كاتب الموضوع :
شخابيط فتاة
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حرمتني النوم يا جمان/بقلمي
الفصل الأخير:قفزة عبر الزمن..
لقد ضاع..ابني رحل وتركني..
وحيدة..تائهة..حائرة..متألمة..مصدومة..
لقد ضاع ابني بسببي..وثق بي حين اخبرته أن يتناول عشاءه معي..
لم أكن أعلم أن هذا سيحصل...اخبرني معتز أن هناك فرصة لتخفيف عقوبته ان امسكوا به..
قد يكون نادر بريئاً..
حين أتى أمامي واخبرني أنه سيسافر لم أستطع تقبل فقدانه..لا اتخيل العيش بدونه…
اخبرته أن يتناول العشاء معي ثم أخبرت الشرطة عن مكانه..ظننت أني فعلت الصواب ولكنني لم أكن أعلم أنه سيتعرض لهذه الحادثة..
آآآآآه يابني..
أريد أن أصرخ أريد أن أبكي..
أين أنت يامعتز..أخبرني انه سيأخذني للمشفى لرؤيته ولكنه تأخر كثيراً..
بقيت أحوم في الصالة منتظرة قدومه وأنا في قمة قلقي..
فتح باب الصالة أخيرا فركضت اليه وأنا أبكي: معتز ..كيف أصبح نادر..خذني اليه..
رد معتز بصوت مرهق: انه بخير..سأخذك لتطمأني عليه حالاً..ولكن انتظري قليلًا..سأذهب لأتحدث مع حسينة..
عقدت حاجبي: لماذا؟؟
زفر ثم أجابني: سأحاول ترقيق قلبها على نادر..اخفاءه للجثة طوال هذه الفترة وضعنا في مشكلة..
لن يصدق أحد أنه قتله عن طريق الخطأ..ان لم تتنازل حسينة..
صمت وهو ينظر الى الارض..
أجبته بصوت مرتجف: هل سيقتل ولدي؟؟
رفع نظره الي ثم صرخ بارتباك: لا أعلم..لا أعلم..
قالها ثم خرج من المنزل..
أما أنا ..فقد جلست على الاريكة بصدمة..
كلا ..من المستحيل أن يحدث هذا ..
ابني بريء..لن يقتل..
بدأت ألطم وجهي وأنا أصرخ: آآآآآآآآآآآآآآآآآآه نـــــــــــــــادر..
.
.
.
وقفت أمام شقة حسينة متوترًا..
لا أجرأ على رؤيتها..
منذ أخبرتها بأن عادل قد مات وهي تعيش في حالة صدمة..
لم تذرف دمعة واحدة..
أخبرتني أنها لن تصدق الأمر حتى ترى جثته أمام عينها ولكننا لم نستطع..
حاولت الشرطة اتوصل لمكانه بمساعدة حسن ولكنه لم يستطع أرشادهم للطريق..
لا أعلم هل سيتمكن نادر من معرفة المكان ياترى..
فتحت الباب بهدوء وبدأت..ابحث عنه بعيني..
أصبحت أسأل عنها يومياً منذ علمت بموت عادل..أنا أشعر بالذنب تجاهها..
آآه لو يعلم أخي ان ابنه قد قتل..
وليس من أي أحد..قتل من ابني أنا!!..
سامحني يا أخي..لم أستطع حفظ أمانتك..
اتجهت لغرفتها ولكنها لم تكن موجودة..
سمعت صوتًا من غرفة عادل فاتجهت اليها بارتباك..
فتحت الباب..فوجدت حسينة تجلس على الأرض أمام الخزانة لتضع ثياباً بداخلها..
سألتها باستغراب: ما الذي تفعلينه حسينة؟؟
نظرت الي ثم ردت ببرود:لقد قمت بغسل ثياب ابني..لم تستخدم منذ فترة لذلك علاها الغبار..أريده ن يرتدي ثياباً نظيفة حين يعود..
شعرت بألم يعتصر قلبي..كيف أخبرها أن تتنازل وهي متعلقة بابنها بهذه الطريقة؟؟
أقسم أني أتألم لرؤيتها بهذه الحالة..
ذهبت للجلوس امامها ثم أمسكت يدها وبدأت أتحدث بحنان:حسينة..لا تفعلي هذا بنفسك..لقد مات عادل..بدلاً من هذه التصرفات..ادع له بالرحمة.
نظرت الي بحدة ثم أجابتني: أخبرتك ان ابني لم يمت..لن أصدق قبل أن أراه بعيني..
نزلت الدموع على وجنتي:حسينة لقد تم القبض على نادر..سنتوصل لمكان الجثة قريبًا..
تحولت ملامحها الى الصدمة..اجابت بصوت مرتجف: كلا..عن أي جثة تتحدث.ابني لم يمت ألا تفهم..
أجهشت بالبكاء فجأة:لتذهب الى الجحيم مع ابنك المجنون..ان كان عادل قد قتل حقاً فلن أرحم نادر أبدًا..سأعيش من أجل الانتقام لولدي..
اشحت بنظري عنها بدون أن أرد.بماذا أرد أساساً..لا أحد يلومها ..
وصلني صوتها الباكي:سينتقم الله منكم لما فعلتموه بولدي..الا يكفي انه كان يتحمل نتائج أخطاء ولدك..لقد اتهم ظلماً بالتسبب بشلل تلك الفتاة..منذ خرج من السجن وهو لم يذق طعماً للراحة..ما الذي فعله ولدي لتتهموه بجرم لم يرتكبه..
نظرت اليها بحزن: كلا يا حسينة..لقد فعلها عادل..لقد تسبب بشلل تلك الفتاة حقاً..
أومأت برسها وهي تهمس: كلا ..لم يفعل.
تابعت حديثي بحسرة:لقد تحرش نادر بتلك الفتاة يا حسينة ثم طلب من عادل اعطاءها بعض الادوية لتسبب لها الهلوسات..وقد استجاب عادل لهذا فأصيبت سارة بالشلل..
الجم لسانها من شدة الصدمة..تابعت حديثي: لقد أخطأ كلاهما..وأخطأت أنا لأنني حاولت التستر على الأمر..ربما لو عوقبوا في ذلك الوقت..لما ساءت لأمور لهذه الدرجة..لم يكن نادر ليقتل وفتها..
لم أتكن من أكمال حديثي فقد شعرت باختناق شديد..اريد ان ابكي كي ارتاح....
بدأت حسينة ترتجف والدموع تملأ عينيها..
أمسكت بيدها فانفجرت بالبكاء..تركتها تبكي الى ان هدأت ثم رفعت بصرها الي:معتز ..أريد أن أرى نادر..
تهدج صوتها:لن يرتاح قلبي قبل أن يخبرني بنفسه كيف مات ولدي..
اجبتها بارتباك:ولكن!!
قاطعتني: أرجوك..هذا هو طلبي الوحيد..وبعدها سأتطلق منك..دعني أحدث نادر فقط…
نظرت الى الأرض:اجهزي حالاً..سأذهب لرؤية نادر الآن..
.
.
.
"ليس كل ما يتمناه المرء يدركه"
اتوقف أمام هذه العبارة عندما تقف أمامي عقبات الحياة ..
تحولُ هذه العبرة بيني وبين ما انتمناه سواء كان خيراً أم شراً..
لا أعلم هل هي تصبيرة لي حتى استطيع مواصلة العيش؟؟.
أم تعبيراً عن عجزي؟؟
ما اتمناه في هذه اللحظة.. هو ان انتقم من شخص أخذ أغلى ما لدي..
أخمد بيده نور عيني .. وأزال بسمة وجهي...
غير معالم قلبي..
بعدما كان يغشاه الحب والصفاء ..
أصبح مرتعاً للظلام و الإنتقام...
بقيت أتأمل نادر وهو يغمض عينه باستسلام..رغم أنه كان يدعي البرود..الا انه لم يتمكن من أخفاء رجفته..
رؤيته خائفاً عاجزاً..اطفأت شيئاً من نار قلبي..
الهي..تغمدني برحمتك...أثلج صدري بالرضا بقضائك وقدرك..
أبعدت تلك الحقنة عنه بهدوء……
لن أنتقم..
سأنتظر القدر...فالقدر يبدع في تصفية الحسابات..
نظر نادر الي باستغراب..
وحين رآني أحدق به..ابتسم باستهزاء: كنت واثقاً أنك لن تجرأ على فعلها...ستبقى جباناً طوال حياتك..
اجبته ببرود:ان انتقمت منك..فسأكون كمن يعض كلباً لأنه عضه..
بهتت ملامح نادر حين قلت هذا..
تابعت حديثي:لست جباناً..ولكنني لن أكون مثلك..سأتركك للأيام..
التفت بجسدي لأخرج من الغرفة..
فتحت الباب ..لأرى السيد معتز يقف أمامه ..
اتسعت عيناه وهو ينظر الي:مروان!!
قالها ثم ركض لغرفة نادر..
أما أنا فقد ابتسمت ببرود ثم بدأت أمشي في الممر ..
استوقفني صوت امرأة تهتف باسمي: مروان..
التفت الى الصوت باستغراب..انها المرأة التي كانت تقف بجوار الدكتور معتز..
عقدت حاجبي وأنا أنظر اليها.
تحدثت المرأة بصوت متهدج:هل أنت مروان..زوج تلك الفتاة سارة؟؟
أومأت برأسي..
بكت تلك المرآة ثم تابعت حديثها: أنا..والدة عادل..صدقني لقد علمت للتو بما حصل مع زوجتك...أتمنى لها الشفاء..سأدعو لها دائماً..ولكن أرجوك يابني..اغفر خطأ عادب..
