لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتملة (بدون ردود)
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-07-15, 05:31 AM   المشاركة رقم: 21
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل الثامن عشر)

 

الفصل التاسع عشر



النص بالمرفقات


 
 

 

الملفات المرفقة
نوع الملف: zip 9.txt.zip‏ (34.3 كيلوبايت, المشاهدات 25)
عرض البوم صور برد المشاعر  
قديم 05-07-15, 06:17 AM   المشاركة رقم: 22
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل التاسع عشر)

 

الفصل العشرون



النص بالمرفقات

 
 

 

الملفات المرفقة
نوع الملف: zip 10.txt.zip‏ (36.6 كيلوبايت, المشاهدات 15)
عرض البوم صور برد المشاعر  
قديم 08-07-15, 01:56 AM   المشاركة رقم: 23
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل العشرون)

 

الفصل الواحد و العشرون



النص بالمرفقات




 
 

 

الملفات المرفقة
نوع الملف: zip 11.txt.zip‏ (18.0 كيلوبايت, المشاهدات 16)
عرض البوم صور برد المشاعر  
قديم 08-07-15, 03:20 AM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2015
العضوية: 296080
المشاركات: 72
الجنس ذكر
معدل التقييم: مالكا قلبي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 44

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مالكا قلبي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل الواحد العشرون)

 

مرت عدة أيام على ذاك اليوم ونزار يرفض حتى التحدث

معي ومجرد أن ادخل مكان وهوا فيه يخرج ويتركني ولم

أذهب للمدرسة طبعا منذ ذاك اليوم , أعلم أني مخطئة

واعترف بخطئي فلما يأخذ مني كل هذا الموقف ولما غضبه

وتجاهله لي أمر لا أحتمله ويحرق قلبي حرقا ولا أجد سوى

البكاء وحدي وسيلة لتخفيف ذلك عني حتى جفت دموعي

نزلت متوجهة لغرفة خالتي أنظر للجرح في يدي بعدما

نزعت الشاش وبقي أثره لم يشفى بعد , دخلت وكان

نزار هناك فوقف وخرج من فوره طبعا دون حتى أن

ينظر ناحيتي , نظرت حينها لخالتي وقلت بحزن وهمس

" هل رأيتِ كيف يعاملني "

قالت بابتسامة " قد يكون يختبر معزته عندك "

تنهدت وقلت " ولما يختبرها أنا حقا لا أحب أن يغضب مني "

ربتت بيدها على السرير بجانبها وقالت " تعالي أفهمك شيئا "

توجهت نحوها وجلست رغم أني لا افهم شيئا فأمسكت يدي

وحضنتها بين كفيها وقالت " سما بنيتي الرجال التعامل معهم

ليس كالنساء , هل تذكري حين كان يود أن يعتذر منك ما فعل "

قلت بهمس " أشترى لي هدية "

قالت مبتسمة " وأنتي أول ما تفكرين فيه أن تعتذري أليس كذلك "

هززت رأسي بنعم فقالت " وهذا هوا الاختلاف , هوا لا

يعبر عن مشاعره مثلك بوضوح كذلك سيقبل اعتذارك

لكن ليس بطريقتك "

قلت من فوري " هل اشتري له هدية "

ضحكت وقالت " لا طبعا "

ثم تنهدت وشردت بنظرها للفراغ وقالت بحزن

" نزار تغير كثيرا منذ انتهت قصته مع رهام وجرحته

ذاك الجرح , كان شابا متفائلا يفكر كيف سيكون في

المستقبل وينظر له بإشراق , أحبها ورأى فيها مجدافه

للمستقبل ليكتشف أن ذاك المجداف مكسور فتحول لإنسان

متشائم لا يثق بأحد ولا حتى بنفسه ونظرته للحياة أصبحت

سوداوية والأسوأ من ذلك أنه بات ينظر لنفسه على انه

عاجز عن فعل أي شيء لأي أحد وهذا أكثر ما يدمر الرجال

يا سما هذا أكبر مطب قد يصطدم به الرجل لينهيه كرجل "

قلت بحيرة " ولما يرى نفسه هكذا ! بالعكس أنا لا أراه

رجلا عاجزا وفاشلا أبدا يكفي بره بك وتضحيته من أجلك

وما فعله لي لن أنساه ما حييت يا خالتي أبدا ما حييت

وما كان غيره ليفعله وحينما رأيت ما حدث لي من ذاك

الشاب يومها أدركت أكثر أنه يتميز عن غيره بالكثير

حتى أنه أخبره بأنه لن يبلغ عنه الشرطة كي لا يضيع

مستقبله وعله يستفيق لنفسه "

مسحت بيدها على خدي وقالت مبتسمة " نعم هذا ما

ينقص نزار ليعلمه وأنتي من عليه إيصاله له قبل غيرك "

قلت بحيرة " لما قبل غيري لم أفهم !! "

قالت بعد ضحكة صغيرة " كمسابقة التفاحة من يقفز أكثر

يقضمها ويفوز بها ويكون الأسرع بل الأذكى ولا احد يعلم "

ثم ضغطت على كفي بقوة وقالت " رهام كسرت شيئا

كبيرا داخل نزار تفاقم مع السنين وجعله ينظر لنفسه نظرة

استصغار ودعاء لم تتحلى بالذكاء الذي يجعلها تلمس ذاك

الوتر الحساس والذكية من تصل له وتعزف عليه بإتقان "

بقيت أنظر لعينيها بتركيز وأترجم ما تقول فقالت " إن كنتي

تريدين أن يقبل اعتذارك مسي ذاك الوتر فقط فيقبله مباشرة "

قلت بهمس " كيف ؟؟ "

ابتسمت ولم تتحدث ثم تركت يدي وقالت " ذكائك عليه أن

يفهمها وإن لم يفعل يكون الوقت غير مناسب لهذا يا سما "

نظرت مطولا لكف يدي الذي كان بين يديها استرجع ما

قالته , هي لم تقل شيئا مبهما ولا صعبا بل شرحت بكل

تفصيل فلما أشعر بأني لم افهم !! هوا الخوف فقط من أن

أجرب وأفشل , وقفت وغادرت غرفتها وعدت لغرفتي أفكر

في كل حرف قالته , رهام حطمت ثقته بنفسه وأصبح

يرى أن الناس لا تتق به ودعاء لم تُرجع ذاك في داخله لكن

كيف ألمس ذاك الوتر كما قالت ؟ أنا افهم معنى كل كلمة

قالتها لكن كيف أطبقه ! أنا حقا أشعر بالعجز

وبقيت على ذاك الحال طوال النهار أحاول صياغة ولو

جملة تشمل ما قالته خالتي وفي النهاية استسلمت ولكن ليس

لفشلي بل أن أترك الجمل تصوغ نفسها بما أن خالتي قدمت

لي المضمون على طبق من ذهب وكان بإمكانها أن تعطيه

لدعاء ولم تفعل , نزلت للمطبخ وكان حينها بداية المساء

وكان هناك فهوا لم يتركني اطبخ حتى بعدما شفيت يدي

أو أنا من لم تتجرأ أن تتحدث معه في الأمر وهوا غاضب

مني هكذا , وقفت عند الباب وكان يقطع البصل فنظر لي ثم

عاد بنظره على يديه ولم يتحدث ولا يمكنه الهرب مني طبعا

توجهت للطاولة سحبت الكرسي وجلست وقلت بهدوء ونظري

على يداي فوقها " نزار حلفتك بالله أن لا تخرج

وتتركني , استمع لي فقط على الأقل "

لم يتحدث ولم يلتفت لي ولم يخرج وهذا الأهم , تنفست بقوة

أهدئ اضطراب قلبي وقلت بهدوء " لو كان لي شقيقا اكبر

مني لما تمنيت أن يكون إلا مثلك لأنك تعرف كيف ترعاني

كفتاة ولو كان لي زوج ما حلمت أن يكون أفضل منك لأنك

تملك كل تلك المقومات وحتى ابني إن اخترت كيف سيكون

سأختاره مثلك ليكون لي كما أنت الآن مع والدتك , أنت لا

تعلم كم تذكرني بوالدي رحمه الله حتى خوفك علي مثله

تماما وأدركت بعد تلك الحادثة انه كان على صواب دائما

نزار أنت رجل يعرف كيف يكون في المقام الأول في حياة

كل من يحيطون به , وأنت لست شقيقي ولا ابني ولا زوجي

لكني لا أريد أن أخسرك في كل حياتي فقط ولو أن تذكرني

دائما بذكريات جميلة وتتحدث عني بالحسنى "

نزلت دمعة من عيني مسحتها وقلت " أنت قدمت لي ما

عجز عنه حتى من يمثلون العدالة في هذه البلاد ويحتمي

الناس بهم , ما عجز حتى رئيسها أن يعطيه لي وهوا

الأمان في أشد خوفي ولا أريد أن أخسرك أبدا , أنا آسفة

عدد شعر رأسي وأعترف أنني أخطأت , لا أريد مدرسة

ولا دراسة فقط لا تغضب مني "

زادت حينها دموعي ولحقتها عبراتي أخفي وجهي بذراعي

متكئة على الطاولة فسمعت صوت السكين وهوا يضعه في

المغسلة ثم بخطواته تقترب ويده تمسح على شعري ووصلني

صوته قائلا " توقفي عن البكاء يا سما لست غاضبا منك هيا توقفي "

سويت جلست ومسحت دموعي ونظري للأسفل لم أرفعه فعاد

لما كان يفعل وعاد للصمت أيضا فوقفت أشعر بكم هائل من

الفشل وخيبة الأمل وتوجهت جهة الباب لأخرج فأوقفني صوته

قائلا " تحدثت مع جابر وستدرسين في المنزل ووافق

أيضا أن نخرج للبحر لأنه مكان مزدحم وسيوفر لنا الحماية

لقد وافق بصعوبة فقط لأنه متأكد من بعدهم عنك , جهزي

نفسك سنذهب في الغد "

بقيت انظر له بصمت وهوا نظره على ما يفعل لم ينظر

ناحيتي أبدا ثم وضع السكين ونظر لي وقال " وأنا أيضا

لو كان لي شقيقة أو زوجة أو ابنة ما تمنيتهم أقل منك

أنا آسف أيضا أعلم أنني أناني وأفكر في نفسي فقط "

ارتسمت حينها على شفتاي ابتسامة وقلت بهدوء

" شكرا لك يا نزار "

لم أجد وقتها غيرها لأقولها لأنه لا كلمات قد تعبر عما

اجتاحني من مشاعر حينها ولو تركت العنان للساني لقال

مالا أحب أن يقوله أبدا , ثم غادرت مسرعة ودخلت غرفة

خالتي وقلت مبتسمة " لقد تصالحنا أخيرا ولم يعد غاضب مني "

قالت بابتسامة " جيد علمت انك ستفهمين مقصدي يا سما "

بعدها بوقت أدخل نزار الطاولة وجلب العشاء وجلس يتناوله

معنا ويتحدث ويحاول أن يبتسم لكن ليس كالسابق وكأن

ثمة ما غيّره فجأة لكنه أفضل بكثير من الأيام الماضية

وجميعنا تصرفنا وكأن شيء لم يكن وأمضينا وقتا تحكي

خالتي عن رحلاتهم سابقا للبحر وحكت عنه في طفولته حين

كانوا يأخذونه إليه وأنا أضحك وهوا غضب منها وصعد لغرفته

بسببها كأغلب المرات , نظرت لها وقلت مبتسمة

" أغضبته ككل مرة "

قالت ضاحكة " من يكره أن يحكوا له عن طفولته

هوا لا يقدر هذا النعيم "

نظرت للأرض بحزن وقلت " نعم فلن أجد أنا

من سيحكي لي عما نسيته من طفولتي "

قالت " لما لا نقرأ روايتنا ونترك عنا الأحزان

فنحن لم نقرأها منذ ذاك اليوم الحزين "

تنهدت وقلت بأسى " لا أحب أن أتذكره أبدا "

ضحكت ومدتها لي وقالت " هيا خذي لنعلم ما حدث مع رُدين "

أخذتها منها وعدت للجلوس مكاني وفتحت حيث وقفنا وقرأت

(( نظرت له بصدمة ثم قلت " ومن أخبرك أني أحبه "

وضع الصحن على الطاولة وقال " علمت وحدي "

بقيت أنظر له بحيرة يستحيل أن يعلم ! هذا خبيث يمارس

ذكائه علي ولأنه محقق يملك حيلا كثيرة بالتأكيد "

قلت ببرود " لعبة قديمة وسخيفة ومكشوفة أيضا "

رفع حبة لوز وفتحها وقال " فسريها كما تشائين "

بقيت أنظر له بتشكك وهوا منشغل بما يفعل , هذا الأحمق

يلعب بأعصابي وأفكاري ويريد إيهامي بأشياء غير موجودة

سأل إن كنت أحب اللوز الأخضر وليس لأنه يعرف فإن صادفت

هوا الرابح وإن فشل لن يخسر شيئا , كان يأكل ويرمي

القشور على الطاولة بعشوائية ثم قال

" ماذا ستدرسين في الجامعة "

نظرت له وقلت بسخرية " وقل ما أحب من

التخصصات أيضا يا ذكي "

رمى بقشرة أمامي تماما وقال ببرود ونظره عليها

" المحاماة "

وقفت حينها على طولي أنظر له بصدمة لم أستطع إخفائها

فرفع نظره لي ومد لي بيده مليئة باللوز الذي قشره وقال

" أنتي الخاسرة إن رفضتِ فلا يوجد غيره في الداخل "

قلت ناظرة له متجاهلة يده " لما تجمع كل هذه المعلومات

عني ومن أخبرك "

أعاد يده وقال وهوا يأكل منها " لم يخبرني أحد مجرد

لعبة سخيفة وقديمة وصادفت "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت بسخرية" لم أكن أعلم أني

مهمة لديك هكذا تتحرى عني وتترك أعمالك "

ركز نظره على خصري حيث أمسكه بيدي بنظرة غريبة

بتركيز فأنزلت يدي وقلت بحدة " أبعد نظرك يا وقح "

رفع نظره لعيناي لثواني بهدوء وصمت ثم أبعده عني

وقال ببرود " أنظري لإصبع يدك التي جهة الوقح "

رفعتها ونظرت لأصابعي وصرخت بكل صوتي انفض

من عليها الحشرة الخضراء الكبيرة وهوا يضحك علي

فتوجهت لحوض النعناع مغتاظة وأخرجت خرطوم المياه

منه فوقف وقال بتحذير " أقتلك إن فعلتها "

لكني طبعا من حرقتي ولأني رُدين التي لا تضيع حقها مهما

كانت النتائج رششته فورا بالماء ولم أتوقف حتى وصل عندي

فرميته علية وهربت عائدة جهة المنزل وما أن وصلت الباب

حتى شعرت بذراعين أمسكتاني من خصري بقوة ورفعتاني

عن الأرض وسارتا بي حيث كنا وأنا أرفس واصرخ لعل

عمي رياض أو عمتي سعاد يسمعاني وبلا نتيجة , وصل بي

عند حوض النعناع الكبير ورماني فيه بكل بساطة لأجد نفسي

في الماء والطين والحشرات , رفعت يداي ونظرت له وهوا

يقف يقطر ماءا وعيناه ستحترق من الغضب فأشرت له بإصبعي

وبدأت بالضحك , قد تكون حالة دفاعية فقط كي لا أشعره أنه

هزمني لكن شكله كان مضحك بالفعل , توجه جهة الخرطوم

رفعه ورشني به وأنا وسط سيقان النعناع الطويلة أشعر بالماء

والتراب تحتي أخفي وجهي بذراعي وهوا يرشني دون توقف

حتى صرخت به " يكفي .... يكفي هذا توقف يا فراس "

فرماه عليا وغادر فوقفت من فوري وأمسكته ولحقت

به أرشه من ظهره فالتفت لي ولم أتحرك من مكاني أرشه

بأكبر قدر أستطيع عليه فوصلني يحمي وجهه بذراعه

وأصبحنا نتشاجر على الخرطوم أنا أمسكه بقوة بكلتا يداي

وهوا يسحبه مني والماء يطير في كل اتجاه مرة عليه ومرة

علي أو في الأرض أو الهواء حتى توقف ضخ الماء فجأة

وأصبح الخرطوم بين يدينا لا شيء ينزل منه سوا بعض

القطرات , التفت للخلف ليرى من أغلقه وظهر لي من كانا

ورائه والده ووالته ينظران لنا باستغراب ثم انفجرا

ضاحكين على أشكالنا وتحرك فراس وقال بضيق مارا

بجوارهما " زوجوها بسرعة رجاءا "

أما أنا فبقيت أنفض يداي من الماء وأبعد شعري عن وجهي

وأبصق التراب من فمي وأمسحه حتى تحول الأمر لبكاء

أخفي عيناي بذراعي وأبكي بحرقة , أنا من النوع الذي

لا ترى دموعه إلا نادرا وها أنا أبكي للمرة الثانية

هنا وبسببه هوا في المرتين

اقتربت مني عمتي سعاد وأمسكت يدي وأدخلتني وأنا

على حالي أبكي بشدة وصعدت بي حتى غرفتي وأخرجت

لي ثيابا ووضعتها في الحمام وخرجت وقالت " أدخلي هيا

استحمي وغيري ثيابك وسيرا فراس عقابه منا وإن

فعلتها أنا وحدي وحقك لن يضيع "

جلست على الأرض ولم أزدد سوا بكاء وأنا عن نفسي

أستغرب لما ابكي هكذا , شعرت أني ابكي حزن كل سنيني

وعقباتها التي واجهتها بقوة وصمود حتى تعبت ثم وقفت

ودخلت الحمام استحممت ولبست ثيابي وخرجت جففت

شعري وأنا أشعر باستياء لم أشعر به حياتي لن يأخذ أحد

حقي إلا نفسي وسيرى , لم اخرج من غرفتي باقي النهار

ورفضت حتى أن أتناول العشاء ولم يغمض لي جفن

تلك الليلة حتى أشرقت شمس الصباح وما أن ذهب

ذاك المتوحش لعمله حتى جلست وأمسكت هاتفي انتظر

وأنظر لساعتي وبعدما مضى أكثر من نصف ساعة

على خروجه اتصلت بجوجو فقالت مباشرة

" مرحبا رُدين ما هذه المفاجئة "

قلت بابتسامة خبيثة " مرحبا جوجو أين أنتي الآن "

قالت من فورها " في عملي طبعا هل من مشكلة "

قلت مباشرة " أعطني فراس قليلا "

قالت باستغراب " من فراس "

قلت بصدمة " فراس ابنـ آآآآ أعني شقيقي

وشقيق أشرف "

قالت بعد صمت " وما علاقتي به أعطيه لك أنا

لا يعمل معي أحد اسمه فراس "

قلت بصدمة أشد " وأين تعملين أنتي "

قالت من فورها " موظفة في شركة تصدير "

كذب عليا أشرف ذاك المحتال ليأخذ مني ما يريد , قلت

" لكنه تعرف عليك عندما حييتني وأنا راكبة السيارة معه "

قالت بعد صمت " تلك أول مرة أراه فيها , أنا حقا لا اعرفه "

ضغطت على أسناني بقوة من الغيظ , أشرف المخادع

وها هي خطتي فشلت , لكن مهلا كيف عرفها إذا ولما

سألني إن كنت أعرفها , الحقيقة كلها عند أشرف , قلت

من فوري " شكرا لك يا جوجو يبدوا أني أنا من فهم

الأمر خطأ ولا تخبري أشرف رجاءا ... وداعا "

أنهيت المكالمة معها ورميت بالهاتف بعيدا عني ثم خرجت

من غرفتي وتوجهت لغرفة التنين النائم أشرف , فتحت الباب

ودخلت وهززته بقوة قائلة " أشرف استيقظ "

قفز جالسا وقال " ما بكم ماذا حدث لكم "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت بغيض

" حدث أنك كاذب وكذبت علي وخدعتني أيضا لكني أحفظ

رقم أسوم تلك ومرمر ووجدان وكل من رأيت

أرقامهم في هاتفك وسأنتقم منك "

قال بضيق " توقظينني لأجل هذا يا أفعى "

أخذت الوسادة وضربته بها على رأسه وقلت

" نعم فأنت الكاذب وأنا المكذوب عليه "

أبعد الوسادة عنه وقال " أنا لم أكذب عليك "

قلت بحدة " بلى كذبت وقلت أن جوجو تعمل مع فراس


وهي تعمل في شركة تصدير ولا تعرفه أيضا "

نظر لي بصدمة وقال " من أخبرك !! "

قلت بضيق ملوحة بيدي " علمت ولا يهم وإن لم تخبرني

بالحقيقة أفسد عليك كل مغامراتك يا قيس النساء "

عاد نائما في سريره وغطى رأسه فسحبت اللحاف

منه قائلة " قل الحقيقة أو ندمت على ما أخبرتني "

أعاد اللحاف على رأسه قائلا " جاءني بشعاراته الهابطة

مثلك عندما رآني معها لذلك عرفها فاتركيني وشأني "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت " لم أفهم "

جلس وصرخ بي " أخرجي حالا "

فهربت خارجة وأغلقت الباب من زمجرة هذا الأسد على

ظهور فراس من نهاية الممر فغادرت بخطوات مسرعة

لا أريد أن أراه حتى النظر هذا الوقح القذر , وما أن وصلت

لغرفتي حتى كانت ذراعي في قبضته ولفني حوله فقلت بتذمر

متجنبة النظر له " ماذا بقي لم تفعله جئت لتمارسه علي "

