كاتب الموضوع :
شخابيط فتاة
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حرمتني النوم يا جمان/بقلمي
الفصل التاسع عشر: اختطاف!!
هل سمعتم يوما عن فتاة تكره ذكرى زفافها؟؟
يؤسفني ان اخبركم ان تلك الفتاة هي أنا..
ذكرى زفافي تعد من أسوأ الذكريات بالنسبة لي..
وأحد أسباب كرهي لذلك اليوم هو عمتي والدة مروان…
حين فتحت الباب متوقعة قدوم مها..رأيت عمتي تقف أمامي مع ابنتها جنى.
-ابني ..أين هو ابني..ما الذي حصل له..
كانت تلك هي الكلمات التي نطقت بها فور فتحي لباب الشقة..
ركضت باتجاه غرفة مروان متجاهلة وجودي أمامها ..لم تسلم علي..
ابتسمت جنى لي: كيف حالك ياسارة..
حاولت جاهدة أن أرسم الابتسامة على شفتي..جنى هي الأخت الصغرى لمروان..عمرها اربعة عشر سنة..
بعد أن سلمت علي ذهبت باتجاه غرفة مروان هي أيضاً..كنت أود الذهاب لغرفتي كي لا اصطدم مع عمتي ولكنني لن أتمكن من أخذ الحقنة وحدي...مروان سيقلق بالتأكيد.
بدأت أحرك كرسيي باتجاه الغرفة ببطء..
بدأت أسمع صوت عمتي وهي تبكي:من فعل هذا بك يابني..لماذا لم تخبرني بالأمس..لقد قلقت عليك كثيراً
اجابها مروان:امي لم اخبرك بهذا كي تقلقي اردتك ان تعذرني لعدم زيارتي لك فقط..انك تهولين الأمر أنا بخير حقاً..
ردت بصوت أعلى:انك طريح الفراش وتقول انك بخير..اريد ن أفهم لماذا تطاردك المشكلات..
صمتت قليلاً ثم اردفت بصوت متذمر:منذ تزوجت بتلك الفتاة وحياتك تدمر...اود أن أفهم ما شأنك بها..لماذا تدخل نفسك بمشكلات بسببها؟؟
اخبرتك مراراً أن تتزوج بابنة خالتك..ولكن لا..سارة فتاة مسكينة..انها تحتاج لمن يساعدها..
انظر انظر..هذه هي النتيجة..لقد قاموا بطعنك…
زفر مروان : أمي ماشأن سارة بهذا الموضوع أرجوك..
شهق:اين هي سارة لقد ذهبت لتحضر ادويتها..
اجابت جنى:لقد كانت خلفي سأذهب لرؤيتها.
مسحت دموعي بسرعة وحاولت رسم الابتسامة وأنا أدخل للغرفة:يوم السعد يوم زيارتك لنا ياعمتي..
نظرت عمتي الي بحدة ثم همست بضجر: هه تقول يوم السعد..
شعرت برغبة بالبكاء..ولكن حين رأيت ابتسامة مروان وهو ينظر الي حاولت التماسك..
سأحاول تجاهل وجودها..اخبرتني مها ان اكون واثقة من نفسي..مروان يحبني ولهذا يهتم بي..اخبرتني ان ابعد تلك الافكار عن رأسي..انا لا أثير الشفقة..أنا فتاة قوية وجميلة وسأكون خير زوجة لمراون..
اعطيت مروان تلك الحقنة وبدأ يحقنني بها وسط نظرات عمتي..
رغم انني حاولت تجاهل وجودها تماماً الا انني كنت أشعر بنظراتها وكأنها تخترقني.
-لقد انتهينا..
قالها مروان وهو يضع الحقنة على الطاولة..
نظر الى والدته بابتسامة: مالذي تريدون طلبه على العشاء..
هتفت جنى بحماس: أنا أريد البيتزا..
ضحك مروان بهدوء: ههه حسناً اذا سنطلب البيتزا..
ردت عمتي:كلا سأقوم بطهو العشاء بنفسي ..اعتقد انك تفتقد الطبخ المنزلي..
قالتها ثم القت نظرة سريعة علي وخرجت من الغرفة..
لحقت جنى بها :كلا ..كلا.. امي ارجوك اريد البيتزا..
بقيت اراقبهم بنظراتي الى أن خلت الغرفة..
وصلني صوت مروان: سارة ياعزيزتي لا تهتمي لكلام أمي أرجوك..صدقيني انها تحبك كثيراً ولكنها قلقة علي الآن..
نظرت اليه ودموعي تنذر بالنزول..اذاً انا لا أتوهم..مروان ايضاً يلاحظ تعمدها لازعاجي..
اجبته بصوت مرتجف:كلا لم اهتم..احم..انا اشعر بالتعب سأذهب للنوم
رد مروان : انتظري حتى نتناول العشاء.
أومأت برأسي: كلا لا أشتهي..قلتها ثم خرجت باتجاه غرفتي..في الحقيقة أنا لن أحتمل نظرات عمتي تلك..اخاف أن أبكي وسيحزن مروان لهذا..
دخلت الى غرفتي وما أن استلقيت على سريري حتى انفجرت بالبكاء..
حاولت جاهدة أن ابعد تلك الذكرى عن ذهني ولكنني لم أستطع…
دفنت رأسي بوسادة سريري وأنا ابكي بحرقة..
وضعت يدي على اذني في محاولة مني لأبعاد صوت عمتي وهو يتردد بذهني..
تلك الجملة التي قالتها لي في يوم زفافي..لقد دمرتني وقتلت الأمل بقلبي بأن أفرح كأي عروس في الدنيا…
مروان يشفق عليك
مروان يشفق عليك
مروان يشفق عليك
.
.
.
للحظة فقط..كانت تلك السكينة ستغرز في صدري..للحظة فقط كنت سأموت ميتة شنيعة..للحظة فقط كانت أحلامي ستنتهي.
ولكنها غريزة البقاء..لا أعلم كيف اتتني تلك القوة و أنا ادفعه عني ..سقط ارضاً..وسقطت تلك السكينة معه..
كان سيعود لأخذها ولكنني كنت أسرع منه..
رفعتها بيدي ونظرت اليه بتهديد..
كنت امسك بها وأنا الهث من شدة التعب..
أما عادل فقد كان يجلس على الارض وهو ينظر الي بعينين دامعتين..
بدأت أتحدث بصوت متقطع وسط انفاسي المتسارعة:اياك وأن تقترب..
قلتها ثم اخرجت هاتفي من جيبي لأتصل على أبي بدون أن أنزل تلك السكينة في محاولة مني لحماية نفسي من أي هجمة مرتدة من قبله..
ولكن..وقبل ان اتصل..
وقف عادل وهو يصرخ:لقد دمرت حياتي….
قالها ثم ركض باندفاع تجاهي..
كانت ثوان ..ثوان معدودة..ولكنها دمرتني..
لم أكن بوعيي وقتها..كنت اريد الدفاع عن نفسي فقط..اردته ان يخاف ويبتعد..ولكن الآون قد فات..
جثى عادل على ركبتيه امامي مضرجاً بدمائه وأنا انظر اليه بخوف..
نعم..لقد قمت بطعنه..
استقرت تلك السكينة برقبته ثم سقط ارضاً وبدأ يتلوى على الأرض وهو يمسك بتلك السكينة في محاولة منه لأخراجها..