ازداد بكاؤها: لقد مات عادل..انا متأكدة من أنه بريء...لو أنك رأيت حالته قبل موته..لقد عانى كثيراً..أطلب من زوجتك مسامحته..لا اريد أن يتعذب ابني بعد وفاته..
شعرت بالحزن لبكائها..بقيت صامتاً وأنا أنظر اليها..
رفعت بصرها الي حين رأت صمتي:صدقني..كل ما حدث بسبب نادر ..أنا متأكدة بأنه قد أجبره على الأمر..أرجوك يابني.أرح قلبي و اخبرني بأنك سامحته..
اجبتها بهمس: لست أنا من يحاسبه يا خالة..لقد كان عادل مسالماً..أسأل الله أن يلهمك الصبر...عداوتي مع نادر فقط..
مسحت تلك المرأة دموعها ثم تحدثت بنبرة حازمة: لا تقلق..سينال نادر عقابه..لقد قتل ابني..ولن أتنازل عن حقي أبداً..لن يهنأ لي جفن حتى أتأكد من موته..
قالتها ثم مشت باتجاه غرفة نادر..
أما أنا ..فقد نظرت الى الأرض بدون أن أرد..
فتح باب غرفة نادر ليخرج الدكتور معتز…
مشى باتجاهي ثم توقف ليحدثني: مروان يا بني..من الجيد انني لحقت بك..اسمعني جيداً..بالنسبة لحالة زوجتك..لقد أتت حالة الى مشفانا من قبل وهي مصابة بالشلل...ولكن تم تحويلها للعلاج في ألمانيا..وفي غضون أشهر فقط..عادت للمشي من جديد..
وضع يده على صدره: سأتكفل بنفسي بمصاريف علاجها..
قاطعته فوراً: أفضل الموت على أن أطلب مساعدتك..
اجابني بحزن: مروان..اسمح لي بالتكفير عن خطأي..
نظرت اليه بصمت..بقيت أتأمل ملامح وجهه فمر في ذاكرتي ذلك اليوم الذي ترجيته فيه..
لقد ترجيته كثيراً وقتها ولكنه لم يرحم ضعفي وضعف سارة..لم يسمح لها بأكمال علاجها بل أخرجها من المشفى بكل بساطة..
والآن يريد التكفير عن خطئه؟؟
همست بحزن:لقد تأخرت كثيراً..
قلتها ثم أشحت بنظري عنه وبدأت أمشي لأخرج من هذه المشفى..
أشعر باختناق شديد..
كيف يجرؤ؟؟
هل يشعر بالندم الآن؟؟؟
أنا لا أريد أموالهم..لا أريد أي شيء منهم..
لا يهمني كم سأستغرق من وقت لأدخر مصاريف علاجها..
حتى وان ضاقت بي السبل..فلن أطلب مساعدته ..
أبدًا..
.
.
.
اليوم هو اليوم الموعود...يوم المحكمة..
لم أحاول افتعال أي مشكلة..اعترف بهذا..اتمنى أن تكسب هوازن هذه القضية..
كرامتي تمنعني من تسليم جمان لهوازن بيدي..كما أنني لا اريد أن تعتقد ابنتي انني تخليت عنها..
ماذا أفعل..منذ أسبوعين وسمر مصرة على موقفها..
لا اريد التخلي عن جمان..كما أنني لا اريد افساد حياتي مع سمر..
الحل الوحيد هو أن تكسب هوازن هذه القضية..وقتها سأخبر جمان أنني أحبها كثيراً ولكن أمها قد أجبرتني على تركها..
ارتديت ثيابي ثم اتجهت نحو غرفة مها لرؤية جمان.
تقضي جمان معظم وقتها مع مها فهي الوحيدة التي تجيد التفاهم معها..
لقد كررت جمان طلبها للزواج لعدة مرات..كنت أتجاهلها في كل مرة ولكن مها كانت تستمع اليها بحلم..
لازالت غاضباً من مها أيضاً..لم أتحدث معها منذ ذلك اليوم..
فتحت الباب بهدوء فرأيت جمان تجلس على الأرض لتقوم مها بتمشيط شعرها..
هتفت جمان حين رأتني: بابا..ان عمتي تسرح شعري كي أصبح جميلة حين أذهب مع ماما..
نظرت الى مها بغضب..تتحدث وكأنها واثقة من كسب هوازن للقضية.ولكن مها تجاهلتني ولم تنظر الي..
حاولت السيطرة على غضبي وانا احدث جمان:صغيرتي اجهزي بسرعة سنذهب الآن.
وقفت جمان وهي تهتف : حالاً حالاً..
قالتها ثم خرجت من الغرفة..
التفت الى مها ثم ناديتها:مها..
اجابت بدون أن تلتفت: نعم..
صرخت: التفتي الي حين أتحدث..
زفرت مها ثم نظرت الي..
تابعت حديثي:سأنتظرك في الملحق بعد خمس دقائق..
عقدت مها حاجبيها: ان كنت تريد شيئاً فأخبرني به هنا..
زفرت: كلا..يجب أن تأتي..هناك شيء لا أستطيع اخبارك به هنا..
سألت مها باستغراب: وماهو هذا الشيء؟؟
اجبتها بضجر:انه شيء يخص طلاقك..لا اريد أي اعتراض..
قلتها ثم أقفلت باب غرفتها واتجهت نحو بوابة المنزل..
لحقت جمان بي وقد ارتدت عباءتها: بابا لقد جهزت..
التفت اليها ثم مددت يدي باتجاهها..
اقتربت جمان مني وأمسكت بيدي فمشينا سوياً الى السيارة ثم قمت بتشغيلها لننطلق نحو المحكمة..
.
.
.
انتهيت من تغيير ثياب لانا ثم حملتها معي لأعطيها للخادمة..
ما الذي يريده أخي ياترى..أشعر بالتوتر..
هناك شيئاً غريباً يحدث..لماذا رفض التحدث معي في غرفتي ؟؟
اخذت نفساً عميقاً ثم خرجت من المنزل لأذهب باتجاه الملحق..
طرقت الباب .وحين لم يصلني أي رد فتحت الباب ثم بدأت أتلفت حولي:أخي..
لم أكد انهي حديثي حتى شعرت بيد تسحبني لداخل الغرفة بقوة..
تعثرت من دفعه لي فسقطت أرضاً..
سمعت صوته وهو يهتف بخوف: أنا آسف .لم أقصد ايذاءك..
التفت الى مصدر الصوت فانقلبت ملامحي الى الغضب حين رأيته يقف أمامي..
الآن فهمت ما ينوي أخي فعله..
قام بإقفال باب الملحق حين رأى نظراتي:مها.يجب أن نتفاهم حالاً..
.
.
.
نزلت ن سيارتي مع جمان ثم دخلنا الى ذلك المبنى..
جلسنا سوية في انتظار أن يأتي دور قضيتنا…
بحثت بعيني عن هوازن ولكني لم أتمكن من رؤيتها…
غريب..الم تصل بعد!!
ايقظني من تفكيري صوت جمان وهي تهتف: بابا أحمد..
التفت اليها: أين هو؟؟
أشارت جمان اليه بارتباك..
نظرت الى المكان الذي تشير اليه فتمكنت من رؤية أحمد وهو يلوح لجمان ويبتسم بهدوء..
الحقير.يحاول استلطافها ليغيضني..
نظرت الى جمان فوجدتها تبادله الابتسامة..
أخرجت تلك الورقة من جيبي بتردد..
لقد قمت بكتابة هذه الرسالة لهوازن..
لم أرد أن أرسلها بهاتفها فقد خفت أن يراها زوجها فتثير لي بعض المشكلات..
اقتربت من جمان لأهمس في اذنها: هل تريدين أن تسلمي على ماما..
شهقت جمان: هل استطيع؟؟
أومأت برأسي: بالطبع تستطيعين.
وقفت جمان بحماس: شكراً بابا..
ناديتها: انتظري جمان ..
التفتت جمان الي وهي تعقد حاجبيها..
وضعت الرسالة بيدها ثم همست:ضعي هذه الورقة في يد ماما..وانتبهي..لا تجعلي بابا أحمد يراها.
نظرت جمان الي باستغراب..
ابتسمت لها: هذا سر ياصغيرتي..
بادلتني الابتسامة: نعم فهمت..لن يراها بابا أحمد..
قالتها ثم ركضت باتجاه هوازن وقامت باحتضانها ونظراتي لاتزال تراقب تلك الورقة بيدها..
لاحظت بأن جمان قد همست في اذن هوازن ثم وضعت الورقة في يدها..
التفتت هوازن الي بارتباك فالتقت نظراتنا..
ابعدت هوازن نظرها عني وهي تخفي الورقة في حقيبتها..
شعرت بالانتصار حين قامت باخفائها..خشيت أن تخبر زوجها بالأمر..
التفت الى أحمد فوجدت ينظر الى جمان بابتسامة وجمان تحدثه بحماس شديد..
لا أعلم ماهو ذلك الألم الذي شعرت به في قلبي وانا اراه..
تغيضني ابتسامته تلك..
اكره المتملقين أمثاله..
مهما حاول أن يكون حنوناً مع جمان ستظل ابنتي أنا..
من المستحيل ان تنسى جمان هذا وستبقى مكانتي في قلبها مختلفة عنه..
حتى لو انتقلت للعيش معهم فلن تنساني وستذكر انني ابوها دائماً..
شعرت بالخوف من تلك الفكرة في عقلي..
هل ستتعلق جمان بأحمد أكثر مني يا ترى؟؟
.
.
.
بقيت أتأمل تلك المتمردة وهي تجلي أمامي على الأرض..
لم استطع اخفاء ابتسامتي وأنا أرى نظرات الحقد في عينيها..
مها تشبه الــورد تماماً….