ضغط على ذراعي بقبضته بقوة وقال من بين أسنانه

" ماذا كنتي تفعلين في غرفة أشرف " ))

نظرت لها وقلت " يبدوا تعقدت الأمور أكثر "

قالت مبتسمة " ولن يسكت لها عليها طبعا أو تتوقعين العكس "

رفعت كتفاي وقلت " لا أعلم لا أستطيع أن أتوقع شيئا "

ثم قلت بحيرة " لكن هل أخطأت بدخولها لغرفته "

قالت " نعم هوا يبقى رجل ولكلن حدوده "

قلت ونظري للأرض " لكني أدخل غرفة نزار ليشرح لي

بعض المسائل أو آخذ ثيابه أو أضع المكوية وهوا موجود

هل أكون مخطئة مثلها "

وصلني صوتها مبتسمة " لا خوف من ابني نزار وأعرفه

جيدا ورُدين دخلت غرفته وهوا نائم أما أنتي فتطرقين

الباب أليس كذلك "

نظرت لها وهزت رأسي بنعم وقلت

" ولا أدخل أبدا إن لم يأذن لي "

ثم قلت بشرود " لكنه لا يدخل غرفتي أبدا وإن أراد شيئا

قال لي أن أخرج للممر ليتحدث معي , إذا أنا

مخطئة أليس كذلك "

قالت بعد ضحكة " لو رأى أنك مخطئة لن يخجل من

قولها لك وتعرفين نزار جيدا ثم غرفة الفتاة ليست كغرفة

الرجل ولا يجوز أن يدخلها إلا إن كان مُطرا "

تنهدت واكتفيت بالصمت فمدت يدها وقالت

" هاتي هيا وللنوم لتستيقظي باكرا من أجل الرحلة للبحر "

وقفت و مددتها لها وقلت مبتسمة " أجل عليا أن أنام

باكرا لأستيقظ باكرا نشيطة "

وعند الصباح استيقظت منذ الفجر وكانت فرحتي لا

توصف لأني سأخرج أخيرا من المنزل , جمعت كل ما قد

نحتاجه من أغراض هناك وجهزت نفسي وطرقت باب

غرفته ففتحه يتثاءب وقال " سما ما كل هذا النشاط "

قلت بتذمر " نائم حتى الآن وأنا أنتظر أن تنزل

في أي لحظة !! بسرعة نحن جاهزتان "

خلل أصابعه في شعره وقال بعين واحدة مفتوحة

" البحر قريب لما كل هذه العجلة منذ الفجر "


أدرته للخلف ودفعته جهة الحمام وأنا أقول

" بسرعة أمامك عشرون دقيقة فقط وتكون في السيارة "

ثم خرجت من فوري ونزلت للأسفل وساعدت خالتي

لتجلس على الكرسي ووضعت جميع الأغراض عند الباب

وأخرجتها للصالة على نزول نزار قائلا بابتسامة

" ما كل هذا النشاط يا كسولتان "

قالت خالتي ضاحكة " بقي أن تشغل لك السيارة

فقط وتناديها بالكسولة "

وصل عند كرسيها وأخذه مني فأعدته منه قائلة

" ضع الأغراض في السيارة أنا من سيوصلها هناك "

قال وهوا يتوجه جهة الباب " بل أنتي من تخرج للسيارة مباشرة "

نظرت لي خالتي للأعلى وقالت " ما كل هذا التدليل

ما الذي قلته له بالأمس "

شعرت بالدماء تصعد لوجهي من الخجل وقلت ونظري

للأرض " دائما يحرص على هذا كي لا يعرفني

أحد قد يكون يبحث عني "

قالت وهي تحرك العجلات بيديها " ذلك كان في السابق

أما الآن فلا حاجة له وها قد سمحوا لك حتى بالذهاب

للبحر وليس فقط الوقوف لدقائق في الشارع "

دخل حينها نزار وأمسك بيدا كرسيها وسحبها خارجا

بها وتبعتهم لأرى إن كان كلامها صحيحا ووقفت معهم

في الشارع حتى انزلها وأركبها السيارة ووضع الكرسي

في حقيبة السيارة وبالفعل لم ينبه علي للصعود ثم

قال وهوا يتوجه لبابه " يبدوا ستبقي هنا "

ابتسمت وفتحت الباب الخلفي وصعدت وقلت وأنا

أغلقه " أرأيتِ خالتي يريد إبقائي هنا "

ضحكت وقالت " الرحلة كلها من أجلك كيف نبقيك "

انطلق قائلا " كنت سأخبر عوني يأتي معنا لولا

تيقني من رفضك يا أمي "

قالت خالتي " لا نريد أن نمضي الوقت نراقب الأطفال

وتركضون خلفهم , وحدنا أفضل "

نظر ناحيتها وقال " وكيف ستفعلين مع أحفادك الذين

تنتظرينهم وتريدين الخروج معهم "

ضحكت وقالت " سأقوم وحدي بالواجب أنت فقط تزوج "

غريب ذكر نزار للزواج ! أول مرة يتحدث عن شيء يخص

هذا الأمر , تُرى كيف كان في الماضي إن كان كما قالت

خالتي أنه تغير كثيرا بعدما تركته رهام !

وصلنا سريعا وكان عدد الناس قليل , نزلت من السيارة أنظر

للبحر وأشعر أني تحررت من قيود كثيرة , ما اغرب هذا

الشيء يشعرك بالحزن والفرح والراحة في آن واحد وأهم

شيء يشعرك فعلا بوجودك

نظرت للناس بحزن وتذكرت خروجي في السابق وعائلتي

له وشعرت بالكآبة غزت فرحتي وأفسدتها , التفت للخلف

فجأة فكان نزار يُنزل خالتي وحملها بين ذراعيه لأنه طبعا

لا يمكن للكرسي أن يتحرك على الرمال ثم قال

" سما أحضري الكرسي رجاءا "

توجهت بسرعة له ورفعته بصعوبة وتبات حتى وضعته

في مكان بعيد قليلا ومناسب وعاد هوا جهة السيارة ينزل

باقي الأغراض وبقيت أنا مع خالتي وعيناي لم تفارق البحر

لحظة وكأني أغسل نفسي بمياهه ثم اقتربت بضع خطوات

من الشاطئ حتى أصبح صوت أمواجه في أذناي وكأنه يتحرك

في رأسي ثم عدت سريعا جهة خالتي وأمضينا الوقت نتحدث

عن كل شيء أمامنا وأعددنا الطعام والشاي , كان كل شيء

ممتع رغم أن نزار كان يتجنبنا طوال الوقت وكأنه يهرب من

التحدث إما يشوي أو يرتب الأغراض أو يشرد بعينيه حيث

الأطفال وبعدما صلينا الظهر جلس مبتعدا عند صخرة كبيرة

ينظر للبحر بشرود لوقت طويل وعيناي لم تتوقفا عن النظر له

بين الحين والآخر وأنا أتأمله ببنطلونه الأسود وقميصه الأسود

أيضا والجمجمة المرسومة على ظهره بخطوط بيضاء رقيقة

مع بياض ذراعيه ووجهه وسواد شعره ولحيته الخفيفة , كان

الهواء يحرك شعره بطريقة غريبة تجعلك تتأمله دون توقف


ولا ملل , لأول مرة يرتدي ملابس كلها سوداء هكذا

لا أعلم لما يبدوا لي حزينا وكئيبا وكأنه مثلي حين نزلت وكأن

البحر قد ذكّره بذكرى قديمة وحزن كبير , كانت الإذاعة عند

برج المراقبة تصدح بأغاني أجنبية منذ وصلنا وفجأة وقفت

الأغنية وغيروها بواحدة عربية , كانت من قصائد نزار قباني

تغنيها مغنية أسمها غادة رجب , أعرفها جيدا فوالدتي كانت

تحب جميع الأغاني المغناة لذاك الشاعر لحبها له وتسمعها

من أشرطة الكاسيتات لأن والدي كان لديه تحفظات كثيرة

بشأن التلفاز , عم صوتها الأرجاء وهوا ينتقل مع الريح قائلة

( لماذا تخليت عني إذا كنت تعلم أني أحبك أكثر مني لماذا )

امتلأت حينها عيناي بالدموع وأنا أراقبه على وقع تلك

الكلمات على مسامعي , لم أكن أهتم لها في السابق ليس فقط

لأني لا افهمها لكني لا اشعر بها , وما أن كررتها مجددا

( لماذا تخليت عني إذا كنت تعلم أني أحبك أكثر مني لماذا )

حتى خلل نزار أصابعه في شعره ونظر للجانب الآخر

وأخرجني حينها صوت خالتي من أفكاري قائلة

" نزار لا يعجبني أبدا هذه الأيام "

نظرت لها بصدمة فتابعت ونظرها عليه " عيب الرجال

أنهم لا يفتحون قلوبهم بسهولة والأم آخر من يستطيع أن

يجد حلا لفلذة كبدها وهذا أكثر ما يتعبها "

نظرت له فكان يمسك ذراعه بيده الأخرى ويقبض عليها

بقوة تكاد أصابعه تخترقها ونظره لازال للأفق , شعرت

بغصة اعتصرت قلبي ودموعي تستعد للنزول وقلت ببحة

" والحل يا خالتي "

تنهدت وقالت " نزار يحتاج لمن يغسل حزنه ويجبر كسوره

لكنه يكابر ويعاند ويفرض على نفسه الخيارات الخاطئة ويتمسك

بأفكاره وشعاراته وكبريائه وسيخسر الكثير ولا يدرك ذلك "

نظرت لها وقلت بحيرة " خالتي كلامك مبهم جدا لما لا أفهمك "

ابتسمت وقالت " أنا أفضفض عن خاطري فقط , ما رأيك

أن تذهبي له لا أحب عزلته هكذا , أشعر انه يسجن نفسه في

حزن قديم فاستخدمي ذكائك مجددا وأخرجيه منه ولو الآن فقط "

بقيت انظر له لوقت , قد لا يكون ذكائي من جعله يرضى عني

يوم أمس وهي المصادفة ليس إلا لكني حقا أتألم لرؤيته هكذا

وخصوصا بعد كل الكلام الذي قالته خالتي , وقفت دون تردد

وتوجهت نحوه بخطوات بطيئة حتى وصلت ووقفت خلفه

مباشرو وهوا لم يشعر بي وقلت بهدوء " هل أجلس "

نظر للأعلى حيث وجهي فنظرت للأسفل وقلت بذات هدوئي

" لو كنت تريد البقاء وحدك أخبرني ولن أغضب منك أبدا "

عاد بنظره للبحر وقال " أبدا ... يمكنك الجلوس يا سما "

ابتسمت برضا وجلست بجانبه وغلب الصمت على جلستنا

هوا لم يقل شيئا وأنا ضاعت مني الحروف وكأني لم اجلس

حياتي بقربه , لكن حقا لم يكن قريبا هكذا حتى أنه لو حرك

ذراعه ستصطدم بذراعي مباشرة , قلت بعد قليل ونظري

عليه " نزار هل أسالك سؤالا تجيبني عليه بصدق "

قال ونظره لم يغادر الأفق " نعم "

ولم يزد شيئا فتمنيت أني لم أتحدث فيبدوا لا يريد إلا سجن

نفسه كما قالت خالتي , نظر حينها باتجاهي وقال

" ماذا كنتي تريدين أن تسألي "

وقفت وقلت " إنسا الأمر يبدوا أني أزعجتك حقا "

وهممت بالمغادرة حين قال " أجلسي يا سما "

التفت له وقلت مبتسمة " لا تقلق لن أغضب من ذلك

وسأتركك وحدك "

قال وهوا يشير بنظره حيث كنت جالسة

" أجلسي أو غضبت أنا منك "

عدت للجلوس حاضنة ساقاي وقلت مبتسمة

" لا رجاءا فأنت إن غضبت يصعب إرضائك "

قال بصوت مبتسم " ولا تنكري أني لا أغضب بسهولة "

قلت ونظري على قدماي " لا أنكر ذلك أبدا "

قال وهوا ينظر لي " هل ستسالين سؤالك أم غيرتي رأيك "

نظرت لوجهه وشعرت بقلبي ينبض بشدة حتى خيل إلي انه

يسمعه فهربت بنظري وعدت به لقدماي فوق تلك

الصخرة وقلت بهدوء " أمازلت غاضب مني "

لاذ بالصمت لوقت ثم قال بنبرة استغراب

" لما هذا السؤال يا سما !! "

رفعت نظري للأفق وقلت " لأنك لست كما كنت وكأنك

غاضب من احدهم بشدة , وليس غيري حمقاء تخطئ دائما "

قال من فوره " لا تقلقي لست غاضبا منك أنتي

ولستِ حمقاء أيضا "

نظرت له وهوا ينظر للبعيد وقلت " ممن إذا "

أنزل يده للصخر وأخذ حصا صغيرة ورماها في البحر

وقال ونظره حيث سقطت " غاضب من نفسي "

لم اعرف ما أقول بقيت أنظر لملامحه بشعور لم استطع

تفسيره سوى بشيء واحد لم أفكر فيه من قبل أبدا وهوا أني

أردت أن أحضنه ولو لدقيقة واحدة فقط ومرة واحدة أيضا

عاد الصمت مجددا وعيناي معلقتان به لتتخلله كلمات الأغنية

بوضوح ( وخلفت هذي الصديقة هنا عند سور الحديقة على

مقعد من بكاء .... لماذا ) فرفع نظره للبحر مجددا وقال

بهدوء " تعجبني كثيرا هذه الأغنية "

شعرت بدمعتي طارت مع هواء البحر , هوا لم يراها

بالتأكيد وخدي لم يحتضنها لأنها طارت من عيني مباشرة

ولا أعلم أين استقرت , مسحت طرف جفني بأصابعي

وقلت بحزن " والدتي كانت تسمعها دائما , لم أكن افهم

يوما معناها لكني الآن فهمت كم هي جميلة وحزينة

وتعبر عن الجرح والخذلان "

نظر حينها ناحيتي لتقع عيناه على عيناي مباشرة وقال

" سما هل أسألك أنا الآن سؤال تجيبي عنه بصدق "









****************************************************

******************************************








وقفت أنظر لها باستغراب بل باستنكار , كيف تدخل

جناحي دون حتى أن تطرق الباب وتأخذ الإذن , كتفت

يداها لصدرها وقالت بحقد " من تظنين نفسك يا ابنة فارس

لا تغتري كثيرا بما بثي فيه ولا تفرحي بصمتي عن تجاوزاتك "

كتفت يداي لصدري مثلها وقلت بسخرية " وما تسمين

دخولك هكذا يا من تحترمين المظاهر والأخلاقيات فحتى

ترف تربية ابنة فارس لا تدخل قبل أن تطرق الباب "

قالت ببرود " أعتقد أن القصر قصري إن نسيتي "

قلت بابتسامة جانبية " وإن نسيتي أنتي أيضا أنا

زوجة ابنك وله ما لك هنا يا سيدة القصر "

قالت من بين أسنانها " لا تفكري في فرض أرائك

هنا لأني حتى الآن لم أضعك في رأسي "

قلت ببرود " أنا لم أفرض رأي على أحد ولم أمسسك

بشيء فانفخي ريشك على من كان السبب "

قالت بسخرية " جميل وتؤلبيني على ابني أيضا

يا ابنة خريج السجون "

أنزلت يداي جانبا وقبضت عليهما بقوة وقلت بحرقة

" شرف لي وإن كان تاجر مخدرات أيضا "

قالت بذات سخريتها " لن أستغرب أن تكون ابنته هكذا إذا "

قلت بغيض " بل أنتي التي لا تستحق الأبناء ويفترض

بهم سجنك على جرمك حيالهم "

برز عرق جبينها الواسع من الغضب وقالت بحدة

" وما لا يعجبك في تربيتي يا ابنة الحسب وأحدهم

من انتشلك من مزبلتك وشرّفك بين الناس "

كتمت كل ألمي وغصتي وقلت بثبات " أنا لم أضربه

على يده لينتشلني من مزبلتي ولولا من خفت أن تضيّعيهم

كما ضيعتي من قبلهم ما قبلت بهذا الشرف والعز "

قالت بحقد " احترمي نفسك واحترميني , أنا ربيت وكبّرت

ولم أترك أبنائي وأسافر ليربيهم الشارع "

قلت بابتسامة جانبية " والنتيجة ابنة سجينة غرفتها محرومة

حتى من بهجة الحياة فاتنة الجمال يفترض أنه يزحف خلفها

الرجال وليس مطلقة ومعقدة , وابن يهرب أكثر مما يقيم

هنا فقط لأنه ليس على تربيتك , ولا تفتخري بجابر ومركزه

وقوته فداخله ميت بسببك لا يعرف كيف يسعد نفسه قبل أبنائه

لقد دمرتهم مع مرتبة الشرف يا فاضلة فلم أرك يوما اجتمعتِ

معهم ولا على طاولة طعام , قصر ميت بلا حياة لا أعرف

كيف تكوني أم وأنتي بهذا التحجر حتى أصوات ضحك

ولعب الأطفال التي لا يضاهيها شيء في الوجود

تكرهينها , من أي نوع من البشر أنتي بالله عليك "

أشارت لي بسبابتها وقالت " من النوع الذي سيكسر أنفك

هذا ولا يأخذك الغرور أن تضني أن جابر سيضع كلمتك

فوق كلمتي تفهمي "

قلت بهدوء " أنا أرأف لحالك وحالهم لا أحقد عليك وأكرهك

كما تضنين فاستفيقي لنفسك ولعائلتك قبل أن تنهار

أكثر وأنتي تتفرجين عليها "

صفقت بيديها وقالت " شكرا لن تغريني بأطروحاتك كغيري "

توجهتُ جهة الباب حيث تقف وقلت وأنا أفتح مقبضه

" لا أريد أن أخطأ في حقك أكثرا من أجل ابنك وليس من أجلك "

وما أن أدرت المقبض أكثر حتى شعرت بذراعي تسقط للأسفل بقوة





*

*





فتحت الباب وقلت وهوا يتبعني " بما أني متأكد من أنه

لن يصل هنا حيا فلن أتعب نفسي ككل مرة فلدي أمور

عائلية عالقة عليا إيجاد وقت لها أيضا لذلك يوم غد انسوا

أنه هناك مخلوق على وجه هذه الأرض يدعى جابر حلمي "

ثم ركبت سيارتي وأغلقت الباب خلفي فوقف مستندا

بالنافذة وقال " اترك هاتفك مفتوحا إذا "

شغلت السيارة وقلت " بل سأغلقه من الليلة "

عدل وقفته وقال " جيد كي لا تلقي باللوم على أحد

إن جد شيء ولم تعلم "

انطلقت قائلا " لن يتركوا لنا جديدا اطمئن ووجودي

كعدمه ... وداعا "

ثم زدت سرعتي وتوجهت فورا لمدينتي وللقصر , نظرت

للساعة في يدي فكانت الحادية عشرة فرفعت هاتفي واتصلت

برضا فأجاب وقلت من فوري وأنا أنتظر بوابة القصر تفتح

أمامي " غدا عند الغداء تكون هنا ونتم كل شيء "

قال مباشرة " وأخيرا رأفت بنا سيد مشغول "

ابتسمت وأنا أعبر البوابة ولم أعلق فقال

" لا تعتذر في الغد أو أجدك غير موجود تفهم "

أوقفت السيارة وقلت " لا تخف ما بك لا تثق في كلامي "

قال ببرود " أرى أن نتم الأمر فجرا لأني من كثرة

ما أتق بك لا أستأمنك حتى وقت الغداء "

أغلقت باب السيارة وقلت ضاحكا وأنا أدخل بخطوات

سريعة " لا تقلق كن أنت على الموعد فقط , هيا وداعا "

أنهيت الاتصال منه وصعدت وما أن وصلت لممر جناحي

حتى فوجئت بترف و بيسان وحتى أمجد يجلسون أمام بابه

وسيلا تقف معهم وما أن رأوني حتى انطلقوا نحوي ركضا

وتعلقتا الفتاتان بي تبكيان وأمجد أمسك يدي يسحبني ولم

أفهم شيئا مما يقولونه لأنهم يتحدثون مع بعض وترف

تبكي بصوت مرتفع فقلت بضيق " اهدءوا لأفهم شيئا "

سكتا بيسان وأمجد وترف على حالها فرفعتها وقلت

موجها حديثي لسيلا " ما بهم وما تفعلون هنا ومن

المفترض أنهم نيام منذ ساعة "

قالت من فورها " السيدة أرجوان في الداخل تبدوا متعبة

أو لا أعلم , قالت لا أحد يدخل لها ولا حتى الأولاد وهم

رفضوا التحرك من هنا ويبكيان دون توقف وأنا وأمجد

لم ننجح في إسكاتهما "

نظرت لباب الجناح بحيرة ومسحت الدموع من خدا

ترف قائلا " توقفي عن البكاء هيا هي بخير "

ثم نظرت جهة سيلا وأعطيتها إياها قائلا

" خذيهم لغرفهم حالا "

أمسكت ترف مني وقالت بيسان ببكاء

" لكن نريد أن .... "

قاطعتها بأمر " لغرفكم فورا وستأتيكم هناك

إن لم تكن متعبة "