أما انا ..فقد كنت انظر اليه بصدمة..لم أكن قادر على استيعاب الموقف..
أنا..لقد ..لقد قتلته..
بدأت اهز رأسي بقوة لأستيقظ من هذا الكابوس...كلا هذا مستحيل..
اتجهت نحو الجدار وأنا اضرب رأسي بقوه:استيقظ...اللعنه ..اســــتيقظ..
بدأ عادل يخرج شهقات قوية من صدره..
ركضت باتجاهه ثم جلست بجانبه فزعاً في محاولة مني لتدارك الأمر..
أمسكت برأسه وقمت بوضعه على فخذي وأنا أتحدث معه بصوت مرتجف: تماسك عادل..ارجوك تماسك..لا يمكن أن تموت..
بدأ يحرك شفتيه ببطء ليتحدث.
انهمرت الدموع على خدي وأنا ارى عينيه تتقلبان ..
أدركت أنه يحتضر...جذبته الى صدري بقوة وأنا أبكي: عادل تماسك أرجوك..أرجوك..
بدأ عادل يتمتم بكلمات متقطعه لم أدرك معناها في البداية..
ولكن صوته بدأ يتضح تدريجياً..ادركت تلك الكلمة أخيراً..
بدأت أضحك وسط دموعي حين أدركت همسته..كيف أصبح هذا حالنا ياعادل..
همسته تلك اعادت الى ذاكرتي ذكريات بريئة..
شددت ضغطي أكثر وأكثر..شعرت معها وأن عظامه ستسحق بين يدي..
اختلطت دموعي بدمائه وأنا أسمعه يكرر همسته مجدداً…...
رغم ان صوت كان متقطعا الا انني ادركت مايقصده..فقد كانت هذه كلمته دائماً:انــ..ـه ..خطـ...ــأي..نون..
خفت صوته..بل صمت تماماً..بدأت أشعر أن جسده قد أصبح ثقيلاً فجأة..ابعدته عني لأرى الدماء تخرج من فمه.وعيناه جاحظتان.. لقد مات..
دفعته عني ثم وقفت فزعاً وبدأت أتراجع بخطواتي الى الخلف وأنا أنظر اليه..
ما الذي فعلته..لقد قتلته..اصبحت مجرماً..
سرت قشعريرة قوية بجسدي..نظرت الى يدي الممتلئة بالدماء..لقد كانت ترتجف..
جلست بجانبه وبدأت اهزه بشكل هستيري وأنا أصرخ:لا يمكن أن تموت عــــــــادل...استيقظ ايها الغبي...أسـتــــيــــــــــقظ…
أي مصيبة وقعت بها في هذه المرة...لن أستطيع الخروج من هذا الأمر أبداً..لماذا ياعادل..لماذا..
بدأت أسمع طرقات قوية على باب الملحق..
جحظت عيناي وأنا أنظر الى الباب بخوف..
سمعت صوت أبي وهو يهتف: نادرهل انت موجود..
بدأ يزيد من طرقه على الباب ودقات قلبي تزداد مع كل دقه..
توقف عقلي عن التفكير..الوقت مبكر جداً لأفضح الآن...كيف سأخبر أبي بهذا..
هممت بالرد عليه ليتوقف عن طرق الباب ولكن عقلي لم يهدني لشيء…
توقف قلبي عن النبض حين سمعت رنين هاتفي..
بدأت أسمع صوت أبي: ان هاتفه يرن بالداخل.. .
ردت أمي: ربما يكون نائماً....
عاد أبي لطرق الباب: نادر أفتح الباب لا تقلقني أرجوك..
نظرت الى عادل من جديد وأنا أفكر بطريقة للتخلص منه....
لقد اصبت بحالة من الجنون..لا اعلم حقاً بماذا كنت افكر وأنا اقوم بجر جثته باتجاه الحمام..
وضعته على الأرض ثم قمت بفتح صنبور الماء ليتدفق الماء على جسدي وجسده…
بينما كانت قطرات المياه تتخلل شعري شعرت وكأنني بدأت أستعيد وعيي قليلاً…
اصبحت موقناً الآن انني لا احلم..
لقد قتلت عادل حقاً..
حين رأيت دماءه وهي تختلط بالماء على الأرض اجتاحني شعور بالغثيان.. بدأت أتقياً على المغسلة الى ان افرغت كل ما بمعدتي..
غسلت وجهي بقوة وأنا أحاول جاهداً السيطرة على دموعي…
خرجت من الحمام باتجاه الغرفة وثيابي ملتصقة على جسدي بسبب الماء..
وجهت نظري الى الأرض الممتلئة بالدماء بفزع..كيف سأتمكن من تنظيفها الآن.
كنت انتفض بقوة..لا أعلم حقاً هل كنت أنتفض من الخوف أم البرد..
اتجهت نحو جهاز التكييف لأغلقه…
لقد توقف أبي عن طرق الباب..
يبدو أنه قد يأس..
استلقيت على الأريكة ثم أغلقت عيني بقوة في محاولة مني للنوم..لن أتمكن من النوم طبعاً...ولكني اريد أن يمر الوقت بسرعة حتى اخرج باتجاه غرفتي..
ان قمت بفتح الملحق الآن سيفضح أمري..
انتابني شعور غريب بأن هناك من يراقبني..فتحت عيني بفزع لأنظر الى باب الحمام..لأرى عادل يجلس على الأرض وهو ينظر الي بعينين حمراوين... .
.
.
.
قامت جمان بتناول عشائها ثم نظرت الي بحماس:هل ستأخذينني للمستشفى الآن..
أومأت برأسي: سأتحدث مع بابا ليأخذك يا عزيزتي.
عبس وجهها:بابا لا يريد أن يأخذني..
وقفت من الأريكة:سأتحدث معه لا تقلقي..
قلتها ثم خرجت من الغرفة..كان خالد يقف أمامي باهتمام: ما الذي حصل..
زفرت: خالد لنأخذها للمستشفى حالاً..
تغيرت ملامح وجهه:هذا ما توصلتي اليه بعد كل هذا الوقت..اخبرتك ان تحاولي اشغالها عن موضوع الذهاب الى المشفى..
اجبته بضجر: أريد أن أفهم كيف تفكر يا خالد..المسكينة انها خائفة..تحتاج للوقت لتعتاد على المنزل..ما المشكلة ان ارادت رؤية الممرضة؟؟
لقد قامت بالعناية بها لسبعة أشهر...من الطبيعي أن تتعلق بها وتفتقدها ..
نظر خالد الي بحدة: الأمر ليس من شأنك ..انها ابنتي وسأتصرف معها كما أريد..
صرخت : ان كان الأمر ليس من شأني لماذا اخرجتني من منزلي لرؤتها..
حاول خالد ان يخفض صوته: انك لا تفهمين يا سمر..لا أريدها أن تتعلق بالممرضة أكثر..لديها الكثير من المرضى..يجب أن تعتاد جمان علينا.
اخذت نفساً عميقاً ثم أجبته: ولكن حرمانها من الذهاب ليس حلا مناسباً..ستعتاد على المنزل بالتدريج...زيارة قصيرة فقط..أين المشكلة؟؟
تحدث خالد بانفعال: سمر سينفذ صبري حقًا..انا ارفض زيارتها للمستشفى بتاتاً..يجب أن يمحى أمر المستشفى عن ذهنها..
