كنت أنظر لها باستغراب كانت فتاة في بشرتها سمرة خفيفة
بملامح جذابة وعينان بنيتان لم تفارقا الزهرة في السلسال
وكأنها رصاصة ستخترق عنقي , قلت بهدوء " هل يمــ .... "
قاطعتني ناظرة لعيناي " من أين تحصلتِ على هذا السلسال "
بقيت أنظر لها بحيرة فقالت بحدة " تكلمي "
بقيت أنظر لها بصمت , أي وقاحة هذه تحقق معي وهي
تراني للمرة الأولى ! وما علاقتها بالسلسال ومن أين تعرفه
رفعت نظري حينها للذي ظهر خلفها وكان نزار فالتفتتْ
هي ما أن انتبهتْ أن عيناي تبثا خلفها ونظر لها هوا
وقال عاقدا حاجبيه " رهام !! "
دارت بجسدها نحوه وقالت
" نعم رهام صاحبة السلسال الذي أصبح عند غيرها "
قال بجمود ونظره على عينيها " لم تكوني يوما صاحبته "
قالت بصوت مرتفع قليلا وحاد " بلى أعجبني في المحل
هوا نفسه أعرفه جيدا وكنت معك وتحدثنا عنه "
نظر حينها لي وأنا عيناي عليه , هذه رهام إذا خطيبته السابقة
تخطاها وتخطاني داخلا فالتفتتْ ناحيته وقالت بحدة أكبر
" لم أصدق حين سمعت أنك بت تهوى المراهقات
ويعجبنك ولكني صدقت الآن "
وقف حينها والتفت لها وقال باستغراب
" ما تعني بما تقولينه "
نظرت لي ثم له ثم قالت من فورها
" أعني أنك أنت أيضا كسرت الشعار وسقط منك القناع "
ضغط على فكيه بقوة حتى خفت من ملامحه ثم أشار
بإصبعه للباب خلفها وقال " أخرجي من هنا وفورا "
قالت بسخرية " نعم وتطردني من أجلها أيضا معك حق "
ثم فتحت حقيبتها وأخرجت منها صورة ووضعتها أمام
وجهي , كان نزار في الصورة وهي تتكئ على صدره
بظهرها ويحيط خصرها بذراعيه مبتسمان وقالت وهي
تحركها أمام وجهي " لا يخبرك انه مثالي ولم يحب غيرك
ولا قبلك لأنه سيكون كاذبا مثلما كذب حين قال لا
أقتنع بحب وزواج المراهقات "
نظرت له فكان نظره ثابتا عليها فعدت بنظري
لها وقلت " حكا لي كل شيء "
ضاعت بنظرها بين عيناي مصدومة فتوجهت نحو نزار
ووقفت بجانبه وتمسكت بذراعه وقلت ونظري عليها
" أخرجي من حياتنا "
فانفتحت عيناها أكثر من الصدمة فرفعت نظري لنزار
فكان على حاله ينظر لها فعدت بنظري عليها فانتقلت
هي بنظرها مني له فقال بجمود " وأغلقي الباب خلفك "
لا اعلم قالها تكملة لجملتي أخرجي من حياتنا أم يقصد بها
باب المنزل لكنه لم ينكر كلامي رغم أنه غير صحيح فخرجت
وملامحها لا يمكن وصفها ولم تضف حرفا واحدا فابتعدت
عنه بسرعة وتركت ذراعه وقلت ونظري للأرض
" آسفة إن أزعجك ما قلت لكني إن أنكرت ما قالته
فلن نجني شيئا وأنا حقا تعبت منهما "
توجه نحو الباب وأغلقه ثم عاد مارا بي وقال وهوا
يجتازني " فعلتي الصواب فالحقيقة لن يقتنع بها أحد "
ولم اسمع بعدها سوا خطواته يصعد السلالم فتنفست بقوة
وغادرت جهة غرفة خالتي ونظري للأرض حتى دخلت
فوصلني صوتها قائلة " ماذا هناك ما كل هذه الأصوات "
نظرت لها وقلت " لا شيء مهم ماذا تريدين على الغداء "
ضحكت وقالت " كان دائما على ذوقك ما تغير الآن "
تنهدت وقلت " لا أعلم "
قالت بحيرة " لا تعلمين ماذا !! سما ما بك ولما صعد نزار
دون أن يلقي علي التحية ومن الذي كان عند الباب "
هززت رأسي بحيرة ولم اعرف ما أقول , لا أريد أن اكذب
عليها ولا أن أتحدث عما حدث , خرجت من عندها وتوجهت
للمطبخ , وضعت بعض الخضار في طبق وجلست على
الطاولة أمسك السكين في يدي وأقطعها بذهن شارد
ألم تقل خالتي أن السلسال ليس لها ولا تعرف عنه وها
هي تعرفت عليه أو يبدوا كما قالت هوا أعجبها في إحدى
المحال فاشتراه لها ليهديها إياه في عيد ميلادها فافترقا قبلها
حسنا لما أنا المتهم دائما دعاء ثم هذه المدعوة رهام ألا يوجد
رجل غيره في هذه البلاد , أتمنى أن لا تخرج لي واحدة
أخرى بعد قليل لأعلم أنها تحبه أو كان يحبها , أغمضت
عيناي بشدة أحاول محو تلك الصورة من دماغي وهوا
يحضنها مبتسمان لكنها أبت الخروج ولم يخرج من
عيناي سوا دموعي .... " سما "
ارتجفت لسماع صوته المصدوم ينادي باسمي ليسقط
السكين من يدي في الصحن وبقع الدم تلون الخضار تحتي
اقترب مني مسرعا وأمسك يدي وقال " يدك تنزف وأنتي
تغمضين عينيك وتبكي ولا توقفين النزيف "
نظرت لوجهه وأشعر بقلبي يرتجف بقوة للمسه لي
الشعور الذي أصبح يتعاظم يوما بعد يوم , وقفت لأنه
كان ممسكا يدي ويسحبني جهة المغسلة وفتح الصنبور
عليها , كان الجرح في كف يدي اليسرى وهوا يضغط عليه
بأصابعه بقوة حتى احمرت مفاصلها ونظره عليها وعيناي
تسافر في ملامحه ... العينان الرماديتان والأنف المستقيم
لحيته الخفيفة بشعيراتها السوداء وذقنه البارز قليلا للأمام
شعرت بالدماء ترتفع لوجهي وبخجل شديد ومعدتي تضطرب
حين تذكرت ما حكته لي خالتي يومها عما يحدث بين الرجل
والمرأة والكارثة أنها قالت ( هذا شيء مبسط فقط لتعلمي بالأمر
مني قبل غيري وتكوني حذرة بنيتي ) إن كان ذاك مبسط
فكيف ستكون التفاصيل , تمنيت فقط أن يترك يدي التي
كان يمسكها بكلى يديه لأني لم أعد أحتمل أكثر من هذا
رفع حينها أصابعه ليرى الجرح وحرك إبهامه في كفي
ليعرف عمقه فقلت بألم " أي "
قال وهوا يغادر " لا تخرجي يدك من تحت الماء "
غادر لوقت قصير ثم عاد وفي يده شاش فأخرجت يدي
من تحت الماء ولف كفها بعشوائية وقال وهوا يغلق الصنبور
" غيري ثيابك والبسي حجابك عليا أخذك ليخيطوا لك الجرح "
صعدت لغرفتي وغيرت ملابسي بصعوبة لأن يدي كانت
تؤلمني بشدة والدماء بدأت تخرج من الشاش , حاولت لبس
الحجاب ولم أستطع فنزلت به في يدي فكان ينتظر في الأسفل
فقلت وأنا أريه الحجاب " لم أستطع لبسه سأطلب من
خالتي أن تلبسه لي بسرعة "
أمسكه من يدي وقال " والدتي نامت سأساعدك أنا
بسرعة فالجرح لازال ينزف "
لم أستطع قول شيء فأمسك بالحجاب وقلبه كثير ويبدوا لم
يفهمه لأنه معد جاهزا لأن يلبس دون لف فأمسكته
معه وقلت مبتسمة " من هنا هذه الفتحة للوجه "
قلبه مرة أخرى وأدخله في رأسي فكان وجهي مغطى بالكامل
فقلت بضحكة " نزار هذا مقلوب وفتحة الوجه في الخلف "
سمعت حينها ضحكة صغيرة خرجت منه فهوا يبدوا مستاء
منذ أن تقابل وتلك الرهام اليوم , غير من وضع الحجاب
بمساعدتي بيد واحدة ورفع وجهي له ودس خصلات شعري
جيدا ونظره عليها لتعود لي تلك الرغبة في تأمل ملامحه
مجددا ثم سرعان ما أبعدت نظري عنه وتوجه هوا حينها
ناحية المطبخ قائلا " علينا أن نغير الشاش أولا "
نظرت لكف يدي فكانت الدماء تغطي الشاش كله وزاد
شعوري بالألم فيها وكأنها جرحت للتو , عاد سريعا وأزال
الشاش منها ولفها مجددا بسرعة لأن الدم لازال ينزف
وهوا يقول بضيق " لا أعلم كيف تجرحين نفسك هذا
الجرح المخيف فليست عادتك يا سما "
لم أستطع التحدث فما سأقول له ... لم أكن أشعر بنفسي
وأنا أقطع يدي أم أني كنت أفكر في تلك الصورة وغائبة
عن كل شيء من حولي , خرج بعدها وأنا أتبعه قائلة
" والدتك ستستيقظ ولن تجدني وستقلق "
قال وهوا يغلق باب المنزل " فكري في نفسك الآن فقط
علينا أن نصل سريعا قبل أن تفقدي دما أكثر ويغمى عليك "
ركبت السيارة وأنا بالفعل أشعر بتنمل في قدماي لكني
لم أتوقع أن يكون ذاك السبب فأنا في كل حال فقدت
دما كثيرا هادان اليومان ويدي نزفت كثيرا تحت الماء
انطلقنا وأنا أمسك كف يدي لأنه يؤلمني بشدة ووصلنا
بسرعة للمستشفى , نزل ونزلت بعده وكان يسير بخطوات
سريعة فقلت " لا تسرع نزار أشعر بتنمل في قدماي "
وقف والتفت لي وأجلسني على إحدى الكراسي في
الحديقة قائلا " سأحضر كرسيا يبدوا فقدتِ دما كثيرا "
وسار مسرعا دون أن يستمع لاعتراضي ومرت خلفه
مباشرة اثنتان وقالت واحدة للأخرى " أنظري كيف
يخاف على زوجته , ما جنس الذين نتزوجهم نحن "
وصلني صوت الأخرى وهما تبتعدان قائلة بضحكة
" مؤكد عريسان جدد "
عدت بنظري منهما ليدي المجروحة , لما الجميع يرى
أننا متزوجان ! هل نزار وحده مقتنع بفكرة أني صغيرة
على الزواج , خرج حينها متوجها نحوي دون كرسي
ووصل عندي وساعدني على الوقوف قائلا
" هل يمكنك السير سأساعدك فلم أحصل على واحد "
سرت بمساعدته قليلا ثم قلت
" قدماي تتيبسان وأشعر بالجفاف في حلقي "
شعرت بعدها بدوار خفيف واضطربت خطواتي ولم
أشعر بنفسي إلا وأنا أرتفع عن الأرض بين ذراعيه
وقد حملني بخفة وسهولة وسار بخطوات سريعة
قائلا بضيق " لا أعلم أي مستشفى هذا لا شيء متوفر فيه "
شعرت حينها بالضيق لأنه منزعج من حمله لي