انصاعوا مكرهين وغادروا برفقتها وأعينهم عندي للخلف

فراقبتهم حتى اختفوا ثم فتحت الباب ودخلت , غريب يستحيل

أن تبعد أرجوان الأطفال عنها ! لا وتتركهم في الخارج

وتمنعهم من الدخول ولا تهتم حتى إن ناموا أو لا , عندما

غادرت فجرا كانت بخير فما جد الآن ! كان الجناح يعمه

السكوت توجهت لباب الغرفة وفتحته فكانت نائمة على

السرير تخفي وجهها بإحدى ذراعيها والأخرى تحت وسادة

بجانبها وتبدوا نائمة , لكن سيلا قالت أنها متعبة ثم هي لا

تنام في النور أبدا , اقتربت من السرير وقلت

" أرجوان "

رفعت ذراعها عن وجهها ونظرت لي وكانت عيناها

متورمتان من البكاء , لا تكون تشاجرت مع والدتي ويا

ليلتك الليلة يا جابر , توجهت نحو الخزانة وفتحت أحد

أبوابها قائلا " الأطفال وجدتهم جالسين على الأرض في

الممر يبكون وأنتي نائمة وهم يضنون أنك مريضة "

وصلني صوتها قائلة " متعبة قليلا وأخبرت سيلا

لا تتركهم وتضعهم في أسرتهم "

أخرجت المنشفة والتفت فكانت تغطي وجهها بذراعها

مجددا وصوتها لم يكن طبيعيا , اقتربت منها وقلت

" هل ذهبت للمستشفى أو اتصلتم بالطبيب "

قالت دون أن تتحرك " الأمر لا يحتاج سأكون بخير "

دخلت الحمام وتركتها , صحتها وهي أدرى بها المهم لا

لائحة طويلة عريضة من الشكاوى وشجار كما ضننت

استحممت وخرجت وجلست على الطرف الآخر للسرير

واتصلت بعمي منصور فأجاب بعد قليل قائلا

" جيد لم تتذكر رضا وتنسني "

قلت مبتسما " لا لم أنساك قطعا لكن موضوع رضا

كما تعلم سيأخذ وقتا فتحدثت معه أولا "

قال ضاحكا " لا يحتاج أن تبرر يا ابن أخي المهم أنك بخير "

قلت " وما لديكم أنتم ذاك المنزل تطاردونني طوال الوقت "

ضحك وقال " احترم عمك يا ولد "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " على رأسي أنت

وعائلتك جميعهم فأمرني "

قال بهدوء " بتول يبدوا مات لسانها "

اتكأت للخلف ونظرت جهة أرجوان وقلت

" مستحيل تمزح أكيد "

قال مباشرة " بل حقيقة ولا تجيب علينا ومهما حاولنا ولم

تعد تذهب للمدرسة , تعال تحدث معها أنت حلنا الوحيد "

أمسكت يد أرجوان التي تغطي بذراعها وجهها وأنا أقول

" وأين زوجها عن كل هذا "

عقدت حاجباي باستغراب من حرارة أصابعها وسمعته

يقول " هوا أكثر من تقاطعهم ولم ترد عليه أيضا "

قلت باختصار وأنا أضغط على يدها بين يدي ونظري

على عيناها المنسدلتان للأسفل شبه مغمضتان

" حسنا سأرى إن استطعت غدا أن أمر بكم "

قال من فوره " أتمنى ذلك تعلم أني لا أريد أن

أقسوا عليها بعد كل هذا وداعا الآن "

أبعدت الهاتف عن أذني ومررت يدي الأخرى على

ذراعها وقلت " أرجوان حرارتك مرتفعه انهضي

هيا آخذك للمستشفى "

سحبت يدها مني وأعادتها حيث كانت وقالت بشبه

همس " سأكون بخير لقد انخفضت كثيرا "

تأففت وقلت بضيق " لا أريد أن أكون منتصف

الليل في المستشفى فدعيني آخذك الآن "

قالت باختصار " أنا بخير "

تركتها وغادرت السرير وتوجهت لغرفة الملابس ولبست

بنطلونا رياضيا اسود اللون بخطين أبيضان على جانبيه

وقميص أبيض بكتابة سوداء وخرجت وتوجهت للأريكة

وقربت الطاولة منها قليلا وفتحت حاسوبي وانشغلت به

ما يقارب الساعة ونصف ثم نظرت جهتها فكانت على

حالها فوقفت وتوجهت نحوها وأبعدت ذراعها ولمست جبينها

فكانت حرارتها كما هي لم ترتفع ولم تنخفض أكثر

خرجت من الغرفة ومن الجناح كله وتوجهت لغرف الأطفال

دخلت غرفة أمجد فكان نائما فتوجهت لغرفة الفتاتين وكانتا

في سريريهما لكن ثمة صوت بكاء مكتوم وأحدهم يتكلم

بخفوت وتمتمة فدخلت ببطء واقتربت من بيسان فكانت

نائمة فنظرت لسرير ترف فكانت تخبئ رأسها تحت الوسادة

وتبكي وتتمتم بكلام غير مفهوم فتوجهت نحو سريرها

واقتربت منها أكثر حتى وضح لي صوتها فكانت تقول

" يا رب لا تموت ماما لا تموت , لا تأخذها منا "


هززت رأسي مبتسما ونزعت الوسادة عنها فجلست من

فورها تنظر لي وعيناها تلمعان من الدموع في ضوء

الغرفة الخفيف فحملتها من السرير وقلت بصوت منخفض

" ترف هل أنتي طفلة تتصرفين هكذا "

نامت برأسها على كتفي وقالت بعبرة " أريد ماما "

خرجت بها من هناك وعدت للجناح أدخلتها معي للغرفة

وأنزلتها عند السرير وقلت " أرجوان تحدثي معها

لتتأكد انك بخير تضنك ستموتين "

رفعت ذراعها عن وجهها وجلست بمساعدة تلك اليد

فقط ومدتها لها قائلة " تعالي حبيبتي أنا بخير لا تقلقي "

صعدت لها للسرير ونامت في حضنها وهي تمسح

على شعرها قائلة " لما تبكي ترف ألم أقل لكم أني بخير

وسأنام , لما تتعبون والدكم وسيلا هكذا "

ضمتها بذراعيها ونامت على صدرها وقالت بشهقة

" ظننتك سترحلين كوالدتنا ولا تعودي "

مسحت دمعة نزلت من طرف عينها وقالت " لن ارحل

بنيتي هيا عودي لغرفتك ونامي أنا بخير كما ترين "

ابتعدت عن حضنها وقالت " ويدك لم تعد تؤلمك ؟ "

نظرت ليدها من فوري وبحيرة فكانت متورمة وحمراء

جهة الرسغ لذلك لم تحركها وأنا لم أنتبه , لففت للجانب

الآخر من السرير وجلست فوقه واقتربت منها وشددت

يدها بيدي قائلا " أرني ما بها يدك "

سحبتها وقالت بتألم " آي جابر بالرفق "

سحبتها مجددا ولم آبه لتألمها وحرّكتها على صرختها

المتوجعة وقلت بحزم " ما بها هكذا يبدوا شعبا فيها وأنتي

تخفينها بالوسادة وتقولين انك بخير "

قالت برجاء ودموعها بدأت بالنزول

" جابر لا تحركها أرجوك "

غادرت السرير وتوجهت للخزانة وقلت بحدة وأنا

أفتحها وأخرج ثيابا داخلية " قلت لك منذ البداية نذهب

للمستشفى وترفضين وتخفين أمرها عني أيضا يا

أرجوان , لا أعلم كيف تفكرين "

كنت سأنزع ثيابي حين سمعت صوت ترف

تقول ببكاء " ماما لا تبكي ... هل تؤلمك "


فنفضت قميصي الذي كدت أنزعه ناسيا أمر الصغيرة

التي هنا وتوجهت لغرفة الملابس غيرت ملابسي هناك

وخرجت وأخرجت عباءتها وألبستها لها ومررت يدها فيها

بصعوبة وقلت وأنا أعدلها " ما الذي حدث لك أصبحت هكذا "

قالت بألم " كان حادثا بسيطا وظننتها ستكون أفضل في الغد "

لففت حجابها ولم أعرف كيف أتصرف فيه وما يدريني

أنا بهذه الأمور وعندما عجزت وهي تساعدني بيدها

اليسرى تأففت وعدلته من منتصفه على رأسها ورميت

طرفاه للخلف وسرت قائلا " ألحقيني للسيارة "

ثم نزلت مسرعا حتى وصلت السيارة وفتحت لها الباب

وخرجت هي بعد قليل تتبعها ترف وركبت وبقيت تلك واقفة

تنظر لنا وكل دمعة تلحقها الأخرى فتوجهت جهة بابي

وقلت ناظرا لها " أدخلي يا ترف ولغرفتك فورا

نحن سنعود سريعا "

أخفت عيناها بذراعها ودخلت في نوبة بكاء فقلت

من بين أسناني " يا ليلة جابر الليلة "

أنزلت أرجوان زجاج نافذتها وقالت " ترف تعالي "

رفعت ذراعها واقتربت منها فأدخلت أرجوان يدها تحت

وشاحها تحركها لوقت ثم أخرجتها وفيها السلسال الذي

ألاحظها تقتنيه دائما ومدته لها وقالت

" اتركيه لديك لتتأكدي أني سأعود بنيتي "

أخذته منها وقالت من بين شهقاتها " سترجعين إليه أليس كذلك "

هزت أرجوان رأسها بنعم فدخلت ترف راكضة ثم وقفت

وألقت علينا نظرة من عند الباب ثم دخلت مسرعة فركبت

السيارة وانطلقت خارجا من القصر للمستشفى فورا , وصلنا

ونزلت وهي تتبعني حتى دخلنا حجرة الطبيب وأنا معها

كشف عليها ووقف وقال " سنصورها رغم أنه واضح

انه تشعب بسيط لكن لكي نتأكد "

قلت من فوري " وهل ترتفع الحرارة بسببه شككت سيكون كسرا "

قال وهوا يتوجه جهة الباب " لهذا أريد أن أتأكد بالصورة "

وقفت أرجوان وخرج ونحن نتبعه ثم دخلا لقسم الأشعة

وبقيت أنا في الخارج وأغلب من مر بي يعرفني وكرهت

نفسي من قول ( شكرا لاهتمامك زوجتي متعبة قليلا فقط )

ربطوها لها بجبيرة خاصة ووصف لها بعض الأدوية

والمسكنات وغادرنا من المستشفى للصيدلية للقصر

نزلت أرجوان قبلي وأنا خلفها بمسافة وما أن وصلنا

الطابق وكما توقعت توجهت من فورها لممر غرف

الأطفال فهي هناك في المستشفى وقلبها هنا مع ترف

لحقتها لا أعلم وقت فراغ ليس لدي أين أقضيه أم فضول

رغم أني أعرف ما يكون , توجهتْ لغرفة أمجد أولا

وكعادتها طبعا تخرج لهم كل ليلة مرتين كحد أدنى

وأمجد في عمره هذا كله لازالت تغطيه ليلا أكثر من

مرة , وقفت عند الباب ووجدتها تسحب اللحاف من

تحته بيدها اليسرى لتغطيه جيدا فهوا ينام فوقه ولا

يشعر حتى بسحبها له فقلت بصوت منخفض

" اتركي عنك كل هذا الليلة ألا تري أن حالتك لا تسمح "

نظرت لي وقالت " تعال غطه أنت لم أستطع "

قلت ببرود " قلت ما قلت لتذهبي لغرفتك وترتاحي

لا أن تجعليني أقوم بأعمالك اليومية "

قالت بضيق " أعتبره أحد من يلجئون

لمكتبك بقضاياهم ولو مرة "

تركتها وغادرت فتبدوا لديها طاقة من الغضب تود

تفجيرها بي , أستحق هذا لأني لحقت بها منذ البداية

دخلت الجناح وشغلت التلفاز وجلست أقلب القنوات

ومر الوقت ولم أرها دخلت , وقفت وأطفأت التلفاز

ودخلت الغرفة غيرت ثيابي وأطفأت النور ونمت على

السرير , يبدوا قررت أن تنام هناك وما ذنبي أنا تلوي

معصمها وتنفث غضبها بي ... حسنا هي لم تقل لي شيئا

وما معنى تصرفها هذا منذ متى تنام مع الأطفال وتتركني

نمت بعد وقت ولم استيقظ إلا على أذان الفجر فتحت عين

واحدة ووجدت النور مشتغل والتكييف مطفئ وأرجوان

تفتح الستائر عن الشرفة ثم فتحتها فأغمضت عيني مجددا

وقلت ببرود " جيد تذكرتِ أن لك غرفة وزوج "

لم تعلق وأنا أتابع سير خطواتها وعيناي مغمضتان

دخلت غرفة الملابس ثم خرجت وحركت شيئا

عند طاولة التزيين ثم قالت " جابر تعال "

فتحت عيناي ونظرت ناحيتها فكانت تجلس على

كرسي الطاولة وتنظر ناحيتي وتمسك مشطا في

يدها , نظرت لها باستغراب فاستدارت جهة مرآة

الطاولة وقالت ونظرها علي في المرآة

" مشط لي شعري وأمسكه لا استطيع فعلها وحدي "

انقلبت للجانب الآخر ولم أجيب لتجرب معنى

التجاهل , قالت بعد قليل " الطبيب قال ستتحسن يدي

منتصف النهار فلا تمن عليا بخدمة بسيطة "

وضعت الوسادة على رأسي ولم أتكلم فاقتربت

خطواتها من السرير وجلست عليه وحاولت نزعها

من على رأسي لكني أحكمت عليها بذراعي ولم

تستطع سحب أنش منها فقالت بتذمر

" جابر بالله عليك ما فعلته أنا تعاملني هكذا "

لم أجب فتأففت وقالت " لو لم أرى أن الأنسب

لي عدم النوم هنا البارحة ما نمت هناك "

قلت ببرود " لا يهم تنامي أين ما تريدين تلك مشكلتك "

قالت بعد صمت " ولما تتصرف معي هكذا إذا "

رميت الوسادة عني ووقفت وقلت متوجها جهة الحمام

" ليس من وظائفي كزوج مشط الشعر , ما رأيك أن

اغسل لك أسنانك وأغير لك ثيابك أيضا "

دخلت الحمام وأغلقت الباب توضأت وخرجت فلم

تكن في الغرفة وقد جهزت لي بذلتي فغيرت ثيابي ببنطلون

من الجينز وقميص وسترة رمادية ونزلت للذهاب للمسجد

صليت وعدت وتوجهت من فوري لجناح والدتي لأتحدث

معها بخصوص موضوع زهور , طرقت باب الجناح

أكثر من مرة ففتحته لي ودخلت أمامي قائلة

" لا تكن حشت لك رأسك ضدي وجئت لتمارس ذلك علي "

بقيت انظر لها باستغراب فرفعت سجادتها وقالت وهي

تطرحها " ولا تقل لما مددتِ يدكِ عليها لأنها تستحق "

اتسعت عيناي من الصدمة والتفتت هي ناحيتي وقالت

بضيق " علمها كيف تحترم والدتك قبل أن تتركها

تربي أبنائك لتخرجهم نسخا عنها "

ثم تابعت بسخرية وهي تلبس رداء الصلاة

" أنا ابنة خريج السجون الحثالة تقيم تربيتي لكم وتنتقدها "

ثم وقفت على سجادتها وكبرت وكأني غير موجود , مدّت

يدها عليها ! إذا ذاك لم يكن حادثا كما قالت ولهذا كانت

مستاءة ليلة البارحة ولم تنم معي في الغرفة بل ولهذا ارتفعت

حرارتها بدون سبب , وما هذا الذي قالته لها جعلها تضربها ؟

بل كيف ضربتها لتكون النتيجة هكذا ! بقيت واقفا مكاني حتى

أنهت صلاتها وطوت سجادتها وجلست تسبح تسبيح ما بعد

الصلاة فقلت " لم آتي لأجل ذلك ولا علم لي به إلا منك لقد

أخذتها البارحة للمستشفى بسبب ما حدث ليدها فهل هنا

حلبة مصارعة وأنا لا أعلم "

لم تجب ولم ترفع نظرها لي فقلت بجدية

" ماذا حدث لتصلا لهذا الحد "

قالت ببرود " اسألها ماذا قالت وإن كنت ابني فستكسر لها

رأسها وليس يدها كي لا تستنقصك وتستنقص تربيتي لك "

قلت بضيق " لم أتدخل في مشاكلكم كي لا تكبر ليس

معناه أن تصل لأن تتقاتلا كالأطفال "

قالت بحدة " خسئت تمد يدها علي أقسم أن اقطعها لها "

خرجت من عندها ولم أتحدث معها حتى فيما جئت من

أجله , توجهت لغرف الأطفال ووقفت عند باب غرفة

الفتاتين فكانوا في الداخل جالسين أمامها وهي تمسك

المصحف ويبدوا تشرح لهم آيات منه , نظروا جميعهم

لي ونظرت أرجوان لملابس نظرة استغراب ثم عادت

بنظرها للمصحف فقلت مغادرا " أرجوان تعالي "

توجهت لجناحنا دخلت ووقفت وسط ردهته وبعد قليل

دخلت وأغلقت الباب فقلت موليا ظهري لها

" ماذا حدث بالأمس "

قالت بعد صمت " في ماذا "

قلت بحزم " في الحادث الذي حدث ليدك طبعا "

لم تجب فالتفت لها وقلت بضيق " أسلوب الصمت تنسينه

ماذا قلتِ لوالدتي لتضربك هكذا ولما لم تتكلمي عما حدث "

بقيت تنظر لي بصمت فقلت بغضب " أرجوان لا

تطريني لفعل شيء لن يعجبني قبل أن لا يعجبك "

مدت لي يدها السليمة دون أن تتكلم وكأنها تقول لي أفعل

مثلها فبقيت أنظر لعينيها بتركيز وأتنفس بقوة وهي على

حالها يدها ممدودة لي ونظرها تابت على عيناي

لم أستطع أن أقول أنا لم أتربى على ضرب النساء لأن

يدها الملفوفة تناقض ذلك , تنفست بقوة وكأني

إعصار وقلت " أنزلي يدك وتكلمي "

قالت بعد صمت طويل حتى ظننتها ستستمر في

عنادها " قلتَ أنك لن تتدخل فلا تخل بشرط الزواج

أو لا تلمني إن أخللت أنا به "

قلت بجدية " وقلت إلا إن رأيت في تدخلي

مصلحة إن كنتِ تذكرين "

أنزلت يدها وقالت بدمعة محبوسة " لا أريد أن أجرحك

بكلامي يا جابر وما نمت طوال ليلة البارحة على الأريكة

كي لا أخطا في حقك لأهدم كل ذلك اليوم "

مسحت قفا عنقي بيدي حتى وصلت بها للأمام وتنهدت

بضيق ثم قلت " هوا سؤال واحد ماذا قلتِ لها لفعلت هذا "

قالت بتبات " جاءت تذكرني بواقعي فذكرتها بواقعها

أيضا , كل خطئي أني قلت أنها فشلت كأم وعليها أن

تنقد الوضع قبل فوات الأوان "

قلت بضيق " وما علاقتك بكل هذا يا أرجوان

وها قد جاءتك النتائج "

قالت بحدة " لا أريد أن أسرد لك كل الحوار وأخبرك

بما قالت أيضا وأخبرتك أني لا أريد أن

أجرحك بكلامي يا جابر "

قلت بضيق أكبر " وهل كان حلا أن رددتِ على كلامها

ظننتك عاقلة في كل شيء وتعرفين كيف تتصرفين

بحكمة لكني أخطأت "

أنزلت رأسها للأرض وقالت " والمطلوب مني الآن "

شعرت بأنها حاصرتني فإن قلت تعتذرين منها أخل

بالشرط بل أتصرف بالنقيض مع موقفها هي حين

وقفت معها في إهانة والدتي لها أمام الضيوف لأنها لم

تعتذر منها وإن قلت لا يتكرر ما حدث أكون غبيا لأن

ما فهمته أنها هي من جاءتها هنا فلم يكن من حل أمامي

سوا محاصرتها كما فعلت فقلت بهدوء " تمنيتِ سابقا

أن يكون أمجد معك مستقبلا مثلي مع والدتي فإن كان

في موقفي الآن فما ستتمنين أن يفعل "

قالت ورأسها للأسفل لم ترفعه وقد أمسكت ذراع يدها

المصابة بيدها السليمة " أسال الله أن لا يصل بي الحال

لأن أتهجم على زوجته في جناحها وأسبها وأعيرها

بماضيها وحالها وأضرب لها يدها بتحفة ثقيلة محشوة

بالخشب فقط لأنها أرادت أن تفتح الباب وتخرج ولا تكبر

المشكلة أكثر , وأن لا يصرخ في زوجته ويضع اللوم عليها "

ثم رفعت رأسها وقالت وعيناها في عيناي " لكني لن ألومه

أبدا لأنه بين خيارين صعبين إن كان يحب زوجته أو

حتى يقدرها على الأقل "

ثم أشاحت بنظرها جانبا وقالت بهدوء " لا تتدخل في

الأمر يا جابر أرجوك لأنه سيكبر فوق ما قد تتصور "

أبعدت سترتي بيداي وأمسكت بهم وسط جسدي ونظرت

للجانب الآخر ولم اعرف بما اعلق ولا أقول لتفاجئني باقترابها

مني وذراعاها تعانق عنقي تقف على رؤوس أصابعها

بحدائها الأرضي ودست وجهها في عنقي بينه وبين

ذراعها وقالت بهمس " ولتمنيت الآن أن ضمها بحنان

وخفف عنها الألم الذي يوجع قلبها أكثر من يدها "