زفرت بعمق: كما تشاء..ولكن تحمل تبعات فعلتك..ستتسبب بعقد نفسية للفتاة..
تجاهلني ثم دخل الى الغرفة.
وقفت جمان من الأريكة وهي تعقد حاجبيها:هل سنذهب للمستشفى؟؟
اجابها بابتسامة : سنذهب يا صغيرتي..
اتسعت عيناي وأنا أنظر اليه ...هل ينوي الكذب عليها..اردت أن أحذره من هذا حتى لا يفقد ثقة جمان به ..ولكنني قررت تجاهل الأمر..
طلب مني أن لا أتدخل بشؤون ابنته..حسناً اذاً يا استاذ خالد...تحمل نتائج أفعالك..
بدأت جمان ترتدي حذاءها وعباءتها والابتسامة لا تفارق وجهها البرئ.
شعرت بالحزن عليها..المسكينة ستصدم كثيراً..
ركبنا السيارة وبدأنا بالتحرك…
كانت جمان تنظر من زجاج النافذة وهي تبتسم..
لم يكن يسمع في السيارة سوى صوت جمان وهي تهتف في كل دقيقة: الم نصل بعد..
يجيبها خالد ببرود: ليس بعد..
ومع كل مرة كانت جمان تسأل بلهفة كان حزني عليها يزداد أكثر…
وصلنا الى المنزل وتوقفت السيارة..جحظت عينا جمان وهي تنظر الى خالد..
تزاحمت الدموع في عينيها وهي تتحدث بصوت مرتجف: انها ليست المستشفى..
لم يرد خالد عليها..خرج من السيارة ثم اتجه الى الباب الخلفي للسيارة ليفتح الباب لإخراج جمان.
صرخت جمان بأعلى صوتها:كلاااااااااااااااااااااااااا
نظر خالد اليها بحدة ثم أمسك بيديها
وبدأ يجرها الى الخارج وجمان تجلس على ارض الشارع وهي تبكي وتصرخ: أريد الذهاب الى مــــــــامـــــــــــــــــــــا..
اجابها خالد بحدة: جمان لا تكوني عنيدة هيا..
نظرت جمان الى خالد بحدة ثم قفزت باتجاهه فجأة لتقوم بعض ذراعه بكل قوتها..
صرخ خالد بألم وهو يدفعها أرضاً ثم صرخ بانفعال:يكـــــــفي ...لقد طفح الكيل..
قالها ثم حمل جمان وهي ترفس وتضرب ظهره وتصرخ وسط دموعها:أنا أكرهك ..أكرهك...اكرهكم جميعاً..
دخل خالد الى الفلة لتمتلأ الصالة بصراخ جمان..
وقف فارس مع رغد على درج المنزل وهم ينظرون الى خالد بدهشة..
اتجه نحو الغرفة التي كانت ترقد مها بها ثم قام بوضع جمان على السرير وخرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه..
بدأت جمان تطرق باب الغرفة بكل قوتها ولكن خالد كان يمسك بالمقبض..
نظر الي ثم صرخ بانفعال: أين المفتاح..
اجبته بصوت مرتجف..فأنا أعلم جيداً أن خالد يجن في وقت غضبه:خالد لا تفعل هذا بها..انك تصعب الأمور..
قاطعني وهو يصرخ: لا تتدخلي مفهوم..لقد أفسدت جمان بسبب دلالها الزائد..سأعلمها الاحترام بنفسي….
وقفت ليسا أمام خالد وهي تمد المفتاح بيدين مرتجفتين: هذا هو المفتاح..
أغلق الباب بالمفتاح متجاهلاً صراخ جمان من خلفه..
نظر الينا والشرر يقدح من عينيه: ستبقى جمان في هذه الغرفة الى أن تتعلم الأحترام..أياكم وأن تفتحوا الباب لها..مفهوم؟؟؟
ركلت جمان الباب بكل قوتها وهي تصرخ: أكــــــرهك..
قام خالد بركل الباب أيضاً ثم صرخ بغضب: أصمتـــي والا قطعت لسانك..
صرخت جمان بصوت أعلى : كلاااااااااااااااااااااااا
ضرب خالد وجهه بغضب ثم ركض باندفاع باتجاه الدرج ليذهب باتجاه الغرفة..
أما أنا فقد كنت اراقب ما يحدث بصدمة..انها المرة الأولى التي ينفعل خالد بها بهذا الشكل..لم يعتد أن تكسر كلمته أبداً ..ولكن يبدو أن جمان ستقلب موازين هذا المنزل..
انها عنيدة حقاً...آه يا جمان.
.
.
.
أعددت العشاء لمروان وأنا أفكر كيف اقنعه بأمر الزواج..
لقد تحدثت مع أختي بالأمس..انها تعلم جيداً أن زواج مروان بسارة هو زواج على الورق فقط...لقد وافقت ابنتها على أن تكون الزوجة الثانية لمروان..
ولكن مروان عنيد جداً..لا أعلم لم يرفض الزواج..لقد شارف عمره الثلاثين وهو لم يتزوج بعد..أريد رؤية أحفادي قبل أن أموت…
مروان ولدي الوحيد بعد ثلاث فتيات … الا يحق لي أن أفرح بولد من ابني الوحيد؟؟؟
حملت الصينية واتجهت بها نحو غرفة مروان…
وضعتها على الطاولة الموجودة بجانب السرير ثم جلست مع جنى على الأرض..
نظر مروان الي: أمي تعالي واجلسي بجانبي على السرير..
وقفت للجلوس بجانبه ثم سألته بدون أن أنظر اليه: أين سارة؟؟
رد مروان : قالت انها لا تشتهي الأكل..
نظرت اليه بحده:لا تشتهيه لأنني أنا من قمت بالطهو صحيح؟؟
زفر مروان: لا حول ولا قوة الا بالله ..أمي أرجوك..انها متعبة فقط..الأدوية التي تأخذها تسبب النعاس…
بدأت آكل وأنا أغلي بداخلي...لا أعلم لماذا يدافع عنها دائماً..
أنا لا أكن مشاعر سيئة تجاه سارة..كل مافي الأمر أنني أغضب لأن مروان لا يحصل على حقوقه كزوج..وكأنه تزوجها ليقوم على خدمتها ...ما الذي يجبره على هذا أود أن أفهم فقط..
بعد أن انتهينا من العشاء طلبت من جنى أن تحمل الصينية الى المطبخ..وبعد أن خلت الغرفة..نظرت الى مروان باهتمام: اسمع يابني..لقد تحدثت مع خالتك بشأن زواجك من خلود..قالت انها لا تمانع أن تكون زوجة ثانية..
أخذ نفساً عميقاً ثم رد علي: لماذا تحدثتي معها يا أمي..أخبرتك أنني لا أنوي الزواج..
اجبته بحدة: ولماذا ترفض الزواج..يجب أن تحمد الله لأنها وافقت..
وضع يده على رأسه:أمي..اتمنى لها التوفيق ولكنني حقا لا ارغب بالزواج..سارة تكفيني..
ضحكت باستهزاء: وهل تسمي نفسك متزوجاً..أفق يا بني..انك تعمل على خدمتها ليل نهار بدون أن تحصل على مقابل..اريد أن أرى ابناءك قبل وفاتي..
