فتوجهت نحو سريرها
واقتربت منها أكثر حتى وضح لي صوتها فكانت تقول
" يا رب لا تموت ماما لا تموت , لا تأخذها منا "
هززت رأسي مبتسما ونزعت الوسادة عنها فجلست من
فورها تنظر لي وعيناها تلمعان من الدموع في ضوء
الغرفة الخفيف فحملتها من السرير وقلت بصوت منخفض
" ترف هل أنتي طفلة تتصرفين هكذا "
نامت برأسها على كتفي وقالت بعبرة " أريد ماما "
خرجت بها من هناك وعدت للجناح أدخلتها معي للغرفة
وأنزلتها عند السرير وقلت " أرجوان تحدثي معها
لتتأكد انك بخير تضنك ستموتين "
رفعت ذراعها عن وجهها وجلست بمساعدة تلك اليد
فقط ومدتها لها قائلة " تعالي حبيبتي أنا بخير لا تقلقي "
صعدت لها للسرير ونامت في حضنها وهي تمسح
على شعرها قائلة " لما تبكي ترف ألم أقل لكم أني بخير
وسأنام , لما تتعبون والدكم وسيلا هكذا "
ضمتها بذراعيها ونامت على صدرها وقالت بشهقة
" ظننتك سترحلين كوالدتنا ولا تعودي "
مسحت دمعة نزلت من طرف عينها وقالت " لن ارحل
بنيتي هيا عودي لغرفتك ونامي أنا بخير كما ترين "
ابتعدت عن حضنها وقالت " ويدك لم تعد تؤلمك ؟ "
نظرت ليدها من فوري وبحيرة فكانت متورمة وحمراء
جهة الرسغ لذلك لم تحركها وأنا لم أنتبه , لففت للجانب
الآخر من السرير وجلست فوقه واقتربت منها وشددت
يدها بيدي قائلا " أرني ما بها يدك "
سحبتها وقالت بتألم " آي جابر بالرفق "
سحبتها مجددا ولم آبه لتألمها وحرّكتها على صرختها
المتوجعة وقلت بحزم " ما بها هكذا يبدوا شعبا فيها وأنتي
تخفينها بالوسادة وتقولين انك بخير "
قالت برجاء ودموعها بدأت بالنزول
" جابر لا تحركها أرجوك "
غادرت السرير وتوجهت للخزانة وقلت بحدة وأنا
أفتحها وأخرج ثيابا داخلية " قلت لك منذ البداية نذهب
للمستشفى وترفضين وتخفين أمرها عني أيضا يا
أرجوان , لا أعلم كيف تفكرين "
كنت سأنزع ثيابي حين سمعت صوت ترف
تقول ببكاء " ماما لا تبكي ... هل تؤلمك "
فنفضت قميصي الذي كدت أنزعه ناسيا أمر الصغيرة
التي هنا وتوجهت لغرفة الملابس غيرت ملابسي هناك
وخرجت وأخرجت عباءتها وألبستها لها ومررت يدها فيها
بصعوبة وقلت وأنا أعدلها " ما الذي حدث لك أصبحت هكذا "
قالت بألم " كان حادثا بسيطا وظننتها ستكون أفضل في الغد "
لففت حجابها ولم أعرف كيف أتصرف فيه وما يدريني
أنا بهذه الأمور وعندما عجزت وهي تساعدني بيدها
اليسرى تأففت وعدلته من منتصفه على رأسها ورميت
طرفاه للخلف وسرت قائلا " ألحقيني للسيارة "
ثم نزلت مسرعا حتى وصلت السيارة وفتحت لها الباب
وخرجت هي بعد قليل تتبعها ترف وركبت وبقيت تلك واقفة
تنظر لنا وكل دمعة تلحقها الأخرى فتوجهت جهة بابي
وقلت ناظرا لها " أدخلي يا ترف ولغرفتك فورا
نحن سنعود سريعا "
أخفت عيناها بذراعها ودخلت في نوبة بكاء فقلت
من بين أسناني " يا ليلة جابر الليلة "
أنزلت أرجوان زجاج نافذتها وقالت " ترف تعالي "
رفعت ذراعها واقتربت منها فأدخلت أرجوان يدها تحت
وشاحها تحركها لوقت ثم أخرجتها وفيها السلسال الذي
ألاحظها تقتنيه دائما ومدته لها وقالت
" اتركيه لديك لتتأكدي أني سأعود بنيتي "
أخذته منها وقالت من بين شهقاتها " سترجعين إليه أليس كذلك "
هزت أرجوان رأسها بنعم فدخلت ترف راكضة ثم وقفت
وألقت علينا نظرة من عند الباب ثم دخلت مسرعة فركبت