فقلت بهمس " أنا آسفة "
قال ونحن ندخل باب المستشفى " ولما تعتذري فالخطأ
عليهم وليس عليك , تمسكي بي جيدا المكان مزدحم اليوم "
وما أن أنهى جملته حتى انفتحت عيناي من الصدمة وأنا
أشاهد العدد الكبير من رجال الشرطة وازدحام الناس
بسببهم فقلت بدهشة " ماذا يحدث هنا !! "
اصدم حينها أحدهم بنزار بسبب الازدحام وكاد يوقعني
فتمسكت بعنقه على صوته قائلا " سما ألم أقل تمسكي جيدا "
لذت بالصمت أشعر بالإحراج من تشبثي بعنقه ومن تصرفاتي
اليوم التي جميعها لم تعجبه لكني لحظتها شعرت حقا أني
تمنيت لو أن دعاء ورهام هنا فما سيكون موقفهما يا ترى
ثم سرعان ما مات ذاك الشعور بالنشوة حين تذكرت كلماته
حين قال ( الحقيقة لن يقتنع بها أحد ) وهوا يعني بالتأكيد أنه
لا يحبني كما تعتقدان فنزلت دمعتي دون شعور مني فأبعدت
يدي ومسحتها فقال وهوا ينزلني عند قسم الطوارئ
" هل تألمك كثيرا "
هززت رأسي بلا دون كلام فدفع الباب وأدخلني حتى السرير
فجلست عليه واقتربت إحدى الممرضات قائلة
" ما المشكلة "
قال نزار " استدعي لنا طبيبا "
نظرت ليدي وقالت " يمكنني القيام بذلك هي وضيفتي "
تأفف وقال " يا آنسة الطبيب لو سمحتِ "
قالت بضيق " ترى بنفسك حال المستشفى يعج بالشرطة منذ
يوم الأمس ووصلنا اليوم ثلاث حوادث سير كلها لعائلات "
قال مغادرا الغرفة " سأجلبه بنفسي إذا "
لوت هي شفتيها وتمتمت بضيق
" لا أعلم لما الوسيمين أسلوبهم سيء دائما "
ثم نظرت لي واقتربت مني وقالت " أرني يدك "
خبأتها في يدي الأخرى وقلت
" سيغضب مني اتركيه حتى يرجع أولا "
قالت مغادرة الغرفة
" هذا ما يقوي الرجال عليكن خوفكن الزائد منهم "
تساندت بالسرير لأن شعور الإغماء بدأ يزداد والدماء
عادت تملأ الشاش مجددا فدخل حينها نزار يتبعه الطبيب
وسحب الكرسي وجلس أمامي قائلا " مدي يدك لأراها "
مددت له يدي قائلة " أشعر بدوار "
وقف وقال " يبدوا فقدتِ دما كثيرا سنحقنك بالمغذي "
سحب حامل المغذي نحوي وعلق فيه واحدا وحقنني به
بسرعة في يدي السليمة ولم يفتحه ثم فتح الشاش ونظر للجرح
وتحرك قائلا " يلزمه ثلاث غرز أو أربع تقريبا "
توجه للأدراج في الغرفة وأخرج أشياء وضعها على طاولة
وسحبها نحونا وعقم الجرح كثيرا بادئ الأمر ثم بدأ بخياطته
ومن أول غرزه شعرت بألم فضيع رغم أنه رش كف يدي ببنج
موضعي فقبضت بيدي الأخرى على السرير بقوة وأنا أتألم
وهوا يخيط باقي الغرز حتى شعرت بيد نزار على كتفي تمسح
عليه ببطء ويده الأخرى تمسك ذراعي المصابة وأنيني المتوجع
يزداد فأمسكت طرف سترته بيدي اليمنى ودفنت وجهي فيها
وقد بدأت بالبكاء فقال الطبيب " تحملي قليلا نكاد ننتهي "
فانتقلت يد نزار من ذراعي لرأسي يمسح عليه قائلا
" قليلا فقط يا سما إنها الأخيرة "
بعد ذلك شعرت بالطبيب يمسح بشيء على الجرح فأبعدت
وجهي عن سترة نزار ونظرت له فكان قد بدأ بلف الشاش عليها
قائلا " عليكم المجيء لتغييره مرة كل يومين أو ثلاث كحد أقصى "
أنهى لفه وفتح المغذي ثم فتح دفترا كبيرا وأخذ بياناتي ونزار يعطيها
له ثم أغلقه ونظر لنا وقال مبتسما " أليست صغيرة على الزواج "
قال نزار من فوره " لسنا متزوجان "
يبدوا أغلب الرجال مقتنعون بهذه النظرية وليس نزار
وحده , وقف الطبيب وقال ضاحكا " لا تشبهان بعضكما
لم يخطر ببالي أن تكونا شقيقان "
ثم اقترب مني ورفع وجهي له وطلب مني أن أفتح فمي
وأخرج لساني وفحص لي عيناي ثم قال " لا علامات لفقر
دم وستكونين أفضل , لقد خف الدوار أليس كذلك "
قلت بهمس " قليلا "
قال وهوا يتأكد من يدي " حاولي أن لا تحركي يدك قدر
الإمكان يا سما كي لا تنفتح الغرز حتى يلتئم الجرح على الأقل "
ثم نظر لنزار وقال " أجلب لها عصير برتقال , أنت ترى
الفوضى في المستشفى لكنا أحضرناه لها "
هز له رأسه بحسنا وخرج الطبيب وقال نزار
" سأذهب لجلبه وأعود سريعا "
قلت بخوف " لا نزار لا تتركني وحدي "
تنهد وقال " سأتحدث مع أحدهم ليجلبه سأكون هنا عند الباب حسنا "
هززت رأسي بالموافقة وغادر وهوا يجيب على هاتفه قائلا
" نعم يا أمي إنها معي لا تقلقي وسنعود قريبا "
ثم خرج وسمعته يتحدث مع أحدهم ثم عاد للداخل واقترب
مني قائلا " نامي على السرير يا سما سيكون أريح لك "
اتكأت عليه للخلف ونظرت للمغذي وقلت " هل سيأخذ وقتا كثيرا "
جلس على الكرسي وقال " ساعة ونصف كحد أدنى "
*
*
بقيت عيناها معلقتان في المغذي لوقت وكأنها تنتظر
أن ينقص ولو قليلا , طرق حينها أحدهم باب الغرفة
ثم فتحه فكان الرجل الذي وجدته في الخارج وفي يده كيس
به علبة عصير كبيرة وأكواب بلاستيكية فوقفت من فوري
وأخذته منه قائلا " شكرا لك يا أخي أسأل الله أن لا يرد لك طلبا "
قال مبتسما " لا شكر على واجب وحمدا لله على سلامتها "
ثم غادر من فوره فأغلقت الباب وعدت نحوها وأخرجت
العلبة وفتحتها وملئت منها أحد الأكواب ومددته لها
فأخذته مني وقالت بهمس " شكرا "
ثم سمت الله وشربته ووضعت الكوب على الطاولة
بجانبها فقلت " عليك أن تشربي واحدا آخر "
هزت رأسها بلا فقلت بضيق " سما عليك شربة الآن "
نظرت للأسفل بخجل وقالت " لا استطيع سأحتاج الحمام
حينها ولن أستطيع الذهاب له "
أغلقت حينها العلبة ووضعتها على الطاولة بجانبها وعدت
جالسا على الكرسي من جديد ولا شيء سوا الصمت
غفت سما بعد قليل ونظرت للمغذي فكان في بدايته
جيد أنها نامت فالنوم سينسيها الانتظار لساعتين فما يزيد
رن حينها هاتفي فأسكته سريعا وكانت والدتي فأجبت
عليها قائلا بصوت منخفض " نعم يا أمي "
قالت في الفور " لم يهدأ لي بال بني ما الذي أخرجكم
وسما لا تخرج إلا للضرورة "
قلت بشبه همس " لقد جرحت نفسها بالسكين وأخذتها للمستشفى
وخاطوا لها الجرح وحقنوها بالمغذي وهي نائمة الآن "
قالت بصدمة " يا إلهي لم تجرح نفسها سابقا وهل الجرح بليغ "
قلت " أربع غرز , سنعود للمنزل ما أن ينتهي المغذي "
قالت بقلق " خذ حذرك بني واعتني بها جيدا "
قلت بهمس " لا تقلقي وداعا الآن "
ثم أنهيت منها الاتصال وتنهدت بضيق , يبدوا سما توترت
من مقابلة رهام واتهاماتها لنا فما كانت ستجرح نفسها اليوم
تحديدا إلا بسبب ذلك , لا أعلم أي مرض يصيب الفتيات
هل من الضرورة أن أحب فتاة فقط لأنها تعيش معنا !!
وهل كل فتاة ستبقى عندنا لفترة سأحبها ! وما كان قصد
رهام حين قالت ( لم أصدق حين سمعت أنك بت تهوى
المراهقات ) كيف علمت عن سما ومن أخبرها ! مؤكد دعاء
فهي صديقتها لكن ما مصلحة دعاء لتقول ذلك وما الذي
عنته سما بأنها قد تعبت منهما ! هل تحدثت دعاء معها أيضا
نظرت لملامحها النائمة بهدوء وتنهدت بحيرة , كم أخشى
أن يصيبك مكروه عندي يا سما وكل ما أتمناه أن أعيدك
لأهلك سالمة وبدون ولا خدش صغير قد أحاسب عليه واتهم
بالإهمال رغم أني أحرص عليك أكثر حتى من نفسي
ما يحيرني أنها لم تتساءل عن رهام ومن تكون بل مثلت
الدور أمامها وكأنها تعلم بما يجري ! هل أخبرتها والدتي
عنها يا ترى ؟ لا خيار غيره فهما معا طوال النهار خصوصا
قبل أن تعود سما لدراستها , وكم مرة كانتا تتحدثان وحين
انزل السلالم تسكتان , وموقف سما اليوم غريب كذلك
توقعتها ستدافع عن نفسها وتقول أن لا شيء بيننا مما قالته
رهام لكنها خانت توقعاتي بل وتصرفت بجرأة لم أعهدها
فيها قبلا وواجهتها بقوتها الدفينة داخلها , القوة التي تحملت
بها كل ما مرت به , إنها كالطاقة العجيبة لا تخرج منها إلا
وقت اللزوم ولا يمكنك أن تتوقع من شخصية هادئة وخجولة
مثل سما أن تكون لديها كل هذه القوة لمواجهة الصعاب
بعد وقت وقفت وفتحت باب الغرفة ووقفت أمامها لعله
يمر الوقت سريعا , لمحت بين ازدحام الشرطة بعيدا
جابر يقف بينهم فنظرت حولي وتحدثت مع أقرب
الواقفين أمامي قائلا " هل ستبقى هنا طويلا "
نظر لي وقال " نصف ساعة تقريبا "
قالت " توجد فتاة في هذه الغرفة في سن الخامسة عشرة
بحجاب أبيض وعينان زرقاء لا تسمح لها بالخروج حتى
أعود , سأكون هناك قريبا عند تجمع الشرطة حول ذاك
الرجل باللباس الرسمي "
هز رأسه بحسنا ثم نظر لساعته وقال
" لا تتأخر كثيرا فقد أغادر في أي وقت "
تحركت قائلا " لا تقلق قليلا فقط وأعود "
توجهت نحوهم بخطوات سريعة حتى وصلت عندهم
وقلت وأنا أجتازهم " المعذرة قليلا "
نظر لي جابر وقال باستغراب " نزار ماذا تفعل هنا !"