قام بتقبيل يدي: ماعاذا الله يا أمي أسأل الله أن يديمك تاجاً على رؤسنا..سترين أبنائي بإذن الله..ولكن يا أمي أنا غير قادر على الزواج في الوقت الحالي تحديداً..انني أجمع النقود من أجل علاج سارة..سأسافر الى المانيا لعلاجها ان شاء الله..
نظرت اليه بصدمة: تسافر!!
أومأ برأسه : نعم من أجل العلاج فقط..
شعرت بالدم يفور بداخلي:اذا ترفض الزواج بسببها..
لم يرد علي..
تابعت حديثي: ان كان الأمر من أجل المال فلا تقلق..سأدفع تكاليف زواجك بنفسي..
اتجهت نحو حقيبتي لأخرج صندوقاً صغيراً..
فتحته لأري مروان تلك الأساور الذهبية: انظر..لقد قمت بشرائها من أجل خلود قبل أن تتزوج بسارة..اخبرني فقط أنك تريد خطبتها وسأعطيها لها فوراً..
أخذ تلك الأساور من يدي وبدأ يتأملها...همس بهدوء: وسارة..لماذا لم تقومي بشراء شيئ من أجلها..
رفع بصره الي: تزوجت بي بدون أن أشتري لها قطعة ذهب واحدة..
زفرت بضجر: لا تغير الموضوع مروان..هل أخطبها لك أم لا؟؟
نظر الى الاساور بتفكير ثم أجاب: سارة ستحزن كثيراً يا أمي..مرضها يتأثر بحالتها النفسية..لا أريد احزانها…
نظرت اليه بصدمة..الآن فقط أدركت السبب..انه يرفض الزواج حفاظاً على مشاعرها..ليت تلك الفتاة تستطيع اسعادك مروان...ان كانت هذه مشكلتك فسأتفاهم مع سارة بنفسي..سأقنعها بأمر زواجك..
ان قامت سارة بإقناعه بأمر الزواج بنفسها فلن يكون لك أي حجة للرفض يامروان...
.
.
.
صرخت بفزع حين خيل لي طيف عادل وهو ينظر الي..أغلقت عيني وفتحتها عدة مرات لأتأكد مما رأيت..ولكن لا ..لقد كان مستلق على الأرض..
بدأت أشد شعري في عدم تصديق.. ان بقيت مع جثته أكثر سأجن بالتأكيد..
من شدة خوفي ..لم استطع البقاء في الملحق أكثر..سأخرج الى غرفتي..لا يهمني ان رآني أي أحد..
المهم أن لا أبقى هنا…
اتجهت نحو باب الحمام ثم أغلقت الباب..
ركضت باتجاه باب الملحق ثم اقفلته خلفي بعد أن خرجت…
كان قلبي ينبض بسرعة عجيبة..كنت مرتعباً جداً..
كنت أنتفض من كل صوت أسمعه خلفي…
اتجهت نحو البوابة المخصصة للخدم..لن أدخل من الباب الرأيسي حتى لا أصطدم مع أي أحد..
بدأت أمشي ببطء بداخل المطبخ الى أن وصلت الى درج الصالة..
كنت أمشي وأنا أدعو الله بداخلي أن يكون الجميع نيام…
بدأت أصعد الدرجات بحذر شديد..كنت أشعر أن جسدي يحترق من شدة خوفي..
وصلت الى الغرفة..وما ان اغلقت الباب خلفي حتى شعرت بالراحة…
جلست على الأرض وبدأت أتنفس بعمق علي أهدأ قليلاً..
شعرت بالدموع الحارقة على وجنتي: آه يا عادل...أي ورطة اوقعتني بها..كيف سأنجو من هذا الأمر..
مسحت دموعي ثم دخلت الحمام لأستحم…
وما أن قمت بفتح الصنبور حتى خيل لي بأن الدم يخرج من الصنبور.
قفزت بفزع وأنا ابتعد..
اغلقت عيني وأنا احاول المحافظة على هدوئي: اهدأ يا نادر اهدأ..
انتهيت من الاستحمام سريعاً فقد كنت خائفاً من البقاء في الحمام..كنت أتخيل عادل أمامي في كل دقيقة..
وضعت ملابسي الملطخة بالدم بداخل كيس ثم وضعتها بداخل الخزانة..سأغسلها في ما بعد..
استلقيت على سريري واختبأت أسفل بطانيتي..ولكني لم أتمكن من النوم..كنت أتوهم سماع أصوات خطوات خلفي..
جلست على السرير أنا أصرخ: يكفي..
نظرت الى النافذة وأنا أفكر..مادام عادل موجود فلن أتمكن من الراحة..يجب أن أتخلص من جثته…
انه هارب من المشفى وفق السجلات..ان قمت بدفنه في أي مكان فسيبقى مختف في ظروف مجهولة..
سألقي به في البحر أو أقوم بدفنه في منطقة منعزلة.
عزمت أمري ثم وقفت من سريري وبدأت
أمشي بحذر الى أن خرجت الى الفناء..
وقفت أمام باب الملحق وقد بلغ خوفي ذروته..
تلفت حولي..هذا جيد لا يوجد أحد..
دخلت الى الملحق وبدأت أمشي على أطراف أصابعي...حاولت جاهداً أن أبعد نظري عن الدم الموجود على الأرض..سأقوم بتنظيفه بعد أن أتخلص من الجثة..
فتحت باب الحمام..ثم أغلقت عيني بقوة في محاولة مني للسيطرة على دموعي: سامحني يا عادل..
أمسكت بقدميه وبدأت أجره الى أن وصلت الى باب الملحق..
توقفت عند الباب وأنا أفكر..سيلوث السيارة بدمائه,,يجب أن أضع بطانية قبل أن ادخله اليها..
هممت بالخروج من الملحق ولكن ذلك الصوت خلفي قد استوقفني وهو يهتف: من هنا؟؟
.
.
.
استيقظت في منتصف الليل وأنا أشعر بصداع فضيع..لن أستطيع الاحتمال أكثر..احتاج للتدخيين..
حاولت جاهداً الامتناع عنه من أجل مها ولكن الأمر يفوق طافتي..
أشعر أنني سأجن..
انزلت قدماي عن السريرر بهدوء ثم بدأت أمشي بخطوات بطيئة..
لا أستطيع الرؤية جيداً بسبب الظلام في الغرفة..كما أنني أخاف أن تستيقظ مها ان قمت بأشعال الاضواء..
بينما كنت أمشي باتجاه الباب..اصطدمت قدمي بطرف الطاولة الموجودة أمام السرير..
لقد اصدرت صريرا اثر تحركها من مكانها...سحقاً..ستستيقظ مها..
عضضت شفتي وأنا انظر اليها بارتباك...لقد بدأت تتقلب على السرير..هل استيقظت ياترى..
لا يهمني..لا استطيع احتمال هذا الصداع أكثر..
اتجهت نحو باب الغرفة ثم فتحته بحذر شديد كي لا يصدر أي صوت..
اغلقته خلفي بسرعة ثم ركضت باتجاه المطبخ..
لقد قمت بتخبئة مجموعة من السجائر بداخل كيس ثم قمت بوضعها فوق الثلاجة..
اخذت كرسيا ثم وقفت فوقه..توقعت أن أجد الكيس ولكن..اتسعت عيناي بصدمة…
الكيس غير موجود!!
بدأت اهز رأسي بقوة ...كلا هذا مستحيل..أين اختفت..يجب أن أجدها الآن ..
