الفصل الرابع عشر
دخلت المنزل مسرعة وتوجهت لغرفتي هنا وهي غرفة جواد سابقا
أغلقت الباب خلفي وارتميت على السرير أبكي بحرقة فسمعت باب
الغرفة ينفتح وخطوات بطيئة وثقيلة تقترب مني ليجلس أحدهم
على السرير ثم صوت خالتي المتعب وهي تقول
" وسن يا ابنتي ارحمي نفسك وارحميني "
جلست من فوري لأجدها جالسة على طرف السرير والممرضة
واقفة فمسحت دموعي وقلت " خالتي لما غادرتِ سريرك وغرفتك "
مسحت على شعري وقالت " ما كنت سأرتاح وأنتي تسجنين نفسك
هنا وقد قضيتي البارحة في المستشفى وخرجتِ مني تصارعين الموت "
نمت في حضنها وقلت بدموع " لما أخبرته ليأتي لما جعلته يراني
في تلك الحالة يا خالتي , لقد ظلمتني ظلما كبيرا "
قالت بحزن وهي تمسح على ذراعي
" لم أخبره يا وسن ولم أطلب منه المجيء "
قلت بعبرة " مات نواس يا خالتي مات "
قبلت رأسي وقالت " نعم أعديه مات وعيشي حياتك يا وسن "
ابتعدت عن حضنها ونظرت لعينيها وقلت " كيف ولم يمت قلبي كيف "
تنهدت بحزن ولم تتكلم فقلت بأسى " لا أريد أن أراه جِدي لي حلا يا خالتي "
قالت بقلة حيلة " وما الحل الذي لدي هل تريدي أن أطرد ابني يا وسن
ابني الذي ضحى بشبابه ودراسته من أجلنا , الذي عانى الذل
والمهانة والسب والغربة من أجلي وأجل شقيقه "
قلت ودموعي عادت للنزول
" اطرُديني أنا إذا , قولي لا أريدها في منزلي "
حضنتني وقالت " ينقطع لساني قبل أن أقولها , وافقي
وتزوجي ابن خال فرح وستبتعدين عنه نهائيا "
قلت بحزن " لا أريد أن أظلم غيري , لن أظلمه معي يا خالتي ولن
أستطيع أن أعطيه حقه كزوجة , لن أكذب عليك وعلى نفسي "
ثم ابتعدت عن حضنها وغادرت السرير قائلة " هيا عودي لغرفتك
وسريرك , خالتي أرجوك لا تخرجي منها مجددا "
ساعدتها والممرضة على الوقوف فقالت بهدوء وتعب
" أراح الله بالك يا وسن وبال ابني "
أوصلناها في صمت ولم أضف حرفا وهممت بالخروج فقالت
" لا تسجني نفسك يا وسن ابقي معنا نتسلى قليلا "
قلت بابتسامة صغيرة " أريد أن أنام أشعر بالتعب "
هزت لي رأسها بالموافقة مبتسمة فابتسمت لها وعدت لغرفتي , دخلت
وكان هاتفي يرن دون توقف ويبدوا أن خالتي أحضرته لي حين جاءت
لأنه لم يكن معي , نظرت للمتصل فكانت فرح فأجبت عليها من فوري
فقالت مباشرة وببكاء " وسن هل أنتي بخير أين أنتي من البارحة
أتصل ولا تجيبي ويتهربون مني جميعهم "
قلت بابتسامة حزينة " بخير يا فرح لا تقلقي وتُقلقي زوجك
معك أنا بخير حية ولم أمت "
قالت بحزن " حمدا لله ما كنت سأصبر يوما
واحدا لو لم تجيبي علي "
قلت بعتب " فرح اهتمي بدراستك وزوجك فقط ولا
تزعجيه فهوا يحتاج للراحة وللتركيز "
قالت وقد عادت للبكاء " كيف أرتاح وأريحه الذنب
ذنبه هل كان عليه السفر بي بعيدا عنك , مشتاقة لك
وسن وأريد حقا أن أكون معك كل عمري "
نزلت دمعتي فمسحتها وقلت " كلها سنين وستعودان
فرح عديني أنك لن تزعجي جواد مجددا "
لاذت بالصمت فقلت " عديني يا فرح "
قالت " لا أستطيع فما يزال هناك يوم ستحمل زوجته المصون
ويوم ستنجب أيضا ويوم يجلبها لكم ليقتلك بها "
قلت بضيق " ما هذا الجنون يا فرح "
قالت بحرقة " أخذه الله وهي معه وأحرق قلبيهما معا
منذ أن عرفناهم لم نعرف خيرا "
قلت بحدة " فرح اصمتي ولا يسمع جواد ما تقوليه تفهمي "
قالت ببرود " هوا غاضب مني منذ الصباح ولا يكلمني "
تنهدت وقلت " أعلم أنك لن ترتاحي أبدا , لا تنسي أنه شقيقه
في كل الأحوال , هل ترضي أنتي أن يقول جواد عني
شيئا سيئا ويدعي علي "
قالت بضيق " فرق كبير بينك وبينه , هوا يستحق
وأنتي لم تفعلي له شيئا "
قلت بحزن " كل واحد منا جرح الآخر , تلك هي الحقيقة وها
نحن تصافينا ولكلن حياته "
قالت مباشرة " وسن وافقي على ابن خالي إنه الأفضل بينهم
جميعا وأنتي تعرفي جيدا ما يقال عنه "
قلت بهدوء " لا أستطيع يا فرح لا أستطيع "
قالت بحدة " ولما هوا استطاع وتزوج وأنتي لا "
قلت ببرود " ليس لأجله لا أستطيع بل لأجل ابن خالك فما
ذنبه يتزوج امرأة ميتة بلا قلب , أنا لو مكانه لا أرضاها
لنفسي ولن أتزوج من رجل قلبه مات مع امرأة
أخرى ليعيش معي جثة فقط "
قالت بعتب " مجنونة يا وسن وستضيعين حياتك "
قلت بهدوء " اذهبي واعتذري من زوجك يا فرح , جواد
يحبك ويحب شقيقه فلا تتحدثي عنه أمامه مهما حدث
عديني بذلك إن كنتي تحبينني حقا "
قالت بعبرة " لا أستطيع مع من سأتحدث ؟ مع الجدران
أم مع الناس الذين لا يفهمون حتى معنى ما أقول أم
أكبتها في نفسي حتى أموت "
قلت " هيا اذهبي له فلن أرتاح حتى تتصالحا
واتصلي بي فيما بعد حسنا "
قالت بهمس " حسنا "
أنهيت الاتصال معها ثم استحممت وارتديت ملابس النوم وحاولت
أن أنام دون أن أفكر في شيء لكن تمزق أحشائي لم يدعني أغفوا
أبدا وكلماته وهوا يتحدث معها عبر الهاتف لا تترك رأسي وأنا
كالأضحوكة أجلس معه في السيارة بعدما جلبني من المستشفى
اليتيمة العالة عليه التي ذبحها ورماها دون اكتراث
*
*
عدت للمزرعة في مزاج أسوء ما يكون , تضع اللوم علي
دائما وكأني المذنب الوحيد رغم أني طويت الماضي للحظة
ودست على جرحي وقررت أن أبرر لها سبب زواجي لكنها
عاملتني كنكرة مجددا , دخلت المنزل وصعدت لغرفتي من
فوري جلست على السرير واتصلت بوليد الذي أجاب
من فوره فقلت مباشرة وبغضب " أين ذهبت أنت وهوا دون
إعلامي أو أخذ أذني ألا تعلمون أني أعتمد عليكم في الإسطبلات "
قال بهدوء " خف عليا أيها الإعصار كلما أغضبك أحدهم نفثت نيرانك بي "
قلت بضيق " تعلم أنكما عندي بجواد ولا أعتبركما أقل من شقيقان
لي ولكنك وتهورك لا تفترقان "
تنهد بضيق وقال " أتركني وشأني يا نواس خير لك أنا
مزاجي ليس بأفضل منك تفهم "
قلت بأمر " تعودان حالا مفهوم "
قال بحدة " لا ليس مفهوم وقبل أسبوع لن نعود والإسطبلات
نحن على اتصال بالعمال عليك أن تتق بهم "
دخلت حينها مي وأنا أقول بذات الحدة " لا أتق بالعمال وأنت تعلم
ذلك جيدا فتوقفا عن الجنون أنا لست متضايقا من وجودكم هنا "
قال ببرود " مع السلامة يا عريس وخفف من صراخك "
ثم أغلق الخط فتأففت ورميت بالهاتف بعيدا عني واتكأت بمرفقاي
على ركبتاي أنظر للأرض فوصلني صوت مي الهادئ قائلة
" هل أعد لك العشاء أنت لم تأكل شيئا سوا حساء الصباح "
هززت رأسي بلا دون كلام فقالت
" كيف هي قريبتك هل أصبحت أفضل "
قلت بهمس " نعم "
قالت " هل رأيت والدتك كانت مشغولة "
هززت رأسي بنعم دون كلام فغادرت الغرفة في صمت
لأنها باتت تعلم أني بمزاج سيء جدا ولا أستطيع حتى
الرد على أسئلتها
*
*
لا اعلم لما حياة هذا الرجل في توتر دائم فلم أقضي معه سوى يوم
وليلة حدثت له فيها أمور تحتاج لشهر لتحدث , كلما حاولت أن أكون
أقرب له أشعر به يبتعد , صحيح أن لا مشاعر تربطني به ولم أجد
الوقت لأشعر بشيء اتجاهه لكنه واقعي الآن وعليا التعايش معه إن
أحببت أم كرهت , آه لماذا يا وليد لما لم تأتي لخطبتي سابقا
لما التردد والخوف فلم يكن ليعنيني فقرك , ولم يفكر طبعا في
خطبتي بعد تلك الفضيحة رغم علمه أني بث مشوهة من الداخل
وأخوتي قد يعطوني لأي طارق فقط ليتخلصوا مني
نزلت للأسفل وقضيت الوقت بين التلفاز والصلاة وعدت بعد وقت
للغرفة ووجدته نائما فغيرت ملابسي ونمت أيضا ومر اليوم الذي
يليه ويليه ونواس غير موجود أغلب الوقت , يتناول الطعام معنا
وباقي يومه في الإسطبلات أو يتحدث عبر الهاتف أو معه أحد
في مكتبه ولا شيء يسليني ولا أحد سوى الخادمة المنشغلة طوال
النهار بأعمالها , جلست عندها في المطبخ وقلت
" راضية لما والدة نواس وقريبته تلك لا تعيشان معه هنا "
نظرت لي ثم عادت لعملها وقالت " والدته رفضت ذلك رغم إصرار
نواس الدائم , هي تريد منزلها وترتاح فيه حسب ما فهمت "
قلت " ألا أشقاء لديه "
التفتت ناحيتي وقالت بهدوء " لديه شقيق تزوج بشقيقة قريبته من
والدها وسافرا قبل زواجكما بأيام من أجل الدراسة "
هززت رأسي لها بحسنا دون كلام فقالت بهدوء " أنا أعد نواس أكثر
من رجل أعمل لديه وهوا يحترمني وكأني شقيقته الكبرى وبصراحة
أرى أنكما لا تعرفان عن بعض شيئا من أسئلتك الكثيرة عن أمور
تخصه , تبدوان غير منسجمان رغم أنكما عريسان جدد "
نظرت للطاولة تحتي وقلت " هوا يعاملني برفق ولطف ولكن
