الفصل الرابع
ما بين جرح وجرح ينبت الأمل
وضعوني في إنـاءْ
ثُمّ قالوا لي : تأقلَـمْ
وأنا لَستُ بماءْ
أنا من طينِ السّمـاءْ
وإذا ضـاقَ إنائـي بنمـوّي
..يتحطّمْ !
أحسست بأحدهم يمسك يدي ويضغط عليها بقوة , وصوت اعرفه أو كنت اعرفه يتردد على مسمعي , اعتقدت انني أحلم , فتحت عيني ببطء , لم يكن ما أراه واضحاً , اشعر بالتشويش في عيني , وكأن غمامة تحجب عنِّي الرؤية ,بدأت الصورة تتضح شيئاً فشيئاً , تلك الملامح المألوفة لي , الملامح التي أعرفها جيداً , أتراها هي ؟ , هل أنا أتخيل مجدداً ,همست بصوتي الضعيف اريد ان أتأكد مما تراه عيني : نور , انتي نور ؟
جاءني صوتها الحنون ليأكد لي شكوكي : بسم الله عليك , هالة تسمعيني ؟
انها نور , انها حقَّاً اختي نور , رفعت بجسدي بصعوبة ,فاحتضنتني ,وذلك ذكَّرني بدفء حضن أمي , تمنيت ان لا تنتهي تلك اللحظات ابداً, قلت من بين دموعي : نور ليه تأخرتي ؟ ليه تركتوني هنا ورحتو عني ؟ نور انا ماسويت شي غلط وربي , اقسم بالله ماسويت شي , نور ابوي شلونه ؟ قولي له اني ماسويت شي , هذا مو انا اللي في الصور , مو أنا ,نور تكفين صدقيني , تكفين نور
ابعدتني عنها لتمسح دموعي عن وجهي , وكانت تبكي مثلي : مصدقتك بدون ماتقولين , والله مصدقتك
كلماتها أراحتني , وازالت جزءً ضئيلاً من آلامي المتراكمة , قلت وانا مغمورة بالخوف والقلق على ابي المريض : ابوي ؟ شخباره ؟
نور : لا تخافين , ابوي بخير
تنهدت بارتياح بالغ : نور ما قدر اعيش بدونكم , خذيني معك تكفين
نور : ما اقدر هالة , واخاف ترجعين البيت حامد يسوي فيك شي
صرخت : يعني ابوي بعده مو راضي عني ؟ قولي له لايصدق الصور مو حقي , وحامد بعده يبغى يذبحني ؟ طيب وليلى ؟ ليه ماجت معك ؟ حتى هي مصدقة ؟
ارتبكت وحاولت تهدئتي : هالة خليك قوية , كله شهر او شهرين بالكثير لين ماتهدى الأمور شوي وبجي اطلعك من هنا
لم تجاوب على اسئلتي , ففهمت من ارتباكها ان توقعاتي صحيحة , لقد تخلو عني جميعاً وصدقوا تلك الكذبة ,حتى ليلى توأم روحي لم تعد تريدني
صرخت بأعلى صوتي : الصور مو لي , ليه ماتفهمون ؟ ليه ماتفهمون ؟ الصور مو لي , والله انا ماسويت شي , ليه ماتصدقوني
أنا ما أقدر اعيش وابوي مو راضي عني , ما اقدر اعيش بعيد عنكم ماقدر ,ليه ماتفهمون ؟ ما اقدر اعيش لوحدي , لا تظلموني , الصور مو لي
امسكت بيديها وانا لازلت اصرخ : ليه ما تركتيني اموت ؟ انا المفروض كنت أموت في ذيك الليلة ليه ما خليتيني أموت ؟
صرخت في وجهي : اذا كنتي بريئة تصرفي على هالأساس , ربي كتب لك عمر جديد عشان تثبتين براءتك للكل ,انتي اقوى من كل شي يجيك , , انتي اقوى من كلم هم ومن كل مشكلة , لا تخليهم يحكمون عليك بشي انتي ماسويتيه , اذا كنتي مظلومة وبريئة تصرفي على الأساس , ربك ما خلق عبد ونساه ,
قلت بصوت مهزوز: بس ما اقدر لحالي
نور : تقدرين , خليك واثقة من نفسك , وانا ما بتركك , منصور يحاول يوصل الى اللي رسل الصور , وان شاء الله نوصل له , وانتي في هالمدة , خليك قوية ولا تخيبين ظني فيك , ادري صعب , بس لازم تحاربي عشان شرفك وكرامتك .