لا استطيع الاحتمال أكثر..
ربما أكون قد وضعتها بداخل الخزائن..
نزلت من الكرسي..وبدأت افتش بداخل الخزائن..
كنت القي بالأطباق على الأرض بشكل هستيري.. أصبحت الرؤية ضبابية أمامي من شدة الصداع..
أوقفني صوت مها وهي تهتف: ما الذي تبحث عنه..ماجد…
.
.
.
توقف قلبي عن النبض..وعقلي عن التفكير..لقد انتهيت..
التفت الى مصدر الصوت ببطء لأرى العم حسن..حارس الفلة وهو ينظر الي بصدمة..
تخدث بصوت مرتجف:سيد نادر..ماهذا الدم على ثيابك..
لم أرد عليه..فقد الجمت الصدمة لساني عن الكلام..
التفت برأسه باتجاه عادل ثم شهق بقوة :سيد عادل..
افقت من صدمتي حين رأيته يجثو على ركبتيه بجانب عادل..
تحدثت بصوت متهدج: لم أكن أقصد هذا...لقد أراد أن يقتلني..كنت أريد الدفاع عن نفسي فقط..
نظر العم حسن الي بعينين دامعتين.. .
تابعت حديثي:عم حسن أرجوك لا تخبر ابي بهذا...ان ابي يبحث عن عادل..لقد هرب من المصحة...سأقوم بدفنه ولن يعلم أحد بما حدث..
أومأ برأسه والدموع تملأ عينيه: كلا يابني..بجب أن تعترف..اخبرهم أنك لم تقصد هذا ..
مسح دمعة نزلت من عينه:دع أمه تراه قبل أن يدفن..انه ابنها الوحيد …
أمسكت بقدمي عادل وبدأت أجره وأنا أصرخ: لا تتدخل بهذا الأمر..سأذهب لأخطب اسيل في الغد..ان فضح هذا الأمر ستدمر حياتي..
وقف العم حسن ثم أمسك بيدي: بني لا تفعل هذا ..اهدأ أرجوك..يجب أن تعترف ..ستقع بمصيبة أكبر أن تم العثور على الجثة..
نظرت اليه بحدة:وكيف سيعثرون عليها..لا أحد يعلم بهذا الأمر سواي أنا وأنت..
نظرت اليه بترج: سأعطيك ماتريده من مال..سأطلب من أبي أن يزيد مرتبك ..سأفعل أي شيئ تريده في مقابل أن تنسى ما رأيت..تذكر أفضال أبي عليك وعلى عائلتك..افعلها من أجل أبي..أبي سينهار ان علم بهذا…
ترك يدي بدون أن يرد علي..
تجاهلته وبدأت أكمل جر الجثة..
أسرع العم حسن ليمسك بيدي عادل ويرفعه معي..اذاً..لقد قرر مساعدتي..
قلت بصوت مرتجف: أريد أن أغطيه ببطانية حتى لا يلوث السيارة..كما أنني احتاج اداة للحفر..
أومأ برأسه ثم ترك يدي عادل وذهب باتجاه غرفته..عاد بعد ثوان وهو يحمل الأغراض بيده..قمنا بلف الجثة بالبطانية..ثم حملناها لنضعها بداخل سيارتي..
جلس العم حسن بجانبي وبدأنا بالتحرك..
كان العم حسن يلتفت الى الخلف في كل دقيقة وهو يبكي..لقد عمل العم حسن في منزلنا منذ كنا صغاراً..لقد كان يحبني ويحب عادل كثيراً..انه يعتبرنا مثل ابناءه تماماً..
هتف العم حسن:نادر..لقد غيرت رأيي..اعترف بهذا يابني..دع بن عمك يغسل ويدفن في مقابر المسلمين..لا تحرمه من أبسط حقوقه..
تجاهلته وأنا أكمل قيادة السيارة..
وصلنا الى منطقة مهجورة..
دخلت بسيارتي وسط الكثبان الرملية لأضمن عدم افتضاح أمرنا..
أخرجت الأداة..وبدأت بالحفر..خرج العم حسن من السيارة وهو يبكي:دعنا نعد يا بني..صدقني اخفاء الجثة ليس الحل الأمثل لهذه المشكلة..
نظرت اليه وصرخت: عم حسن..اصمت أرجوك..لست في مزاج جيد لسماع الخطب..ان كنت بمكاني فلن تقبل بالاعتراف..انا لا اريد أن أكون مجرماً..
جلس على الأرض وهو يراقبني بصمت..
بعد ان انتهيت من الحفر التفت اليه : ساعدني بدفنه..
حملنا جثته وقمنا بوضعها بداخل الحفرة..
وقبل أن أحثو التراب على جسده...وضعت رأسه على فخذي ثم قمت بكشف وجهه لأتأمله للمرة الأخيرة..
تردد في اذني همسته الأخيرة قبل موته..
-ليس خطأك..نون..
عدت بذاكرتي لذلك اليوم الذي قال بها تلك الكلمة لأول مرة…
كنا في الصف الأول الابتدائي..كان قد مضى عدة أشهر على زواج أبي بعمتي حسينة..
كنت ألعب مع عادل دائماً في ذلك الوقت…
في ذلك اليوم..كنت قد اشتريت جهازاً لا سلكياً لألعب به دور الجاسوس مع عادل..
وقبل أن نبدأ اللعب..سألني عادل عن تلك الحلوى بيدي…
اجبته بابتسامة:اعطاني اياها أبي..
نظر الى الأرض بدون أن يتحدث..
سألته بحماس: هل تريد واحده؟؟
رفع بصره الي:هل تملك وحدة..
أومأت برأسي:هناك الكثير منها في مكتب أبي..
اتسعت ابتسامة عادل:نعم أريد..
-اتبعني اذا..
قلتها ثم ركضنا معاً باتجاه مكتب أبي..
وقفنا أمام الباب..أشرت الى المفتاح المعلق بجانب الباب: هذا هو المفتاح..ساعدني لأصل اليه..
جثى عادل على ركبتيه ثم وقفت على ظهره لأحضر المفتاح..
بعد ان امسكت به ..ابتسمت لهذا الانجاز..
نزلت الى الارض وبدأت أفتح الباب..
التفت الى عادل: أحضر الجهاز اللاسلكي..
أومأ عاد برأسه ثم قام بأحضاره..
نظرت اليه باهتمام:انا اسمي نون وأنت عين..
أبقى هنا لمراقبة الباب..وان حضر أبي..أخبرني بذلك فوراً..
أومأ عادل برأسه..
دخلت الى المكتب وبدأت أفتش عن تلك الحلوى..
وجدتها أخيراً بداخل الخزانة الزجاجية التي يحتفظ أبي بها بتذكاراته..
لم أستطع الوصول اليها بسبب صغر حجمي..
أحضرت كرسياً لأضعه أمام الخزانة..
وقفت على الكرسي ثم وضعت اللاسلكي أمام فمي: من نون الى عين..لقد تم العثور على الحلوى..
قلتها ثم رفعت يدي لأحضرها..
ولكن حصل مالم يكن بالحسبان…
اختل توازني..فأمسكت بأحد الرفوف الزجاجية لأسقط أرضاً مع ذلك الرف لتكسر تذكارات أبي..
فتح عادل الباب بفزع: ما الذي حصل نون..