لا تستطيع الوقف الا على ساقهـا..
رغم ان ساقها تلك مليئة بالأشواك..
صرخت مها ين رأت ابتسامتي: ما الذي يضحكك الآن..افتح هذا الباب فوراً..
الا تمتلك اي كرامة..كم مرة علي قولها لتفهم..أنا أريد الطلاق..
جلست بجانبها فوقفت فوراً لتبتعد عني: اياك وأن تقترب..افتح هذا الباب ماجد..
زفرت بضيق:استمعي الي على الأقل..
كتفت يدها على صدرها ثم نظرت الي بحدة..
بقيت صامتاً وأنا أراقبها فصرخت بضجر : هيا ..أنا أسمع..
تنحنحت ثم وقفت من الأرض وبدأت أتلفت حولي بارتباك...كنت قد خططت لما سأقوله ولكن رؤيتي لها اربكتني وجعلتني أنسى كل شيء..
احتدت نظرات مها فتحدثت بسرعة كي لا يزداد غضبها: لقد بدأت العلاج مها..هذه المرة سأترك ذلك السم أخيراً..
ضحكت مها باستهزاء: حسناً اهنئك هيا اعطني المفتاح..
تابعت حديثي والدموع تملأ عيني: مها..لا تتركيني أرجوك..أنا لا أستطيع العيش بدونك..
اعلم أنني أخطأت معك كثيراً ولكنني أطلب فرصة واحدة..صدقني سأثبت لك كم تغيرت..
أرجوك مها..فرصة واحدة فقط..
لانت ملامح مها وهي تنظر الي..شعرت بشيء من الفرح..هل سامحتني؟؟
أمسكت بكتفيها ولكنها قامت بدفعي بكل قوتها: قلت لك لا تلمسني..
ارتفع صوتها : ان كان حديثك قد انتهى فأعطني المفتاح على الفور..
نظرت اليها بصدمة: ألم تسامحيني؟
نزلت الدموع على خدها: على ماذا أسامحك؟؟
اخبرني؟؟
انها ليست المرة الأولى التي تلقي فيها علي خطابك السخيف هذا..
لقد اعطيتك الكثير من الفرص ولكنك كنت تخذلني دائماً..
وضعت يدها على رقبتها: أنا اختنق من رؤيتك..
اعذارك هذه تشعرني بالاشمئزاز..
لم أعد أحتمل المزيد..لن أعطيك أي فرصة.لقد استنفذت جميع الفرص..
قالتها ثم انفجرت بالبكاء..
أما أنا..قد شعرت بشرخ عميق داخل قلبي..هل تكرهني لهذه الدرجة.؟؟
أيعقل أنها نست كل شيء جميل بيننا؟؟
وضعت يدي على كتفها وقمت بمد المفتاح أمامها وأنا أهمس:هاك المفتاح..
رفعت مها رأسها ببطء وهي تمسح دموعها..
قامت بتثبيت بصرها على يدي الموجودة على كتفها ..
عقدت حاجبي باستغراب..ولكنني سرعان ما ادركت الأمر..كانت تنظر الى الشاش الملتف على يدي..
همست في محاولة مني لاستعطافها:لا تقلقي..لم تعد تؤمني الآن..
نظرت الي بحدة: ومن قال أنني قلقة..
قالتها ثم قامت بسحب المفتاح من يدي..
دفعتني ثم مشت باتجاه الباب لتفتحه..
التفتت الي قبل أن تخرج:انا نادمة لأنني لم أحرق كل خلية من جسدك..
قالتها ثم أغلقت الباب خلفها بكل قوتها..
متمردة..أنانية..ناكرة الجميل..عديمة الاحساس..
لم استطع النوم بالايام السابقة بسبب احساسي بالذنب تجاهها ولكنها لا تستحق ..كيف تفعل هذا بي!!
لقد تنازلت عن كرامتي وبكيت أمامها..
ترجيتها أن تعود وهذا ما تجازيني به؟؟
كانت وردة اما الان فهي شوكة...كانت ماء ارتوي منه اما الان فهي سم لن اقترب منه…
كلمة وحيدة هي التي تستحقها مني :طالق...طالق...طالق..
.
.
.
(هل تمكنت من نسياني يا هوازن؟؟
هل محيت كل مشاعرك تجاهي؟؟
اعلم كم احزنتك وكم اهانتك…
واعلم كم اثرت بكائك ..وكم ليلة غفيت وأنا أسمع أناتك..
اعلم بأنك لم تسمعي مني كلمةً عذبه..
أعلم بأن صوتي لم يكن الا في وجهك عالي ..
أعلم.. وأعلم.. وأعلم .
ولكن وبالرغم من كل هذا أردت التكفير عن ذنبي..
لقد كنت طائشاً في ذلك الوقت..
أنا لم أتمكن من نسيانك..أردتك أن تعودي الي..أردت أن أبدأ صفحة جديدة معك..
حين اشترطت عليك أن تتزوجي بي لرؤية جمان كنت قد عزمت على ان نبدأ سوياً حياة سعيدة مستقرة مع ابنتنا..
طلبت ذللك منك بالرغم من انني أعلم ان امي سترفض..
طلبت ذلك بالرغم من أن الأمر سيفسد حياتي مع زوجتي..
كنت مستعداً لفعل أي شيء من أجل جمان.
أما أنت بالرغم من أنك لم تكملي سنة على زواجك في ذلك الوقت الا انك رفضت التضحية..
كيف تدعين الأمومة الآن؟؟
لا يوجد حد لأنانيتك..
ستدركين يوماً حقيقة زوجك الذي تفخرين به..لن يتمكن من احتمال جمان أبداً..
كانت لديك الفرصة لجعل جمان تعيش حياة مستقرة بين والديها..
ولكنك تسببتي بشتاتها بيننا..
لقد حالت أنانيتك بين سعادتنا..
هل أتحدث أكثر..أم أن هذا الكلام قد أشعرك بالذنب؟
ولكن انتظري ما زلت اسمع قلبي يقول اريدها ان تبكي مثلما بكيت..
ولن اصدهُ هذه المره ..ولن ارتاح الا اذا رأيتكَ تبكين وأكون من فرحتي عليكِ بكيت…
تذكري كلامي جيداً..)
خرجت من الحمام بعد أن قرأت رسالة خالد تلك..لا أعلم ما الذي يقصده من كتابة رسالة كهذه..
هل أصبحت الآن أنا الظالمة!!
اتجهت الى مقعدي من اجل انتظار موعد الجلسة ..ولكن وقبل أن أجلس..
قمت بتمزيق الورقة والقيت بها في سلة المهملات..
التفت الى خالد فوجدته يحدق بي ..
اشحت بنظري عنه فوراً..من الجيد انه رآني وأنا ألقي بها..
أريده أن يفهم بأن رسالته السخيفة لن تؤثر بي..
أو أن هذا ما كنت اريد أن أظهره..
ففي الحقيقة..لقد آلمتني تلك الرسالة كثيراً..احرقت قلبي..
بعد كل مافعله بي اكون أنا المخطئة!!
جلست على كرسيي وأنا أتنفس بعمق في محاولة مني للمحافظة على هدوئي ولكن جسدي كان يرتعش من شدة الغضب..
أمسك أحمد بكفي حين شعر برجفتي: مابك ياهوازن..
رفعت بصري اليه:لا شيء..متوترة قليلاً فقط..
ابتسم أحمد:لا تقلقي كل شيء على مايرام..
لم يكد أحمد ينهي كلمته حتى جاء دورنا للدخول..
دخلنا وبدأت جلست النطق بالحكم..
القيت نظرة الى خالد فوجدته ينظر الي بعتاب قبل أن يجلس على كرسيه..
وفي تلك تلك اللحظات العصيبة..مرفي ذاكرتي كل ما حدث معي من يوم الحادثة..
مرت التفاصيل الدقيقة في ذهني وكأنني أعيش أحداثها الآن..
عاد الى قلبي ذلك الألم..ألم الفراق..
احساس يخنق النفس ويضيق بها..
احساس يعتصر قلبي لينزف جروحه..
والآن ..بعد أن عرفتم قصتي..
من هو المخطئ برأيكم؟؟
من هو الظالم..ومن المظلوم؟؟
لقد فاض بي الحال..أريد أن أشتكي ..
لكن لمن ....
الشكوى لغير الله مذلة...
كل ما أستطيع فعله هو كبت الجراح بداخلي لاشكي حالي لحالي..
آآآآآآه من كل شيئ ...
من الظلم.... والغدر.... وكل شيئ من سوء البشر قادم....
ايها الظالم..
لماذا تظلم؟؟
اريد جوابا مقنعا ليبرر لي ظلمك وافتراءك علي..
لماذا تظلم؟؟
لماذا القيت ذلك الاتهام علي بدون اي دليل قاطع وبدون وجه حق.
اما تخف من دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب؟؟
أريد أن أعلم يا خالد…
كيف تنام..كيف تاكل وتشب..كيف تلهو وتفرح بل كيف تحيا وانت ظالم.
كيف تحيا وقد حرمتني النوم والضحك والسرور..
انظر الى عيني..
الا ترى هذه الدموع؟؟
لقد تجرعت بسببك لوعة الحزن والأسى..بت أتمنى الموت في كل لحظة..
اود أن أفهم..بعد كل هذا تعتبر نفسك مظلوماً؟؟
أنت تعلم جيداً أنني بعيدة كل البعد عن تلك التهمة..
تدرك جيداً أنني طاهرة عفيفة..ولكن انانيتك جعلتك تظهر براءتك انت.وتوقع غيرك في المآزق والعثرات..
المهم في ذهنك انت كيف تنجو..كي تخرج من هذه المآزق..