أغمضت عيناي بقلة حيلة وتنهدت ثم لففت ذراعاي

حولها وشددتها لي بقوة وقلت بهدوء " أرجوان إن كان

لي مكانة لديك ولو ذرة واحدة لا تجاريها في الكلام ثانيتا

أنا أعرفك واعرف كل ما يخص حياتك واخترتك زوجة

لي وأم لأبنائي ولا يعنيني من واقعك وماضي والدك

شيء وأنا أمامك رجل قانون وأمثله "

شدت ذراعاها حول عنقي أكثر ففهمت أنه ليس هذا

ما تنتظر مني فقبلت كتفها وقلت بهدوء " امسحيها في

وجهي هذه المرة وعديني أن تنفذي ما طلبت منك "

ارتخت ذراعاها حينها وابتعد عني وقالت

ورأسها أرضا " حسنا "

نظرت ليدها الملفوفة وشعوري لم يكن كما في الليل

حين اعتقدت أنها سقطت عليها , الآن أشعر بعجزي

عن إنصافها حتى أني وقفت في صف والدتي بطلبي

منها أن لا تجيب على سبها لها مجددا وعجزت أن أجد

للأمر حلا غير هذا كما عجزت البارحة عن إقناع ترف

بالدخول دون حدة وأوامر ونجحت هي بسهولة

أمسكت أطراف أصابع يدها المصابة ورفعتها ووضعتها

كلها على صدري كما تحب أن تفعل عندما تخاطبني وهي

واقفة أمامي ووضعت يدي عليها وقلت " كما أخبرتك سابقا

يا أرجوان أنا لا أريد أن أرفع ولا صوتي عليها وتبقى في

النهاية والدتي ولا أحد يختار أهله وأريدك حقا الزوجة

التي تتفهم هذه المسألة "

قالت بهدوء ونظرها على يدي فوق يدها " لم أشتكي

لك يا جابر لاحظ أنك في كل مرة أنت من يفتح

الموضوع ثم تبرر وأنا لم أتحدث فيه "

قلت ونظري على ملامحها " وإبقاء المشاكل معلقة

أيضا اكتشفت أنه لا ينجح "

أبعدت يدها وابتعدت ودخلت الغرفة وأغلقتها خلفها






*

*





دخلت الغرفة وتوجهت للحمام دخلت وأغلقته خلفي

ونزلت الدموع التي امسكها منذ وقت , لو كنت أنا من

فعل لها هذا هل كان سيتصرف ذات التصرف ؟ أنا لن

ألومه في والدته وموقفه صعب وأعترف لكن لما حقي

أنا المهضوم دائما ومتأكدة انه لم يعتب عليها ولا مجرد

عتب على ما فعلت وليس لدي سوا كتم كل هذا لأني

إن تكلمت سأكون الخاسرة ولا أعلم إن كنت سأتحمل أكثر

غسلت وجهي ونشفته بالمنشفة وخرجت , عليا العودة

للأطفال لن أترك أي شيء يؤثر على رعايتي لهم وحرصي

على ما اعتدنا عليه , لا أعلم لما لم يُنزع حبهم من داخلي

لا هم أخوتي كما كنت أعتقد ولا أبنائي , هم أحفاد تلك المتوحشة

وأبناء ابنها البار , تنهدت واستغفرت الله على هذه الوساوس

وغادرت الجناح , ما ذنب الأطفال أحملهم إثم ما فعلته هي

دخلت غرفة الفتاتين لأفاجئ بجابر جالس معهم على الأرض

متكئ بظهره على سرير بيسان مادا لأحد ساقيه والأخرى

منصوبة أمامه ويسند يده عليها ببنطلونه الجينز وقميصه

الرمادي والسترة مرمية فوق السرير وترف تعدل لباس

الصلاة الخاص بها حول وجهها وتتحدث معه طبعا دون

توقف و بيسان تورق المصحف وأمجد كعادته جالس بهدوء

توجهت من فوري نحو بيسان وأخذت منها المصحف وقلت

بضيق " كم مرة سأقول أن هذا كلام الله له احترامه

وليس ألبوم صور نورقه بامتهان "

نظرت ترف ناحيتي وزحفت جهة بيسان وقالت

" هيا نكمل ماما "

جلست مقابلة لهم حيث يكون جابر خلفي ولكن ليس

خلفي مباشرة إن نظرت جانبا وجدته أمامي وفتحت

المصحف وقلت " أين كنا "

قال أمجد " كيف يعامل والديه "

شعرت أن قِدرا من الماء البارد سكب فوق رأسي كيف

نسيت هذا ولن أستطيع تغيير الموضوع الآن , ورقت في

المصحف قليلا ثم قلت الآية التي أحفظها دون بحث عنها

وأكملت من حيث وقفنا وقلت " ويقول تبارك وتعالى

{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا

كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }

نظرت لوجوههم المستمعة لي بانتباه وقلت " يعني هذا

أن تعاملهما برفق ورحمة درجة الذل من كثرة ما ترحمهما

وتدعوا لهما بأن يرحمهما الله كما ربياك وأنت صغير وتعبا

من أجلك وسهرا فتكافئهما عند كبرهما على كل ذلك "

شعرت وكأن الكلام موجه لي وليس لهم كي لا أنسى أن

عليه بر والدته مهما فعلت حتى إن ضربته هوا وليس أنا

لكنه ظلم في حقي , هوا والدته وعليه فعل هذا أنا ما ذنبي

أغلقت المصحف وقلت " ولا ينسى الإنسان أبدا أنه

كما يفعل في والديه سيفعل له أبنائه تماما دون نقصان إن

برهم بره ولو واحد منهم وإن عقهم عقوه جميعهم "

قالت ترف " كيف عقوه "

ابتسمت ومسحت على وجهها بيدي وقلت

" دائما تسألين عن نفس الكلمات , البر حبيبتي يعني

الإحسان لهما والعقوق هوا العكس "

ثم مددت لها المصحف وقلت " ضعيه مكانه وتعالي لنحكي حكاية "

ركضت به مسرعة وعادت تقول " لا تحكي قبل أن أصل "

ابتسمت على قفزتها جالسة مدمنة الحكايات هذه ثم قلت

" كان ثمة رجل لديه والد كبير في السن ولا يمكنه الحركة

فشعر بالضجر من وجوده معه ومن خدمته فقرر أن يرميه

في الغابة ليجده أحد أو تأكله الوحوش ويتخلص منه "


شهقت ترف واضعة يدها على فمها وقالت بصدمة

" يأكلونه الوحوش كيف سيركض "

قالت بيسان بتذمر " أصمتِ يا ترف لما تقاطعين الحكايات دائما "

تابعت مبتسمة " فحمله على كرسي خشبي يوضع على


الظهر وابنه الصغير معه وذهب به كثيرا في الغابة حتى ابتعدا

ثم أنزله هناك عند شجرة وتركه عائدا هوا وابنه وعندما بعدا

مسافة رمى ذاك الرجل كرسي والده لأنه لم يعد يحتاجه فقال

له ابنه ( اتركه يا والدي نرجعه معنا للمنزل )

قال الرجل باستغراب ( وما نصنع به فلم يعد يلزمنا )

قال له ابنه ( لأجلبك به هنا وأتركك عندما تكبر )

فندم الرجل وأعاد والده "

بقوا ينظرون لي بصدمة ثم ضحكت بيسان وقالت

" كيف خطر عليه أن يقولها له "

قلت بعد ضحكة غلبتني " بيسان الحكاية من ساجل أن نأخذ

منها العبرة لا أن نضحك عليها هذه ليست نكتة "

قالت ترف " وما العبرة "

قلت " أن لا تعصي والدك ولا تغضبيه كي لا

يفعل لك أبناءك ذلك عندما تكبري "

قالت مباشرة " ولا حتى أنتي ماما أليس كذلك "

قلت مبتسمة " ولا أنا "

وقفت وتوجهت جهة جابر وجلست في حضنه وقالت

" لن أفعل ذلك بابا لن أرميك في كرسي كي لا يرموني "

ضحك حينها وقبّل خدها وقال " أمجد أحضر ورقة وقلم بسرعة "

وقف امجد من فوره وتوجه لمكتب بيسان وأحضر كشكولها

وقلما وأعطاه له فأبعد ترف عن حضنه ووضع الكراسة

مفتوحة على الأرض وقال " تعالوا جميعكم هنا "

توجهوا نحوه وجلسوا حوله وأنا اكتفيت بالالتفات أنظر

بحيرة لما سيفعل فرسم مربعا كبيرا وفيه آخر صغير عند

الطرف ومربعان في الجوانب كل واحد قسمه لثلاث ودائرة

عند المنتصف ثم قال وهوا يشير للمخطط بالقلم " هنا القصر

الذي نحن فيه الآن أما الدائرة فهي الحديقة والنافورة وهنا

منزل الخادمات والحرس والسائق , هنا الملحق والثلاث

مساحات الشاغرة هذه تختارون إحداها من اجل أن

يكون فيها المسبح "

نظروا له بصدمة لثواني وصدمتي لا تقل عنهم

ثم وقفت ترف واحتضنت وجهه بيديها الصغيرتان

وقالت بصدمة " سيصبح لدينا مسبح نسبح فيه "

ابتسم في صمت ثم نظر ناحيتي وقال " نعم "

قالت " وواسع ليس كحوض الاستحمام "

نظر لها وقال " نعم وفي الحديقة وحيث ستختارون "

احتضنته تصرخ و بيسان وأمجد يصفقان بفرح ثم ابتعدت

ترف عنه وأصبحت تقفز مثلهم فلم أستطع إمساك ضحكتي

على منظرهم ثم التفت لجابر الذي كان ينظر لهم بابتسامة

واسعة تكاد تتحول لضحكة ومددت يدي حتى لامست بها يده

التي يستند بها على الأرض فنظر لي فقلت بهمس مبتسمة

" شكرا لك يا جابر "


عاد بنظره عليهم وقال بهدوء " تمنيت أن كان بين

تلك اللائحة شيء لك كي أفعله بدلا عن هذا "

أبعدت يدي عن يده وعدت مولية ظهري له وقلت

" وهذا أعتبره من أجلي فسعادتي من سعادتهم "

لم أرد أن أشكره على المسبح فقط بل على جلوسه معهم

واستماعه لكل ما كنا نقول دون أن يغادر وحتى هواتفه

ليست معه , قال بجدية " لا تأتوني في الغد وتقولوا

أين المسبح لأنه سيأخذ وقتا وسأكلف من يشرف عليه كي

ينتهي بسرعة وسيكون الخروج له بأوقات مناسبة من حيث

الطقس تحددها والدتكم فمتى قالت تدخلوا يدخل الجميع ومن

ستمنعه من الخروج له ممنوع أو ألغيته وأغلقته مفهوم "

هزوا رؤوسهم بالموافقة وقالت ترف مشيرة بيديها بدائرة حولها

" أريد بطة كتلك التي يسبحون بها في البحر كي لا أغرق "

قالت بيسان " وملابس نسبح بها تلك لم تعد على مقاسنا "

وقف وقال " لينتهي أولا ثم تشتري لكم والدتكم كل ما تريدونه "

وخرج بعدها من الغرفة وقال أمجد " هل نشاهد الكرتون الآن "

وقفت وقلت " نعم ولا أجدكم قريبين من التلفاز

لأني سأغضب منكم "

خرجوا ثلاثتهم مسرعين وحديثهم طبعا عن الحلم الذي

أصبح حقيقة وهوا مسبح يسبحون فيه وحدهم متى أرادوا

أخذت سترته من على السرير وخرجت وتوجهت لجناحي

دخلته ودخلت الغرفة ولم يكن هناك , يبدوا توجه لمكان

آخر وداخل القصر لأنه لم يغير ثيابه ولم يأخذ سترته



*

*



خرجت من غرف الأطفال وتوجهت من فوري لجناح

زهور , اليوم هوا يوم الدوريات الداخلية ولم أنهي منها سوا

واحدة فقط وهي أرجوان والأولاد وعيا العودة لوالدتي مجددا

طرقت باب الجناح ودخلت فلم تكن هناك فطرقت باب الغرفة

ودخلت فكانت في الشرفة ويبدوا تطعم عصافيرها وما

أن رأتني حتى وضعت ما في يدها ودخلت وأغلقت الباب

فجلست على الأريكة وقلت " تعالي أجلسي سنتحدث قليلا "

توجهت نحوي وجلست مقابلة لي في صمت , لو كسب رضا

شيء من هذه الزواج فسيكون صمتها الدائم , نظرت ليداي

المشتبكتان في بعض وقلت " اليوم سنعقد قرانك ورضا

سيكون هوا وكاتب العقود هنا عند الغداء "

طبعا لا شيء غير الصمت فتابعت " كنت سآخذ كشوف

حسابه من المصرف لكنه بنفسه أرسلها لي بأوراق تتثبت

أنه لم يسحب منها مليما من قبل التاريخ الذي وضعت فيه

شروطك , اليوم ستكون شقته وسيارته وأمواله باسمك "

ثم رفعت نظري لها وقلت " وأنتي باسمه طبعا "

قبضت بيدها على فستانها بقوة وهي تضعها على فخذها

ودمعة تترقرق في عينها فتنهدت وقلت " لم نفعل شيء

بعد إن لم تكوني مقتنعة نلغي الأمر يا زهور "


هزت رأسها بلا دون كلام فقلت " لو لم يكن رضا

مصرا وموافقا على شروطك ما وافقت هذا , ما يعزيني

فقط أنك قد تكوني تريدين ضمانات كي لا يتكرر ما

حدث في زواجك السابق "

خرجت من صمتها أخيرا وقالت بصوت حزين

وعيناها في عيناي " جابر هل ستكون سندا لي

مهما طال الوقت وحدث "

بقيت أنظر لها مطولا بحيرة ثم قلت بجدية

" نعم يا زهور لا يحتاج أن تسألي عن هذا "

قالت " حتى إن طلبت منك يوما أن تطلقني منه "

لم أعرف ما أقول وبقيت أحدق فيها بصمت فقالت

" إن كرهت العيش معه هل تطلقني منه "

قلت بجدية " نعم وقبل أن يُمسي المساء على قرارك "

كسرت نظرتها حينها وقالت " حتى إن كان الثمن

أن تخسر صداقته وللأبد "

قلت من فوري " حتى لو خسرت كل العالم لن يتكرر ما

حدث في السابق يا زهور , أقسم لو أخبرتني عنه حينها

ما نفذ مني بجلده ولكنت أذقته أمر مما أذاقك من ضرب وتعذيب

وأعلم الآن مكانه وما يمسكني عنه رفضك أنتي أن أفعل ذلك "

قالت بحسرة " ذاك ماضٍ وانتهى "

ثم رفعت نظرها لي وقالت " أنا أتق بك يا جابر "

وقفت وقلت " إلا إن مت يا زهور وحده الشيء الذي

سيمنعني من تنفيذ ما تريدينه "

وقفت هي أيضا فقلت " لما لا يكون حفلا بسيطا اليوم

رضا يصر على ذلك , ليكن لعائلتنا وشقيقته فقط "

نظرت للجانب الآخر وقالت بضيق " لا أريد "

تنهدت وقلت " رغم انه ستكون جميع أمواله لك إلا أنه

اشترى خواتم الزواج وكان يريد شراء فستان العقد

هوا يتزوج للمرة الأولى راعي مشاعره على الأقل "

لاذت بالصمت كعادتها وكأنها تطردني فقلت

" من أجلي يا زهور يلبسك ما اشتراه فقط "

أنكست رأسها للأرض وقالت " من أجلك فقط وقليلا وأغادر "

تنهدت بضيق وقلت " حسنا قليلا وتغادري "

ثم غادرت من عندها وخرجت من جناحها , ما يجعلني أطيع

رضا معرفتي بمشاعره نحوها فمن جنونه بها حتى أنا شقيقها

لم يخجل أن يهذي بها أمامي وما يجعلني أسكت عن جنونها

في شروطها تلك أني لا أريد أن يتكرر معها ما حدث في

السابق , هذه المسالة الأخرى انتهيت منها بأيسر من سابقتها

نزلت للطابق الثاني وتوجهت جهة جناح والدتي طرقت

الباب ودخلت فكانت وخادمتها تلك معا فقلت

" اتركينا وحدنا "

خرجت وأنا أتبعها بنظري , كنت أنوي فعلا طردها

من القصر لكن وكما قالت أرجوان إن لم يزول السبب

لن يتوقف الأمر فستتجسس غيرها لأن والدتي ستضع

بديلة لها , لو لم أسمع حديثهما بأذني لشككت أنها تتجسس

لصالح شخص خارج القصر فلم أتوقع من والدتي أن تفعلها

نظرت لها ووضعت يداي في جيوبي وقلت " اليوم سنعقد قران

رضا وزهور وسيأخذها بعد نشر كتابه وقال شهرين أو أقل "

لم تتحدث ولم ترفع نظرها لي فيبدوا لن نخرج من تلك المشكلة

أبدا , قلت بضيق " أمي أنتي أخذت حقك بيدك وأنا تحدث

معها ولن تقول لك مجددا ما قالته فهل سننتهي من هذا "

قالت ببرود " لا أريد أقوال أريد أفعالا "

قلت بجدية " لن تثني كلمتي والقصر مراقب أسمع

وأرى كل ما يجري .... كلام قيل شخص يتجسس من

خلف الأبواب كله سيكون مسجل وسأشاهده "

نظرت لي بسرعة نظرة ثاقبة والصدمة تغطي

ملامحها ثم قالت " ماذا تعني بمراقب "

قلت وأنا أتجول بنظري على اللوحات المطرزة بيدها

ومعلقة على الجدار " أعني أن القصر مزود بنظام مراقبة

منذ وقت لكني لم أكن أشغله ويعمل آليا عند الخطر فقط

لكن الآن سيعمل على مدار الساعة وسأعود لكل ما

ما سيكون فيه ريبة , أي لن ينكر أحد إن قال شيئا "

قالت بضيق " وكيف هكذا مراقبين أين الحشمة يا جابر "

نظرت لها وقلت " الحمامات وغرف الملابس لا

لكن الكلام مسموع في أي مكان "

وقفت وقالت " والسبب "

أخرجت يداي من جيوبي وقلت " السبب من المفترض

أن تعرفيه لوحدك , من أجل حمايتكم أنا لا أضمن للغد ما

قد يحدث خصوصا بعد الجرائم الجديدة في البلاد "

قالت بامتعاض " وما نفع المراقبة , الحرس يكفون لذلك "

قلت مغادرا " لو لم تكن ذات نفع ما كنت كلفت نفسي

عناء تركيبها يكفي أنها كشفت لنا حقيقة الخدم والمربيات "

خرجت وأغلقت الباب خلفي وهذا الباب الثالث سددته

بقي بتول سأزور منزلهم فيما بعد , نظرت للساعة في يدي

وأنا أتجه جهة السلالم فكانت الثامنة ومرت إحدى الخادمات

فقلت وأنا أصعد " أريد الفطور في جناحي "

ثم توجهت للجناح من فوري دخلت وتوجهت للغرفة فتحت

الباب ووقفت أمامه مكتفا يداي لصدري أنظر بابتسامة

جانبية لما يجري أمامي






نهاية الفصل وإلى لقاء قريب بإذن الواحد الأحد

 
 

 

عرض البوم صور مالكا قلبي  
قديم 12-07-15, 08:10 AM   المشاركة رقم: 25
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل الواحد العشرون)

 

أعتذر على التأخير لأن النت كان مقطوع فأتمنى تعذروني




الفصل الثاني والعشرون









دخلت المنزل أجهز نفسي لحرب طويلة لإخراجها من هنا

وأعلم أي يوم ينتظرني اليوم ، توجهت من فوري لغرفة

والدتي فكان بابها مفتوحا فوقفت أمامه فكانت مكانها على

السرير لكنها الآن جالسة فوقه وأغراض والدتي في حجرها

ونظرها عليهم ويداها متشبثتان بهم وكأن ثمة من سيأخذهم

منها ، ما أن فتحت فمي لأتكلم حتى قالت بشبه همس

" لن أخرج من هنا "

نظرت جانبا وتنهدت بضيق ممررا أصابعي في شعري

فتابعت ببرود " قلتها سابقا أخرج من شقتنا لمنزل

خالتي ولا أغادر منه إلا لها "

نظرت ناحيتها وجمعت كل ما أملك من هدوء وقلت

" وسن توقفي عن الجنون فبقاء لوحدك لن تبقي "

سقطت دمعتها على مصحف والدتي في حجرها وقالت

بأسى " تركوني لك يا نواس جميعهم رحلوا وتركوني لك

كل من يريدني رحل عني وتركني لمن لا يريد حتى رؤيتي "

أمسكت مقبض الباب بقوة وكأني سأحطمه وقلت بضيق

" وسن توقفي قلت لك "

رفعت رأسها ونظرها لي وحضنت المصحف ولباس

الصلاة لصدرها وتابعت وكأنها لم تسمعني وقالت بحرقة

" خذلوني جميعهم ، وعدوني واخلفوا مثلك حين قلت أنه

لن تسكن حضنك غيري وخلفت , نعم وعدتني وأخلفت

وأقسمت وحنثت بيمينك وكأنك ما أقسمت "

ضربت بقبضتي طرف الباب وقلت بحدة " أغلقي الدفاتر القديمة

يا وسن كم مرة سنعيد ذات الكلام "

