يسعد صباحكم جميعا
فصل اليوم بتتوضح فيه بعض الحقائق ولازال هناك الأكثر
والأكثر وشخصيات لم تظهر بعد ومفاجئة قريبة في الرواية
أتمنى تستمتعوا وينال الفصل إعجابكم
الفصل التاسع
لم يستطع نواس قطعا إخفاء الصدمة في ملامحه من كلام
وسن القوي الثابت عن زوجته وكأنها ليست من كانت قبل
قليل تبكي زواجه بغيرها فهكذا هوا الحب حتى القوة فيه ضعف
وهكذا هم العشاق لا تصدق منهم شي وهم يتواجهون بألمهم
ففي الفترة الماضية حين كانا يلتقيان عندي في زيارة وسن لي
نهاية الأسبوع يحاول نواس أن يكون هادئا ولا مبالي بعض الأحيان
لكن ابني نواس لا يعرف كيف يخفي ما في نفسه مهما حاول فأراه
طوال الوقت يحاول سرقة نظره إليها وهي في كل لقاء تبحث في
ملامحه عن أمل جديد يعيد ما كان بينهما لكن اللذان أمامي الآن
مختلفان تماما هي يائسة من الشيء الذي كانت تبحث عنه وتقاوم
مشاعرها بعنف المرأة المجروحة وهوا لم يعد يختلس النظر لها
بل أصبحت لا تفارق عيناه ملامحها وانقلبت الأدوار وباتت وسن
هي من تخفي مشاعرها ونواس هوا من يعطي مشاعره كامل
التصريح دون أن يجاهد نفسه لإخفائها
وقفت وسن وقالت " أعيش مع خالتي لأجل أن المنزل لها
ومن أجلها فقط غيره لا ولو نمت في الشارع "
بقي ينظر لعينيها بهدوء غريب وهي تنظر له بثبات حتى
قال بهدوئه ذاته " والدتي هي من تمنعني من نقلها للعيش
معي في المزرعة وأنتظر أن توافق فقط عندها كل
من هنا سينتقل هناك يا وسن "
قالت بحدة مشيرة بإصبعها له " لا لن أعطيها لك يا نواس
لن تأخذني لأعيش معها , لن تفرح بها يا ابن خالتي "
ثم أخذت حقيبتها وخرجت وتركت باب الغرفة مفتوحا ومارست
هوايتها الجديدة على باب المنزل , استند نواس بمرفقيه على ركبتيه
ونظره للأرض وقال بهدوء " أرأيتِ ابنة شقيقتك وأفكارها "
اتكأت على ظهر السرير وتنهدت وقلت " رأيتها ورأيت قراراتك
أيضا , كيف تأخذها للعيش معك وزوجتك هناك , عليك
أن تقدّر مشاعرها أو حتى صحتها على الأقل "
نظر لي وقال بضيق " وهل سأتركها تسكن وحدها هناك
لا وألف لا وأخبريها أن ترفع تلك الفكرة من دماغها نهائيا
أي جنون هذا أقسم أن ما يمنعني هوا رفضك أنتي الذهاب
للعيش معي ولا أرى ذاك الرفض منطقيا بعد أن قرر
جواد السفر فأفهمي ابنة شقيقتك هذا , وما تحدثتِ عنه
لا أعتقد أنه بات يعنيها والدليل كان واضحا أمامك "
قلت ببرود " وهل ترضى أنت أن تعيش معها وزوجها
في منزل واحد يا نواس ؟ هل تستحملها نفسك رغم
أنك من رفض مسامحتها من شهور "
أشاح بوجهه جانبا وقال بحزن " أمي يكفيني ما بي أرجوك "
تنفست بقوة وقلت بجدية " وسن أمانتك يا نواس لا تقتلها بذلك
عدني أنها لن تخرج من هذا المنزل إلا بعد موتي ولا تغادره
إلا لمنزل زوجها حية كنت أنا أو ميتة "
نظر لي بسرعة نظرة قوية لم أفهم مغزاها ثم وقف
على طوله وقال " مستحيل "
قلت " وما المستحيل بينهم ... حدد لأفهم "
قال مغادرا " قلت مستحيل يعني مستحيل "
ثم خرج وتوجه لغرفته وأغلقها خلفه بقوة
*
*
أخرجت هاتفي ثم أعدته لجيبي مجددا , عليا أن أنسى أمرها
بعد أن أصبحت زوجته يكفي ما تسببت به لها حتى الآن , ترى
هل تفغري لي يا مي إن علمتِ أنني من أوصلك لتلك المصيبة
دون قصد مني , مي الفتاة التي تحجبت عن الجميع قبل وقتها ولم
تعد تقابلنا أو تتحدث معنا إلا بالمصادفة , مي رمز الاحترام والعفة في
كل العائلة , حتى في مشيتها رأسها لا يرتفع عن الأرض تنتهي هكذا
نهاية وعلى يد أحد أصدقائي المقربين من كنت أحكي له عن مشاعري
نحوها ليحرمني حتى من أن أفكر في خطبتها لأنهم لن يرضوا بي بعدما
حدث وسأزيد الأمور سوءً , ترى هل ستحبين نواس يا مي وأبقى أنا
لحسرتي التي وحدي أستحقها , وحتى إن لم يحبها ولم تحبه لن
يطلقها كما قال فهي ضاعت مني وللأبد , نظرت للجانب
الآخر وقلت بابتسامة " ألا تشبع من رسم الخيول
جد لك شيء آخر غيرها "
وضع ريشته خلف أذنه وأمسك وسطه بيديه وقال
بسخرية " مثل ماذا يا أبو العريف , أنت مثلا "
ضحكت وقلت " وما المانع في الأمر ستكون لوحة الموسم "
ضحك وقال " أضحكتني يا أبو القناعة "
تجاهلته وقلت " وما تلك اللوحة بجانبك وكأن فيلا رسمها بخرطومه "
ضحك وقال " لو تسمعك صاحبة اللوحة ستجعلك تكره اسمك "
غمزت بعيني وقلت " ومن هذه ها "
ضحك كثيرا ثم قال " يالها من مخيلة التي لديك هذه ابنة
جابر رسمتني وأنا مضجع على السرير "
ضحكت حتى تعبت ثم قلت " ظننته صرصور أو نملة فوق
السرير وليس أنت , لقد أبدعت في رسمك "
نظر لي بضيق فقلت ببرود " دعني أرفه عن
نفسي قليلا يا معتصم فقلبي مسود "
قال بحيرة " ما بك يا وليد "
تنهدت ونظرت جهة الخيول وقلت " لا تكترث للأمر "
*
*
تأففت وقلت " فرح وما الداعي للبكاء الآن "
شهقت شهقة صغيرة وقالت " كيف لا تريد مني أن أبكي وأنت
تخبرني أن حفل زواجنا سيكون بعد ثلاث أيام والسفر خلال نهاية
الأسبوع القادم , منذ وقت وأنت تجهز للأمر ولم تخبرني بسفرنا إلا
الآن , متى سأشتري ما يلزمني ومتى سنجهز للحفل وأدعو زميلاتي "
قلت بضيق " فرح أنتي تعلمي أن صحة والدتي لا تسمح أن نقيم
أي حفل كبير , كم مرة سنتناقش في هذا "
لوحت بيدها وقالت بتذمر " لا شأن لي كيف أتزوج بدون
حفل يكفي لا حفل خطوبة ولا قران وكأنني أرملة أو
مطلقة, لما لا تراعي مشاعري أبدا "
تنفست بقوة مهدأ لنفسي ثم أمسكت وجهها بيداي وقلت
" فرح حبيبتي ما الداعي لكل تلك الشكليات لن نشتري الكثير من
الثياب وسأشتري لك هناك كل ما تريدينه , هل يرضيك أن نقيم حفلا
في صالة فندق ووالدتي تبقى وحدها في المنزل , ضعي نفسك مكاني "
قالت بحزن " ولما لم تخبرني منذ وقت عن كل هذا لما ؟ ألستُ شريكة
حياتك ومن المفترض أن أعلم منذ وقت وأرتب أموري "
قبلت خدها وقلت " حبيبتي أنتي يا فرح كنتي تعلمين أي ظروف
نمر بها كلانا فلما أشغلك بكل هذا , لا تعقدي الأمر أكثر
حبيبتي ودعينا نسعد كغيرنا "
نامت في حضني برفق وقالت بهمس باكي " لما زواجي محاط بكل
هذه التعاسة , لما لست كباقي صديقاتي فليس لدي حتى صورة
لحفل خطوبة مثلهن وكأنك مجبر على الزواج بي "
شددتها لحضني بقوة وقلت " ما رأيك لو أذهب لك في الجامعة
وأحملك بين ذراعاي أمامهم وألف بك الجامعة كلها ليصدقوا أني
أحبك ومتيم بك ولست مجبرا عليك "
قالت بصوت مبتسم " موافقة وفي الغد "
ضحكت وقلت " مشكلتي أني لا استطيع ولا حتى التنفس بدونك
سأفعلها غدا وإن طردوك من هناك لا تلقي باللوم علي "
ابتعدت عن حضني وقالت بحزن " أنا قلقة بشأن وسن يا جواد "
تنهدت وقلت " يبدوا والدتي ستجد حلا لكل هذا
خصوصا بعد أن تزوج نواس "
وضعت يدها على فمها مصدومة وقالت " تزوج "
تنهدت وهززت رأسي بنعم وقلت بهدوء " ووسن علمت بذلك "
وقفت وقالت بصدمة " ونحن نجلس نتبادل الغراميات هنا
انهض هيا لنذهب لها , هذا إن كانت في المنزل أساسا "
نظرت لها فوقي وقلت بعبوس " لا أعلم لما أنا دائما في المقام الأخير
لديك حتى زميلاتك ومظهرك أمامهم أهم من ظروفي "
وضعت يداها وسطها وقالت بضيق " جواد قف هيا وخذني
لشقيقتي أو ذهبت وحدي وتبقى أنت هنا وحدك "
زدت عبوسا أكثر ماداً شفتاي بزعل فضحكت على شكلي
ثم أمسكت وجهي وقبلت شفتاي قبلة سريعة وقالت
" قم هيا يا قلب فرح "
مثلت الإغماء على الأريكة وقلت وعيناي مغمضتان
" هل أنا في حلم وزوجتي قبلت شفتاي أخيرا "
سمعت ضحكتها ثم قالت " جواد هيا وأنت كالمراهقين "
قلت " أنا مغمى علي ولا يمكنني الاستيقاظ دون قبلة
جديدة ولكن ليس بخيلة كتلك "
سحبتني من يدي وهي تقول " لا تجعلني أندم حتى
على تلك , بسرعة تحرك "
تحركت معها وأنا أقول " أمري لله كلها أيام
قليلة وسنتصافى يا فرح "
خرجنا من الشقة ووجدنا وسن تصعد السلالم , تخطتنا في
صمت ودخلت الشقة فنظرنا لبعضنا ثم قلت بهمس
" اذهبي لها لقد تقابلت ونواس عند والدتي , أنا
في الأسفل إن احتجتما شيء ... حسناً "
هزت رأسها بحسنا ولحقت بها وأغلقت الباب
ونزلت أنا لسيارتي
*
*
سمعت طرقات على الباب ثم دخل أخي عاطف وقال
" عمي سعيد يريدك في الأسفل "
وقفت دون كلام ولا حتى أن أرفع عيناي فيه ونزلت
أمامه وتوجهت من فوري لمجلس الرجال حيث سيكون
ودخل خلفي عاطف فقال عمي " دعنا وحدنا يا عاطف "
خرج من فوره وأغلق الباب خلفه وقال عمي بحنان
" تعالي اجلسي يا مي "
توجهت نحوه وجلست بجواره فقال بهدوء
" أخبرني شقيقك أنك ترفضين شراء جهازك يا مي هل هذا
صحيح لأن زوجك يصر على أن أعرف ذلك منك شخصيا "
هززت رأسي بنعم وقلت " أجل أنا قلت ذلك ولم
يجبرني أحد أو يكذبوا عليك "
تنهد وقال " ولما يا ابنتي أنتي عروس كغيرك
لا تنقصي من قدر نفسك "
نزلت دمعتي فمسحتها ولذت بالصمت فقال
" نواس اتصل بي وقال أن زواج شقيقه بعد ثلاث أيام سيكون زواجا
عائليا بسبب مرض والدته إن كنتي تريدي الحضور ولتتعرفي والدته
أخذتك معي لأني مدعوا وشقيقك عاطف أيضا وزوجك طلب سؤالك "
هززت رأسي بلا وقلت " أي زواج سأحضره بهذه العلامات في كل
جسدي ثم بأي وجه أذهب لهم المشوه أم الملطخ بالعار "
قال بضيق " مي لا تعطي الأمر أكثر من حجمه زوجك ليس من
هنا ومدينته تبعد كثيرا ولا يعرف غيره بما حدث فلا تُرخصي
نفسك أمامهم أنتي أشرف من الشرف ذاته "
قلت بحسرة " يكفي أنه هوا يعلم "
قال بجدية " يعلم وراضٍ أيضاً "
لذت بالصمت أمسح الدموع التي غلبتني فوقف يستند بعكازه
وقال " سأخبره أنك متعبة قليلا ولا تستطيعين الذهاب وعليك أن
تشتري كل ما يلزمك يا مي وحسابي مفتوح لك فوق المال الكثير
الذي دفعه زوجك ومهرك محفوظ لك متى ما أردت كان بين يديك "
غادرت المجلس ركضا للأعلى وعدت لغرفتي وأغلقت الباب واتكأت
عليه , لما أنا من ماتت كل أحلامها في مهدها ؟ ترى ما تخبئ لي الحياة
من تعاسة ونكبات جديدة , مسحت دموعي واستغفرت الله ثم توجهت
لخزانتي وأخرجت الصندوق الصغير الذي يعيش في قلبي قبل الخزانة
جلست على الأرض أمامها وفتحته وأخرجت علّاقة المفاتيح الموجودة
فيه يتدلى منها حرفي الواو والميم بالإنجليزية مرتبطان ببعضهما
مرصعان بفصوص من الكريستال وفصوص ملونة تتدلى منهما
العلّاقة التي عاشت معي لوقت طويل منذ أن أخذتها من مجلس الرجال
بعدما نسيها وليد في مجلسنا ولم تطاوعني نفسي أن أعيدها له رغم
علمي بأنها غالية على قلبه وأنه بحث عنها وعاصم شقيقي كثيرا في
كل المجلس وهي عندي ولا أحد يعلم كما مشاعري نحوه منذ صغري
المشاعر النظيفة التي لا أحد يعلم عنها غيري وقلبي وخالقي
حركتها أمام عيناي الدامعتان أودعها أيضا مع كل أحلامي الجميلة
تُرى من تكون هذه التي حرفها مرتبط بحرفه ومتعلق به هكذا أم أنه
أسمه هوا وليد مختار فقط , حضنتها بقوة أبكي حتى الأحلام التي
لم أكن أجزم أنها ستتحقق , لو أني فقط أجد ذاك الشخص الذي
سرق مني كل هذا ودمر حياتي , صاحب الرسائل الخفية
لو ألتقي به فقط ولو ليوم في حياتي لآخذ بحقي منه
أعدت العلاقة للصندوق ووضعت معها الرسائل ليحتضن الحلم
ومن أحرقه وأغلقته , إن طاوعتني نفسي سأتركه هنا قبل ذهابي
****************************************************
******************************************
قلت بحيرة " ولكن التي معي اسمها سما أحمد عبد الله "
توجه للرفوف في مكتبه وأخرج ملفا بحث عنه لوقت ثم اقترب
مني وفتحه وأراني صورة فيه وقال " أليست هذه الفتاة "
نظرت لها وقلت " نعم هي "
قال مشيرا بإصبعه " انظر للاسم تحتها "
نظرت وقرأت " سما رفعت عمران الشاطر "
قال بجدية " هل تأكدت الآن "
قلت بحيرة " ولكن كيف !! "
عاد للجلوس على مكتبه وقال " احكي لي كل ما حدث
معك وكيف وجدتها وسأحكي لك كل شيء "
سردت عليه كل ما حدث معي للحظة وهوا يسمع باهتمام حتى
انتهيت فهز رأسه وقال بضيق " آخر ما كنت أتوقع أن
تكون تعيش هنا تحت اسم مزور "
قلت " حتى هي لا تعرف غيره "
تنهد وقال " قضية معقدة ولا تزداد إلا تعقيدا "
بقيت أنظر له بحيرة لوقت ثم قلت " ولما لم تعمموا صورتها
وتبحثوا عنها مادمتم تملكون الصورة "
قال بجدية " ستكون فكرة غبية أن نعطيهم شكلها واسمها "
قلت بهدوء " جابر هلا شرحت لي ما سر هذه القضية "
أغلق ملفها أمامه وقال " قضايا المصانع ذاتها مقتل شخص فيهم
أو صاحبه والنقطة المشتركة هي الهند إما تصدير أو استيراد
أو شراكة أو نقل أو أي صلة , الجرائم غامضة والأسباب
غامضة والسلسلة تجر بعضها ولم نكتشف السبب حتى الآن "
قلت بهدوء " سما ذكرت أنها كانت تلاحظ نقاشات كبيرة بين
والدها وشريكه ثم قرر الانتقال هنا بعدما باع حصته "
قال بضيق " والمشكلة أن جميع أوراقه مسروقة ككل
قضية فلا نعرف الشريك ولا ما حدث "
قلت بشرود " ولما زور أسماء أبنائه حتى أنهم هم
لا يعرفون أسمائهم الحقيقية "
قال بهدوء " يبدوا رجلا حذرا جدا وكان يتوقع كل هذا الخطر "
ثم وقف وقال " هيا خذني إليها عليا معرفة المزيد منها وزيارة القبو "
وقفت وقلت " مهلك يا جابر الفتاة رأت أفراد الشرطة يسخرون من جثث
عائلتها ويضحكون , هي لا تتقبلكم بل وتكرهكم ولن تتجاوب معك بسهولة "
قال بضيق " هل سنساير مراهقة صغيرة , عليها أن تتكلم ليس
من أجلها فقط بل ومن أجل غيرها "
قلت بضيق " جابر لا تستهين بالأمر وضع نفسك مكانها هم
عائلتها جميعهم وكل ما لديها , الخطأ على رجالكم لأنهم مستهترين
ولا يحترمون الموتى وكأنهم يخرجون قطط ميتة وليست
عائلة قتلت بدم بارد "
قال باستياء " وما سأفعله لهم برأيك أعاقبهم وأسجنهم , هم في
النهاية اعتادوا على رؤية هذه المناظر وماتت قلوبهم "
قلت بغضب " وهل تموت قلوبهم درجة أن يتغزلوا في امرأة
ميتة , هذا ليس موت قلوب هذا موت حياء "
قال ببرود " وهل سنجلب لها سرك التحقيق كاملا ليعتذر منها بربك
يا نزار الرجال تحت يداي يعترفون بسهولة لن أعجز من فتاة "
قلت بصدمة " ما قصدك بهذا هل ستعذبها لتعترف بما تريد "
قال بنفاذ صبر " نزار كم مرة سأقول وأعيد أني لا أضرب النساء "
قلت بسخرية " وكيف تحقق معهن يا حضرة المحقق "
قال بضيق " أرسلهن للقسم النسائي طبعا يا ذكي "
قلت ببرود " ما لديا قلته علينا أن نقنعها بالتعاون معكم أولا
أنا وعدتها بأن أساعدها لا أن أرغمها على مالا تريد "
قال بسخرية " نزار هل لعبت تلك الصغيرة بعقلك أم
بقلبك أم بكلاهما معا "
ضحكت وقلت " لن تنال مني بهذه يا ذكي فأنا أعرف
ألاعيبك جيدا , هي طفلة أمامي يا نبيه فبما ستلعب وتلعب "
قال بضيق " نزار قد يكون لدى الفتاة الخيط الذي سيحل
لنا كل هذه المشكلة فلا تتعب لي رأسي "
قلت مغادرا " أَخرج الفتاة حاليا من القضية سنتناقش أنا
وأنت فقط وأجلب لك منها كل ما تريد , وداعا "
*
*
تركتها أنهت صلاتها على سريرها ثم أحضرت صينية الشاي
والكعك وقلت " لقد حضرت كعكا لنأكله مع الشاي , والدتي رحمها الله
كانت تفعل هكذا دائما بعد أن نصلي العصر , سيعجبك كثيرا فأنا
أكثر ما أحب أعداده هوا الكعك "
قالت بابتسامة " حمدا لله الذي رزقني بابنة كبيرة على كبر
ورزق نزار بمن ستفضي له جيوبه "
قلت بحزن " آسفة يا خالتي لم أقصد أن أكلفه "
ضحكت وقالت " لا تخافي عليه إن نفذ ما لديه لن يخجل
منك , هيا دعيني أتذوق كعكك "
وضعت لها قطعة في الطبق وقلت
" لدي في قبو منزلنا أموال كثيرة لا أريدها ليأخذها هوا "
ضحكت وقالت وهي تأخذه مني " أنتي لا تعرفين نزار يا
سما هوا حتى من الرجال لا يأخذ النقود كيف سيأخذها
منك أنتي فلا تجرحي كرامته بقول هذا له "
قلت بهدوء حزين " ولكني لا أريدها فعلا وأكرهها
فبسببها خسرت عائلتي "
تنهدت وقالت " لو كل من فقد أحد تخلص من السبب لضاعت
البشر يا سما, المال سند للإنسان يا ابنتي رغم كل عيوبه "
سمعنا حينها صوت باب المنزل انفتح وأنغلق فقالت مبتسمة
" ها هوا أستاذك قد جاءت به رائحة كعكك اللذيذ "
وقفت من فوري مبتعدة عن الكرسي ووقف هوا عند الباب
متكأ بحافته وقال بابتسامة " ما هذه الرائحة هل
تأكلون شيئا من ورائي "
أخفضت رأسي خجلا وقالت والدته " هذه سما قررت سحق
أموالك وأعدت كعكا لم أتذوق مثيله فتعال قبل أن لا تجد منه شيئا "
دخل وقال " جيد والحكم على الطعم وليس الرائحة وأنتي ستدفعين
ثمن كل هذا يا أمي حين تعود سما لعائلتها لأنك ستُحرمين منه "
ضحكت وقالت " لم أفكر في هذه النقطة "
جلس وأخذ قطعة صغيرة من طبق والدته وأكلها وقال
" ممتاز هل حقا أنتي من أعدها ولم تشتريها من الخارج "
أخفضت رأسي ولم أستطع قول شيء من حيائي فضحكت
خالتي وقالت " طالبتك هذه تبدوا تخاف منك كثيرا "
خرجت حينها مسرعة من الغرفة للمطبخ فأنا حقا غير معتادة
على الاحتكاك بالرجال والأستاذ نزار كان جديا معنا كثيرا
في الحصص وما أن أراه حتى تتوتر جميع مفاصلي
دونا عن غيره من الرجال
*
*
ضحكت وقلت " الفتاة تخجل كثيرا أو تخاف منك "
أكل قطعة أخرى وقال " هي تخجل مني وغير معتادة
علي فوالدها رباهم في معزل عن الجميع خصوصا
الرجال فستحتاج وقت لتتعود "
قلت بهدوء " ماذا فعلت بشأنها "
قال بذات الهدوء " تحدثت وجابر , لديها اسم حقيقي غير اسمها
ذاك وسنبحث في أمرها فيما بعد لأني كدت أتشاجر معه "
قلت بحيرة " ولما تتشاجران !! "
قال بصوت منخفض " الفتاة تكره رجال الشرطة ولا تتق بهم
وهوا يريد استجوابها ومعرفة المزيد منها وأنا رفضت
حتى نقنعها بالتحدث معه "
تنهدت وقلت " خيرا صنعت فهي ناقمة عليهم حقا من
حديثها حين حكت لي عن قصتها "
ساد الصمت قليلا ثم كسرته قائلة " الفتاة معتادة على
حياة مرفهة وكل ما تريده تجده لذلك أفهمتها بطريقتي
أنك لن تستطيع توفير كل ما يلزم المطبخ "
نظر لي بضيق وقال " أمي ما هذا الذي فعلته
أنا لن أعجز عن توفير ما تحتاج "
قلت بهدوء " ولكنك توفر المال وهذا .... "
قاطعني باستياء " وإن يكن فليس من اللائق أن تخبريها
أني عاجز عن توفير ما ستحتاجه "
ابتسمت وقلت " آسفة بني كان قصدي خيرا "
وقف وقال " لا بأس أمي أنا هوا الآسف ولكن
ما كان عليك قول هذا لها "
ثم خرج من الغرفة , ويحي كيف نسيت أنه في النهاية رجل
ولا يحب أن يظهر عاجزا أمام امرأة عن توفير ما سيلزمها
*
*
دخلت المطبخ ووجدتها خلف باب الخزانة لا يظهر منها سوى
المنتصف من جسدها تقف على حافة الخزانة السفلية المفتوحة وترفع
نفسها على رؤوس أصابعها لتحضر شيئا من الخزانة العلوية
اقتربت منها وقلت " أنا سأنزل لك ما تريدينه "
ارتعدت حتى كادت تسقط وتمسكت بباب الخزانة السفلية
فأمسكتها من ذراعها وقلت " حاذري من أن تقعي يا سما "
ابتعدت عن الخزانة وعدلت من شعرها تخفي ما تناثر منه خلف
أذنها تنظر للأرض وقالت بشبه همس
" آسفة أردت جلب الصينية من الأعلى "
أنزلتها لها وقلت " الرفوف مرتفعة عليك سأجلب مع الأثاث
شيئا يساعدك في الصعود فلا تصعدي هكذا ثانيتا "
هزت رأسها بحسنا دون كلام فقلت مبتسما " يبدوا أنه لديك
مشكلة مع كلمة نعم ولا , ما رأيك أن تقوليها بالإنجليزية "
نظرت لي بصدمة فقلت بذات ابتسامتي " كلما سألت عن
شيء أومأتِ لي برأسك سلبا أو إيجابا "
ابتسمت وأنزلت رأسها وقالت بحياء " آسفة لم أقصد "
ضحكت وقلت " ولما تعتذري أردت فقط أن أمازحك
كي تعتادي على الحياة معنا هنا "
وضعت الصينية على الطاولة وقلت " سأجلب أثاث غرفتك
وما طلبته مني لأني تركته لأجلبهم معا , إن كنتي تحتاجين
لأي شيء في المطبخ اكتبيه في ورقة حسنا "
هزت رأسها بحسننا ثم ضحكت ضحكة صغيرة وقالت
" أعني حسننا سأكتب لك "
ضحكت وقلت " أخشى أن تتحولي لثرثارة بسببي , يمكنك
قولها كما تريدين كنت أمزح فقط "
هممت بالخروج حين استوقفني صوتها قائلة " أستاذ نزار "
التفت لها وقلت " وأستاذ هذه لم يعد لها لزوم حسنا "
أحمرت خداها وشتت نظرها وقالت " لا استطيع ... "
كم هي طفلة هذه الفتاة وكأنها لم تخرج للعالم بعد , قلت بابتسامة
" ستعتادين ذلك أنا لا أريد أن تناديني أستاذ اتفقنا "
قالت بهمس " سأحاول "
قلت " نعم يا سما ماذا كنتي تريدين قوله "
قالت بهدوء وعيناها في عيناي " هل فصلوا
وجدان أيضا من المدرسة "
لذت بالصمت للحظات ثم تنهدت وقلت " هذا ما حدث
أمامي لكن والدها أعادها "
نظرت للأرض وقالت بحزن " علمت أني
سأكون الخاسر الوحيد "
وضعت يدي على كتفها وقلت
" لا تقلقي يا سما لن يضيع من دراستك شيء كوني أكيدة "
رفعت رأسها لي وقالت بسرور " حقا لن تضيع دراستي "
هززت رأسي لها بنعم وقلت " أعدك لن يحدث ذلك "
ضحكت وقالت " ها أنت أيضا لم تقل نعم بل هززت رأسك "
حككت شعري وقلت ضاحكا " يبدوا أني أصبت بالعدوى منك "
ثم قلت خارجا من المطبخ " سأصعد لغرفتي قليلا
ثم أخرج للسوق فلا تنسي كتابة ما تريدين "
صعدت من فوري لغرفتي وفتحت الإنترنت مجددا أبحث
عن عائلتها الحقيقية وصعقت بأنها عائلة كبيرة ومعروفة في بيع
وتجارة قطع غيار الآلات الكبيرة كالمصانع والشاحنات وما إلى
ذلك, لديها ثلاث أعمام واحد مقيم في الخارج وآخران هنا أحدهم
الأكبر وهوا متوفى وأبنائه يديرون كل أعمالهم , رفعت هاتفي
واتصلت من فوري بجابر فأجاب بعد وقت فقلت مباشرة
" عائلة الفتاة معروفة وفاحشة الثراء "
قال " أعلم "
قلت " ما سر إخفاء والدها هويتهم يا ترى "
قال من فوره " في الهند كان أحمد عبد الله الجهري وهنا
أحمد عبد الله فقط وكأنه أخفى هويته مجددا والسبب مؤكد
أولئك العصابة لكن المخاوف أين يصل علمهم عن العائلة
فقد يكونوا يعلمون الاسم الحقيقي لهم ويبدوا يبحثون عن الفتاة
لسبب ما قد يكون مخاوف لديهم من أن يكون لديها أي معلومات
عنهم فحسب تحليلي للقضية المجموعة التي أرسلوها قتلت
الجميع ضنا أن الطفلة الهندية هي ابنتهم والأوامر كانت بقتل
الوالدين وابن والابنة ثم تبين لهم غير ذلك وعادوا للبحث عنها "
قلت بحيرة " ولما غيّر والدها حتى اسمه الأول ومن سنين
طويلة ومنقطع عن عائلته تماما "
قال بعد صمت " مشاكل شخصية بينهم لا يحق لي قولها لأحد "
قلت " وهل تصل به لتغيير اسمه !! غريب حقا أمره "
قال " أتركنا من هذا ودعني أقابل الفتاة سريعا "
قلت بضيق " جابر ما لدي قلته فلا تجعل الأمور تسوء بيني وبينك "
قال بحدة " علينا أن نعلم منها وعلينا حمايتها منهم تفهم "
قلت " عائلتها هي الكفيلة بذلك الآن مادمت وجدتهم "
قال من فوره " إياك أن تتهور يا نزار ستضعها في الخطر بعينه
تكتم عن كل ما علمت مني ولا تخبر حتى الفتاة مفهوم "
قلت بتوجس " ولما لا تعلم ولما ستكون في خطر "
قال بضيق " احتمال علمهم بهويتها الحقيقية كبير وهم يبحثون
عنها فأنت بهذا تقول لهم ها هي تعالوا خذوها "
تنهدت وقلت " والحل إذا "
قال " لا تفعل شيء حتى أراها حسنا "
قلت بهدوء " حسنا ولكن ليس الآن "
تأفف وقال " ليس الآن أمري لله ستسيرنا فتاة
صغيرة على مزاجها "
قلت ببرود " أخبرتك أني لن أجبرها على شيء
وأني سأساعدها للنهاية "
قال " ولا تلوم إلا نفسك إن عرضتها للخطر "
قلت " لا تقلق وداعا "
أنهيت الاتصال منه وفتحت الدرج وأخرجت كل ما كنت مقررا
صرفه لهذا الشهر , يبدوا أني لن أوفر شيئا هذه المرة لأن أثاث
الغرفة سيكلفني لا بأس هذا الشهر سألغيه من حساباتي , والدتي
تعيش شبه مقعدة من سنين تنتظر الابن الفاشل الذي يجمع ثمن
عمليتها ولم تجني سوى الأمل الكاذب , العملية كبيرة ومكلفة كثيرا
حتى لو أخذت المال من جابر لن أغطي كل تكاليف العلاج والسكن
والرحلة وأمي أيضا لا توافق أن آخذ المال منه , آه سامحيني يا
أمي لو بيدي شيء لفعلته , لو لم تخذلني رهام وتتركني في الماضي
لكنت سافرت ودرست وتخرجت منذ سنوات وأجريت لها العملية
منذ زمن ولم أنتهي هذه النهاية المأساوية .... مدرس يجمع القليل
من رواتبه على أمل أن يصبح ثريا ويجري لها العملية , تنهدت
بضيق ثم وقفت وغادرت الغرفة ونزلت للأسفل وكنت اسمع همسا
وضحكا من غرفة والدتي , جيد أنها تقبلت سما وأحبتها من أول
يوم , أعرف أمي قلبها طيب ولا يمكنها الحقد على أحد, وها
هي وجدت من يؤنس وحدتها وتتسلى معه , وقفت عند
الباب وقلت " سأخرج هل توصيان شيئا "
قالت أمي بابتسامة " سلامتك بني وأعتني بنفسك "
بينما لاذت سما بالصمت تنظر للأرض , هذه الفتاة تشعرني أنني
أضايقها ولا تأخذ راحتها وكل ما أخشاه أن أطر لسجن نفسي في
غرفتي من أجلها , قلت بهدوء " سما هل كتبتي ما تحتاجينه "
رفعت نظرها لي وقالت " كل شيء موجود لم أجد شيئا ناقصا "
مؤكد كلام والدتي معها هوا السبب فمنذ قليل قالت أنها ستكتب
ما تحتاجه , قلت " ولكن العيد سيكون بعد يومين قد لا أخرج
قبله لأن الأسواق تكون مزدحمة وأنا أكره الازدحام فيها "
قالت ونظرها لوالدتي " هل تستقبلون ضيوفا كثر "
قالت أمي " ليس كثيرا ولكن عدد لا بأس به "
نظرت لي وقالت " إذا أنا من سيعد كعك العيد
كل شيء متوفر ولا ينقص شيء "
قلت " والعصير والقهوة "
قالت " سأعد العصير أيضا بالفواكه الموجودة
أحتاج فقط لثمرة أناناس واحدة "
قلت مغادرا " حسنا "
أوقفني صوت والدتي قائلة " نزار ما ستفعل بشأن الأضحية هذا العام "
التفت لها وقلت " سنتشارك والجيران ككل عام "
قالت بابتسامة " أجعل جزءً مما تتصدق به من أجل عائلة سما "
هززت رأسي بحسناً مبادلا لها لابتسامة وخرجت وركبت
سيارتي وتوجهت لسوق كبير لبيع الأثاث , لففت المكان كثيرا
ولم أجد السعر المناسب لأشتريهم معا , تلك مشكلة فأنا لا أريد
أخذ شيء من المال الذي أوفره , توجهت للقسم المخصص
بالأثاث المستعمل فهوا حلي الوحيد كي أشتري كل ما
سيلزم غرفتها وأوفر مصروفا لباقي الشهر
تجولت فيه واخترت سريراً وخزانة صغيرة ومكتب للدراسة
هذا يكفي مؤقتا وسأكمل البقية الشهر القادم فقد تطول قضيتها
وتبقى معنا مدة طويلة , تعاقدت معهم لإيصاله للمنزل وعدت
قبلهم لإدخاله بعدما اشتريت باقي ما طلبته مني , من الجيد
أنها وفرت علي ثمن العصير وحلويات العيد فالأسعار
هذا الوقت تكون مرتفعة جداً
وصلت المنزل وتقابلت ودعاء بالمقربة من الباب فقالت مبتسمة
ما أن رأتني " مساء الخير كنت عند صديقة لي هنا وقررت
زيارة والدتك لأطمأن على صحتها الآن وإن كانت
تحتاج شيئا في المنزل من أجل العيد "
وضعت الأكياس على الأرض وقلت وأنا أفتح الباب
" شكرا لك وجدنا حلا مؤقتا لكل مشاكلنا العالقة "
رفعت هي الأكياس من الأرض ونظرت لي باستغراب وعلى
شفتيها سؤال لكني دخلت قبلها قائلا " سترتاحين منا مؤقتا "
ودخلت ضاحكا وهي تتبعني على خروج سما من المطبخ
*
*
شعرت قلبي هوى للأرض من سماع جملته وأول ما فكرت فيه
أنه تزوج وقد حذف دماغي كلمة مؤقتا من الجملة التي قالها
واكتملت صدمتي على الفتاة التي خرجت لنا من المطبخ ترتدي مريولا
فوق ثيابها بملامح طفولية جدا وجميلة وعينان زرقاء واسعة , نظرت لي
بحيرة ثم للأكياس التي في يدي فقلت من فوري لأفهم ما يجري
" نزار لم تخبرني أنك تقصد أنكم أحضرتم خادمة "
تغير وجه الفتاة وتوقفت أنفاسها فنظرت له مباشرة فكان ينظر لي
باستياء واضح أما الفتاة فركضت مسرعة عائدة للمطبخ
فقلت بتوتر " آسفة هل أخطأت في شيء "
قال بضيق " تعلمي أني لا أحب الخادمات ثم أنا أخبرتك أن
قريبة لي ستأتي إلينا , أي إهانة هذه التي وجهتها لها "
ثم توجه من فوره خلفها للمطبخ وتركني واقفة مصدومة من كلماته
وطريقته في التحدث معي فلأول مرة يكلمني هكذا فهوا كان مهذبا
معي دائما كما الجميع , لو لم أكن أعرف نزار جيدا وأنه لا يرى
الفتيات الصغيرات مثلها أكثر من كونهن مراهقات لقلت أن ثمة شيء
بينهما , دخلت خلفه للمطبخ , كانت الفتاة تقف عند المغسلة تمسح
دموعها وهوا يقف بجانبها مستندا بيده على المغسلة ويقول بهدوء
" دعاء فهمت الأمر خطأ فأنا لم أخبرها أنك
معنا .... توقفي عن البكاء يا سما "
سما ... اسمها غريب ومميز مثلها , جيد أنها صغيرة لكانت
منافسا وندا قويا لن أقدر عليه , حمحمت قليلا وقلت
" أنا آسفة يا سما لم أقصد "
وضع نزار يده على كتفها وقال بابتسامة
" وها هي اعتذرت منك هل ننسى كل ما حدث "
هزت رأسها بنعم دون كلام ودون أن ترفع رأسها , غريب من
تكون يا ترى هذه التي يلمسها بيده فأنا أعرفه من أعوام معرفة
جيدة لم يسبق أن اقتربت يده مني ولا بالخطأ , هوا بالفعل يعاملها
كطفلة وليس كامرأة لَما كان تركها تبقى دون حجاب معهم
نظر لي ثم لها ثم قال مغادرا " ابقيا في غرفة والدتي
فالعمال سيأخذون الأثاث للأعلى "
ثم خرج فوضعت الأكياس على الطاولة وخرجت في صمت
متوجهة لغرفة والدته ودخلت ملقية الحية بابتسامة فقالت بترحاب
" مرحبا بك يا دعاء ما هذه الزيارة المفاجأة "
اقتربت منها وقلت بابتسامة " كنت عند ماجدة وفكرت في
زيارتك في طريقي لأرى إن كنتي تحتاجين شيئا قبل العيد "
قالت بابتسامة ناظرة للداخلة من الباب " سما ستقوم
بالواجب وزيادة شكرا لك يا دعاء دائما ما نتعبك معنا "
قلت بابتسامة " لا تقولي هذا يا خالة أنتي في مقام والدتي "
توجهت الفتاة من فورها لسرير الخالة وجلست بجوارها عليه
وقالت الخالة " سما قريبة زوجي رحمه الله من والدته وهي فقدت
عائلتها في حادث وستبقى معنا حتى تذهب مع عائلة والدها "
قلت بابتسامة " سرني التعرف عليك يا سما "
اكتفت بابتسامة دون رد فتبدوا قليلة الكلام وقالت الخالة
" تذوقي كعك سما يا دعاء طعمه طيب وسيعجبك "
تحركت الفتاة سريعا وأخذت قطعة في طبق وقدمتها لي مع
الشوكة فشكرتها وأكلت منها قطعة صغيرة فكانت رائعة الطعم
بالفعل ويعجز مقاومتها لكن غصت نفسي من فكرة أن هذه الفتاة
قد تحوز على اهتمام نزار رغم فارق السن الكبير بينهما
أعدت الطبق على الطاولة فقالت الخالة " مآبك يا دعاء ألم تعجبك "
قلت بابتسامة صغيرة " أبدا هي رائعة , فقط أنا لا أحب الحلويات كثيرا "
فتح عندها نزار باب الغرفة وقال
" سما تعالي لتختاري أين أضع لك السرير والخزانة "
قالت بصوت منخفض " هل غادر الجميع "
قال مغادرا " نعم أنا من سيحركها , فقط اختاري المكان "
وغادرت من فورها خلفه وأنا كالعادة لم ينظر ناحيتي
وكأني لست موجودة في الغرفة
وقفت من فوري فقالت والدته " ما بك يا دعاء لازال الوقت مبكرا "
قلت بهدوء " اقترب وقت المغيب وورائي أعمال كثيرة فقد أكون
مناوبة يوم عرفة أو العيد , عِمتي مساءً يا خالة وكل عام وأنتي بخير مقدما "
قالت بابتسامة حنونة " وأنتي بخير يا ابنتي ولا تنسي تبلغي سلامي
وتهنئتي لوالدتك وشقيقتيك وزورينا لو لم تناوبي في المستشفى "
قلت مغادرة الغرفة " بالتأكيد ... وداعا "
غادرت منزلهم وركبت سيارتي وعدت لمنزلي ودخلت على صوت
تذمر شقيقتي فقلت بضجر " هيام متى تتوقفين عن التذمر كالأطفال "
قالت باستياء " لما أنا المنحوسة بين الجميع , امتحان في ثالث
أيام العيد لا وفي الهندسة التحليلية ولمن للأستاذ نزار , اسمعي
أخرجوني من المدرسة الخاصة أريد الحكومية أفضل "
قلت وأنا أنزع حجابي " ومن هذا النزار أيضا , متى
ستحبين أستاذ واحد من أساتذتك "
تأففت وقالت " لا أعلم من أين أحضروه لنا لا يعرف حتى
الابتسامة وازداد معنا سوءً من يوم طرد المدير سما
وأرجع وجدان وكأننا من طرد طالبته النابغة "
قلت بصدمة " ما هوا اسمه كاملا !! "
قالت مغادرة بضيق " نزار وجدي الأحمدي "
ماذا !!! نزار وسما طالبته ومطرودة من المدرسة أيضا
لم يخبروني بهذا
****************************************************
******************************************
نزلت بفستانها الطويل وقالت بابتسامة جميلة
" الأميرة بيسان "
ابتسمت ابتسامة صغيرة , إذا هذه ابنة جابر الكبرى
قالت بذات ابتسامتها " وما أسمك أنتي "
قلت بهدوء " زهور "
قالت بسرور " أنتي عمتي زهور "
قلت باستغراب " نعم أنا هي "
ضمت يداها الصغيرتان لصدرها وقالت بسعادة
" كم أنتي جميلة عمتي "
ابتسمت ابتسامة حزينة وقلت " وأنتي جميلة وحين
تكبرين ستصبحين مثلي تماما "
قالت بدهشة " حقا سأصبح مثلك هكذا وأرتدي فستانا
حريريا طويلا مثلك "
اقترب حينها صوت أحدهم يناديها فقلت عائدة جهة غرفتي
" نعم ستصبحين مثلي لأني كنت مثلك في صغري "
ثم دخلت غرفتي وأغلقتها خلفي وعدت لعالمي الوحيد الذي
يحويني ويحتملني , ما كان عليهم جلبكم هنا لأن هذا المكان
لا يفعل للأطفال سوى أنه يقتل طفولتهم وحتى من سيحاول إخراجهم
منه سيؤذيهم أكثر مما سينفعهم لأن البشر هكذا متشابهون
*
*
فتحت باب الغرفة لأرى سبب كل هذا الصراخ والضحك واتكأت
على حافة الباب انظر لأمجد وهوا يحمل بيسان على ظهره ويحبوا
بها وترف تصفق منتظرة دورها فقلت بحدة " بيسان انزلي حالا "
نظرت لي بصدمة وقد عم الصمت المكان ثم نزلت وجلس
امجد فقلت بضيق " أمجد ما هذا الذي تفعله ؟ هل تريد كسر ظهرك "
نظرت بعدها جهة المربية وقلت بحدة " وأنتي تتفرجين عليهم هل
تعلمي خطورة هذا على صحته وأنه في المستقبل سيكون
رجلا وسيدفع ثمن هذا العبث "
قالت بتوتر " لم أعلم أنه .... "
قلت بغضب " ماذا تعلمين إذا "
ثم نظرت لهم وقلت بذات الغضب " من علمكم هذه اللعبة السيئة "
قالت بيسان بصوت منخفض " عمي معتصم "
تأففت وقلت " معتصم معتصم كل شيء أصبحتم تتعلمونه منه
ووالدتي ستأكل لي رأسي منكم ومنه , هل كنتم تفعلون هذا سابقا "
هزوا رؤوسهم بلا فقلت بضيق " إذا والدتكم لم تكن توافق فعل هذا "
قالت بيسان " نعم كانت تقول هذا لعب سيئ ولا تسمح لنا به "
قالت ترف " بابا أمجد ضربني "
قلت بضيق " ولما هذه المرة "
قالت بدمعة محبوسة " قال لي أنتي سيئة وبابا يغضب منك دائما
والمربية لا تحبك وماما غاضبة منك "
نظرت له بضيق فقال " هي تفعل أمور سيئة وأخبرتها أنكم
ستغضبون منها فقالت أني فاشل وسأرسب هذا العالم "
ثم رمى يده في الهواء وقال ببرود " فضربتها "
قلت بضيق " كنت أخبرتني بدلا عن ضربها "
قالت بيسان بهدوء " هل سنرى ماما في العيد "
أسوء ما في الأطفال أنهم يغيرون المواضيع في لحظة وكأنهم
لا يكترثون لما تقول ويتجاهلونك , قلت ببرود
" أخبرتها وقالت لن تأتي لا تريد القدوم إليكم "
ثم غادرت على نظراتهم المصدومة , ما كان عليا قول هذا لهم ولكني
ذقت ذرعا بهذا الحال , أمي وانتقادها لهم ولقراري الزواج بأرجوان
وهم ومشاكلهم التي لا تنتهي وأرجوان وعنادها وغبائها , معتصم
والغرفة التي يخفي أمرها عني هذا غير مشاكل المكتب والتحقيق
أشعر أن رأسي سينفجر , دخلت جناحي وتوجهت لغرفتي فتحت
ربطة العنق ورميتها بعيدا رميت السترة وفتحت جهازي الحاسوب
وجلست أعمل عليه لوقت حتى رن هاتفي ونظرت للمتصل
باستغراب ثم فتحت الخط وقلت " مرحبا رضا كيف أنت "
قال من فوره " بخير كيف حالك يا جابر أين أنت لا أجدك في أي
مكان ولم أستطع حتى اصطيادك في القصر "
ضحكت وقلت " أبعد عني الشِباك وبنادق الصيد رجاءً , لم
أكن اعلم أنك هنا , متى عدت "
قال بصوت مبتسم " منذ أيام وأنا عند عمك منصور لكنك منقطع
عن العائلة بسبب عملك الذي سيقتلك في النهاية "
قلت بابتسامة " لم أجد موهبة الكتابة مثلك لكنت وجدت لنفسي مخرجاً "
قال بعد ضحكة " كنت ستلقى مصير معتصم ولن ترضى
والدتك أن تدرس في كلية الآداب "
قلت ببرود " وما كنت سأتصرف بغباء مثله طبعا "
قال " أريدك في أمر فكيف أجدك "
ضحكت وقلت " قل متى أجدك وليس كيف "
ضحك وقال " بل أنت لا يُعرف لك مكان وليس وقت "
قلت ونظري على الحاسوب " أنا في القصر الآن سأطلب من
الخادمة أن تدخلك لجناحي "
قال بعد صمت " لما لا تنزل لي قد يتضايق أحد من دخولي "
قلت " لن يتضايق أحد والدتي عند صديقة لها وزهور في غرفتها
ثم أنت ربِيت مع العائلة من سيعترض دخولك هيا ولا تكبر
المسألة أم تراني طفلا أمامك ولا كلمة لي في هذا المكان "
قال من فوره " أبدا لم أقصد ذلك فقط أنا .... "
قاطعته قائلا " سأخبر الخادمة لتوصلك لجناحي وانتهى الأمر "
قال بهدوء " حسنا سأصل القصر بعد لحظات "
*
*
جابر سيزيد توتري بأن أفتح معه الموضوع عنده , أعرف الرد
جيدا ولن تكون هذه الأولى فلم أرجع من سفري إلا لشيء واحد
أن تكون زهور لي أو أهاجر للأبد هذه المرة
وصلت القصر ووجدت الخادمة في انتظاري عند الباب فقلت
" مرحبا أنا رضا "
قالت من فورها مشيرة بيدها للداخل " نعم تفضل السيد بانتظارك "
دخلت أتبعها ببطء , لم أدخل هذا القصر منذ سنوات ومازال كما كان
هم يحافظون عليه كما بناه والدهم تماما , صعدت بي الخادمة للأعلى
لا أكذب لو قلت أني تمنيت مقابلتها ولو بالمصادفة رغم علمي أنها
لا تغادر غرفتها أبدا , وصلنا الجناح فوقفت الخادمة وقالت
" هنا جناح السيد يمكنك الدخول "
ثم غادرت من فورها وطرقت أنا على الباب عدة طرقات وفتحته
ثم دخلت كانت الردهة فارغة تماما ولا أحد بها , أغلقت الباب
واقتربت للداخل وكان صوت المياه يخرج من جهة الحمام الفردي
لابد وأنه يستحم , جلست على الأريكة وشغلت التلفاز , بعد قليل
انفتح باب الحمام وخرج منه يلف المنشفة على خصره فقلت بضحكة
" من قال لك أن إحدى النساء هي من ستزورك الآن لتغريها بعضلاتك "
ضحك واقترب مني فوقفت وتصافحنا وقال ضاحكا
" العضلات لا تغري يا وقح هي تخيف فقط "
جلست وقلت بابتسامة " غبي ولا تعرف عن عالم النساء
شيئا فهلا سألت نفسك لما ننام جميعنا في أندية الرياضة
ونربي ولو عضلة صغيرة "
ضحك وقال وهوا يجفف شعره بالمنشفة الأخرى
" ظننتكم تبحثون عن الصحة لا التباهي أمام النساء "
ثم توجه لغرفته وأغلق الباب خلفه وغاب لوقت قليل ثم خرج
مرتديا ملابس عمله فقلت " يبدوا جئت في وقت غير مناسب "
فتح الثلاجة الصغيرة في الزاوية وقال " أبدا أمامي وقت
كافي , ماذا تشرب "
قلت ونظري على التلفاز " لا شيء دعنا نتحدث قليلا فقط "
جلس بجواري وقال وهوا يأخذ مني جهاز التحكم
" ألازلت كعادتك مدمن للبرامج الوثائقية "
وضعت ساق على الأخرى وقلت بضحكة " وما الذي سيغيرني "
قال بابتسامة " ضننت الحياة في الخارج ستغيرك "
تنهدت وقلت " الحياة في الخارج لا تغير هي تحطم فقط "
نظر لي باستغراب فقلت بابتسامة " لا تفهم قصدي كما يحلو لك
أقصد تحطم النفسية فالغربة عن الوطن والأهل أمر صعب ومدمر "
قال وقد عاد بنظره للتلفاز " وما أطرك لهذا إذا "
قلت بهدوء " هروب من مرارة لأمر منها "
قال بضيق " أترك عنك حركات الأدباء وأخبرني
ماذا تريد قبل أن أطردك "
ضحكت وقلت " ستكون طردة مقبولة منك وأستحقها , كنت
أود التحدث معك في موضوع شقيقتك زهور "
قال ونظره لم يغادر التلفاز " مجددا يا رضا "
نظرت للأرض وقلت بشبه همس " لم يغب الأمر عن بالي يوما يا جابر "
تنهد وقال " هذه المرة لن تقف والدتي فيه ... أعدك "
نظرت له بصدمة فقال بهدوء " في المرة السابقة طاوعتها وتركتها
تختار هي من تريد من العدد الكبير الذي تقدم لخطبة زهور وكانت
النتيجة مؤسفة , هذه المرة زهور وحدها من ستقرر "
بقيت أنظر له غير مصدق فنظر لي وقال " لكن لن أضمن لك موافقة
زهور فحالتها منذ زواجها الفاشل ذاك لا تسر أحدا وعليك أن تعلم "
غادرت بنظري منه للتلفاز وقلت بهدوء
" أعلم كل شيء ولا أمانع , فقط لتوافق هي أولا "
ضحك وقال " سحقا للحب وأفعاله "
نظرت له وقلت بضيق " جابر احترم نفسك أفضل لك "
ضحك وأشار لي بأصابعه كشكل سلاح وقال " تصمت أو قتلتك "
ضحكت وقلت " أراني الله فيك يوما وقد دمرك عشق امرأة "
وقف وقال وهوا يثبت سلاحه في الحزام
" إن فقدت عقلي وفعلتها سأستحق ما يأتيني حينها , عشق النساء
لكم أنتم معشر الكلام والغرام نحن لا نفع منا سوى لإنجاب الأولاد "
وقفت وقلت ضاحكا " لا تتزوج أبدا رجاء "
لكمني على عضلة صدري بقبضته وقال " بل يبدوا أني سأفعلها قريبا "
ضحكت كثيرا ثم قلت " وأين كلامك السابق "
رفع قبعته وقال " للضرورة أحكام وأخبرتك أني لست
للنساء ومقتنع تماما بذلك "
ثم قال مغادرا " سأتحدث مع زهور في الأمر وسنلتقي
يوم العيد ونتحدث حسنا "
ثم خرج وتركني دون حتى أن يسمع ردي , أغلقت التلفاز
وخرجت من الجناح وأغلقت الباب , أعلم أن زهور لن توافق
لكن لا بأس المهم والدتها ابتعدت عن الموضوع , سلكت الممر
حتى نهايته ولمحت في الممر الآخر شيء شد انتباهي وجعلني
أقف متسمرا لوقت ثم غيرت وجهتي وعبرت ذاك الممر وكان
ما رأيته حقيقة فعلا ... زهور بل ليست زهور هي طفلة كزهور
لا بل زهور حين كانت طفلة , آه هل وصل بك الجنون هذا
الحد يا رضا بقيَت الطفلة تنظر لي باستغراب لوقت مختبئة
خلف الباب ثم ابتسمت ولوحت لي بيدها فمددت يدي
وقلت " تعالي "
هزت رأسها بلا دون كلام فقلت بابتسامة
" أنا صديق جابر لا تخافي مني لن أؤذيك "
خرجت من خلف الباب واقتربت مني ببطء حتى وصلت عندي
فنزلت لها للأرض وأمسكت ذراعاها وقلت
" من أنتي أيتها الجميلة "
قالت بابتسامة " بيسان "
هي ابنة جابر إذا لهذا تشبه زهور بل هي نسخة عنها في
صغرها يآآآآآه لو تعلمي يا صغيرة أنك عدتِ بي سنين كثيرة للوراء
ضممتها لصدري بقوة وكأني أحضن تلك الطفلة التي رحلت مع السنين
وكأني أضم الماضي والحلم الذي ضاع مع الريح , طوقتها بذراعاي
أشدها لحضني بقوة أستنشق رائحة الفراولة من خصلات شعرها الذهبية
حتى الرائحة ذاتها الصوت الابتسامة الجسد كل شيء ... كل شيء
كنت احضنها وأتنفس عطر شعرها بخدر كالمدمنين حتى
قالت بهمس مخنوق " أنت تخنقني "
أبعدتها عن حضني وأمسكت وجهها وقلت " هل تحبين الطيور يا بيسان "
قالت بسرور وهي تجمع كفاها معا " نعم كان لدينا عصفورا صغيرا
أحبه جدا أحضرته ماما لي ولكن ترف حممته بالماء والصابون
فمات وبكيت عليه كثيرا ثم دفناه نحن وماما "
قلت بابتسامة حزينة " وتحبين الحلوى وتسرقينها
لتأكليها لأنها ممنوعة عنك "
قالت بعد ضحكة " كيف علمت "
مسحت على خدها بظهر أصابعي وقلت بابتسامة
حزينة " نعم تشبهينها في كل شيء "
قالت باستغراب " من هي !! "
قلت وأنا ألعب بخصلات شعرها بين أصابع يدي
" حبيبتي وأميرتي التي تسكن وحدها في قلبي "
نظرت لي مطولا بحيرة ثم قالت " لم أفهم "
وقفت وقلت بابتسامة " هذا أفضل ... وداعا الآن يا بيسان "
هممت بالمغادرة حين قالت " وما أسمك أنت "
قلت مغادرا " رضا "
*
*
غادرت القصر والمدينة لمكتبي فورا , هذه المرة الجريمة ليست
في المصنع لكن ذات الحلقة المفقودة صلة المقتول بالمصانع والهند
أيضا في الحكاية , سيكون عليا المغادرة لتلك المدينة لأتابع القضية
دخلت المكتب لأجمع بعض الأوراق ورفعت الهاتف وقلت
" من غادر من الفريق إلى هناك "
قال من فوره " لا أحد لم تصلنا الأوامر منك "
قلت " إذا انتقلوا للمكان فورا الطريق طويل وسيأخذ
وقتا , هل نقلو الجثة لمعمل التشريح "
قال من فوره " نعم سيدي "
أغلقت الخط منه على طرقات على الباب ثم دخل من كان
خلفه ضرب التحية فقلت " ماذا حدث معك "
نظر للأوراق في يده وقال " خرجت من منزلها عند السابعة
وبحثت عن عمل , تجولت في خمس محال لبيع الملابس مدونة
عندي جميعها , وسوق لبيع الخضار ومجمع للتسوق ثم
عادت لمنزلها عند الظهيرة وعند الخامسة خرجت وزارت
المدعوة سوسن , لم تدخل بل تحدثتا معا قليلا عند الباب ثم
عادت للمنزل وعند السابعة والنصف زارتها الجارة التي
تقطن في المنزل الثالث يمين منزلها وأسمها أحلام النصري
متزوجة ولديها ثلاث أطفال بقيت عندها حتى التاسعة
وغادرت من عندها وهذا كل شيء "
غادرت من أمامه في صمت فقال وهوا يستدير لوجهتي
" هل نقوم بالخطوة الثانية سيدي "
قلت مغادرا المكتب " لا ليس الآن "
غادرت بعدها المكتب والمدينة ولم ارجع إلا منتصف الليل
ودخلت القصر منهكا حد الانهيار ولكن عليا مقابلتها الآن فالعيد
بعد الغد وقد لا أجد غدا الوقت المناسب , توجهت لغرفتها دون حتى
أن أغير ملابسي طرقت باب الجناح ولا مجيب فتحت الباب ودخلت
ولم يكن هناك احد توجهت جهة الغرفة وطرقت الباب عدة طرقات
فوصلني صوتها قائلة " تفضل "
فتحت الباب ببطء وكانت تجلس على حاسوبها , نظرت لي
بصدمة وحيرة فقلت بهدوء " هل نتحدث قليلا يا زهور "
بقيت لوقت تنظر لي دون أي رد فعل ثم أومأت برأسها موافقة
فدخلت وأغلقت الباب وجلست على الكرسي الأقرب لها , لن افتح
معها موضوع عزلتها طبعا لأني أعرف النتيجة , قلت بعد صمت
" أحدهم تقدم لخطبتك وأنا جئتك مباشرة والرأي لك وحدك "
نظرت لي بحيرة ثم قالت " ولم تخبر والدتي !! "
هززت رأسي بلا فقالت باختصار " ولما "
قلت وقد شردت بنظري بعيدا عنها " لن يتدخل أحد في هذا
الأمر من اليوم وصاعدا والقرار لك وحدك يا زهور "
قالت مباشرة " وهل تعلم كم سيغضبها هذا "
غريب أن زهور تأخذ وتعطي معي في الكلام على غير
عادتها مؤخرا حين تختصر اللقاء بصمتها التام مهما قلت
لتفهم أنه عليك المغادرة وتركها وحدها
تنفست بقوة وقلت " أمور الزواج في هذا القصر ستخرج
من روتينها الفاسد فجميع اختياراتها باءت
بالفشل سواء أنتي أو أنا "
لاذت بالصمت فقلت " مؤكد أنك تعلمي أنه خطبك أكثر من
شخص بعد طلاقك وأمي رفضت الجميع أليس كذلك "
نظرت جهة الحاسوب وقالت بهمس " نعم "
ضغطت على عيناي محاولا تبديد بعض الإرهاق منهما
ثم قلت " ما رأيك أنتي الآن "
نظرت لأصابعها وقالت " من الخاطب "
قلت بهدوء " رضا شقيق أميرة "
بقيت تنظر لشاشة حاسوبها دون كلام لوقت فقلت " هوا شاب
جيد خطبك في السابق مرارا لكن والدتي رفضت وهوا عاد
الآن من سفره وفاتحني في الموضوع صباح اليوم "
بقيت على حالها وصمتها فقلت
" أنا أخبرته أني سأعطيه رأيك يوم العيد "
والحال كما هوا عليه الصمت التام فوقفت وقلت
" خدي وقتك في التفكير يا زهور وسأؤجل حديثي معه
لبعد العيد وأعطني رأيك متى أردت ذلك "
ثم غادرت غرفتها وجناحها وتوجهت لجناحي استحممت
ولبست ثياب النوم وللسرير مباشرة ونمت من فوري
*
*
كنت أرى خمس خراف يقفزون حولي وأنا أنظر لهم بسرور
حتى قفز عليا واحد منهم وأمسكني من عنقي ثم بدأ يقول بتذمر
" بتول استيقظي بسرعة ما كل هذا الكسل عليك مساعدتي "
قلت بهمهمة " أممممم أمي اتركيني "
وصلني صوتها الغاضب " أنهضي بسرعة الأعمال كثيرة وسيأتي
والدك بعد قليل من المسجد ليغادر مع جابر ومعتصم وخالك لذبح الأضاحي
وأنتي كالبانده لا تعرفين سوى النوم , انهضي لتعيدي عليهم "
وضعت الوسادة على رأسي وقلت " اتركيني أنام قليلا لقد كسرتِ
لي ظهري البارحة بالأعمال , أمي الرحمة أرجوك الرحمة "
سحبت مني الوسادة وقالت " انهضي بسرعة وغيري ثيابك لنجهز
الحلويات والعصائر لأنهم سيأتون بعد قليل , بسرعة هم
يعرفون أنك كسولة لا داعي لأن يرو بأنفسهم "
جلست وقلت باستياء " كسولة كسولة ولا أنفع لشيء حفظتها
أمي استبدليها بغيرها من أجل الروتين فقط "
بقيت واضعة يديها وسط جسدها تنظر لي بضيق فقلت وأنا أعد
على أصابعي " عليا أن أحمم مصعب وعدي وألبسهما ملابس العيد وأن
أجهز الحلويات وأعطر المجلس وأن أغير ثيابي وأعيّد عليهم
حاضر أمي ولكن الأخيرة امسحيها من القائمة لأني لن أصافح
يد ذاك المتعجرف ولن يسمع مني تهنئة بالعيد "
قالت بحدة " رغما عنك ستعيدين عليه هل تريدي إحراج والدك أمامهم "
غادرت السرير وأنا أتمتم بضيق " كم أتمنى أن تنكسر ساقه ولا يأتي إلينا "
نزلت للأسفل ووجدت مصعب يلعب بوسائد الأرائك كعادته فضربته
طبعا كعادتي وسحبته من يده لغرفتهم حممته وألبسته ثيابه على صوت
توعده لي أن يخبر أمي أنني أضربه , نظرت للخلف وقلت
" عمر لما لم تغير ثيابك حتى الآن "
قال بلامبالاة " قلت من البداية أني لا أريدها ولن البسها "
وقفت واضعة يداي وسط جسدي وقلت " تعلم أن والدي سيغضب
منك ومعه حق في أن لا تشتري ثياب الشحاذين تلك "
قال بضيق " ليست ملابس شحاذين أنا أحب ذاك اللاعب فما المانع أن
أرتدي ثياب فيها صورته الجميع يلبسها "
أوقفت مصعب أعدل له قميصه وقلت ببرود
" تحمل النتائج إذا ولا دخل لي فأنت لست من ضمن لائحة أعمالي اليوم "
غادرت بعدها من الغرفة وأنهيت باقي أعمالي وغيرت ثيابي ولبست
حجابي وما هي إلا لحظات ودخل والدي وخالي وابني عمي
قبلت رأس والدي وهناته فقال ماسحا على رأسي
" وأنتي بخير يا بتول يحفظك الله يا ابنتي "
قبلت يده وقلت " ويحفظك لي دائما فوحدك تحبني "
عيدت بعدها على خالي رضا كما أحب حين كنت صغيرة بأن
حضنته وقبلت كتفه فضحك وقال
" وأنتي بخير يا بتول أراني الله لك عروسا "
مددت شفتاي مستاءة وقلت " ما بك كالعجائز هكذا "
ضحكوا وقال جابر " أمازلت كما في صغرك تكرهين هذه الدعوة "
قلت ببرود " نعم لقد كرهت الرجال بالضعفين أيضا "
ثم مددت يدي له وصافحته قائلة " كل عام وأنت بخير "
قال بابتسامة " وأنتي بخير يا بتول "
ثم مددت يدي جهة معتصم فمد يده وعايدته بتمتمة وسحبت يدي منه
بسرعة لكنه امسكها بقوة وقال " لم أسمعك أعيدي "
قلت بضيق " كل عام وأنت بخير يا معتصم "
ترك يدي وقال بابتسامة جانبية " جيد ظننتك دعيتي علي "
قلت باستغراب مصطنع " أبداً ... أنا أدعوا عليك "
قال بابتسامة جانبية " أقسمي أنك لا تدعين علي دائماً "
ضحك خالي رضا وقال " زوجوهما لبعضهما علهما يرحمان بعض "
نظرت له بصدمة وضحكوا جميعهم والسيد معتصم أول الضاحكين طبعاً
فغادرت قائلة " أنا لن أتزوج أبدا أبحثوا له عن زوجة غيري تعجبه وليست علكة "
وتركتهم ووالدتي وخرجت , لا أعلم لما خالي رضا يحب فتح هذا الموضوع
السيئ ويضعني في مثل هذا الموقف المحرج أمامهم
*
*
ما أسوء صباح هذا العيد لا ضحكاتهم ولا أصواتهم ولا ملابسهم
في كل مكان , وحدة ... لا شيء حولي سوى الفراغ حتى كلمة كل
عام وأنتي بخير ماما حرمت منها وضاعت كما الكثير غيرها
وآخرهم وضيفتي التي لم أجد بديلا لها مهما بحثت , منذ أن دخل
ذاك الرجل حياتي حولها لكابوس مخيف بل لسلسلة من الكوابيس
أقسم أني أحب الأطفال وأريدهم لكن ليس زوجة لذاك ولا زوجة
ابن لوالدته تلك , مسحت بقايا دموعي وتنهدت بحزن ووقفت
ودخلت المطبخ أجهز أي شيء أتسلى به بعدما أمضيت اغلب
الصباح نائمة هربا من هذه الوحدة
ترى كيف قضوا اليوم , من اهتم بهم وحممهم وألبسهم ثيابهم
أم المربيات كالعادة مؤكد هم ومن غيرهم مثلا تلك الصخرى العظمى
أم ابنها الصخرة الصغرى , خرجت من المطبخ دون أن أفعل شيء فيه
وتوجهت نحو السلالم لأصعد لغرفتي فسمعت خطوات كثيرة تركض
خلفي وأصواتهم ينادونني بماما , خفت أن ألتفت وأجده حلم صوره
لي عقلي فالتفت ببطء وشهقت من الصدمة وأنا أراهم أمامي ثلاثتهم
فنزلت للأرض على ركبتاي وفتحت ذراعاي لهم وضممتهم لحضني
ثم حضنتهم وقبلتهم واحدا واحدا وكأني في حلم تحول لحقيقة
ما أقساه من شعور شعور الفقد وما أجمله حين يختفي في لحظة
انتبهت من غمرة احتضاني وتقبيلي لهم للساقان الواقفتان بالمقربة
منا فوقفت ومسحت دموعي وقلت ونظري للأرض
" آسفة لم أنتبه أنك دخلت معهم كل عام وأنت بخير وشكرا
لإحضارهم لي هذه كانت أجمل مفاجأة اليوم "
عليا أن أتصرف كما قالت سوسن فقد يصبح أبعده الله عني
زوجي بالفعل وأكون بنيت المشاكل بيننا منذ الآن
قال بجدية " وأنتي بخير , سأتركهم معك لدي أعمال كثيرة
في مكتبي وسأمر بهم عند العصر "
قلت بامتنان " شكرا لك وكن مطمئنا عليهم "
قال مغادرا " أعلم أنهم في أيدي أمينة لما كنت أحضرتهم "
قلت موقفة إياه " سيد جابر "
وقف والتفت لي فقلت " هل يمكنني أخذهم لصديقتي وطفليها
ككل عام وأخرجهم معنا للحديقة "
قال مغادرا من جديد " لا باس , لا تتعبوا والدتكم مفهوم "
قالوا معا " مفهوم بابا "
وخرج من المنزل وأغلقه , طبعا لا حسيب ولا رقيب عليه يدخل
ويخرج كيفما يريد ووقت ما يشاء
عدت لاحتضانهم مجددا غير مصدقة لما أراه أمامي حمدا لله الذي
أبدل هذا اليوم المليء بالبؤس في لحظة لسعادة وسرور
دخلت بهم للمطبخ وهم يتحدثون عن كل شي وأنا أستمع لهم بحب
أجلست ترف على الكرسي فقالت بحيرة
" ماما بابا رأى شعرك !! "
وضعت يدي على شعري وتذكرت حينها فقط أني كنت بلا حجاب
لكن اللوم ليس علي بل على ذاك الأحمق والدكم , تنهدت بضيق
وقلت " لم أكن أعلم أنكم ستأتون الآن لكنت ارتديت حجابي "
قالت بيسان " ولما لم يخبرك والدي أننا قادمون "
آه ليتك تساليه هوا هذا السؤال عله يقتنع أنه يخطئ بما يفعل
قالت ترف من فورها بابتسامة ومغيرة مجرى الحديث