كيف تريح ذهنك وكيف تحيا..
كيف يكون مظهرك امام الاخرين...
وحل هذا كله في نظرك هو الظلم...
تحيا انت وتميت قلبي..
يسوء مظهري وتتشوه صورتي امام الناس والمهم في رايك انت انت فقط.
ولكن الله سيظهر حقيقتك وحقيقة ظلمك على رؤوس الاشهاد يوم القيامه يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من لقي الله بقلب سليم..
اما أنا.. فلن أهتم لك بعد الأن..سأوكل أمري لله فقط..
ابتسم يا قلبي ..
ووكل امرك لملك الملوك ..
فهو الميسر لكل الأمور ..
وهو الملجأ إذا ضاقت الدروب ..
هتف القاضي:حكمت المحكمة..
وقفنا جميعاً للا ستماع الى الحكم..
في تلك اللحظة..ارتفعت دقات قلبي فخيل لي ان كل من في القاعة سيسمعها..
أغلقت عيني بقوة حين بدأ القاضي بالحديث:تقدمت المدعية هوازن عن طريق وكيلها أحمد تطلب حضانة ابنتها البالغة من العمر تسعة عشر سنة ..بالرغم أن المدعى عليه خالد قد رفض طلب المدعية بحجة أنها متزوجة، الا ان زوج المرأة وهو وكيلها لا مانع لديه من حضانة الفتاة..وحسب الادلة التي قامت الانسة هوازن بتقديمها ضد المدعى عليه بإيذائها وابتزازها لرؤية ابنتها...وحسب الصور التي قام السيد أحمد بتقديمها حيث اثبت ان المدعى عليه قد اعتدى على ابنته بالضرب..بالاضافة لتقارير الطبيبة النفسية حيث اثبتت بأن الفتاة تحتاج لأمها..
وبما أن الفتاة لا تستطيع القيام بشؤونها.. وبما أن المصلحة في بقائها لدى أمها ولأن الحضانة حق للمحضون وليست للحاضن لذا حكمت المحكمة للسيدة هوازن بحضانة ابنتها..
فتحت عيني ببطء...عقلي توقف للحظة..لا أصدق..هل انتهى كل شيء!!
أم هل أنا أحلم!!
أغلقت عيني من جديد..أن كنت أحلم فلا أريد الاستيقاظ أبداً..
ايقظني من صدمتي صوت أحمد وهو يحتضنني ويهتف: مبارك يا هوازن..
مشاعر غريبه غزت قلبي....سالت الدموع على خدي مدراراً..ولكنها دموع فرح..
خرجت من القاعة مع أحمد بسرعة لرؤية جمان..
كانت جمان تجلس على كرسي الانتظار بجانب الطبيبة النفسية..
ركضت باتجاهها واحتضنتها بكل قوتي..
نظرت الى وجهها واخذت أقبلها واستم رائحتها..اريد التأكد من أن صغيرتي بين يدي حقاً..
صغيرتي الجميلة..
سأكون بقربك وحولك دائما اينما كنت ..وأغمرك بحبي واحميك جميلتي ..
كالملاك انت..
ساتمكن من رؤية الابتسامة على شفتيك..
وأخيراً سأسمع ضحكاتك الجميلة الى آخر لحظة من عمري ..
ان دمعت عيناك فسأمسح دموعك بأنامل يدي وأضمك ألي يا نبض قلبي ..
يا صغيرتي .. يا طفلتي ..يا روحي الندية..
يا عذبة كماء الفرات ..وجميلة كما الزهرات..ونقية كضوء النجمات
منذ اليوم ستنامين هاهنا على صدري..
وتصبحين يا حبيبتي ..على سعادة غامرة ..وعلى ضحكة بوجهكِ البشوش ساكنة
وعلى حياة لمثلكِ هادئة ..
لا أعلم كم مضى من الوقت وأنا أحتضن جمان هكذا..ولكنني تمنيت أن يتوقف الزمن في تلك اللحظة,,
وصلني صوت جمان الباكي: ماما لماذا تبكين..
ابعدتها عن حضني ثم قمت بتقبيلها: انها دموع الفرح يا حبيبتي..صغيرتي.منذ اليوم ستعيشين في منزلي مع بابا أحمد.
هتفت جمان بفرح: حقاً!!
أومأت برأسي..
عقدت جمان حاجبيها: وبابا خالد..
أمسكت يدها:لن يفرقنا أحد حبيبتي..بابا خالد لن يعترض..
وجهت جمان نظرها الى خالد ثم همست بحزن: لماذا يبكي بابا؟؟
التفت الى خالد باستغراب لأرى فصدمت مما رأيت..لقد كان خالد يبكي حقاً!!
التفتت جمان الى أحمد:بابا أحمد..ان اتيت للعيش معكم فسأتمكن من زيارة بابا صحيح..
أومأ أحمد برأسه : بالطبع يا عزيزتي..
لم يكد أحمد ينهي حديثه حتى قامت جمان بدفع يدي لتركض بسرعة فالتفت اليها وأنا أهتف: جـــمـــان..
.
.
.
لقد ربحت هوازن القضية!!
جمان ستذهب لهوازن..لا أستطيع التصديق ...أكاد أجن!!
رغم أني تمنيت أن تكسب القضية كي لا أضطر لتسليم جمان بنفسي الا انني شعرت بإهانة كبيرة.
ودت أن أصرخ: جمان ابنتي ولن أسمح لأحد بأخذها..
بقيت متصلباً بمكاني حين نطق القاضي بالحكم..حاولت الاعتراض ولكنهم تجاهلوني..
التفت الى هوازن فاحترق قلبي أكثر وأنا أرى زوجها يقوم بتهنئتها..
خرجت هوازن بعدها لرؤية جمان..
أما أنا ..فقد خرجت من القاعة بخطوات بطيئة..
لقد انتهى كل شيء..
قلبي يتمزق ولساني عاجز عن الصراخ..
جلست غلى أحد الكراسي وأنا أتأمل منظر جمان في حضن هوازن..
حين رأيت لفرح على وجه جمان..نزلت دموع كنت اخجل منها دائماً..
مالذي دهاني..أنا لا أبكي عادة..ولكن فيما يخص جمان..تنزل دموعي بدون أن أشعر..
قمت بتغطية وجهي بكفي في محاولة مني لاخفاء وجهي..لا أريد أن يعلم أحد ببكائي..لقد اهدرت كرامتي..
شعرت بيد ناعمة تتحسس شعري..
رفعت رأسي ببطء لأرى جمان تقف أمامي والدموع تملأ عينيها…
همست بصوت متهدج: لا تبكي بابا...ان بكيت فسأبكي أنا أيضاً..
مسحت دموعي بسرعة: كلا يا صغيرتي أنا لا أبكي..
جلست جمان على ركبتيها أمامي ثم وضعت رأسها على حضني :لقد قالت ماما أنني سأعيش في منزلها مع بابا أحمد..هل ستسمح لي بابا؟؟
نزلت دمعة من عيني وأنا أجيبها بصوت مختنق:نعم يا صغيرتي..سامحيني..اردتك أن تعيشي معي ولكن يبدو انك لا تحبين البقاء في منزلنا..
نظرت جمان الي بحزن: كلا بابا..أنا أحبك..
ابتسمت ببراءة:لقد قال بابا أحمد أنه سيسمح لي بزيارتك دائماً..
نظرت الى أحمد بحقد..ذلك الحقير هو سبب ألمي الآن..
قام أحمد بمناداة جمان:جمان هيا لنذهب الى المنزل..
نظرت جمان الي ثم قامت بتقبيلي مرة أخرى:عدني يا بابا أنك لن تبكي,,
اجبتها بهمس: لن أبكي..
ابتسمت ابتسامة حزينة: ان بكيت يا بابا فسأبكي أنا…
قبلت رأسها: لن أبكي يا صغيرتي..
ابتسمت جمان ..ثم بدأت تلوح لي: الى اللقاء..
لوحت لها بابتسامة ايضاً ولكن قلبي كان يصرخ....
سأريك يا أحمد..سأنتقم منك صدقني..
لقد أحرقت قلبي على ابنتي وكذلك سأفعل أنا..
سأجعلك تشعر بألمي..سأحرق قلبك على ابنتك أيضاً...
وسترى..
.
.
.
لقد انتهى كل شيء..انتهت سنوات الظلم..وعادت جمان للخالة هوازن..
الا يفترض أن أكون فرحاً؟؟
لقد تمنيت دوماً أن تعود جمان لأمها لأتخلص من احساسي بالذنب..
اعتقدت انني سأرتاح أخيراً ولكني كنت مخطئاً..
لقد ازداد عذابي.لقد اخبر خالي أمي بأن خطبتي بحنين قد انتهت.
غضبت أمي كثيراً وحاولت مواساتي دون أن تعلم انني المتسبب بإنهاء هذه الخطبة..
والآن..يريدني خالي أن أنسى جمان…
ولكن كيف؟؟
هل سيتحمل قلبي تجاهل وجودها في منزل خالي؟؟
هل سأتمكن من نسيان أمرها حين أذهب لزيارته؟؟
جمان..
كيف السبيل لكي أنساك..بعد أن تغلغلتِ بأعماقي وسكنتِ مدخل وريدي؟؟
أنتِ عبير قلبي..
جمان.. .
بمجرد تخيلي للابتعاد عنك..
غابت الابتسامة عن قلبي..وتوغل الحزن بداخلي..
اعتقدت انني سأتمكن من نسيانك بعد المحكمة..
ولكن لا..
لقد ازدادت اللوعة والاشتياق..ويخالجها كثيرا من الاختناق..
لا زال قلبي ينبض بحبك..
ولا زالت مشاعري تصفدها أغلال قيودك..