أشعر أن ثمة حاجز بيننا ولا أعرفه "
قالت بهدوء " بادري أنتي "
نظرت لها بصدمة فقالت بابتسامة " هوا زوجك والأمر ليس
جريمة قد يكون خجلا أو مراعيا لك , أنا أعرف نواس أكثر
من نفسي رجل حنون في تعامله كثيرا ويحسب لمشاعر
غيره ألف حساب وقد يكون ينتظر منك المبادرة "
احمرت وجنتاي خجلا وقلت " مستحيل كيف أبادر
هذا شيء يفعله الرجل "
ضحكت وقالت " لم أقل لك اسحبيه للسرير أو نامي في حضنه
أو اركضي له واحضنيه أعني أشياء تلفت انتباهه "
نظرت لها باستغراب فقالت " سأنهي عملي هنا ونتحدث قليلا حسنا "
بقيت أنظر لها بحيرة لوقت ثم هززت رأسي بحسنا , قد يكون معها
حق فهوا يعلم أي محنة مررت بها ويخشى من أني لا أتقبل اقترابه
مني ولكننا معا منذ أيام ولو كانت قليلة ولم يتحدث ولا حتى
مجرد الحديث عما حدث معي , بعد الغداء جلست وراضية
وهي تتحدث معي بحماس وأنا عيناي مفتوحتان على اتساعهما
ثم قالت " ما رأيك "
هززت رأسي بلا وقلت " مستحيل "
تنهدت وقالت " خذي أبسط الأفكار وطبقيها ولو أن تتحدثي
معه بصراحة وتسأليه "
وقفت وقلت " شكرا لاهتمامك يا راضية أنا أحببتك حقا وكأني
أعرفك منذ سنوات لكن الكلام ليس كالتطبيق لا أستطيع أقسم لك "
وقفت وقالت مبتسمة " لن أقول أني أضعت وقتي في الفارغ
وأتأمل أن تفكري في كلامي "
قلت بابتسامة " لم أعرفك سيدة أعمال "
ضحكت وقالت " ألا تري كل هذه الشركة أنا المسئولة عنها "
ضحكت وقلت " كم أنتي طيبة يا راضية وأنا أحببتك حقا وأحببت خفة دمك "
قالت بابتسامة " لم تتعرفي على المزعج خفيف
الدم بعد لكنتِ كرهتِ المزاح "
فتحت فمي لأسألها على دخول نواس الذي قال
" مي لحظة من فضلك "
توجهت نحوه من فوري وسرت خلفه حتى غرفتنا في
الأعلى دخلها وقال " لدي صديقان واحد منهما يعيش معي
هنا والآخر يتردد على المكان أحيانا من أجل العمل "
هززت رأسي بحسنا فتابع " هذا الطابق لنا لن يصعده أحد , الطابق
الأرضي انزلي له بالحجاب إن اضطررت لذلك لأن المطبخ في
الأسفل وراضية هناك دائما , معاذ لا يكون هنا أغلب
الوقت وسأبلغك وقت وجوده "
نظرت له بحيرة فقال " سأغادر الآن خارج المدينة
وقد لا أعود قبل الغد "
قلت من فوري " حسنا ولكني أريد زيارة والدتك لقد مر على
وجودي هنا خمس أيام ولم أزرها وأشعر بالإحراج
منها كلما حدثتها عبر الهاتف "
شعرت بالضيق غزا ملامحه ولا اعرف لما ثم قال
مغادرا الغرفة " سنتحدث في هذا لاحقا "
ثم غادر وتركني واقفة في حيرتي , لما لا يريد أخذي لها ومن
صديقه هذا الذي يعيش هنا ولم يخبرني أنه سينبهني لوجوده كالأخر
الذي أسمه معاذ , أنا حقا لا أفهم ولا يمكنني سؤال راضية عنهما
سيكون شيئا سخيفا جدا وغير لائق , يبدوا أنه الشخص الذي تحدثت
عنه راضية وعن كثرة مزاحه , قضيت باقي النهار وكلام راضية
لا يخرج من رأسي حتى أنني لم أستطع النوم تلك الليلة وأنا أفكر
جديا في خطوة تكون أقل إحراجا قد تدفعنا للكلام بوضوح عن
وضعنا معا أو عن سبب زواجه بي على الأقل وقررت أن أبادر
أنا هذه المرة بأقل شيء يمكنني فعله
*
*
وضع يده على كتفي وقال " ما رأيك به أراهن على
أنه سيفوز في السباق "
نظرت له ثم عدت بنظري على معاذ وهوا يقفز الحواجز بفرسه
وقلت " إن لم يكن الأول فسيكون الثاني "
وقف مستندا على السياج الحديدي ومقابلا لي وقال
" ما بك يا وليد أنت لا تعجبني "
نظرت للأرض وقلت " لا شيء مهم "
ضحك وقال " أقسم أنه في الموضوع امرأة "
قلت بسخرية " ألا يوجد غير النساء تعكر المزاج "
ضحك كثيرا ثم قال " لا بالطبع فهن متمرسات في
تعكير مزاج الرجال "
رفعت رأسي ونظرت للبعيد وقلت " ما أمورك أنت
مع امرأتك يا أبو العريف "
شبك يديه مسندا بهما عنقه من الخلف وقال " لا أحد يعكر
مزاجي مثلها أرجع للقصر مشتاقا لأن أراها فتجعلني
أكره تلك الفكرة التي فكرتها "
قلت بابتسامة " يبدوا تسرعت في زواجك بها يا معتصم "
قال بهدوء " إن لم أتزوجها الآن فلن أضمن أن يحدث ذلك مستقبلا
لأنها لن تقبل بي إن لا سمح الله مات والدها أو غير رأيه "
نظرت له وقلت " أقسم أنك جنيت على نفسك كيف تتزوج من
واحدة لا تريدك , لا وفي السادسة عشرة وزد عليها لا تعلم
أنها زوجتك أقسم إن علمت لقلبت الدنيا على رؤوسكم جميعا "
غير من وقفته وعاد ينظر لمعاذ والمتدربين معه وقال
" عندما تعلم لكل حادث حديث , أخبرني ما مشكلتكم مع نواس
قال معاذ أنه غاضب منكم , لما تركتم المزرعة "
قلت بحزن " لن أكون فيها هذا الأسبوع ولو قتلني ولو كان
الأمر بيدي لما بقيت فيها أبدا باقي حياتي "
قال بهدوء " نواس لن يتضايق منك أبدا يا وليد حتى إن تزوج "
ابتسمت بألم ولم أعلق على كلامه , الذي يمنعني قلبي يا معتصم
لا نواس ولا شيء غيره فلا أقسى من أن تسلم حبيبتك لغيرك
وتقف تتفرج عليه , نظر ناحيتي وقال " ما فعلت مع عمك "
قلت بسخرية " لا جديد ولن أرضى بشروطه ليرجع لي مالا من حقي
وهوا الذي سرقه من والدي , هوا فقط يريد توريطي في الزواج من ابنته
المطلقة التي تكبرني بأربعة أعوام ثم لن آخذ منه شيئا وستبقى في عنقي "
تنهد بضيق وقال " لا تجد أحدا لا يحمل مشكلة جاثمة على قلبه
حتى بث أكره الحديث مع الناس "
ضحكت وقلت " أضحكتني ولا مزاج لي في الضحك "
قال ببرود " افتح قلبك يا وليد فالكتمان ينقص العمر ويقهره "
قلت بهدوء " لا شيء لدي , ثم يكفيك من حديث الناس "
قال ضاحكا " رددتها علي بسرعة "
ثم صرخ مشجعا لمعاذ وذاك يحييه وغادرت أنا من عنده
*
*
قبلت رأسها وجلست أمامها وقلت " كيف حالك الآن "
قالت " بخير بني كيف هي زوجتك وأحوالك "
قلت بهدوء " لم أرها منذ الأمس كنت خارج المدينة من أجل
أعمالي وتجارتي , لقد سألتني عنك بالأمس وتريد زيارتك "
سكتت لوقت فقلت " أمي سأجلبها لتزورك ووسن في الجامعة
إن كان هذا ما يريحك "
قالت بابتسامة صغيرة " بل يريحها ويريحك أنت "
نظرت للجانب الآخر دون تعليق فقالت " حسنا أحضرها الأسبوع
القادم فوسن تعمل على رسالة تخرجها وتقضي ساعات عديدة هناك "
نظرت لقدماي على الأرض وقلت " كيف هي صحتها "
قالت بهدوء " تقول جيدة ولا يعلم الحقيقة غيرها وخالقها "
رفعت نظري لها وقلت
" عليك أن تساعديني في إقناعها للسفر من أجل العلاج "
تنهدت وقالت " سيكون من سابع المستحيلات "
قلت بضيق " وحتى متى هذا الحال , أنا في النهاية ابن خالتها
والمسئول عنها مهما حدث بيننا "
تنفست بقوة وقالت " بالكاد بدأت تعود لطبيعتها وتبتسم فأجل الموضوع
قليلا فقد أقنعها مجدد بالزواج رغم أنها ترفض حتى الحديث فيه "
وقفت حينها ونظرت للجانب الآخر بضيق , تقولينها هكذا يا
أمي وبكل بساطة ولا تراعي مشاعري ربع ما تراعي مشاعرها
قالت " ما بك وقفت وأنت لم تصل إلا الآن "
قلت " سمعت باب المنزل يفتح لابد وأنها وسن ولا أريد أن
أزيد تعبك بمشاكلي معها لأن ثمة ما سيدفعنا للشجار "
نظرت لي بحيرة وقالت " ما بها ماذا فعلت "
تنهدت وقلت " أمر سأناقشها فيه فيما بعد "
ثم قبلت رأسها وغادرت الغرفة وخرجت مارا بممر المطبخ
وسمعتها تقول لفتحية " هل سيتناول نواس الغداء هنا "
وقفت حينها مكاني استمع لهما وقالت فتحية
" لا أعلم هوا وصل للتو "
سحبت وسن الكرسي من الصوت الصادر عنه وقالت
" إذا أنا أدعوك على الغداء اليوم في المطبخ "
ابتسمتُ بألم وضحكتْ فتحية وقالت " من مساوئ الحب
أنه يفضح الكره حين يكون حبا هوا أيضا "
خرجت حينها ولا أريد سماع المزيد وهي تتلفظ بعبارات كرهها
لي أو حتى تشتمني وتدعو علي , ركب سيارتي وغادرت , وصلت
المزرعة تناولت الغداء وخرجت من المنزل لاستقبال الخيول التي
ستصل اليوم ولأشرف على البيطري من أجل الحقن الدورية لوقاية
الخيول من الأمراض الشائعة وعند المغيب عدت للمنزل استحممت
وصليت المغرب أحضرت لي مي كوبا من الشاي وقالت وهي تطفئ
التكييف " نحن في الخريف والجو يبرد وشعرك مبلل يا نواس أنت
لا تهتم لهذا وستصاب بالحمى مجددا "
قلت بابتسامة " حسنا أمري لله سأنام قليلا وأيقظيني عند صلاة العشاء "
قالت مبتسمة " حسنا "
ثم خرجت من الغرفة ودخلت أنا السرير بعدما شربت الشاي على
صوت رنين هاتفي , تجاهلته فعاد للرنين مجددا فنظرت له فكان