السيارة وانطلقت خارجا من القصر للمستشفى فورا , وصلنا
ونزلت وهي تتبعني حتى دخلنا حجرة الطبيب وأنا معها
كشف عليها ووقف وقال " سنصورها رغم أنه واضح
انه تشعب بسيط لكن لكي نتأكد "
قلت من فوري " وهل ترتفع الحرارة بسببه شككت سيكون كسرا "
قال وهوا يتوجه جهة الباب " لهذا أريد أن أتأكد بالصورة "
وقفت أرجوان وخرج ونحن نتبعه ثم دخلا لقسم الأشعة
وبقيت أنا في الخارج وأغلب من مر بي يعرفني وكرهت
نفسي من قول ( شكرا لاهتمامك زوجتي متعبة قليلا فقط )
ربطوها لها بجبيرة خاصة ووصف لها بعض الأدوية
والمسكنات وغادرنا من المستشفى للصيدلية للقصر
نزلت أرجوان قبلي وأنا خلفها بمسافة وما أن وصلنا
الطابق وكما توقعت توجهت من فورها لممر غرف
الأطفال فهي هناك في المستشفى وقلبها هنا مع ترف
لحقتها لا أعلم وقت فراغ ليس لدي أين أقضيه أم فضول
رغم أني أعرف ما يكون , توجهتْ لغرفة أمجد أولا
وكعادتها طبعا تخرج لهم كل ليلة مرتين كحد أدنى
وأمجد في عمره هذا كله لازالت تغطيه ليلا أكثر من
مرة , وقفت عند الباب ووجدتها تسحب اللحاف من
تحته بيدها اليسرى لتغطيه جيدا فهوا ينام فوقه ولا
يشعر حتى بسحبها له فقلت بصوت منخفض
" اتركي عنك كل هذا الليلة ألا تري أن حالتك لا تسمح "
نظرت لي وقالت " تعال غطه أنت لم أستطع "
قلت ببرود " قلت ما قلت لتذهبي لغرفتك وترتاحي
لا أن تجعليني أقوم بأعمالك اليومية "
قالت بضيق " أعتبره أحد من يلجئون
لمكتبك بقضاياهم ولو مرة "
تركتها وغادرت فتبدوا لديها طاقة من الغضب تود
تفجيرها بي , أستحق هذا لأني لحقت بها منذ البداية
دخلت الجناح وشغلت التلفاز وجلست أقلب القنوات
ومر الوقت ولم أرها دخلت , وقفت وأطفأت التلفاز
ودخلت الغرفة غيرت ثيابي وأطفأت النور ونمت على
السرير , يبدوا قررت أن تنام هناك وما ذنبي أنا تلوي
معصمها وتنفث غضبها بي ... حسنا هي لم تقل لي شيئا
وما معنى تصرفها هذا منذ متى تنام مع الأطفال وتتركني
نمت بعد وقت ولم استيقظ إلا على أذان الفجر فتحت عين
واحدة ووجدت النور مشتغل والتكييف مطفئ وأرجوان
تفتح الستائر عن الشرفة ثم فتحتها فأغمضت عيني مجددا
وقلت ببرود " جيد تذكرتِ أن لك غرفة وزوج "
لم تعلق وأنا أتابع سير خطواتها وعيناي مغمضتان
دخلت غرفة الملابس ثم خرجت وحركت شيئا
عند طاولة التزيين ثم قالت " جابر تعال "
فتحت عيناي ونظرت ناحيتها فكانت تجلس على
كرسي الطاولة وتنظر ناحيتي وتمسك مشطا في
يدها , نظرت لها باستغراب فاستدارت جهة مرآة
الطاولة وقالت ونظرها علي في المرآة
" مشط لي شعري وأمسكه لا استطيع فعلها وحدي "
انقلبت للجانب الآخر ولم أجيب لتجرب معنى
التجاهل , قالت بعد قليل " الطبيب قال ستتحسن يدي
منتصف النهار فلا تمن عليا بخدمة بسيطة "
وضعت الوسادة على رأسي ولم أتكلم فاقتربت
خطواتها من السرير وجلست عليه وحاولت نزعها
من على رأسي لكني أحكمت عليها بذراعي ولم
تستطع سحب أنش منها فقالت بتذمر
" جابر بالله عليك ما فعلته أنا تعاملني هكذا "
لم أجب فتأففت وقالت " لو لم أرى أن الأنسب
لي عدم النوم هنا البارحة ما نمت هناك "
قلت ببرود " لا يهم تنامي أين ما تريدين تلك مشكلتك "
قالت بعد صمت " ولما تتصرف معي هكذا إذا "