صافحته وقلت " بل أنت ما الذي تفعله هنا "
نظر جانبا وقال " لدينا حالة مهمة في هذا المستشفى "
ثم نظر لي وقال بهمس فهمته فقط من حركة شفتيه
" عفراء "
انفتحت عيناي من الصدمة وقلت " وجدتها "
هز رأسه بنعم وقال " لكنهم قتلوا زوجها ويريدون
قتلها أيضا وبأي طريقة "
نظرت لعيناه بتكيز وقلت " إذا سما في خطر حقيقي "
هز رأسه بنعم ثم قال " ما الذي جاء بك هنا هل والدتك معك "
قلت " لا ... سما جرحت يدها وجلبتها هنا وهي في
أحد الغرف هناك في قسم الطوارئ "
تغيرت نظرتها للقسوة وفرقع بأصابعه لثلاث رجال من
المحيطين به وقال " تتبعونه حالا وتحرسون الغرفة حتى
يغادروا ولا تلفتوا الانتباه للغرفة المحددة "
ثم نظر لي وقال بضيق " هم منتشرون مثلنا هنا في
المستشفى كيف تتركها وحدها يا رجل "
نظرت للخلف من فوري فكان ذاك الرجل ما يزال واقفا
مكانه وعيناه على هاتفه فتركتهم وعدت جهة الممر مسرعا
ورجال الشرطة يتبعونني حتى وصلت وفتحت الباب
فكانت نائمة مكانها فتنهدت براحة ثم التفت لهم وقلت
بصوت منخفض " ما تزال هنا "
هزوا رؤوسهم بالموافقة وانتشروا في الممر وعدت
أنا للغرفة وأغلقت الباب خلفي ولعبت بي الهواجس
وكلما فتح أحدهم الباب خفت أن يكون منهم وتعرف
عليها أو يعرفها ولم أرتح إلا حين شارف المغذي على
نهايته فنزعته منها بنفسي فلن أستطيع مفارقة الغرفة لأنادي
إحدى الممرضات ثم هززتها قائلا بهمس " سما استيقظي "
فتحت عيناها ونظرت من فورها لقارورة المغذي ثم جلست
فسكبت لها كأسا جديدا من العصير وأعطيتها إياه فشربته
على دفعات كعادتها ثم وقفت ولبست حدائها وخرجنا وذراعي
تحيط بكتفيها وكأن ثمة من سيسرقها مني , لو فقط تنتهي كل
هذه المشكلة وأعيدك لأهلك يا سما ليرتاح بالي وضميري
ركبنا السيارة وخرجنا من المستشفى وبعد مسافة قليلة
نظرت لها ثم للطريق وقلت " هل حدثتك والدتي عن رهام "
قالت بعد صمت ورأسها للأسفل " سألتها عن مرضها
فحكت لي أنه كان لديك خطيبة اسمها رهام كنت
ستتزوجها لتسافر وتدرس وهي تبقى معها لتتمكن
من إجراء العملية لها "
قلت بهدوء " فقط "
نظرت لي وقالت " هل تصدقني إن أخبرتك "
أوقفت السيارة حينها عند المنزل ونظرت لها وقلت
" بل أثق في صدقك أكثر من نفسي "
نظرت لي مطولا بصمت ثم أخفضت نظرها
وقالت " دعاء أخبرتني عنها أيضا "
بقيت أنظر لها بصمت وصدمة لوقت ثم قلت
" وما شأن دعاء وبما أخبرتك !! "
نظرت لي وقالت " هل تذكر ذاك اليوم حين ذهبتَ
وخالتي للمستشفى وطلبت منك ألا تتركوني وحدي "
هززت رأسي بنعم وقلت " أجل اذكره "
أخفضت نظرها مجددا وقالت " جاءت دعاء هنا ودخلت
وبدأت تقول لي أشياء لم أفهمها بادئ الأمر وتحدثت عن
خطيبة لك كنت تحبها وأنها عادت وأنك لم تنساها لذلك لم
تتزوج وقالت أنه عليا أن لا أفكر في أن استحوذ على قلبك
وأنها تنصحني لأنها تريد مصلحتي فقط "
بقيت أنظر لها مصدوما لوقت فرفعت نظرها لي
وقالت " تصدقني أليس كذلك "
تنهدت بضيق وقلت " بالتأكيد أصدقك وما الذي قلته أنتي لها "
قالت " قلت لها أنها أمور تخصك وحدك وليس علينا
الحديث عنها ولا التدخل فيها فسألتني إن كنت طالبة لديك
وتم طردي من المدرسة وحين سألتها كيف علمت قالت
أنك أنت من أخبرها "
قلت بهمس مصدوم " كاذبة "
قالت من فورها " اعلم أنها كانت تكذب "
قلت بحيرة " ومن أخبرها إذا "
رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم "
فتحت الباب وقلت " سأنزل أنا أولا ولا تنزلي
حتى أفتح الباب حسنا "
ثم نزلت من فوري وفتحت باب المنزل وانتظرتها حتى
دخلت قبلي وتوجهت من فورها لغرفة والدتي بالطبع فتبعتها
ودخلت خلفها فكانت تجلس بجوارها على السرير فوقفت عند
الباب وقلت " سأنام قليلا ولا تحاولي إعداد الطعام يا سما
ولا تحركي يدك كما قال الطبيب وحين استيقظ سأخرج
لجلب الطعام وسأطهو أنا الأيام القادمة "
قالت والدتي ضاحكة " سنعود للبطاطا المقلية واللحم المشوي "
قلت مبتسما " لقد قررت أن أتعلم من سما طريقتها كي
لا تتعبيني فيما بعد , عن إذنكما الآن "
وصعدت بعدها لغرفتي ودخلتها وضربت الباب خلفي بقوة
يستحيل أن تكذب سما ولا أريد أن تدخلني الشكوك في ذلك
ولن تكون مثلهما بالتأكيد , لقد جُنّت دعاء كيف تختلي بالفتاة
وتقول لها كل هذا الكلام ومن الذي زرع في دماغها فكرة
أني قد أحب سما بل من أين علمت أن سما كانت إحدى
طالباتي وتم طردها , إن واجهتها فستنكر بالتأكيد ولا دليل
لدي ولا لدى سما على ذلك خصوصا أننا كلانا أنا وأمي كنا
خارج المنزل حينها , لا أستغرب الآن أن تكون فتشت غرفة
سما بل وحتى غرفتي , استحممت وغيرت ثيابي ونمت من
فوري لأني استيقظت مبكرا ولم أستيقظ إلا على صوت جرس
المنزل يقرع باستمرار فغادرت السرير والغرفة ووقفت
عند بداية السلالم وقلت لسما المتجهة نحوه
" لا تفتحيه يا سما سأنزل أنا له "
عادت من فورها لغرفة والدتي وعدت أنا لغرفتي غسلت
وجهي ثم نزلت وفتحت الباب فكان حسام فصافحته
مبتسما وقلت " كيف حالك وما جاء بك الآن هيا أدخل "
دخل وقال ضاحكا " ثلاث أسئلة دفعة واحدة !!
يفترض بهم تعيينك كمذيع في التلفاز "
أغلقت الباب ودخلت خلفه وقلت ضاحكا
" هذا لأني استغربت قدومك فقط "
وقف عند غرفة والدتي وحمحم وقال " هل أدخل يا خالتي "
جاء صوت والدتي قائلة " تفضل بني "
دخل وأنا اتبعه قائلا " وما تراني أمامك عمود كهرباء
كنت تركتني آخذ لك الإذن "
صافح والدتي وسما الجالسة على السرير ثم التفت
لي قائلا " أولا أعمدة الكهرباء في الشارع فقط "
ثم ضحكوا ثلاثتهم وتابع قائلا " ثانيا أنت أيضا يلزمك
أخذ الإذن لوجود فتاة غريبة عنك "
قلت ببرود " سما قريبتي وليست غريبة عني مثلك "
ثم قلت مغادرا الغرفة " سأصلي العصر وأعود لك "
صعدت لغرفتي توضأت وصليت ثم نزلت لهم على صوت
ضحكات حسام وكأنه بلع جهاز ضحك , وقفت عند الباب
وقلت " سأخرج لأحضر الطعام هيا لترافقني "
تجاهلني وقال " لا أريد الخروج سأنتظرك هنا معهما "
نظرت لهما وقلت " هل تريدان شيئا معينا "
قالت سما من فورها " بيتزا "
ابتسمت وقلت " لم يتغير ذوقك أبدا وأنتي يا أمي "
قالت مبتسمة " أي شيء بني لا فرق عندي "
هممت بالمغادرة فقال حسام " هيه أنت لم تسألني "
قلت مغادرا " أعرف ذوقك في الطعام جيدا برغر حارة "
ثم خرجت وجلبت الطعام سريعا وعدت للمنزل ودخلت
وحسام لازال يقرقر كالمذياع فوقفت عند الباب وقلت
" لا أعلم كيف لا ينتهي الأكسجين من رئتيك "
ضحكا سما ووالدتي فنظر لي وقال بضيق
" نعم شوهتم العروس وتشوه سمعتي أيضا "
تجاهلت ما يلمح له فوقفت سما واقتربت مني لتأخذ
الأكياس فقلت مغادرا " أنا سأجهزها , عليك أن لا
تحركي يدك كما اتفقنا "
تبعتني قائلة " سأساعدك إذا "
دخلت المطبخ ووضعت الأكياس على الطاولة وبدأت
سما بإخراج الأطباق بيد واحدة ومن ثم الكؤوس فقلت وأنا
منشغل بالأكياس " أحضرت البيتزا بلحم الدجاج كما تحبينها "
وصلني صوتها قائلة " خشيت بالفعل أن تنسى ذلك "
دخل حينها حسام قائلا بابتسامة واسعة " من اليوم أنا
أيضا أحب البيتزا وبلحم الدجاج أيضا "
خرجت حينها سما تحمل الصينية التي بها الكؤوس
والعصير بيد واحدة مسندة لها بذراعها الأيسر فنظرت
له وقلت ببرود " الفتاة تخجل كثيرا وأنت لا حسيب
على لسانك ففرق بين المزاح والجد "
وضع يده على كتفي وقال بابتسامة
" ما بك يا رجل لا تتزوجها ولا تتركها لغيرك "
هززت رأسي بيأس وقلت " عندما تصبح عند أهل والدها
أخطبها منهم وتفاهم معهم أما الآن فاترك الفتاة وشأنها
ولا تحاول أن تتلاعب بمشاعرها لأجل ذلك "
حمل صينية منهم وقال مغادرا المطبخ " أنا لا أتلاعب
بمشاعرها فغير أنت نظريتك القديمة عن المراهقات "
حملت باقي الأطباق وخرجت بها من المطبخ فكانا قد أدخلا
الطاولة للداخل وتناولنا الطعام وأصرت سما أن تغسل هي
الأواني بيد واحدة ولم ترضى حتى أن أساعدها فجلست ووالدتي
وحسام نتحدث حتى وقف فجأة وغادر الغرفة , ظننته سيدخل
الحمام لكني لم أسمع بابه يغلق , لقد توجه للمطبخ إذا فهي
فرصته ليكونا وحدهما , نظرت جانبا وتنفست بضيق من
تصرفاته وخصوصا هذه , ليس اهتماما بسما ولكن لا أريد
أن يتلاعب بها حقا وهي بهذا السن لا تعرف حتى كيف
توجه مشاعرها ويسهل خداعها , أيقضني من أفكاري
صوت أمي قائلة " يبدوا حسام مهتما حقا بسما "
قلت بابتسامة سخرية " بل تبدوا الزيارة كلها من أجلها "
قالت بهدوء " وما يضايقك في الأمر , سما فتاة عاقلة
أكثر من سنها وأنا أفهمتها كل شيء "
نظرت لها باستغراب ثم قلت " كل شيء عن ماذا "
قالت ونظرها على الباب المقابل لها " كل شيء لا تعرفه كي
لا تعرفه من المدرسة أو من رجل دنيء أصل يتلاعب بها "
نظرت للأرض وقلت " لا احد يريد أن يقتنع بتفكيري
ولا اعلم لما العيب بي أنا "
قالت ببرود " لأنه تفكير خاطئ وإن كان أنت لا يعنيك كل
مميزاتها كزوجة فأنا سأتحسر حين ستضيع منك لغيرك "
تنهدت بضيق ولذت بالصمت فأنا اعلم أن هذا الحديث
لا جدوى منه , هذا ووالدتي تعلم أني أعرف عائلتها