رقما غريبا ففتحت الخط ووضعته على أذني قائلا " مرحبا من معي "
قال صاحب الصوت الرجولي في الطرف الآخر " هل أنت نواس "
قلت " نعم وصلت "
قال من فوره " أنا سليمان علي الشحاذ "
شعرت أن الاسم ليس غريبا عني وسمعته مرارا , قلت بعد تفكير
" ذكرني بك يبدوا اسمك مألوفا لدي لكني لا أذكره "
قال مباشرة " أنت لا تعرفني شخصيا ولكنك سبق وقابلت
والدي في زواج شقيقك جواد من ابنة عمتي فرح "
جلست حينها من فوري وقلت " عذرا فلم أفهم "
قال " أنا الطبيب سليمان تحدثت والدتي معكم في خطبة شقيقة
فرح ولم يصلنا الجواب ففكرت أنكم تريدون كلاما رسميا
وحسب علمي أنت وليها ونريد زيارتكم في أقرب وقت "
ضغطت على أسناني بقوة أمنع نفسي من قول شيء لا أعي له
فقال بعدما طال صمتي " حدد لنا موعدا ونحن تحت أمركم في
كل ما تريدون وتريد هي "
قلت بضيق " عذرا فلا بنات لدينا للزواج ومناسبات لهذا الكلام "
قال بنبرة استغراب " كيف !! أليست في السنة الأخيرة في
الجامعة وغير مرتبطة حد علمي "
قلت مهدئا لنفسي " نعم لكن ورائها جامعة تنهيها أولا وعلاج قد
يحتاج وقتا فعذرا منك أتمنى أن تجد نصيبا أفضل مما عندنا "
قال بعد صمت " أتمنى أن تعيد النظر في الموضوع وتشرح لي
مرضها وبالنسبة للدراسة أمرها محلول ومستعد لانتظارها أيضا "
شعرت بالنار تشتعل في جوفي كالحريق من كلماته وإصراره
فتنفست بقوة وقلت " هل لي بسؤال وتجيبني عليه بصراحة "
قال من فوره " تفضل واسأل ما تريد "
قلت " أراك مصرا عليها كثيرا , هل سبق ورأيتها أو تحدثتما "
قال بعد صمت وكأن سؤالي فاجأه " حقيقة الأمر بعدما حدثتني
والدتي عنها كثيرا رأيتها في الجامعة فأنا أعطي فيها محاضرة
واحدة أسبوعيا وهي لا تعرفني ولم أتحدث معها
فهل ثمة أمل أن يتغير كلامك "
قلت ببرود يعكس البركان داخلي " عذرا لا نصيب لك عندنا "
قال ببعض الضيق " آسف على الإزعاج وكانت فرصة سعيدة "
قلت ببرود أكبر " وداعا "
ثم رميت الهاتف جانبا وقد فارق عيني كل النوم الذي كان يغزوها
بقيت أتقلب في فراشي وكأنه جمر متقد تحتي حتى فتحت مي الباب
لتوقظني لصلاة العشاء , خرجت من المزرعة صليت العشاء وعدت في
كل خطوة أخطوها يزورني ألف هاجس ... ترى أصدق حين قال أنه لم
يتحدث معها ؟ قد تكون من ضمن من يدرسها فهي تدرس علم الأحياء
لابد وأن يحاول التحدث معها وإقناعها , حسنا يا نواس هوا بعيد عنك
ويسكن في مدينة أخرى فزوّجها له فقد تعيش حياة طبيعية مع الفتاة التي
أصبحت زوجتك ولم تقترب منها حتى الآن بحجة أنك تحتاج لوقت
ولا تريد أن تظلمها وهي تصمت حتى الآن عنك وعن جفافك ناحيتها
حجج أنت تعلم أنها مجرد حجج قد تستغرق منك زمنا طويلا لتتخلص
منها , وصلت المنزل وصعدت لغرفة النوم ودخلت لأفاجأ بمي ترتدي
قميص نوم وشعرها مفتوح وعطرها ملئ المكان تشغل نفسها عني
بشيء ما , لا يا مي ليس وقته الآن كنت أريد وقتا أكثر , فقط وقت
ولا أريد أن أجرحك الليلة برفضي لك ولن أستحمل كرجل هذا
المنظر من امرأة تحل لي
*
*
تشجعت وأجبرت نفسي أن أكون أنا من يبدأ لعلي على الأقل
أفهم منه سبب نفوره مني وأُفهمه إن كان يفهم الأمر بشكل آخر
جهزت العشاء لنا في الغرفة ولبست قميص نوم محتشم قليلا
رغم أنه لا احتشام في قمصان النوم , فإن كان ظنه بي أني أخاف
اقتراب الرجال مني ستزول هذه الحجة وإن كان يضن أنه سبقني
له رجل غيره فسأوضح له أنه على خطأ وإن كان ثمة أمر آخر
فسأفهمه منه , دخل الغرفة فشغلت نفسي بالبحث في الدرج
وقف لوقت ينظر ناحيتي ثم توجه للخزانة دون كلام فتحها ويبدوا
أنه لم ينتبه أني جهزت له ملابسه ككل ليلة فقلت ونظري على
يداي في حجري " ملابسك على السرير "
أغلق الخزانة وشعرت بخطواته تقترب أخذ ثيابه ودخل الحمام
بقي فيه لوقت طويل حتى ظننته لن يخرج منه , وقفت وجلست على
السرير أشعر بصغر حجمي وغبائي بما فعلته , خرج بعدها من الحمام
وقد غير ثيابه , وقف مبتعدا عني وظهره لي فرفعت رأسي وقلت
" إن كنت تظن أن غيرك لمسني فأنت مخطئ "
قال بعد قليل " لم أهتم لهذا يوما يا مي "
قلت " أنت لم تسألني حتى عما حدث لي وتعاملني بنفور
لا أفهم شيئا ولا حتى سبب زواجك بي "
التفت لي وتوجه ناحيتي جلس أمامي على السرير وأمسك
يدي وقال بهدوء ونظره عليها
" لا تأكل عقلك الظنون يا مي الأمر ليس متعلقا بك "
قلت ببحة من كتمي لبكائي " بمن إذا "
وقف حينها في صمت وتوجه لزر الإنارة في الغرفة وأطفأه ليعم
الغرفة ظلاما دامس لا يُرى معه إلا القليل بسبب تسرب النور من
تحت الباب ثم اقتربت خطواته من السرير ويبدوا أن تلك كانت إشارة
منه كما كانت الإشارة الأولى مني , جلس بجانبي وتوتري يزداد
وقلبي أشعر أنه سيتوقف , شعرت بأصابعه تمر على خدي وعنقي
مبعدة لشعري وأنفاسه تقترب مني حتى بث أشعر بشفتيه على عنقي
لف ذراعه الأخرى حول خصري لأصبح في حضنه تقريبا وازداد
تنفسه وضغطه على ذراعي بقوة وتمتم بكلمات لم أفهمها وكأنه لا
يعي ما يقول ثم همس بصوت خافت ولكنه مسموع لي لسكون
المكان وقال بهمس متوجع أكثر من كونه خافت " وسن "
****************************************************
******************************************
قال لي نزار أننا سنزور القبو مجددا نهاية الأسبوع من أجل
دراستي فهما قررا أن نزوره صباحا , لم أكن أريد ذلك بادئ
الأمر لكن عليا الموافقة من أجل أن تخرج الأموال من القبو ولا
طريقة أخرى لدي لأني إن أخبرته أني أريد المال من هناك سينزعج
كما قالت خالتي وقد يغضب مني كثيرا , أما أنا فقد انشغلت في
دراستي وأصبحت تأخذ أغلب وقت فراغي وأجلس بغرفتي أو بجوار
خالتي أمسك كتابي , تنهدت بضيق فقد فشلت كل محاولاتي لحلها
فوقفت وأخذت الكتاب والكراسة وقلمي وخرجت من غرفتي
وصلت غرفته وطرقت الباب عدة طرقات فوصلني صوته قائلا
" أدخلي يا سما "
دخلت وقلت مبتسمة " ماذا تفعل "
نظر للكتاب في يدي وقال " تعالي لا أفعل شيئا مهما "
ثم أغلق الحاسوب أمامه وتوجهت أنا نحوه وقلت
" لدي مسألة في الرياضيات لا أفهمها وقد تساعدني "
مد يده قائلا " هاتي دعيني أرى "
مددت له الكتاب فأبعد حاسوبه المحمول عن الطاولة
ووضع الكتاب عليها قائلا " أجلسي سأشرحها لك "
جلست بجانبه ووضعت الكراسة والقلم على الطاولة أيضا فنظر
للمسألة ثم أمسك القلم والكراسة وقال " انظري لطريقة حلها "
وبدأ يشرح لي بالخطوة وأنا عيناي ليست على الكراسة أو ما يكتب
بل علقتا على وجهه وهوا يشرح لي ونظره حيث يكتب وسافرت
بي الأفكار منذ أول يوم قابلته فيه وما حدث تباعا وكيف دخل حياتي
وصرت في منزله , رفع رأسه فأبعدت عيناي عنه فوصلني صوته قائلا
" هل باتت واضحة لديك الآن "
نظرت لعينيه بحيرة ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة وقلت
" هلا أعدتها "
نظر لي بصدمة فأخفضت بصري وقلت بخجل
" لم أفهمها كثيرا "
ضحك وقال " أعرفك ذكية يا سما "
دسست خصلات شعري خلف أذني وشتت نظري وقلت
" يبدوا أني سرحت قليلا "
وضع القلم على الطاولة وكتف يديه لصدره وقال بابتسامة
" وما عقاب من يسرح في الحصة "
ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " نزار جديد لم أعرفه سابقا "
ضحك كثيرا ثم قال " لا ذلك في الماضي الآن عقابك تخبريني فيما
كنتي تفكرين وتتركيني أشرح كل هذا الوقت "
شهقت شهقة صغيرة مصدومة وقلت " فيما كنت ماذا !! "
نظر لي باستغراب فقلت " كنت أفكر في ... خالتي لم أرها منذ
ساعات وغفلت بدروسي عنها "
نظر لي نظرة تشكك ثم قال " سما أعرفك لا تكذبين أجزم أنك
كنتي تفكرين في القبو وجابر والذهاب إلى هناك "
بقيت أنظر لعينيه بضياع ثم قلت " أخبرتك أني سأفتحه لهم وسأفعل "
قال بابتسامة " كان بإمكانهم الاستعانة بخبير حواسيب
وسيفتحه لهم لكنه احترم رغبتك يا سما "
نظرت للطاولة تحتي وقلت بحزن " أنا حقا أحاول "
وصلني صوته هادئا " أنا أقدر مشاعرك وما مررت به لكن علينا
الاستعانة بهم خصوصا أن عفراء وزوجها لم يجدوهما في الشقة "
قلت بصدمة " ماذا !! الخالة عفراء اختفت "
تنهد وقال " نعم ولكن جابر سيجدهم بالتأكيد "
تنهدت بحزن فقال بابتسامة " دعيني أعيد لك شرح المسألة
ولا تسرحي هذه المرة مفهوم "