لا زلت أحلم بكِ كل ليله..
بربك ماذا افعل انا فقد حطم قلبي الفراق ..
مزقني اصبحت لاشيء..
لا اراني ابداً بدونك حتى انني ﻻ ارى شى من الواقع اصبحت انت كل شى اراه , فقط اتخيلك .
اتخيل ضحكتك التي تخلق بقلبي الف والف سعاده ...
توجهت نحو غرفتي بالمشفى وأنا شارذ الذهن..ولكن ايقظني من تفكيري ذلك الصوت خلفي:انت الدكتور يوسف إذا؟؟
.
.
.
اليوم هو اليوم الأول لبيتنا بدون جمان..الهدوء قاتل لا يحتمل..
حتى رغد..بالرغم من أنها تتشاجر مع جمان دائماً الا انها اخبرتني أنها تشعر بالوحدة..
أما أنا..فلم أتحدث مع أي أحد اليوم..كنت أعيد حساباتي..
تدور في ذهني العديد من الأشياء..لا أريد أن تتعلق جمان بأحمد..
جلست وحدي وأنا أفكر..هل رفضت لجمان أي طلب من قبل؟؟
كنت قد رفضت ذهابها لأمها ولكنها تجاهلتني..
ولكنني تذكرت طلباً آخر..بعد تفكير عميق..قررت تلبية طلبها لسبب مهم..
طلبها هو الانتقام المناسب من أحمد…
ذهبت الى المشفى لمقابلة الدكتور يوسف..تمكنت أخيراً من معرفته..
قامت احدى الممرضات بإرشادي لباب غرفته فجلست أمامها انتظر قدومه..
رأيت فتى يمشي باتجاه الباب فقمت بسؤاله:انت الدكتور يوسف إذا؟؟
التفت يوسف الي باستغراب: نعم أنا هو…
وقفت ثم قمت بمد يدي لمصافحته...
نظر يوسف الي بصدمة ثم صافحني بتردد.
ابتسمت له:اريد التحدث معك بأمر مهم..هل أستطيع الدخول؟؟
تلفت يوسف حوله بارتباك ثم اجابني:تفضل..
فتح يوسف باب الغرفة ودخل ودخلت خلفه..
جلس على مكتبه ثم نظر الي باهتمام..
جلست أمامه وأنا أتفحص ملامحه..
عقدت حاجبي..ملامحه مألوفة جداً..
اتسعت عيناي من ذلك التخمين في ذهني..
سألته بصدمة: الست ذلك الفتى يوسف..جارنا..
بهتت ملامحه بدون أن يرد..
اتسعت ابتسامتي: بلى أنا متأكد..اذكر حين اصطدمت كرتك في رأسي ...لقد صرخت عليك حينها ومن يومها وانت تخاف من رؤيتي …لقد كنت تركض لمنزلك كلما رأيتني
قلتها ثم ضحكت لهذه الذكرى..
ابتسم يوسف: نعم يا عم..لم أتوقع ان تتعرف علي..
وضعت يدي على ذقني:انظر الى الدنيا..واصبحت طبيباً أيضاً..
ابتسم: لازالت في بداية طريقي..
رفعت حاجبي وأنا أسأله: ولكنك طبيب أطفال..ماهي علاقتك بحالة جمان..
ارتبك كثيرا وبدأ يتلعثم بكلامه:لا يوجد علاقة..ولكن حالة جمان معجزة في الطب..لذلك كانت محط الاهتمام من الجميع هنا..
رفعت حاجبي:ولكن حسب قول جمان انك تهتم بها كثيراً..اخبرتني انك كنت تشتري لها الكثير من الألعاب..كما أنك قد أخذتها لأمها حين طلبت ذلك..
رد يوسف بارتباك:اا..في ذلك اليوم..لم أعلم كيف أتت جمان..وجدتها وحدها لذلك..
قاطعته:لا تهمني أسبابك..يهمني شيء واحد فقط..ماهي مشاعرك تجاه جمان..
نظر الي بصدمة:ما الذي تقصده…
زفرت: هل تريد اقناعي انها كأي مريضة في هذه المشفى؟؟
سؤالي واضح..هل تكن لجمان مشاعر خاصة؟؟
نظر الى الأرض :عمي..لقد كنت اهتم بجمان لأنني أعرفها منذ الطفوله..هذا هو الأمر فقط..
كتفت يدي على صدري:لست مقتنعاً بكلامك..
نظر الي وهو يعقد حاجبيه..
تابعت حديثي: سأكون أكثر وضوحاً معك..لقد أتيت لأسألك شيئاً: هل تريد الزواج بجمان؟؟
اتسعت عيناه بصدمة..نظر الي بدون أن يرد..حين رأيت صمته تابعت حديثي:اريد اجابتك نعم أم لا.
أبعد بصره عني بدون أن يرد..
وقفت من كرسيي:افهم انك لا ترغب بالأمر..حسناً اذا ..أنا متأسف لأزعاجك…
قلتها وأنا أهم بالخروج من الغرفة…
استوقفني صوته وهو يهتف:ان كنت ارغب بالأمر..فهل ستوافق عليه..
ابتسمت بداخلي..بالطبع سأوافق..فزواجه من جمان سيتسبب بمشكلات بين هوازن وأحمد...ان كان يريد جمان.فيجب أن يتخلى عن ابنة أحمد..
التفت اليه لأجيبه:سأوافق ولكن لدي شروط..
اجابني بارتباك :أي شيء عمي..
نظرت اليه بحدة: أولاً..لقد علمت بأنك قد خطبت ابنة خالك..بالطبع لن أسمح أن تكون هناك زوجة أخرى مع ابنتي..
والشرط الثاني..ان تنتظر خمس سنوات على الاقل حتى تتزوجها..حتى ذلك الوقت ستكون جمان أكثر نضجاً..هذه الشروط هي الأهم..ان وافقت عليها..فسأوافق على زواجك بها..
رفع يوسف بصره الي ثم رد بثقة: أنا موافق…
.
.
.
الحمد لله رب العالمين..القائل في محكم كتابه وهو خير العادلين(يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى..الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى..فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بمعروف واداء اليه بإحسان..ذلك تخفيف من ربكم ورحمة..فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب عظيم..ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب لعلكم تتقون)
والصلاة والسلام على نبيبنا محمد القائل: ( حد يقام في الأرض خير للناس من أن يمطروا ثلاثين أو أربعين صباحا)
وبعد:قبل خمس سنوات من الآن قام المدعو نادر معتز..بقتل المغدور عادل...في مدينة جدة..بعد شجار دار بينهما في داخل المنزل..وقد قام الجاني بإخفاء الجثة وتضليل السلطات..وبعد أن رفع الأمر الى الهيئة الشرعية..وبعد المداولة.وسماع الشهود..والكشف عن موقع الجريمة وسرد الادلة..
اصدرت الهيئة الشرعية قرارها القاضي بتجريم المدعى عليه نادر معتز بجناية القتل العمد..للمغدور عادل…
والحكم عليه بالقتل قصاصاً ضرباً بالسيف..
حيث أن المدة التي حددها القاضي الشرعي للتنفيذ قد مرت..واتخذ فيها كافة الاجراءات اللازمة..
وسيتم تنفيذ قرار الاعدام في هذا اليوم..
لا أعلم لماذا كان يخفق قلبي وأنا أسمع ذلك الخطاب..بالرغم من أنني كنت أنتظر اليوم الذي يموت فيه نادر الا انني شعرت بشيء من الحزن..
أنا هنا أقف بين هذه الجموع بعد أن قمت بتغطية وجهي,..بدأت أقلب نظراتي بين نادر ووالده..كنت أراقبه من مسافة بعيدة..لم أرد أن يراني كي لا يعتقد أنني جئت شامتاً..
لقد حاول الدكتور معتز في الخمس سنوات الماضية أن يبذل جهده لتبرئة ابنه..
ولكن اخفاء نادر للجثة لم يكن في صالحه..ربما لو قبض عليه فور موت عادل لكانت عقوبته أخف..ربما وقتها سيصدقونه بأنه قتله خطأً..أما الآن..وبعد أن أخفى الجثة..اعتبر قتله عمداً..
وبما أن والدته وأخواله قد رفضوا التنازل..اتخذ بحقه قرار الاعدام..
بدأ صوت نادر يتعالى بعد أن أنهى الشيخ خطابه..
لقد كان جاثياً على ركبتيه مغمض العينين وهو يصرخ: أنا برئ..أنا برئ..
لم يتمكن السيد معتز تحمل رؤية ابنه هكذا...لا ألومه..فقدان الابن صعب جداً..لقد فقدت طفلة من قبل وبالرغم من أنها لم تولد الا انني تألمت كثيراً..ولكن الثمرة الفاسدة بجب أن تقتلع..
اغمض الدكتور معتز عينيه ثم ابتعد عن المكان وهو يبكي..
ابعدت نظري عنه واعدت النظر الى نادر لأرى ذلك الرجل يقف بيمينه ثم يهوي بسيفه على رقبته ليقطع صوت صراخه..وتفيض روحه الى بارئها…
أغلقت عيني بقوة عند مشاهدة هذا المنظر,شعرت بإحساس غريب...مهما بلغ كرهي لنادر..ولكنه يضل انساناً..ان تزهق روح أمام عينك ليس أمراً هيناً..مشيت باتجاه سيارتي وأنا أفكر…
يقال أن الشخص يدرك ما حوله لعشر ثوان بعد أن يفصل رأسه عن جسده..ياترى..مالذي مر في ذهن نادر في تلك الثواني العشر؟؟
هل شعر بالندم؟؟؟
توقفت أمام باب المنزل وبدأت أصعد الدرج بخطوات ثقيلة..لم أكن أعلم أن رؤيتي للاعدام ستؤثر بي لهذه الدرجة..