لوحت بيدها في الهواء وقالت بغضب " نعم لأنك ربحت

أنت من كسبت في النهاية وبقيت أنا اليتيمة العالة في

عهدتك تنتقم منها كيف تشاء "

دفعت الباب بيدي لينفتح على مصرعه وقلت بغضب أشد

" توقفي عن حشو رأسك بهذه الأفكار السوداء ، أنا

لم أفكر في الانتقام منك يوما "

ابتسمت بسخرية ولم تعلق وقالتها لي بذلك من دون

كلام ( كاذب ) , تنفست بقوة وغضب وقلت بجدية

" ستخرجين من هنا ومعي ولمنزلي ولا نقاش فيما أقول "

رمت الأغراض من يدها وخرجت من السرير واقفة وقالت بحدة

" زوجني للإمعة الآخر وارحمني فلعلي أموت على يديه "

صرخت بحدة " لا تقولي عنه إمعة "

فتحت ذراعيها وقالت بسخرية

" وما سيكون هذا الذي تتحكمون في قراراته "

ثم أشارت لي بإصبعها وقالت " لولا عهدي لخالتي ما

تركتك تتحكم في مصري وما وافقت على من ستختاره

أنت وإن كان رئيس البلاد "

قلت مغادرا " ولولا عهدي لها ما زوجتك به "

فماذا إن علمتِ أنه أنا وأني مثلك قطعت يمينا أنفذه

أحبت نفسي أم كرهت ، توجهت لغرفتها هنا وكان فيها

حقيبتان جاهزتان ومؤكد لها ، أجهل حقيقة ما حدث هنا

بعدي لكن الواضح أن جواد أوصل الأمر لنهايته ثم مزق

التوكيل وسافر ، أخرجت الحقيبتان وخرجت بهما للسيارة

حيث معاذ لازال واقفا هناك ، وضعتهم على الأرض

خلفها ثم فتحت حقيبة السيارة ووضعتهم فيها وأغلقت

بابها بقوة ووقفت واضعا يداي وسط جسدي أنظر للأرض

وأتنفس بغيض فقال معاذ " هل ستأخذها هناك "

نظرت جانبا وقلت " أسدي لي معروفا يا معاذ واسبقني

للمزرعة , أريد أثاثا في آخر غرفة في الممر

الغربي من الطابق الثاني "

قال بعد صمت " لكنك لا تستخدم غرف ذاك الممر لأنه

مطل على ساحة التدريب وجزء من الإسطبلات ولا

شيء فيه سوا مكتبك "

نظرت له وقلت " لا حل أمامي غيره فالجانب الشرقي

لا أستطيع وضعها فيه والطابق الأول فيه وليد ولن أخرجه

منه تحت أي ظرف كان ولا أريد أن يخرج في كل الأحوال "

قال بهدوء " وليد سيقدر الأمر فلم تعد الظروف كما كانت

سابقا ويمكنك أن تشتري له منزلا قريبا من المزرعة "

هززت رأسي وقلت " مستحيل ينقطع لساني ولا أقولها له "

ثم أشرت له بإصبعي وقلت بتحذير

" وإياك يا معاذ أن تلمح له ولا مجرد تلميح "

ثم أخرجت هاتفي من جيبي قائلا " الممر في الجناح الغربي

مستقل عن باقي الطابق ولا حل أمامي غيره كما أني أعرف

وسن جيدا ليست من النساء الفاسدات لتجلس للعمال في نافذتها

وإن رفع واحد منهم نظره هناك فقأت له عيناه ليكون درسا لغيره "

قال متوجها جهة سيارته " كما تريد ستكون الغرفة جاهزة

بعد وصولي هناك بأقل من ساعة "

ثم ركب سيارته وغادر فنظرت لهاتفي مطولا بتفكير

ثم اتصلت بمي فأجابت من فورها قائلة

" مرحبا نواس وحمدا لله على سلامتك "

قلت بهدوء " سلمك الله ، مي سيكون معاذ في المزرعة بعد

أقل من نصف ساعة فلا تخرجي من غرفتك لأنه والعمال

سيكونون في الأعلى وبعد أن يغادروا أطلبي من راضية

أن تنظف الغرفة التي أدخلوا لها الأثاث وتضع فيها أغطية

وكل ما يلزم في الغرفة والحمام "

قالت من فورها " حسنا سأفعل كل ما طلبت "

تنفست بعدها بقوة وقلت بهدوء " مي وسن ستعيش معنا

هناك لا أريد أن تحتكي بها تحت أي ظرف كان واستحمليها

من أجلي , هي ستكون في جانب مستقل من الطابق , وسن

ليست سيئة طباع مع الناس لكنك تعلمين ظروفنا جيدا "

قالت مباشرة " لا يحتاج الأمر أن تشرح لي

وسأفعل ما تأمرني به "

قلت بامتنان " شكرا لك يا مي وداعا الآن "

لا أعلم أي أيام تنتظرني هناك لكني متأكد من أنها سيئة على

الجميع ، تنهدت بأسى ثم عدت جهة المنزل , دخلت ووجدتها

تقف في الصالة فقلت بهدوء " وسن أقسم ليس غرضي

الانتقام منك فاخرجي معي وأريحيني "

أشاحت بنظرها عني ولم تتكلم فقلت

" أغراضك في السيارة ومكانك هناك جاهز ومستقل

ولن تحتكي بأحد أو تريه فدعينا ننتهي من هذه المشكلة "

قالت ببرود ونظرها لازال بعيدا عني " ومتى ستزوجني به "

قلت بضيق " وسن أفهم ما تفكرين فيه ولن يحصل "

نظرت لي وقالت بجدية " حللني من وعدي ووعدك إذا "

قلت بهدوء وعيناي تسافر في ليل عينيها " لا أستطيع "

كتفت يداها وقالت بجمود " ولما "

ابتسمت بسخرية وقلت " لن تفهمي مهما شرحت "

جلست على الأريكة وقالت ببرود ناظرة للأرض

" إذا لن أخرج من هنا إلا معه "

ابتسمت بألم على الواقع المرير الذي ليتها تعلمه وتعلم أي

مأساة يحمل وقلت " ولما لم تتزوجي بسليمان "

أشاحت بنظرها جانبا وقالت بسخرية

" تخلى عني وتركني لك كما الجميع "

ثم نظرت لي بعينان ممتلئة بالدموع وقالت بأسى

" وتقول أنك لا تريد الانتقام مني يا نواس وأول

ما فعلته الآن أن سخرت من حالي "

أوليت ظهري لها واستندت بقبضتي على الجدار وأنزلت

رأسي للأرض مغمضا عيناي بألم فعند هنا انتهي إلا عيناها

دامعة كل شيء أستحمله إلا هذا المشهد حدقتاها الواسعة تلمع

من سجن الدموع , وبقيت على حالي ذاك حتى وصلني صوتها

قائلة بهدوء حزين " لن تشعر بي أبدا يا نواس كما لم

يشعروا بي جميعهم لأنكم لستم في مكاني "

ابتعدت عن الجدار وتوجهت نحوها وأمسكت يدها وسحبتها

معي سائرة خلفي قائلا " ليتك أنتي تشعرين بما أشعر

لكنك لستِ في مكاني أيضا "

ثم خرجت بها من المنزل والغريب أنها لم تقاوم





*

*





بعدما اتصل نواس بحوالي الربع ساعة طرقت عليا راضية

باب غرفتي ففتحت لها فقالت باستغراب " طرقت باب

غرفتك ونواس كثيرا ولم تجيبي ظننتك هناك !! "

قلت بارتباك " كنت هنا واتصل بي نواس وطلب أن لا

أخرج لأن العمال سيصعدون ولم أستطع الخروج "

قالت مباشرة " نعم معاذ قال لي الآن أن أعطيك

خبرا أنه سيصعد والعمال للأعلى "

هززت رأسي بحسنا ثم قلت " ونواس طلب مني أن

أخبرك لتنظفي الغرفة التي سيضعون فيها الأثاث

هنا وتري كل ما يلزمها وتضعيه فيها "

قالت بحيرة " هل سيأتي أحد للعيش هنا !! "

قلت بهدوء " أجل إنها ابنة خالته المسئول عنها "

هزت رأسها بحسنا ثم غادرت فأغلقت الباب ووقفت عليه

كادت تكتشف الأمر رغم حرصي الشديد حتى أني لم أخرج

أغراضي من هناك وحتى الحمام أدخل الذي في غرفته لأنها

لا تصعد إلا مرة واحدة صباحا من أجل التنظيف ، تنهدت

بحيرة وتوجهت نحو السرير وجلست عليه أنظر للأرض

بشرود ، تري ما ينتظرني وينتظرك هنا يا وسن ؟ صحيح

أني ونواس زوجان بالاسم فقط وأنها حين التقينا في عزاء

خالتها لم يبدر منها أي تصرف عدواني اتجاهي ولا بنظراتها

حيث كانت فقط تتجنب النظر لي بل ولكل الجانب الموجودة

أنا فيه عكس شقيقتها التي كانت ستمزقني بنظراتها الكارهة

لوجودي لكني حقا متخوفة من مواجهتها ، أعلم بشعورها

وكراهيتها لوجودي لكني لا ذنب لي فيما حدث فأنا مجرد

ضحية مثلها رماهما حظهما التعيس هنا ومعا ، وضعت

يدي على خدي وجلست لوقت أبحر مع الأفكار ثم وقفت

وتوجهت للنافذة حيث أنها مطلة على جزء بسيط من نهاية ساحة

الخيل لأن أغلبه في الجانب الآخر من المزرعة وهذه النافذة

متنفسي الوحيد لأرى منه العالم الخارجي وليس كذلك فقط

بل وأراقب وليد ولو مارا أو يركب إحدى الخيول ويعبر بها

من هذه الجهة ابتعدت وعدت مكاني أراقب السماء منها بحزن

ترى هل أنا بهذا مخطأة !! متزوجة بصديقه ومشاعري معه

لي زوج أخونه بقلبي ومشاعري , لكن كيف أعطيه كل شيء

وهوا لا يحبني بل ويعشق أخرى .... يا رب ألهمني للصواب

ولا تلمني على ما غلبتني نفسي فيه , بعد قليل جاءت راضية

لتخبرني أنهم غادروا لأعود لغرفتي ولا تعلم بأنني فيها الآن

وقفت وقلت " سأنزل معك أشعر بالملل والوحدة "

قالت مبتسمة " ها هي ستأتيك من تسليك "

ابتسمت بألم وخرجت خلفها .... هذه لن تسليني بل ستزيدني

عزلة وسأزيدها ألم ووجع فوق وجعها , وصلنا المطبخ وكأني

أريد الاختباء فيه من لقائها , قلت بعد وقت

" أين الغرفة التي جهزوها لها "

قالت دون أن تنظر لي " في ممر مكتب نواس "

قلت باستغراب " ذاك الممر لا يستخدم غرفه أحد أليس كذلك "

رفعت المقلاة من على النار وقالت وهي تتوجه بها للطاولة

" نعم لأنها مطلة على ساحة التدريب والإسطبلات وهم

والعمال دائما فيها فحتى في الطابق الأرضي تلك الجهة

بها غرفة وليد فقط "

إذا اختارها لتبتعد عن كل الجهة التي نحن فيها أم لتكون

عنده في كل وقت ليشعر بها بجواره حتى وهوا هناك , ترى

هل يفكر هكذا ! لكن لا مستحيل مؤكد يجنبها ممر غرفنا بما

أن وليد يعيش هنا في هذا الطابق , رفعت رأسي لأتحدث

على صوت نواس المرتفع في وسط المنزل مناديا

" راضية "





*

*






ركبت سيارته يقودني شيء غير قدماي قد يكون قدري

الذي لا مفر لي منه أو استسلامي للأمر الواقع فعليا أن

أكمل محكوميتي التي لم ولن تنتهي, فبعد كل هذا لم

ينتهي عقابي بعد !! أقسم أنني اكتفيت أقسم أني وصلت

لمرحلة الموت البطيء وتخطيتها , كانت أحشائي

تشتعل كالسعير كلما اقتربت المسافة وأنا أكتم بكل

قوتي كي لا يلحظني فوسن القديمة عليها أن تموت

هناك مع الماضي كما مات حبه لها وكما ماتوا أهلها

جميعهم وأن أواجه كل شيء بقلب أجوف ولو من

الخارج حتى يبدأ الفصل الجديد من مسرحية عذابي

ويأتي الزوج المجهول الذي لم يدفعني ولا الفضول

يوما لمعرفته وليس يعنيني فكلهم سواسية ماداموا ليسوا

صاحب هذا العطر والنفس الواضح رغم هدوء ليست

هذه اليدين والأصابع الطويلة ومادام ليس هذا الشخص

فلا يعنيني ولن يكون هوا طبعا لأنه قتلني من تاريخه

وداس على قلبي قبل حلمي ولأني لست الأولى والوحيدة

اتكأت للخلف على مسند الكرسي مغمضة عيناي لأني

لم أعد أحتمل فوصلني صوته قائلا " إن كنتي متعبة

نذهب للمستشفى أولا مادمنا لم نبتعد كثيرا "

قلت بهمس لا أعلم كيف خرجت معه الحروف " لا "

فسمعت تنهيدته الطويلة وتابعنا السير وأنا مغمضة العينان

أريد أن أُخرج نفسي من هذا العالم , أعتبر نفسي في سيارة

ليس هوا من يقودها وليست له ولست ذاهبة لمنزله لأعيش

معه وزوجته و لم تمت خالتي ولا والدي ولا أحد ولم يرجع

نواس من سفره ولم يحدث شيء من كل ما حدث .... آه كم

كان سيكون ذلك جميلا , ابتسمت بعدها بألم عندما لم يتقبل

عقلي فكرة أن لا يكون هوا في ذاك العالم وكأنه يريد مني

رسم مخطط جديد ... ذاهبان لمنزلنا وابننا معنا في الخلف

لأننا متزوجان من عامان وخالتي تنتظرنا هناك بكامل

صحتها , نزلت دمعة من طرف عيني فمسحتها ونظرت

جهة النافذة فحتى الهروب من الواقع لم ينجح فلن ينجح

شيء يا وسن , ليثهم حين كنا صغارا لم ينبهونا عن الحديث

مع الغرباء والذهاب معهم .... لا تتحدثي مع أحد ولا تذهبي

لأحد يناديك أبدا مهما ناداك لنطبقها كالمنهاج كل حياتنا

ليثهم بدلا عنها قالوا لا تحبي أحدا مهما حدث , لا تثقي

في كلام العينين والقلوب , لا تسلمي قلبك لأي كان ولا

تدعيه يركض له ولا تصدقي أكاذيب الحب وكلام العشاق

اتكأت عليها وابتسمت بألم , وبعد مسافة وصلنا لمزرعة

كبيرة واكبر مما كانت في مخيلتي وتوجهنا فورا لمنزل كبير

من الخارج وبطابقين , وقفت السيارة أمامه ونزل قبلي

وتوجه للخلف فنزلت ببطء ووقفت انتظره حتى دخل

أمامي بالحقائب , لو يعلم ما فيها من أشياء اشترتها فرح

ترغمني على أن آخذها لمنزلي وسليمان لسخر مني أكثر

من سخريته السابقة , دخلنا ووقف في منتصف المكان

الواسع وقال بصوت مرتفع " راضية "

لتخرج امرأة أربعينية من أحد الأماكن تنشف يديها

بمنشفة مطبخ وقالت مبتسمة " نعم يا نواس "

غريب إن لم تكن خادمة من تكون أم أنها اعتادت

على أن تناديه باسمه فقط !!

وضع الحقائب وقال " هذه وسن ابنة خالتي وستعيش معنا

هنا خذيها لغرفتها وانظري ما ينقص وتريده هناك "

قالت مبتسمة " كل هذه الملاك ابنة خالتك ولا نعلم "

أنزلت نظري وابتسمت بحزن وقال نواس " سأخرج

للعمال ولا تنتظروني على العشاء سنخرج أنا ووليد من

المدينة اليوم وقد نعود متأخرين "

ثم خرج من فوره دون أن يضيف أي كلمة ولا أن

يسأل عن زوجته أو يُعلمها هي بهذا رغم انه كان في

البر لأيام حيث أنه جاء هناك بسيارته المخصصة لذلك

لابد وأنها في زيارة لأهلها لذلك ليست هنا ولم يسأل عنها

صعدتْ أمامي بإحدى الحقيبتين قائلة " اتبعيني يا وسن

سأوصلك لغرفتك وأنزل لجلب الحقيبة الأخرى "

لكني حملتها معي وسرت خلفها فأكثر ما أكره الاتكال

على الخادمات في كل شيء وكأنهن بغال يحرثون

عليهن فقط لأنهن يأخذن منهم راتبا , سارت دون التفات

حتى وصلنا لممر معين وسارت بي لآخر غرفة فيه

ووضعت الحقيبة وقالت " هذه غرفتك إن احتجت

شيئا نادني من أعلى السلالم فقط وسأكون لديك "

قلت مبتسمة " شكرا لك يا راضية فقط أريد كوب

ماء لآخذ المسكن لو سمحتي "

قالت من فورها " توجد ثلاجة صغيرة في الغرفة بها

كل ما تحتاجينه من السوائل ووقت العشاء عند التاسعة

وسأعلمك حين يجهز وإن كنتي لم تتناولي الغذاء

أجلب لك شيئا تأكلينه "

فتحت الباب قائلة " لا رغبة لي في الطعام شكرا "

غادرت من فورها ودخلت أنا للغرفة أجر الحقيبة

معي , كانت واسعة وأثاثها جديد ويبدوا راقيا لكن لم

يدخل عليه الذوق الأنثوي أبدا , توجهت للثلاجة أخرجت

علبة عصير صغيرة ووضعتها فوقها ثم أخرجت الحبوب

من حقيبة يدي وتناولت ثلاث منها فحتى الاثنتان لم تعودا

تفيان بالغرض , ارتميت بعدها على السرير أصبر نفسي

حتى يبدأ مفعول الحبوب ويزول الألم ولو تدريجيا

بعد ساعتين كان وقت المغرب صليت وبدأت في

ترتيب أغراضي في الخزانة ولم انتهي حتى مقربة

العشاء فليس بينه وبين المغرب وقت طويل , كانت أغلب

ملابسي خاصا بالعرائس ... بيجامات حريرية وفساتين

قصيرة وقمصان نوم وتفاهات كثيرة لم أكن ولا أعد

أحتاجها فرتبتها كلها في خزانة مستقلة وأغلقتها بالمفتاح

كما أغلقت سابقا الأحلام المنسية التي لن تعود ولن تُفتح

لها الأبواب مهما طال الزمن , صليت العشاء ثم استلقيت

على السرير أحاول إقناع نفسي بوضعي الجديد , بعد

فترة طرق أحدهم الباب فقلت " تفضلي "

قالت من الخارج " هلا فتحتي لي رجاء "

غادرت السرير مستغربة وفتحت لها الباب فكانت

تحمل صينية طعام دخلت بها ووضعتها وقالت

" نواس قال أنك لم تتناولي شيئا طيلة النهار فكلي

ولو مجبرة نفسك على القليل "

ثم توجهت جهة الباب ووقفت وقالت " الطابق الأرضي

يسكنه صديق لنواس فلا تنزلي إلا للضرورة وبحجابك

وقال أن أخبرك أن السائق سيأخذك صباح الغد للجامعة "

ثم قالت وهي تخرج من الباب " تصبحين على خير "

أغلقت الباب أشعر بغصة في قلبي ولا أعرف لما وعلى ماذا

توجهت للطعام رفعت القصدير عن الأطباق وتناولت القليل

فقط رغم أني لم أتناول شيئا لا اليوم ولا الأمس , توجهت

بعدها للحمام غسلت أسناني وتوضأت وخرجت ثم صليت

ركعات الليل وبعدها نمت على السرير بما أنه لا يمكنني

النزول بهذا الطعام حسب الأوامر ونمت بعد وقت قليل ولم

استيقظ إلا على صوت منبه الساعة في هاتفي وقت صلاة

الفجر , أطفأته وجلست أشعر بكسل كبير وأني لم أنم جيدا

فوقفت ونظرت جهة الطاولة فلم تكن صينية الطعام هناك

غريب هل أتت راضية لأخذها !! دخلت الحمام توضأت

وصليت ثم عدت للسرير ونمت مجددا ولم استيقظ هذه

المرة إلا على صوت طرقات على باب الغرفة فأبعدت

اللحاف وجلست ولممت شعري وقلت " من "

جاء الصوت قائلا " راضية ... هل أدخل "

قلت من فوري " نعم تفضلي "

وغادرت السرير أرتبه على دخولها بصينية الفطور

وقالت مبتسمة وهي تضعها على الطاولة

" صباح الخير ظننتك جاهزة فالسائق ينتظر "

قلت وأنا أتوجه جهة الحمام " أخبريه أني لن أذهب

اليوم سأذهب لها غدا أشعر أني متعبة وأسدوا لي

معروفا ولا تخبروا نواس أني لم أذهب "

هزت رأسها بحسنا وقالت " سآتي لأنزل الصينية

للمطبخ فلا تتعبي نفسك كالبارحة وتنزليها "