جلست على الأرض وأنا أبكي ..فقد دخلت قطع الزجاج بأجزاء متفرقة من جسدي..
ركض أبي ليفتح غرفة المكتب ليرى ذلك المنظر أمامه..
وضع أبي يده على رأسه :مالذي فعلتموه..
وقف عادل أمامي للدفاع عني:انها غلطتي..انا من قمت بفتح الباب..لقد اردت أن آخذ الحلوى ولكنني سقطت فجرح نادر..أنا آسف..
ركضت أمي باتجاهي وقامت باحتضاني..
أماعادل..فقد ضرب ضرباً مبرحاً من أبي..
بعد أن قاموا بتضميد جروحي..ذهبت الى غرفتي لأرى عادل يجلس على السرير وهو يبكي…
جلست بجانبه:سامحني.عين..
رفع عادل بصره الي ثم مسح دموعه وهو يهمس: ليس خطأك..نون..
سقطت دمعة من عيني على وجهه وأنا أهمس:انا آسف..عين..
وصلني صوت العم حسن:لم يفت الأوان يابني..هيا دعنا نعد للمنزل لتعترف بما حدث…
نظرت اليه بعينين حمراوين:هذا يكفي ..لقد اصبحت شريكاً معي بهذا..ان قمت بالاعتراف..سأخبرهم أنك قمت بدفنه معي هل هذا مفهوم..
-انك لا تفكر بعقلانية الآن ياولدي..انظر انك تبكي..انه ابن عمك في النهاية..
اجبته بحدة: انا لا أبكي..لقد دخل التراب الى عيني فقط..
قلتها ثم وقفت من مكاني وبدأت أحث التراب على جسده…
بدأ العم حسن يساعدني وهو يبكي: رحمك الله يابني..أسأل الله ان يرزق والدتك الصبر..أرجوك سامحني..
بعد أن انتهينا من دفنه..ركبنا السيارة لنعود الى المنزل..تحركنا..وتركنا عادل خلفنا...
تركناه وحيداً في وسط تلك الصحراء..في وسط الظلام..بين الرمال..
لقد عاش عادل يتيماً..وكبر مظلوماً..ودفن وحيداً..
اعتقد أن موته أفضل له..فقد انتهت معاناته أخيراً..
.
.
.
وقفت أمام ماجد مكتفة يدي على صدري: ما الذي تبحث عنه ماجد..
وجه نظره الي وهو يبدو بحال مزرية..
عيناه حمروان..وتحيط بهما هالات سوداء..
عقدت حاجبي: هل أنت بخير..
وقف من مكانه ثم بدأ يصرخ فجأة :هل ترين أنني بخير..سأموت...رأسي يكاد ينفجر..
شعرت بالخوف من نظراته..تحدثت بصوت مرتجف: هل أحضر لك مسكن للألم…
اقترب مني وأمسك بذراعي..نظر الى عيني بحدة:انت تعلمين جيداً ما الذي أريده...لقد كان هناك بعض منها فوق الثلاجة..لقد قمت بأخذها صحيح؟؟
دفعته عني بسرعة:اتركني ..وكيف سآخذها..وما ادراني انك قمت بتخبأتها..الم تقل أنك تريد تركها…
جلس على الأرض وبدأ يضرب رأسه بيديه وهو يصرخ:رأسي يكاد ينفجر يا مها..أرجوك ...لا تفعلي هذا بي..أكاد أجن..
في الحقيقة شعرت ببعض الحزن على حالته..ولكنني قمت برميها في سلة المهملات هذا الصباح..
حين رآني ماجد أقف بمكاني بدون أن أتكلم ..
بدأ يلقي بالأطباق وهو يصرخ: أين وضعتها...أخرجيها حالاً..
اقترب مني وصدره يعلو ويهبط من شدة الغضب: أخرجيها حالاً مها..
شعرت بالخوف من نظراته..أردت الخروج من المطبخ ولكنه ركض باندفاع تجاهي ليقوم بتكتيف يدي على الجدار…
نظر الى عيني بحدة: أعلم انك اخذتها..أخرجيها حالاً..
بدأت الدموع تنزل من عيني..أجبته بصوت متهدج: لقد ألقيت بها في سلة المهملات..فعلت هذا لمصلحتك ماجد..
قلتها ثم انفجرت بالبكاء..
ترك يدي فجأة ..ليركض باتجاه الخزانة ويقوم بفتحها..قام بأخراج سلة المهملات منها قم أفرغ محتوياتها على الأرض..
شهقت بصدمة..شعرت بغثيان شديد…
وجد ذلك الكيس ...قام بأخذه ثم وقف ليمشي باتجاه باب المطبخ..
دفعني عن طريقه ثم اتجه الى غرفتنا..
تبعته بصدمة: ماجد هل أنت جاد!!
لقد كانت في سلة المهملات...وتريد تدخينها أيضا!!!
قام بإخراج قداحة من جيبه ليشعل السيجارة بها..
صرخت بانفعال: لن أسمح لك بتدخينها في غرفتي هل هذا مفهوم..
نظر الي ببرود..ثم خرج من الغرفة…
تبعته لأجده يجلس على الأريكة في الصالة وهو يقوم بالتدخين…
وجهت نظري الى أرضية المطبخ لارى تلك القذارة الملقاة بها ودموعي تنذر بالنزول…
لم أستطع احتمال رؤيته هكذا ..
دخلت الى غرفتي وأغلقت الباب خلفي ثم جلست على الأرض وأنا أبكي..
يا الله ..الهمني ماذا أفعل معه..هل أخبر والده بهذا..
ولكن..لا أريد أن أفضحه…
بالرغم من مساوئ ماجد الكثيرة..الا انني ادرك جيداً انه طيب قلب..
كما انه أصبح أباً لابنتي لانا..
لا اريد أن يكون والدها مدمناً..
يارب..ساعدني..
.
.
.
-أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين..
بدأت أقرأ الاذكار بعد أن انتهيت من الصلاة..
ولكن..قطع علي تسبيحي صوت الباب وهو يفتح..
التفت اليه ..لأرى عمتي تقف على الباب وهي تنظر الي..
ابتسمت لها: صباح الخير..عمتي…
ردت علي بابتسامة: صباح الخير..
سعدت كثيراً لابتسامتها..ربما يكون كلام مروان صحيحاً..انها لم تقصد ازعاجي..لقد كانت قلقة على مروان فقط..
مشت باتجاه السرير لتجلس عليه…
نظرت اليها باستغراب..
حين رأتني احدق بها تحدثت بابتسامة:اكملي اذكارك ..اريد التحدث معك بموضوع مهم…
شعرت بالارتباك..اجبتها: لقد انهيتها..
-اوه..حقاً..
قالتها ثم بدأت تنظر حولها بتوتر..
وقفت من السرير ثم جلست امام كرسيي..اخذت نفساً عميقاً ثم تحدثت:اسمعيني يابنيتي..هل تدركين فرق العمر بينك وبين مروان؟؟
عقدت حاجبي باستغراب..مالذي تريد أن تصل اليه..
تابعت حديثها: مروان يكبرك بعشر سنوات..انه يبلغ الثلاثين من عمره الآن..وأنا أود أن أرى أطفاله يا ابنتي..
بدأت أتلعثم من شدة الاحراج..شعرت أن جسدي يشتعل: نعم ..ياعمتي..ولكن..