وثرائهم الفاحش وأنها صغيرة وهي كانت في سنها أو
يزيد بعام حين تزوجت وتعلم معنى الزواج المبكر لا وزواج
مصلحة لتبقى تخدمنا طوال العمر , ثم أهلها لن يرضوا
بهذا فهل سنعيش نحن بأموالها , هذا إن قبلوا بنا ولم يرموا
لي أبنائي منها في الشارع لأعود للصفر أسوء مما كنت
وأبحث عن زوجة وأم لهم , أعادني صوتها مجددا
من أفكاري وهي تقول بهدوء
" جربت الراشدات العاقلات فما كانت النتيجة "
وقفت وقلت " أمي لننهي الحديث في هذا الأمر رجاءا "
أبعدت نظرها عني وقالت ببرود " لو كان لي ابن غيرك لما
تركتها تضيع مني وأتمنى أن لا تندم يوما يا نزار فالفتاة
أمامك الآن ولا أحد تحبه لكن إن خرجت من يديك لا تعلم
حينها شعورك كيف سيكون فكم من مشاعر دفينة
خرجت وقت فقدِنا لمن كان أمام عينينا "
قلت بضيق " ما هذا الذي تقولينه يا أمي "
قالت ببرود أكبر " لا شيء اعتبر نفسك لم تسمعني "
خرجت حينها من عندها متضايقا , ما هذا الذي تهدي به
أنا أحبها وأكتشف فيما ذلك بعد ! لا أعلم كيف لا ترى
العشرين عاما التي بيني وبينها , وقفت عند باب المطبخ
وقلت " حسام لنخرج قليلا "
وقف من كرسي الطاولة وقال " الله أكبر على الحسد
لم تتركني معها دقيقتين "
قالت سما مغادرة من أمامي " عذرا منكما "
غادر أمامي قائلا " هل ارتحت يبدوا أنك أخفتها مني "
غادرت خلفه صامتا لا أريد التحدث أو بمعنى أصح التشاجر معه
*
*
بعدما غادر حسام ونزار عدت لخالتي وساعدتها لتدخل
الحمام وتتوضأ لتصلي المغرب ثم صعدت لغرفتي وجهزت
أغراضي المدرسية للغد بصعوبة فكم من نعم لدينا أنعم بها
الله علينا ولا نحصيها فكم هوا صعب فعل أي شيء بيد واحدة
جلست بعدها في غرفتي ودرست قليلا ولم يرجع نزار إلا متأخرا
وخالتي قالت أنها لا تريد أن تتعشى لأننا تناولنا الغذاء متأخرا
وبعدما أنهيت كل دروسي نزلت لها ووقفت عند الباب وقلت
" خشيت أن تكوني نائمة "
قالت مبتسمة " لن أنام قبل أن نقرأ في روايتنا لا تخافي "
دخلت مبتسمة وأخذتها منها وجلست وفتحتها بصعوبة طبعا
حمدا لله أنها ليست يدي اليمنى هي المصابة لأني كنت
أمسك السكين بها لكنت الآن في مشكلة أكبر, فتحت حيث
توقفنا وقرأت (( ركبت السيارة في صمت بعدما اعتذر عما
قاله ولم أستغرب كيف بذر منه هذا التصرف فمؤكد والدته
هددته أنها ستخبر عمي رياض , عدنا في صمت تام وأنا انظر
للنافذة طوال الطريق , وقفنا عند الإشارة وكانت السيارة
المجاورة لنا ناحيتي فيها فتاة حيتني بيدها فركزت عليها
قليلا لأن لا إنارة سوى من أعمدة النور فكانت جوجو
فابتسمت لها ابتسامة باهتة ثم انطلقنا وقال فراس
" هل تعرفينها ؟؟ "
قلت ببرود " لا "
قال " ولما حيتك إذا "
قلت ببرودي ذاته " تبدوا شبهت علي "
قال بلهجة غريبة " آه ظننت فقط "
فنظرت له في المرآة الأمامية فكان ينظر لي فعدت بنظري
للنافذة , يبدوا يعلم عن علاقة أشرف بها وفهم الآن أني تعرفت
عليها من خلاله أو هي تعرفت علي , قالت والدته بعد
قليل " متى قال لك عمك مصطفى سيأتي وابنته "
قال بهدوء " خلال هذه الأيام "
قالت مباشرة " وخالك وجدّك أيضا قال سيزورنا قريبا "
قال بذات هدوءه " جيد فنحن لم نره من مدة "
جميل لما هذا الهدوء يختفي معي , لأول مرة أسمع له
نبرة غير الغضب والحدة والغيظ والسخرية أيضا
قالت عمتي " ولما لا تزورونه إن كان يعنيكم أمره "
قال ببعض الضيق " أمي تعلمين أني أكثر من يزوره
ويسأل عليه وعلى جدي فلما اللوم الآن "
قالت ببرود " أعلم أنك وحدك تفعلها لكن علينا أن نشعر
بكبار السن لأنهم يصبحوا حساسين جدا "
خرجت حينها من صمتي قائلة بحماس
" متى ستذهبين له يا عمتي ؟ أريد أن أذهب معك "
أنا أحب كبار السن كثيرا كم هم رائعين في كل شيء
حديثهم وحركاتهم وحتى طريقة أكلهم ونومهم
قال فراس " سأزوره ووالدتي قريبا "
انطفأ حماسي وقلت ببرود " غيرت رأيي "
قال بلامبالاة " كما تريدين "
وصلنا حينها للمنزل ونزلت خالتي وأنا بقيت أتأكد من
أنه لم يبقى شيء تحت كرسي السيارة من عدة ماكياجي
ثم هممت بالنزول حين استوقفني صوته قائلا
" انتظري قليلا "
خرجت من الباب قائلة " يكفيك استجواب لي "
نزل هوا أيضا وقال مستندا بذراعه على بابه
" ومن قال أني سأستجوبك "
ضربت باب سيارته بقوة وقلت بصوت حازم مرتفع قليلا
وأنا مغادرة من أمامه " قسما برب الكعبة يا فراس إن سحبتني
من ذراعي واستجوبتني ثانيتا سأخبر والدك وعلى الفور "
ودخلت باب المنزل عند آخر كلمة قلتها ثم صعدت لغرفتي على
الفور , استحممت وغيرت ثيابي ولبست بيجامة النوم ونمت
فورا ولم استيقظ إلا وقت صلاة الفجر , صليت وجلست
أتابع التلفاز فأنا معتادة على نظام النزل الداخلي ... الإفطار
عند وقت الفجر والمكتبة تفتح ذاك الوقت فقط والإضاءة تفتح في
جميع الغرف وكأنهم يجبروننا على الاستيقاظ , وجدت فيلما
فكاهيا فجلست لساعتين أشاهده واضحك ثم نزلت للمطبخ
بملابس النوم فالجميع نائم بالتأكيد , دخلت وفتحت الثلاجة
أخرجت العصير والشطائر ثم حمصت الخبز وأخرجت الزبد
والمربى وأعددت الشاي وجلست أتناول الطعام حتى دخل وائل
ونظر لي باستغراب , كان بملابس أنيقة كعادته ورائحة عطره
تدخل قبله وتخرج بعده ويبدوا سيذهب للجامعة لَما كان
استيقظ الآن , تعمدت أن لا انظر ناحيته فوقف ونظر
بكل اتجاه وقال " أين الخادمة ؟؟ "
قلت ببرود " لم أجد أحدا هنا "
تأفف وتمتم قائلا " أمي تفسد أطباع الخادمات دائما بتدليلها لهن "
أشرت للطعام أمامي وقلت " أجلس وتناول فطورك معي "
قال وهوا يتوجه ناحية الباب الخارجي للمطبخ
" أنا لا آكل إلا البيض المقلي بالطماطم في الفطور "
ثم فتح الباب ونظر جهة غرفة الخادمة هنا ثم دخل وأغلق
الباب بقوة فوقفت وقلت " سأعده لك سريعا هيا أجلس "
قال ويديه وسط جسده
" لن يكون على طريقتها وأنا اعتدت عليها "
سحبته من ذراعه جهة الطاولة قائلة
" أجلس أنت فقط وسترى إن لم يكن أفضل من طريقتها "
حضرته له بطريقة الأومليت فأنا أحب إعداده وجعلته بالطماطم
كما يحب وبدون جبن ثم وضعته أمامه فنظر له مطولا ثم قال
" ما هذا ؟؟ "
قلت بابتسامة " أومليت لكن بطريقة مختلفة كما تريده "
وقف وقال " هل تتعلمين الطهي في يا حمقاء "
قلت بعبوس " هل هذا جزائي , تذوقه على الأقل "
عاد للجلوس قائلا ببرود " أمري لله فلا خيار أمامي
غيره ولا أحب الخروج دون إفطار "
عدت للجلوس مكاني لأنهي إفطاري وأنا أراقبه كل حين
فأكله كله ثم وقف وقال " ليس سيئا كثيرا "
ثم غادر من فوره , وقح أكله كله ويقول ليس سيئا كثيرا أي
أنه سيئ بعض الشيء حتى أنه لم يشكرني , أنهيت إفطاري
على دخول الخادمة التي شهقت وقالت بصدمة " فوضه من السبب "
ثم أشارت لي قائلة " أنت السبب فتاة وسخ "
وقفت وقلت بضيق " وأين أنتي تنامين طوال الوقت يا نظيفة "
نظرت للفوضى وحركت رأسها بقلة حيلة ثم تحركت جهة
المغسلة قائلة " أنا يشتكي لسيد وسيدة منك "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بابتسامة جانبية
" وأنا يوسخ لك المطبخ كل صباح "
دخل حينها فراس وجلس على الطاولة قائلا
" ماري الفطور بسرعة يا كسولة "
نظرت له وقالت مشيرة بيدها لي
" هذا يسبب فوضى هنا وسخ ولا فطور اليوم "
وقف وقال مغادرا المطبخ " أمري لله "
وأنا أتبعه بنظري بذهول , هل هي الخادمة هنا أم هم !!
وأين عصبيته تلك تختفي أمامها , وما هي إلا لحظات
وسمعت أصوات لطيور أو ما شابه في الخارج فصرخت
الخادمة وقالت وهي تركض جهة الباب
" فراس مجنون سيرى من سيد وسيدة سعاد "
وخرجت راكضة وأنا اضحك عليها , عرف كيف يعاقبها
ضحكت كثيرا ثم قلت " يبدوا لديه بعض المنافع السيد كونان "
" منافع مثل ماذا يا سيدة رُدين "
نظرت للخلف مصدومة لأجد وائل متكأ على باب المطبخ وينظر لي ))
أغلقت الرواية وقلت " تسبب لنفسها المشاكل دائما "
ضحكت خالتي وقالت " بعض البشر هكذا لا يرتاحون إن
لم ينكدوا على أنفسهم "
وقفت وقلت ونظري على يدي المجروحة
" أشعر أن الألم عاد لها "
قالت وهي تفتح كيس أدويتها
" هذا لأن مفعول الحقنة المسكنة انتهى "
ثم أخرجت شريطا وأعطتني منه حبتين قائلة
" تناوليهما لتنامي دون ألام وفي الصباح ستكونين أفضل
وإن عاد الألم لها فلا تذهبي للمدرسة "
هززت رأسي بحسنا وأخذتهما منها وقبلت خدها وأطفأت
النور قائلة " تصبحين على خير "
ثم توجهت للمطبخ أخذت كوبا من الماء وبلعت الحبتين
وصعدت لغرفتي ونمت لأن الألم زال مجددا , عند الصباح
استيقظت وجهزت نفسي ونزلت , كان نزار من أعد الإفطار
فدخلت الغرفة وقلت " صباح الخير "
قالت خالتي مبتسمة " صباح النور تعالي نحن اليوم
أميرتان ولدينا من يخدمنا "
قال نزار بضيق " أنتي أميرة دائما "
جلست على الطاولة مبتسمة وقالت خالتي بضيق
" كنت خادمة لسنوات فمن جعل منك رجلا طويلا
عريضا غيري يا ناكر الجميل "
نظرت لخالتي وقلت
" هل كان زوجك طويلا وعريضا هكذا فأنتي قصيرة "
تنهدت وقالت " كان وسيما وطويلا وتعشقه كل فتيات الحي "
ضحك نزار ولم أستطع إمساك ضحكتي فقالت بضيق