كلامها أثر في نفسي , أجل يجب علي ان احارب لأجل شرفي , يجب علي ان اثق بها , واصبح قوية ولا استسلم , و " ربي ماخلق عبد ونساه " ولكن هل يمكنني فعلها وحدي ؟ هل يمكنني التحمل ؟ وانا منفية ومنبوذة من جميع من احببتهم
خَيَّروني
بَيْنَ مَوتٍ وَبَقاءْ
بينَ أن أرقُـصَ فوقَ الحَبْلِ
أو أرقُصَ تحتَ الحبلِ
فاخترتُ البقـاءْ
قُلتُ : أُعـدَمْ.
فاخنقـوا بالحبلِ صوتَ الَببَّغـاءْ
وأمِـدّوني بصمـتٍ أَبَـديٍّ يتكلّمْ !
* أحمد مطر
,
كان جالساً الى جانب مريضه الستيني "ابو سالم " , يطمئنه ويشرح له سير العملية مجدداً, كانت عملية استئصال ورم في البنكرياس , وكانت تشكل لمنصور تحدياً , قال المريض بشيء من الخوف : انت سويت هالعملية من قبل يادكتور ؟
منصور : سويتها خمس مرات من قبل
ابو سالم : ونجحت في كل هالخمس مرات ؟
منصور : نجحت ثلاث مرات ومرتين لا
ابو سالم : بس هالمرة بتنجح صح ؟
منصور : انا بسوي كل اللي اقدر عليه يا ابو سالم , ان شاء الله هاذي تكون المرة الرابعة اللي انجح فيها فهالعملية
ابو سالم : ان شاء الله
منصور بابتسامة :العملية صعبة وخطيرة يا ابو سالم , واسألك مرة ثانية اذا كنت مصر على انك تسويها , تقدر تكمل علاجك على الكيماوي
ابو سالم : لا يا ولدي , انا ما ابغى اعيش طول عمري على الكيماوي خلاص اذا الله كاتب لي اعيش بعيش ان شاء الله , بس هذا البلا الكيماوي ما اقدر اعيش عليه طول عمري , توكل على الله يا دكتور
منصور : اجل توكلنا على الله , اشوفك في غرفة العمليات
كان ابن المريض سالم واقفاً بجانب والده , تحدث مع منصور بعد ان خرجا من الغرفة : اوعدني يا دكتور ان كل شي بصير مثل ماهو مخطط له
منصور : انا اوعدك اني بسوي كل شي اقدر عليه , اكثر من كذا ما اقدر , ان شاء الله كلشي يمشي مثل ماخططنا
سالم : انا متوكل على الله ثم عليك يا دكتور
منصور : ان شاء الله اكون عند حسن ظنك
كانت بجانبه الممرضة منيرة تساعده في هذا اليوم , ولا تنفك عن اسلوبها المبالغ في مدح الدكتور منصور امام المرضى , منيرة : الدكتور منصور من احسن الدكاترة هنا في المستشفى
تجاهلها منصور بعد أن ابتسم لسالم بودية , يكره هذا النوع من الممرضات , وجه مليء بالمساحيق . نصف شعرها مكشوف , فرقعة العلك في فمها بطريقة ملفتة , مشيتها المغرية بصوت كعبها العالي ,طريقة كلامها المثيرة بصوتها المتصنع وضحكتها المرتفعة ورائحة عطرها القوية , كان يحاول تجنبها بقدر ما يستطيع , ويحاول ان لا ينظر اليها وهو يحتقرها في داخله , اما هي فكانت " ناشبة له في كل مكان "
قال لها بحزم : روحي جهزي المريض للعملية , ولو سمحتي اسلوبك معي قدام المرضى ما ابغى يكون كذا
منيرة بدلع : ههههههههههه كيف يعني ؟
منصور : المدح اللي ماله داعي و كلامك الكثير في غير العمل , هالاسلوب انا اتضايق منه , فخلينا متفاهمين من البداية أحسن
منيرة ولم يعجبها ما سمعته منه : طيب انا بروح اجهز المريض فيه شي اسويه قبل ؟
منصور وهو يلتفت عنها : لا
مشى عنها وامسك هاتفه المحمول ليجري مكالمة سريعة مع ابن عمه الذي له علاقات مهمة وعديدة مع الجهات المسؤولة لمثل قضية هالة : الو السلام عليكم , مرحبا يا ابو سعود شخبارك
ابو سعود : حياك الله يا دكتورنا , الله يسلمك
منصور : وش صار على الموضوع اللي قلت لك عليه
ابو سعود : الموضوع صعب يا منصور , انت ماقلت لي المقطع اللي انرسل للبنت وش فيه بالضبط ؟
منصور وانحرج من سؤاله : صور خاصة للبنت , بس وش فيه بالضبط ما ادري
ابو سعود : لازم نعرف بالضبط وش في الفيديو عشان نعرف نتصرف , ونعرف نحلل المكان اللي صوروا فيه , واذا كان فيه احد معاها او لا
منصور : والله ما ادري يا ابو سعود , انا ما ابغى افضح البنت اكثر يكفي اللي صار
ابو سعود : لا تخاف كلشي راح يكون بسرية ان شاء الله , بس نحتاج معلومات اكثر , انت ارسل لي رقم هذا سلطان , وان شاء الله خير , ماقلت لي فيه احد مع البنت في الصور
منصور : والله مادري , انا ماشفتهم , يعطيك العافية يا ابو سعود وما تقصر
انهى المكالمة بالشكر والامتنان لابو سعود , ينتابه الكثير من الإحراج عندما يتحدث مع احدهم في هذا الموضوع المخجل , ولكنه وعد نور ويجب ان لا يتراجع في ذلك, ولأجل عين تكرم ألف عين
,
اتناول طعامي وأنا اجلس على سريري في الغرفة المخصصة لي , بعد ان اجبرتني نور على تناوله , اشعر بالضعف والتعب في جميع جسدي , كانت نور ترتب ملابسي التي احضرتها معها في الخزانة , وانا افكر في كلامها الذي قالته لي منذ قليل , متى لبست ذلك الثوب الأحمر القصير ؟ وماذا عن السلسال الذهبي المعلق عليه اسمي ؟ ذلك السلسال الذي كان لا يفارق عنقي ثم اختفى فجأة , ولا أذكر بالضبط متى ضاع مني , كل ما اتذكره انه اختفى بعد حفلة زواج حضرتها مع الهنوف وليلى , بحثت عنه كثيراً ولم أجد له أثر , اما بالنسبة الى ذلك الثوب الأحمر , فقد كنت البسه كثيراً ولا يمكنني ان احدد بالضبط المناسبات التي لبسته فيها , اقتربت مني نور بعد ان انتهت من ترتيب الخزانة : رتبت لك الخزانة وحطيت لك المستلزمات الشخصية في الدرج الأخير , اذا احتجتي شي كلمي ياسمين , وكملي صحنك تبغين تموتين من الجوع انتي ؟
قلت لها وقد مللت من تناول هذا الحساء : بس خلاص شبعت
نور : هالة لا تخليني اقلق عليك واحاتيك , لازم تقوي نفسك وتاكلين وتهتمين بنفسك
رددت بانصياع : طيب
نور : تذكرتي شي عن ذاك اليوم ؟
أنا : لا بس اتذكر اني ضيعت السلسال لما كنت طالعة مع ليلى والهنوف في زواج
نور : زواج مين ؟
أنا : زواج اقرباء الهنوف وكانو حاجزين ليلى وشلتها عشان التصوير فاضطرينا نقعد لنهاية الزواج
نور : ووين كان هذا الزواج ؟ في صالة والا فندق ؟
حاولت التذكر وبعد فترة من التفكير الطويل : كأن في الشيراتون بس مو متأكده , ليه تتوقعين هالشي له علاقة بالصور
نور : مادري والله , ماني شايفة لهالموضوع حل , وصايرة اشك في كلشي وف الكل
بعد ان انهيت طعامي , القيت بجسدي الضعيف على حضن اختي واستسلمت للنوم , وانا اشعر بالأمان والراحة بوجود اختي الى جانبي , تمنيت لو ان بامكانها ان تبقى معي الى الأبد
,
يقلب صورها المخزنة في جواله , ذكريات على شكل صور تجمعهما معاً , "الريم " حب الطفولة والمراهقة , لا يعلم في قرارة نفسه ان كان حباً حقيقياً ام انه حب التملك فقط . في البداية كانت تتجاهله وتتجنبه وتحب ان تحرجه وتدعي أنها تكرهه وهذا ما جعله يتعلق بها أكثر , كان مهووساً مولعاً بها وبجمالها الأخَّاذ , كانت آية من الفتنة والجمال , استدرجها ولاحقها الى أن وقعت اخيراً في حبه , ومضى معها ايام وليالي لا تتكرر , ولكن الخيانة كانت تجري في عروقه فخانها مرة ومرتين وثلاث بل أكثر , وعرفت بقباحة فعلته , وكانت ردة فعلها مبالغة بعض الشيء , اذ انها قررت الانتقام منه بالمثل , فادعت على انها مع علاقة بصديقه المقرب سلطان الذي لم يكن يعلم بنيتها الكاذبة , فاشتعلت المشاكل بينهما حتى انها وصلت الى سلطان الذي يعتبر ضحية في هذه الحكاية , عرف بكذبها بعد ان تأخر الأمر وبعد ان ازدادت الامور سوءً بتصرفاته الطائشة المجنونة الذي هدمت كل شيء , اراد اصلاح الأمر بخطبتها من ابيها ولكن والده كان من أول المعارضين بسبب حسابات قديمة ودفتر لم يغلق مع والد الريم , وانتهى الأمر بزواجها من خالد , كيف لها ان تتركه وتذهب لغيره بهذه البساطة ؟ وهو وليد محطِّم القلوب , كيف تجرأت بجرح كبرياءه وكرامته وهو الذي احبها لدرجة انه اراد ان يتزوجها , وهذا لم يحدث ابداً في جميع علاقاته السابقة , هي الوحيدة التي شغلت عقله وقلبه ثم هجرته دون ان تلتفت وراءها
فكَّر بخبث , ماذا سيحدث لو أن زوجها خالد رأى هذه الصور , ابتسم ابتسامة رضا وهو يتخيل كيف سيكون موقفه اتجاه هذه الصور الحميمة التي تجمعهما , وهو يملك رقمه ايضاً , يمكنه بضغطة زر ان يفسد زواجها وينهي كل شيء , ولكن لحظة !!!!! لن ينتهي كل شيء بهذه البساطة , يجب ان يتخذ خطواته بهدوء وبذكاء , انه ينوي ان يعذبها اولاً خطوة بخطوة الى ان يصل الى هدفه , لن يستعجل الأمر , سيترك هذه الصور الى النهاية , فهناك خطوات كثيرة ستسبق هذه الصور ,
قطع حبل افكاره القذر وخططه الحقيرة صوت ابو حنان المزعج : وليدوه قووم خل نسبح في البحر الجو حلوو
وليد وهو يخفي شاشة جواله بيده عن ابو حنان الجالس بجواره : اقول انت متى بتطس ديرتك وتفكنا , تراك اقرفتني
ابو حنان : هههههههههههههههه ليه مليت مني ؟ والا عشان الشاليه ؟ شسوي بعد اتحملني ماعندي مكان اقعد فيه الا هني , يعني تبيني اقعد في فندق و ولد خالتي وليدوه موجود
وليد : لا يكثر بس , حدك اليوم وبكرة وبعدين روح طس ديرتك ولا تنسى البضاعة
ابو حنان : ابشر يا الحبيب , وهو يغمز له : ناوي تجيب احد هنيه عشان جذيه تصرفني صح ؟ شكلك تبي ترجع حق الايام الخوالي