قاطعتني وهي تتابع حديثها: أنا أعلم جيداً انك لن تتمكني من ذلك..واعتقد أنك تدركين سبب زواجه منك..لقد أراد الدفاع عنك في قضيتك..هل يستحق الآن أن تدمري حياته بهذا الشكل..
نظرت اليها بصدمة..لقد جرحتني كثيراً..كيف أدمر حياة مروان..تزاحمت الدموع في عيني أجبتها بصوت مرتجف:أدمر حياته!؟؟
أومأت برأسها:بنيتي..لقد كان مروان سيتزوج بابنة خالته خلود قبل تلك الحادثة..
لقد أتى الى المنزل مهموماً بسبب مشكلتك..لقد أخبرني أنه لم يستطع الحفاظ عليك..اخبرني انه يريدك أن تكملي علاجك..
لا يريد أن يفشل بعلاج أول حالة طبية يشرف عليها..
اخبرني وقتها أنه لم يعد يريد الزواج بخلود..
أصر على الزواج بك..
وافقت على ذلك وقد أخبرته ان زواجه بك لن يكون عائقاً عن زواجه بابنة خالته..
فحين علمت خلود انه تزوجك لغرض انساني لا أكثر..وافقت أن تكون الزوجة الثانية..
ولكن مروان يرفض هذا .. اريدك أن تخبريه بنفسك يا ابنتي أنك لا تمانعين على زواجه..
لقد كانت تتحدث بدون أن تأبه لمشاعري...كلامها قد جرحني بعمق..كنت أتمزق ألماً..لماذا تتحث معي وكأنني لا أستحق العيش كأي فتاة مثلي..
لماذا تحدثني وكأنني ممتنة لهم..أنا لم أجبر مروان على الزواج بي...
كيف تتحدث معي بهذه الطريقة..
حين رأت الدموع وهي تتزاحم في عيني..وضعت يدها على كتفي: بنيتي..ارجوك..لقد حرص مروان على مساعدتك..حان الوقت لتقومي أنت بمساعدته..أنه لا يعرف مصلحته..
نظرت اليها وأنا أهمس وسط دموعي:أنا أحبه…
وجهت نظرها الي وملامح الصدمة بادية على وجهها..
مسحت دمعة نزلت من عيني لأتابع حديثي بصوت أعلى: أنا أحب مروان..
كنت متوترة جداً وأنا اعترف بحبي..كان صعباً علي النطق بها..ولكنها لم تحرك شيئاً من مشاعرها..
ردت علي ببرود: ان كنت تحبينه حقاً..اخبريه أن يتزوج..
قالتها ثم خرجت من الغرفة..
ومنذ أن خرجت..لم استطع منع نفسي من البكاء..
عدت بذاكرتي لذلك اليوم..
اليوم الذي تم فيه عقد قراني بمروان..
كنت لا ازال في طور الصدمة بسبب اصابتي بالشلل...كما انني اصبحت اكره كل الأطباء..
لا اعلم كيف وثقت بمروان حين اخبرته عن تحرشات نادر…
ولكن في قلبي كان هناك شيء يخبرني بأنه سيساعدني..
وحين اغلقوا التحقيق بدون محاسبة نادر..
اصبت باكتئاب فضيع…
اتاني مروان بعدها وعرض علي الزواج..
صدمت كثيراً..
مالذي يريده من فتاة مثلي؟؟
انه يعلم بأنني لا استطيع المشي..
حين علمت أمي بأمر الخطبة شجعتني كثيراً..
ولكنني وقتها كنت قد ارهقت من كثرة التفكير..
حاولت ان اتناسى ماحدث لي مع نادر..
اردت ان احلم كأي فتاة مثلي..
سأكون عروساً..وسأرتدي ذلك الفستان الأبيض..
سأقيم حفلاً كبيراً يحضره كل اقاربي..
ولكن..اتى يوم زواجنا..
حضر المأذون الى المشفى وتم عقد القران..
أتت أم مروان بجانبي قبل أن يراني مروان لتخبرني بأنها لا ترغب بزواج مروان مني..وأن مروان يشفق علي فقط..
تلاشت كل أحلامي وقتها..
أخرجني مروان من المشفى الى شقتنا بنفس اليوم..
لم يقم حفلاً..لم ارتدي الفستان..ولم يحضر أي هدية حتى..
ولكنني التزمت الصمت…
اخبرتني أمي انني يجب أن أقنع بهذا فمروان يريد حمايتي..
كما أن أمي قد كسرت قلبي حين أخبرتها أنني لن أذهب معه بدون أن أقيم حفل زفاف.
نظرت الي وردت ببرود: ان لم تتزوجي به فلن يقبل أحد بك..من سيتزوج بفتاة مشلولة..
صدمت كثيراً..تمنيت أن يعترض أخي..أن يعترض عمي..أوخالي..
ولكن لم يعترض اي أحد..اعتقد أنني اشكل عبئاً ثقيلاً عليهم جميعاً..
ذهبت مع مران الى شقتنا وأنا محبطة ومكسورة..في الحقيقة أنا لا اهتم بأمر الحفلة..
ولكنني أردت أن يعلم مروان أن لدي من يحبني ويحميني..
لم أتحدث مع مروان بهذا الشأن..كان تعامله معي بارداً جداً..
لا نتحدث الا فيما يخص أدويتي..
قررت الاعتياد على الوضع..
ولكن نادر كان يزورني بأحلامي..
لاحظ مروان كوابيسي المستمرة…
فقد كنت أصرخ دائماً في اثناء نومي..
حاول أن يسألني عن السبب ولكنني التزمت الصمت…
الى أن جاء ذلك اليوم ليهديني ذلك الدفتر..
كتب على غلافه..
(مذكرات قيد النسيان)
اخبرني وقتها أن اكتب كل ما اريد نسيانه ..
لايجب أن أخفي الألم بداخلي..
اخبرني أن أكتب ما أعجز عن الحديث عنه..
وحين رآني أنظر اليه بصدمة..
نظر الي بابتسامة حنونة وهو يهمس:وان رغبت بالحديث..فأنا مستعد لسماعك دائماً..
كتبت بذلك الدفتر كل مايضايقني.ولكن وبعد فترة ..تخليت عن ذلك الدفتر تماماً..
فقد أعتدت على مروان واعتدت الحديث معه..
وتدريجياً..نمت مشاعر حبي تجاهه..
اريده أن يبادلني ذلك الشعور..
أريده أن يكون لي وحدي..لماذا تريده عمتي أن يتزوج؟؟
اتجهت الى الدرج لأخرج ذلك الدفتر الذي علاه الغبار..فقد تخليت عن استخدامه منذ مدة…
ولكن الان..هناك ما اريد نسيانه يا مروان…
فتحت احدى صفحاته لأبدأ الكتابه..
قمت بالضغط على القلم بكل قوتي وانا اكتب بخط كبير لمرات متتالية:
مروان يجب أن يتزوج..
مروان يجب أن يتزوج ..
مروان يجب أن يتزوج..
.
.
.
عاد خالد من صلاة الفجر ثم ذهب ليستحم قبل ذهابه لعمله..
استغللت الفرصة وذهبت الى غرفة مها لأطمئن على جمان..
كنت قلقة عليها بالامس ولكن خالد كان غاضبا لذلك لم افتح الباب لها..