" نعم تسخران مني , من أين جئت أنت بوسامتك إن
لم يكن والدك كذلك "
ضحك نزار كثيرا ثم قال " ضننت أنك أنتي كنتي
الجميلة وورثته منك كما تقولين "
نظرت لي وقالت ببرود " انظري لغروره يقول ورثته
منك يرى نفسه جميلا حقا "
همست لها مبتسمة " ممن ورثه بصراحة "
غمزت لي وضحكنا كلينا فقال بضيق
" أضحكاني معكما "
وقفت وقلت " شيء لا يخص الرجال "
وقف وقال " علمت أنك لن تخرجي من هنا إلا نسخة عن والدتي "
ثم خرج ونحن نضحك عليه وصعدت بعدها لغرفتي أنزلت
حقيبتي وغادرنا وعندما وصلنا باب المدرسة نظر لي وقال
" سما كوني حذرة لقد تحدثت مع مدير المدرسة وجابر
وسيسمحون لك بجلب هاتفك رغم أنه ممنوع فلا تريه
لأحد وأحضريه معك منذ الغد "
هززت رأسي بحسنا فقال " إن تعبتِ من يدك أخبري المدير
ليتصل بي وسآتي لأخذك للمنزل ولا تحركيها أبدا "
قلت بهمس " حسنا "
ثم نزلت ودخلت المدرسة ومر اليوم على خير وساعدتني
ريحان كثيرا كي لا أحرك يدي والغريب أن بتول لم تأتي اليوم
ولا تجيب حتى على اتصالاتي رغم أني حاولت كثيرا أن
أتصل بها بعدما عدت للمنزل
****************************************************
******************************************
دخلت القصر وأنا أفتح هاتفي فرن على الفور ففتحت
الخط ووضعته على أذني وقلت وأنا أصعد السلالم
" نعم يا مزعج "
قال بضيق " اسمعني جيدا يا جابر عليك أن تحدد لي
موعدا وقريبا جدا وأن تحترمه أيضا "
قلت ضاحكا وأنا أدخل الجناح
" موعد وقريب معقولة , أن أحترمه فهذا حسب وقتي "
قال بضيق أكبر " وما فائدة الأولين إن لم تتوفر الأخيرة "
جلست على الأريكة في الردهة وقلت وأنا أرمي مفاتيحي
على الطاولة " أنت لا تعلم كم انشغلت هذين اليومين
ثم عليا أن أتحدث مع والدتي أيضا ومع زهور وأرى
ترتيباتهم للأمر ثم عليا أن أفهم مهية تحقيق شروطها
المجنونة وموعد عقد القران سيكون آخر أعمالي "
قال ببرود " هذه أمور سهلة تنجزها في ساعة أو أقل "
قلت بضيق " ألم تجد لك غير عائلتنا , خف علي
يا رجل وقدر ظروفي "
انفتح حينها باب غرفة النوم وخرجت منه أرجوان بفستانها
القصير ومرت من أمامي لمطبخ الجناح وكأنها لا تراني
وصلني صوته قائلا " لو كان لي رغبة في غيركم ما رميت
نفسي تحت رحمتك , أنتظرك يا سيد مشغول "
ضحكت من فوري فقال بضيق " هل قلت ما يضحك "
قلت وعيناي تتابعان أرجوان العائدة للغرفة
" من أين جئتني بهذه الصفة ظننتها بضاعة خاصة "
قال بتذمر " لست في مزاج لفك ألغازك يا رجل , وداعا
الآن لقد سددت لي نفسي أعان الله زوجتك عليك ولا
يكون في ظنك أنك ستتخلص مني بسهولة "
قلت ضاحكا " وداعا يا سيد مزعج "
وقفت بعدها واقتربت من الغرفة لأرى سبب كل هذا التجاهل
فلمن تتزين هكذا على غير عادتها فلأول مرة تضع ماكياجا
هكذا وترتدي فستان سهرات , ما أن اقتربت أكثر حتى
سمعت أصوات تهامس , من معها هنا يا ترى ! أم أنها تحدث
صديقتها في الهاتف فهي من يوم علمت أن القصر به نظام
مراقبة وهي لا تحادثها إلا همسا وكأنها لا تعلم أنه لا وقت
لدي لأراقبها على مدار اليوم لأصيب وقت اتصالها بها
فتحت مقبض الباب ببطء فهذه المرأة تعرف كيف تحرك فيك
الفضول رغم أني أستنزف كل قدراتي الفضولية في عملي
لكن من ليلة أشيائها المجنونة تلك علمت أنها تفوق المجرمين
ما أن انفتح الباب أكثر حتى فوجئت بها وأبنائي يقفون أمامها
وما أن رأوني وكأن ساعة الفرج لألسنتهم جاءت فما أصعب
أن تسكت الأطفال , صرخوا راكضين نحوي وتعلقوا بي وكل
واحد منهم يحمل هدية مغلفة في يده , نظرت لأرجوان فكانت
تنظر لهم وهم متعلقين بساقاي وتبتسم ابتسامة حنونة فلا يمكنني
تحديد مقدار ولو تخيلي لمدى حبها لهم , نظرت بعدها لي
وأشارت بيدها على يدها الأخرى وكأنها تشير لساعة في يدها
فنظرت لساعتي على الفور ليلفت انتباهي التاريخ مع أصوات
الأولاد المتداخلة قائلين " كل عام وأنت بخير بابا "
عيد ميلادي اليوم لم أنتبه له بتاتا رغم أني رأيت التاريخ أكثر
من مرة في أوراق عملي ! ابتعدوا عني ومدوا لي بهداياهم
فنزلت عندهم مستندا بقدماي على الأرض وأخذتهم منهم وقبلت
كل واحد منهم وشكرتهم ثم وقفت وقلت ونظري لأرجوان
" جهزي لي بذلة يا أرجوان وتكوني فعلت لي معروفا كبيرا "
أعلم أن وضعي سخيف جدا لكن ما باليد حيلة فمؤكد هم
ينتظرونني هنا منذ وقت لأنه لا يمكنها تخمين وقت وصولي
إلا بالمصادفة , نظرت بيسان لها ثم لي رافعة رأسها للأعلى
وقالت بصدمة " والاحتفال في غرفتينا والكعكة أيضا "
نظرت لأرجوان فكانت تنظر لهم على هدوئها دون أي
تعبير حتى في ملامحها فعدت بنظري عليهم وقلت
" مشغول حبيبتي في وقت آخر حسنا "
مدوا شفاههم بعبوس وقالت ترف بحزن " منذ الصباح ونحن
نجهز ذلك وتعبنا كثيرا لأن سيلا أوقعت الكعكة وأعدناها "
توجه أمجد نحو الباب ورمى بيده في الهواء قائلا بتذمر
" أخبرتكم منذ البداية أنه لن يبقى "
خرجت حينها أرجوان من صمتها قائلة بحدة
" أمجد "
التفت لها فكانت تنظر له باستياء فنظر ناحيتي وقال
بهدوء ونظره أرضا " آسف بابا "
قالت بعدها بجدية " اسبقوني للغرفة "
خرجوا يتبعون بعضهم والاستياء واضحا عليهم , لم تتركهم
يتكلموا أما هي فلن تفوتها بالتأكيد , التفت للخزانة من فوري
وفتحتها ووضعت هداياهم فيها ثم قلت لنبتعد عن الموضوع
ولتفهم أني معترف بخطئي " ما كان عليك توبيخه فأنا المخطئ
على كل حال لكني حقا منشغل "
تعمدت أن لا أقول لها مشغول لأنها ستذكرني بها فيما بعد
سمعت حركتها في الغرفة ولم تعلق بادئ الأمر ثم قالت
" كان عليه احترامك في كل الأحوال "
ثم اقتربت من الخزانة الأخرى فتحتها وتابعت قائلة
" أمجد خصوصا ولأنه ذكر عليه احترامك أكثر حتى من شقيقتاه "
أخرجت لي ملابس داخلية ورمتها على السرير وأخرجت
منشفة مدتها لي وقالت ونظرها حتى الآن تبعده عن نظري
" لا تخرج من الحمام وشعرك مبلل يا جابر فكم من
أشخاص أصابتهم جلطة دماغية بسبب ذلك "
أخذت منها المنشفة في صمت وتوجهت نحو الحمام , لازالت
تحتفظ بصمتها لكن لا يمكنها إخفاء الاستياء في ملامحها
استحممت سريعا وخرجت أجفف شعري بالمنشفة فكانت
تجلس أمام مرآة التزيين وقد غيرت فستانها وتمسح ماكياجها
توجهت ناحية السرير وأخذت ملابسي من هناك فلاحظت
الهدية الموجودة عند الطاولة في طرفها من السرير ويبدوا
لم تعد ترغب في تقديمها لي , لبست ملابسي الداخلية ومؤكد
سأعتمد على نفسي في لبس بذلتي هذه المرة فقد كانت تخلصني
من ربط ربطة العنق لأني لا أحب فعل ذلك إلا مجبرا , لكن
المفاجأة أنها وقفت وتوجهت نحو البذلة أخذتها وتوجهت نحوي
ومدت لي البنطلون فأخذته منها ولبسته سريعا ثم لبست القميص
ورفعت ياقته قائلا " أربطي ربطة العنق يا أرجوان فأنتي
لا تعلمي أي عمل سيء بالنسبة لي خلصتني منه "
امتثلت من فورها وربطتها ثم ألبستني السترة أيضا عكس
القميص الذي لبسته وحدي هذه المرة ثم قالت وهي تمد
لي الحزام ونظرها لازال أرضا " مُر بالأبناء في الغرفة ولو
واقفا سيكون أمرا مهما بالنسبة لهم مهما كان قليلا "
أخذته منها ولبسته ثم حضنت وجهها بيدي وقبلت خدها
وقلت بهمس " آسف يا أرجوان وأعدك أن أعوض
هذا في وقت آخر "
هزت رأسها بحسننا ثم قالت وهي توليني ظهرها
" كن بخير فقط هذا ما يهمني ويهمهم "
تنهدت وقلت " لو كان أمرا يمكن تأجيله لأجلته "
التفتت لي وابتسمت هذه المرة رغم أنها ابتسامة صغيرة
ونظرت لعيناي لأول مرة وقالت بهدوء " الخطأ مني , كان عليا
أن أسألك إن كان لديك وقت اليوم لكني أردت حقا أن نفاجئك "
تضع اللوم على نفسها أيضا رغم أني المذنب الوحيد
أذكر في السابق كانت حسناء تجهز حفلا خاصا لنا في مثل
هذا اليوم وقت مجيئي ليلا لكنه ينتهي بشجار طبعا لأنها
لا تفتأ تذكرني بواجباتي وإهمالي على حد قولها
رفعت المنشفة من الأرض ورميتها على السرير
قائلا " ألن ترافقيني لهم "
هزت رأسها بلا دون كلام فقلت ببرود " أرجوان إن كنتي
غاضبة مني فلا تسجني ذلك في نفسك كي لا تصيبك أنتي أيضا
جلطة دماغية ولا تؤجلي عتابك لليل لأني الآن بحال أفضل "
نظرت لي مطولا بصمت ثم قالت " بل لا أريد أن يشعروا أني
أنا من أجبرك على فعل ذلك لأنهم كانوا مستاءين , أريد أن
يشعروا أنك حقا مهتم لما فعلوه اليوم لأنهم شاركوني في
صنع وإعداد كل شيء ومنذ الصباح الباكر "
دائما ما تخون توقعاتي بإجاباتها وتهدأ وقت أتوقع
غضبها , خرجت من الغرفة دون أي كلمة إضافية ولا
أعلم لما اهرب دائما من التحدث معها أكثر
توجهت لغرفة الفتاتين ونظرت من خلف الباب فكانوا
يجلسون على طاولة طويلة ومؤكد أحضروها من غرفة
التدريس بالأسفل , الغرفة كانت مليئة بالبالونات والزينة
كانوا يحضنون وجوههم بأيديهم ومستاءين جدا على ما
يبدوا , مدت ترف يدها فضربتها بيسان قائلة
" لا تأكلي شيئا حتى تأتي ماما "
قالت ترف بضيق " ومن قال أنها ستأتي فقد تخرج
هي وبابا للغداء ونحن هنا ننتظر "
وما سر الغداء أيضا هل كانت تخطط لغداء في الخارج أم ماذا !!