وليد : مو شغلك , اجيب بنات لهنا ما اجيب , هذا مو شغلك يا صاحبي
ابو حنان : طيب ليش ما تيي معاي الكويت ؟ امك ولهانة عليك كله تسألني عنك
وليد : والله انا بعد ولهان عليها بس مالي خلق اشوف الخروف زوجها, اخر مرة رحت لهم كان شوي ويطردني من البيت
ابو حنان : زوجها مسافر على حسب علمي , تعال بتاخذ راحتك
وليد : يصير خير
,
في تلك الغرفة الخضراء ,الهادئة , الباردة , المليئة بالأجهزة , وحيث الجميع بالزي الأخضر الموحد , قناع الوجه , والقبعات الخاصة ,ملتفين حول ذلك الجسد الممدد باستسلام على طاولة الجراحة ,يرأسهم الدكتور منصور , وهو يحرك يديه داخل ذلك البطن المفتوح , حيث ان الأعضاء الداخلية واضحة له , ويستهدف عدوه الورم الملتف حول رأس البنكرياس , مضت ثلاث ساعات وهو يحارب هذا الورم العنيد , وهو يقوم باستئصاله جزئياً بشتى الطرق المتطورة , سمع صوت ذلك الجهاز المزعج ينبأه بأن ضغط الدم يتضاءل وأن القلب على وشك ان يتوقف عن النبض , حاول بكل جهده ان يمنع حدوث هذا , لا يجب ان يخسر مريضه , ليس الآن , ولكن القلب توقف , حاول أن ينعشه بضربه على صدره بجهاز الإنعاش , مرة ومرتين وثلاث واربع , مرت خمس دقائق وهو على هذا الحال , وهو لازال يضرب على صدره بأمل ان يعود هذا القلب للنبض مجدداً , استوقفه الجراح المساعد : دكتور خلاص , مرت اكثر من خمس دقايق , انتهى موضوعه
استسلم منصور بيأس , نظر الى هذا الجسد المدد الذي انتزعت الحياة منه للتو , واصبح جثة هامدة لا روح فيه : وقت الوفاة 3:33 دقيقة
تذكر عيني ابو سالم التان تشعان امل في الحياة , وكيف ان ابنه سالم كان واثقاً به , والآن انتهى كل شيء , من اقسى اللحظات وأمرها على الطبيب عندما يفقد مريضه , حتى لو لو كان يعلم جيداً بأنه ليس السبب في ذلك , لقد فعل كل ما كان يستطيع لإنقاذ ذلك المريض ولكن بلا جدوى , خرج من غرفة العمليات ليقابل سالم الذي كان ينتظر بخوف وقلق على والده
سالم وهو يركض الى منصور : وش صار يا دكتور ؟ انت قلت ان العملية بتاخذ من ست الى تسع ساعات ولسا بس مرت ثلاث
منصور بتأثر : أنا آسف يا سالم , انا سويت كل شي أقدر عليه بس الوالد عطاك عمره
سالم سلبت الصدمة ملامحه وضاقت الدنيا به , جلس على الكرسي والألم يعتصره من الداخل وهو يردد : لا حول ولا قوة الا بالله , انا لله وانا اليه راجعون
انصرف منصور عنه بعد ان حاول التخفيف عنه ببعض عبارات التعزية , كان دائماً يتعامل مع مرضاه على انهم من افراد عائلته , ويشعر بالحزن والألم عند فقدان أحدهم , ولكنه كان يحافظ على برودة اعصابه , تساءل في نفسه ان كان في وسعه ان يفعل أكثر من ما فعل , وذلك السؤال المؤلم هل كان عليه ان يجري تلك العملية ؟ أخذ يلوم نفسه وضميره يؤنبه , لم يكن يجب عليه ان يقوم بهذه العملية حتى لو أصر عليه المريض .