رميت الوسادة عني ووقفت وقلت متوجها جهة الحمام
" ليس من وظائفي كزوج مشط الشعر , ما رأيك أن
اغسل لك أسنانك وأغير لك ثيابك أيضا "
دخلت الحمام وأغلقت الباب توضأت وخرجت فلم
تكن في الغرفة وقد جهزت لي بذلتي فغيرت ثيابي ببنطلون
من الجينز وقميص وسترة رمادية ونزلت للذهاب للمسجد
صليت وعدت وتوجهت من فوري لجناح والدتي لأتحدث
معها بخصوص موضوع زهور , طرقت باب الجناح
أكثر من مرة ففتحته لي ودخلت أمامي قائلة
" لا تكن حشت لك رأسك ضدي وجئت لتمارس ذلك علي "
بقيت انظر لها باستغراب فرفعت سجادتها وقالت وهي
تطرحها " ولا تقل لما مددتِ يدكِ عليها لأنها تستحق "
اتسعت عيناي من الصدمة والتفتت هي ناحيتي وقالت
بضيق " علمها كيف تحترم والدتك قبل أن تتركها
تربي أبنائك لتخرجهم نسخا عنها "
ثم تابعت بسخرية وهي تلبس رداء الصلاة
" أنا ابنة خريج السجون الحثالة تقيم تربيتي لكم وتنتقدها "
ثم وقفت على سجادتها وكبرت وكأني غير موجود , مدّت
يدها عليها ! إذا ذاك لم يكن حادثا كما قالت ولهذا كانت
مستاءة ليلة البارحة ولم تنم معي في الغرفة بل ولهذا ارتفعت
حرارتها بدون سبب , وما هذا الذي قالته لها جعلها تضربها ؟
بل كيف ضربتها لتكون النتيجة هكذا ! بقيت واقفا مكاني حتى
أنهت صلاتها وطوت سجادتها وجلست تسبح تسبيح ما بعد
الصلاة فقلت " لم آتي لأجل ذلك ولا علم لي به إلا منك لقد
أخذتها البارحة للمستشفى بسبب ما حدث ليدها فهل هنا
حلبة مصارعة وأنا لا أعلم "
لم تجب ولم ترفع نظرها لي فقلت بجدية
" ماذا حدث لتصلا لهذا الحد "
قالت ببرود " اسألها ماذا قالت وإن كنت ابني فستكسر لها
رأسها وليس يدها كي لا تستنقصك وتستنقص تربيتي لك "
قلت بضيق " لم أتدخل في مشاكلكم كي لا تكبر ليس
معناه أن تصل لأن تتقاتلا كالأطفال "
قالت بحدة " خسئت تمد يدها علي أقسم أن اقطعها لها "
خرجت من عندها ولم أتحدث معها حتى فيما جئت من
أجله , توجهت لغرف الأطفال ووقفت عند باب غرفة
الفتاتين فكانوا في الداخل جالسين أمامها وهي تمسك
المصحف ويبدوا تشرح لهم آيات منه , نظروا جميعهم
لي ونظرت أرجوان لملابس نظرة استغراب ثم عادت
بنظرها للمصحف فقلت مغادرا " أرجوان تعالي "
توجهت لجناحنا دخلت ووقفت وسط ردهته وبعد قليل
دخلت وأغلقت الباب فقلت موليا ظهري لها
" ماذا حدث بالأمس "
قالت بعد صمت " في ماذا "
قلت بحزم " في الحادث الذي حدث ليدك طبعا "
لم تجب فالتفت لها وقلت بضيق " أسلوب الصمت تنسينه
ماذا قلتِ لوالدتي لتضربك هكذا ولما لم تتكلمي عما حدث "
بقيت تنظر لي بصمت فقلت بغضب " أرجوان لا
تطريني لفعل شيء لن يعجبني قبل أن لا يعجبك "
مدت لي يدها السليمة دون أن تتكلم وكأنها تقول لي أفعل
مثلها فبقيت أنظر لعينيها بتركيز وأتنفس بقوة وهي على
حالها يدها ممدودة لي ونظرها تابت على عيناي
لم أستطع أن أقول أنا لم أتربى على ضرب النساء لأن
يدها الملفوفة تناقض ذلك , تنفست بقوة وكأني
إعصار وقلت " أنزلي يدك وتكلمي "
قالت بعد صمت طويل حتى ظننتها ستستمر في
عنادها " قلتَ أنك لن تتدخل فلا تخل بشرط الزواج
أو لا تلمني إن أخللت أنا به "
قلت بجدية " وقلت إلا إن رأيت في تدخلي
مصلحة إن كنتِ تذكرين "
أنزلت يدها وقالت بدمعة محبوسة " لا أريد أن أجرحك