دخلت لهم وما أن رأوني حتى ارتسمت الدهشة على وجوههم
ثم ابتسموا ابتسامة واسعة فنظرت للطاولة المليئة وقلت
" ما كل هذا ؟ هل كل هذه الأشياء من أجلي "
نزلت ترف من الكرسي ولأول مرة وحدها وكانت النتيجة أنها
وقعت أرضا ولكنها سرعان ما قفزت واقفة وتوجهت نحوي
مسرعة فحملتها بين يداي وقبلتها واقتربت منهم فحضنتني
ترف بقوة وقالت ورأسها يتكأ على كتف
" ضننا أنك لن تأتي لترى الغرفة والطعام "
قالت بيسان " أين ماما أليست من أحضرك هنا "
إذا كما توقعت أرجوان كانوا سيضنون أنها من سيطلب
مني هذا , قلت وأنا آخذ الشوكة من على الطاولة
" لا هي لا تعلم أني جئت هنا "
قالت بيسان وهي تشير بإصبعها
" تذوق الكعكة بابا لقد أعددناها معا "
تذوقت منها لقمتين وقلت " رائعة هي لذيذة جدا "
قالت ترف وهي تضرب بيدها على ظهري
" تلك بابا تلك , أنا من غلفها بالشكلاته ووضعت عليها الحلوى "
أخذت منها قطعة وأثنيت عليها ولم يتركوني حتى تذوقت من
كل شيء وهم يحكون لي ما ساعدوا به في إعداده وأنا أحسب
الوقت بعيناي وعقلي وهوا يضيع لكن الأمر كان يستحق
وقد أسعدهم كثيرا بالفعل وإن كانت دقائق معدودة
أنزلت بعدها ترف للأرض وقلت " عليا المغادرة الآن "
ثم خرجت من فوري وغادرت القصر مجيبا على
هاتفي الذي يرن منذ وقت وقلت
" نعم قادم في الطريق وأعلم أنني تأخرت "
قال بضيق " هل لاحظت انك منذ تزوجت لم تعد تحترم وقت العمل "
قلت ضاحكا " ألزم حدودك يا وقح وجهز رجالك سنغادر
فورا فيبدوا هذه المرة المشوار يستحق "
قال ضاحكا " أتمنى في الأيام القادمة أن نجد وقتا لنراك فيه "
قلت مختصرا " وداعا قبل أن أهينك "
وأغلقت منه الخط لأن عمي منصور كان متوجها نحوي
دسست هاتفي في جيبي وصافحته قائلا
" مرحبا بالعم أين لا نراك أبدا "
قال ببرود " ذكر نفسك بهذا يا قاطع الأرحام , بالله عليك
كم ساعة هي التي تجلس فيها مع زوجتك وأبنائك "
قلت بابتسامة جانبية " وقت تناول الطعام "
هز رأسه وقال مبتسما " أعانهم الله على غيابك في رمضان "
انفجرت ضاحكا فقال " أين معتصم "
قلت باستغراب " ليس هنا ولما لا تتصل به !! "
قال " لا يجيب وبتول جاءت هنا لتتحدث معه منذ قرابة
اليومين وبعدها سجنت نفسها في غرفتها ولم تخرج منها
حتى الآن رغم كل محاولاتنا فأريد أن أفهم منه ما حدث "
بقيت أنظر له بحيرة فقال " أخبرتها أن معتصم رفض فكرة
أن تغير دراستها وتذهب مع خالها فجن جنونها وفتحت لي
جميع الدفاتر ... لما يراني دون حجاب لما يدخل غرفتي
ولما تسكتون عنه وكيف يتحكم بي وبأي صفة فطلبت منها
أن تسأله بنفسها فغادرت المنزل متوجهة لقصركم هنا وهوا
كان موجودا ليختفي هوا بعدها وتسجن هيا نفسها فعلينا
إيجاده لنحل هذه المشكلة "
قلت بهدوء " هل أخبرها أنها زوجته ؟ "
رفع كتفيه وقال " الحقيقة لا يعلمها غيرهما , قد يكون
شد عليها في الكلام فقط أو حتى ضربها "
ثم قال بضيق " وسأقطع يده إن كان فعلها فأنا لم
أزوجها له ليمد يده عليها "
فتحت باب السيارة قائلا " كان تصرفه خاطئا منذ البداية
فإن كان أخبرها الآن بزواجهم يكون رد فعل طبيعي
منها ويستحق هوا كل ما سيأتيه "
قال بضيق " نريد حلا لها الآن هي لم تتناول شيئا منذ ذاك
الوقت ولا تجيب علينا أخاف أن يكون أصابها مكروه "
قلت وأنا اركب السيارة " سأتحدث معه وإن لم يجيب
سأرسل من يخرجه من تحت الأرض قبل المغيب
فعليه أن يجد حلا لأفكاره الجنونية "
ثم انطلقت خارجا من القصر وسيارتان من الحراس تتبعني
وركّبت سماعة الهاتف واتصلت به مرارا ولا يجيب فأرسلت
له ( أجب حالا أو تعرف جيدا كيف سأجلبك خلال ساعات )
بعدها بقليل اتصلت فأجاب قائلا " لا تهددني وهذا ما ينقص
تلقي القبض علي كالمجرمين "
قلت بضيق " تتهم بتول بالتصرفات الصبيانية وأنت لا تقل
عنها جنونا , هي على الأقل تحترم من هم أكبر منها "
قال ببرود " ماذا تريد "
قلت بغضب " كيف لا تجيب على عمك يا وقح يتصل بك
مرارا وتتجاهله , نعم فهوا يستحق ثقته بك وتزويجك ابنته
الوحيدة ودون حتى أخذ رأيها , الفتاة تسجن نفسها في غرفتها
منذ أتتك هناك في القصر ولا يعلمون حتى إن كانت حية
أم ميتة وأنت يعجبك دور المتجاهل كثيرا وهوا باله
مشغول ويحاول أن يجد حلا لابنته "
قال باختصار " سأتحدث معه "
قلت بحدة " بل تأتي لتتفاهم معها وأخبرها أنك تزوجتها أو
أنا من سيفعلها هذه المرة وإن كنت ضربتها فقسما يا معتصم
قسما بربي وربك أني أنا من سيأخذ الحق منك وليس والدها "
قال بضيق " زوجتي ولا أحد يتدخل بيننا "
قلت بحدة " ذلك عندما تتصرف بعقل يا عاقل يا راشد
يا من وثقنا بك وهي لا تزال طفلة ولا تتقبلك حتى التقبل
تسمعني جيدا وتنفذ ما أقول .... تذهب لها فورا وتخرجها
وإن بكسر الباب عليها وتتحدث معها عن الأمر إن لم
تكن تعلمه أساسا وهوا سبب سجنها لنفسها أو
سأتصل بالحرس في القصر ليفعلوها "
قال بغضب " نعم هذا ما كان ينقص يكسرون عليها باب
غرفتها ليروها بملابس المنزل وسيدعون الشهامة
لإخراجها لأنه مغمى عليها "
قلت ببرود " ما لدي قلته , أمامك ثلاث ساعات وسأتصل
بعمي منصور إن لم تخرجها سأنفذ ما قلت ولك أن تختار "
ثم أغلقت عليه الخط وتأففت بغضب واتصلت بعمي
منصور فأجاب من فوره قائلا " هل أجاب عليك "
قلت بهدوء ممزوج بالضيق " نعم وسيأتي في أي لحظة
أو سيكسر الحرس الباب عليها فتركها أكثر سيكون جنونا
والله وحده يعلم ما حدث بينهم وما فعلت بنفسها , وما كان
عليك تركها حتى الآن سجينة الغرفة فيومان ليس بقليل "
تنهد وقال " كانت تلك فكرة رضا أيضا لكني عارضته
فلا أريد أن نرعبها وكأننا في فيلم بوليسي "
قلت بضيق " ذلك أفضل من أن نكتشف بعد فوات الأوان
أنها آذت نفسها ولن ينفعنا الندم حينها , وشيء آخر إن
لم يكن أخبرها بزواجهما أو لم يفعلها الآن فافعلوها
أنتم أو فعلتها أنا ما أن أرجع "
قال " لتفتح لنا الباب أولا ثم لكل حادث حديث "
قلت بهدوء " هل تأمرني بشيء آخر "
قال على الفور " لا وشكرا لك يا جابر "
قلت مباشرة " وعلى ماذا الشكر الخطأ خطأ ابننا
فالتمس لنا أنت العذر "
قال ببرود " ابنتي وأعترف أنها أيضا مدللة ومجنونة "
قلت مختصرا " وداعا الآن واتصل بي إن لم يأتي وتفتح
هي الباب خلال ثلاث ساعات "
قال " حسنا "
ثم أنهيت الاتصال منه وكنت قد وصلت العاصمة لأنطلق
والفريق للجنوب من جديد فيبدوا ثمة خيط في القضايا
وجدناه وإن كان رفيعا جدا
*
*
أعدت الهاتف لجيبي أتأفف بضيق فضحك معاذ بجانبي
وقال " أزمناها وجئنا نحلها فوجدناها أزمة فأحضرنا
المؤزم فزادها تأزما "
نظرت له وقلت بضيق " لم أعرف أن وليد عداك
بشعاراته الهابطة وكأنه ينقصك شعارات سخيفة "
ضحك مجدد ووضع يده على كتفي وقال
" أغضبوه وغضب علينا فجئنا نهدئ غضبه فزاد
غضبا ونسي المغضوب عليه أنه .... "
لكمته على أنفه ليسكت ففركه متألما وقال
" تغار من أنفي المستقيم يا أحمق "
قلت ببرود مغادرا " من يسمعك يضن أن انفي أفطس "
ركبت بعدها سيارتي وغادرت المزرعة أسترجع ذكريات
ما حدث يومها حين أخبرتها ففتحت عيناها على اتساعهما
من الصدمة وقالت " كذب ... كاذب يا معتصم "
فقلت بحدة " بلى صدقي ذلك يا ابنة عمي ولن تعتب
قدماك خارج منزلكم إلا هنا لغرفتي "
فاختفت من أمامي في لمح البصر وكأنها سراب أشرقت
عليه الشمس فهي من الذكاء أن تربط الأمور ببعضها
لتفهم أن ما كنت أقوله حقيقي فقررت أن أجنبها رؤيتي حتى
تستوعب الأمر , تسرعت وتهورت أعترف بذلك لكنها
أفقدتني أعصابي بجنونها ولسانها الطويل
وصلت منزلهم بسرعة لأني في ذات المنطقة ونزلت من
فوري وطرقت الباب ليفتح لي عمي منصور , نظر لي بصمت
بادئ الأمر ثم قال مبتعدا لأدخل " ماذا حدث يا معتصم "
قلت وأنا أتخطاه داخلا " لقد علمت بزواجنا "
ثم التفت له وقلت " سأصعد لها "
هز رأسه بيأس وقال " لن تخرج فنحن نحاول معها
منذ أكثر من يوم ولا فائدة "
قلت متجها جهة السلالم " سأكسر الباب إن لم تفتحه "
لحق بي هوا ورضا الذي خرج من جهة المطبخ وقال
وهوا يصعد خلفنا " بالرفق يا معتصم لا تقسوا
عليها ولا بكلامك "
قلت وأنا أصعد آخر الدرجات
" لا تقلق يا رضا لن يحدث شيء مما في بالك "
وصلت باب غرفتها وطرقته وقلت " بتول افتحي الباب "
ولا مجيب فطرقت أكثر وقلت بصوت أعلى
" أفتحي أو كسرناه حالا فأنتي خارجة في كل الأحوال "
ولا فائدة طبعا فالتفت لهما وقلت " أريد شيئا نكسره به
وساعداني لنكسره بأقل أضرار "
نظر عمي منصور لرضا ثم لي وقال " ألا حل غيره "
قلت بضيق " وما الحل برأيك , نرسل لها فأرا من تحت الباب "
ضحك رضا وقال عمي منصور " فكرة ناجحة فهي تخاف
حتى من الصرصور الصغير فكيف بفأر "
تنهدت وقلت " علينا كسره إلا إن كنت تخاف على الباب "
قال بضيق " بل أخاف عليها فهي ابنتي ووحيدتي
ولا أريد أن نخيفها "
قال رضا مبتسما " من يسمعك لا يصدق أنه
لديك ثلاث أبناء غيرها "
قلت بضيق " ليس وقت نقاشات الآن علينا أن نكسر الباب حالا "
نزل عمي منصور لوقت ثم صعد وفي يده مثقاب جدران كهربائي
فضحك رضا وقال " أنت من سيخيفها بصوت هذا "
قال ببرود " هذا أرحم من أن نضربه بالفأس "
قال رضا مبتسما " كنتم أحضرتم أحد حرس جابر
الضخام وكان سيكسره بضربة واحدة من قدمه "
قلت بضيق " هل جننت أم ماذا , لن يكسر واحد منهم باب
غرفتها ويفتحها عليها ولا على جثماني "
اقترب عمي وناولني إياه ثم أوصله بالكهرباء ووقف عند
الباب وقال " بتول سنكسر الباب بالمثقاب إن لم تخرجي الآن "