كان الدكتور فيصل "رئيس قسم الباطنية " يبحث عن منصور , فوجده جالساً على الكراسي الملتصقة في الجدار في احدى الأروقة القريبة من غرف العمليات : لا تلوم نفسك يا منصور , انت سويت كل اللي تقدر عليه .
رفع منصور رأسه ليجد ذلك الرجل ذو اللحية البيضاء , الدكتور فيصل , الذي يكن له كل احترام وتقدير ويعتبره معلمه الذي اكتسب منه خبرته : ما كان المفروض اسوي هالعملية , الرجال كبير في السن وما يتحمل , كان المفروض اعراضه
الدكتور فيصل وهو يجلس بجانب منصور : هاذي كانت رغبة المريض يا منصور , وكان عنده نسبة حلوة ان العملية تنجح , بس انت عارف مو كل شي يمشي مثل ماخططنا له
منصور : احس اني سرقت منه هالكم شهر اللي كان بيعيشهم مع اهله , عارف ان الأعمار بيد الله ولا اعتراض على حكمه , بس ضميري يأنبني
الدكتور فيصل بتفهم : انا حاس فيك , هاذي المرحلة كلنا نمر فيها اذا خسرنا أي مريض , وهذا اللي يخلينا احنا , هاذي المشاعر هي اللي تحيي الانسانية اللي فينا , على كثر مانشوف الموت هنا الا ان هالمشاعر هي اللي تخلينا نواصل ونتعلم من اخطاءنا , ربت على ظهر منصور : بس مايصير نخلي هالمشاعر تتغلب علينا لأن فيه كثير مرضى ينتظرونا يا ولدي ,
منصور : معاك حق يا دكتور
الدكتور فيصل : انت الحين قوم روح البيت وريح نفسك , واللا اقولك , لا تجي المستشفى هاليومين أنا بتكفل بمرضاك وبدبر امورك هنا
منصور وهو يبتسم : لا يا دكتور شدعوة , مايصير هالكلام , انا اقدر اقوم بشغلي مافي داعي , انت لا تتعب نفسك
الدكتور فيصل : انت كم صار لك ما اخذت اجازة ؟ كلها يومين عادي , انت روح خذ زوجتك وبنتك واطلع معاهم وغير جو , الواحد لازم يحتاج فترة نقاهة بين كل مدة
منصور : لا يا دكتور مايصير لا تحرجني
الدكتور فيصل يقاطعه : اسمع الكلام ولا تجادلني , انا رئيسك في العمل وهذا امر مو طلب , واحنا مابينا هالرسميات انت مثل ولدي , ولازم تحتاج فترة راحة , واهلك ليهم حق عليك يا منصور مايصير كله شغل وبس
منصور وهو يبستم : أمرك يا دكتور , تسلم وما تقصر
كان الدكتور فيصل بالنسبة لمنصور رئيسه ومعلمه بل حتى انه يعتبره صديق له , كان مثال للطبيب الماهر المحترم ذو الخبرة الواسعة , ويعتبره منصور قدوة له في عمله
يتبع
,