بكلامي يا جابر وما نمت طوال ليلة البارحة على الأريكة
كي لا أخطا في حقك لأهدم كل ذلك اليوم "
مسحت قفا عنقي بيدي حتى وصلت بها للأمام وتنهدت
بضيق ثم قلت " هوا سؤال واحد ماذا قلتِ لها لفعلت هذا "
قالت بتبات " جاءت تذكرني بواقعي فذكرتها بواقعها
أيضا , كل خطئي أني قلت أنها فشلت كأم وعليها أن
تنقد الوضع قبل فوات الأوان "
قلت بضيق " وما علاقتك بكل هذا يا أرجوان
وها قد جاءتك النتائج "
قالت بحدة " لا أريد أن أسرد لك كل الحوار وأخبرك
بما قالت أيضا وأخبرتك أني لا أريد أن
أجرحك بكلامي يا جابر "
قلت بضيق أكبر " وهل كان حلا أن رددتِ على كلامها
ظننتك عاقلة في كل شيء وتعرفين كيف تتصرفين
بحكمة لكني أخطأت "
أنزلت رأسها للأرض وقالت " والمطلوب مني الآن "
شعرت بأنها حاصرتني فإن قلت تعتذرين منها أخل
بالشرط بل أتصرف بالنقيض مع موقفها هي حين
وقفت معها في إهانة والدتي لها أمام الضيوف لأنها لم
تعتذر منها وإن قلت لا يتكرر ما حدث أكون غبيا لأن
ما فهمته أنها هي من جاءتها هنا فلم يكن من حل أمامي
سوا محاصرتها كما فعلت فقلت بهدوء " تمنيتِ سابقا
أن يكون أمجد معك مستقبلا مثلي مع والدتي فإن كان
في موقفي الآن فما ستتمنين أن يفعل "
قالت ورأسها للأسفل لم ترفعه وقد أمسكت ذراع يدها
المصابة بيدها السليمة " أسال الله أن لا يصل بي الحال
لأن أتهجم على زوجته في جناحها وأسبها وأعيرها
بماضيها وحالها وأضرب لها يدها بتحفة ثقيلة محشوة
بالخشب فقط لأنها أرادت أن تفتح الباب وتخرج ولا تكبر
المشكلة أكثر , وأن لا يصرخ في زوجته ويضع اللوم عليها "
ثم رفعت رأسها وقالت وعيناها في عيناي " لكني لن ألومه
أبدا لأنه بين خيارين صعبين إن كان يحب زوجته أو
حتى يقدرها على الأقل "
ثم أشاحت بنظرها جانبا وقالت بهدوء " لا تتدخل في
الأمر يا جابر أرجوك لأنه سيكبر فوق ما قد تتصور "
أبعدت سترتي بيداي وأمسكت بهم وسط جسدي ونظرت
للجانب الآخر ولم اعرف بما اعلق ولا أقول لتفاجئني باقترابها
مني وذراعاها تعانق عنقي تقف على رؤوس أصابعها
بحدائها الأرضي ودست وجهها في عنقي بينه وبين
ذراعها وقالت بهمس " ولتمنيت الآن أن ضمها بحنان
وخفف عنها الألم الذي يوجع قلبها أكثر من يدها "
أغمضت عيناي بقلة حيلة وتنهدت ثم لففت ذراعاي
حولها وشددتها لي بقوة وقلت بهدوء " أرجوان إن كان
لي مكانة لديك ولو ذرة واحدة لا تجاريها في الكلام ثانيتا
أنا أعرفك واعرف كل ما يخص حياتك واخترتك زوجة
لي وأم لأبنائي ولا يعنيني من واقعك وماضي والدك
شيء وأنا أمامك رجل قانون وأمثله "
شدت ذراعاها حول عنقي أكثر ففهمت أنه ليس هذا
ما تنتظر مني فقبلت كتفها وقلت بهدوء " امسحيها في
وجهي هذه المرة وعديني أن تنفذي ما طلبت منك "
ارتخت ذراعاها حينها وابتعد عني وقالت
ورأسها أرضا " حسنا "
نظرت ليدها الملفوفة وشعوري لم يكن كما في الليل
حين اعتقدت أنها سقطت عليها , الآن أشعر بعجزي
عن إنصافها حتى أني وقفت في صف والدتي بطلبي
منها أن لا تجيب على سبها لها مجددا وعجزت أن أجد
للأمر حلا غير هذا كما عجزت البارحة عن إقناع ترف
بالدخول دون حدة وأوامر ونجحت هي بسهولة
أمسكت أطراف أصابع يدها المصابة ورفعتها ووضعتها
كلها على صدري كما تحب أن تفعل عندما تخاطبني وهي