ثم غادرت وبقيت أنظر لمكانها باستغراب ثم رفعت

كتفاي وأغلقت باب الحمام وغسلت وجهي ونظرت

لملامحي في المرآة أراقب الهالات السوداء التي بدأت

تظهر في مساحة صغيرة جدا تحت عيناي ثم تنهدت بأسى

وغسلت أسناني وخرجت , تناولت الفطور وشغلت التلفاز

لبعض الوقت أقلب القنوات بلا تركيز حتى رن هاتفي

فنظرت للمتصل فكانت ملاك , لابد ستسأل لما لم أذهب

للجامعة أو ستوبخني على ما قلته لها بالأمس فهي لن

تتوقع ذهابي اليوم ولو لم تكن غاضبة مني لاتصلت منذ

البارحة , أجبت فقالت من فورها صارخة بحماس

" وجدته يا وسن وأخيرا "

قلت بانزعاج " توقفي عن الصراخ لقد ثقبت لي

طبلة أذني , من هذا الذي وجدته "

ضحكت وقالت " لو كنتِ أمامي لقتلتك بصراخي

فلم انم البارحة أنتظر الصباح لأخبرك "

ما أن فتحت فمي لأتحدث حتى قالت بسعادة

" وجدته وجدته وجدته يا وسن وجدته "

قلت بضيق " من هذا الذي وجدته يا حمقاء "

قالت بعد ضحكة " ومن غيره أحزان السنين "

قلت بصدمة " ماذا !! "

قالت من فورها " أنا أيضا لا أصدق حتى الآن "

قلت ببرود " وأين وجدته مؤكد عند باب أستوديو القناة "

قالت بضيق " وسن لا أعلم لما لا تفرحين معي مرة

واحدة فقط , أنا قادمة لك حالا فلا محاضرات اليوم "

قلت بسخرية " أين ستأتينني أنا في مزرعة نواس "

سكتت لوقت ثم قالت بصدمة " ماذا !! هل أخذك معه "

قلت بهدوء " دعينا من كل هذا وأخبريني عن

فارس أحلامك المغوار "

قالت من فورها " نواس "

بقيت مصدومة لوقت ثم قلت " ماذا نواس !! "

ضحكت وقالت " لا يتوقف قلبك ليس هوا "

قلت بسخرية " لم يتوقف حتى حين تزوج بأخرى "

قالت بحماس " هيا وضيفتك الآن "

قلت باستغراب " وما وضيفتي "

قالت " وجدته واقفا مع نواس بالأمس حين دخلت

لك في منزل خالتك , عليك أن تعرفيه من

يكون وفي أسرع وقت "

قلت بضيق " ملاك اقسم انك جننتِ كيف عرفتِ أنه

هوا ثم أنا حين خرجت لم أجد هناك أحدا "

قالت بتذمر " وسن عليك مساعدتي وما أن نتقابل

سأحكي لك كيف عرفت المهم أني متأكدة أنه هوا "

قلت ببرود " أنا لم اجن لأقول له من صديقك الذي كان

معك بالأمس لان صديقتي تعرفه من المذياع "

قالت بصدمة " حاذري أن تخبريه يا متهورة

لا أريد أن يعلم من أكون "

قلت بامتعاض " ملاك وكأنك لا تعلمين أي حال عليه

أنا ونواس , كيف أساله سؤالا غبي كهذا ودون حتى أن

أشرح السبب ثم سيسألني كيف علمت به وأنا لم أراه "

قالت باستياء " نعم كيف فآتتني هذه "

قلت بهدوء وأنا أقلب القنوات من جديد " ملاك ابتعدي

عن الحب وخزعبلاته كي لا تنتهي لمصيري "

تنهدت وقالت " لا أستطيع فلم انم البارحة أفكر فيه "

قلت ببرود " نصحتك وسيأتيك كلامي يوما "

قالت بتذمر " حسنا لأجرب الحب والجرح لا بأس المهم

هوا طويل وشعره أسود جميل وابتسامته مشاكسة

وساحرة ويده تؤلمه "

ضحكت رغما عني ورغم حزني وما بي وقلت

" ما كل هذا الوصف الدقيق يا مجنونة فجميع

الرجال تقريبا طوال وشعرهم أسود "

قالت باستياء " لا علاقة لي أخرجيه من يكون من تحت

الأرض فأنتي طريقي الوحيد إليه "

قلت " نلتقي غدا ونتحدث ولتحكي لي سبب بكائك

تلك الليلة حين اتصلتِ بي "

قالت ببرود " اتركيني في فرحتي أنسى الأسى

قليلا .... وداعا ونلتقي غدا لقد نكدتِ علي "

أنهيت الاتصال مبتسمة على حماسها وخائفة عليها

لعلها تنتهي نهاية جواد وفرح ليس بالضرورة تنتهي

لما انتهيت أنا إليه بما أنها اكتشفت انه مخلوق بشري

موجود على كوكب الأرض , رميت جهاز التحكم من

يدي ثم وقفت وتوجهت للنافذة وأبعدت الستائر وفتحتها

ثم سرعان ما عدت وأغلقتها عندما رأيت الحركة والخيول

في الخارج , فتحت فتحة صغيرة لأرى قليلا ما يجري

هنا فكانت ساحة تبدوا واسعة جدا ورجال يتحركون مارين

بها ورجلان يقفان عند السياج ويبدوان يمزحان مع بعض

لأن أحدهما ضرب الآخر على رأسه وصوت ضحكهم

واضح لقرب المكان , انتقلت بنظري بعدها للخيول وكان

منظرها مبهرا أغلبها بنية غامقة ومنها المرقطة ومنها

السوداء والحمراء وواحدة بيضاء ناصعة شعرها أسود

فاحم اطرب قلبي لرؤيتها وحدها من بين الجميع والمفاجئة

ليست هنا بل في الذي تلعب يده بشعرها وتمسح الأخرى

على وجهها وهوا نواس الذي يرتدي بنطلونا رياضيا

وقميصا قطنيا وهي كانت تستنشق ثيابه وكأنها تحضنه

وكان وكأنه يحدثها في أذنها ثم انطلقت فجأة تركض في

الساحة ليتطاير شعرها الأسود وأنا أوسع النافذة أتابع

حركتها وكأنها مغناطيس لعيناي حتى صرخ أحد الواقفان

وصفر الآخر قائلا بصوت مرتفع " ما سر فرسك اليوم

تركض منذ الصباح بنشاط "

رفع حينها نواس يده جانبا حيث كان ظهره لي ونادى

ناحيتها بصوت مرتفع " الوسن تعالي "










****************************************************

******************************************










بقيت تنظر لي لوقت ثم قالت " نعم نزار يمكنك

السؤال عما تريد "

وما أن فتحت فمي لأتحدث حتى تقدمت للأمام بقوة

وكأن ثمة من دفعها فنظرتُ خلفها فكان ثمة طفل يبدوا

في العامين أو أقل يحضنها من ظهرها ويناديها بسم غير

مفهوم وليس اسمها فأبعدتْ يده لتبعده عنها فركض لها

من الأمام وحضنها جالسا في حجرها ولازال يناديها بذات

الاسم فأحاطته بذراعيها تقبل خده وكأنها تعرفه وتحاول

سؤاله عن اسمه ومن يكون فجلس في حجرها مقابلا

البحر وكأنه ليس يحفظها فقط بل يحفظ كيف يجلس عندها

وحضنته هي بذراعيها مبتسمة تقبل خده كل حين وهوا يحكي

لها أشياء غير مفهومة وكأنه يتحدث بلغة جديدة عن البشر لا

أفهم منها سوى ماما وبابا وبيت ونينة والاسم الغريب الذي

يناديها به , كان مشهدا غريبا جعلني أتأمله لوقت وهي وكأنها

نسيت وجودي فلم تلتفت ناحيتي ولا من باب الاستغراب لما

يحدث معها , فاتكأت بذقني على ذراعي الملتفة حول ركبتي

أشاهدهما بتأمل , تبدوا سما كما قالت والدتي تحتاج من يعوضها

عن كل ما رأت .... تحتاج طفل لها وليس لغيرها وزوج يكون

أقرب لها من الجميع , نعم تحتاج لعائلة تنسيها فقدها عائلتها

أبعدت نظري عنهما وابتسمت بسخرية على أفكاري , قل أنك

أنت ذاك الزوج لتكتمل المسرحية يا أبله , اقترب حينها

منا صوت مناديا " قصي تعالى هنا "

التفتنا كلينا على اقتراب سيدة تبدوا في منتصف الثلاثين

أو يزيد قليلا , اقتربت منا وأمسكت يد الطفل وسحبته قائلة

" عذرا منك أنتي تشبهين كثيرا ابنتي المتوفاة منذ شهرين

وهوا كان متعلقا بها كثيرا فضنك هي "

قالت سما ناظرة لها " لا عليك سيدتي يرحمها

الله ويخلفكم فقدها خيرا "

شكرتها وغادرت به تجره بصعوبة وهوا يبكي وينادي

اسم شقيقته تلك التي يضنها هي , عادت حينها سما

بنظرها للأمم وقالت بحزن " مسكين يبدوا فقد

الأحياء أمر صعب حتى على الأطفال "

ثم رفعت نظرها للبحر وقالت بعينان تكادان تدمعان

" لما وجد الموت وهوا مؤلم هكذا "

نظرت حيث تنظر وقلت بهدوء " لا يفعل الله أمرا عبثا يا

سما فلا تتركي للشيطان مدخلا فلو لم تمت الناس ما وجدنا

مكانا لنا على الأرض فأين سنعيش جميعنا "

فاجأتني حينها بضحكتها فنظرت لها باستغراب فنظرت

لي وقالت مبتسمة " لا يمكنني تخيل ذلك "

نظرت لها مبادلا إياها الابتسامة ومستغربا تبدل مزاجها

بسرعة من كلماتي ثم وقفتْ واقتربت من الموج ترفع بنطالها

الجينز لما يقرب ركبتيها وبدأت تلعب بالموج بين يديها منحنية

قليلا لتمر الموجة عليهما واقتربت للداخل أكثر حتى غمر

الماء أغلب ساقيها وجديلتها أصبحت تلامسه وهي

تلعب بيديها مع الأمواج فقلت بصوت مرتفع

" سما لا تبتعدي كثيرا "

قالت وهي لا تزال منحنية " لا تقلق أعرف السباحة "

لم تستطع عيناي تركها ليس لأراقبها مخافة أن يأخذها

الموج ولا أعلم لما تسبح عيناي في هذا المشهد وهي

تغمر يداها في الموج والماء ثم تخرجهما وتقف على

طولها يداها جانبا يتطاير منهم الماء مبتسمة لأنتبه لأغنية

( زيديني عشقا ) التي تصدح منذ وقت ليرتبط عندي

الكلام بمنظرها ( ياااااا أحلى امرأةٍ بين نساء الكون أحبيني

ياااااا من أحببتك حتى احترق الحب أحبيني ... إن كنتي

تريدين السكناء أسكنتك في ضوء عيوني ..... حبك

خارطتي ... حبك خارطتي ما عادت خارطة العالم تعنيني "

فأبعدت عيناي عنها ونظرت للجانب الآخر , ما بي

اليوم حتى منظر الأولاد يلعبون عاد يشدني بعدما

يئستهم ونسيت هذا من سنوات ولم يعد يؤثر بي

ما الذي سأقدمه لزوجة أتزوجها وأولاد أنجبهم غير

خيبات الأمل والتقصير في دفع المال لشراء ما

يلزمهم , ما سيقدمه فاشل وعاجز مثلي ؟ يبدوا أنه

كلمات سما لي في المطبخ بالأمس هي من أعادت

لي تلك الأفكار والأحلام فلم أتخيل أن ينظر لي أحد

كشخص فعل له الكثير بل أهم لديه من رئيس البلاد

وجهازها الأمني وأنهم عجزوا هم ونجحت أنا بل

وتقول أني أعرف كيف أكون في المقام الأول لدى

الجميع من حولي وأنا أرى أنهم جميعا مستغنين عني

ولست سوا شخص زائد وجد هكذا لأن الموت لم يأخذه

بعد , كيف ترينني يا سما أصلح شقيقك وزوجك وابنك

بل وشبهتِني بوالدك , عادت كلمات الأغنية لتحتل مخيلتي

مجددا ( وضلي قربي غنيلي فأنا من بدأ التكويني أبحت

عن وطن لجبيني عن حب امرأة يأخذني ..... لحدووود

الشمس ويرميني ) فأغمضت عيناي بشدة ليخرجني من

أفكاري صوتها منادية " نزااااار "

نظرت لها بسرعة فلوحت لي قائلة " تعال الماء

هنا بارد ومنعش اقترب هيا "

لوحت لها بيدي فقط ولم أتحرك فنزلت تجمع الماء بكفيها

ونظرت أنا جهة والدتي التي كانت تنظر جهتنا مبتسمة

فشعرت بقطرات ماء على جانب وجهي فعدت بنظري

هناك فكانت سما هاربة جهة المياه ونظرت لي وعادت

تجمع الماء في كفيها فقلت مبتسما " توقفي يا مشاغبة "

لكنها ضحكت ولم تكترث لي واقتربت تركض والماء

ينزل من بين أصابعها ورشتني بما تبقى منه فأخفيت

وجهي بذراعي وقلت ضاحكا " سما توقفي قلت لك "

لكنها عادت هناك ولم تكترث لي فوقفت أنوي العودة

جهة والدتي فاستوقفني صوتها المنادي قائلة

" نزار لم أعرفك جبانا هكذا أين تهرب "

وتراني شجاعا أيضا إذا لن أغير نظرتها لي , عدت

ناحيتها واقتربت منها بابتسامة مشاكسة كمن ينوي شرا

وهي تبتعد وترمي الماء ناحيتي ضاحكة فرفعت بنطلوني

ودخلت وبدأنا نتقاذفه على بعضنا بأيدينا ونضحك وهي

تبتعد لأني بالطبع سأتغلب عليها ثم توقفت وقلت

" ستتبلل ملابسك أكثر وتمرضي يكفي هيا "

لكنها استغلت الفرصة واستمرت ترميني بالماء بحركة

سريعة وتضحك فتوجهت ناحيتها مسرعا وأمسكتها من

يدها وخرجت بها مسرعا وهي تركض خلفي ضاحكان

حتى وصلنا عند والدتي وقالت سما " أرأيت يا خالتي

هزمته فأخرجني مرغمة "

ضحكت أمي وقالت " رأيتك وهوا يكاد يوقعك وأنتي

تتراجعي فأي هزيمة هزمته بها "

ضحكت وقلت وأنا أنشف ساقاي من الماء

" لأول مرة تقفي في صفي ضدها "

وضعت سما يديها وسط جسدها متضايقة فرميت لها

بالمنشفة قائلا " نشفي قدميك وساقيك كي لا تمرضي "

جلست على البساط تنشف ساقيها وقالت " كنت وشقيقي

سامي نتسابق دائما في المسبح ورغم صغر سنه كان

يسبقني وكان يحب السباحة كثيرا "

ثم تابعت ونظرها على ساقيها والمنشفة فوقهما

" والدي كان يقول عنه دائما بأنه سيكون سباحا ماهرا

أما أنا فلم تكن لدي مواهب أبدا ولا اعرف لما "

نظرنا أنا وأمي لبعضنا فلأول مرة تتحدث سما عن

عائلتها وماضيها معهم , كانت دائما تتجنب الحديث عنهم

ونحن لا نفتح أي موضوع يخصهم مراعاةً لها , يبدوا

بدأت تجتاز أزمتها شيئا فشيئا , قالت والدتي مبتسمة

" بلى لديك موهبة الطبخ فأنتي طباخة ماهرة "

طوت المنشفة وقالت وهي تنزل بنطالها ونظرها

عليه " عندما كنت في الثالثة عشرة أصررت على

والدي أن يدخلني معهدا لتعليم العزف حتى أني لم

احدد أي آلة سأعزف عليها "

ثم رفعت نظرها لنا وقالت مبتسمة " كنت أتأمل

أن تكون لي موهبة مدفونة ولا أعلم عنها "

قلت مبتسما " وما اكتشفتِ هناك "

قالت بعبوس " لم أنجح في ولا واحدة واقتنعت

أنه لا موهبة لي "

ضحكنا عليها كلينا ثم قلت " وأنا لا موهبة لي

هذا أمر طبيعي جدا "

ضمت ساقيها لبعضهم متربعة وقالت بحماس

" حقا لا موهبة لك "

ضحكت وقلت " نعم كان لدي طموح أن أصبح مهندسا

وعندي هواية وهي لعب كرة الطائرة أما موهبة

فلا يوجد ويبدوا لا يوجد شيء منهم جميعهم "

نظرت لوالدتي التي بادلتها النظرة ولا أفهم لما ثم

قالت سما " بل من يرى خرائطك التي ترسمها يكون

متأكدا أنك صاحب موهبة وليس طموحا فقط ورغم

ظروفك التي منعتك من إكمال مشوارك إلا أنك وبالدليل

لازلت ترسم الخرائط بحرفية وإتقان , لو كنت مكانك

منقطعة عن الدراسة لأعوام لن أعرف كيف أخط خطا

فوق ورقة وهذا يدل على أنك لم تتوقف عن الرسم

رغم توقف دراستك أليس كذلك "

بقيت أنظر لها باستغراب فأنا لم أفسر الأمر هكذا

يوما ثم قلت منتظرا جوابها " نعم لم أتوقف أبدا "

قالت مبتسمة " هذا يعني أنه ليس طموحا لكان مات

مع توقف مسببه فإما أنها موهبة وإما أنك إنسان

مناضل لا يعترف بالهزيمة "

قالت والدتي مباشرة " وأيهما في نظرك يا سما "

نظرتْ لوالدتي وقالت " أراها عزيمة وإصرار وقليلون

هم من ينجحون في فعل هذا فهناك من كانوا أطباء

ناجحين وتركوا مهنة الطب بما فيها بسبب خطأ طبي

لأنهم استسلموا لليأس وهم من أكملوا مشوار دراستهم

للنهاية وتركوا اليأس يتغلب عليهم "

كنت أنظر لها بحيرة .... لم يسبق وجلسنا وتحدثنا

عن أي أمر يخصنا وأولها ما اكتشفت هذان اليومان

وهي نظرتها لي ! لم أفكر في أن عقلها يترجم هكذا

وكأنها محلل للشخصيات أو درست علم النفس

وقفت بعدها وقالت " سأعد معكرونة فأجمل شيء يؤكل

عند البحر هي المعكرونة باللحم وسترون كيف ستعجبكم "

قالت أمي ضاحكة " لما تتعبين نفسك كنتِ

تركتنا نشتري أكلا جاهزا نأكله "

قالت متوجهة جهة الأغراض " مستحيل كيف

تكون نزهة مع أكل جاهز , الطعام يكون أطيب

عندما يطهى في الهواء الطلق "

قالت أمي وأنا أراقب ما تفعل هناك

" تبدوا سما بدأت تتحرر من حزنها شيئا فشيئا "

عدت بنظري منها ونظرت لقدماي على الأرض

وقلت " نعم فسما فتاة قوية وذكية لن يصعب عليها

اجتياز كل ذلك لكن أخشى أن يؤثر عليها في

شيء نحن لا نعلمه أو لا نلحظه "

قالت باستغراب " كيف ذلك !! "

نظرت للبعيد وقلت " بعض الذين يمرون بأزمات مشابهة

تظهر نتائجها في المستقبل في أمور لا تكون إلا وقتها "

قالت بعد صمت " تعني أنه عليها زيارة طبيب نفسي "

عدت بنظري لقدماي وقلت بهدوء " لولا خوفي أن تتأثر

بهذا وتفهمه بشكل خاطئ لعرضت عليها الأمر "

تنهدت وقالت " معك حق فقد تعتقد أنك تراها مريضة "

نظرت لها وقلت " أفكر أن نعرضها على أحدهم دون

علمها وجابر سيساعدني في ذلك بالتأكيد "

قالت من فورها " لكني أراها طبيعية جدا "

هززت رأسي بلا وقلت " لم تري كيف انسلخت عن

العالم حولها وهي تحضن ذاك الصغير هناك , كانت وكأنها

غائبة عن الواقع حتى أنها لم تعي ما كان يقول لها "

قالت مبتسمة " شغلتني يا أحمق "

نظرت لها باستغراب فقالت بعد ضحكة " ذاك أمر

طبيعي بني إنها مشاعر الأمومة شيء منغرس عند كل

امرأة ومنذ طفولتها ويخلقها الله عليه لترعى أبنائها ولولا

ذلك لكنا كالحيوانات كل أم تذهب وتتركهم "

قلت بجدية " هل هذا رأيك "

قالت مبتسمة " نعم ومتأكدة منه وستبقى سما تعاني

الفراغ العاطفي داخلها فلن أستطيع ولا حتى أنا ملئه , فقط

زوج وأبناء أو أم وأب وأخوة أو حتى أحدهم والمرأة

ليست كالرجل في هذا بني "

نظرت للأرض وقلت بشرود " وأنتي بعد وفاة

جدي وجدتي من ملئه لك "

تنهدت وقالت " لم يمتلئ إلا بعد أن تزوجت وأنجبتك بني

وكنت تكفيني وحدك كل عمري حتى بعد وفاة والدك رحمه الله "

غادرت بنظري عنها للبحر ولذت بالصمت لوقت حتى

جاءت سما بطبق كبير ووضعته قائلة

" سأسكبها الآن ولن نأكل حتى تبرد قليلا "

ثم توجهت نحو القدر وأحضرته تمسكه بمنشفة

مطبخ ووصلت وقالت " انزع الغطاء نزار "