ابتسمت وقلت " مفهوم فقط لا تطردني من الحصة "
ضحك ثم قال بعدما قلب صفحة الكراسة لأخرى نظيفة
" سأعيد لك من البداية "
ثم بدأ يشرح لي مجددا وأنا منتبهة معه وأشاركه الحل حتى
أنهاها ثم قال " هل فهتها الآن "
هززت رأسي بنعم مبتسمة فقال " سأكتب لك واحدة تحلينها لأتأكد "
ثم كتب مسألة مشابهة لها وبدأت في حلها حتى أنهيتها وأثنى
عليها ثم قال " هل أمورك جيدة في جميع المواد يا سما "
قلت " نعم ولكن معلم اللغات رفض العودة معي لما فآتني وقال
أنه غير ملزم كلما جاءت طالبة جديدة يرجع للخلف حتى ينتهي
العام الدراسي ونحن في نفس النقطة وقد استعنت ببعض
الطالبات لأفهم ما فآتني "
قال بضيق " ولما لم تخبريني سابقا يا سما "
لذت بالصمت فقال " كيف تسكتين عن أمر كهذا ومؤكد
لم تخبري المدير أيضا "
نظرت للأسفل وقلت بهدوء " ساعدوني بعض الطالبات وخفت
أن تدخل في مشكلة معه , هوا صعب الطباع والجميع يشتكي منه
حتى بتول وريحان أعادتا السنة بسببه "
تنفس بضيق ثم قال " سنرى حلا لهذا "
وقفت حينها وقلت " آسفة لإزعاجي لك سأنزل لخالتي الآن "
فتح فمه ليقول شيئا على صوت جرس الباب يقرع فقال مبتسما
" وها أنا أيضا سأنزل معك "
*
*
نزلت قبلها متوجها من فوري للباب فتحته وقلت بابتسامة
" مرحبا يا خالة تفضلي "
دخلت وهي تقول " لم تشتاقوا إلينا فدسنا على كرامتنا وأتينا "
ضحكت وصافحت الداخل بعدها قائلا " كيف حالك يا حسام تفضل هيا "
دخل خلف والدته قائلا " لم نتمكن من زيارتكم في العيد فتأخرنا قليلا "
سرت باتجاه غرفة والدتي وهما يتبعاني قائلا
" يكفي اتصالكم الدائم والسؤال , هيا تفضلا "
دخلت الغرفة وهما خلفي فوقفت سما من فورها مبتعدة عن
السرير قليلا فدخلا وسلما على والدتي ثم سلمت الخالة جواهر
على سما وهي ابنة خالة والدتي ثم التفتت إلينا وقالت بمكر
" من هذه ؟؟ هل زوجتِ ابنك من ورائنا يا خائنان "
ابتسمت سما وضحكنا جميعنا وقالت والدتي " لو كنت زوجته
لكنتم أول من سمع من فرحتي , هذه سما ابنة قريب زوجي
رحمه الله من والدته ستبقى معنا لفترة حتى تذهب لأهل والدها "
مد حسام يده لها مصافحا وقال " مرحبا بك يا سما أنا اسمي حسام
تخرجت منذ عام من إدارة الأعمال وأعمل في شركة خاصة أحب
أكل الفاصوليا واللحم واكره الخضراوات "
ثم ضحك مع ضحكنا جميعا وابتسمت سما وقالت
" لم تخبرني متى تستيقظ صباحا "
وعاد الجميع للضحك , حسام طبعه هكذا يحب المزاح كثيرا لكن
ردة فعل سما كانت مفاجئة فيبدوا بدأت تتقبل الرجال شيئا فشيئا
ولم تعد تخاف منهم كثيرا كالسابق وتتجنبهم, جلسا واستأذنت سما
وخرجت للمطبخ , راقبتها خالتي حتى اختفت ثم قالت وهي
تضرب حسام بحقيبتها " لما لا تعقل قليلا لعلنا نجد لك
عروسا , من أين سنجد لك بديلة لها الآن "
قالت والدتي ضاحكة " وما أدراك أنها تصلح له , من
النظرة الأولى حكمتي عليها !! "
قالت " نظرتي لا تخيب تبدوا هادئة ورصينة وعاقلة وربت منزل من
خروجها فورا للمطبخ لكن ابني لا تليق به إلا واحدة مجنونة مثله "
نظرت لي أمي وقالت بابتسامة جانبية " سما لن تبقى عزباء طويلا
أنا متأكدة من ذلك وسيعد حظ من سيسبق غيره لها "
نظرت لها نظرة تشبه نظرتها وقلت " سما صغيرة ولا أحد
سيزوجها في هذا السن , زواجها الآن ظلم كبير لها "
قال حسام مبتسما " والدتي ووالدتك تزوجوا في مثل سنها "
تأففت مكتفيا بالصمت , لا أحب أن يذكروا زواجها أمامي لا أحب
زواج الصغيرات وسما تحديدا أتضايق من هذا الأمر إن كان عنها
بالأمس جاءني شقيق جارنا بكل وقاحة يقول نريد خطبتها ومتأكد جدا
من الموافقة , لا ويعلم أنها في السنة الأولى في الثانوية أي يعرف
سنها جيدا , مجتمع لا يعرف سوى أن يضطهد المرأة , ثم ما سأقول
لأبناء عمها فيما بعد ... خطبوها وأنا زوجتها بدون علمكم أم كنت
محتاجا لخادمة لي ولأمي فتزوجتها وبالحيلة ومن دون حتى ولي
لها , مادامت تحت رعايتي هي كالنجمة لن يطالها أحد وبعد أن
أعيدها لأهلها يفعلوا ما يحلوا لهم
دخلت حينها سما بإبريق الماء والكئوس ووضعته على الطاولة
وسكبت الماء وقدمته لهم ثم جلست بجوار والدتي على السرير
انخرطت وحسام في الأحاديث جالسا بجانبه وأمي ووالدته من
سؤال لسؤال عن فلانة وفلانة من يعرفانه ويجهلانه وسما
كعادتها مستمع فقط وعينا حسام لا تفارقانها ثم همس لي قائلا
" هل صحيح لا تفكر بالزواج بها "
نظرت له بضيق وقلت بصوت مسموع ولم أكترث له ولا
لأحد " إن فتح أحد موضوع زواج سما أمامي فلن يخاطب
لساني لسانه ما حييت "
وقفت حينها سما من فورها وقالت ورأسها أرضا وبصوت
منخفض " بعد إذنكم "
ثم خرجت متجهة جهة المطبخ وقالت أمي بضيق
" سيطِر على أعصابك قليلا لقد أحرجت الفتاة "
تجاهلتها ونظرت جهة حسام وقلت " ما رأيك بالخروج "
وقف وقال " بالتأكيد لن تكون زيارة للعاصمة دون خروج "
دخلت حينها سما بالكعك والعصير فعاد حسام للجلوس
وقال ضاحكا " وليس هناك خروج قبل الطعام "
قلت ببرود " ولن تكون حسام إن غيرت عاداتك "
قال بضيق " نعم نعم شوه سمعتي أمام الفتاة , فهمنا أنك لن تزوجها
لأحد لكن أترك سمعتي وشأنها فقد تنتظرني حتى تكبر "
وضعت سما الصينية على الطاولة وعادت للجلوس حيث كانت
وقالت " أنا لا أحب الذين يعملون في الشركات "
قال بصدمة " لماذا !! "
قالت بحزن " لأنهم سيصبحون أثرياء "
نظر لها جميعهم بحيرة وقال حسام " وهل هناك من تكره المال "
قالت بضيق " نعم أنا "
وقفت حينها وقلت " هيا كل قطعتك بسرعة أو لن نخرج "
وقف وقال " أمري لله لا عروس ولا طعام "
ثم قال مغادرا أمامي " اتركوا لي حصتي لا أحد يأكلها "
وخرجنا على صوت ضحكاتهم ركبنا سيارته وقال بعدما انطلقنا
" ما رأيك في فرصة عمل مربحة ومريحة "
نضرت له باهتمام وقلت " وكيف تكون هذه المربحة والمريحة "
ضحك وقال " الشركة التي أعمل بها لوالد صديق لي درست معه
في الجامعة يمكنني التحدث معه هي شركة بناء سترسم لهم الخرائط
في منزلك وتأخذ لهم النماذج فقط في أوقات تتفقون عليها "
قلت بعد صمت " وكيف سيوافق هذه مسألة حساسة لا تقررها أنت "
نظر لي ثم للطريق وقال " لم اقل ذلك إلا لأني أعلم أنهم يتعاقدون
مع مهندسين ليرسموا لهم وبعضهم هواة ولا شهادة لديهم حتى
خصوصا في الديكور , سأقترح عليه الأمر وهوا يوافق أو
يرفض ولن يضيع فرصة مثلك "
قلت بهدوء " تكون خدمتني خدمة العمر حينها "
*
*
قضت معنا قريبة خالتي باقي النهار حتى العشاء وطلب نزار أن
يأكل هوا وحسام في غرفته وتناولنا نحن العشاء معا وبعد صلاة
العشاء غادرا رغم إصرار خالتي أن يباتا معها لكن ابنها قال أن
لديه عمل في الصباح الباكر ولا يستطيع البقاء
وبعدما غادروا ضيوفهم وأنهيت أعمال المطبخ التي أخذت
مني وقتا طويلا توجهت لغرفة خالتي دخلت وقلت
" هل نستطيع قراءة روايتنا الآن "
ضحكت وقالت " حسنا مادمتِ أنهيتِ امتحان الفيزياء
يمكننا القراءة "
اقتربت منها وأخذت الرواية من يدها وجلست على الكرسي
وفتحت الصفحة حيث وقفنا ثم نظرت لها وقلت " لما الرجال جميعهم
يريدون الزواج والأمهات يردن تزويج أبنائهن في أسرع وقت "
ضحكت كثيرا ثم قالت " لأن الأمهات مصابات بجنون أسمه
حفيد والرجال مصابون بجنون اسمه نساء "
قلت بحيرة " وما جنونهم في النساء "
قالت بابتسامة " ستفهمين ذلك يوما "
قلت بتذمر " يبدوا أني لن أفهم شيئا ما حييت "
قالت بهدوء " سما هل أنتي توافقين نزار في فكرته أنك
صغيرة على الزواج "
أخفضت رأسي ونظرت لأسطر الرواية في يدي وقلت
" أنا أفكر في دراستي والمجرمين الذين يبحثون عني وأهلي
المجهولين ولم يخطر الزواج في بالي "
ثم نظرت لها وقلت " ولا أريد حقا أن يغضب نزار وأنا أرى
أن هذا الموضوع يسبب له الغضب "
قالت بابتسامة " حتى إن كنتِ أنتي من ترغبين بذلك "
قلت بشبه همس " نعم لا أريد أبدا إغضابه "
ابتسمت ابتسامة بنظرة غريبة لم أفهمها ثم قالت
" هيا أقرئي لنا لنرى ما سيحدث "
ابتسمت لها ونظرت للورقة وقرأت
(( انفتح الباب بقوة فكانت عمتي سعاد فأبعد فراس يده
ونظر لها فقالت بحدة " فراس هلا شرحت لي ما يجري , أقسم إن
رآكم والدكم لنتف ريشكم , لا أريد مشاكل ... الفتاة واقع وتقبلوه "