واقفة أمامي ووضعت يدي عليها وقلت " كما أخبرتك سابقا
يا أرجوان أنا لا أريد أن أرفع ولا صوتي عليها وتبقى في
النهاية والدتي ولا أحد يختار أهله وأريدك حقا الزوجة
التي تتفهم هذه المسألة "
قالت بهدوء ونظرها على يدي فوق يدها " لم أشتكي
لك يا جابر لاحظ أنك في كل مرة أنت من يفتح
الموضوع ثم تبرر وأنا لم أتحدث فيه "
قلت ونظري على ملامحها " وإبقاء المشاكل معلقة
أيضا اكتشفت أنه لا ينجح "
أبعدت يدها وابتعدت ودخلت الغرفة وأغلقتها خلفها
*
*
دخلت الغرفة وتوجهت للحمام دخلت وأغلقته خلفي
ونزلت الدموع التي امسكها منذ وقت , لو كنت أنا من
فعل لها هذا هل كان سيتصرف ذات التصرف ؟ أنا لن
ألومه في والدته وموقفه صعب وأعترف لكن لما حقي
أنا المهضوم دائما ومتأكدة انه لم يعتب عليها ولا مجرد
عتب على ما فعلت وليس لدي سوا كتم كل هذا لأني
إن تكلمت سأكون الخاسرة ولا أعلم إن كنت سأتحمل أكثر
غسلت وجهي ونشفته بالمنشفة وخرجت , عليا العودة
للأطفال لن أترك أي شيء يؤثر على رعايتي لهم وحرصي
على ما اعتدنا عليه , لا أعلم لما لم يُنزع حبهم من داخلي
لا هم أخوتي كما كنت أعتقد ولا أبنائي , هم أحفاد تلك المتوحشة
وأبناء ابنها البار , تنهدت واستغفرت الله على هذه الوساوس
وغادرت الجناح , ما ذنب الأطفال أحملهم إثم ما فعلته هي
دخلت غرفة الفتاتين لأفاجئ بجابر جالس معهم على الأرض
متكئ بظهره على سرير بيسان مادا لأحد ساقيه والأخرى
منصوبة أمامه ويسند يده عليها ببنطلونه الجينز وقميصه
الرمادي والسترة مرمية فوق السرير وترف تعدل لباس
الصلاة الخاص بها حول وجهها وتتحدث معه طبعا دون
توقف و بيسان تورق المصحف وأمجد كعادته جالس بهدوء
توجهت من فوري نحو بيسان وأخذت منها المصحف وقلت
بضيق " كم مرة سأقول أن هذا كلام الله له احترامه
وليس ألبوم صور نورقه بامتهان "
نظرت ترف ناحيتي وزحفت جهة بيسان وقالت
" هيا نكمل ماما "
جلست مقابلة لهم حيث يكون جابر خلفي ولكن ليس
خلفي مباشرة إن نظرت جانبا وجدته أمامي وفتحت
المصحف وقلت " أين كنا "
قال أمجد " كيف يعامل والديه "
شعرت أن قِدرا من الماء البارد سكب فوق رأسي كيف
نسيت هذا ولن أستطيع تغيير الموضوع الآن , ورقت في
المصحف قليلا ثم قلت الآية التي أحفظها دون بحث عنها
وأكملت من حيث وقفنا وقلت " ويقول تبارك وتعالى
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }
نظرت لوجوههم المستمعة لي بانتباه وقلت " يعني هذا
أن تعاملهما برفق ورحمة درجة الذل من كثرة ما ترحمهما
وتدعوا لهما بأن يرحمهما الله كما ربياك وأنت صغير وتعبا
من أجلك وسهرا فتكافئهما عند كبرهما على كل ذلك "
شعرت وكأن الكلام موجه لي وليس لهم كي لا أنسى أن
عليه بر والدته مهما فعلت حتى إن ضربته هوا وليس أنا
لكنه ظلم في حقي , هوا والدته وعليه فعل هذا أنا ما ذنبي
أغلقت المصحف وقلت " ولا ينسى الإنسان أبدا أنه
كما يفعل في والديه سيفعل له أبنائه تماما دون نقصان إن
برهم بره ولو واحد منهم وإن عقهم عقوه جميعهم "
قالت ترف " كيف عقوه "
ابتسمت ومسحت على وجهها بيدي وقلت
" دائما تسألين عن نفس الكلمات , البر حبيبتي يعني
الإحسان لهما والعقوق هوا العكس "
ثم مددت لها المصحف وقلت " ضعيه مكانه وتعالي لنحكي حكاية "
ركضت به مسرعة وعادت تقول " لا تحكي قبل أن أصل "
ابتسمت على قفزتها جالسة مدمنة الحكايات هذه ثم قلت
" كان ثمة رجل لديه والد كبير في السن ولا يمكنه الحركة
فشعر بالضجر من وجوده معه ومن خدمته فقرر أن يرميه
في الغابة ليجده أحد أو تأكله الوحوش ويتخلص منه "
شهقت ترف واضعة يدها على فمها وقالت بصدمة
" يأكلونه الوحوش كيف سيركض "
قالت بيسان بتذمر " أصمتِ يا ترف لما تقاطعين الحكايات دائما "
تابعت مبتسمة " فحمله على كرسي خشبي يوضع على
الظهر وابنه الصغير معه وذهب به كثيرا في الغابة حتى ابتعدا
ثم أنزله هناك عند شجرة وتركه عائدا هوا وابنه وعندما بعدا
مسافة رمى ذاك الرجل كرسي والده لأنه لم يعد يحتاجه فقال
له ابنه ( اتركه يا والدي نرجعه معنا للمنزل )
قال الرجل باستغراب ( وما نصنع به فلم يعد يلزمنا )
قال له ابنه ( لأجلبك به هنا وأتركك عندما تكبر )
فندم الرجل وأعاد والده "
بقوا ينظرون لي بصدمة ثم ضحكت بيسان وقالت
" كيف خطر عليه أن يقولها له "
قلت بعد ضحكة غلبتني " بيسان الحكاية من ساجل أن نأخذ
منها العبرة لا أن نضحك عليها هذه ليست نكتة "
قالت ترف " وما العبرة "
قلت " أن لا تعصي والدك ولا تغضبيه كي لا
يفعل لك أبناءك ذلك عندما تكبري "
قالت مباشرة " ولا حتى أنتي ماما أليس كذلك "
قلت مبتسمة " ولا أنا "
وقفت وتوجهت جهة جابر وجلست في حضنه وقالت
" لن أفعل ذلك بابا لن أرميك في كرسي كي لا يرموني "
ضحك حينها وقبّل خدها وقال " أمجد أحضر ورقة وقلم بسرعة "
وقف امجد من فوره وتوجه لمكتب بيسان وأحضر كشكولها
وقلما وأعطاه له فأبعد ترف عن حضنه ووضع الكراسة
مفتوحة على الأرض وقال " تعالوا جميعكم هنا "
توجهوا نحوه وجلسوا حوله وأنا اكتفيت بالالتفات أنظر
بحيرة لما سيفعل فرسم مربعا كبيرا وفيه آخر صغير عند
الطرف ومربعان في الجوانب كل واحد قسمه لثلاث ودائرة
عند المنتصف ثم قال وهوا يشير للمخطط بالقلم " هنا القصر
الذي نحن فيه الآن أما الدائرة فهي الحديقة والنافورة وهنا
منزل الخادمات والحرس والسائق , هنا الملحق والثلاث
مساحات الشاغرة هذه تختارون إحداها من اجل أن
يكون فيها المسبح "
نظروا له بصدمة لثواني وصدمتي لا تقل عنهم
ثم وقفت ترف واحتضنت وجهه بيديها الصغيرتان
وقالت بصدمة " سيصبح لدينا مسبح نسبح فيه "
ابتسم في صمت ثم نظر ناحيتي وقال " نعم "
قالت " وواسع ليس كحوض الاستحمام "
نظر لها وقال " نعم وفي الحديقة وحيث ستختارون "
احتضنته تصرخ و بيسان وأمجد يصفقان بفرح ثم ابتعدت
ترف عنه وأصبحت تقفز مثلهم فلم أستطع إمساك ضحكتي
على منظرهم ثم التفت لجابر الذي كان ينظر لهم بابتسامة
واسعة تكاد تتحول لضحكة ومددت يدي حتى لامست بها يده
التي يستند بها على الأرض فنظر لي فقلت بهمس مبتسمة
" شكرا لك يا جابر "
عاد بنظره عليهم وقال بهدوء " تمنيت أن كان بين
تلك اللائحة شيء لك كي أفعله بدلا عن هذا "
أبعدت يدي عن يده وعدت مولية ظهري له وقلت
" وهذا أعتبره من أجلي فسعادتي من سعادتهم "
لم أرد أن أشكره على المسبح فقط بل على جلوسه معهم
واستماعه لكل ما كنا نقول دون أن يغادر وحتى هواتفه
ليست معه , قال بجدية " لا تأتوني في الغد وتقولوا