مددت يدي ونزعته وسكبته هي على الفور وقالت أمي

ضاحكة " سيجتمع علينا كل من هنا بسبب هذه الرائحة "

رفعت الشوكة وقربتها قائلا " هذا إن وجدوا فيه شيئا "

ضربت لي شوكتي بالملعقة الخشبية وقالت " ليس بعد

حتى تبرد قليلا طعمها سيصبح أفضل "

مددتها مجددا وقلت مبتسما " لن أقاومها حتى

تبرد .... سأتذوق لقمة واحدة فقط "

أمسكت يدي وأبعدتها قائلة باستياء

" خالتي أخبريه يبتعد عن طبختي "

ضحكت أمي وقالت " نزار أتركها حتى تسمح لك هيا "

قلت بضيق " لو أعرف سر حبك الشديد لما تطهيه لتضعي

كل هذه القوانين الصرامة ولا تقدري مشاعر البشر "

وضعت يداها وسطها وقالت " هل تعرف ما هوا شعورك

حين ترسم إحدى خرائطك الصعبة المعقدة تلك وآتي

أنا واسكب لك عليها الحبر , هذا نفس شعوري أنا "

ضحكت وقلت " شعور سيء جدا "

قالت ملوحة بيدها " ابتعد إذا حتى تبرد "

قلت باستسلام " أمري لله لقد تغلبتِ علي "





*

*







كان هذا من أجمل أيامي شعرت فيه أنني مع عائلتي

الحقيقية التي فقدتها منذ أشهر وهما الاثنان أغنياني حتى

عن أهلي الحقيقيين المجهولين فأولئك تخلوا عني وعن

والداي وهؤلاء لا رغم أنهم ليسوا عائلتي ولا من بعيد

غمزت لي خالتي بعينها على نزار الذي كان يأكل المعكرونة

لآخر قطعة منها يتتبعها في الطبق وهوا يقول " لذيذة

وألذ من التي تعدينها في المنزل رغم أن تلك مذاقها رائع "

ضحكت خالتي وقالت " اترك شيئا للماء يغسله "

ضحكت أنا ورما هوا الشوكة في الطبق وقال بضيق

" قولي أنك تغارين منها "

شهقت خالتي بقوة ونظرت له أنا بصدمة فضحك كثيرا

ثم وقف قائلا " هيا يا كسولتان لنعود للمنزل سيقترب المغيب "

قلت بصدمة " كيف ونحن لم نصلي العصر بعد "

قال متوجها جهة الأغراض " ما أن نضع الأغراض

في السيارة ونغسل الأواني نكون بعد العصر

ويقترب حينها وقت غياب الشمس "

وقفت وقلت باستياء " لا أريد أن نعود الآن "

ضحكت خالتي وقالت " عليك أن تطيعيه كي

نحظى بنزهة أخرى "

قلت بتذمر " أمري لله فإن غضب خسرنا هذه وغيرها "

قالت ضاحكة " هذه انتهت لما ستخسرينها "

قلت وأنا أجمع البساط " ما الفائدة منها إن انتهت

بغضبه فستترك ذكرى سيئة لنا "

قالت مبتسمة " معك حق "

غادرنا بعدها بقليل وعدنا للمنزل وأنزل نزار خالتي ثم

الأغراض يضعهم عند الباب وأنا أدخلهم للداخل ثم قضيت

وقتا طويلا أرتب المطبخ وأعيد كل شيء مكانه بعدما غسلته

مجددا ودرست بعض دروسي بمساعدة نزار في غرفة

خالتي فهوا سيساعدني في مواد الرياضيات والفيزياء والباقي

مواد سهلة تحتاج الحفظ فقط بما أن لغتي الانجليزية والفرنسية

ممتازة , وحمدا لله لم يتبقى كثيرا على العام الدراسي وينتهي

رفع رأسه وقال " هكذا نكون انتهيا , هل كل شيء واضح لك "

هززت رأسي بنعم وقلت " شكرا لك نزار أنا أتعبك معي "

وقف وقال " أبدا فأنا اشرح للطالبات كل يوم , أنتي على

الأقل تفهمين من أول مرة ويثمر فيك التعب "

ضحكت خالتي وقالت " احمد الله أنها ذكية لكنت

طوال النهار تعيد كالببغاء "

ضحك كثيرا ثم قال مغادرا الغرفة

" لن استكثر فيها التكرار لأنها تستحق "

ثم خرج وصعد السلالم وأنا ذابت جميع مفاصلي وأشعر

أنني أصبحت كبقعة ماء على الأرض من مشاعر الفرحة

لدي وأوليت خالتي ظهري بسرعة اجمع كتبي في صمت

فوصلني صوتها قائلة " تبدين متعبة الليلة ولا رواية "

التفت لها محتضنة كتبي وقلت " بل كنت أخشى أنك

أنتي المتعبة ولم أرد أن أحرجك , سأضع كتبي

في غرفتي وأعود لك "

خرجت بهم وصعدت مسرعة أحمد الله أنها لم تنتبه

لكلماته وتعلق عليها , كم أتمنى فقط أن أعلم بمشاعره

نحوي هل أنا مجرد مسئولية كما كان يقول وأمانة سيعيدها

لأصحابها أم شيء آخر أنا أتمناه فقط وقد لا يكون له وجود

عبرت الممر راكضة وشاردة مع أفكاري لاصطدم

بشي أوقعني أرضا وتناثرت الكتب وقلت بتألم

" آي هذا مؤلم , نزار ما بك لا ترى أمامك "

ضحك وقال وهوا يجمعهم من الأرض " أنتي من لم

تريني وليس أنا , ثم لست وحدك المتضررة وأنا

حطمتِ لي ضلوع صدري "

شعرت بالإحراج من كلماته ووقفت وأشعر بمؤخرتي

تحطمت ولا أستطيع لمسها وتخفيف الألم عنها والغريب

أنه حمل الكتب ولم يساعدني أنا على الوقوف كعادته

كلما وقعت بل شغل نفسه بها عني حتى وقفت وحدي

أولا ثم رفعها عن الأرض مع بعضها , مدهم لي

فمددت يداي له ووضعهم فيهم قائلا بابتسامة

" حسنا أنا آسف رغم أن الخطأ عليك "

قلت بعد ضحكة صغيرة " لقد أفسدت الاعتذار

كنت تركتهما كلاهما بدلا من تذكيري بخطئي "

اكتفى بابتسامة أراها أجمل في كل مرة ورفع كفيه

وكتفيه علامة لم أعرف ما أقول فزادني على ما بي

آه يا نزار ليتك تعلم فقط ما تفعله في قلبي بكل هذا

تركني وتوجه جهة السلالم مغادرا فالتفت له

وقلت " نزار "

التفت لي فاقتربت منه حتى صرت أمامه حاضنة

كتبي لصدري وقلت ونظري للأرض " شكرا على كل

شيء اليوم لن أنسى هذا اليوم ما حييت ولو كان لدي

شيء غير عبارات الشكر لقدمته لك "

وصلني صوته مبتسما " ولما الشكر يا سما لم أفعل شيئا يستحق "

رفعت نظري له وقلت " بلى فعلت الكثير وتستحق الشكر "

شتت نظره بعيدا وكأنه ارتبك وقال بهدوء

" المهم أنها أعجبتك فهي من أجلك "

ثم نزل وتركني حائرة في أمره الليلة وكأنه يتهرب

مني ومن عيناي والحديث معي وليس كالسابق

رفعت كتفاي بعدم فهم وتوجهت لغرفتي ووضعت كتبي

هناك ورتبتها مكانها ثم نزلت لغرفة خالتي ودخلت

قائلة " يبدوا نزار نزل ولن نستطيع القراءة "

مدّتها لي قائلة " رأيته وهوا يصعد مجددا اطمئني "

أخذتها منها وجلست وفتحت أين وقفنا وقرأت

(( ضغط على ذراعي بقبضته بقوة وقال من بين

أسنانه " ماذا كنتي تفعلين في غرفة أشرف "

سحبت ذراعي منه بقوة وبلا فائدة وقلت بتألم

" أتركني لقد آلمتني "

قربني منه أكثر حتى بات تنفسه الغاضب يلفح وجهي ثم

قال بغضب " ماذا تفعلين في غرفة رجل نائم يا رُدين "

أبعدته بيدي من صدره بقوة حتى ابتعد وترك ذراعي

وقلت بحدة " ما تقصد بهذا يا وقح أنا أنزه من

أفكارك وهوا ابن زوجي إن نسيت "

سحبني للجدار مسندا لي عليه ووقف أمامي ويداه

تمسك ذراعاي بقوة وقرب وجهه حتى أصبح أنفه

سيلامس أنفي وفحيح نفسه يخرج كالإعصار وقال

" تكلمي هوا من ناداك أم ذهبت لوحدك "

بقيت انظر لعينيه الملتصقة بي دون كلام فقال بهمس

" تكلمي هل هوا قال لك أن تدخليها "

قلت بهدوء وعيناي لازالت في عينيه

" أنا دخلت لأسأله عن ...... "

قال بجدية وذات الهمس " عن ماذا "

وضعت يدي على صدره أدفعه وقلت بضيق

" فراس ابتعد "

اقترب دافعا يدي بصدره حتى تلامست أنوفنا هذه المرة

وقال " لا أراك في غرفة أحدهما مرة أخرى تفهمي "

قلت بضيق " ابتعد يا فراس واستحي أنت أولا

ولا تنسى هم أبناء زوجي وأنا لم أخطأ "

قال بحدة " كذ .......... "

ثم تأفف وهز رأسه بقوة وقال بحدة أكبر

" قلت لا تدخلي تفهمين "

دفعته بقوة حتى ابتعد وقلت بغضب

" هذه آخر مرة تتصرف معي هكذا يا وقح ابتعد "

قال مغادرا " حذرتك وجربي أن تفعليها مجددا ولا

تنسي أني أيضا ابن زوجك يا أم زوج "

ثم غادر وتركني اغلي من الغيظ , ما يعني بما يقول

وكيف يشك بي وبشقيقه هكذا , هذا المريض المتخلف

سيرى إن لم أخبر والده ليضع له حدا , دخلت غرفتي

أنفض ثيابي بغيض وأشعر أنني سأحترق واحرق الدنيا

بما فيها , ما قصد أشرف بما قال ! ترى هل هوا صادق

هذه المرة وفراس وجده معها سابقا ونصحه بالعذل عما

يفعل , أذكر عمتي سعاد قالت أن فراس اعتاد منذ صغره

على مراقبة تصرفات شقيقيه وينهاهم عن الخطأ لكن يبقى

أشرف لا ثقة في كلامه وفراس لا ثقة فيه كله على بعضه

أختار أشرف بشلة فتياته ولا أتزوج بهذا الخرف العفن

جلست على السرير أتأفف طوال الوقت وكأني بركان

يوشك على الانفجار حتى طرق أحدهم الباب وكانت

عمتي سعاد دخلت ويتبعها الغضنفر فراس , اقتربت

مني وجلست بجواري على السرير وهوا وقف مستندا

بالجدار فقلت ببرود ونظري للأرض " أخبري ابنك

يخرج من غرفتي بكرامته قبل أن أطرده "

تنهدت وقالت " رُدين يا ابنتي استهدي بالله فعمك

رياض منذ رآك تبكي بالأمس وهوا لا يكلمه

أنهيا هذه المشكلة المعقدة "

أشرت له بيدي وأنا انظر لها وقلت " يخرج من

غرفتي حالا فحسب ما أعتقد أني أنا فقط عديمة

الأخلاق التي تدخل غرف الرجال وهم نيام "

وطبعا ذاك الحجر لم ينطق بأي حرف , قالت بهدوء

" لما كنتي في غرفة أشرف أخبريه الحقيقة ليرتاح "

قلت بضيق " لا يهمني أن يرتاح أو لا فليمت من التعب

لا يعنيني ذلك ولن أبرر له لا هوا أبي لا أخي ولا زوجي "

أمسكت يدي وقالت " وإن طلبت منك أنا هذا

لننهي المشاكل يا رُدين "

قلت بأسى ضاربة على صدري " وحقي يا عمتي

وحقي من يأخذه لي , ذلني وأهانني بالأمس واتهمني

في أخلاقي اليوم وعليا أنا فقط أن أبرر له "

تنهدت وقالت " تكلمي وحقك لن يضيع "

وقفت مقابلة لها ووضعت يداي وسط جسدي وقلت

" ومن سيأخذه منه وماذا إن خدعني ثم بأي صفة أبرر له "

قالت بعتب " لم أتصور أن لا خاطر لي عندك "

تنهدت بضيق ثم قلت " أشرف كذب علي وخدعني

من أجل أن أساعده في مخططاته الفاشلة وحين اكتشفت

كذبته ذهبت له وأيقظته وسألته عن الحقيقة فقط هذا ما حدث "

قال حينها الحجر الصامت " وهذه أول مرة أم لا "

نظرت له وأشرت بإصبعي وقلت بغيض

" أنت لا تتحدث أبقى على صمتك "

قال بغضب " احترميني أنا أكبر منك "

قالت عمتي سعاد بحدة " فراس يكفي وأنتي

يا رُدين كلامك معي وليس معه "

نظرت جهتها وقلت " لا علاقة لي يورطوني

أبنائك في مصائبهم وأدفع أنا الثمن "

ثم تابعت وأنا أعد بأصابعي " أخذني للسوق وابتزني

وجعلني أقابل جوجو وأخبرها أني شقيقته وأنه سيتزوجها

ثم تحايل علي وجعلني أكلم أسوم وأخبرها أني شقيقته

ووالدي يرفض زواجه بها ونحن نقنعه ثم اكتشفت أنه

يكذب فيما ابتزني لأطيع رغباته ومخططاته كنت مجبرة

وكم نصحته أن يبتعد عن بنات الخلق وأن يعتبرهن

شقيقاته أو بناته وفي النهاية أنا عديمة الشرف التي

دخلت له لغرفته وهوا نائم وكان ينقص أن يقول أني

نمت معه منذ الليل , أليس هذا ما يفكر فيه "

قالت عمتي سعاد " أستغفر الله يا ابنتي هوا

لم يفكر هكذا مطلقا "

قلت بأسى " وبما فكر إذا "

نظرت له ثم لي وقالت " هوا رآك خارجة مسرعة

من غرفة أشرف وظن أن أشرف من أدخلك وأجبرك

على الدخول وأن يكون فعل شيئا فقط هذا ما حدث "

قلت ببرود " لا أصدقه فما قاله لي ليس كذلك يزمجر

بي كالتنين يضنني جدار لا يشعر ثم يغير أقواله "

ابتعد عن الجدر وقال " أنا لم أغير شيئا وما قلته لك

قلته لها ولست خائفا من أحد لأغير كلامي "

قلت ببرود " ما لدي قلته واسألوا ابنكم إن لديكم شك

هذا إن لم يكذب عليكم كما كذب علي "

قالت عمتي " المهم الآن لا يسمع رياض بكل هذا "

قلت بجدية " أبدا كله سيكون لديه وكلام ابنه هذا

بالتحديد وبالحرف الواحد أيضا "

قال بضيق " أرأيت كيف تهددني يا أمي "

نظرت ناحيته وقلت بضيق أكبر " سأسألك سؤالا واحدا

يا حضرة المحقق , عندما أخبرت شقيقاك أن يخرجا

ويتركانا وحدنا وأغلقت الباب واستفردت بي وعندما

سحبتني للمجلس وأغلقت الباب علينا وعندما جئتني

هنا لغرفتي ماذا تسمي كل هذا أم أنه لا بأس لأني

لست أنا التي ذهبت إليك "

كان سيقول شيئا فسبقته والدته قائلة

" أخرج الآن يا فراس "

كان سيتحدث معترضا فقالت بجدية

" أخرج ولنا حديث آخر معا "

خرج وضرب الباب خلفه فقلت بحرقة

" هل هذا هوا حقي الذي ستأخذينه منه "

تنهدت وقالت " أجلسي يا رُدين "

جلست أنظر للجانب الآخر وأشعر بكل مشاعر الغضب

والاستياء فوصلني صوتها قائلة بهدوء " رُدين فراس كان

خائفا عليك حقا وخاف من أن يكون أشرف أذاك , ليس

معنى أن يعتقدوا أنك زوجة والدهم يعني أنهم ليسوا رجالا

والشيطان يعرف كيف يدخل للإنسان فكم من فتيات تعرضن

لمواقف بشعة من العم أو الخال وحتى الشقيق أو الأب

وفراس معه حق في هذا "

قلت بأسى " ولما هوا يستفرد بي أليس رجلا مثل

الجميع ثم كيف يضن بشقيقه هكذا , صحيح أن أشرف

يصادق الفتيات لكنه ليس بالشكل الذي يعتقد فراس

هوا لا يستغلهن أبدا ولا يمسس شرفهن ولم يبدر منه

ناحيتي أي تصرف مشين ولا بكلمة أو لمسة بالعكس

كانت هذه الأمور أبعد ما يفكر فيه وإلا ما كنت دخلت

غرفته ثم أنا تركت الباب مفتوح ولم أغلقه "

أمسكت بيدي وقالت بجدية " رُدين عمك رياض لا يستحمل

فيك شيئا ولم تسمعي سيل الشتائم التي تلقاها فراس منه

بسبب بكائك بالأمس رغم أننا وجدناكما مبللان كليكما

والإهانة له كرجل كانت ستكون أكبر ولو لم أكن متأكدة

من أن فراس كان خائفا عليك بالفعل من لهجته وكلماته

ما كنت وقفت في صفه ففراس اعتاد كل حياته تحمل

مسئولية من حوله ويخاف على جميع المحيطين به "

قلت بحرقة " لا أريد أن يخاف علي لا شأن له بي "

وقفت وقالت " أنا متأكدة منك ومن تربيتك جيدا يا

رُدين ويستحيل أن تكوني السبب في فجوة بين رياض

وابنه قد تستمر طوال العمر لأني أعرف كم سيجن

جنونه لو أخبرته أن فراس اتهمك في أخلاقك

وفراس حقا لم يفكر هذا التفكير "

ثم غادرت الغرفة وأغلقت الباب وتركتني وحدي

ولم أغادرها حتى جاءت الخادمة تخبرني أن الغداء

جاهز ولو لم يكن عمي رياض موجودا على الغداء

ما نزلت لأني لا أريد أن يسأل لما لم أتناوله معهم

نزلت وتوجهت من فوري لطاولة الطعام وجلست

بجوار والدتهم مقابلة لهم ثلاثتهم أتجنب النظر للجميع

وبدأت بالأكل لا أنظر إلا للطبق أمامي وكانوا يتحدثون

عن عمهم القادم اليوم وابنته وأنا لم انطق بحرف ، بعد

وقت رفعت نظري فوقع على فراس ينظر لي فأبعدته

فورا ونظرت جانبا بضيق ووقف حينها عمي رياض

وتبعته زوجته ووقف بعدهم أشرف وقال واضعا

يديه وسط جسده " رُدين تعالي أريدك قليلا "

قلت ببرود وأنا أسكب مشروبا غازيا لي في كأس

" لن أذهب مع أحد ولن يخاطب لساني لسان أحد

وأي إهانة لي مجددا لن أسكت عنها ، لو لديك

شيء قله هنا وأبعدني عن خططك ومغامراتك "

قال من بين أسنانه " قلت تأتي يعني تأتي "

قال فراس بحدة " أشرف أترك الفتاة وشأنها

كلامك معي وليس معها "

نظر له أشرف وقال بحدة مماثلة " لا علاقة لك أنت "

وقفت وقلت بضيق مشيرة بإصبعي لهما بالواحد

" لا علاقة لك ولا له ولم اسكت عما حدث إلا من

أجل عمتي سعاد ولن أسكت مجددا "

قال وائل بسخرية " ها قد جاءكم كلامي ولم تروا

شيئا بعد حتى تفرق العائلة عن بعضها "

أشرت له بإصبعي وقلت بغضب " أصمت ولا تتهمني

بما فيكم من قبل مجيئي فأنا لن أكافئ الرجل الذي رباني

ورعاني أن أشتت عائلته فانظر لأنفسكم أنتم

ما عيوبكم ولا تلصق الأمر بي "

وقف وقال بحدة " ومن كانت تهدد الآن وتتوعد بأنها

لن تسكت ، بماذا يسمى هذا غير أنك تفتنين "

قلت بحرقة " وما تضنني أنا .... حجر أسمع الإهانات

والسب والشتم واسكت , احترموني احترمكم "

فتح فمه فصرخ به فراس قائلا " يكفي اتركوا الفتاة وشأنها

وإن تعدت هي على أحدهم يكون الحل بالتروي ولا

أحد يدخلها في شيء يخصه بعد اليوم "

قال أشرف بضيق " تسـ...... "

صرخ به أكثر " أنت خصوصا لا تتحدث فكم نصحتك

تترك عنك هذه الحركات الطائشة ولن تتربى إلا

بدرس تدفع ثمنه الكثير "

قال بغضب مغادرا " أترك مثالياتك لك وحدك

ولا تتدخل في حياتي "

وغادر وائل بعده بعدما قال ببرود " لقد أتبثت لكم هذه

الطفلة أنكم شلة من الحمقى يا أبناء رياض "

وابتعد حتى خرج فوقفت أنا مغادرة وقلتموجهة كلام

ي لمن بقي هنا وهوا فراس

" لا تتحدث بالنيابة عني ثانيتا ولا دخل لك بي "