ابتعد ناحيتها وقال بغضب وهوا يشير بأصابعه لرأسه
" لم تدخل الفكرة دماغي أي ترهات هذه , والدي يتزوج من
طفلة ليزوجها بغيره وأنتي وكأن الموضوع لا يعنيك ولا
أحد يشرح ما يجري "
قالت بضيق " الموضوع كما شرحه والدك وانتهى وإن كان
لديك شيء قله له بدلا من أن تنفرد بالفتاة وتخيفها وتهددها
لتعرف شيء لا وجود له إلا في خيالك "
أشار لي في الخلف وقال لها بسخرية " هذه تخاف !! هذه
تُخيف ويجب أن تخاف الناس منها , لسانها كالحية "
مررت مجتازة له وقلت وأنا خارجة من الغرفة
" لو كنت حية لقلت لوالدك عن كل ما حدث "
ثم التفت ناحيته وأنا عند الباب وقلت " لكني لن أفعلها
لأني لست مثلك يا ثعبان "
ثم ركضت هاربة حين رأيته يتوجه نحوي بغضب وصعدت
لغرفتي أضحك , لم أتوقع أن تكون اللعبة مسلية لهذه الدرجة
بقيت في الغرفة لوقت ولم أخرج منها وبعد العصر خرجت بهدوء
وبطء لأرى من في الأسفل أولا , نظرت من أعلى السلالم أنزل جسدي
أكثر لأنظر فشعرت بيد أمسكت فستاني من ظهري ودفعتني للخلف
فشهقت بقوة وشعرت بشفتين تهمس في أذني
" ماذا تفعلين هنا ؟ لا وتتجسسين أيضا "
ابتعدت عنه بقوة والتفت له فكان أشرف فحمدت الله مئة مرة أنه ليس
فراس ثم قلت بلهجة طفولية عفوية " كنت أريد أن أشرب بعض
الماء وخفت أن يكون كونان في الأسفل "
ضحك بصوت عالي ثم قال " لو سمعك لقطع لسانك فما رأيك إن أخبرته "
قلت بابتسامة " أنت طيب وشعرت بذالك من أول مرة رأيتك فيها
وهوا إعصار هل يرضيك أن يؤذي فراشة صغيرة مثلي "
ضحك مجددا وقال وهوا ينزل السلالم " أقسم أنك عقربان وحمدا
لله أن والدي خلصنا من الزواج بك "
أخرجت لساني له فالتفت فجأة فدسسته في فمي وابتسمت بعفوية
وعدت راكضة جهة غرفتي لأصطدم بأحدهم فأمسكت جبهتي وأنا
أتألم فسمعت ضحكة ساخرة وصوت فراس يبتعد قائلا
" هل ستحتاجين لإشارات مرور أيضا "
تأففت ودخلت الغرفة وضربت بابها بقوة , ما به حظي هكذا
وكأنهم اجتمعوا جميعهم حين علموا بخروجي , عدت لسجن
نفسي في الغرفة رغم أن هذا الوضع لا يعجبني وعند وقت
العشاء طرق أحدهم الباب ثم دخلت الخادمة قائلة
" العشاء "
جلست على السرير وقلت " ومن هم الموجودين "
قالت " الجميع "
لويت شفتاي ثم قلت " ولما لم تحضريه هنا "
قالت " السيد رياد يقول تتناولي الطعام معهم "
وقفت وقلت وأنا أرمي شعري للخلف " معه حق لما أنا أسجن
نفسي والجميع حر طليق حتى الخدم "
ثم نزلت السلالم وتوجهت من فوري لطاولة الطعام ألقيت التحية
وسحبت الكرسي المجاور لعمتي سعاد والمقابل لثلاثتهم طبعا وجلست
وبدأت بالأكل دون أن أرفع نظري في أحد حتى قالت عمتي
" لدي حفل زفاف لابنة صديقة لي وسوف آخذك معي غدا يا رُدين "
نظرت لها وقلت بسعادة " حقا , أنا أحب الحفلات ولم أحضر
في حياتي غير اثنتان "
نظرت لهم فكانوا جميعا ينظرون لي باستغراب ومن حقهم أن
يستغربوا فكيف لفتاة في التاسعة عشرة أن لا تحضر إلا حفلي زفاف
ثم نظرت ناحيتها وقلت " لكن ليس لدي ما ألبسه يناسب ذلك "
قال عمي رياض " وما نفع الأسواق والنقود , في الغد
تشتري كل ما تريدينه "
ثم نظر جهتهم وقال " وائل في الغد تأخذها للسوق "
قال ببرود ونظره على صحنه " لدي محاضرات
كثيرة ولن أرجع قبل العصر "
قال عمي رياض بضيق " إن رايتك هنا قبل ذلك قطعت رأسك "
قال أشرف بعدها على الفور " أنا أيضا مشغول لا تعتمد علي "
قلت أنا على الفور " لا أريد الذهاب مع فراس "
قال بغيض " ومن قال أني سأعتب معك خارج الباب "
تجاهلته ونظرت جهة عمي رياض وقلت " أوصلني أنت هناك
ولا تخف علي سأشتري ما أريد ثم أرجعني "
وقف وقال " ما لدي قلته أحدكم سيأخذها أو لن يمر الغد على خير "
ثم غادر طاولة الطعام وتبعته عمتي وقال وائل ببرود
" إن ركبتِ أنتي سيارتي أحرقتها "
ضحكت وقلت " أنت الخاسر ستبقى دون سيارة أنا لن أخسر شيئا "
قال بمكر " بل سأحرقها وأنتي فيها "
قلت بمكر كمكره " حمدا لله لدي ابن زوج محقق سيأخذ بحقي ويسجنك "
وقف فراس وقال مغادرا " بل سأسجنك أنتي ومحترقة وهوا
معك أيضا لأتخلص منكما "
نظرت له وهوا يغادر ثم نظرت لهما وقلت " أمتأكدان أنه
محقق ناجح أنا أشك في ذلك "
ضحك أشرف وقال " أقسم أنك فريدة من نوعك
سأآخذك أنا ولكن بشرط "
قلت باستغراب " ما هوا "
وقف وقال " غدا أقوله لك "
وقفت بعدها وقلت مغادرة " حمدا لله لم ينتهي الخير من البشر "
ثم عدت لغرفتي وشغلت نفسي بقراءة بعض المجلات حتى سمعت
طرقات على الباب ولم يدخل أحد توجهت نحوه وفتحته فكان فراس
واقفا يتكأ على حافته ويده في جيب بنطاله وقال بابتسامة جانبية
" هل نكمل حديثنا الآن " ))
أغلقت بعدها الرواية وقلت " طبعا انتهى جزء اليوم أشعر أنه قصير جدا "
ضحكت وقالت " للنوم بسرعة قبل أن يمسكنا نزار ويكتشف
أني أجعلك تقرئين الروايات فيبدوا لي يريد سجنك
في قوقعتك حتى آخر العمر "
قلت باستغراب " لم افهم ولما يسجنني في قوقعتي "
قالت بابتسامة " هل تعلمي لما خرج نزار بحسام من
هنا وتناولا العشاء في غرفته "
قلت بحيرة وبعد تفكير " ليتجولا في العاصمة
ويأكلا بمزاجهما بعيدا عنا "
ضحكت ضحكة صغيرة وقالت
" ونزار يريدك هكذا لا تفهمين شيئا "
قلت بتساؤل " وما فهمته أنتي ؟؟ "
قالت بابتسامة " فهمت أنه عليك النوم بسرعة قبل قدوم
نزار فيبدوا لي سيأتي بمزاج سيء "
وقفت وقلت بتذمر " لو أفهمك مرة يا خالتي أنتي كاللغز "
ضحكت وقالت " بل أنتي كالبلورة النقية وصدق نزار في أنه
يريد إرجاعك لأهلك كما أحضرك "
توجهت عند الباب أغلقت النور وأنا أقول " تصبحين على خير يا خالتي "
ثم صعدت السلالم والأفكار تدور في رأسي , كنت اسمع نقاشا حادا
بينها وبين نزار وأنا في المطبخ بعد مغادرة الضيوف فما الذي أغضبه
يا ترى وتتحدث عنه خالتي , دخلت الغرفة لبست ملابس النوم وأعددت
حقيبتي من أجل الغد ودخلت السرير , بعد وقت سمعت طرقات على
الباب فجلست من فوري ونظرت للساعة , غريب الوقت متأخر
ليس من عادة نزار أن يتحدث معي في هذا الوقت
****************************************************
******************************************
" ماما لا تمسكيني أقف وحدي "
قلت وأنا أمسك خصرها " لا حبيبتي أنا لست مستغنية عنك تموتين
وأموت بحسرتي ومسجونة أيضا لأن والدك لن يرحمني "
قالت بعبوس " ولما أمجد و بيسان يقفان عند حافة الشرفة وحدهما "
قلت بضيق " ترف سأنزلك ولن يتبقى لك سوى النظر من الفتحات السفلية "
قالت من فورها " لا ماما لا "
لا أعلم حتى متى سيدوم هذا الحال لا شيء يرفه عن هؤلاء الأطفال
إلا هذه الشرفة الممنوعة أيضا , جدة ابتلوا بها وحدهم دون خلق الله
أجمعين ووالد الحاضر الغائب لا نراه سوى ثلاث مرات في اليوم
مرة عند الغداء وأخرى عند العشاء ينهض بسبب الاتصالات التي
تأتيه قبل حتى أن ينهي طعامه ومرة في الليل نائم بعمق من شدة
التعب حتى أن زياراته لهم باتت تنعدم وكأنه اعتمد عليا في كل
شيء لكنه في النهاية والدهم ويجب أن يكون له دور وعلى هذه
المهزلة أن تنتهي ولكن عليا التصرف بحكمة وروية وأن لا أقع
في أخطاء زوجته الأولى فما فهمته من شرط زواجنا أنها كانت
تصدع له رأسه بالمشاكل وبواجباته هنا حتى خسرت كل شيء
ثم تصرفت بغباء بأن هربت من واقعها بدلا من أن تغيره
لا يوجد رجل يعمل كل النهار حتى رئيس البلاد يأخذ إجازة
ويجد أوقات لأبنائه وعائلته , يبدوا ليس هناك ما يشده للقصر
وهذا ما يجب أن يكون موجودا وأن ينتبه أكثر لأولاده وأن عليه
أن يجد حلا لحياتهم كالأغنام يأكلون وينامون ولا يغادرون
الحظيرة , مثلما يجد وقتا لأن يعكر نومي ولا يتغيب عن السرير
ليلة لينام في الخارج , طوال المدة الماضية كنت منشغلة بدروسهم
لأنها الأهم لدي أما الآن فعليا الانتقال للمرحلة الثانية وهي الصخرة
ألا مبالية جابر والجبهة الأخرى والدته طبعا وبما أنه اشترط
إخراجه من مشاكلنا فعليا التصرف بحكمة لأجعله يقف في صفي
دون علمه وعليا أن لا أنسى أنه محقق بل ويرأس المحققين يعني
لن يكون اللعب معه سهلا وسيفهم جميع تحركاتي قبل حتى
أن أطبقها , أخرجني من أفكاري صراخ بيسان قائلة
" لورد معتصم "
وتبعتها ترف بصراخ وهي تنحني للأسفل وتلوح بيدها
