كاتب الموضوع :
غيمة كبرياء
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حبات مطر من غيمة الشتاء | بقلمي .
الغيمةُ الثانية :
حبّةُ المطرِ الرابعة :
بعد ما سَمع [ مُراد ] ما قالتهُ [ ميّادة ] أصبحَ يفكر كيف سيستعيدُ [ رشـا ] و أيّ قُربان يقدمهُ لها لتقبل قُربه ؟ .
تمضي الثواني ، و الدقائق و الساعات و الأيام و تتكوّر لتعيد نفسها ! ، و كأن ما عشته قبل سنوات ، تعيشهُ الآن مرةً أخرى ، في كل هذهِ الفترة كان يحاول [ مُراد ] محادثة [ رشـا ] لكنها كانت تتجنبه ! و لم تعد تخرجُ مع أحدٍ مثلما كانت سابقاً ، فقط أصبحت مُنكبةً على الدراسة كَونَ هذهِ السنة هي السنة الأخيرة ، و لِتعوض الوقت الذي استهانت بهِ بدايةَ العام ، إلا أن جاءت فترةُ الاختبارات و انتهت ، قررت [ رشـا ] العودةَ فوراً لأرضِ الوطن ، فما الفائدةُ من المكوثِ هنا ؟
أخبرت بذلكَ [ أحمد ] و [ ميّادة ] ، لكنها حين كانت في المطار ، رأت [ مُراد ] فتوجهَ إليها قائلاً : رشـا ، حطي نفسِك مكاني لمرة وحدة بس و رح تفهمي .
التفتت له و ببرود : أوكيه ، و بعدين ؟
نظرَ إليها [ مُراد ] منتظراً منها أيّةَ اجابة .
فظلّا صامتينِ لوهله ، لكن [ رشـا ] تكلمت حين سمعت نداءَ رحلتها : خلاص انسى الي صار ، كل إلي صار عشاني كنت ما أبغى أندم لما أعرف النسبة .
و قبل أن يتكلم [ مُراد ] أردفت [ رشـا ] : و الحين صار لازم أروح .
فذهبت في سبيلها ، و [ مُراد ] يُراقبها دون أي كلمة وداع ! ، لم يكن [ مُراد ] يتوقع يوماً أن هذا ما سيحدث بينهما ، مع أنّ [ رشـا ] لم يكن حبها ظاهراً و لكن كان لهُ بريقٌ خاص في عينيها الداكنتين اللتان تبدوان كَغيمتين سوداوين وسطَ سماءٍ صافية .
عادَ [ مُراد ٌ ] للواقع و فتح الصفحةَ التي تليها :
[ الأول من يناير لعامِ ألفين و أثني عشر :
مساءَ اليومِ وصلتُ أخيراً لأرضِ الوطن ، فاستقبلتني أمي بِحُضن دامعٍ ككُل أمٍ ، و حُور ضمتني إليها و الشوق يلمع في قزحيتيّ عينيها ككل ِ أخت لم تولد من رحم ِ الأم ، و طبعاً جدتي أنا التي أنكببت في حُضنها ، و طبعاً بدون أي دموع .. فلطالما كنت متأكدة أن الدموع ليست سوى ضعف ] ! .
ظنّ [ مُراد ] أن هذهِ الصفحةَ ليست مُهمة ، فقرأ التي تليها و كانت ملونةً على الهوامشِ باللون الأسود ، و خطُ الكتابةِ كان مُتجهاً تارةً يميناً و تارةً يسارا ً ! و كأن من كتبهُ ، كتبه باكياً :
[ الثاني من يناير لعامِ ألفين و أثني عشر :
اليوم مسحت أمي بي الأرض ! ، قائلةً أنَ هناك اتصالاً قد وَرد إليها و محتواهُ باختصار أن ابنتها المحترمةَ [ رشـا ] على علاقةٍ بأحد الشُبان ، فقد كنتُ نائمةً حينَ دخلت أمي غرفتي و كأنها داخلةٌ لفتح الأندلُس ! فصرخت عليّ قائلةً : رشـا !
فحسِبت أن شيئاً سيئاً حدث لأحدهم و لم أكن أتوقع أنها تقصدني : قولي لي شاللي سويته بأمريكا ؟
اقتربت مني و الشرر يتطاير من عينيها و هي تقول بغضب : تكلمي يلا ، هذي الدراسة مالِك ؟ يعني انتي ما كنتي ناقلة عشان الأوضاع السياسية ؟ كنتِ تكذبي و أنا أصدقك .
فقلتُ لها : أمي شاللي صاير ؟
فردت علي بغضب أشد مما سبق : شاللي صاير ؟ تسأليني شاللي صاير ؟ رايحة هناك و عارفة لك واحد و الله أعلم شصار بعد !
فقلتُ لها و علاماتُ الصدمةِ واضحةٌ على ملامح وجهي : أمي ، أنا بنتِك ؟ يعني تصدقي الناس و تكذبيني ، أحلف لك ما صار شي من الي فكرتي فيه .