ثم غادرت والمعجزة أنه لم يتحدث بشيء عما قلت

عدت لغرفتي وضربت بابها بقوة ، أنا أفتن بينهم ..أنا

الأفعى وعديمة الأخلاق ولا يرون ما يفعلون بي

عدت لسجن نفسي في غرفتي ولم أنزل إلا حين طلبت

مني عمتي سعاد أن أقابل ابنة عمهم وأتعرف عليها

فوافقت لأنهما وحدهما الآن في الأسفل ، نزلت أتبعها

حتى وصلنا وكانت تجلس في صالون الضيافة وسط

المنزل وليس غرفة الضيوف ، كانت فتاة بملامح

جذابة ذات قدر لا بأس به من الجمال وابتسامة

رقيقة وتبدوا تتسم بالهدوء ، تصافحنا وقالت مبتسمة

" سررت بالتعرف عليك يا رُدين لم أتخيلك جميلة هكذا "

جلست وقلت مبتسمة " ومن هذا الذي أخبرك أني قبيحة "

ضحكنا ثلاثتنا ثم قلت " وأنا سررت بمعرفتك

وأنتي جميلة كما تخيلتك "

قالت عمتي سعاد " طبعا هذه جوري ابنة عمك مصطفى

شقيق عمك رياض هوا لديه ثلاث أبناء وفتاة واحدة

يعيشون في الخارج ويأتي هوا وجوري مرة في

العام يبقى هنا لفترة ويرجع هناك ، لديهم منزلهم

هنا لكنهما سيقضيان يومين معنا أما رُدين

فسبق وعرفتك بها قبل أن تنزل "

قلت مبتسمة " سررت بمعرفتك وسنقضي

وقتا ممتعا معا "

قالت مبتسمة " نعم بالتأكيد "

تبادلنا أطراف الحديث وتعارفنا أكثر واكتشفت أنها في

نفس سني وترغب في دراسة المحاماة مثلي وأمضينا

ثلاثتنا وقتا ممتعا أنساني بعض الشيء كل ذاك الضيق

والهم ، بعد وقت مر فراس داخلا من الخارج واقترب ناحيتنا

وصافح ابنة عمه قائلا " مرحبا يا جوري أنورت البلاد "

وأنا طبعا لم أرفع نظري له أبدا وكنت ألعب بأصابعي بخيوط

وسادة الأريكة ونظري عليهم وأجابت جوري قائلة

" شكرا لك يا فراس والبلاد نورها بساكنيها "

ثم قال مغادرا " أتمنى أن تقضي وقتا ممتعا هنا

فرُدين مشاكسة وتعرف كيف تستمتع بوقتها "

نظرت له بصدمة وهوا يصعد السلالم , ما به هذا

منذ متى كل خفة الدم هذه ! تأففت ونظرت جهة

والدته فضحكت وقالت " أمازلتما متشاجران "

قلت بضيق " نعم وما وعدتني به لم يحدث

وقد خدعتماني أيضا "

قالت جوري مبتسمة " أمازال فراس كما كان

يتشاجر مع الفتيات ولا يحبهن "

ضحكت والدته وقالت " ووجد نموذجا أمامه لكني

أراه بدأ يخف كثيرا عن السابق "

قالت بعد ضحكة " أذكر كيف كانت والدتي تركض

خلفه لتحضنه وتسلم عليه وهوا يهرب منها "

قلت مغيرة مجرى الحديث الممل عنه

" وأين والدتك لم تأتي معك "

قالت مبتسمة " والدتي ليست عربية وتلك

هي بلادها ولا تحب الخروج منها "

وعدنا نتنقل من حديث لآخر حتى غادرت عمتي سعاد

للمطبخ وبقينا نحن الاثنتين وقد انسجمت معها كثير

فهي فتاة تدخل القلب بسرعة ، بعد وقت أشارت برأسها

بحسنا لأحدهم خلفي واعترى ملامحها ارتباك وخجل

واضحين فالتفت للخلف فكان وائل مغادرا , جميل يبدوا

ثمة شيء بينهما ولو لم أكن قررت أن أبتعد عنهم

وأتجنبهم لكنت انتقمت منه على ما قال لي هذا الحشرة

المغرورة , عدت بنظري لها وقلت بابتسامة

" ما قصتكما "

ارتبكت ونظرت للأرض مبتسمة بخجل فقلت بمكر

" اعترفي أو أفسدت كل شيء "

قالت بصوت منخفض " سيخبر والده ووالدي من أجل

خطبتي لأن والدي لن يوافق أن يزوجني قبل أن تنتهي

دراستي الجامعية وهوا سيكمل دراسته أيضا وكل ما

نخشاه أن لا يوافق والدي لأنه لا يحب الحديث في الأمر

وعمي رياض أيضا يؤجل الأمر ولم يوافق عليه "

آه جيد يبدوا أنه هناك روميو جديد , أنقذك حضك مني

يا وائل لكنت دفعتك ثمن كلامك وسأحاول أن لا أتدخل

كانت ستقول شيئا لكن قاطعنا قدوم عمتي سعاد فقلت

بهمس قبل أن تصل " لا تقلقي لن يعلم أحد بما أخبرتني "

واستمر الوقت في السمر والأحاديث حتى وقت العشاء

وكان الجميع مجتمعا على طاولة العشاء والأحاديث كانت

ساخنة والضحك وأنا ألوذ بالصمت أكثر من جوري التي

تتحدث أحيانا حتى قال عمهم " رُدين ما رأيك بعريس

تعيشين معه خارج البلاد "

نظرت له باستغراب فضحك وقال " ابني الأوسط

يريد أن يتزوج من بنات بلاده ولا يريد أن ينزل

هنا ليختارها وكلفني بالمهمة "

نظرت مباشرة لثلاثتهم فنظرا وائل وأشرف لبعضهما

وغمز وائل بعينه وابتسما وكأنه يقول له سنتخلص منها

أما فراس فكان نظره على والده وبتركيز وكأنه ينتظر

أن يبدي رأيه فيما قيل , سترى مني يا وائل يا مغرور

قلت بابتسامة جانبية " بل لما لا تزوج ابنتك وها هم أبناء

عمها كل واحد أطول من الثاني "

نظروا لي جميعهم فتابعت بابتسامة ماكرة

" أرى أشرف أنسبهم جميعا "

وكما توقعت ضحك من فوره وقال " جاهز على الفور "

ليمتقع وجه وائل وكأن سهما أصاب قلبه فنظرت له هوا

تحديدا وقلت ببرود " إلا إن كنت ترفض أبناء شقيقك "

قال عمهم بعد قليل " لا بالطبع لن نجد أفضل منهم "

كاد يغمى على وائل وهنا وكزتني جوري , أقسم من

أجلها فقط لكنت علمته درسا لن ينساه باقي حياته هذا

المتعجرف لكن لا بأس تكفيه هذه الطعنة , قلت بابتسامة

" لكن أشرف لديه واحدة يريدها زوجة له فوائل مناسب

أكثر وناجح في دراسته وسيسافر ليكملها بالتأكيد , أنا

خطبت منك ابنتك لشقيقي وائل , هيا لما لا تعطي جوابك "

تحول وجه وائل للحماس ينظر له باهتمام وقال عمهم

" وهل هناك من يخطب لأحد وهوا موجود ودون رأيه "

قلت بعد ضحكة " لو كان رافضا لتكلم , لما يتركون هذه

الماسة حتى تضيع منهم ويتزوجها أبناء الغرب , أنت فقط

وافق وكل الأمور ستسير على ما يرام "

نظر لشقيقه وضحكا معا وقال عمهم " ما هذه التي

ربيتها يا رياض تخطب لابنك أيضا وأنت جالس "

قال مبتسما " وما سأفعل إن كان لا لسان لدى غيرها

لو كان لأحد اعتراض فليقله "

عمي رياض يفهمني جيدا ويعلم أني لن أقول هذا إلا

لأني أبعدته من قائمة مخطط اختيارنا فهوا لم يعارض

خطبتها له إلا من أجل مخططنا , لكنه لم يخبرني سابقا

أنه يريد خطبة ابنة عمه آه يا عمي رياض هل رغبتي

أهم عندك حتى من رغباتهم كم أنت رجل رائع

قلت بحماس " وائل هل أنت موافق "

قال مبتهجا " بالتأكيد وكنت أنتظر أن يفاتح والدي

عمي مصطفى في الموضوع وسأنتظرها حتى

تنهي دراستها وانهي دراستي "

وقفت وقلت " وجوري موافقة ماذا قلت يا عمي "

ضحك وقال " وما سأقول معك يا مشاغبة لكن

ابني ينتظر عروسه فوافقي أنتي أيضا "

قال عمي رياض " سنضيفه للائحة وأرى

من المناسب لأزوجها به "

ضحك وقال " ولديها لائحة من الخاطبين أيضا

حسنا ننتظر الجواب "

شددت جوري من يدها وقلت " هيا يكفيك

أكل سنصعد لغرفتي "

وقفت معي ضاحكة على ضحك الجميع ومررت بوائل

وهمست له في أذنه ممررة رأسي بينه وبين فراس

" أقسم أنها من أجل جوري وليس من أجلك أما الأولى

فدرس لك كي لا تتهمني ثانيتا ومبارك يا عريس "

وما أن أبعد رأسي حتى قال فراس بصوت منخفض

" ابنه صاحب سمعة سيئة هناك "

ابعد رأسي قائلة بصوت منخفض أيضا " إذا سأوافق "

وغادرت وجوري وصعدنا لغرفتي وأغلقت الباب

فحضنتني وقالت " شكرا لك يا رُدين لقد خدمتني

خدمة لن أنساها ما حييت "

قلت مبتسمة " أقسم فعلتها من أجلك لأنك تستحقين "

ثم ابتعدت عنها وقلت بقرف " لكنه مغرور ومتعجرف

كيف ستستحملين الحياة معه "

ضحكت وقالت " أحبه كيف سأفعل مع قلبي "

ثم تابعت وهي تجلس على السرير " لكنك كدتِ توقعين

لي قلبي حين قلتِ أشرف وهوا وافق "

ضحكت وقلت " تلك مزحة فقط مع وائل "

وقضينا باقي الوقت حتى كان موعد النوم وغادرت

هي لغرفتها واتفقنا أننا صباحا سنجلس في الحديقة

واكتشفت أنها تحب الاستيقاظ منذ الفجر مثلي , كان

يفترض أن تزوجتها أنا وليس هوا ههههه , وعند

الصباح نزلت ووجدتها سبقتني في المطبخ وخرجنا معا

وأحضرت لنا الخادمة الفطور في الخارج بعدما وضعنا

بساطا لنتناوله على الأرض وانضمت لنا عمتي سعاد أيضا

ومر بنا وائل ذاهب لجامعته وقال مبتسما " صباح الخير "

ثم اقترب وقال " رُدين لن أنساها لك ما حييت "

قلت بابتسامة جانبية " الأولى أم الثانية "

قال مغادرا بضحكة " الثانية طبعا "

رغم أنك لا تستحق لكن لا بأس لما أكثر أعدائي سأربحه

في صفي , قالت عمتي سعاد " لو لم تفعلي ذلك

ما حدث هذا , لقد فاجأتِ الجميع "

نظرت لها وقلت " ليقتنعوا أنه أحيانا يكون

رُب ضارة نافعة "

وضحكنا معا لأنها تفهم مقصدي وهوا كرههم لوجودي

هنا وما جلب من منافع , مر حينا أشرف وقال مبتسما

" صباح الخير يا أفعى "

أشرف قلبه أبيض ولا يحقد أبدا وينسى بسرعة

قلت قبل أن يختفي " وما أيقظك باكرا على

غير العادة يا ثعبان "

توقف ورفع حجرا ليرميني به فاختبأت خلف والدته

أضحك فقال ضاحكا " ستري حسابك مني يا أفعى يا رقطاء "

ثم غادر وقالت جوري مبتسمة " يبدوا منسجمين معك

كثيرا ألا يفكرون في الزواج منك "

قلت بمكر " لم تتركي لي وائل لأتزوجه "

ضحكت محرجة ولم تعلق فضحكت عمتي سعاد وقالت

" أشرف كما تريه أمامك وفراس هي وهوا كالقط والفأر

لا يتقابلان دون أن يتشاجرا ووائل حجزته فلم يتبقى لها أحد "

وأمضينا الوقت كالأمس ومر النهار من أجمل ما يكون

فقد خرجنا ثلاثتنا برفقة عمي رياض وشقيقه ولم نرجع

حتى المساء من دون واحد من أولاده ثقلاء الدم ثم غادر

عمهم وابنته لمنزلهم وودعتها وطلبت منها أن نتقابل

ثانيتا فهي كانت فتاة من أروع ما قابلت وبعد خروجهم

وقف عمي رياض وقال " رُدين أريدك في أمر اسبقيني

لغرفتي سأتحدث وعمتك قليلا وألحق بك "

صعدت لغرفته وكل الظنون تلعب بي ودخلت وجلست

على الأريكة وكل مخاوفي أن يوبخني على موقف وائل

وجوري لكنه لم يتغير تصرفه معي بعدها والأمر كان

منذ ليلة أمس , بعد وقت دخل وحده وأغلق الباب

وجلس على السرير مقابلا لي وقال " خطبك أحدهم

رأتك والدته في حفل الزواج وأخرى تحدثت مع عمتك

سعاد رأتك هنا , ومصطفى شقيقي فتح معي

موضوع ابنه مجددا "

قلت من فوري " ما تريده سأنفذه "

قال بجدية " كل ما أريده "

هززت رأسي بنعم وقلت " لن أتني رأيك وأرفضه

ولو كان فيه موتي "

قال بهدوء " أريدك حقا لأحد أبنائي "

ثم تابع قبل أن يعطيني فرصة للكلام وقال

" أريدك لفراس والاختيار لك يا رُدين "

كاد قلبي يتوقف , لما فراس أشرف بنسائه أرحم منه

فقد يعتدل حاله , ذاك الفراس لا ... حتى أنه لم يعتذر

عن أخطائه في حقي , قال " ها ما رأيك وما ستقولينه

سيكون ومهما كان " ))

نظرت لها وقلت مستاءة " لما دائما تنتهي

الصفحة نهاية ناقصة وسيئة "

ضحكت وقالت " وهذا الممتع فيها أليس كذلك "

قلت مبتسمة " نعم تتركك تفكرين فيما سيجري "

وقفت ومددتها لها فأمسكتها وقالت " شكرا لك

يا سما على ما فعلته اليوم من أجل نزار "

قلت باستغراب " ماذا فعلت !! "

قالت مبتسمة " يكفي الكلام الذي سيحيي نزار الميت

داخله فحتى ابتسامته اليوم تغيرت و ضحكته ونظراته

لمن حوله , كنت متأكدة أنه سيعود يوما كما كان

ولو بالتدريج وسيكون ذلك على يديك "

نظرت للأسفل وقلت بحيرة " أنا أريد ذلك حقا لكن

لا أعلم كيف وتأتي الأمور هكذا بعشوائية وأقولها

ولا أعلم هل تصلح الأمر أم تفسده "

قالت مبتسمة " أتركي كل شيء هكذا بعفوية فلا

شيء ينجح مثلها فالخطط دائما تبوء بالفشل والدليل

أمامك في دعاء ورهام "

توجهت جهة الإنارة ونظرت جهتها وقلت مبتسمة

" علينا أن ننام كي لا نستيقظ متأخرتان وينادينا بالكسولتين "

قالت ضاحكة " نحن كسولتان لديه في كل الأحوال "

قلت مبتسمة بعدما أطفأته " تصبحين على خير "

ثم صعدت لغرفتي وأشعر كل يوم بمشاعري نحوه تكبر

وتتعاظم , ترى عند أي نقطة يتوقف الحب وإلى أي حد

يصل ! ستكون كارثة إن كان لا حد له فأنا الآن أشعر

أنه بحجم الكون , لا أعرف كيف سأعيش من دونه

كيف سيكون يومي وهوا ليس فيه ! كيف يكون هوا في

مكان وأنا في آخر ولا أسمع صوته يوميا ... ضحكته

وجهه ابتسامته وحدّته وهوا ينصحني وينهاني في كل

شيء , حتى ثيابه التي أغسلها وأكويها لا يمكنني

التفكير في أن تبتعد عني ويكون يومي من دونها

وصلت غرفتي ودخلت وكل هذه الأفكار تولِد لدي

رغبة في البكاء لأني أعلم أن كل ما أخشاه سيحدث

وكل هذا سيضيع مني يوما قد يكون قريبا جدا فبقدر

ما أريد أن يمسكوا بالمجرمين اللذين قتلوا أهلي بقدر

ما أكره أنها ستكون بداية لابتعادي عن هنا

أغلقت باب الغرفة وركضت جهة سريري وارتميت

عليه وحققت لعيناي وقلبي غرضهما واستسلمت للدموع

حتى نمت , وعند الصباح وكما توقعت استيقظت متأخرة

عن وقت ذهاب نزار ولم أعِد له ولخالتي الإفطار فنزلت

مباشرة ودخلت غرفتها أفرك عيني وقلت " خالتي لما

لم يوقظني لما تركتموني أنام كل هذا الوقت "

ضحكت وقالت " لم يرضى وركب دماغه أن تنامي

حتى تنهضي لوحدك رغم أني أخبرته أنك لا تريدين

هذا كي تنامي ليلا دون تعب "

حككت شعري وتأففت منه فقالت بعد ضحكة " اذهبي

وأغسلي وجهك وتعالي قبل أن تغيري ملابس النوم "

نظرت لها بحيرة وقلت " ولما !! "

قالت مبتسمة " ستعرفين في وقته هيا بسرعة "

خرجت من عندها ودخلت الحمام السفلي وغسلت وجهي

وعدت لها وقلت وأنا ادخل " هل تناولتِ فطورك "

قالت مبتسمة " نعم تعالي أخرجي المقص من

ذاك الدرج هناك وأحضريه لي "

توجهت حيث قالت وأحضرته لها فأخذته مني وفتحت

درج الطاولة التي بجانب سريرها وأخرجت مشطها

وقالت " أحضري ذاك اللحاف هناك "

قلت وأنا أحضره " هل ستقصين شعرك "

قالت ضاحكة " أنا لا ... غيري نعم "

أعطيته لها وقلت بصدمة " لا أنا لا أريد أن أقص شعري "

قالت مبتسمة وهي تفرد اللحاف " لن أقصه لا تخافي تعالي

سأقص لك غرة فقط وستعجبك وتزيدك جمالا فوق جمالك

بدلا من إمساكك هذا الشعر الحريري الجميل للخلف دائما "

جلست مقابلة لها وقلت " حقا ستجعلني أجمل "

قالت وهي تنزل لي رأسي أماما " بالتأكيد وستري بعينك "

مشطت لي شعري للخلف من الأعلى بعدما أخذت منه

جزئا للأمام ومشطته وحده ثم رفعته للأعلى وقصته

لينزل متدرجا على جبيني وأطراف وجهي وفرقتها

ومشطتها وقالت مبتسمة " أنظري في المرآة الآن

وستحبين شكلك وشعرك أكثر "

وقفت وتوجهت للمرآة في المكتبة ونظرت لأفاجئ

بالتغير في مظهر شعري حيث كان سابقا ينزل بطوله

لا معنى له وكأنه قطعة قماش أما الآن أصبح أجمل

ولم أعد أريد حتى أن أمسكه , كانت الخصلات القصيرة

تحتضن أطراف عيناي وخداي فقلت مبتسمة وأنا

أعدلهم أكثر بأصابعي " ما أجملني هكذا يا خالتي

الآن فقط اكتشفت أني كنت بشعة "

ضحكت وقالت " بل كنتي جميلة والآن صرتِ

أجمل وليرحم الله قلوب الرجال "

توجهت نحوها وقلت " لا أريد أن أمسكه أحببته هكذا "

ضحكت وقالت " أعانه الله إذا "

قلت باستغراب " من !! "

ضحكت كثيرا ثم قالت " المشط لأنك لن تتركيه

من يدك بعد الآن "

ثم مدت لي باللحاف بعدما جمعته وقالت

" أرمي هذا وانفضي اللحاف جيدا "

أخذته منها وفعلت ما طلبت مني ثم عدت لها وأعدته

حيث كان وعدت للمرآة مجدد وقلت وأنا أرتبها من

جديد " كم تعجبني ولا أريد أن أتوقف عن رؤيتها "

سمعنا حينها باب المنزل يغلق فقالت خالتي

" ها قد جاء الطعم "

نظرت لها بحيرة فقالت مبتسمة " ما رأيك أن

تلفي لفة كاملة حول نفسك وبسرعة "

ضحكت على الفكرة لكني سرعان ما طبقتها ولم

أنهي اللفة إلا ونزار عند الباب فأبعدت شعري

عن وجهي لتتدلى الغرة للأسفل بسبب حركته معي

حين لففت فرفعتها بأصابعي لتسقط من جديد محتضنة

وجهي وجبيني فنظرت لخالتي وكانت تنظر للمذياع

في حجرها فانتقلت بنظري سريعا لنزار فكان على

صمته وينظر لي فرفعت شعري خلف أذني أنظر

للأرض وخرجت من الغرفة مارة به وهوا دار

معي حتى خرجت وصعدت لغرفتي مباشرة لأغير

ملابس النوم أو لأهرب منه ومما فعلت



*

*

 
 

 

عرض البوم صور برد المشاعر  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أوجاع ما بعد العاصفة, رواية
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتملة (بدون ردود)
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:54 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية