يسعد صباحكم جميعا
قبل ما نبدأ بالفصل اعتذر على تأخري لأني خلصت كتابة
الآن فلو لاحظتوا أي خطأ أو تقصير فيه فالتمسوا لي العذر
لأن أواخره لم أراجعها أبدا
ثانيا الأخت في المنتدى الآخر زهرة القمر وكل من سال هناك
عن خلف أسوار المدينة للآن ما قررت إما بتكون شخصية من
أبطال رواية جديدة أو بتكون مستقلة والمرجح هوا الخيار
الأول إن شاء الله
ثالثا الفصل هالمرة ما فيه تقسيم لثلاث جززئيات مثل السابق
الفصل الثاني و الثلاثون والأخير
بعد مرور ثلاثة أشهر
اقتربت منها وهي تعطيني ظهرها سارحة في شيء ما في
الخارج أمام نافذة غرفتها بل يكاد يكون المكان الوحيد الذي
تتصل به مع العالم الخارجي تقف بثوبها الفضفاض رغم
أن حجم بطنها لم يكبر كثيرا حد أن ترتدي ملابس واسعة
وضعتُ يدي على كتفها وقلت مبتسمة
" ماذا تشاهدين كل هذا الوقت "
قالت بهدوء ونظرها على الأطفال عند الرصيف
" ترى هل سيصبح ابني يوما يلعب هكذا مثلهم "
اتكأتُ برأسي على كتفها وأحطت خصرها بذراعي وقلت
" بالتأكيد وابني معه وسنمضي اليوم نفك أيديهم من شعر بعض "
اكتفت بابتسامة صغيرة ولم تعلق فقلت " وسن ماذا
قررت بشأن ما تحدثنا عنه البارحة "
نظرت للأسفل وقالت " لن أغير كلامي يا فرح على جواد
أن يعود لدراسته ما أن يبتدئ الفصل الجديد هناك لن
أسمح له أن يضيعها بسببي "
ابتعدت عنها ونظرت لها وقلت " ليس بسببك هذا من أجلك
وفرق كبير بينهما ثم هوا لم يشتكي حتى لي ولا لك ولن يوافق
نواس أن تسافري معنا ولا أن تبقي وحدك هنا ولن توافقي
أنتي على الرجوع له "
ابتعدت عن النافذة وجلست على السرير وقالت
" من حقي أن أقرر مصيري وأكمل دراستي وعلى
جواد أن يسافر إن كنت معكم أو لا "
تنهدت بيأس ثم توجهت نحوها وجلست أمامها وقلت
" وسن هل يرضيك أن يأخذ نواس ابنك منك ويحرمك منه
من حق نواس أيضا أن يراه ويربيه فلا تتخيلي فرحته حين أخبره
جواد أنك حامل حتى أنه بنا في حديقة منزله ما يكاد يكون مدينة
ألعاب من أجله على أمل أن تعيشا معا هناك أو يراه حتى أيام معينة
في الأسبوع , وسن لا تقسي على نفسك وعليه معك أنظري كيف
يأتي دائما على أمل أن يتحدث معك فقط وما أن نخبره برفضك يغادر
في صمت ولم ييأس أبدا , وسن نحن لسنا متضايقان منك ولم يوافق
جواد أن نبقى في شقة والدي على الذهاب لمنزل والده إلا من أجلك
ولم يعد يفكر في السفر من أساسه ولن أوافق أنا على أن أسافر معه
وأتركك ولا أرى فكرة سفرك معنا سديدة ولن يوافق عليها نواس
فلا تنسي أنه زوجك "
أمسكت رأسها وقالت بضيق " ليطلقني ويرحمني إذا أريد أن
أعيش حياتي كما أريد أنا , أسافر أبقى أمر يخصني أدرس
أعمل أموت لا أحد له بي دخل "
ثم رفعت رأسها ونظرت لي وقالت ودمعتها تعانق رموشها
" حتى متى سيسير الجمع للأمام إلا أنا أتراجع للوراء متى
سأعيش كأي بشر له حرية الاختيار تعبت يا فرح تعبت "
حضنتها وقلت بحزن " يكفي يا وسن أنا آسفة لم أقصد إزعاجك
توقفي فما صدقنا أن استغنيت عن المسكنات ورضيت بالعلاج
لن أفتح الموضوع معك مجددا "
ابتعدت عني ومسحت دموعها فأمسكت يدها وقلت
" ما رأيك أن تذهبي معنا لزواج صديق جواد فأنتي أيضا
مدعوة وستغيرين من أجوائك هذه قليلا "
هزت رأسها بحسنا وقالت " سأذهب من أجلك فقط لأني
أعلم أنك لن تذهبي إن لم أذهب معكما "
قلت مبتسمة " بالتأكيد فلن أستمتع بشيء إلا وأنتي
معي يا شقيقتي الصغرى "
ابتسمتْ بحزن وقالت " من يرى كيف تعاملينني لن يقول إلا ذلك "
وقفت وقلت " وما أفعل مع قلبي الذي يحبك "
ثم قلت مغادرة " سأذهب لجواد قبل أن يجن من صراخ ابنه
فأنا وعدته أني لن أتأخر عليه "
خرجت من عندها ووجدته ينتظرني في الصالة فاقتربت
وأخذته منه وقلت بهمس مبتسمة ونظري عليه
" هل نام حبيب ماما ما أجمله يا بشر "
قال بعد ضحكة " فقط لأنه ابنك "
ابتعدت به قائلة ببرود " وهل لديك كلام غير ما قلت
أم فقط لأنه يشبهني "
تبعني حتى غرفته وقال " ماذا كانت النتيجة "
وضعته في مهده ثم وقفت والتفت له وقلت
" لم يتغير من كلامها شيء "
تنهد بضيق وقال " ولا حتى بعدما علمت أنه طلق زوجته
ومن شهرين فما الذي تريده بالتحديد "
قلت بهمس " أصمت جواد قد تسمعك "
قال بضيق " أقسم أن بقائها معنا على قلبي كالبلسم لكن
هذا ليس بعقل وأنتي تري بعينك حال نواس "
هززت رأسي بقلة حيلة ثم نظرت له وقلت
" وافقت أن تحظر الزفاف معنا "
قال باستغراب " حسنا وما المشكلة "
أغلقت باب الغرفة وقلت " يا غبي أليس شقيك سيحضر
أيضا وهوا صديقه مثلك "
قال بحيرة " هل تعني لقاء مدبر بينهما "
هززت رأسي بنعم وقلت " وأخيرا فهمتها , أنت فقط
تحدث معه واترك الباقي علي "
تنهد وقال " أتمنى أن ينجح هذا "
قلت مبتسمة " عليه أن ينجح وعلى شقيقك أن يعرف كيف
يكسب الجولة في صفه فهوا يعلم كما الجميع أن وسن
تحبه ولم تتوقف عن حبه أبدا "
هز رأسه بحسنا وقال " أتمنى ذلك "
ثم نظر لي وقرص خدي وقال " ومنذ متى
تهتمين لنواس هكذا "
أبعدت يده وقلت مغادرة الغرفة " من اجل شقيقتي طبعا
فلا أريد أن تعيش وابنها وحيدان "
*
*
وضع هاتفه على بطني كعادته وبدأ يحركه فضربت له يده
وأنا أراقب والدته الجالسة تنظر للصحن في يدها وقلت بهمس
" معاذ أبعد عني خردتك هذه وكأنك تستكشف الألغام "
ضحك دون تعليق ونظرتْ والدته لنا وقالت " ما بكما
تتهامسان وتضحكان لا يكون كله علي "
ضحك وقال " أمي لن تفلحي أبدا في حركات
أمهات الأزواج "
قالت مبتسمة " ولا ملاك تستحق أن أكون عدوا لها
كل خوفي عليها منك فقط "
ماتت ضحكته وقال بضيق " الله أكبر ضاعت علينا "
ضحكتْ وهزت رأسها وعادت لما تفعل وأعاد هوا هاتفه
على بطني فابتعدت عنه وقلت بضيق " معاذ أقسم أن
أغضب منك ماذا بك معي "
قالت والدته ضاحكة " لا يكن يضنك جهاز شحن "
شعرت بالدماء صعدت لوجهي من الخجل منها وها هي كانت
ترى كل شيء وكله بسبب هذا الأحمق , نظرتُ له ثم لولدته
بمعنى هل ارتحت الآن فضحك وقال " هل هذا جزائي لأني
أبحث عن ابني الذي لم يظهر حتى الآن "
شهقت بصمت من الصدمة وعضضت شفتي أهدده فرفعت
والدته رأسها وقالت " وما بك مستعجل وأنتما تزوجتما للتو "
قال بضيق " ولما لا ؟ أعرف نساء يحملن من ليلة الزفاف "
كاد يغمى عليا من الصدمة مع صوت ضحكة والدته قائلة
" وهل تركت فيها ما يحمل تلك الليلة وأنت كدت تقتلها من
الخوف , لو تأخر ابنك أعوام سيكون بسببك "
حركت له رأسي بمعنى معها حق فوضع ساق على الأخرى
وقال ببرود " أتزوج عليها حينها لا دخل لي أريد أبناء "
نظرت له بصدمة وقلت " خالتي أنظري ما يقول "
ضحكت وقالت " تهديد بلا نتيجة ابني وأعرفه وقالها لي
بلسانه لا يريد غيرك "
نظرت له بنصف عين فقال " أضحك عليها كي لا تشتغل
لي محامي دفاع عنك "
توجهت جهة والدته وجلست بجوارها أحادثها بهمس وهي
تضحك ليس على شيء سوا لأني لم أكن أقول شيئا مفهوما
فحاول جاهدا سماعنا ثم قال " أمي ألن تغيري رأيك
وتذهبي معنا لزفاف معتصم "
وضعت الصحن على الطاولة وقالت " لا طاقة لي على السهر
اذهبا أنتما واستمتعا لما تفسدا سهرتكما لتعودا بي مبكرا "
أخرج هاتفه قائلا " كما تريدين وتحملي النتائج من معتصم "
ثم اتصل بأحدهم وقال " مرحبا جواد ما به نواس هاتفه مقفل "
سكت لوقت ثم قال " ومتى ستقرر شقيقة زوجتك أن ترحمه
لما لا يفكر به أحد أحواله لا تعجبني هذه الفترة ولست مطمئنا "
انتبهت له بتركيز وهوا يقول " لا أعلم أشعر أنه يخفي شيئا
ولست مطمئنا حاولوا تليين رأس تلك العنيدة "
" حسنا رغم أني أعلم انه لا أمل يرجى منها لكني سأخبرها "
ثم أنهى المكالمة ونظر لي وأشار برأسه كي ألحقه ثم توجه
لغرفتنا ودخل وأنا أتبعه وقلت ما أن دخلت
" من تقصد أنها لا أمل يرجى منها "
أمسك وجهي وقبل شفتاي وقال " أنتي طبعا
وصديقتك فجدي حلا لها "
أمسكت يداه المحتضنة وجهي وقلت " حاولت أقسم أني
لم أترك طريقة لم أجربها , لا أحد منكم يعرف وسن مثلي
عنادها غير طبيعي وقد ناقشتها جهدي رغم أني لو كنت
مكانها لفعلت مثلها "
نظر لي بصدمة مبعدا يداه عن وجهي ووضعهما في جيوبه
وقال ببرود " اسمعوا من يتحدث "
قلت بجدية " نعم وأقولها وأعيد تزوج عليا فقط وسترى "
قال " ها هكذا إذا وماذا ستفعلين لي "
كتفت يداي لصدري وقلت " سأخبر والدي طبعا
وللمستشفى يا معاذ "
ضحك بسخرية وقال " هذا إن وقف في صفك "
قلت بحزن " معاذ مزحة هذه أم حقيقة ترى أني بلا سند "
حملني من على الأرض وقال " حقيقة وأنا سندك يا بطتي وزنك
ازداد فضعي في حسابك لا أحب المرأة الممتلئة "
تعلقت في عنقه وقلت " لم تخبرني ماذا كان يريد والدي "
قبل خدي وقال " قال يريد زيارتك "
ماتت ابتسامتي ونظرت له بشيء يشبه الصدمة والخوف
فتوجه بي للسرير ورماني عليه وقال " ما بك وكأن جنيا سكنك "
قلت بتوجس " لم يفكر في زيارتي سابقا فماذا يريد الآن "
رفع كتفيه بمعنى لا أعلم ثم توجه لباب الغرفة أغلقه وعاد
ناحيتي وقفز بجانبي فقلت " معاذ ماذا تفعل هنا
ألم تقل أن لديك موعدا مهما "
سحبني نحوه وقال " نعم لكن ثمة أمر آخر أهم وعلى ابنك هذا
أن يأتي رغما عنه لذلك علينا أن نكثف الجهود "
قلت ضاحكة وأن أحاول الابتعاد عنه " معاذ يا مجنون
اتركني والدتك سيأتيها ضيوف الآن توقف "
ولا حياة لمن تنادي فلو أحمل فقط لأرتاح منه ومن زنه
بل لأسعده مثلما يسعدني وخلصني من اكبر همومي أن
أضيع باقي عمري بين الأقدام وأستغرب سبب طلاقه من
زوجته الأولى ولا أرى شيئا يعيبه
*
*
كنت واقفا عند النافذة أشاهد الأرض المغطاة بالثلوج والمارة
الذين وكأنهم يعبرون فوق التراب بمعاطفهم الصوفية وفراء
قبعاتهم الذي يحضن وجوههم , مكان أسوء ما فيه أنه لا يشعرك
بالانتماء له رغم روعة كل تفاصيله , الجمال الحقيقي هنا هوا
لعب الأطفال بالثلوج فالأطفال لا يتغيروا مهما تغيرت الأمكنة
خطَطّتُ بإصبعي خطاً طويلا على زجاج النافذة الذي يغطيه
بخار تدفئة الغرفة ونظرت لنهايته وابتسمت بحزن ... ثلاثة
أشهر مرت أشعر وكأنها ثلاثون عاما بأيامها ولياليها الطويلة فقد
أمضيتها بين غرف المستشفى وخروجي الوحيد من أجل الجامعة
حياة باهتة الشيء الإيجابي الوحيد فيها أني حققت شيئا من أحلامي
وأسعى للآخر وأخشى أن لا أشعر بلذته أبدا حتى بعدما أحققه
" نزار "
التفت بسرعة لها وتوجهت نحو سريرها فقالت بصوت
متعب " أعطني بعض الماء بني "
أشربتها الماء وساعدتها لتجلس وقلت " نمتِ كثيرا حتى
ضننت أنك سافرتِ في غيبوبة "
قالت بضحكة متعبة " وأنا لم أشعر بأني نمت سوا دقائق "
قرّبت لها صينية الطعام ووضعتها في حجرها وجلست معها
وقربت لها اللقمة لفمها فأكلتها وقالت " لا حاجة لأن تطعمني
بني يمكنني الأكل وحدي يكفيك تعبك معي "
قلت بتذمر " أمي كم مرة سنقول ونعيد ذات الكلام لو أطعمتك
لحمي بيدي فلن أوفيك حقك علي فمن رباني غيرك وتعب
وسهر هل هذا الذي أفعله سيتعبني الآن "
قالت بحنان " يوفقك الله يا نزار ولو من أجل بِرك بي "
أطعمتها لقمة أخرى وقلت " الطبيب حدد وقت العلاج الطبيعي
وستسيرين يا أمي , ستعود لك عافيتك ما أن تجري العملية
الأخرى فقط علينا بالصبر لأشهر معدودة "
قال بهدوء " حمدا لله على كل ما يعطي فلم أتحرك لسنوات فهل
سأتذمر الآن من أشهر بسيطة , أخبرني أنت عن دراستك "
مددت لها كوب العصير وقلت " كل شيء يسير على ما يرام
البداية ليست مُتعبة كما توقعت ومادام لدي اللغة سيتيسر كل شيء "
وضعت الكوب وقالت " الله لا يضيع تعب من اجتهد المهم
أنك حققت حلمك أخيرا وكل مناي أن أراك كما تريد "
أطعمتها ملعقة حساء وقلت مبتسما " لازلت في أول
الطريق وأمامي أعوام لأتخرج "
قالت بابتسامتها الحنونة " وما أسرع ما تمضي الأعوام بني
فوحدهم المرضى ومنتظرين البعيد من يشعرون بطولها "
دخل الطبيب حينها فأبعدت صينية الطعام من حجرها ووضعتها
على الطاولة فاقترب وحيانا وأخذ أوراقها وقال " جميل كل شيء
بعد العملية يسير على ما يرام وسنبدأ المرحلة الصعبة وهي
المشي فهل أنتي مستعدة "
نظرت لي والدتي وقالت " ماذا يقول هذا الأشهب "
ضحكت وقلت " قال أنك في تحسن مستمر وأن تمارين
المشي قد تتعبك قليلا وعليك أن تتحملي الألم في البداية "
تنهدت وقالت " تحملت الكثير هل هذا سيؤثر بي , أخبره
فقط أن يسرعوا لقد كرهت المستشفى "
ضحكت وقلت " ومن كانت تقول قبل قليل متى كتب
الله أن أتعافى فهوا خير "
قالت باستياء " في منزلي وليس المستشفى "
خرج الطبيب بعدما طمئنني على حالتها وتحدثنا عن الخطوة
القادمة ونسبة حاجتها للجراحة الأخرى ثم جلست بجوارها
وأعدت صينية الطعام فقالت " شبعت بني يكفي طعامهم لا يطاق "
قلت مبتسما " لا يعترفون هنا بوجباتنا الدسمة فلا
تنسي أنه مستشفى "
تنهدت وقالت " كم اشتقت لتلك المعكرونة التي تعدها سما
وآكل منها حتى أشبع ترى ما تفعله الآن "
نظرت للأرض بحزن ولذت بالصمت وكأنه ينقصني يا أمي
لتزيديها علي فلن أفكر في نسيانها وأنتي لا تتوقفين عن
ذكرها كل حين , قالت بهدوء " نزار "
رفعت رأسي ونظرت لها فقالت " اتصل لي بها وأنا فقط
من سأكلمها دعني أطمئن عليها "
قلت باستياء " أمي حتى متى سنتحدث في هذا إن كانت
رفضت توديعنا هل ستحدثنا الآن "
قالت من فورها " لها أسبابها وهي لا تعرف أرقامك هنا
فدعني أكلمها وحدي كما قلت لك "
وقفت وأخذت وصفة العلاج وقلت " وهي غيرت رقم هاتفها
أيضا أي أننا لن نعرفه "
قالت باستغراب " وكيف علمت هل جربت الاتصال بها "
حملت معطفي وقلت مغادرا " نعم فلا تفكري في هذا مجددا
لأنه أصبح مستحيلا "
ثم خرجت من المستشفى ولبست معطفي وأمسكته جيدا على
جسدي وسلكت الطريق بخطوات سريعة كي أعبر الشارع
ترى ما الذي يحدث معك يا سما فليس من الطبيعي أن يعاودني
ذات الحلم مرة أخرى وأرى الذئاب تهجم عليك خصوصا أن
قضية والدك انتهت ونال المجرمين جزائهم فما سر هذا الحلم
فأنا لا أعلم عنك شيئا منذ قدومي هنا ولا أحد يمكنه أن يجلب
لي أخبارك , دخلت الصيدلية وأنا أخرج هاتفي وأرسلت
رسالة لمن قد يجد لهذا حلا فما يدريني ما يحدث معها الآن
*
*
خرجت والدتهم من أمامنا وكأن الأمر لا يعنيها وتركتهما معي
فوقفت وقلت بضيق " لا أحد منكم يتحدث عن والدي ووالدتي
ما الذي تريدونه مني أموال ولديكم ما يغطيكم ويزيد حصصكم
من مال جدي وأخذتموها فما تريدون بعد وقلت زواج لن أتزوج
بأحدكم لتحفظوا مالكم حجة سخيفة فأنا أريد أن أنهي دراستي
ولا أحد له الحق ليتحكم بي "
قال بسخرية " عشنا وسمعنا لو سمع أعمامك حديثك هذا
يا طفلة لقطعوا لسانك "
دخل حينها أسامة على ذات المشهد المتكرر وقال بحدة
" حمزة صلاح كم مرة سنعيد ذات الكلام "
رمى يده في الهواء وخرج قائلا " لا يُكبر رأسها غيرك يكفي
مرغت سمعتنا في التراب بأن عاشت عاما كاملا مع رجل غريب "
شعرت بغصة في قلبي واحتقان في عيناي لكني كابرت على
دموعي ككل مرة وأمسكتها بالقوة وصرخت به قبل أن يخرج
" ذاك أشرف من أمثالك وأنا أشرف من أفكارك الناقصة ولم
يتحدث عن هذا أحد سواك من قبل لتقول أني مرغت
سمعتكم في التراب "
وقف عند الباب حيث وصل والتفت لنا وقال بسخرية
" أتبتي لنا العكس إذا ووافقي على أحد أبناء أعمامك لنعرف
سبب رفضك للجميع إن لم يكن هوا من تلاعب بك وتركك وسافر "
تنفست هواءً مُرّا دخل رئتاي كالشوك حتى ملأهما وقلت بجمود
" وذاك غرضكم ولن أحققه لكم لن تلمسوا قرشا واحدا من أموالي
ولو رميتها من الجسر للبحر واقسم أن اشتكي عليكم للعدالة "
قال الواقف أمامي وبسخرية " هه عشنا وسمعنا تشتكي على
عائلتك ليُكتب خبر آخر في الجرائد عنك غير السابق "
أمسكني أسامة من يدي وسحبني حتى أدخلني غرفتي وأغلقها
عليا ولم أسمع بعدها سوا صوت شجاره وأخويه كالعادة كل
نهاية أسبوع بعدما يجتمعوا وباقي عائلتهم
لقد تعبت وسئمت هذه الحياة وأتعبت هذا الشاب معي , لا
أعلم لما أخويه ليسا مثله لقد حشا لهما أبناء عمي الآخر أدمغتهم
وأصبحت أنا وصمة العار ومن ستجلب لهم من سيأكل أموالي
التي يعدونها أموالهم وأنه لا حق لي فيها , صدق نزار حين
خرج من حياتي فلأي وحوش كنت سأجلبه أقسم أن ينهشوه
كالكلاب ويخرجوه وخالتي بذل لم يروه حياتهم ويتكرر معي
ماضي والدي لأترك مالي وأهلي فقط لأرضي قلبي وأكون
مع زوجي , هذا إن تركوني له
جلست على السرير وقبضت على اللحاف بيدي لتنزل الدموع
كل واحدة تلحقها الأخرى وقلت بحرقة " لكني أحتاجه أحتاجك
بجانبي يا نزار لأستمد قوتي منك فانظر لمن تركتني "
ثم انهرت على السرير وغمرت وجهي في اللحاف وذهبت
لعالمي الوحيد الذي يحويني وهوا البكاء , لولا أسامة لا أعرف
ما كان سيحدث لي وما سيفعلون بي هؤلاء فقد ماتت ضمائرهم
من أجل المال فحتى والدتهم لا تهتم لشيء سوا سهراتها وحفلاتها
ولا تتحدث معي إلا للضرورة والضرورة هي دعوة وجهت لي
لأذهب معها وحسنتها الوحيدة أنها لا تعاملني بقسوة
مسحت دموعي على صوت رنين هاتفي وجلست ونظرت
للمتصل فكانت بتول فأجبت عليها فقالت مباشرة
" سما سأنتظرك وعليك أن تأتي فلن أقبل أي أعذار "
قلت بحزن " لا أعتقد ذلك لا مزاج لي لحضور شيء "
قالت بصدمة " ولا حفل زواجي "
تنهدت وقلت " سأفكر وأتحدث مع أسامة لكني لا أعدك "
قالت بحزن " يكفيني غياب الجميع فلا تحرميني من
وجودك أيضا وكوني معي "
قلت بهدوء " ألم يرجع والدك بعد "
قالت مباشرة " لا ولا يبدوا سيرجع قبل موعد الزفاف
ومكتوب لي أن أزف له وحيدة مثله "
قلت " وخالك "
تنهدت وقالت بحزن " سيسافر اليوم "
قلت بهدوء " ولما لم تؤجلوه أكثر فزوجة جابر
لم تخرج من حزنها بعد "
قالت باستياء " إن تبعتها لن تنتهي من الأحزان نريد أن
نغير الأجواء قليلا فلا تتأخري وتأتي على وقت الحفل
مباشرة كالضيوف وداعا "
ثم أنهت الاتصال وكأنها متأكدة من حضوري فرميت الهاتف
جانبا ليطرق أحدهم باب غرفتي فقلت " تفضل "
فدخل أسامة وترك الباب مفتوحا كعادته واقترب مني وقال
" سما لا ترضخي لأحد كما اتفقنا "
هززت رأسي بحسننا ثم قلت بيأس " لكني تعبت من كل
هذا أقسم لو لدي حل يريحهم ويرحمني لفعلته إلا أن
أترك مال والدي لهم "
جلس على الكرسي وقال " وماذا بشأن الدراسة فالعام
سيبدأ خلال أيام "
هززت رأسي بحسنا وقلت " افعل ما تراه مناسبا وأنا موافقة
عليها مادامت من اختيارك فهي في النهاية مدرسة "
قال مبتسما " إذا هناك أمانة لك عليك أن تذهبي لمكان ما لتتلقيها "
نظرت له باستغراب وقلت " لي أنا !! لكن ممن "
وقف وقال " من واحدة تحدثي عنها منذ فترة وسألت لك عليها
هنا وتقصيت أخبارها وعلمت أنها تركت شيئا لك "
ثم قال مغادرا " سأتركها لك مفاجأة حتى نهاية الأسبوع "
*
*
نزلت من على ظهرها وهي لا زالت تسير لتتابع ركضها
ووقفت أنا عند جواد الذي قال " لاحظ أنك لم تعد تركبها
كثيرا وهذا أمر ليس جيدا للخيول "
بقيت أتابعها بنظري دون رد فقال " هل ستذهب
لزفاف معتصم غدا "
نظرت للأرض حيث كنت أبعد حجرا بقدمي وقلت
" لا أعتقد "
قال بهدوء " عليك أن تذهب لترى وسن "
رفعت نظري له سريعا وبقيت أنظر له باستغراب فقال
" تحدثت معها فرح بالأمس ووافقت وهي ستدبر لك الأمر
اذهب هناك في الغد وهي ستتصل بك "
قلت بحيرة " متأكد أن فرح من ستفعل هذا !! "
ضحك كثيرا ثم قفز جالسا على خشب السياج وقال
" نعم وهذه فرصتك بما أنها رضت الخروج "
نظرت جانبا حيث الخيول ووضعت يداي وسط جسدي وقلت
" وهل سأحتاج لكل هذا لأرى زوجتي "
قفز واقفا أمامي وقال " وسن تريد السفر معنا "
نظرت له بصدمة وكنت سأتحدث لكنه سبقني قائلا
" تصر على أن لا أوقف دراستي أكثر وتريد
الذهاب لإكمال دراستها "
ابتسمت ابتسامة تخالط الحزن مع السخرية وقلت
" ولا تقل تريد أن أطلقها إن رفضتْ "
تنهد وقال " نواس عليك أن تجد حلا غير بقاء كل واحد منكما
في مكان فهذا لن يجدي في شيء فكل ما تفعله أنك تذهب وترسل
فرح لها طالبا رؤيتها وهي ترفض وأنت تغادر وعلى
هذا المنوال لأشهر وبلا فائدة "
مررت أصابعي في شعري ونظرت للأعلى وتنفست بقوة وقلت
" وما الحل برأيك أضربها وأجلبها هنا مرغمة "
ثم أنزلت رأسي ونظرت له وقلت " أكبر ضربة قسمت ظهري
يا جواد يوم علمت بسبب قبولها بالصقار وتركها لي تلك الفاجعة
شلتني ولم أعد أريد أرغامها ولا مضايقتها في شيء فأنت لم تعش
معنى ما عشته لكنت جننت فتخيل أن تلوم شخصا لأعوام وتعاقبه
على ذنب يظهر في النهاية أنه بريء منه , فحتى صحتها فقدتها
بسببي فلست على استعداد لأخسرها وابني دفعة واحدة "
أمسك كتفي وقال بجدية " وسن مجروحة منك لكنها لازالت
تحبك قد يصعب عليها رفض ما يخبرها دماغها به أنك لا
تحبها وتزوجتها مرغما وتحملتها من أجل صحتها وطلقت
زوجتك لأنها هي طلبت الطلاق وغيره الكثير لكن الواقع
واحد وهوا أن الحب لا يموت بسهولة "
هززت رأسي بقلة حيلة وقلت بيأس " والحل يا جواد أخبرتك
مرارا أني لا أريد أرغامها ولا مضايقتها في شيء مجددا فيكفيها
ما أتاها مني , أقسم أن قلبي يأكلني عليها وفكرة أن ابني يكبر في
أحشائها وهما بعيدان عني أمر أقسى من الموت لكن ما باليد حيلة
لقد عجزت عن إيجاد طريقة فحتى هاتفها لا تفتحه ولا تخرج "
تنهد وقال " اذهب غدا وقابلها وتحدثا فلا تعلم قد يكون بفائدة "
هززت رأسي بحسنا ونظرت للوسن الواقفة هناك , سأذهب
ولو لأراها فقد أتعبني الشوق لها وهي تحرمني منها لأشهر
ولازال لديها المزيد
*
*
شددت فستاني من يدها وقلت بتذمر " ترف لا
تتعبيني معك فوق تعبي قلت لا يعني لا "
قالت ببكاء " ولما لا أرقص معهم ماما أرجوك "
قلت ببرود " لن نكرر دائما نفس الكلام فصحتك لم ترجع
كما كانت بعد ولم يزيلوا البلاتين منك ورئتك لا تتحمل ذلك
فاجلسي عاقلة فالحفل لم يبدأ بعد لتعكري لي مزاجي "
غادرت من عندي مستاءة هذه العنيدة لا تتغير أبدا ولا تراعي
صحتها حتى تشفى تماما وأنا الملامة طبعا إن حدث لها شيء
نظرت للخلف وقلت " هل كل شيء جاهز "
رفعت سيلا رأسها وقالت " نعم سيدتي وسنخرجه حالا "
اقتربت منهم وقلت " لا ليس بعد لازلنا أول النهار وقد نضطر
لتسخين ما سيحتاج تسخينا أردت أن ننتهي باكرا فقط كي لا
تكثر علينا الأعمال فيما بعد , خذوا قسطا بسيطا من الراحة
ثم سننتقل للتالي "
ثم قلت مغادرة " مدكم الله بالعافية وسيلا اتبعيني رجاءا "
صعدت بعدها للأعلى وهي خلفي وقلت " ستغيرين ثياب
ترف و بيسان وتساعدينهما ليستحما أشعر أني متعبة اليوم
أكثر من السابق "
دخلنا الغرفة وقالت بقلق " هل تشعرين بشيء سيدتي هل
أخبر السائق يأخذك للمستشفى "
قلت وأنا أخرج الثياب من الخزانة " لا داعي لذلك كله بسبب
الإرهاق وسأكون أفضل ألبسيهما هذه أعرف أنهما ستعاندان
لكن لا تكترثي لهما وأنا سأذهب لأرى أمجد "
هزت رأسها بحسنا فخرجت من هناك ونزلت للطابق الثاني
لو سيكون هناك ما سيقتلني وطفلي سيكون صعود السلالم ونزولها
وصلت غرفة أمجد وفتحت الباب ودخلت وقلت بصدمة
" ما هذا الذي يحدث هنا !! "
وقف أمجد على طوله يمسك بعض الثياب في يديه وقال
" عمر من فعل هذا أمي أقسم لك وأنا أحاول ترتيبها "
دخلت وقلت بضيق " عمر لا تعجبني جميع تصرفاته وكثرة
احتكاك به وأخاف أن تصبح نسخة عنه "
قال وهوا يحاول ترتيب وطي الثياب " قال يريد قميصا من عندي
وتسبب بكل هذه الفوضى وذهب سأعيدها كما كانت لا تنزعجي "
تنهدت بقلة حيلة ثم أمسكت يده وأخذت منها الثياب وسرت
به لطرف السرير وجلست وأجلسته أمامي وقلت بهدوء
" أمجد بني لا تغضب من كلامي أنا ربيتكم بطريقة لا أريد
أن تكبروا إلا عليها وأنت تراني متعبة هذه الفترة حتى
التنفس يتعبني فلا تأخذ على كل حدّتي معك "
هز رأسه بحسنا ثم وقف وقبل رأسي وقال " آسف أمي لن
أدعه يكررها مجددا أنا فقط تعلمت منك أن لا أمسك شيئا
يطلبه مني أحد ولم أتصور أن يفعل هذا "
وقف وضمته لحضني وقلت " ها قد بدأت تكبر أخيرا بني أنا
أعني كل شيء ليس هذا فقط , أسأل الله أن يمد في عمري
حتى أراك رجلا "
ابتعد عن حضني وقال " وأصبح شرطيا أيضا "
ماتت ابتسامتي وقلت ببرود " ألن نتخلص من هذه
الشرطة أبدا "
هز رأسه بلا مبتسما فأمسكت أنفه وقلت بابتسامة حزينة
" أعان الله زوجتك عليك إذا "
ثم توجهت نحو الباب قائلة " سأطلب من إحدى الخادمات أن
تأتي لترتب الغرفة فاستحم وغير ملابسك بني حسنا "
ثم خرجت على صوته قائلا " حاااااضر "
عدت للأعلى طبعا ولغرفة الفتاتين ودخلت الحمام وقلت
" ترف لا تتعبي سيلا بالسباحة كالإخطبوط "
ضحكت بيسان وقالت ترف بضيق " أنظري ماما كيف
تضحك علي وأنتي السبب "
قلت خارجة من هناك " سأعطيك وحدك شوكلاتة
الفستق وهي لا "
وغادرت على صوت اعتراض بيسان وتوجهت لجناحي
اتصلت ببتول فأجابت من فورها فقلت " ما بك صوت بكائك
يخرج من ثقوب الهاتف "
قالت باستياء وبكاء " لما والدي هكذا لم يعجل في الرحلة
وتركها لنهاية الأسبوع تصرفي أنتي في الأمر "
قلت ببرود " أخرجيني من كل هذا وانسي الفكرة "
قالت بتذمر " لما تفعلون بي هذا حتى خالي رضا بقي
لليوم وسيغادر بعد قليل وقبل الزفة لما حظي هكذا
وجميعكم ضدي "
تنفست بقوة وقلت " ومعتصم وحده اليوم لن تختلفا في شيء
راعي مشاعره أيضا ويكفي بكاء كالأطفال "
أغلقت الخط في وجهي تلك المدللة فكل ما يعنيها زفتها أمام
صديقاتها فما سأقول أنا التي تزوجت بلا زفاف من أساسه , يبدوا
لي معتصم تسرع في زواجه بها الآن , دخلت غرفتي وجلست
أمام مرآة التزيين وفتحت شعري ثم فتحت الدرج ونظرت لكل ما
فيه دون أن ألمس شيئا , لا رغبة لي في كل هذا ولا أراه وقتا
للتزين لكن حتى متى سأحزن بل وعلى ماذا وماذا هل سأظهر
أمام الناس شاحبة كالشبح فوق التعب والإرهاق خصوصا أن
بتول ومعتصم لم يتركا أحدا لم يدعوانه الليلة زيادة على ضيوف
والدتها , أغلقت الدرج ووقفت وتوجهت للخزانة وأخذت حجابي
وعباءتي ولبستهم وغادرت القصر لمنزل عمهم , سأترك المزينات
يفعلون ذلك فلا مزاج لي ولا طاقة , دخلت المنزل ولغرفة بتول
فورا حيث الفوضى وفريق التجميل فعليا العودة للقصر سريعا
فالوقت يسرقنا
*
*
جلست على كرسي الانتظار أنظر للأرض ولا أرى شيئا سوا
أقدام المارة يتحركون في كل اتجاه تحملهم لأماكن عدة كما
تحمل حكاياتهم في أجسادهم الهائمة , نظرت بعدها لقدماي ثم
وقفت فعليها أن تحملني مع حكايتي أيضا للبعيد حيث مكان لا
أسمع فيه عن هنا أي شيء فها قد كُتِبت آخر فصول حكايتي ولا
أريد أن أكون هنا وهي تنتزع الطلاق مني ولا قدرة لي على توقيع
ورقة طلاقنا بيدي , فعلت ما في وسعي أتممت معها جلسات العلاج
وكل شيء ولم أطالبها لا بفرصة للتحدث عن وضعنا ولا أن تصفح
عني أو تعطيني فرصة أخرى لأصلح ما كان فهي اختارت منذ
البداية وأنا حاولت وفشلت فسأرحل وأبحث عن موطن لفشلي
حملت حقيبتي وتوجهت للقطار الذي بدأ الراكبون يتزاحمون
لركوبه وما أن خطوت بقدمي اليمنى داخله حتى استوقفني
الصوت الذي نادى " رضااااا "
كل ما قاله لي عقلي وقتها أنت تتوهم وهذا هوا فقط بداية الجنون
ستسمع صوتها في كل مكان وستراها في كل الشوارع وتركض
خلف شبيهاتها اللاتي لا يشبهنها أبد سوا في عقلك , لكن قلبي كان
له رأي آخر فقال أنظر تأكد لن تخسر شيئا لو التفت قبل أن تضع
قدمك الأخرى وتركب وبالفعل سبق القلب العقل ككل الأوقات
ونظرت للخلف برأسي فقط لأجد أنه للصوت صورة والصورة
واقع والواقع يقف أمامي ... زهور بمعطفها الشتوي الأحمر وحجابها
الأبيض خداها المحمران من البرد وعيناها الزرقاء تُدمع نعم تبكي
لا ليس زهرتي من تبكي بعد اليوم , دفعني أحد الراكبين وأضاع
عليا فرصة الركوب لأن القطار تحرك , لا بل أعطاني الفرصة
لأعود للوراء ولا يأخذني القطار معه وتبقى الصورة مكانها
فلن تلحق بي حينها مهما حاولت
التفت لها مجددا وأوقعت الحقيبة من يدي للأرض حين ركضت
نحوي ومدت ذراعاها لي وقفزت لحضني وتعلقت بعنقي وأعادت
الحياة لعروقي والوطن لقدماي وقدماي للوطن من جديد
أجل هي , نعم واقع يا رضا وها أنت تلمسه بيديك وتشعر ببرودة
خدها على خدك وأنفاسها الحارة رغم البرد تلفح عنقك وشيء ما
يسيل عليه وهوا دموعها , ضممتها بقوة أكبر وأنا أحملها عن
الأرض وقلت " يا رب أمهلني من العمر ولو يوما واحدا ولا
تأخذ روحي حتى أروي قلبي من قربها "
فما كان منها سوا أن تعلقت بعنقي أكثر وقالت ببكاء " لا تقل
هذا يا رضا لا تتركني مهما حدث فلن يقرب غيرك هذه
المرأة التي عادت لك عذراء من جديد "
ابتسمت وضممتها بقوة وحنين واحتياج وقلت بهمس
" سنركب القطار القادم إذا فما رأيك "
تركت عنقي وأنزلتها للأرض ونظرت لي وقالت مبتسمة
" وحفل الزواج هناك فلا أحد يعلم بخروجي ولن يحضر
من العائلة معهما أحد "
مسحتُ دموعها من على خديها بكف يدي وقلت " وما شأننا
نحن بمن تزوج وبقي يكفي أن نخبرهم كي لا يبلغوا الشرطة
باختفائك فجأة ثم طائرة والد العروس نزلت منذ قليل "
ثم ضممتها لصدري ونظرت للسماء الملبدة بالغيوم وقلت
" من يصدق أن يومي سيتغير هكذا من يصدق أن ما كان
يفصلني عنك وعن الرحيل خطوة على باب القطار وتلاشت "
نظرت لي للأعلى وقالت " إذا سنركب القطار القادم ليبقى كل
شيء كما كان ويتغير وجودنا معا "
قبلت أنفها وقلت مبتسما " وهوا كذلك لكن علينا
انتظار ساعة ونصف "
مسحت على خدها وقالت مبتسمة " إذا أريد الفوشار "
فضحكت وضممتها لحضني بقوة وقلت " لم تغيرك السنين يا
زهور رغم كل ما حدث طفلتي زهور هي لم تتغير وسأشتري
لك الدنيا وأجلبها عندك , أنتي فقط تمني "
*
*
انتهيت من هناك ثم عدت للقصر وارتديت الفستان الذي اشتريته
حديثا يناسب المناسبة وجسدي ثم نزلت لأشرف على الخادمات
لننهي كل شيء سريعا خصوصا أننا صرنا منتصف النهار
وصلت رسالة لهاتفي فرفعته وفتحتها فكانت من زهور
وفيها ( لا تنشغلوا على غيابي أنا مع رضا )
فابتسمت بسعادة ما أن قرأت الكلمات في الرسالة فكم حكت لي
بتول عن جنون خالها بها وحبه لها منذ طفولتهم وكان سيسافر
اليوم وتُطلق منه وهذه الرسالة تعني أن الأمور تصافت بينهم
رفعت الهاتف وضممته لحضني فهذه الفتاة تستحق أن تسعد
بعدما رأت
نظرتُ فجأة للحركة عند باب وماتت ابتسامتي وأنا أنظر
للواقف هناك ينظر لي بصمت مكتفا يداه لصدره
*
*
منذ وصلت ووقفت هنا ووجدتها ترتب ما على الطاولة بانسجام
بقيت مكاني أراقبها بفستانها الأزرق تجمعه قطعة كريستالية تحت
الصدر وينزل منسابا لأول ساقيها قرابة الركبتين , شعرها ملفوف
ولا زال يعيق حركتها بكثافته وطوله , وشيء آخر بطنها نعم كبر
وبرز من فستانها رغم أنها دخلت شهرها السادس للتو , وصلت
رسالة لهاتفها ففتَحتَها ولم أتبين ملامحها بعد بسبب شعرها الكثيف
لكن لحظة احتضنت الهاتف علمت أن ما جاءها أسعدها كثيرا
شعرت لحظتها بشيئين في صدري الشوق لذاك الحضن وشيء
آخر وهي الغيرة نعم غرت ولا أعلم من الهاتف أم من صاحب
الخبر مما جعلني أصدر صوتا بحركتي لتنتبه لي وبالفعل التفتت
نحوي من فورها وماتت ابتسامتها على أعتاب عيناي , لازالتِ
عاتبة إذا بل وحزينة ومجروحة , سحقا للبعد يا أرجوان إن لم
يرقق قلبك بعد , اقتربت منها وهي عادت لما كانت تفعل متجاهلة
لي فوصلت عندها واستندت بيدي على الطاولة واقفا بجانبها وملت
لها قليلا حتى كان وجهي مقابلا لجانب وجهها وقلت بهمس
" ما سر هذا الخبر الذي جعلك تحضنين الهاتف هكذا "
أبعدتْ شعرها خلف أذنها وهي تستمر في تجاهلي ولم تنظر
لي ولا مجرد النظر فنفخت على شعرها وقلت بابتسامة جانبية
" هل هكذا تستقبل الزوجة زوجها الذي لم تراه منذ أشهر "
لم تتحدث أيضا ولم تبدر منها أي ردة فعل فمددت يدي لذقنها
وأدرت وجهها ناحيتي لتعانق عيناي عينيها في صمت من كلينا
فأبعدت وجهها مجددا وقالت ببرود " حمدا لله على سلامتكم "
ابتسمت بل ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " سلامتنا !!! حتى
السلامة لا تريدي أعطائها لي وحدي "
أولتني ظهرها لتغادر فأمسكت يدها ولففتها جهتي وأمسكت
وجهها بيداي ورفعته ليقابل وجهي وخللت أصابعهما في
شعرها وقلت " ولا حتى اشتقت لك يا جابر "
بقيت على صمتها تنظر لعيناي فقربت وجهي لها حتى
تلامست شفتينا وقلت بهمس " كم كنت أسمعها منك
في أوقات أفارقك فيها لأيام فقط "
اضطرب تنفسها بشكل واضح وحاولت التراجع للوراء والابتعاد
عني لكني شددتها لي بقوة وقبلتها بعمق ثم أبعدت شفتاي وقلت
" رغما عنك يستقبلني حضنك وشفتيك يا أرجوان "
أبعدت وجهها جانبا وقالت ببرود " حتى هذه
أصبحت بالأوامر يا جابر "
أعدت وجهها أمام وجهي وقربت شفتاي مجددا وهمست
" نعم إن كانت ستجعلك تنطقين يا غضوب "
كنت سأكرر تقبيلها وأروي عطشي بعد لكن أوقفني الصوت
الذي نادى من خلفي قائلا " بابااااا "
فتركتها والتفت فإذا بترف راكضة نحوي فاستقبلتها بذراعي
ورفعتها للأعلى وقبلت خدها وقلت " مرحبا بالمشاكسة العنيدة
أراك صرتِ أفضل "
حضنتني وقالت " اشتقت لك كثيرا بابا لا
تغب عنا هكذا مجددا "
ضحكتُ وضممتها بقوة وقلت " حسنا من أجل هذه
الكلمات فقط لأن غيرك نسيها "
دخلت حينها بيسان وقفزت صارخة ما أن رأتني وركضت نحوي
فأنزلت ترف ونزلت لها واحتضنتني قائلة " بابا لا أصدق
متى عدت ؟؟ ولا تذهب ثانيتا هكذا "
ضحكت ثم قبلت خدها وقلت " حاضر "
قالت ترف " هل عادت جدتي معك "
وقفت وقلت " نعم لكنها متعبة قليلا وفي المستشفى
أين أمجد "
قالت بيسان " في غرفة عمي معتصم اتصل به وطلب
منه أن يأخذ من عطره ووافق "
ثم قالت بعبوس " وقال نحن لا وماما رفضت حتى أن
نأخذ من عطرها وقالت الفراولة فقط "
لعبت بغرتها بأصابعي وقلت " وحين تقول ماما لا يعني لا
أم تريدوها أن تذهب مجددا وتتركنا "
هزتا رأسيهما بلا فورها فضحكت ونظرت جهة الباب الآخر
الذي أتيت منه وقلت " سما تعالي "
فخرجت من هناك وتقدمت نحونا وأول ما فعلته أرجوان أن
شغلت نفسها بالطاولة مجددا وكأنه لم تحكي الجرائد كامل قصتي
معها وما حدث وشاع , اقتربت منا فقلت " هذه زوجتي أرجوان
يا سما سبق وتقابلتما في المستشفى "
نظرت أرجوان ناحيتنا ولو كارهة للأمر فأنا أعرفها عند هذه
المواقف لن تُخجلني , مدت سما يدها لها وقالت
" مرحبا سيدتي سررت بلقائك "
صافحتها أرجوان قائلة " شكرا لك وأنا كذلك "
وضعتُ بعدها يدي على كتف سما وقلت " ستبقي هنا اليوم ولن
ترجعي هناك حتى الغد وأنا معك كما اتفقنا "
كانت ستعترض لكني سبقتها قائلا " سما لن تكوني هناك الليلة
ولن أؤمن عليك ساعة أخرى بعد , ستنامين هنا وغدا نُتم كل
شيء , أخبرت أسامة أنك ستباتين مع صديقتك ولن يتحدث
أحد بل لن يكون هناك لسان يتكلم بعد اليوم لأن حسابه
سيكون معي وعسيرا "
ثم شددت بيدي على كتفها بقوة وقلت " رحلة عودتي كانت ستكون
نهاية الأسبوع وقدمتها لليوم ما أن وصلتني الرسالة التي
تخبرني أنك قد تكونين في خطر "
نظرت لي بحيرة وقالت " رسالة ممن !! "
ابتسمت وقلت مغادرا " من مجهول طبعا استمتعي بوقتك هنا "
وخرجت من هناك وتركتهم لأنه عليا أن أتوجه حيث الرجال
لو أعلم فقط كيف علم نزار أنها تمر بهذه الظروف وحتى رقم هاتفها
ليس لديه وأنا قطعت أخبارهما عن بعض فلم أخبر أي منهما عن الآخر
*
*
غادر جابر وتركني في مواجهة زوجته وحدي التي يبدوا الاستياء
باديا عليها ولا ألومها في كل هذا , نظرتُ ناحيتها وقلت " لا تغضبي
من وجودي في حياتكم سيدة أرجوان فجابر لم يعاملني أكثر من ابنة
أو شقيقة ومعروفه لا أنساه ما حييت لأني مررت بخطر كبير وهوا
بحكم وضيفته وإنسانيته لم يقف متفرجا كالبقية , أعذرك وأفهمك وما
حدث كان شيئا لا تحتمله أي زوجة لكن الأمر لم يكن بيدي وكله مدبر
لأجل حمايتي فلا تحقدي عليا أرجوك لأني أريد أن نكون صديقتان
من أجل جابر لأنك زوجته ولأنه يستحق ومحضوضون أنتم به "
ابتسمت وقالت " لا تفكري هكذا يا سما أبدا فالذي بيني وبين جابر
لا دخل لك به وإن كنتي فردا فيه ولن أحقد عليك ولن أكرهك
وقد قرأت قصتك وما حدث من الجرائد وتعاطفت معك كثيرا
وفخر لنا أن يكون جابر من ساعدك "
ابتسمتُ بارتياح لكلامها وقلت " كنت سأذهب لمنزل بتول لكنه
أصر أن آتي هنا وأتعرف عليك أولا حتى أنه من المطار جاء
لمنزل عمي وأحضرني معه أولا لأن مشاكلي لازالت عالقة
وكل تفكيره في حلها , سعيدة بأن تعرفت عليك وأنك
متفهمة لموقفي "
قالت مبتسمة " لا يحق لي محاسبتك يا سما يكفيك ما أتاك
وبتول تنتظرك منذ وقت سيأخذانك بيسان وترف هناك "
هززت رأسي بحسنا مبتسمة وشكرتها وغادرت برفقتهما لمنزل
عائلة بتول وأشعر أن هما كبيرا انزاح من على صدري فكم
خشيت من مواجهتها وأن لا تكون تفهمت الوضع وما حدث
لكن ما يحيرني من أين علم جابر ومن أخبره هل هوا أسامة يا
ترى !! لكني حذرته كي لا نزعجه هناك خصوصا أنه سافر
بوالدته في نفس ذاك اليوم وما أعلمه أن حالتها كانت سيئة جدا
لن أنسى تلك اللحظات ما حييت حين دخل علينا رجاله وكأننا
في مهرجان رئاسي ووقف لهم جابر وبدئوا يضربون التحية
وهوا يهنئهم على ما فعلوا واحدا واحدا فذاك الدخول كان خشية
منهم أن نكون تعرضنا لخطر خصوصا أنهم ما أن أمسكوا
رئيس الجمارك علموا برسائل التهديد التي وصلت لجابر
يبدوا أن الإثارة في حياتي لن تنتهي أبدا
وصلت منزل بتول وعادتا ابنتا جابر لقصرهم على الفور , كم
تعجبني تربيتها الجيدة لهم ولا أستغرب الآن أنها حين رفضت
أن يستخدما عطر الكبار انصاعوا لها وجابر أيضا يبدوا يقف
مع قراراتها ويحترم طريقة تربيتها لهم فكم من أباء تقول الأم
شيء فيأتي ويكسره أمام أبنائه ليفعلوا ما يريدون
دخلت المنزل واستقبلتني والدة بتول وأوصلتني لغرفتها فدخلت
ووجدتها جالسة هناك وحدها فوقفت في الفور واحتضنتني قائلة
" سما حمدا لله أنك أتيتِ "
قلت بابتسامة " وكيف لا أحضر زواجك , كم
تبدين جميلة يا بتول "
ابتعدت عني وقالت " ما قصدك هل كنت قبيحة "
ضحكنا معا ثم قالت " اسمعي عليك أن تتزوجي بعد عام
من الآن حين تصيرين في عمري الآن كي نتعادل "
ضحكت وقلت " ولما "
حركت يدها المخضبة بنقوش الحناء في الهواء وقالت
" لا دخل لي بك لا أريد أن أتزوج وأنجب أبناء
وأنتي عزباء حرة طليقة "
أبعدت يدها من أمامي وقلت " إف أبعديها رائحتها مقرفة "
ضحكت وقالت " ستتزوجين وتضعينها رغما عنك وليس في
يديك فقط ولن تتخيلي طلبات الرجال "
قلت بقرف " مستحيل أكره رائحتها منذ كنا في الهند
فكم يحبونها هناك "
أخذت الكيس الموجود في يدي وقالت " هدية لي شكرا يا
سما فأنتي بالتحديد كنت أنتظر هديتك "
قلت مبتسمة " أسامة من اختارها لك لأني لم استطع الخروج
بالأمس فجلبها وقال أنه لا يجوز أن آتي لك بدون هدية "
قالت بحالمية " يا عيني على الوسيم صاحب الذوق
تزوجيه قبل أن تأخذه غيرك "
نظرت للأسفل ولم أتحدث فقالت " لا تكوني لازلت
تحبين ذاك الذي تركك وسافر يا غبية "
أشحت بوجهي جانبا وقلت بحزن " نزار اختار حياته ولا شيء
يجمعنا ولا يحق لي ذكره إلا بالخير فلن أنسى ما فعل من أجلي "
تنهدت وقالت " لكن هذا مؤلم لقلبك كثيرا كيف يذهب هكذا
ويتركك والمرجح أن لا يرجع أبدا "
شعرت بغصة في حلقي وأكثر في قلبي ونظرت للأسفل
وقلت بحزن " اتركينا من هذا الآن "
أمسكت يدي وقالت بحماس " نعم وأخبريني من أحضرك مؤكد
ابن عمك ذاك , دائما أبناء العم رائعين اسأليني أنا "
قلت مبتسمة " وما غيّر رأيك فجأة "
ضحكت وقالت " لا أعلم لكني أصبحت أحبه حقا وأموت
إن نظرت له واحدة ولو من بعيد "
قلت بابتسامة " يعني عليا أن لا أفكر في فعلها "
ضحكت كثيرا ثم قالت " لا طبعا أنتي صديقتي المقربة وعليا
أن أتقبل اقترابك منه , هيا أخبريني كيف أتيتِ وقد قلت لي بنفسك
أن أسامة لا يمكنه جلبك هذا الوقت ولا تريدي إحراجه "
قلت بهدوء " ليس هوا من أحضرني بل جابر "
نظرت لي بصدمة وقالت " ماذا جابر !! هل عاد "
كنت سأتحدث لكنها سبقتني بصرختها وركضت للباب
خلفي قائلة " أبي لا أصدق أنك أتيت "
التفت لهما فكانت تحضنه وتبكي وهوا يطبطب على ظهرها
قائلا " يكفي من تبكي في ليلة زفافها هكذا , مبارك لك يا
ابنتي وسامحيني فكل شيء خارج عن استطاعتي "
قالت ببكاء وهي متعلقة به " لم يكن سيكون لليوم أي طعم
إن لم تحضر وتزفني لزوجي "
مسحت دمعتي ونظرت للأرض , كم أنتي محضوضة يا بتول
فأنا يوم سأتزوج لن يكون أحد معي لا أب لا أخ ولا أم ولا حتى
عم أو خال أو جد سأكون وحيدة وأزف له وحيدة هذا إن
تزوجت , قالت بتول بحزن " دعونا أعمامي وعمتي ولم يأتي منهم أحد "
مسح على رأسها وقال " لن نجبر أحد على أن يحبنا ويعترف بنا
ما عليكم فعلتموه والذنب ذنبهم الآن "
ثم نظر بعدها لي وقال " سما هذه أنتي !! "
وبدأ ينظر لبتول ولي باستغراب ثم قال " هل تعرفان بعضكما "
قالت بتول " نعم درست معي هنا في الثانوية بضعة
أشهر وصرنا صديقتين "
قال " هذه سما التي قلتي أنها صديقتك وزارتك
مرة !! لم أتوقع أنها أنتي "
قالت بتول " والآن أخبرني أنت من أين تعرفها "
قال " درستْ في ثانويتي في العاصمة أيضا "
قالت مبتسمة " ظهر أنك تعرفين جميع العائلة وأنا من
ظننت أنه لا يعرفك أحد غير جابر "
قال باستغراب " وما علاقة جابر أيضا !! "
ضحكت بتول وقالت " أبي ألم تقرأ ما عجّت به الصحف
المحلية بعدما أمسكوا عصابة المصانع "
أمسك أنفها وقال " ومن أين سأقرئها وأنا سافرت مع جابر "
قالت " لا تقلق سأعطيك واحدة فيما بعد وتفهم كل شيء
فسما كانت في خطر وجابر من ساعدها "
نظر لي وقال " إذاً ظهر ورائك حكاية كما كان
يقول مدرسك نزار "
نظرت للأسفل وقلت " بلى وهوا من ساعدني
وعرّفني على جابر "
قال ضاحكا " وأنا من طردتك لكن نزار ورائك ورائك حتى
اكتشف سرك فذاك الشاب ينذر وجوده "
نظرت للأرض بحزن وأشعر أني لحظات وسأبكي , لما لا
يساعدني أحد على نسيانه رغم أن منزلي تغير والوجوه
وحياتي إلا أن ذكره لم يختفي ويبدوا لن ينتهي أبدا
*
*
ركبنا القطار في رحلة لأكثر من ساعة وأنا في حضنه نشاهد
النافذة ونتحدث ورضا كما كان لا يسكت أبدا ولم يترك شيئا لم
يستغله ليتغزل فيا به حتى أنه حين نمر بشجرة قريبة يقول
( أنظري يا شجرة هذه حبيبتي الفاتنة ) وكم أضحكني ببعض
تعليقاته وكلامه , حضنت خصره بذراعي بقوة وغصت
بوجهي في كتفه وقلت " لا تتركني ثانيتا يا رضا أرجوك "
ضمني له بقوة وقال " أبدا يقطعوا عنقي ولا أعيدها الموت أهون
علي من ذلك وأقسم أن أعوضك على كل ما كان يا زهرتي "
وقف حينها القطار وكانت محطتنا ونزلنا معا ووقفنا في
المحطة وقلت " أين سنذهب الآن ؟ "
رفع كتفيه بمعنى لا أعلم فضحكنا معا ثم قلت " ما رأيك
لو نرجع لحفل الزفاف أفضل من أن يسألونا فيما بعد
عن رحلتنا ولا نعرف ما نقول "
ضحك كثيرا ثم قال " لا إلا هذه فستدخلين حيث النساء
وأذهب أنا للرجال فمالي وشيء يبعدني عنك "
اتكأت على كتفه وقلت " إذا خذني حيث تريد المهم أننا معا "
خرج بي من المحطة وركبنا سيارة أجرى ولم يخبرني أين
سنذهب حتى وقفت السيارة ونظرت من حولي وقلت
" ماذا سنفعل هنا !! "
نزل وقال " انزلي وستعرفين حالا "
نزلت ووقفت بجانبه فوضع يده على كتفي وسار بي حيث
باب مدينة الألعاب الكبير فقلت باستغراب " سندخل هنا !! "
قال ضاحكا " نعم فمَن كانت تقول لي في الماضي بصوتها
الطفولي الذي أعشق ( رضا لو فقط فقط أدخل مدينة
الألعاب , لما لا تأخذني لها ) "
ثم ضمني لكتفه وقال ونحن ندخل " وأنا سأحقق لك كل ما
كنتي تطلبيه طفلة وعجزت عن تحقيقه لك "
مسحت دمعتي وقلت بسعادة " لم أتمنى أكثر من
أن نكون معا "
أمسك أنفي وقال " ولم تكوني تقولينها لي يا مخادعة "
وقفت وقابلته ووضعت يداي وسط جسدي وقلت " كاذب قلتها
لك مرة ووبختني عليها كثيرا وقلتَ أن هذا الكلام لا
أقوله لأي شاب كان مرة أخرى "
ضحك رافعا رأسه للأعلى ثم نظر لي وقال
" وهل تذكري ما قلتيه لي حينها حتى وبختك ذاك التوبيخ "
ضحكتُ وحككت خدي بسبابتي وقلت " قلت لك
تزوجني حين نكبر "
حضنني وقال ضاحكا " كدت أجن حينها من الفكرة ومن فكرة
أن تقوليها لغيري من الأطفال ويعتاد لسانك عليها "
حضنته بقوة وقلت " أخفتني يومها فهي كانت أول مرة تصرخ
بي وتوبخني ولم أتحدث عن الزواج بعدها أبدا "
أبعدني عنه وقال مبتسما " أريد فقط أن أعرف يومها من
أين جئتني بها وأنتي منعزلة عن كل شيء "
قلت بعد ضحكة " سمعتهم عند والدتي يتحدثون عن واحدة
تزوجت شخصا وسيعيشان معا في منزل عائلته فركبت الفكرة
في رأسي أن من يتزوج شخصا يذهب معه ويعيشان معا
وكان ذاك كل قصدي وغرضي مما قلت حينها "
أمسك يدي وسار بي قائلا " لو كنت أعلم لقلت لك
وقتها قولي يا رب يتحقق ذلك "
ضحكنا معا ثم أخذني حيث القطار وقال أني تحدثت عن هذا
تحديدا وأركبني معه مرغمة رغم أنني رفضت وكنت خائفة بحق
لكنه لم يكترث لي وكنت طوال رحلتنا المرعبة تلك متمسكة به
وأصرخ بقوة وندمت أني في طفولتي طلبته , ولم يترك بعدها
شيئا لم يجعلني أركبه وحتى المراجيح بل واشترى لي حلوى غزل
البنات وكل ما كنت أحكي له عنه من رؤيتي لها مرة في التلفاز
مصادفة , وبعدما انتهى يومنا هناك خرجنا ووقفنا في الخارج
وقلت " والآن أين سنذهب بعدما طردونا وأغلقوها "
ضحك كثيرا ثم سار بي على قدمينا وقال " سنبحث عن
فندق نقضي فيه ليلتنا ونتعشى طبعا "
وقفت فوقف لوقوفي وقال " ما بك حبيبتي هل هناك شيء "
نظرت ليدي وأنا أحرك بأصابعها زر معطفي الكبير وقلت
بخجل " أممم كنت أود أن ... أن أقول أني لم أحضر معي
ثيابا ولا أريد لليلتنا الأولى أن تكون إلا مميزة كما أريد "
أمسك يدي وسار بي ونحن نقطع الشارع وقال " أوامرك
زهرتي سنتعشى ونقضي ليلتنا نتسكع كالمجرمين
وصباحا نعود للعاصمة ولشقتنا حسنا "
قلت مبتسمة وأنا أجارى خطواته السريعة " موافقة أخشى
فقط أن يمسكونا الشرطة ويأتي جابر ليخرجنا "
ضحك وقال ونحن نقف عند الرصيف " ستكون حينها
فضيحة بمليون جنيه حينها "
ثم ضحكنا معا وتابعنا سيرنا حيث لا وجهة محددة
*
*
قضيت الوقت في غرفتي وسما معي حتى وقت الزفة ولم
تفارقني أبدا ووحدها من صديقاتي من تركتها تراني أما البقية
فلن أتركهم يروني قبل أن أزف هناك , لففت يمينا ثم يسارا
وقلت " هل كل شيء مضبوط يا سما "
قالت مبتسمة " نعم كم مرة قلتها لك رائعة وتخطفين الأنظار "
قلت مبتسمة " وهكذا أريد أن أكون في زفتي أمامهن جميعا "
قالت باستغراب " غريب أمرك كل حديثك عن زفتك أمامهم
ولم تذكري زوجك أبدا وما سيكون رأيه "
رفعت كتفاي وقلت " ذاك لم يترك شيئا مفاجأة فقد سبق ورآني
متزينة في زواج خالي رضا وشقيقته زهور فلن يتغير عليه شيء
رآني دون حجاب مرارا وحتى بالبيجامات القصيرة وبدون
أكمام وأفسد على نفسه "
قالت بحيرة " وإن يكن أنتي اليوم لن تكوني
كيوم زفاف خالك أبدا "
استدرت جهة المرآة وقالت " ستري وسأحكي لك لن يتغير
عنده شيء فحتى كلمة جميلة قالها لي يومها "
دخلت حينها والدتي وقالت " بسرعة فوالدك ينتظر في الأسفل "
قلت بحزن " وخالي رضا ؟؟ يبدوا ذهب "
قالت مبتسمة " نعم ولمكان مجهول وأخذ زوجته معه "
نظرت لها بصدمة ثم صرخت وضممت يداي لبعضهما
وقلت " قولي قسما أنها ذهبت معه "
توجهت نحوي ورفعت غطائي وقالت " انزلي بسرعة
بعد أشهر قد تصبحين أُماً ولازلتِ مجنونة "
تحركتُ معها وسما تتبعنا وقلت ببرود " أصبحت أما منذ أن
أنجبتِ لنا ابنيك الأخيرين "
ثم نزلنا للأسفل وغادرت سما لتكون مع المدعوين في قصر
عمي فهم يملكون صالة ضخمة خصصها من أجل المناسبات
غطت لي والدتي جسدي بالغطاء المخصص دون أن ترفع قبعته
لراسي ووجهي وهي تمسح دموعها وقال والدي " ما يبكيك
الآن وها هي قريبة منك أم تقلدين غيرك فقط "
قالت بضيق " وما شأنك بي لا أعلم مما مخلوقة قلوبكم أنتم الرجال
ثم هي وزوجها سينتقلان للعاصمة قريبا من أجل دراستهما
وهي ابنتي الوحيدة والأولى "
شعرت بالعبرة من كلامها فأمي رغم المسؤوليات التي تلقيها على
عاتقي وانتقادها الدائم لي وتوبيخي باستمرار إلا أنها تحبني ولا تريد
فراقي , حضنتها وقلت ببكاء " أحبك أمي أطال الله في عمرك حتى
تري أبنائي وتربيهم كما ربيت لك أبنائك "
ضحكت من بين دموعها وضربتني على رأسي وقالت
" استحي من والدك على الأقل "
غطى لي والدي شعري ووجهي وأخرجني من هناك مع والدتي
في سيارته طبعا رغم أن القصر قريب جدا ونزل بي في القصر
وأوصلني حتى باب القاعة وأزال غطائي ثم قبل جبيني وقال
" أسعدك الله يا بتول يا ابنتي كوني عونا لزوجك وسندا له وأبعدي
عنك الدلال , معتصم رجل يُعتمد عليه فلا تخسريه زوجا كي
لا أخسره صهرا قبل أن يكون ابن شقيقي "
قبلت يده ورأسه وقلت بدمعة علقت في رموشي " ليحفظك الله
لي يا والدي أقسم أني من دونك لا أساوي شيئا سامحني
على تقصيري معك "
مسح على خدي وقال " لا أذكرك أنك قصرتِ معي يوما "
ثم نظر جهة والدتي وقال بابتسامة جانبية " هناك من
عليك طلب هذا منها "
التفت لوالدتي وحضنتها وقلت " سامحيني يا أمي "
حضنتني وقالت بحنان " ليسعدك الله يا بتول ويحفظك لم
أغضب منك يوما لأسامحك ولا أعلم كيف سيصبح المنزل بعدك "
قلت بابتسامة حزينة " كئيب طبعا وكله ذكور إلا أنتي "
ضحكا معا وقالت والدتي " هيا بسرعة سيدخل لك والدك
فيما بعد فادخلي للضيوف الآن "
قلت بصدمة " من هنا !! "
قالت باستغراب " ومن أين إذا ؟؟ "
قلت معترضة " من الأعلى طبعا لأنزل من السلالم الموجود
داخل القاعة كما خططنا أنا وأرجوان "
تنهدت وقالت " ما الفرق ثم ما سيصعد بك السلالم بفستانك هذا "
قلت بتذمر " لا دخل لي لا تفسدوا ما أريد في حفلتي "
تأففت وقالت " أمري لله سأرفع الفستان وأنتي ارفعيه
من الأمام واصعدي "
توجهنا حيث السلالم وصعدت للطابق الثالث لأنزل من هناك
فثمة سلالم مشترك مع الطابقين يُنزل للقاعة مباشرة حيث قاموا
بتزيينه وفرشه بالورود والبساط الأحمر لأنزل للمنصة مباشرة
وإن لم يحدث هكذا كما أريد فسأفقد عقلي لهم هنا
وصلنا للأعلى وكانت أرجوان تنتظرني عدلت لي فستاني ثم
نزلت مع والدتي لأنزل وحدي السلالم , انتظرت قليلا ليشغلوا
إضاءة السلالم لحظة نزولي ثم توجهت جهتها لأنزل وما أن وصلت
هناك حتى خرج لي معتصم من خلف العمود الضخم في حافتها
ببذلته الرسمية السوداء وشعره مسرح بإتقان فقلت بشهقة
" معتصم ماذا تفعل هنا "
أمسك يدي وسحبني منها وحملني بين ذراعيه وقال
" أنتظر جميلتي وفاتنتي طبعا , كم مرة سأقول انك في
أجمل حالاتك وتظهرين لي بشكل أروع "
قلت بعدم استيعاب " ماذا تفعل هنا ولما رفعتني هكذا "
قال وهوا يلف بي حول العمود للسلالم " لأنزلك طبعا "
شهقت بقوة ولم أعرف ما أقول لأننا نزلنا وظهر لي الحضور من
الخلف ولا مجال لتغيير أي شيء بعدما أفسده , علمت أن ما أريد
لن يحدث لكن ليس هكذا , قلت بتذمر وبكاء بين تصفيق
الحاضرات لنا " أفسدت كل شيء يا معتصم "
كنا حينا منتصف السلالم فأنزلني وأمسك يدي ونزل بي قائلا
" أنتي تريدين وأنا أريد والله يفعل ما يريد "
قلت باستياء " بل أنت فعلت ما تريد "
قربت رأسه مني وهمس " ابتسمي فالجميع ينظر لك "
قلت بسخرية " بل ينظرون لك أنت وكل خوفي
أنك جئت ليروك "
ضحك ووصلنا للأسفل وعاد وحملني مجددا حتى المنصة وأجلسني
هناك وغادر بخطوات سريعة وجميع الأنظار بدلا من أن تكون
منتبهة لي أصبحت منتبهة له مغادرا , ذاك المحتال هل ينقصه
ليعرف أكثر أنه وسيم وملفت للنظر
*
*
وقفت في منتصف الممر الذي أخبرتني عنه فرح وأشعر أن وجودي
هنا كله خاطئ أكاد أدخل قصرهم وأنا رجل غريب ووسن تأخرت
وكم أخشى من نتائج هذا المخطط , كنت سأتراجع وأعود من حيث
جئت حين سمعت كعب حداء فالتفت ووقفت مكاني أشاهدها وهي
تبحث عن شيء ما أو أحد ما وهذا مخطط شقيقتها توصلها هنا
والباقي علي أنا وعليا أن أدخل لها , اقتربت وبقيت لوقت أرسم
تفاصيلها بعيناي المشتاقة وهي لم تنتبه لي , فكم قاس هوا البعد يا
وسن ولو تعلمي كم أتعذب من الشوق والحنين ولو تشعري بي ما
تركتني يوما واخترتِ حتى السفر بعيدا عن البلاد التي أنا فيها
بقيت واقفا اروي عطش عيناي بها بفستانها القرمزي المنحوت
على جسدا ورغم بروز بطنها قليلا إلا أنه لم يفسد فيه شيئا
شعرها مرفوع للأعلى وخصلات منه تعانق جبينها وأطراف
وجهها وكانت هذه المرة الثانية فقط أراها فيها متزينة بعد تلك
المرة في زواج جواد وفرح فلم تترك لنا الظروف أي فرص
فحتى زواجي بها كان في توقيت سيء أبعد ما ستفكر فيه حينها
أن تتزين لي , انتبهت لوجودي أخيرا ونظرت لي بصدمة واقفة
مكانها لتتحول نظرتها لشيء لا أفهمه ولم أجد له تفسيرا , قولي
أنه الشوق يا وسن قولي أنه الحب أنه الفقد والاحتياج واركضي
نحوي وارتمي في حضني , أرخت نظرها لتغلب على ملامحها
نظرة اللوم والعتاب , لم تكن كرها ولا حقدا كانت جرحا ولوما
نعم , خطوت ناحيتها عدة خطوات وكنت سأتحدث لولا أن دخل
علينا صوت كعب حداء آخر خرج من الممر الذي جئت منه ليتحول
نظر وسن هناك وبصدمة حتى خُيل لي أنها لم تعد تتنفس فالتفت
بريبة للواقفة خلفي فكانت مي , لا ليس أنتي والآن تحديدا ومِن هذا
الممر بالذات , بل لم أتوقع أن تحضر وكيف !
وقفت تنظر لنا بصدمة لا تقل عن صدمتنا ليعيد نظري ضحكة
وسن الصغيرة الساخرة ثم قالت بأسى " لا يترك القدر فرصة
لا يعطيها لك لذبحي يا نواس "
ثم غادرت عائدة من حيث جاءت , نعم اختفت في لمح البصر
وزادت الظنون لديها ظنونا فما سيخبرها عقلها غير أني ومي
كنا هناك أو متفقان على اللقاء هنا وهي سبقتنا , ما هذا الحظ
الذي لديك يا نواس , عدت أدراجي مجتازا لمي التي لازالت
تنظر لي بصدمة ولم تتحدث بشيء ولا أنا لأني خرجت فقط
وفي صمت , ودّعت معتصم لأغادر وباركت له ووصلت عند
جواد الذي كان يتحدث في هاتفه قائلا " ما بها !! حسنا أخرجا
أنا أنتظركما "
قلت بريبة " ما بهم "
قال متوجها لسيارته " وسن يبدوا تعبت في الداخل "
مررت أصابعي في شعري وأشعر أن آخر الحصون التي تبقت
لدي لمقاومة القادم قد انهارت ثم ابتعدتُ عن السيارة ليخرجا ولا
تراني وعدت للمزرعة وليلة سوداء مرت علي لم أترك فيها هاتفي
وكلما اتصلت به قال أنها لا تتوقف عن التقيؤ والألم ولا تتحدث
بشيء كعادتها , بعد ساعتين اتصلت به فأجاب بعد وقت
وقال بصوت فيه نوم " نعم يا نواس "
قلت " كيف هي الآن "
قال ببحة " بخير ونامت أخيرا , لا تقلق ونم أنت أيضا "
قلت بأسى " وأي نوم سأنام ستصحو من نومها وتعود لأوجاعها
أعرف مرضها جيدا , اسمع ما سأقول يا جواد "
بقي صامتا يستمع لي وأغمضت أنا عيناي بألم وقلت
بصوت ضعيف " خذاها وسافرا "
قال بصدمة " ماذا تقول !! "
قلت من فوري " نفذ ما أقول فعلى وسن أن تبتعد وتزور الطبيب
المتخصص هناك وتبدأ في العلاج فهنا لن تزداد إلا سوءا ولن
ترضى الذهاب مجددا للطبيب النفسي فأنت تعلم نظرة الناس
هنا لمن يذهبون له "
قال من فوره " ولكن كيف تتركها تذهب ... وأنت "
قلت بحزن " أفضل لي من أن تموت أمام عيني وابني معها "
قال بريبة " ولا تقل أنك ستطلقها "
قلت مباشرة " لا طبعا وهل لي قلب على ذلك لأرجع
وأبحث عن فرصة أتزوجها بها مجددا "
قال بحيرة " لا أعلم ما أقول لقد فاجأتني يا نواس كيف ترضى
بهذا فقد يطول سفرنا لسنوات ثم أنا مقتنع ببقائي هنا ولم
تعد لدي الرغبة في السفر "
قلت " أفعل ذلك من أجلها فعليها أن تشفى ثم
لكل حادث حديث "
قال بهدوء " لا أعلم ما أقول لك "
قلت " ما قلته هوا الصواب فهوا أقسى عليا من الجميع
لكن لا حل غيره مؤقتا على الأقل "
تنهد وقال " أخشى أن تكون العواقب بالعكس "
قلت بأسى " لن تسوء أكثر من هذا سأحجز لكم في أقرب رحلة
وخذاها قبل أن أضعف وأغير رأيي , أقسم لولا خوفي عليها من
مرضها ما وافقت أن تبتعد عني شبرا ولا أن تخرج من المزرعة
ولو مرغمة وسنتصافى إن اليوم أو الغد "
قال بقلة حيلة " كما تريد ولن أخبرها طبعا أنك من
طلب هذا كي لا تكبر ظنونها أكثر "
قلت " يكون أفضل واسعيا جهدكما لتباشر العلاج بسرعة
وكل التكاليف سأرسل ثمنها لك "
قال " حسنا هل تأمرني بشيء آخر "
قلت بغصة " لا واعتنيا بها جيدا وبابني ... وداعا "
*
*
ما أن انتهى الحفل وغادر الجميع بدأت الخادمات في العمل الذي
لن ينتهي قبل الصباح بالتأكيد فوقفت بينهم وقلت , أنتم تعبتم اليوم
كثيرا وظُلم في حقكم أن تسهروا الليل في ترتيب وتنظيف كل هذا
فأخرجوا الطعام من هنا وأغلقوا القاعة واتركوا كل شيء للغد
حتى تناموا وترتاحوا لكن باكرا طبعا "
كانوا وكأن ساعة الفرج جاءتهم وأنارت وجوههم مبتسمات
وبدأن على الفور بإخراج باقي الطعام وصعدت أنا للأعلى وزرت
الفتاتين وأمجد وتأكدت من أنهم ناموا وتغطوا جيدا وتوجهت
لجناحي , لن أتصرف بغباء كالسابق وأنام بعيدا ولن أرضى عنه
بسهولة طبعا فكان عليه إخباري بسبب إشاعة زواجه لا أن يأتي
ويزف لي الخبر وكأنه مبسوط جدا بردة فعلي ويريد أن يختبرها
لثاني مرة يفعلها أخفى عني أمر خالته حتى كبرت مشاكلنا وعظمت
والآن كاد يقتلني وابنه لا وحين خيرته لم يكلف نفسه ولو أن يقول لي
الحقيقة وقتها بل خرج وتركني وجلبها لي اليوم ويده على كتفها وقدّم
رحلته من أجلها , أعلم أنها مجرد مسئولية وفتاة يتيمة يرى أنه مسئول
عنها لكن ليراعي مشاعري أيضا أنا في النهاية امرأة وهي امرأة ولو
كانت صغيرة فهي فاتنة ومميزاتها كثيرة ولولا فارق العمر بينهما لكنت
قطعت له يده التي امتدت لها أمامي , زفرت بقوة بل بضيق وشغلت
التدفئة في الغرفة الباردة وتوجهت لغرفة الملابس أخذت فستانا قطنيا
قصيرا وسميكا وواسعا من الأسفل ليريحني فلن ألبس له قميص نوم
وأحتفل بقدومه , وضعت فستاني الذي كنت ارتدي حيث الثياب التي
سيتم أخذها لمعمل الغسيل واتكأت على المرأة وسرحت في الأرض
لا أنكر أني اشتقت له بل واشتقت جدا وكاد يغمى عليا حين رأيته
أمامي قبل موعد قدومه فلم أره منذ ذاك اليوم في المستشفى ولم اسمع
ولا حتى صوته لأني كنت أتصل لأبنائه به ليكلموه حين يطلبون ذلك
وأنا لم أتحدث معه وحمدا لله أنه حين أشاع ذاك الخبر عن موته كنت
في المستشفى لكنت حينها لن افقد جنيني فقط بل وحياتي معه وهوا دبر
كل ذلك ويعرف أني في المستشفى ولن أعلم قبل الصباح والمخطط
كان أن تسمع خالته لأن ما فهمته من معتصم حين تحدث مع عمه
منصور أن الطبيب اقترح هذا على جابر منذ وقت وهوا رفض وقرر
حينها فعلها وطبعا أصبح الجميع يعلم بقصتها وحقيقة أنها ليست والدتهم
وحكت لي بتول ما حدث يومها وكيف انهارت أعصابها وحدثت معهم
أمور هنا لولا عقل معتصم الكبير لخرجت للشارع مجنونة ولن يجدوها
وجاء جابر سريعا وسافر بها كما هوا مخطط لطبيبها هناك ومنذ ثلاث
أشهر وهوا وعمه منصور معها هناك ويبدوا عانت كثيرا وما
فهته أن حالتها تحسنت قليلا وجلبوها هنا ووضعوها في مستشفى
خاص حتى يحين وقت إخراجها , حين كان جابر هناك قرر أن
يرسلوا له والدتي أيضا ويفعل كل ما في وسعه لتتحسن حالتها
ولو قليلا وما أن بدءوا في إجراءاتها أخذ الله أمانته وماتت فكم
حزنت على فراقها فهي بقية أهلي ولم ترى لا أبنائي ولا أبناء
ابنتها حسناء وعانت طويلا وحين كتب لها الله أن تخرج أخيرا
لأنها كانت ميتة بحكم القانون سبق لها الموت
ارتجف كل جسدي وخرجت من أفكار حين سمعت باب الغرفة
وهوا يغلق وهذا جابر بالتأكيد , وقفت مكاني ولم أتحرك وأنا أسمع
حركته في الغرفة وفتحه للخزانة ثم توجه للحمام يحمل في يده منشفة
ووقف مكانه وعاد خطوة للوراء ونظر لي بالداخل ثم تابع سيره
قائلا " من ماذا هاربة هناك "
تنهدت بضيق وخرجت لحظة دخوله الحمام , ها قد بدأ بالسخرية
مني مزاجه في أحسن حالاته لكن لا مزاج لي له ويبدوا يسعده تعكير
مزاجي المعكر من أساسه , أخذت كريمة ترطيب وجلست على
الأريكة وبدأت بذهن يداي وقدماي فخرج سريعا بمنشفته ودخل
غرفة الملابس وخرج بعد قليل يرتدي بنطلونا وقميص داخلي
أبيض فقط وتوجه نحوي وجلس بجواري وأخذ علبة الكريمة
مني ووضعها جانبا وقال " كيف كان الحفل "
لم أجب طبعا فتسللت يده لرأسي وأخرج مشبك الشعر منه
وفتحه لينزل خلف ظهر الأريكة وكان مصير المشبك الأرض
طبعا فها قد جاء عدو المشابك , خلل يده فيه وقال
" هل سيطول هذا الصمت "
نظرت للأسفل ولم أجب فمد يده الأخرى لوجهي وأمسك ذقني
ورفعه وأدار وجهي له وقال هامسا وعيناه في عيناي
" هل أخبرتك اليوم حين أتيت أنك كنتي جميلة "
الله أكبر هذا تطور جديد فلم أسمعها منه سابقا مهما تزينت
ولبست نعم يريد أكل عقلي بكلمتين , ضننت أنك لا تتقن أسلوب
الرجال هذا في الخداع أو لا تعترف به يا جابر لكني أخطأت
بقيت أنظر له بصمت فقبّل شفتاي بشفتيه قبلة صغيرة وتحسسهم
بها فشعرت أنها سرت كارتعاشه في كامل جسدي وتوترت أنفاسي
فأتبعها بأخرى فأبعدت وجهي لأني سأضعف وهذا ما لا أريده حتى
نتفاهم أولا , أعاد وجهي ناحيته مجددا وقال " أرجوان هناك أمر لم
تعرفيه عني سابقا وهوا أني أكره ما لدي أن أتحدث لشخص يتجاهل
ما أقول وكأني جدار أمامه ولا أريد بالفعل أن أخطأ معك
فلا تحديني على ذلك "
أنزلت رأسي للأرض وقلت بحزن " وهل تعرف أنت ما أكره
وتتجنبه أم معادلة من طرف واحد فقط "
وضع ساق على الأخرى وقال " جميل سمعنا صوتك أخيرا "
ثم وضع ذراعه على كتفاي وقال " وما هذا الذي تكرهيه "
قلت ونظري لازال للأسفل " أن تتجاهلني أيضا وكأني جدار
في أمور كانت ستضع بل ووضعت حياتنا على المحك خالتك
وحقيقتها ومرضها ثم الفتاة وإخباري بزواجك بها أنا لست من
الإجرام أن أواجه خالتك بحقيقتها لو حكيت لي عنها بل كنت
سأراعيها وأتفهمها وننقد زواجنا من الضياع أو تراني فردا من
عصابة المجرمين وسأسلمهم الفتاة وأخبرهم عنها , ثم ماذا إن
علمتُ ليلتها بأي طريقة كانت بخبر موتك المزيف هل فكرت
في ذلك يا جابر , ماذا سيحدث لو كُنتَ عاملتني كزوجة
كإنسانة كشريكة في السراء والضراء كي لا يغرق
مركبنا وأكون أنا الملامة "
مال لكتفي وقبّله وقال " كل هذا تحمليه في قلبك علي "
قلت بحزن " وأكثر "
ضحك وضمني له بذراعه وقال " حسنا قولي كل شيء "
قلت بضيق " جابر لا تعاملني كالمعلولة نفسيا تتركها
تفرغ ما في قلبها وتتجاهل حل كل هذا "
تنهد وقال " حسنا وكيف نحل مشاكل فاتت وانتهت "
وقفت ووضعت يداي وسط جسدي وقلت " لا لم تنتهي لأنه
ستتبعها أخرى وغيرها وغيرها وطبعك لن يتغير لأنك مقتنع
به أنا أعرف أنك رجل عاقل وعادل أو ما كنت تحدثت أبدا "
اتكأ بمرفقه على ظهر الأريكة وسنّد رأسه بيده ناظرا لي
للأعلى وقال " نعم لكنتِ نمتِ في غرفة أمجد سابقا "
قلت بضيق " هل رأيت نفسك كيف تحاسبني أيضا على
كل شيء في الماضي ولا تنساه "
قال ببرود " كي لا يتكرر طبعا "
تركته وتوجهت للشرفة المغلقة ووقفت أمامها مكتفة يداي
لصدري وقلت " ولما معي كانت مشاكل قديمة لن نحلها الآن "
وقف وتوجه نحوي ووقف خلفي وضمني له بذراعيه وقال ويداه
تحضن بطني " حسنا وما حلها في رأيك سيدة أرجوان "
قلت مباشرة " لا تتكرر "
قبل خدي وقال مبتسما " هل أجلس أسرد لك مهامي وعملي
ومخططاتي لكل يوم إذا "
قلت ببرود " لا تسخر مني يا جابر أنت تفهم قصدي جيدا
ما تراه سيتسبب بمشاكل بيننا تُعلمني به وكأني نفسك وإن
خرج مني حرف منه فاقطع عنقي أنا راضية "
دس وجهه في شعري وقال " حسنا أوامرك مولاتي هل
ننتهي باقي ليلتنا على خير "
قلت " لا ... حقق لي شروطي أولا "
قال بعد ضحكة صغيرة " وشروط أيضا كل هذا
ولم تنتهي شروطك "
قلت " نعم فانا لم أتحدث عنها بعد "
تحسس بطني بيديه وقال " وكيف هي صحة ابن والده "
قلت ببرود " ابنة وليست ابن ولا تهرب من موضوعنا "
قال " فتاة إذا جيد كثرت الفرص لأبناء عمي منصور "
لذت بالصمت ولم أعلق فابعد يداه ولفني ناحيته وقال
" وما هي شروطك لنرى "
نظرت لعينيه وقلت " وتحققها أم ستسمعها وتسخر مني فقط "
قال بابتسامة جانبية " أسمع وأرى "
رفعت سبابتي لشفتاي وقلت " أقسم يا جابر أني لن أتنازل
عنها وإن وصلت بيننا المواصيل لأقصاها "
وضع يداه وسط جسده وقال " ولا تنسي يا أم قَسم أنك أقسمت
أن لا تطلبي الطلاق وإن ذكرته أمامي مجددا كسرت لك
رأسك ولن أطلقك مهما حدث "
قلت ببرود " لا تخلط المواضيع ببعضها "
قال بضيق " وما قصدك بأن تصل بيننا لأقصاها "
قلت بهدوء " أنت بدأت تفقد أعصابك ولن نتفاهم هكذا "
هز رأسه بلا ولم يتكلم فحضنته أنا هذه المرة ونمت برأسي
على صدره وقلت " جابر أقسم أني أنا هي لم تتغير فراعني
أنا امرأة وبشر ولي حقوق عليك أيضا "
ضمني له بذراعيه وقال " ولم أنكر هذا يا أرجوان ورغم تعبي
جالس معك منذ وقت في حرب بالكلام لنصل لحل لكل هذا "
ثم أبعدني عنه وأمسك وجهي وقال " قولي ما لديك
وسأعمل جهدي لتحقيقه "
قلت مبتسمة " وهذا ما أريد وستستطيع تحقيقه إن أردت ذلك "
أنزل يداه لذراعاي وقال " حسنا قوليها ولا تكثري "
لويت شفتاي وقلت " دائما تفسد جملك بكلمات تختمها بها "
ضحك كثيرا ثم قال " أقسم أني اشتقت "
نظرت له بصدمة فقال بمكر " اشتقت لأن أتوقع ردود
أفعالك وأخطأ كالسابق "
تنهدت بيأس فقال " بسرعة لننام ألا تشعري بالتعب "
قلت بنصف عين " ننام ... سنرى "
ضحك وقال " كله نوم هيا قولي ما لديك "
قلت " أول شيء أريد منزلا لي وحدي أنا من آمر وأنهى فيه "
أبعد يداه عن ذراعاي ووضعهما في جيوب بنطاله وقال
" يا ظالمة يا أرجوان ألستِ الآمر الناهي هنا ثم نكاد
نجد حلا لمشكلة خالتي وستشفى "
هززت رأسي بلا وقلت " يبقى ليس منزلك ومنزلي
والجميع حقهم فوقي "
قال " هذه محلولة والمنزل جاهز لكن خالتي لن تكون إلا معي "
هززت رأسي بحسنا وقلت " ولست أمانع ذلك بل لن
أوافق على غيره "
قال مبتسما " الأولى حللناها فهاتي الثانية والأخيرة "
قلت ببرود " في أحلامك فمازال هناك اثنتين "
قال بذات ابتسامته " أمري لله قولي هيا "
أشرت بأصابعي وقلت " ثنيا تترك الشرطة بجميع مجالاتها
ولا تكون ولا حتى شرطي مرور لا أريد أن نخسرك وأن أسهر
ليلي آكل نفسي انشغالا عليك فكم حرمتني النوم لليالي وأنت
في عملك وحتى أحلامي أصبحت كوابيس بأنهم قتلوك "
أمسك أنفي وقال " حاضر "
قلت بصدمة " حقا وافقت بسهولة ظننتك سترفض "
قال ببرود " وهل كنتي تبحثين عن أمور أرفضها "
هززت رأسي بلا فقال " هذا لأني عاهدت نفسي سابقا حين
أصيبت ترف أن أترك الشرطة ما أن تنتهي قضية المصانع
فقط بقي لي أمرين سأقوم بهما أولا "
ثم أمسك أنفي مجددا وقال " أتحفينا بالثالثة "
أبعدت يده وقلت " كلامك ذاك في السابق "
نظر لي بحيرة وقال " أي كلام "
قلت بضيق " نعم نسيته بسهولة معك حق "
بقي ينظر لي بعدم فهم فقلت " التعود والعشرة والبطيخ أريد
أن أفهم حالا قصدك به ومكانتي لديك "
وضع يديه وسط جسده ينظر لي في صمت فقلت
" سنبقى هكذا حتى الصباح أو تتحدث بالحقيقة "
قال " أي حقيقة "
قلت بغيض " جااااابر تكلم حالا "
رفعني ورماني على السرير وقال " لم أفهم بعد "
جلست وقلت " بل تفهم "
جلس بجواري وقال " حققت لك اثنتين فاشطبي على
الثالثة ونكون تعادلنا "
هززت رأسي بلا وقلت " هذه هي الأهم "
حضن وجهي بيده مخللا أصابعه في شعري وقبّل خدي
وعنقي وأعادني للوراء نائمة على السرير وقال بهمس
" لو كانت الأهم ما تركتها في الأخير "
قلت باستياء وهوا منشغل بقبلاته لخدي وعنقي
" جابر لا أريد لتلك الليلة أن تتكرر وتقتلني بها "
ابتعد عني حينها وقال بضيق " أرجوان والمطلوب في
هذه الليلة الطويلة "
جلست مجددا وقلت " قل فقط أن ما بيننا ليس عشرة وتعود
وغريزة وباقتناع منك ولن أطالب بغيره لأني يئست منه "
بقيت انظر له منتظرة جوابه لحظة أن سمعنا طرقات على
باب الجناح سريعة ومنخفضة ومتتالية فقفز واقفا وتبعته
قائلة بخوف " يا رب إلا أبنائي "
وخرج وأنا أركض خلف وفتح الباب فكانت بيسان واقفة أمامه
وقالت باكية " بابا ترف مريضة كثيرا تعاليا بسرعة "
فخرج راكضا وأنا اتبعه حتى دخلنا غرفتيهما وكانت في سريرها
تئن وتتنفس بصعوبة يتحرك معها صدرها وينتفض من حين
لآخر فبدأت بالبكاء وحملها جابر وقال " أرجوان يكفي جنون
ولا تنسي صحتك ستكون بخير "
خرج بها وأنا أتبعه قائلة " علمت أن ركضها وحركتها
الكثيرة اليوم لن تمر بخير هذا "
وصل السلالم والتفت لي وقال " أحضري لي قميصا بأزرار
بسرعة وأنزليه لي للأسفل ولا تنزلي هكذا "
ثم نزل مسرعا وركضت أنا جهة الجناح ودخلت وأخرجت له
قميصا ولبست عباءتي وحجبي ونزلت فكان قد وضعها في السيارة
فأعطيته القميص وقلت وهوا يلبسه " سأذهب معكما لا تمانع
جابر أرجوك "
ركب السيارة وقال " حسنا بسرعة "
ركبت معها في الخلف وغادرنا فورا وكان يغلق أزرار القميص في
الطريق وأنا أحضنها في الخلف وأبكي بصمت وتفكيري معها ومع
بيسان التي بقيت هناك تبكي , مسكينة يا ابنتي كم ستشهدين من
فواجع وأناس تمرض أمامك , نظرت لجابر وقلت " بيسان
وحدها هناك وأصبحت تخاف اتصل بالفتاة سما تبقى معها "
أخرج هاتفه فورا واتصل بها فأجابت سريعا وقال " اعذريني
أيقظتك من نومك لكننا خرجنا للمستشفى وأريدك أن تبقي مع بيسان "
سكت قليلا ثم قال " لا .... ترف تعبت قليلا وأخذناها معا وشقيقتها
تخاف منذ رأتها مصابة وسأطمئن إن كنتي معها "
قال بعدها " شكرا يا سما "
" نعم بالتأكيد سنطمئنك وداعا الآن "
ثم أعاد الهاتف لجيبه ووصلنا للمستشفى وأنزلناها هناك وأدخلوها
قسم الطوارئ ودخل لها طبيبان سريعا وبقينا نحن في الخارج ولم
يتحدث أي منا مع الآخر والتوتر فقط بلغ حده عندي , خرج الطبيب
سريعا وتوجهنا نحوه فقال في الفور " يبدوا أجهدت نفسها كثيرا
وقد حذرنا من هذا , ما بكم وكل شيء كان يسير على ما يرام "
قلت من فوري " حاولت جهدي لكنها طفلة ولعبت
كثيرا مع الأطفال "
هز رأسه وقال " لا تقلقا ستكون بخير ولقد نامت الآن , رئتها
ما تزال متعبة وعليكم الاهتمام براحتها أكثر أعلم أنه أمر صعب
على طفلة لكن الإهمال ستكون عواقبه سيئة على مستقبل
رئتيها وتنفسها "
قال جابر " هل هي بخير الآن "
قال " نعم سيدي أبقوها هذين اليومين هنا وستكون أفضل "
ثم غادر وتركنا فضممت يداي لصدري وقلت بهمس
" حمدا لله جاءت على هذا "
فحرك جابر رأسه وتنفس بقوة وكأنه يمسك نفسه عن الكلام
فقلت " جابر لا تلقي باللوم علي أقسم أني كنت أرعاها أكثر من
نفسي وصحتي وأمامك الطبيب قال أن كل شيء كان على ما يرام
ومن كثرة ضغطي عليها ومراقبتها تركتها تلعب بالأمس فقط
حتى الرقص منعتها منه "
نظر للأرض ومرر أصابعه في شعره وقال " دعينا نرجع للقصر
الآن وسنعود صباحا "
أمسكت ذراعه وقلت " أتركني معها "
رفع رأسه ونظر لي فقلت بدمعة محبوسة " ليس من أجلها فقط
بل ومن أجلك وأجلي أتركني حتى تخرج "
هز رأسه بحسنا وغادر وتركني وقد فهم بالتأكيد معنى كلامي
لا أريد أن ترجع تلك الأفكار لرأسي واشعر مجددا انه ينام معي
من أجل غريزته وتعوده وكل تلك الأشياء التي غرسها في عقلي
سابقا فرفضه الكلام في الأمر سيجعلني أرجع لذات الظنون وقد
أقول أشياء أندم عليها لاحقا كما حدث في السابق , أعلم أنه عاد
من سفر دام لأشهر ومن المفترض أن ينام مع زوجته وليس
وحيدا لكن مصاب أخف من أسوء منه
*
*