أين المسبح لأنه سيأخذ وقتا وسأكلف من يشرف عليه كي
ينتهي بسرعة وسيكون الخروج له بأوقات مناسبة من حيث
الطقس تحددها والدتكم فمتى قالت تدخلوا يدخل الجميع ومن
ستمنعه من الخروج له ممنوع أو ألغيته وأغلقته مفهوم "
هزوا رؤوسهم بالموافقة وقالت ترف مشيرة بيديها بدائرة حولها
" أريد بطة كتلك التي يسبحون بها في البحر كي لا أغرق "
قالت بيسان " وملابس نسبح بها تلك لم تعد على مقاسنا "
وقف وقال " لينتهي أولا ثم تشتري لكم والدتكم كل ما تريدونه "
وخرج بعدها من الغرفة وقال أمجد " هل نشاهد الكرتون الآن "
وقفت وقلت " نعم ولا أجدكم قريبين من التلفاز
لأني سأغضب منكم "
خرجوا ثلاثتهم مسرعين وحديثهم طبعا عن الحلم الذي
أصبح حقيقة وهوا مسبح يسبحون فيه وحدهم متى أرادوا
أخذت سترته من على السرير وخرجت وتوجهت لجناحي
دخلته ودخلت الغرفة ولم يكن هناك , يبدوا توجه لمكان
آخر وداخل القصر لأنه لم يغير ثيابه ولم يأخذ سترته
*
*
خرجت من غرف الأطفال وتوجهت من فوري لجناح
زهور , اليوم هوا يوم الدوريات الداخلية ولم أنهي منها سوا
واحدة فقط وهي أرجوان والأولاد وعيا العودة لوالدتي مجددا
طرقت باب الجناح ودخلت فلم تكن هناك فطرقت باب الغرفة
ودخلت فكانت في الشرفة ويبدوا تطعم عصافيرها وما
أن رأتني حتى وضعت ما في يدها ودخلت وأغلقت الباب
فجلست على الأريكة وقلت " تعالي أجلسي سنتحدث قليلا "
توجهت نحوي وجلست مقابلة لي في صمت , لو كسب رضا
شيء من هذه الزواج فسيكون صمتها الدائم , نظرت ليداي
المشتبكتان في بعض وقلت " اليوم سنعقد قرانك ورضا
سيكون هوا وكاتب العقود هنا عند الغداء "
طبعا لا شيء غير الصمت فتابعت " كنت سآخذ كشوف
حسابه من المصرف لكنه بنفسه أرسلها لي بأوراق تتثبت
أنه لم يسحب منها مليما من قبل التاريخ الذي وضعت فيه
شروطك , اليوم ستكون شقته وسيارته وأمواله باسمك "
ثم رفعت نظري لها وقلت " وأنتي باسمه طبعا "
قبضت بيدها على فستانها بقوة وهي تضعها على فخذها
ودمعة تترقرق في عينها فتنهدت وقلت " لم نفعل شيء
بعد إن لم تكوني مقتنعة نلغي الأمر يا زهور "
هزت رأسها بلا دون كلام فقلت " لو لم يكن رضا
مصرا وموافقا على شروطك ما وافقت هذا , ما يعزيني
فقط أنك قد تكوني تريدين ضمانات كي لا يتكرر ما
حدث في زواجك السابق "
خرجت من صمتها أخيرا وقالت بصوت حزين
وعيناها في عيناي " جابر هل ستكون سندا لي
مهما طال الوقت وحدث "
بقيت أنظر لها مطولا بحيرة ثم قلت بجدية
" نعم يا زهور لا يحتاج أن تسألي عن هذا "
قالت " حتى إن طلبت منك يوما أن تطلقني منه "
لم أعرف ما أقول وبقيت أحدق فيها بصمت فقالت
" إن كرهت العيش معه هل تطلقني منه "
قلت بجدية " نعم وقبل أن يُمسي المساء على قرارك "
كسرت نظرتها حينها وقالت " حتى إن كان الثمن
أن تخسر صداقته وللأبد "
قلت من فوري " حتى لو خسرت كل العالم لن يتكرر ما
حدث في السابق يا زهور , أقسم لو أخبرتني عنه حينها
ما نفذ مني بجلده ولكنت أذقته أمر مما أذاقك من ضرب وتعذيب
وأعلم الآن مكانه وما يمسكني عنه رفضك أنتي أن أفعل ذلك "
قالت بحسرة " ذاك ماضٍ وانتهى "
ثم رفعت نظرها لي وقالت " أنا أتق بك يا جابر "
وقفت وقلت " إلا إن مت يا زهور وحده الشيء الذي