فتحت باب الشقة..فاستقبلني صوت هتاف مرح من طفلتي: بــــــــــابــــــــــا..
مددت يدي باتجاهها ثم قمت برفعها عالياً في الهواء..
ضحكت ابنتي فرح ببراءة فاحتضنتها بشدة والدموع تملأ عيني..
صحيح انني فقدت طفلتي من قبل..ولكن الله عوضني بابنتي فرح..
وصلني صوت سارة وهي تضحك: مالأمر..هل اتتك نوبة حنان مفاجئة..
نظرت اليها بعينين دامعتين..
عقدت سارة حاجبيها: ما الذي حدث مروان..
حدقت بها لفترة وأنا أفكر بالسيد معتز..نعم..لقد شفيت سارة بحمد الله..
بعد القبض على نادر بعدة أسابيع..اخبرني مديري بالمشفى بأن هناك فاعل خير يريد التكفل بعلاج سارة..
فرحت كثيراً ولم أرفض الأمر بالطبع..ولكن وبعد انتهاء فترة علاجها.أدركت أن فاعل الخير ذاك لم يكن سوى السيد معتز..
بالرغم مما سببه نادر من مشكلات..الا أن السيد معتز هو سبب سعادتي الآن..رؤيته حزيناً اليوم جعلتني أشعر بالذنب..
همست لسارة بهدوء:سارة..يوجد في الجزء الذي نعرفه من الكون الكثير من الظلم..ولكن..لابد للظالم أن ينال عقابه ولو بعد حين…
عقدت سارة حاجبيها..
نظرت الى عينها ثم تابعت حديثي:لقد تم اعدام نادر اليوم…
بهتت ملامح سارة ثم اشاحت بنظرها عني ومشت باتجاه الغرفة..
تبعتها باستغراب..ما الذي حصل..هل غضبت؟؟
دخلت الى الغرفة فوجدتها تمسح دموعها...التفتت الي ثم اشارت الى صورتنا مع طفلتنا فرح:هل تذكر يامروان..حين التقطت هذه الصورة اخبرتني أن ننسى كل مافات..
اخذت نفساً عميقاً ثم تابعت حديثها :لا اريدك ان تتحدث عن نادر بعد الآن..لا اريد تذكر اي شيء ينغص حياتنا...انا وأنت عشنا قصة حب لا تتكرر بين مريضة وطبيبها ..هذا ما اريد تذكره فقط.. .
ابتسمت لها:اعذريني..
ايتسمت سارة وسط دموعها ثم حاولت تغيير الموضوع:مروان..أريد الذهاب الى السوق..تنقصني بعض الحاجيات من أجل زفاف صديقك...
اجبتها: أوه..حسناً..أنا متفرغ اليوم ان كنت تريدين الذهاب..
اجابتني بابتسامة عذبة: سأكون جاهزة بعد صلاة العشاء..هل الوقت مناسب..
اومأت برأسي: مناسب جدا..
شهقت سارة: لقد نسيت الغداء..ارجو ان لا يحترق…
قالتها ثم ركضت الى المطبخ..
افففف اكره الاسواق..ولكن زواج يوسف بعد اسبوعين..وصدف ان قامت مها بدعوة سارة لتحضر زفاف ابنة اخيها..
لقد اكتشفت ان هناك قرابة بين زوجة يوسف ومها..
أليس أمراً عجيباً؟؟
.
.
.
أقبلت..حسنها ما أبهره..
أقبلت ..حسنها ما أذهله..
أقف في ذلك الممر وحدي وانظار الجميع متجهة الي..
شعرت بالتوتر من نظراتهم..رغبت بالبكاء ..
نظرت أمامي فوجدت يوسف يقف مع ماما..
هتفت ماما :أمشي يا جمان…
بدأت أمشي على انغام الاغنية..
اقبلي شمس الكواكب...لاتبالي بالعواقب
درة الحسن المصفى ..مهرة الحور الكواعب
مهرة الحور الكواعب..
لم أستطع المشي أكثر بسبب هذ الحذاء السخيف..أكره الكعب العالي..
لوح يوسف لي: هيا يا جمان امشي بسرعة..
أومأت برأسي وبدأت أركض..ولكنني سقطت على وجهي أمام انظار الجميع..
بدأت النساء بالضحك فشعرت برغبة بالبكاء..لا تضحكوا علي..
أمسكت لين بكتفي وهي تنادي باسمي: جمان..جمان..جمان..جمان..
فتحت عيني ببطء..
الحمد لله..لقد كنت أحلم..
ابتسمت لين: هيا ايتها العروس ..يجب ان تذهبي لمصففة الشعر..لقد تأخرتي..
جلست على السرير بسرعة..تزاحمت الدموع في عيني: لين أرجوك..اريد أن أخذ حذاءك..انا اكره الكعب العالي..لقد سهرت طوال الصباح وانا اسمع الاغنية واحاول المشي بذلك الحذاء السخيف ولكنني ابدو كالبطريق وانا امشي به..ارجوك لين..اريد ان ارتدي حذاءك..
أومأت لين برأسها:حسناً لا بأس..ولكن هيا تعالي لنصلي ثم اذهبي للاستحمام..ستأتي اختك لأخذك بعد ساعة..
نهضت من السرير وذهبت للصلاة والاستحمام استعداداً لحفل زفافي...انا سعيدة..سأصبح عروساً اليوم..لقد اشترت ماما لي فستاناً جميلاً جداً..
بعد ان انتهيت من الاستحمام أردت أن آكل شيئاً ولكن لين ركضت باتجاهي وهي تحمل عباءتي:جمان اختك تنتظر في الأسفل…
اجبتها بإحباط: ولكنني جائعة ..أريد أن آكل..
وضعت لين العباءة في يدي: ليس الآن..تستطيعين الأكل هناك هيا بسرعة..
ارتديت عباءتي ثم نزلت إلى رغد وانا غاضبة
..انني اتضور جوعاً..
افففف
.
.
.
اليوم ستتزوج جمان..
لا اصدق ان تلك الخرقاء ستتزوج..
لم يخطر في ذهني ان ابي سيوافق على طلبها..
ههه الحياة سهلة جداً بالنسبة لتلك الفتاة ..لا احد يرفض أي طلب لها..
يريدني ابي ان اذهب معها لتصفف شعرها….انه يريد تجهيزها في افخم واغلى محل..يقول ان والدتها قد حجزت في محل رخيص ولن يقبل لجمان ان تجهز به..
حسنا ..لا يهمني ان حجز لها في اي مكان...ولكن لماذا يريد مني الذهاب معها!!!
لماذا أنا!!
المرة الوحيدة التي ذهبت فيها معها تشاجرنا وقامت بقص شعري..خائفة مما سيحدث الآن..
بقيت انتظر قدومها مع فارس اسفل منزلهم..نزلت اخيراً ولكنها ما ان ركبت السيارة حتى بدأت بالتذمر:لماذا اتيتم مبكرين..انا جائعة واريد أن آكل..
رد فارس:يمكنك الأكل هناك..ان لم تذهبي الآن فسنتأخر..
كتفت يديها على صدرها:اففف..كنت أريد الذهاب مع ماما..
زفرت وانا ارد عليها :كفي عن التذمر..انا ايضاً أتيت مكرهة لعلمك فقط..
نظرت الي بغضب:ان قمت بإفساد شعري مرة اخرى فسأخبر يوسف ليضربك.
ضحكت:كلا لا تقلقي لن أتدخل على الاطلاق….
ابعدت جمان نظرها عني بدون أن ترد…
فكرت بتغيير الموضوع فسألتها عن نقابها..انها المرة الأولى التي الحظ بها ان جمان تقوم بتغطية وجها!!
سألتها باستغراب: جمان..لماذا تقومين بتغطية وجهك..
اجابت بحماس: أبدو كبيرة هكذا صحيح!!
لقد اخبرت ماما اني اريد ذلك مثل لين وحنين ..
ابتسمت باستهزاء..ما الفائدة ان كانت تبدو كبيرة وهي بهذا التفكير…
وصلنا الى وجهتنا أخيراً...
نزلنا معاً ودخلنا الى غرفة الانتظار..شعرت بالملل فأخرجت سماعتي وبدأت اتابع مسلسلاً جديداً لأتسلى..لا أعلم كم مضى من الوقت...ولكن مصففة الشعر قد خرجت وسألتني:هل أنت جمانة..
رفعت بصري اليها وانزلت السماعة لأجيبها: كلا هذه هي..
قلتها وأنا أشير بجانبي ولكني حين التفت لرؤيتها لم أجدها..
لقد اختفت!!
.
.
.
اليوم هو يوم زفافي انا وجمان..
لا اكاد اصدق..انه كالحلم الجميل..رغم كل الصعوبات التي واجهتنا الا اننا سنتزوج أخيراً..
حين أخبرت أمي انني أريد الزواج بجمان فوجئت كثيراً..لم يعجبها هذا الأمر فجمان ليست أهلاً للزواج كما تقول..
حينها حاولت أن اتناسي الأمر ..فسيكون أمراً صعباً مواجهتي لخالي..
ولكنني فوجئت به بعد عدة أسابيع يخبرني بأنه سيوافق على تزويجي بجمان مادام أبوها موافقاً..
كان أمراً جنونياً..تفاجأت من تغير موقفه فجأة..
هه ولكنني اكتشفت فيما بعد أن جمان كانت تلح عليهم يومياً وتخبرهم أنها تريد الزواج..فحين ذهبت لزيارة العم خالد أخبرها أنه موافق على تزويجها ..