فقالت أمي و الغضب قد بلغ ذروته : تراك بنت أبوك شاللي يطلع من وراك ؟ يعني أنا ربيتك و تعبت فيك في النهاية هذا الي تسويه ، ما رح تكوني أقل من أخوك الي مسك دربه و شرد ! ، بس كنت غلطانة لو أبوكم أخذكم معه كنت ارتحت من شرك انتي و اخوك .
فأردفت بعبارةٍ جرحت قلبي و جعلتهُ ينفلق ُ لنصفين : أنا ما رح أرتاح إلا لما يجي اليوم الي يقولوا لي فيه رشا ماتت و لحقت أبوها ، ما رح أذكر أخوك لأنه بالنسبة لي مات من زمان ! .
عَضتت شفتاي محاولةً منع دموعي من الانحدار .
حينها تدخلت [ حُور ] التي كانت تراقب كل شيءٍ بصمت منذ البداية و فتحة ٌ فاصلةٌ بين شفتها العليا و السُفلى توضح أنها فعلاً لم تكن أقل صدمةً مني : بس يا خالتي ، يمكن الي اتصل فيك ، كان كذاب ما كان المفروض تصدقيه .
صرخت أمي على [ حور ] : حور ! ، لا تتدخلي و خليك بشغلك ، لا تحاولي تغطي عليها ، مع اني أشك انك رح تلحقيهم بيوم من الأيام .
صُدمت و صُدِمَت [ حور ] أيضاً ، اتجهت امي بتجاهِ باب غرفتي العريض لتخرج حين وقفت فجأة و استدارت و اتجهت لِهاتفي الذي كان موضوعاً بجانب أحد الكتب على الطاولةِ المكتبية ، فأخذتهُ ، فقلتُ لها : أمي ، انتظري لازم تفهمي .
فقالت أمي : ماني أمك و لا تحاولي تكسري قلبي عليك ، الحين عرفت حقيقتك .
فالتفتت لتخرج ، حين قلتُ لها و الدموع تتراكم في عينيّ : الحين ؟ أيوا أكيد الحين ، لأنك بعمرك ما كنتي مثل أي أم !
لم أكد أكمل حديثي حتى تلقيّتُ صفعةً من أمي ، فلم أنطق بأي شيء !
بعدها خرجت أمي ، و نظرت إليّ [ حور ] بِحُزن و دموعها تتساقط بِخفة ، ابتسمت لها بمعنى أنني بخير ، فلطالما كانت [ حور ] فتاةً رقيقةً و حساسة بعكسي تماماً ! ، بعدها لحقت بِأمي التي هي خالتها التي اعتنت بها بعد موت والديها ، محاولةً فهم منها ما حدث ! .
لكنني أعلم أنّ كل ما حدث بسببي والدي الذي تركنا .
بعد أن أنتهى [ مُراد ] تلكَ الصفحةَ ظلّ يفكر بِحقيقةِ والدها ، فقرر أن يكمل القراءةَ علّه يجد شيئاً ما ، ففتح الصفحةَ التي تليها :
[ الثالث من يناير لعامِ ألفين و أثني عشر ،
غصبُ أمي هو عينهُ الجحيم ! .. فاليوم قد رأيتُ [ حور ] و معها امرأةٌ متوسطةُ السن ، تقوم برسم بعض الزخارفِ الجميلة ف يديّ [ حور ] بالحناء ، فقلت لها أنني أيضاً أريد ! ، فاستغربت [ حور ] و بشدة ، أنا ؟ أنا التي أكره رائحتهُ و شكله و لم أزيّن به يديّ منذ سنين َ طويلة !
فبعد أن انتهت [ حور ] وضعت لي المرأةُ بعض الزخارف البسيطة كما أردت ، و كلُ هذا كان لِزفاف [ فارس ] ، فرحلتِ المرأة حينها سألتني [ حور ] : معجزة ياخي ! ، من متى ؟
فضحكت و كدت أقول أنّني أنا بنفسي لا أدري لماذا حين جاءت أمي و هي تقول : تستعد للمستقبل !
كنت أريد الرد عليها حين أمسكت [ حور ] يدي و ضغطت عليها بمعنى لا تنطقي بشيء !
فذهبت متوجهةً للمغسلةِ القريبة بعد أن أحسست أن يد [ حور ] تراخت و ابتعدت عن يدي ، فغسلتهُ و غسلتهُ و لكن لونهُ البرتقالي الباهت كَ حياتي الباهتة لا يزال باقياً ! ، فزدت سرعة و كثاقة تدفقِ المياه ! ، لكن دون جدوى ، فذهبتُ أمام عيني والدتي و [ حور ] لطاولة ِ الطعام القريبة و أخذت سكينا محاولةً كَشط كفيّ حينما سقطت عيني على يدٍ تمسكُ السكين ، كان [ فـارس ] ! ، فارس الذي لم أرهُ منذ ثلاثِ سنواتٍ إلا أيامَ العيدين ! و لم أحدثه منذ ستة أعوامٍ ربما ، لم ينطق بكلمةٍ ، فقط أبعدها ، فذهبت لغرفتي صاعدةً حبات الدرج حينها لحقتني [ حور ] خوفاً من أن أقص يدي كلياً ، فقالت و هي تغلق الباب خلفيّ : رشـا ، خالتي معصبة و تعرفيها لما تعصب ، انتِ امسكي اعصابك !