" جدتي يأتيها الكثيييير من النساء فيهم واحدة مخيفة جدا "
ثم تمايلت بجسدها وقالت " تلك التي تمشي هكذا ... الطويلة "
قلت بعتب " ترف عيب بنيتي كيف تقولين ذلك "
قالت بيسان وهي تكتم ضحكتها بيدها الصغيرة
" ترف سكبت لها العصير على ثوبها وغضبت جدتي كثيرا "
قالت ترف بضيق " لم أسكبه عليها بل كم فستانها الطويل
سحب كأسي فأمسكته لكي لا يقع "
ثم لوحت بيدها وقالت " فوقع على فستانها "
لم أستطع إمساك ضحكتي , تلك العجوز لن تصنع منهم ما
تريد مهما حاولت فلن تسبب لنفسها ولهم سوى المتاعب
قال أمجد " يذبحون الكثير من الخراف ماما , ذبح والدي ثلاثة
وعمي معتصم واحد وعمي منصور اثنان وخال بتول واحد "
قالت بيسان بضيق " بابا أخذ أمجد فقط معه ونحن لا "
مسحت على شعرها وقلت " أمجد رجل حبيبتي أنتم لا تذهبون
حيث العمال والخراف والأوساخ "
قال أمجد بهدوء " العيد ليس جميلا بدونك أبدا "
ابتسمت وامتلأت عيناي بالدموع وغمرتني السعادة أنهم افتقدوني
ورأوا العيد ناقصا بدوني رغم الأجواء الجديدة التي عاشها أمجد تحديدا
أكلنا الحلوى وخرجنا لزيارة سوسن ككل عام , وصلت لمنزلها قرعت
الجرس ففتحت لي وشهقت بصدمة وهي تنظر لهم معي ثم
نظرت لي وقالت " هل تزوجتِ والدهم دون علمي "
عضضت شفتي مهددة لها لتسكت أمام الأطفال فضحكت واحتضنتهم
واحدا واحدا ودخلنا منزلها فهي تقضي العيد مع زوجها وأبنائها
لتذهب في الغد لمدينة عائلتيهما لأنها بعيدة عن هنا
*
*
اتصلت به للمرة العاشرة بعد المئة فأجاب أخيرا فقلت بتذمر
" ما بك يا رجل لو كنت رئيس البلاد لأجبت عليا منذ وقت "
ضحك وقال " كنت مشغولا قليلا آسف "
قلت بضيق " نعم جد لي تصريفه ككل مرة , قل الآن ما كان جوابها "
قال " لاشيء "
قلت بصدمة " ما تعني بلا شيء !! "
قال " دعنا نتحدث لاحقا "
قلت من فوري " هيه جابر تحدث الآن أعلم أني لن أراك قبل أيام
ثم أنا سأغادر المدينة اليوم "
قال بهدوء " لقد تحدثت معها ذات اليوم الذي حدثتني فيه "
قلت " نعم وما كان ردها "
قال " لم تجب علي بشيء "
قلت بحيرة " وما معنى هذا هل هي موافقة "
قال " لا أعلم زهور حين تسكت ولا تجيب عن الكلام يعني أنها
لم تعد تريد السماع ولا التحدث , أخبرتها أني سأنتظر جوابها متى
ما قررت فعليك بالصبر فقط "
قلت بتذمر " بربك جابر لا تتركني معلق هكذا بين السماء والأرض "
قال باستعجال " بالنسبة لي لم أتوقع منها حتى الصمت بل الرفض
التام لأني اعرف حالتها جيدا وما مرت به لم يكن سهلا , وداعا الآن عليا
أخذ الأطفال والعودة بهم الآن للقصر نتحدث عندما تعود حسناً "
تنهدت وقلت " ولما لا نتحدث الآن "
قال من فوره " سأنزلهم عند الباب وأغادر فورا لا يمكن ذلك اليوم هيا وداعا "
قلت بهدوء " أمري لله وداعا "
دسست هاتفي في جيبي واقتربت من باب القصر الخارجي
ترى أمازالت تزور حديقة والدها تلك كل عيد وتسقيها من ماء زمزم
كما كان هوا يفعل , أذكر في آخر عيد قبل زواجها وسفري فعلت ذلك
ترى هل أجدها هناك أم العزلة أنستها حتى هذا
دخلت وتوجهت من فوري لذاك المكان في وسط الحديقة تحديدا ووجدتها
بالفعل هناك .... زهور حبيبتي أرها عن قرب لأول مرة منذ أعوام
تجلس على حافة حوض الأزهار ويدها تلعب بالماء في النافورة التي
تتوسط الحديقة وبجانبها المسقاة النحاسية الخاصة بوالدها , إذا هي
لم تنسى فعل ذلك وخرجت من سجنها أخيرا , اقتربت ببطء
كانت خصلات شعرها تخفي وجهها وملامحها ولا أرى سوى
جسدها وذراعاها المكشوفان من فستانها الطويل الحريري كعادتها التي
حببها والدها فيها , شعرتْ بخطواتي فنظرت باتجاهي مباشرة وبصدمة ثم
وقفت تنظر لي فقلت بهمس المشتاق المتلهف " زهور "
بقيت على صمتها وعيناها في عيناي ذاك البحر الأزرق الجميل
الهادئ الذي يهيّج موج مشاعري بأعاصيره , حبيبتي وحدي
جميلتي وفاتنتي , اقتربت منها حتى بات لا يفصلنا سوى خطوة واحدة
ومددت يدي دون أدنى تفكير وكأنها لازالت الطفلة المسموح لي
بالاقتراب منها كل حين , لمست بأطراف ظهر أصابعي خدها الناعم
وأغمضت عيناي بهدوء وقلت بلهفة وهمس
" مشتاق لك يا زهور لا تتصوري كم أنا مشتاق "
قالت بهمس وصلني بوضوح " كاذب "
فتحت عيناي أتنقل بهما بين عيناها وقلت بحزن ويدي تحتضن خدها
" بل تعلمين أني لا أكذب يا زهور "
ابتعدت عني للخلف بضع خطوات وابتسمت بسخرية وقالت
" بل كاذب ولم أعرف منك إلا الكذب , أنت حدودك مخيلتك فقط يا
رضا , حدودك غرفتك وأوراقك وحبر أقلامك , تكتب
الأكاذيب والجميع يصدقك عداي أنا "
لم يلتقط دماغي من عبارتها المليئة بالشتائم سوى اسمي
نعم اسمي من شفتيها بعد كل هذه السنين وأخيرا
, نظرت للأرض وقلت بابتسامة حزينة
" بل أحبك يا زهور وليس اليوم ولا الأمس بل من سنين طويلة "
ثم أشرت بأصبعي على جزء معين والأبعد من الحديقة وقلت
" وذاك المكان يشهد وتلك الشجرة
وحتى السور والطيور وحشائش الأرض كلها
عاشت معي حبي لك منذ كنتي طفلة "
أبعدت خصلات شعرها الذهبية عن عنقها لتكشف عن جرح في
نهاية فكها تحت أذنها وقالت بألم " وهذه عن ماذا تشهد ؟
هل تعلم ما يكون هذا ومن السبب فيه "
ثم ابتسمت بسخرية وقالت " سببه الزوج الذي اختارته لي أمي
ومن أول ليلة لي معه , لا بل أنت السبب فيه "
ثم أبعدت يدها عن شعرها وقالت " وتريد أن تتزوجني يا رضا
تريد أن ترى باقي هذه العلامات في كل جسدي "
أحسست حينها بألم يضرب قلبي بقوة حتى كادت أنفاسي تتوقف وأنا أتخيل ما
حدث لها وما لقيت من ألم , لماذا يا زهور لما فعلت ذلك لماذا
قلت بهمس خافت " لماذا تزوجته لما "
قالت بضيق " وما كنت تنتظر مني وما كنت سأنتظر منك , لقد دمرتني
قضيت علي تماما لم أرى منك سوى الرسائل التي تخبرني فيها
أن لا أتزوجه وأني لا يمكن أن أكون إلا لك ولا يمكنني الزواج بغيرك
ولم تكلف نفسك في إحدى أوراقك تلك أن تشرح لي ما حدث يومها
بل تركتني أعرفه من ذاك الرجل "
نظرت لها بصدمة , ما تعني بأني لم أكلف نفسي شرح ما حدث
كيف وما معنى كلامها , فتحت فمي لأتحدث فمدت يدها أمام وجهي
وقالت " لا تتعب نفسك لا أريد سماع أي تبرير على جرمك نحوي
كنت طفلة ولم تكن أنت سوى عابث تحت قناع عاشق وسقط
القناع وكسرني أنا وحطم جسدي قبل قلبي "
ثم غادرت من أمامي واختفت في لمح البصر , انتظري يا زهور
ما معنى ما تقولي انتظري فلن أجد فرصة غيرها لأتحدث معك
ركضت جهة اختفائها ولم أجدها , غريب أين ذهبت ومن
سيشرح لي ما عنته بأنها لم تكن تعلم وأني لم أشرح لها
أمسكت رأسي بيداي وأغمضت عيناي بألم
لهذا تزوجته إذاً , لهذا انصاعت لأمر والدتها ... كانت لا
تعلم أو لم تفهم , سحقا لك يا رضا ومن سيفهمها وهي لم تعرف
غيرك ووالدتها وإخوتها
*
*
كان اليوم لا ينسى بالنسبة لي ... يوم كأيامي السابقة معهم ولكن
لكل شيء جميل نهاية فعند العصر كان والدهم هنا كما قال
ليته يختفي من حياتنا ويتركهم لي هنا لكنه إن اختفى لن تعطيهم
لي جدتهم وسأحرم حتى من هذه الزيارات البسيطة ولو كل عيد
وقف عند منتصف المنزل وقال مادا مفاتيح السيارة لأمجد
" أركبوا السيارة وأغلق الباب جيدا كما علمتك سابقا
سأتحدث ووالدتكم قليلا "
نهاية الفصل
طبعا الفايرزة بهدية التوقع هي طالبة هندسة إلي توقعت إن جابر
بيطلب مقابلة سما يعني ندوش وفيتامين بيختاروا هديتهم وينكشف
لهم أي حدث يختاروه في أي جزئية فيا لفصل القادم وتستاهلوا يا حلوين