تمت خطبتنا منذ خمس سنوات..ولكن وحتى هذه اللحظة...اشعر بأن الجميع متعجب مني لأنني أريدها..
لا أحد سيتمكن من فهمي..
أنا استمتع كثيراً حين أشعر باحتياجها لى .
انها تظن أننى أمنح دون مقابل،وأننى سخي كريم..
ولكن فى الواقع انا من أحتاج إليها..
فأنا طفل وحيد تائه..يبحث عن طفولته المنسكبة فى عينيها..
رؤيتي لبراءتها تعيد الى روحي طفولتها..أنى لي أن أجد حباً أطهر من حبها في هذا الزمن…
رن هاتفي..فاتسعت ابتسامتي حين وجدت بأن المتصل لم يكن سوى جمان..
اجبت عليه:ما اجمل هذا اليوم الذي أسمع به صوتك..
توقعت أن تضحك خجلاً كالمعتاد ولكنها أجابت بصوت باكي: يوسف تعال وخذني من هنا..
عقدت حاجبي: ما الذي حدث صغيرتي؟؟
صرخت بانفعال:انا جائعة ولكنهم يرفضون اعطائي أي طعام..
سألتها باستغراب:اين أنت الآن..
اجابت:ذهبت مع رغد لأصفف شعري..فذهبت للكفتيريا لأخذ بعض الطعام ولكنهم يرفضون اعطائي..
ابتسمت: وهل تملكين نقوداً؟؟
صرخت جمان: أنا عروس..والعروس تأخذ ماتريده..تعال واضربهم يوسف..
ضحكت: هههه جمان..يجب أن تدفعي نقوداً لتأكلي..
اجابت بصوت باكي: انا جائعة لماذا لا تفهم..جميعهم هنا لا يصدقونني..الم تخبرني أن العروس تفعل ما تريده؟؟
زفرت بضجر..لا فائدة من الحديث معها..سألتها:جمان..هل الخالة هوازن بجانبك؟؟
ردت علي:كلا ماما في المنزل لقد اتيت مع رغد..
اجبتها بهدوء: حسناً أطلبي من رغد بعض النقود…
اجابت: أنا لا أعرف أين هي..
سألتها باستغراب: هل ذهبت للكافتيريا وحدك؟؟
ردت علي: لقد اخبرت احدى النساء انني جائعة فأحضرتني هنا..
ابتسمت: حسناً اتصلي على رغد..
صمتت قليلاً ثم اجابت: لا أعلم كيف اتصل عليها.
زفرت: جمان هل تمزحين؟؟
اجابت ببراءة: كلا ..
رفعت حاجبي:وكيف اتصلتي علي اذا..
زفرت بغضب:هل أنت غبي..لقد قمت بوضع صورتك لكي اتصل عليك هل نسيت ..
ابتسمت:نعم نسيت..حسناً..اغلقي السماعة الآن..ولا تخرجي من الكافتيريا سأخبر رغد لتأتي اليك..
همست:حسنا..
اقفلت الاتصال ثم قمت بالاتصال على الخالة هوازن لأخبرها بالأمر..فأنا لا أعرف رقم رغد…
.
.
.
دارت الأيام والليالي...وكبرت صغيرتي المُقربة إلى قلبي.. .
لم اعلم بان الأيام تتسارع في حياتي بشكل كبير..بالأمس كانت طفلتي قريبة مني وملتصقة بي …
واليوم مشيئة الرحمن اختارت طريقها الجديد..
لم أتخيل أن يأتي اليوم الذي أزف به جمان عروساً..
تشويش أصاب فكري واحساسي وجميع جوانحي …
لا اعلم.. هل أنا سعيدة.. ام حزينة لبعادها ..
اسال الله العلي القدير ان يسعدها في جميع أمورها..
رن هاتفي..فأجبت عليه..لقد كان يوسف: مرحباً..
وصلني صوته: مرحباً خالة هوازن..اعذريني لاتصالي الآن..ولكن جمان ضائعة..
عقدت حاجبي: ماذا؟؟ .
رد علي: لقد اتصلت جمان علي منذ قليل..ذهبت الى الكفتيريا ولا تعرف أين أختها لقد ضاعت عنها هل تملكين رقم اختها؟؟
اجبته بارتباك:اوه..نعم..
رد علي: لقد طلبت من جمان أن تبقى في الكافيتيريا اتصلي عل اختها حالاً..
-حسناً سأحدثها الآن.. قلتها ثم أقفلت الخط واتصلت على رغد..
.
.
.
كنت أمشي وأدور حولي كالمجنونة وأنا أبحث عن جمان...أين يمكن أن تذهب هذه الفتاة..
المشكلة أنني لا أملك رصيداً كافياً لأتصل عليها..
هل يمكن أن تكون قد خرجت من هنا...افف يا جمان اففف..
رن هاتفي معلناً مكالمة من الخالة هوازن..
عضضت شفتي.ماهذه الورطة..ماذا ان كانت تريد جمان…
اجبتها بارتباك:مرحباً..
ردت علي بسرعة:صغيرتي رغد..ان جمان تائهة عنك..
اجبتها بخوف:كيف عرفتي؟؟
ضحكت بهدوء: انها تنتظرك في الكافتيريا..
زفرت بارتياح:حقاً هذا جيد سأذهب اليها حالاً..
اقفلت الخط ثم ذهبت مسرعة الى الكافتيريا..كيف غاب هذا الأمر عن ذهني ..لقد أخبرتني جمان أنها جائعة..
فتحت باب الكافتيريا فوجدت جمان تجلس على أحد الكراسي مكتفة يدها على صدرها وملامح الغضب بادية على وجهها..
ذهبت اليها بسرعة: جمان..لماذا ذهبتي بدون أن تخبرني..
نظرت الي ثم صرخت:أنا جائعة..ولكنهم لا يعطونني الطعام..اخبرتهم انني عروس ولكنهم لم يصدقوني..
نظرت اليها بحدة:اششش لا تفضحينا..ان كنت تريدين شيئاً يجب أن تدفعي ثمنه..
ارتفع صوتها أكثر :ولكنني عروس..
وضعت يدي على أذني فقد ازعجني صوتها:افف فهمت بأنك عروس..ارجوك اصمتي كي لا نفضح أكثر..
اشتريت لها الكورسون مع عصير البرتقال ثم ذهبت معها لتضع المكياج..
أرجو أن يمر هذا اليوم بدون أن تحدث جمان مشكلات أكثر..
.
.
.
وقفت أمام غرفة يوسف وأنا أتأمله بابتسامة...وأخيراً سيتزوج ابني..
رغم أنني كنت معترضة على هذا الزواج في البداية ولكن رؤية يوسف سعيد هكذا قد اراحتني…
ان فكرت بالأمر..
جمان مهذبة وبريئة..كما انها تحبني كثيراً..
انى لي ان أجد زوجة له تحترمني بقدرها؟؟
بالاضافة لأن منزلنا هادئ جداً..واشعر فيه بالوحدة في اثناء ذهاب يوسف لعمله..
حين تسكن جمان معنا ستضفي لمنزلنا شيئاً من الحيوية..
اتمنى لهما التوفيق..
.
.
.
دخلت جمان الى القاعة مع اختها في الساعة الثامنة فاستقبلتهما بالزغاريد..
نزلت رغد بعدها الى القاعة وبقيت أنا مع جمان لمساعدته في ارتداء فستانها..
وحين اردت مساعدتها في ارتداء حذائها بدأت بالتذمر: ماما ..انا لا اريد هذا الحذاء.اريد ان آخذ حذاء لين ..هذا الحذاء يزعجني..
اجبتها بحلم: ولكن يا حبيبتي تحملي قليلاً..ان لم ترتديه فستبدين قصيرة جداً بجانب يوسف..
زفرت جمان بضجركلا لن أبدو قصيرة..اعطني هاتفي ..سأتصل على يوسف وأخبره أن لا يرتدي حذاءً عالياً.
ضحكت وأنا أجيبها: كلا لن يرتدي حذاءً عالياً ولكنه أطول منك..
مطت شفتيها: حسناً أنا أريد لين..لقد أخبرتني أنها ستعطيني حذاءها..
زفرت ثم أجبتها:ان لين في الغرفة المجاورة ..لازالت تصفف شعرها..سأخبرها أن تأتي لرؤيتك بعد أن تنتهي..
اجابت جمان بحزن:أخاف أن أسقط من هذا الحذاء..
ابتسمت لها : لن تسقطي ..حسناً..ستلتقطين الصور به فقط..وبعدها قومي بنزعه ان شئت ..
قتح باب الغرفة ثم وصلني صوت رغد: خالة هوازن..لقد اتصل أبي وأخبرني أنه في الخارج..يريد رؤية جمان..
نظرت اليها: أوه ..حسناً..
اعدت نظري الى جمان: سيأتي أبوك الآن..سأنزل أنا..سأعود اليك حين يخرج بابا حسناً..
أمأت برأسها: حسناً…
.
.
.
دخلت الى غرفة جمان لرؤيتها بعد أن وصلت الى القاعة..التفتت الي وهي تهتف:بابا..
اتجهت نحوها وقبلت رأسها بهدوء:ما هذا الجمال يا حلوتي..
نظرت الى الارض وهي تبتسم بخجل..
رفعت الكيس الموجود بيدي: انظري لقد اشترى بابا لك بعض الهدايا..
ابتسمت جمان:ماهي؟؟
اجبتها:احضرت الكثير..سأفتح لك واحدة ..وباقي الهدايا سترينها حين تعودين الى المنزل..
قلتها وأنا أخرج طقم الذهب الذي أحضرته من الكيس..
نظرت الى الطقم الذي ترتديه..يبدو جميلاً عليها ولكنني أريد أن ترتدي ما أحضرته أنا لها..