" عمي معتصم "
نظرت معهم فكان ثمة شاب نازل من سيارته نظر لنا للأعلى ولوح
بيده مبتسما , كان وسيما بشعر بني وملامحه تبدوا مشابهة لجابر
يحار عقلي في عمتهم المجهولة كيف تكون إن كان شقيقاها هكذا
فطوال فترة بقائي هنا لم أرها ولا حتى عمهم هذا ولا أسمع عنه إلا
حكايات الأطفال ويبدوا يحبونه كثيرا وكما يبدوا مختلفا عن البقية ولم
أره إلا الآن لأنه لم تعد تعتب قدماه ممر غرف الأطفال منذ أتيت
ويرسل إحدى الخادمات لتأخذهم لجناحه ولا يأتون منه دون هدايا
وخصوصا بيسان , أبعدت ترف منزلة لها وقلت
" أمجد بيسان انزلا بسرعة سندخل "
نزلا من فورهما ودخلا أمامي , لابد وأن جدتهم سمعت صراخهم
فأذانها كالنسر , لا أعلم كيف تعلم كل شيء ولابد لها جواسيس ولا
أحد غير الخدم عدا سيلا التي تبدوا لا تحبها وتحملها إثم موت والدة
الأطفال فتبدوا كانت تحبها كثيرا فكم حكت لي عنها بحزن وكيف
كانت تبكي وحدها بالساعات وتتشاجر مع جابر كلما عاد حتى بات
لا يرجع إلا ليلا , فإن أخبر تلك العجوز دماغها أني مثلها فستكون
مخطئة حد الخطأ , جابر يحتاج لزوجة لا تعرف الشكوى ووالدته
تريد زوجة ابن لا تخالفها في شيء , جابر علاجه عندي إما أن
أعيد صياغة برنامجه اليومي بل والحياتي أو أترك له المكان
وأشتري راحتي , والثانية مستحيلة لأنه لن يرضى بها خصوصا
وأنه يراني المربية والمعلمة التي ترفع مسئولياته كلها أما والدته
فلن يجدي معها سوى التمرد والعصيان لكن عليا كسب وقوف
جابر بجانبي أولا لأن محاربتها وحيدة ستكون غباء وتهور
وصلت للداخل على صوت رنين هاتفي نظرت للمتصل فكانت
سوسن فرفعت الهاتف وخرجت من الغرفة وتوجهت لجناحي
ولغرفة النوم تحديدا وأجبت عليها فقالت من فورها
" مرحبا بزوجة رئيس مكتب الشرطة الجنائية , أصبح
الجميع يعرفني بصديقتك لا بسمي ولا اسم زوجي "
قلت ببرود " قد أكون متزوجة برئيس البلاد ولا أعلم "
قالت بضيق " غبية من تتزوج بصاحب شركة صغيرة لا تنظر
إلا للسماء فكيف بك , معك حق فأنتي لم تري الحسد والحسرة
في كلام العاملات في المصنع "
تنهدت وقلت " ما لا يعلمنه أني أحسدهن جميعهن فلا
شيء يبقيني هنا سوا الأولاد "
قالت بتذمر " لا أعرف كيف تحولتِ لغبية فجأة "
قلت بضيق " نعم ستقولين هذا لأنك لا تشعرين بما أشعر فلديك
زوج يحبك يغدقك بالهدايا والكلام العذب ومنزل أنتي الآمر
الناهي فيه فكيف ستشعرين بما أعاني "
تأففت وقالت " أنتي أكثر من يعلم كيف كانت حياتي معه وكم
مرة وصلنا للطلاق وكيف كنتي تشجعينني ونجوب المكتبات
نقرأ عن الشخصيات وطرق كسب الزوج ونطبق عليه وهوا غافل
حتى أصبح كما أريد وأبعدت أهله عن حياتنا , تذكرين أم أذكرك "
تنهدت وقلت " أذكر طبعا لكن لا تنسي أن ما لدي مختلف عن
زوجك أشعر أنه يقرأ حتى صمتي فلن تتصوري كم مرة يجيب
على السؤال قبل أن أسأله "
قالت بجدية " يبقى رجلا مهما كان عقله وتبقين امرأة ولا
تنسي أن من أعادت الشيطان للقارورة بعدما أخرجته منها
وحررته تكون امرأة مثلك "
قلت بهدوء " لا حل أمامي غيره لأنه وحده من سيجعل
كل ما أريده يحدث "
قالت بجدية " إذا عليك به وأول شيء طفل عـ ... "
قاطعتها بضيق " الطفل آخر شيء يجب أن يحدث , لم أجن أنا لأربط
نفسي أكثر يكفيني أبناءه , هذه الخطوة ستكون آخر ما أفكر فيه "
قالت بلهجة ساخرة " وهل بظنك سيوافقك يا غبية أنظري لزوجته
الأولى خلال أربع سنوات كان لها منه ثلاث أطفال "
قلت ببرود " هذا إن أخبرته بما أفكر فيه لكني سأفعل ذلك دون علمه "
قالت بصدمة " وماذا إن اكتشف الأمر "
قلت " لن يكتشف "
قالت بهدوء " أرجوان لا تلعبي بالنار إن اكتشف الأمر
قد يضربك حتى الضرب "
قلت ببرود " لن يكون ذلك الآن يعني لن يكون , ليس
وقته يا سوسن أمامي أشياء كثيرة قبله "
سمعت حينها منبه سيارته وهذا يعني أنه جاء ليغير السيارة ومؤكد
سيستحم ويغير ملابس الشرطة بالبذلة الرسمية لأنه سيعمل خارج
المكتب فقلت من فوري " وداعا الآن يا سوسن ونتحدث لاحقا "
ضحكت وقالت " وداعا ولا تخرجيه من رأسك إلا
وأنتي قد أجهزتي عليه "
قلت وأنا أدخل غرفة الملابس " دعواتك لي يا صديقتي وداعا "
عدت خطوات للوراء رميت الهاتف على السرير وعدت للغرفة
أخذت أحد الفساتين القصيرة ولبسته سريعا , كان أصفر اللون
يصل طوله تحت الركبة بقليل كان بسيطا وأنيقا من القماش
القطني الممتاز أخرجت مشبك الشعر من شعري طبعا قبل أن
يتحول لقطع بين قبضته وخرجت مسرعة جهة المرآة نظرت
لوجهي ثم أمسكت كحلا سائلا , أشياء لم ألجأ لها قبلا رسمت عيناي
بسرعة ووضعت ملمع شفاه زهري اللون وعدلت خصلات شعري من
الأمام لتحتضن وجهي ورششت عطرا كثيرا ثم توجهت من فوري
للسرير وجلست واضعة ساق على الأخرى لينزل الفستان حتى
أول الفخذين وشغلت نفسي بالهاتف في يدي حتى سمعت خطواته
يدخل الجناح , سنبدأ الجولة يا جابر وإما أن أغيرك وأصلحك
أو تدفنني كزوجتك الأولى
انفتح الباب وأنا نظري على الهاتف طبعا وما أن دخل حتى رفعت
رأسي ونظرت له , كان ينظر لي باستغراب بادئ الأمر ثم قال بسخرية
" يبدوا أنك أخطأت الغرفة يا سيدة زوجتي أعرفها الآن أين تكون "
نعم تخابث علي لن أكون أقل منك يا ابن الصخرة , رميت شعري
للخلف وقلت بغنج لم يره مني سابقا وقد عدت بنظري للهاتف
" حلمت صباحا بك فقلت يا أرجوان لك زوج وأنتي لا تعلمي
فجئت انتظر أن أرى إن كان حلمي حقيقة "
سمعت حينها ضحكته التي لا تسمع إلا نادرا كالأعياد مرتين في
العام ثم وصلني صوته قائلا " ظننتك لا ترين الأحلام أبدا "
رميت الهاتف من يدي وغيرت جلستي متربعة وقلت وأنا أنظر
لعينيه بابتسامة " لا بالطبع ليس النساء من لا يعرفون الأحلام "
سيفهمني جيدا وما أقصد بهذا دون أن أوجهها له مباشرة , نظر
لي بمكر وأعلم فيما يفكر يضنها دعوى مني , خيالك سافر بك بعيدا
يا جابر , نزع ساعته أولا وقال وهو يضعها على الطاولة
" أنا مشغول يا أرجوان "
كما توقعت سافر به خياله لذلك , ومن قال لك أني أريد ذلك يا متعجرف
غادرت السرير وتوجهت نحوه قائلة " ومن قال لك أني لست مشغولة أيضا "
وقفت أمامه وبدأت بفتح أزرار سترة بذلته وأنا أقول ونظري على يداي
المشغولتان بما أفعل بابتسامة " عندما كنت صغيرة وكنا نلعب في الشارع
كنت أضرب الأطفال جميعهم لآخذ دور الشرطي رغم اعتراض الأولاد
لأني فتاة فكنت لا أقبل بغير هذا الدور في لعبة الشرطة والمجرمين "
ثم تابعت وأنا أنزع له السترة " وتقابلت مرة في المستشفى وأنا آخذ ترف
محمومة برجل مع ابنه عرفني دون أن اعرفه , أتعرف ما قال لي "
ثم توقفت وأنا أطوي السترة على اثنين وأضعها فوق السرير فوصلني
صوته قائلا " مؤكد ناداك بشرطية الحي "
ضحكت وعدت ناحيته وكررت ما كنت أفعل مع القميص الأبيض
تحتها وأنا أقول وعيناي على الأزرار التي تنفتح بين أصابعي
" بل قال : هل أنتي المجرمة أرجوان "
ثم ضحكت ضحكة صغيرة و نظرت لعينيه وقلت " وحين قلت له
بصدمة : أي مجرمة تتحدث عنها , ضحك وقال : لم أرى في
صغري فتاة في إجرامك وتجعلنا مجرمين "
ثم ابتسمت ونزعت له القميص وأنا أقول " ثم قال : هل تعلمي
ماذا أصبح معتز الآن , وهوا أحد أطفال الحي "
عدت للصمت مجددا وأنا آخذ القميص حيث أخذت السترة وشغلت
نفسي بهما منحنية قليلا على السرير أبعد شعري للخلف بيدي
الأخرى فاقترب مني وأمسك خصري بيداه وعاد بي للخلف
ثم لفني ناحيته وقال " وماذا أصبح معتز "
قلت بضحكة صغيرة وأنا أنزع حزام سلاحه " قال انه أصبح
عداءا بسبب ركضه في صغره هربا مني فهوا كان أكثر
مجرم ألاحقه في الشارع لأنه أصغرنا "
أمسك مني الحزام وأخذه لأن الموجود فيه سلاح وهوا أحرص
الناس على هذه الأشياء الخطرة , نظرت لعينيه وقلت بابتسامة
" الحمام جاهز تبدوا مشغولا جدا "
قال بابتسامة جانبية " نعم وأنتي أخرتني بحكايات طفولتك "
لازال يلعب بمكر لكني أمكر منك يا جابر , مددت يدي وأمسكت
يده الفارغة وقلت وأنا أعد له بأصابعه ونظري عليهم
" لا تنسى أن لك أبناء وزوجة هم عائلتك "
ثم نظرت لعينيه وهوا يترقب ما أتوقع جيدا انه يفكر فيه وهوا
أني سأقول : لهم حق عليك وأنت تهمله لكني ابتسمت وقلت
وأصابعي تتحرك في كفه " يحتاجون لك كثيرا فاعتني بنفسك من أجلهم "