انتظرنا قليلا ثم أشار لي برأسه أن أبدأ العمل فشغلته وكسرت
به اللوح حول قفل الباب حتى ابتعد عنه قليلا ثم ضربناه بقدمينا
أنا ورضا ضربة واحدة فانفتح على اتساعه ونظرت للغرفة
نظرة شاملة فلم تكن فيها فنظرت لهما بتوجس وكل مخاوفي
أن لا تكون هنا من أساسه , كنا ننظر لبعضنا كالبكم أعيننا
فقط التي تتحدث والقلق والخوف يملأها فدخلت الغرفة لأبحث
عنها في الحمام رغم أنه كان مفتوحا وهذا يعني أنها ليست
فيه وما أن دخلت أكثر حتى وجدتها جالسة في الجانب الآخر
من السرير تخفي رأسها في ساقيها المحتضنة لهما فنظرت
لهما وأشرت لمكانها بأنها هنا ثم أشرت برأسي أن يتركانا
وحدنا فأشار لي عمي أن بالرفق عليها فأومأت له برأسي
بمعنى حسنا فغادرا مباشرة واقتربت منها وجلست بجوارها
وقلت بهدوء " هل يعجبك هكذا تقلقي الجميع عليك "
لم تجب طبعا فقلت بذات هدوئي " بتول ما الذي تريدينه
بهذا , أن تموتي مثلا ؟ هل تكرهينني لهذا الحد "
بدأ صوت بكائها يخرج واضحا فشددتها لحظني وقلت
" توقفي عن البكاء يا بتول ودعينا نتحدث بروية "
قالت بعبرة " أكرهك واكرههم جميعا "
حضنتها أكثر أمسح على شعرها ثم قبلت رأسه وقلت
وأنا أثبت ذقني عليه " اعلم أنك تكرهينني ولا تطيقينني
في أرض , فقط توقفي عن كل هذا "
أمسكت قميصي بقبضتها بقوة ودفنت وجهها في صدري
تبكي بمرارة وتقول " لماذا فعلتم بي هذا لماذا "
وغابت كلماتها بين شهقاتها المتتالية ولم أزد أنا حرفا
وبقيت محتضنا لها لتهدأ أولا حتى خف بكائها قليلا
فقلت مبتسما " هيا فقد اختبرتِ محبة الجميع لك "
ابتعدت عني وقالت مشيحة بوجهها " ابتعد عني ولا تلمسني "
قلت بعد ضحكة " الآن بعدما نمتِ في حضني حتى شبعتِ "
نظرت لي بضيق فقلت بقلق وأنا أنظر لملامحها
" بتول انظري لوجهك في المرأة , كم ساعة بكيتي يا غبية "
وقفت وقالت بحدة " أبكي ما أبكيه لا شأن لك بي أم تريدني أن
افرح بذلك وأرقص , كيف طاوعتكم قلوبكم تلعبون بي وتزوجونني
دون علمي ولا موافقتي , لن أنساها لكم يا معتصم ما حييت "
تنهدت بضيق ورفعت إحدى ساقاي منصوبة أمامي
ووضعت ذراي عليها وقلت
" لا أريد أن أجرحك يا بتول فلا تفقديني أعصابي "
ابتعدت عني وأولتني ظهرها وكتفت يداها لصدرها ولم
تتحدث فقلت بهدوء " تعالي اجلسي دعينا نتحدث قليلا "
لم تتكلم ولم تلتفت إلي فوقفت واقتربت منها وأحطت
خصرها بذراعاي وقبلت خدها ثم قلت مغادرا
" سأعود في وقت آخر فاهدئي الآن "
ثم خرجت من عندها ووجدت رضا ووالدها عند السلالم
فاجتزتهما نازلا وقلت " أخذت نصيبي وبقي دوركما أنتما
ولا أنصحكم بالمحاولة الآن "
*
*
ما أن نزل معتصم حتى نظر لي رضا وقال
" أرى أن تتحدث معها الآن لابد وأنها أفرغت أغلب
غضبها به وستكون منهكة ولن تلومك كثيرا "
ضحكت وقلت " ستجد وقتا آخر فالأيام أمامنا طويلة "
ثم توجهت نحو غرفتها وهوا يتبعني قائلا " كنت أخبرته
أن يأخذها معه فورا لتهرب من مواجهتها "
دخلنا غرفتها فكانت تقف مولية ظهرها للباب وتفرك خدها
وتبكي وكأنها تمسح شيئا من عليه , نظرنا لبعضنا ثم اقتربت
منها ووضعت يدي على كتفها وقلت بهدوء
" بتول بنيتي كيف تقلقيني عليك هكذا "
ابتعدت بخطوات للأمام ثم التفتت لي وقالت بحرقة
" أتوقعها من الجميع إلا منك يا أبي "
تنهدت وقلت " أنا وعدت عمك وعدا حرا هل
ترضي أن أخلف وعدي له "
قالت ببكاء مشيرة لنفسها " وأنا ورأيي , لما لم تفكر بي "
ثم تابعت وهي تعد على أصابعها وتنظر لهم
" هل نسيت أنه لازال أمامي سنتين في الثانوية وجامعة "
ثم نظرت لي مجددا وقالت بعبرة " أي ظلم واضطهاد هذا
عمري ستة عشرة سنة فقط ولم أحقق أي حلم في حياتي
لأصبح زوجة فجئه ولمن لمعتصم وبالخفية عني
وتتركونني كالبلهاء المغفلة "
قال رضا بهدوء " هوا من أرادك وأصر عليك وقال
أنه لن يحرمك دراستك وهوا من أصر أن لا نكشف
لك أمر زواجه بك سريعا "
ضربت كف يدها بظهر يديها الأخرى عدة مرات
وقالت بحرقة " تكذبون وتتحايلون في كل الأحوال "
ثم أشارت لنا وقالت " هل تعلمان كم مرة ناداني بالعلكة
بالفراولة بالمدللة الطائشة الطفلة فلما يريد أن يتزوجني
ويصر علي هل ليربيني على طريقته أم يختبر قدراته بي "
قلت بهدوء " بتول ما هذه الأفكار هوا أرادك زوجة له
حقا لما كان طلبك من نفسه "
صرخت بحرقة " طلقوني منه , أنتم فعلتموها وأنتم تنهونها "
قلت بصدمة " بتول ما هذا الكلام الذي تقولينه "
قالت ببكاء " لا أريده لا أريد ولم أعد أرغب في
الزواج من أساسه فاطلبها منه أنت أو طلبتها
بنفسي من جابر ليجبره على ذلك "
قلت بحدة " بتول لقد تغاضيت عن صراخك بي وخالك
دون احترام لنا مقدرا لصدمتك بالخبر لكن أن تضربي وعدي
عرض الحائط وتكسري كلمتي لن تكوني ابنتي ولا أعرفك "
ثم خرجت من عندها غاضبا ورضا يتبعني قائلا
" منصور هل جننت ليس هذا وقت ما قلته لها "
أشرت له بيدي وأنا أتابع سيري وقلت
" عد لها هي تحبك كثيرا فحاول تهدئتها "
ثم نزلت للأسفل لتقابلني أميرة عند أول السلالم وقالت
بقلق " ماذا حدث معكم هل فتحت الباب "
قلت متوجها لباب المنزل
" نعم وهي بخير ورضا معها فاتركيهما وحدهما "
*
*
نزلت للأسفل متوجهة للمطبخ وبيسان معي متجاهلة عمتي
وضيوفها ولم أنظر ناحيتهم حتى النظر , أعلم أنها ستخبرهم
أني من أرفض الذهاب لهم ولكن لحسن الحظ أنه حين عدت
لأصعد السلالم من جديد كانت إحدى اللتان أهانتني أمامهما
موجودة معهن فموقف عمتي هذه اللحظة ضعيف ولن تصدقها
تلك وستحكي للباقيات الموقف بالتأكيد , فلن أقابل ضيوفها
وأسلم عليهم حتى يتحدث جابر معها وتتوقف عن إهانتي
أمامهم لأني متأكدة أنه لم يحدثها بعد فحتى أنا لم أره هذه
الأيام إلا لدقائق معدودة , لا أعلم ماذا ترك لرئيس البلاد
والوزراء فما أن يدخل الجناح حتى يتصلوا به ليستعجلوه
للذهاب لهم وكأنهم يخشون أن يهرب منهم أو أسرق من
وقته بل وكأنهم لا يعلمون أنه يعشقهم وعمله بجنون وأني
وأبنائه في آخر حساباته
عدت لغرفة الفتاتين بعدما أنهت الخادمات تنظيفها , على
الأقل شارك أبنائه ولو قليلا فهم لم يتوقفوا عن التحدث عن
أنه أكل مما صنعوه وأنه أعجبه وأثنى عليه وما لا يعلمونه
أنه كان سيغادر دون حتى أن يفكر في رؤية الغرفة ولو من
باب الفضول وليس جبرا لخواطرهم أو خاطري ولن أتحدث
عن نفسي لأني الأكثر خذلانا منه بينهم , دخلت وقلت
" بيسان نادي شقيقك بسرعة لنصلي المغرب حبيبتي "
انطلقت من فورها مسرعة وعادت وهوا معها توضؤا
وصلينا معا ثم التفت لهم وقلت " ترف أحضري المصحف "
جلبته وعادت مكانها وبدأت اقرأ على مسامعهم بعض
الآيات وأشرحها لهم وأعلمهم عن بعض المحرمات بالأذلة
من كتاب الله وبعض الأحاديث , عليا أن أتحدث مع والدهم
لنظمهم لحلقات تدريس القرآن وأنا أيضا بدلا من جلوسي
في المنزل لا زوج ولا عمل أقوم به , قالت ترف
" ماما ما يعني يوصلوا شعورهم "
قلت بابتسامة " يعني شعرها قصير تلحقه بآخر
ليصبح طويلا ثم تزيله "
قال بيسان بصدمة " ويحرقها الله بالنار "
هززت رأسي بنعم وقلت " بل يلعنها ويغضب عليها "
قالت ترف " هل شعرك أنتي موصول لذلك هوا طويل "
ضحكت وقلت " لا حبيبتي شعري طويل دون أن أوصله
أنا لا أريد أن يغضب الله مني "
قالت وهي تسحب إحدى جديلتيها للأسفل
" ولما أنا ليس طويل إذا , المربية قالت لي سابقا إن
أمسكته بالمشابك سيصبح طويلا لقد كذبت علي "
قلت مبتسمة " عيب ترف هي لم تكذب عليك فحتى أنا
حين كنت في عمرك كان شعري قصيرا مثلك "
قالت بيسان " نعم حتى عمتي زهور كان شعرها
مثلي والآن هوا أطول "
نظرت لها بحيرة وقلت " ومن أخبرك أنتي بذلك "
قالت من فورها " أرتني صورة لها حين كانت مثلي "
شردت قليلا بفكري ثم نظرت لها وقلت " سبق وأخبرتني
أنها أعطتك ذاك الفستان الأبيض أليس كذلك "
هزت رأسها بنعم فقلت " هل هي نادتك أم أنتي ذهبتِ لها "
قالت " بل أنا ذهبت لأخبرها أنك ستأتي للعيش معنا "
قلت بحيرة " هل استقبلتك وأحبتك "
هزت رأسها بنعم وقالت " وعزفت لي ورقصت وتركتني
أشاهد حوض الأسماك في غرفتها وسألتني إن كنت أحبها "
قلت مبتسمة " لما لا تزوروها إذا مادامت تحبكم "
نظروا لي باستغراب فقلت " لما لا تذهبون لها "
قالت ترف مبتسمة " حقا نذهب لها "
قلت بابتسامة " نعم لكن حين اسمح لكم فقط "
قالت بيسان " هي جميلة ماما وفستانها جميل كالذي أعطته لي "
قلت مبتسمة " نعم بنيتي لا تخبريني عن جمالها لأنه لا يوصف "
قال أمجد " هل رأيتها !! "
وقفت وقلت " هيا وقت العشاء الآن "
وقفوا وقالت بيسان " بابا لن يأتي كالغداء ؟؟ "
قلت وأنا أسبقهم " يبدوا ذلك "
هوا لم يكلف نفسه حتى عناء إخباري إن كان سيتأخر أو يبات
خارجا لا أعلم حتى متى سأصبر على هذا الحال , ما بك يا
أرجوان ألم تتزوجيه من أجل الأبناء فقط إذا ما شأنك به يتأخر
يبات هناك أو يفعل ما يحلوا له فيبدوا أعجبتك فكرة تغييره
وصلنا للأسفل وكانت جدتهم غير موجودة ويبدوا لن تتناول
العشاء فهي لا تأكل وجبتين إلا نادرا , أنهينا عشائنا وصعدنا
صلينا العشاء ودخلنا غرفة قلعة بيسان درستها قليلا ولعبوا بها
حتى وقت النوم فأوصلتهم لغرفهم وذهبت لجناحي استحممت
وجففت شعري ولبست بيجامة حريرية فلا حاجة للقمصان
اليوم ثم دخلت السرير أمسكت بهاتفي لأرسل له رسالة ثم
غيرت رأيي ورميت الهاتف على الطاولة وأطفأت نور
السرير وأخذت وقتا طويلا لأدخل أعماق النوم رغم أن
اليوم كان متعبا منذ الصباح الباكر وليثه بنتيجة تستحق
*
*
قال بضيق " لا جدوى من بقائنا بعدما مات هوا أيضا "