رفعت حاجبي: ماهذا العقد الذي ترتدينه..انظري قد اشتريت لك عقداً أجمل بكثير..
تحسست جمان العقد الملتف حول رقبتها: ولكن ماما تقول أنه جميل جداً..
اجبتها بضجر: ماما لا تفهم بهذه الأمور..ثقي بي ..الطقم الذي أحضرته لك أفضل…
بدأت أنزع العقد عن رقبتها ثم قمت بتبديله بالطقم الذي قمت بشراءه..
ابتسمت برضى وأنا أنظر اليها..فقد أرضى مظهرها كبريائي..
.
.
خرج بابا من الغرفة وبقيت وحيدة بها..اففف لماذا لم تأتي لين..أنا أريد نزع هذا الحذاء السخيف..
حاولت الوصول الى الحذاء ولكن فستاني كبير جداً ..لا استطيع رؤية قدمي..لقد قالت ماما ان لين وحنين في الغرفة المجاورة..ربما نست ان تناديهم..
وقفت بصعوبة ثم خرجت من غرفتي..
تلفت حولي لأبحث عنهم فوجدت باب الغرفة بجانبي مفتوحاً..
مشيت اليها فتمكنت من رؤية لين وحنين تجلسان على الأريكة..
فتحت الباب ببطء كي لا يلحظا وجودي..اريد افزاعهما..ولكنني سمعتهم يتحدثون عني!!
قالت لين لحنين:لا استطيع التصديق ان يوسف سيتزوج بجمان حقاً..كيف وافقت عمتي على أمر كهذا..
زفرت حنين: الم تري كيف كانت الغبية جمان تصرخ بأنها تريد الزواج..
ردت لين بارتباك:حنين...الا تشعرين بالحزن من هذا الزواج..انا اعني.انك كنت ستتزوجين بيوسف..
ضحكت حنين: ههه ولماذا احزن..غبيان يريدان الزواج ماشأني بهما..
لم أستطع أن أسمع أكثر..استدرت لأعود لغرفتي..لماذا يقول الجميع بأنني غبية..
دخلت الى الغرفة وأنا أريد البكاء..اردت أن أتصل على يوسف ولكن ماما قد أخذت هاتفي..افففف
.
.
.
منذ خرج العم خالد من غرفة جمان وهو يتباهى أمامي بالتحضيرات التي قام بها من أجل الزفاف..
كنت ابتسم له طوال الوقت مدعياً الاهتمام ولكنه بدأ يزعجني بحديثه:هل رأيت العقد الذي ألبسوه لها؟؟
أشك في كونه ذهباً..رغم أنني أعطيتها المال من أجل تحضيرات زفافها ولكن يبدوا انهم قاموا بشراء أرخص شيء لها..يريدون احراجي ولكنني لن أسمح لهم بهذا..لقد قمت بشراء طقم فخم من أجلها..ولو كان بيدي لقمت بتغيير فستانها..
تحول صوته لنبرة استهزاء:هه ابنتي انا ترتدي فستاناً رخيصاً!!
زفرت بضجر:لقد قامت جمان باختيار فستانها ..خالي لم يقصر معها بشيء..
نظر الي بحدة:وهل قلت انه قصر معها..ما اقصده أن شخصاً مثله لن يتمكن من شراء ثوب فخم لها..
ابعدت نظري عنه بدون أن أرد..كم أكره الرجال أمثاله..كل مايهمه هو المظاهر فقط…
حالوت تناسي أمره قدر الأمكان..مايهمني الآن هو جمان..اريد رؤيتها بسرعة..
اتصلت أمي على هاتفي لتخبرني أن أدخل اليها..
يااااااااه وأخيراً..
ذهبت الى غرفتها وأنا في قمة حماسي..متحمس لرؤيتها بثوبها الابيض..وابتسامتها التي تجلب السعادة لكل من حولها..
دخلت الى الغرفة فوجدت أمي والخالة هوازن وخالي في انتظاري هناك..
ارتعش قلبي عند رؤيتي لجمان..اغلقت عيني وفتحتها عدة مرات..تبدو مختلفة جداً..
اقترب خالي مني ليسلم علي..همس في اذني:احرص على اسعادها يابنبي..لقد حصلت على درة نفيسة فلا تضيعها..
ابتسمت له: لا تقلق انها في عيني..
اتجهت نحو أمي لأسلم عليها ثم سلمت على الخالة هوازن..
نظرت بعدها بطرف عيني الى جمان..كنت متعجباً من سكوتها..
وصلني صوت الخالة هوازن:يوسف ..لقد أهديتك ثمرة عمري..حافظ عليها يابني..أسأل الله أن يملأ حياتكما سعادة..
امسكت بكف جمان ثم أجبتها: آمين..
خرجوا من الغرفة فبقيت وحدي مع جمان..التفت اليها باستغراب..لم تتحدث منذ دخولي..كما انني شعرت ان ابتسامتها لأمها كانت باهتة..
همست:جمان..هل هناك شيء أزعجك..
التفتت اللي فلاحظت تزاحم الدموع في عينيها..
عقدت حاجبي: مالأمر؟؟
مطت شفتيها ثم سألت: يوسف فستاني جميل صحيح..
ابتسمت: جميل جداً جداً..
تابعت حديثها: وماذا عن شعري ومكياجي؟؟
اتسعت ابتسامتي:في قمة الروعة…
اخذت نفسا عميقاً:هل أنا جميلة أيضاً؟؟
زفرت بعمق:آآآآه....اعجز عن وصف جمالك..
ابتسمت جمان ابتسامة باهتة ثم سألت بارتباك:يوسف...هل..هل أنا غبية؟؟
نظرت اليها بصدمة:جمان ما هذا الكلام..
نظرت الي بعينين دامعتين: جميعهم يقولون هذا..لقد سمعتهم يقولون عنك انك غبي لأنك ستتزوج بفتاة مثلي..
امسكت وجهها لأمسح دموعها:لا تهتمي لهم ..انهم يغارون فقط..
اجابت بصوت متهدج:حتى رغد قالت لي ان يوسف مجنون ليتزوج بمجنونة مثلك..
نظرت الى عينها ثم اجبتها بابتسامة:صغيرتي..جميع الامور حولنا تخضع للعقل والمنطق.. الا انت وانا ومابيننا.. يخضع للجنون,,
عقدت جمان حاجبيها في عدم فهم..
اتسعت ابتسامتي:يقولون أن العشق أعلى درجات الحب..
إن كان حبي لك يفوق العشق فماذا يسمى إذاً؟؟
هل أحكي عنك أكثر..ام اكتفي بالقول..انك ترجمة لكل ماهو جميل في حياتي..
اغمضت جمان عينها بكل قوتها: يوسف توقف..أنا أخجل..
اطلقت ضحكة قصيرة فصرخت جمان معترضة:لا تضحك يوسف..
حاولت السيطرة على ضحكي ولكنني لم اتمكن من اخاء ابتسامتي..
ابعدت جمان نظرها عني ثم تحدثت بارتباك:انا اعرف لم يقولون هذا..
تلاشت ابتسامتي حين سمعت نبرتها الحزينة..
نظرت جمان الى الأرض ثم تابعت حديثها:اخبرتني رغد ان بقائي في المشفى لفترة طويلة قد جعلني غبية..
شعرت بألم يعتصر قلبي..اجبتها بحزن: كل يا صغيرتي..لا تسمحي لهم بإحباطك..
رفعت بصرها الي..فتمكنت من رؤية الحزن في نظرتها..
ابتسمت بحنان:هل تعلمين..غيبوبتك تلك.جعلتك تفعلين شيئاً عجز عنه الجميع..
عقدت حاجبيها: كيف؟؟
تابعت حديثي: انظري للأمر بطريقة مختلفة..هل تعلمين أن العلماء يتمنون الانتقال الى المستقبل لرؤيته..ولكنهم عاجزون..ولكنك في اثناء الغيبوبة وكأنك أجريتي قفزة عبر الزمن..اغلقت عينك وفتحتها لتري أنك تقدمتي بالزمن ستة عشر سنة..
ابتسمت جمان: لم أفكر بالأمر هكذا ..
اتسعت ابتسامتي: ليس هذا فحسب..هناك شيء آخر يميزك..هل تعلمين أن هناك الكثير من الناس يودون العودة للطفولة..ليس الأمر أنهم يريدون أن يضلوا صغاراً..ولكنهم يتمنون براءة الأطفال ونقاء قلوبهم..انت فقط من حافظتي على براءتك وهذا ما احببته أنا بك…
احمرت وجنتيها خجلاً ثم نظرت الى الأرض بصمت..
أما أنا ..فقد بقيت أتأملها بحزن..رغبت بكل صدق أن انتشلها من هذا العالم الذي زُرعتِ به رغماً عنها …
رغبت بكل شدة أن أريها أن أصعب الأشياء وإن كانت حقيرة الشأن يمكن أن تتحقق بشكل أو بـآخر و برؤية أخرى ..
تمنيت حقاً أن أجعل من تساؤلاتها الداخلية دستور تُحترم بنوده … ولا تستقبلها العــامة بالضحكات الساخرة...
لن أسمح لشعور النقص بالتسلل اليها من جديد..سأحرص على تعليمها..
ستدرس جمان كغيرها من الفتيات..ستكون مثالاً للمثابرة..
ستدرس وتتعلم..وستكون قدوة لغيرها…
أعدك يا صغيرتي.. لن يهزأ أحد بك من جديد..
سيأتي ذلك اليوم الذي يكون به اسم جمان نجماً يلمع في الآفاق..
هذا وعد مني أنا..
زوجك وحبيبك طوال العمر:يوسف..
|