بدأت عيناه بالتنقل بين عيناي وهذا دليل واضح على ضياعه في
جوابي وأنه لم يتوقعه ثم فعلت الخطوة الأكبر ورفعت كفه لوجهي
وقبلت باطنه ثم غادرت من أمامه قائلة " لن أعطلك أكثر لتقول أنني السبب "
ثم خرجت من الغرفة أضحك مع نفسي وغادرت الجناح مسرعة جهة
ممر غرف الأطفال ودخلت غرفة الفتاتان وأغلقتها خلفي فقالت بيسان
بصدمة " ماما كم أنتي جميلة "
اقتربت منها قبلت خدها وقلت " لست أجمل منك بالتأكيد "
كانتا تنظران لي باستغراب فكل حياتهما معي لم ترياني بفستان
قصير وزينة في وجهي , فُتح حينها الباب وكما توقعت كان جابر
ولكن المفاجأة أنه كان كما تركته بالقميص الداخلي الأبيض وبنطلون
بذلة الشرطة , وقف منحنيا ومتكأ عليه وقال بابتسامة جانبية
" لم تكملي باقي الحكاية وثمة شيء لم تنزعيه بعد "
تحركت حينها ترف من خلفي وشهقت بقوة وكل ضني أن
شهقتها من أنه بلا ملابس لكنها قالت بصدمة
" ماما بابا هنا وفستانك قصير يكفي شعرك يراه دائما "
ضحكت حينها رغما عني وأشرت له بيداي بأن تصرف أنت في
الأمر فقال بتحدي " وتنام معي في الغرفة أيضا وفي حضنــ .... "
صرخت به بلا وتوجهت نحوه وسحبته معي للخارج وقلت بصوت
منخفض " مجنون هم أبنائك قبلي كيف تقول هذا أمامهم "
أمسك خصري وسحبني نحوه ليلتصق جسدي بجسده وخلل
أصابع يده الأخرى في شعري قائلا " لو لم أكن مشغولا حقا
وورائي مشوار مصيري لعرفت كيف أتصرف معك يا مجنونة "
قلت بابتسامة وأنا أتصنع الابتعاد عنه " جابر لا تنسى أين نحن فاتركني "
ابتسم ابتسامة جانبية ثم قرب شفتيه من أذني وقال هامسا
" مستحيل ولكي أبقى بخير من أجلكم عليا أن أفعل هذا "
ثم قبلني بقوة وغادر وما أن اختفى من الممر حتى ضحكت بصمت
هذا المخطط نجح ووصلته المعلومة أننا نحتاج له رغم الحرس
والحماية الآلية في القصر والخدم والسائقين نحن نحتاجه فلم
ينصرف عن مسئولياته إلا لأنه يشعر أن ثمة شيء غيره نعتمد عليه
والآن عليا أن أبحث عن خصمي الثاني وأعكر مزاج والدته قليلا
*
*
لم أصدق نفسي وأنا أستمع لكلماتها في شريط الفيديو وهي تخاطب
شبيهتها الصغيرة قائلة ( أخبريه أني موافقة عليه ولكن بشروطي )
أي لعبة تنوين لعبها يا زهور وما تخبئين لي , لكن مهما كان ما
ستشترطينه سأوافق عليه ولو كان سنينا من حياتي ثمنا لأن تصيري
عندي بين يداي ووسط حضني , أشياء ضننت أن السنين سرقتها
مني ولن أحضا بها , أغمضت عيناي بشدة وقلت بابتسامة
" لي يا زهور ستصبحين لي أخيرا فلعلك تفهمين فقط كم
أعشقك وأتنفسك وأعيش الحياة لأنك فيها "
وقفت بعدها وأخرجت الشريط وأخذته لغرفتي , و قد مر بعدها
يومان أحاول الاتصال بجابر وكعادته لا يجيب فجلست له اليوم
متفرغا حتى يجيب علي رغما عنه أو سأقتله وبعد جهد أجاب
فقلت بضيق " من تضن نفسك رئيس البلاد "
ضحك وقال " هاتفي هذا لم أستخدمه منذ أيام وكان في درج
المكتب ولم أرى اتصالاتك إلا اليوم "
تنفست بضيق ثم قلت " طبعا مشغول سأختصر من نفسي "
قال بضحكة " ذكي كما عرفتك "
قلت بضيق " وأنت وقح ولا يهمك أن تجرح مشاعر غيرك
المهم تحدث مع زهور وخذ رأيها "
قال من فوره " أخبرتك أني سأتركها تعطيني رأيها من نفسها "
قلت بأمر " بل تتحدث معها , أنا لا آخذ رأيك "
قال ببرود " دعها تفكر فقد جاءها عريس منذ أيام ابن تجار
سيارات وقد توافق عليه "
قلت بصدمة " جاءها ماذا !!! وتوافق على ماذا ؟؟ "
قال " لقد سمعتَ ما قلت والخيار لها كما أخبرتك "
قلت بحزم " الليلة تكلمها تفهم وأخبرها أني أوافق على أي شيء تطلبه "
قال من فوره " سأرى وداعا الآن "
قلت بسرعة " هيه لا تقل سأرى بل تفعل , غدا سأكون هناك
وسأقتلك إن لم تكن تحدثت معها "
قال ضاحكا " حسنا وأمري لله وداعا "
لا أصدق أن تزول كل تلك العقبات وأكبرهم والدتها التي كانت ترى
زواجي بها من سابع المستحيلات وكل حجتها أني خريج كلية
الآداب وكاتب ولا مستقبل لي , أعلم أن زهور لم توافق عبثا ولن
تضع شروطها لعبا لكنها تحبني مهما حقدت علي ولأني أستحق
سأتحمل كل شيء حتى أعيدها حبيبة طفولتي كما كانت لا تعيش
بدوني ولا يمضي يوم لا تطلب فيه أن تراني وتتحدث معي
*
*
نزلت للطابق الأرضي وسألت الخادمة عن عمتي فقالت أنها
ليست موجودة , لا تترك مكان لا تزوره ولا حفل لصديقاتها لا
تحضره وتسجن هؤلاء المساكين في غرفهم وابنها يسجنني معهم
علمت من سيلا أن معتصم غادر مجددا وهوا يتغيب أغلب الوقت
فنزلت بفستاني القصير وزينتي وقفت عند الصالون الكبير الذي
يتوسط المكان وأكثر جلوسها ومن يزورها عليه وقلت للخادمة
" أجلبي من يساعدك سنغير مكانه , هناك سيكون أفضل "
قالت الخادمة من فورها " ولكن السيدة الكبيرة قد تغضب "
قلت بأمر " وجابر لن يعجبه أن أكون جالسة هنا والباب مقابلا
حين ينفتح والحراس في الخارج وأنا هكذا بزينتي وفستاني "
قالت من فورها " كما تريدين سيدتي "
لم أبرح مكاني حتى غيروه ثم صعدت للأعلى مبتسمة , أعلم
أنها ستعيده حيث كان ولكن لا يهم المهم أن تجدني غيرته
والخادمة ستخبرها بما قلت عن السبب ولن تستطيع قول
ذلك لجابر حسب أوامره وباقي الخطة سيأتي بعد هذه تباعا
عدت لغرفة الأطفال وقفت عند الباب وقلت
" سأذهب لغرفتي قليلا لا أريد شجار وأحدكم يطرق الباب مفهوم "
هزوا رؤوسهم بحسنا وأعينهم ملئها استغراب فابتسمت لهم وأرسلت لهم
قبلة في الهواء وغادرت لجناحي دخلت الغرفة وفتحت الدرج الكبير
في طاولة التزيين وأخرجت من عدة الماكياج قطعا لأحمر شفاه
بألوان متعددة وبدأت الخطوة الجديدة , أنهيت كل شيء ثم استحممت
وغيرت ملابسي ونزلت للأسفل فكان الصالون عاد لمكانه , جيد وهذه
الخطوة الثانية نفذتها تلك العجوز كما أريد , عند المغيب صلينا المغرب
وجلست مع الأبناء , كنت أرتدي بيجامة قطنية قصيرة زهرية اللون فقد
قررت اكتساح غرفة التبديل ولبس ما اشتراه بل وسأشتري أكثر منه
اقترحوا أن نلعب لعبة كنا نلعبها كثيرا فوافقت وربطنا عينا أمجد
وبدأ يبحث عنا في الغرفة الخالية التي خصصناها للقلعة والجنود
لأن اللعبة تستلزم مكانا فارغا وواسعا , كنا نركض وهوا يحاول
الإمساك بنا وبالتبادل وكنت أغلب الوقت أنا من يمسكون بها لأني
حين أهرب يعرفون صوت خطواتي فلست خفيفة وصغيرة مثلهم
ربطوا لي عيناي بعدما انضمت سيلا لنا أيضا فهي معنا أغلب الوقت
كنت أبحث عنهم و بيسان تقول " هنا ماما أمسكي بي "
وحين أذهب لها أسمع ضحكها في مكان آخر وخطواتهم تكثر
ولا أركز عليهم , شعرت بهم وقفوا جميعهم فقلت ويداي يبحثان
في الهواء " أين أنتم يا مخادعين سأزيل العصابة عن عيناي
لأرى إن كنتم خرجتم من هنا "
قالت ترف حينها " لا تغشي ماما "
فعلمت أنهم هنا ولكن كيف لا أجدهم وما سر هذا الصمت والسكون
تقدمت أكثر وأنا أسمع ضحكات خافته من ذاك الجانب , مؤكد هناك
فالأطفال لا يخفون ضحكهم جيدا كالكبار لكن ما سر أن يقفوا مكانهم
حتى أصل إليهم ودون أن يهربوا ! تقدمت أكثر وأنا أقول
" أسمعكم تضحكون هناك يا محتالين وسأمسك بكم جميعا "
اصطدمت حينها بشيء بقوة فقلت " سيلا أمسكتـ "
لكني سكت عندما تلمست الملابس ورفعت يداي للأعلى أكثر
ليست سيلا بهذا الطول والعرض , وصلت لوجه خشن فعلمت
من يكون أمامي فادعيت السذاجة وتلمست ذقنه وخديه لأني
أعلم أن الأطفال خلفه ثم قلت بهمس وابتسامة ماكرة
" هل عاد السيد مشغول "
ثم مررت إصبعي على شفته وقلت بذات الهمس
" صاحب القبلة المجنونة الغبية في الممرات "
شعرت من تحرك خده تحت لمستي أنه يبتسم الآن
فنزلت بإحدى يداي لصدره وضممت أصابعي عدى السبابة
والوسطى مصوبة لهما على قلبه وقلت بابتسامة ماكرة
" مجرم سأقتله الآن وأريح العدالة منه على فعلته "
أمسك يدي من على صدره وقال " وما تكون جريمته "
حركت رأسي وكتفي بعفوية بمعنى لا أعلم أو لا أريد أن أقول
ليفهم ما يريد منهما , فصوب يدي على قلبي أنا وقال بهمس
" وإن قتلوا له زوجته عقابا له "
عضضت شفتي السفلى ثم قلت " لا أعلم ... لما لا تسأله "
فاجأني حينها بقبلة وكل ما فكرت فيه وقتها الأطفال فحاولت
أن ابتعد ولم استطع حتى ابتعد وحده قائلا
" انزلي للعشاء يا شرطة مكافحة المجرمين "