نظرتُ إليها بقهرٍ و أنا أقول : خالتك الي لما تعصب ما تعرف حد هي بسببها أبوي تركنا و بسببها أخوي مُراد راح و لا رجع ، و بسببها أنا رح ألحقهم ، خالتك هذي ما همها إلا نفسها .
لم أكد أكمل كلامي ، فقط قطعتهُ [ حور ] بصفعتها التي طبعتها على خديّ ، فنظرتُ إليها و أنا في أشد حالاتِ الاستغراب ، فقالت و الدموع متكدسةٌ في عينيها : لا تتكلمي عن أمك بهذي الطريقة ! ، هي تحملت كل هالعذاب زوجها تركها و ترك لها بنت و ولد و الي زاد عذابها بنت اختها اليتيمة ، بس هي ربتنا و ما خلتنا نحتاج لشيء ، الناس كلها كانت حاسدتنا ، مُراد لما راح ما كان لخالتي أي دخل فيه ! شفتي هي شاللي تحملته ؟ ، و انتِ كلمتين منها ما تحملتيهم .
كان كلامُ [ حور ] صحيحاً لكن غضب أمي مؤلم و كأنهُ شرارةٌ من شراراتِ الجحيم ! ، لكنني لم أرد عليها ، فقط صمتت و تجاهلتُ كلامها ، و ذهبت لِأكمل الروايةَ التي بدأت قراءتها مؤخراً ، ما إن خرجت [ حور ] حتى سالت دموعي ، أصبحت متأكدةً أنني ضعيفةٌ و هشةٌ و سريعةُ الكسرِ !
فذهبت لِمكتب والدي المهجور منذ رحيلهِ الغير مُبَرَرْ ، ذهبتُ و أنكبتت على الأرض و أنا أبكي بشدة ، و دموعي تتساقطُ على الأرض كحباتِ المطر المتساقطةِ بشدةٍ فصلَ الشتاء ! ، كنت أريدُ أن أسأل أبي لماذا تركنا ، فقد كانت أمي مختلفةً لكنّ رحيله هو من صنعَ منها انسانةً عصبيةً لا تتحمل أبسط الأشياء ! ، و ترمي الكلام بكل سهولة ، وضعتُ يديّ على فمي محاولةً إخفاءَ شهقاتي ، أحس أنني لم أبكي هكذا منذ زمن ، منذ ذلك الزمن الذي اختفى فيهِ أبي و بعدهُ [ مراد ] و لحقهما [ فارس ] و الآن [ مُراد ] .. بكيتُ بشدة ، أريدُ غسل كل الآلام العالقةِ بقلبي ، بعدها أوقفتُ دموعي و مسحتها بظاهرِ يديّ و وقفتُ و قلتُ لنفسي أنني لستُ محتاجةً لأي أحد ! ] .
فتحَ [ مُراد ] الصفحةَ التي تليها فقد كان يريد معرفةَ ما الذي حدثَ لِـ [ رشـا ] بعد ذلك ، فقد كانت الصفحةُ مزخرفةً بزخرفةٍ طوليةٍ باللونين الزهري و الأصفر :
[ الرابع من يناير لعامِ ألفين و أثني عشر :
اليومَ اتخذتُ قراراً سيجعل أمي تشعرُ بالراحةِ ، فقد حزمتُ حقيبتي و قررتُ الذهاب للمكوثِ عند جدتي ، عندما كنتُ متوجهةً للخارج ، سألتني أمي و لكنني لم أجبها ! ،
فقالت و هي غاضبة : بس ما رح تطولي ، بكره انتي راجعة لأنها خطوبتك .
فالتفتت إليها و أنا مصدومة .
فقالت : ما رح أخليك على هواك ، و هذي كلمتي .
فابتسمت لها كتلك الابتسامةِ التي ابتسمتها لِـ[مُراد ] من قبل ، و ذهبتُ لعند جدتي ، فجدتي هي الأمانُ بعينهِ ، و هكذا قضيتُ يومي مع جدتي ، محاولةً تناسي الخطبةَ القَسرية التي سترغمني عليها أمي ، فبهذا لم يصبح أحد في منزلِ جدتي سواي و هي و [ فارس ] ، فـ[فارس] منذ أن كان صغيراً تربى في حُضن جدتي و لا يزال إلى الآن ] .
|