غادرت من أمامه قائلا
" إن لم يكن لهم جواسيس في وسطنا لا أكون جابر "
ثم خرجت من عنده بل وغادرت الجنوب وعدنا صفر
اليدين بعدما قتلوا دليلنا الثاني , بث أشك أن من وراء هذه
الجرائم ذراع كبيرة في الدولة فسأترك الأطراف وأغامر
بالبحث في الرؤوس فإما أن تتوقف هذه الجرائم أو يقتلوني
ويريحوني من كل هذا التعب , وصلت مدينتي عند الثالثة
فجرا , دخلت القصر وصعدت لجناحي ودخلت الغرفة
شغلت النور وكانت نائمة ولم تخرج لي حتى بيجامة النوم
كعادتها , يبدوا عتابا من نوع آخر ... لا رسالة فيها أنها
منشغلة علي ولا حتى سألت إن كنت سأبات خارجا أم لا
توجهت نحو هاتفها رفعته وفتحت آخر مكالماتها وكما
توقعت رقم غريب ومميز , خرجت من الغرفة واتصلت لأني
أعلم انه يجيب طوال النهار وما أن فتح الخط حتى قال
" مرحبا معكم مطعم النرجسة البيضاء هل نخدمكم بشيء "
قلت " هل حجز لديكم هذا الرقم أي طاولة يوم أمس "
قال " قليلا فقط لأبحث "
قلت من فوري " تحت اسم جابر حلمي "
قال مباشرة " مرحبا سيدي نعم كان هناك حجز اليوم باسمك
على طاولة للغداء والعشاء لتحدد لنا أي الوجبتين ستختارون
لكن المتصلة اعتذرت عن الغداء قبل وقت الظهيرة ثم
عن العشاء عند العاشرة "
قلت بهدوء " أعطني حسابكم لأحول لكم ثمن الوجبتين "
قال " لا تقلق بشأن هذا سيدي "
قلت " كما تريد وداعا "
أغلقت منه الخط وعدت للغرفة وأعدت الهاتف حيث كان
مؤكد مستيقظة فهي ما أن ينفتح النور في الغرفة تشعر به فورا
ولا تنام قبل أن ينطفئ , نظرت حولي وفتشت الخزانة بحثا عن
ضالتي ولم أجدها فتوجهت للدرج بجانبها وفتحته فكانت هناك
أخرجتها وتوجهت بها للأريكة وفتحتها فكانت حافظة لمصحف
خاصة بالسيارات أنيقة ومذهبة و بها مصحف كحجم ذاك الذي
أعطته لي سابقا , لما لم تقدمها لي كالأطفال وتركتها بل
وخبأتها في الدرج !! وضعتها على الأريكة وتوجهت للخزانة
أخرجت بيجامتي ورميتها على السرير خلعت سترتي ورميتها
على جسدها ثم ربطة العنق والقميص والبنطلون وهي على
حالها تدعي النوم , أخذت المنشفة وقلت متوجها للحمام
" أعلم أنك مستيقظة "
استحممت سريعا وخرجت بالمنشفة لأجدها على حالها
الفرق الوحيد ملابسي التي رميتها عليها غير موجودة
والهدية أيضا اختفت , ابتسمت ابتسامة جانبية ثم جلست
على طرف السرير حيث هي نائمة وقلت " أعلم أنك
غاضبة مني , هيا لا داعي لهذه الحركات الصبيانية "
قالت وعيناها مغمضتان " لست غاضبة فأطفئ النور
أنا متعبة وأريد أن أنام "
قلت بمكر " وإن لم أطفأه "
عقدت حاجبيها وقالت بضيق " جابر من أين تجد كل
هذا النشاط لو كنت مكانك لنمت عند باب القصر "
ضحكت وشددت خصلة من شعرها الطويل فغطت رأسها
باللحاف تتأفف بضيق فسحبته منها بقوة ورميته بعيدا
فجلست تجمع شعرها للوراء وتحركت حتى جهتي من السرير
ورمت عليا ببجامتي وقالت " يبدوا أنك أحببت تلك الجهة "
اضطجعتُ في مكانها ومددت لها يدي فنظرت لها مطولا
ثم اقتربت مني وقالت ببرود
" فقط لأني أخاف أن أحاسب إن رفضت "
قربتها لحظني وقلت " هكذا إذا "
قالت بهمس " نعم "
قلت وأنا أغرس أصابعي في شعرها " ولما تحديدا "
خبئت وجهها في صدري العاري وقالت بهمس
" من اجل لا شيء "
قلت وأناملي تسبح في شعرها الكثيف
" هل هناك من يغضب من أحد دون سبب "
قالت بذات الهمس " أجل أنا "
قلت بهدوء " لما لم تخبريني أني مدعوا على العشاء معك "
لم تتحدث وشعرت على صدري بشيء أعرفه جيدا فشددها
لحظني أكثر وملت برأسي لأذنها وهمست
" لما البكاء الآن يا أرجوان "
لم تتحدث فتنهدت وقلت " كنتِ عاقلة طوال الصباح
وتصرفتِ بحكمة ما بك الآن وأنا من أخبرك منذ البداية
انه إن كان لديك عتاب لا تدخريه لليل "
أحاطت خصري بذراعها بقوة وقالت ببكاء
" قلقت عليك "
ابتسمت وقلت " لهذا فقط يا مشاغبة وأنا من كان يفكر
كيف يعتذر ويخلص نفسه , إذا كنتِ محقة حين قلتي
بأنك غاضبة من لا شيء "
قالت ببحة " بل منك "
ضحكت وقلت " اثبتي على واحدة "
لم تتحدث فقلت بهدوء " حسنا يا سيدة أرجوان أنا لم أخبرك
أين سأذهب ظهر اليوم لأني لم أرد أن أفسد الأمور أكثر
يكفي الحفل الذي لم أحضره "
لم تتحدث أيضا فقلت " هيا أجلسي أود أن نتحدث قليلا "
ابتعدت عني ونامت على وسادتي وأغمضت عيناها
وقالت " لا تمن عليا بشيء هوا ملكي وحدي "
ابتسمت ومددت يدي وسحبتها لحظني مجددا وقلت
" حسنا تمتعي بأملاكك إذا "
أعادت ذراعها حول خصري وقالت
" ماذا كنت تريد أن تقول "
مسحت على شعرها وقلت " نتفق على بعض الأمور "
أبعدت وجهها من صدري ونظرت لي وقالت
" مثل ماذا "
دسست وجهها في حضني مجددا وقلت
" لا تتركي أملاكك يا مستهترة "
ثم تابعت " مثل أني هذه الفترة على قدم وساق كما تري "
نظرت لي مجددا وقالت " وأنا لم أشتكي كما طلبت "
مررت أبهامي على خدها وقلت بابتسامة
" اعلم وأريد أن يستمر هذا "
نظرت لعيناي مطولا بحيرة ثم قالت " وحتى متى "
قلت " حتى تنتهي هذه الأزمة في البلاد "
قالت باختصار " ثم "
قلت باستغراب " ثم ماذا "
قالت " بعد ذلك هل ترجع لتكون موجودا
عند وجبات الطعام فقط "
لذت بالصمت أحاول مجددا فهم خبايا دماغها لأني
كلما قلت شيئا كان جوابها مغايرا لما اعتقدت
وعندما طال صمتي جلست وقالت " جابر سأتحدث ولا
تقاطعني حتى أنتهي ومهما قلت أو لن أتكلم وننسى كل هذا "
هززت رأسي بحسنا لتتكلم فقالت " أبعدني أنا جانبا ولن نتحدث
في هذه النقطة بتاتا , آلا تحب أطفالك مؤكد الجواب نعم
آلا تشتاق لهم لرؤيتهم كما يشتاقون لك هم ويفتقدونك
أتعلم في الماضي في يوم عيد ميلادي كنت أتمنى أن
يحضروا لي هم هدايا من أنفسهم دون أن أعلم لشدة حبي
لهم وكنت أتخيل كيف ستكون سعادتي وتدمع عيناي كلما
تخيلت ذلك لهذا فكرت أن أفعل هذا لك بالأمس لأني اعتقدت
بأنك ستشعر بكم السعادة الذي كنت أنا أتخيله لكنك حتى
ابتسامتك لهم وأنت تشكرهم كانت تدل على أن دماغك
مع شيء آخر وليس معهم "
سكتت فقلت " هل انتهى كلامك "
نظرت ليديها في حجرها وقالت " لنعتبره انتهى "
جلست أيضا وقلت " إذا هذه نقطة وقوف فقط "
نظرت لي بصمت فقلت مبتسما
" تبدين أخطر مما تصورت هل تقرئين الابتسامات أيضا "
قالت بضيق " نعم وابتسامتك هذه معناها أنك تسخر
مني أو أنك لم تعر ما قلت أي اهتمام "
قلت بهدوء " لو كان الأمر كذلك ما تركت النوم مع
كل تعبي وجلست أتحدث معك "
قالت " إذا دعنا نستغل الوقت لتنام ولو لوقت
قليل قبل أن يتصلوا بك "
قلت " دعينا نؤجل نقطة تواجدي معهم قليلا كما
تؤجلين تلك النقطة دائما وبمزاجك "
لاذت بالصمت ولم تعلق فقلت " وغيرها دعينا نتناقش فيه "
قالت من فورها " أي شيء غير ذلك "
قلت " تقريبا "
رمتني بالوسادة وقالت بتذمر " أنت لا يمكن محاصرتك أبدا
أي حظ هذا الذي رماني على رئيس محققين "
ضحكت وقلت " لن يفهمك أحد مثله يا أرجوان
وعرف حظك أين يضعك "
لوت شفتيها بعدم اقتناع فقلت " إهانة مقبولة منك فتابعي "
قالت وهي تعد على أصابعها " أريد مسبحا للأطفال مادام لا
يمكنهم الخروج كي لا يتعرضوا لأي خطر وأن نلحقهم بدورات
لتحفيظ القرآن , أريد أن يخرجوا للحديقة ونشتري لهم دراجات
أريد أن يكون لهم مراجيح والعاب في الحديقة الواسعة بلا فائدة
أريدهم أن يشعروا أنهم أطفال أريد لهم غرفة العاب ولو ليدخلوها
لأوقات محددة بدلا من اللعب بدمى القلعة فقط "
بقيت أركز على ملامحها بصمت حتى انتهت وسكتت
فقلت " ألا يوجد شيء لك كله لهم "
نظرت للأسفل وقالت " إن سعدوا هم سعدت أنا "
قلت بهدوء " هل تعني أن السعادة ما ينقصك هنا أم أنك لا
تريدي غير سعادتهم ولا شيء لديك "
رفعت نظرها لي وقالت " منذ تزوجنا كان اتفاقنا أنه زواج
من أجل الأولاد فإن طالبت بشيء منك لي أكون أستحق
الجلد ويكفي أن مالك مفتوح لي لا تحاسبني عليه وأنا
أحترم كل بنود ذاك الاتفاق كما ترى "
نظرت لها مطولا بتركيز حتى ابتعدت بنظرها مجددا
ثم قلت " تعني أنك لم تغضبي اليوم مني لأنك تنفذين الاتفاق "
لاذت بالصمت فقلت " ولما اشتريت لي هدية إذا وتزينتِ
وحجزت من اجل العشاء لنا فالأطفال خارج كل هذا "
ابتعدت لتغادر السرير فأمسكتها وقلت
" حسنا لن نتحدث في هذه النقطة حتى تسمحي بهذا "
ثم قلت بهدوء " أنتي تعلمي أن والدتي لن توافق كل ذلك
فاختاري شيئا واحدا منهم حاليا والباقي لنتركه للوقت "
قلت بهدوء " لكن امجد يحب الدراجات وترف تحب السباحة
وبيسان تحب المراجيح فمن بضنك سيختاره قلبي على الآخر "
قلت " المسبح يأخذ وقتا وعمال يحتاجون من يراقبهم ولا
وقت لدي كما تري وكذلك الألعاب الثابتة في الحديقة "
قالت باستياء " إذا بقي الدراجات فقط "
قلت بجدية " أرجوان عليك أن تقدري ظروفي أيضا فأنتي
لا تعلمي أني أستمع لسيل من الملاحظات من والدتي وأتجاهله
كله لاتفاق زواجنا فأن أقوم بما تريدين وأتجاهلها هي
أمر سيجرحها بالتأكيد وهي في النهاية والدتي "
اقتربت مني قبلت خدي وقلت " إذا ننسى كل ما قلناه , وبالنسبة
لي ما كنت سأتحدث عنه وأنت من فتح هذا الموضوع "
شددتها لحظني وقلت " نؤجله فقط "
قالت بعد ضحكة صغيرة " حاضر يا سيد تأجيل "
لم أستطع إمساك ضحكتي التي انطلقت مرتفعة ثم قلت
" لقد أصبتني بحساسية من كلمة مشغول والآن
تريدي أن تضيفي هذه لها "
نظرت لي وقالت " وتنيني أيضا "
أمسكت أنفها وقلت " إذا لدي ما لم أتحدث عنه بعد يا مشاغبة "
نظرت لي باهتمام فقلت " نحن متزوجان من فترة وأرى دورتك
منتظمة ولا مشاكل فيها فلما لم تحملي بعد "
نهاية الفصل