فأزلت العصابة عن عيناي بقوة وضيق فكان خارجا من
الغرفة ولا أحد هنا غيرنا ويبدوا أنه أمرهم بالخروج منذ وقت
خرجت خلفه مسرعة لأدركه وسرت بجانبه وأنا أقول
" أريد شراء فساتين ساترة بدلا عن كل ما اشتريته يا حضرة المجرم "
نزل السلالم قائلا " ولما "
قلت وأنا أسابق خطواته " لأنه لا يمكنني النزول بها للضيوف "
وقف عند آخر السلالم ونظر لي وقال
" ولما ومعتصم غير موجود أغلب الوقت "
قلت ونظري مشتتا بعيدا عنه " لأن صالون الاستقبال مقابلا
للباب وحين ينفتح يكون الحراس في الخارج "
قال وقد عاد للسير جهة غرفة الطعام
" الحراس بعيدين لا يقتربون من هنا إلا للضرورة "
قلت مسرعة خلفه لينتهي الحديث قبل أن ندخل
" وأنا أخاف حتى من الضرورة وهم في النهاية رجال "
لم يزد أكثر ولا حرف ودخل وأنا بجانبه , لو نجح مخططي فسيأمر
بتحويل الصالون من مكانه وستعتقد والدته أني أنا من قال له وهوا
نفذ أمري وتكون الخطوة الأولى نجحت لتضن أنه ينفذ ما أريد ولو
كان ضد رغبتها ولازال هناك المزيد حتى أقتلها بالوهم
جلس جابر وجلست بجانبه كالعادة والأطفال في الجانب الآخر
حتى قالت ترف " بابا الم تعدني "
نظر لها وقال " نعم تعالي هنا "
نظرت له ثم لها باستغراب فقالت " ماما أنزليني أجلس بجانبك "
أسرعت الخادمة لها وأنزلتها فوقفت وقلت وهما تقتربان
" اتركيها أنا أجلسها "
أجلستها بجانبي ولا اعلم طبعا سر هذا الوعد منه لها وسببه
بدأنا الأكل ثم قالت ترف مبتسمة " ماما أطعميني الزيتون "
وهي طبعا حرمت لمسه بيدها والعبث بالطعام إلا بالخطأ
أطعمتها وهي تقول " أريد الآن واحدة سمينة "
فأختها لها وأنا أضحك بصوت منخفض وأعلم من يحترق في
الجانب الآخر وهي جدتها طبعا وبقيت أطعمها كل واحدة تصفها
لترى اختياري إن كان صحيحا , كنت مائلة جهتها فشعرت
بيد جابر أمسكت ذراعي وتسحبني نحوه , مؤكد تأفف والدته
المستمر أثر به , قربني له وقرب وجهه وهمس في أذني
" إن وجدتك نائمة الليلة رميتك من الشرفة فهمتي "
نظرت له مبتسمة ليس من أجله بل من أجل والدته كي لا
تفرح بها وتضنه تحدث معي من أجل إطعامي لترف
ثم وقف حامدا لله وغادر في صمت فوقفت وقالت ترف
" وأنا ماما أنزليني "
أنزلتها وأنا أقول بضحكة " متى ستطول ساقيك وتعتمدي على
نفسك , لا أعلم من أين ورثتي قصر القامة والعبث بالأشياء "
قالت جدتها ببرود " من والدتها وعائلتهم طبعا "
لا أعلم ما تعني بهذا ولما تتحدث عنها هل لتذكرني بها
أم لسبب آخر ! تجاهلتها طبعا وحملت ترف وقلت وأنا
أغادر " بيسان أمجد أغسلا أيديكم قبل أن تصعدا "
ثم صعدت بها لغرفتهم ولحقا بنا أمجد و بيسان بعد قليل
وراجعت لهما دروس اليوم لأني أختار هذا الوقت دائما
وأكره تدريسهم وقت العودة من المدرسة أما بعد العصر
فمخصص للعب دائما وعند العاشرة كانوا في أسرتهم
قبلتهم وخرجت وأمجد وصلت به لغرفته وقبلت خده وقلت
" تصبح على خير بني "
قال مبتسما " تصبحين على خير ماما "
ثم غادرت جهة جناحي حاملة معي السلك الأبيض
الذي طلبته من سيلا لأكمل ما بدأت به ثم أرسلت
له رسالة اشغله بها فعليا أن أدخل بين مشاغله وآخذ حيزا
*
*
أغلقت الملف وقلت " مؤكد ثمة تجارة مشبوهة مرتبطة بالهند
والتجار والمصانع مورد لها ومن يعارضهم أو يختلف
معهم يقتلونه , لا تخمين آخر لها "
تنفس بقوة وقال " سلسلة ممنهجة من القتل وخطط محبوكة وأدلة
مطموسة ولا أحد يبلغ حتى عن أنهم يهددونه , ترى أيكون
كل من يقتلونه شريكا لهم "
قلت بشرود " ليس بالضرورة قد يكون لهم أسلوب مختلف
يجعله لا يبلغ تحت أي ظرف كان والمشكلة أن المباحث لجنائية
في الهند تتقاعس عن التعاون معنا وبشكل ملحوظ وفيه ريبة "
ثم فتحت الملف الآخر وقلت وأنا أتتبع الأسماء بإصبعي
" آخر ضحاياهم عيسى أحمد العارم في الستين من العمر دخل
شراكة جديدة مع تاجر لمواد تجميل أغلب المصنّع لها الهند ويستلمون
الحاويات من هناك , شريكه قال أنه كان خائفا المدة الأخيرة ولا يتحدث
عن السبب , الشريك كان كل تخصصه التوزيع في الداخل وقال أنه
يتعاون معهم منذ سنين وليس حديث تجارة كما كتبت التقارير "
ثم رفعت رأسي ونظرت له وقلت " لن يكون الهنود بالطبع من يقتلون
هنا فلهم ذراع هنا أو لمن هنا الذراع هناك , قضية رفعت الشاطر
الذي قتلوه وعائلته يكون فيها حل اللغز لأنه الوحيد الذي لم يقتلوه
وحده خصوصا لو كانوا لزالوا يبحثون عن ابنته التي لم يقتلوها فيبدوا
يخافون من اكتشاف شيء ما "
نظر لعيناي وقال " قد يكون يبحث عن المال فقط وليس عنها "
هززت رأسي بلا وقلت " لم يكن غرضهم المال أبدا ولن يكون "
رن حينها هاتفي بنغمة رسالة فأخرجته وأنا منشغل معه بما يقول
قرأتها على السريع وأعدت الهاتف لجيبي ثم أخرجته ثانيتا أنظر
لها بتركيز كانت من أرجوان وفيها ( إن لم أنام تجدني خلف
الأشياء ) قرأتها مرة ثالثة بحيرة ثم أعدت هاتفي لجيبي وعدت
لما كنا نقول وما مرت دقائق حتى عادت الرسالة تشغلني
ما الذي تفعله هذه المشاكسة , من مهملة متجاهلة لي لمشاغبة
تطاردني حتى هنا في عملي , بعد وقت قال أسعد " أنت لم تعد
منتبها لي لابد وأنك تشعر بالنعاس , أترك كل شيء للغد "
وقفت وقلت " يبدوا ذلك "
ثم قلت بابتسامة " فعليا معرفة تلك الأشياء "
نظر لي باستغراب فضحكت وغادرت تاركا له وعدت
لمدينتي وللقصر , دخلت وصعدت السلالم متوجها لجناحي
فتذكرت زهور ورضا الذي سيأتي في الغد ويأكلني إن لم يجد
جوابها , التفت جهة الممر الآخر ثم ابتسمت بمكر وغيرت وجهتي
عليا معرفة قصة تلك الرسالة أولا فلينتظر رضا للصباح
دخلت الجناح والغرفة ولم تكن هناك , تلك المحتالة لا نائمة ولا
موجودة ولكنها قالت في الرسالة إن لم تجدني نائمة , يعني أنها
خلف الأشياء المجهولة , بحثت عنها في الشرفة والحمام وغرفة
الملابس ولا وجود لها , كنت سأغادر حين لفت انتباهي أحمر
الشفاه على طاولة التزيين على غير العادة , اقتربت منه فكان
مكتوب بجانبه على الطاولة وبه هوا نفسه ( أنا في المطبخ السفلي )
نظرت للكتابة بحيرة , ما تفعله هناك هذا الوقت !! نزلت السلالم
مجددا وقبل دخولي له اصطدم شيء بوجهي كان معلقا بسلك
وكان أحمر شفاه آخر والسلك ما يزال نازلا فسحبته وكان يخرج
من المطبخ حتى ظهرت الورقة المثبتة في نهايته وكان مكتوب
فيها بذات لون أحمر الشفاه ( أنا في غرفة ابنتيك )
ابتسمت ابتسامة جانبية وقلت بهمس " هكذا إذا يا أرجوان "
أخذت أحمر الشفاه والورقة معي وصعدت , لم أفكر أن أبحث
عنها واجدها بل أحببت هذه اللعبة لأرى أين ستصل بي وسأريها
وصلت عند الغرفة فكان معلق على بابها ورقة وفيها
( أعلم أنك متعب ومشغووووول لكني في حمام الجناح )
وتحت الكتابة قبلة بأحمر شفاه دمي اللون وواحدة أخرى على
كلمة مشغول , هززت رأسي مبتسما وأخذت الورقة وعدت
للجناح , دخلت وكان مكتوب على باب الحمام ( افتح الباب )
هذه الكتابة لم تكن موجودة عند وصولي , هي هنا إذا تلك
المحتالة , فتحت باب الحمام ولم تكن فيه فوقفت وسط
الردهة وقلت " أرجوان تخرجين وإلا "
ولم تخرج فقلت بصوت أعلى " لا أريد أن أقسم بما سأفعله "
ولا فائدة فعدت جهة الغرفة وفتحت الباب ففوجئت بالشموع
والموسيقى الخافتة وهي غير موجودة طبعا , دخلت ووقفت في
منتصف الغرفة ويداي وسط جسدي أفكر أين ستكون فشعرت
بيدان تتسللان من الخلف جهة خصري فابتسمت بمكر وأنا أسمع
همسها في أذني قائلة " ظننتك محقق ذكي وستكتشف مكاني من
وقت دخلت أول مرة وأنا هنا في الغرفة "
أمسكت يدها وسحبتها أمامي فقالت بضحكة صغيرة
" عدت مبكرا سيد مشغول "
طوقتها بذراعاي وقلت بابتسامة جانبية " متى سننسى مشغول هذه "
قالت بابتسامة مكر " حتى تستغني عنها "
ضحكت وقلت " هي جزء مني كيف أتركها "
لعبت بيدها تغرسا في شعرها وتحركه بها وقالت
" إذا هي من تحدد لديك المهم من الأهم "
شددتها بذراعاي أكثر وقلت من بين أسناني
" من أين خرجتِ لي أنتي أرجوان جديدة "
دست وجهها في صدري وقالت
" ستقتلني وسيريك زوجي رئيس الشرطة الجنائية "
رفعتها عن الأرض وتوجهت بها للسرير قائلا " بل رئيس
الشرطة الجنائية هوا من سيريك على مشاغبتك طوال اليوم "
نهاية الفصل .... أتمنى يكون نال إعجابكم ودمتم في حفظ الله