سيمنعني من تنفيذ ما تريدينه "
وقفت هي أيضا فقلت " لما لا يكون حفلا بسيطا اليوم
رضا يصر على ذلك , ليكن لعائلتنا وشقيقته فقط "
نظرت للجانب الآخر وقالت بضيق " لا أريد "
تنهدت وقلت " رغم انه ستكون جميع أمواله لك إلا أنه
اشترى خواتم الزواج وكان يريد شراء فستان العقد
هوا يتزوج للمرة الأولى راعي مشاعره على الأقل "
لاذت بالصمت كعادتها وكأنها تطردني فقلت
" من أجلي يا زهور يلبسك ما اشتراه فقط "
أنكست رأسها للأرض وقالت " من أجلك فقط وقليلا وأغادر "
تنهدت بضيق وقلت " حسنا قليلا وتغادري "
ثم غادرت من عندها وخرجت من جناحها , ما يجعلني أطيع
رضا معرفتي بمشاعره نحوها فمن جنونه بها حتى أنا شقيقها
لم يخجل أن يهذي بها أمامي وما يجعلني أسكت عن جنونها
في شروطها تلك أني لا أريد أن يتكرر معها ما حدث في
السابق , هذه المسالة الأخرى انتهيت منها بأيسر من سابقتها
نزلت للطابق الثاني وتوجهت جهة جناح والدتي طرقت
الباب ودخلت فكانت وخادمتها تلك معا فقلت
" اتركينا وحدنا "
خرجت وأنا أتبعها بنظري , كنت أنوي فعلا طردها
من القصر لكن وكما قالت أرجوان إن لم يزول السبب
لن يتوقف الأمر فستتجسس غيرها لأن والدتي ستضع
بديلة لها , لو لم أسمع حديثهما بأذني لشككت أنها تتجسس
لصالح شخص خارج القصر فلم أتوقع من والدتي أن تفعلها
نظرت لها ووضعت يداي في جيوبي وقلت " اليوم سنعقد قران
رضا وزهور وسيأخذها بعد نشر كتابه وقال شهرين أو أقل "
لم تتحدث ولم ترفع نظرها لي فيبدوا لن نخرج من تلك المشكلة
أبدا , قلت بضيق " أمي أنتي أخذت حقك بيدك وأنا تحدث
معها ولن تقول لك مجددا ما قالته فهل سننتهي من هذا "
قالت ببرود " لا أريد أقوال أريد أفعالا "
قلت بجدية " لن تثني كلمتي والقصر مراقب أسمع
وأرى كل ما يجري .... كلام قيل شخص يتجسس من
خلف الأبواب كله سيكون مسجل وسأشاهده "
نظرت لي بسرعة نظرة ثاقبة والصدمة تغطي
ملامحها ثم قالت " ماذا تعني بمراقب "
قلت وأنا أتجول بنظري على اللوحات المطرزة بيدها
ومعلقة على الجدار " أعني أن القصر مزود بنظام مراقبة
منذ وقت لكني لم أكن أشغله ويعمل آليا عند الخطر فقط
لكن الآن سيعمل على مدار الساعة وسأعود لكل ما
ما سيكون فيه ريبة , أي لن ينكر أحد إن قال شيئا "
قالت بضيق " وكيف هكذا مراقبين أين الحشمة يا جابر "
نظرت لها وقلت " الحمامات وغرف الملابس لا
لكن الكلام مسموع في أي مكان "
وقفت وقالت " والسبب "
أخرجت يداي من جيوبي وقلت " السبب من المفترض
أن تعرفيه لوحدك , من أجل حمايتكم أنا لا أضمن للغد ما
قد يحدث خصوصا بعد الجرائم الجديدة في البلاد "
قالت بامتعاض " وما نفع المراقبة , الحرس يكفون لذلك "
قلت مغادرا " لو لم تكن ذات نفع ما كنت كلفت نفسي
عناء تركيبها يكفي أنها كشفت لنا حقيقة الخدم والمربيات "
خرجت وأغلقت الباب خلفي وهذا الباب الثالث سددته
بقي بتول سأزور منزلهم فيما بعد , نظرت للساعة في يدي
وأنا أتجه جهة السلالم فكانت الثامنة ومرت إحدى الخادمات
فقلت وأنا أصعد " أريد الفطور في جناحي "
ثم توجهت للجناح من فوري دخلت وتوجهت للغرفة فتحت
الباب ووقفت أمامه مكتفا يداي لصدري أنظر بابتسامة
جانبية لما يجري أمامي
نهاية الفصل وإلى لقاء قريب بإذن الواحد الأحد