أخذت نفسا عميقا وانا أقف امام الباب..
أمسكت بالمقبض لأفتحه..
حاولت فتحه ولكنه لم يتزحزح من مكانه..
كان هناك شيء يمنع تحركه..
ازدادت دقات قلبي حين خمنت بأن ما يمنع فتحه هو جسد جمان...هل فقدت وعيها!!
حاولت دفعه بقوة اكبر ..
فتح اخيراً ولكن ما ان قمت بفتحه حتى رأيت جمان تجلس على الارض امام الباب وهي تفرك عينها بتعب..
تمزق قلبي لرؤيتها هكذا...هل كانت نائمة بجانب الباب!!
أبعدت شعرها عن وجهها ثم رفعت نظرها الي..
وما ان التقت نظراتنا حتى تزاحمت الدموع في عينيها..
انتابني شعور بالذنب...كانت تعاتبني بنظراتها..
جلست بجانبها ولكنها دفعتني فورا ثم قامت بتغطية وجهها بكلتا يديها وبدأت تبكي بيأس..
بدأت امسح على شعرها وانا اهمس:سآخذك للمشفى يا حبيبي..
تحدثت وسط شهقاتها بدون ان تنظر الي:انت كاذبة...انا ...اكرهكم...اريد..ماما..ماما..
أبعدت كفيها عن وجهها لأنظر الى عينيها:سآخذك لماما ..انا أعدك..
كانت تنظر الي وقد احمر وجهها من شدة البكاء...تقوس فمها وهي تحاول جاهدة منع دموعها من النزول..
لم استطع تفسير نظراتها..ولكنني متأكدة بأنها قد فقدت ثقتها بي..
لا استطيع فهم تفكير خالد ابدا…
كيف يتعامل معها هكذا..
لا تزال طفلة بتفكيرها...يجب ان يكون اكثر صبرا معها..ولكنني لن اسمح له بإيذائها اكثر ..
من الجيد انه يوم اجازة اليوم..سأنتظر ذهاب خالد لعمله ثم سآخذها للمشفى مع فارس..
مسحت دموعها بكفي ثم طبعت قبلة على جبينها..
نظرت الى عينيها من جديد:ماما سمر لا تكذب يا صغيرتي..ابقي هادئة الآن..وكلي فطورك ولا تغضبي بابا..وحين يخرج بابا سآخذك للمشفى..ولكن لا تخبري بابا بهذا حسنا..
نظرت الي بشك:وعد..
اومأت برأسي :وعد..
وضعت يدها على قلبها ثم نطقت ببراءة:ماما سمر أنا أتألم هنا..
عقدت حاجبي:تتألمين؟؟
نزلت دمعة من عينها ثم تابعت حديثها:كان يأتيني هذا الالم بالمستشفى ولكنه يذهب حين انام بحضن ماما..
شعرت بقبضة مؤلمة في قلبي..
ازدادت الدموع على وجنتيها وهي تتابع حديثها:لقد كان يؤلمني بالأمس اكثر لأني بقيت في الغرفة وحدي..انا اخاف..أرجوك لا تكذبي علي..انا اريد ماما..
جذبتها الى صدي فانفجرت بالبكاء فورا..
نزلت دمعة من عيني وأنا أهمس في اذنها:سأخذك لماما ياصغيرتي...سآخذك اليها..
.
.
.
ارتديت ثوبي لاستعد لعملي بعد انتهائي من الاستحمام..
نظرت الى نفسي في المرآة برضى..
قمت برش القليل من العطر ثم خرجت من غرفتي لأفطر..
نزلت الدرج وانا أفكر بجمان..
لقد قسوت عليها بالأمس ولكنها استفزتني كثيرا..
لازالت اثار أسنانها على يدي...
فكرت ان اذهب لأطمئن عليها ولكنني غيرت رأيي حين رأيت رغد وفارس يجلسون على الطاولة استعدادا للفطور..
لا اريد الاعتذار اليها أمامهم..
لقد اعتاد ابنائي على سماع كلامي دائما..
ان تساهلت مع جمان..سيتجرأون على عصياني ايضا..
جلست على الطاولة وانا احاول جاهدا تجاهل امرها..
حاولت ادعاء البرود وانا اسأل عنها:هل استيقظت تلك المزعجة..
تحدثت سمر بدون ان تنظر الي:خالد..ابنتك مريضة..لا يصح ان تعاملها بهذه الطريقة..
نظرت اليها بغضب:انظروا الى المتعلمة...لم اطلب منك اي نصيحة بالتربية..سأتعامل معها كما اريد..ولا اريد تدخلا من اي احد..
أجابتني ببرود:لا أظن ان هناك داعٍ لغضبك الان..انها وجهة نظر فقط وانت حر بتطبيقها ام لا..
أخذت نفسا عميقا للسيطرة على غضبي...سمر تجيد استفزازي ببرودها..
أودّ الصراخ عليها احيانا ولكن المشكلة انني لا اجد مبررا للصراخ..
قطع الصمت حين نطقت امي:نعم يا خالد يجب ان تداري ابنتك اكثر..انها مريضة على اي حال..ان تعاملت معها بهذه الطريقة ستفتقد أمها بالتأكيد..
-سترى أمها في أحلامها فقط..
قلتها وانا أمضغ قطعة من الخبز..
ردت امي بتردد:لقد أتت هَوازن لرؤيتها بالامس..
شرّقت بلقمتي وبدأت أسعل ..
صرخت امي بفزع:رغد احضري الماء لوالدك..
شربت كوب الماء وبعد أن التقطت أنفاسي قليلاً نظرت الى أمي بتساؤل:كيف أتت الى هنا؟
أومأت أمي برأسها: لا أعلم..لقد قامت رغد بمناداتي لأرى تلك الوقحة أمامي..
نظرت الى رغد بحدة..
بدأت رغد تشتت نظرها عني..
تابعت أمي حديثها:لا تقلق..لقد قمت بطردها..
عقدت حاجبي :طردتها!!
أومأت أمي برأسها وهي تهمس:أخبرتها أنني أعلم عن أمر خيانتها لك,,فأخبرتني أنها ستحاسبك بالقانون…
ازدادت دقات قلبي..
شعرت أن جسدي يشتعل من شدة الغضب..
حاولت جاهداً ان لا يرتفع صوتي:أمي لماذا أخبرتها بذلك الأمر...
نظرت أمي الى طبقها وردت بلا مبالاة:أن علمت أنني أعلم بأمرها ستخجل من المجئ ثانية..
عضضت شفتي..ماهذه الورطة التي وقعت بها..لم أكن أريد أن تعلم هوازن بذلك الأمر..
أردت أن أفرغ غضبي فلم أجد أمامي سوى رغد..
وقفت من الكرسي وأنا أصرخ:رغد أيتها الغبية لماذا قمت بفتح الباب..
قفزت رغد بفزع:لست أنا ..فارس من قام بإدخالها..
اتسعت عينا فارس وهو ينظر الى رغد: أيتها الكاذبة أنت من طلب مني فتحه..
ردت رغد:اخبرتك أن هناك من يريد أبي ..ولكنك من أدخلها..
وضعت يدي أمامي في إشارة مني ليسكتوا:لايهمني من قام بفتحه…
ارتفع صوتي أكثر:في المرة القادمة أن قمتم بإدخال أحد غريب في غيابي عن المنزل ستحاسبون حسابا عسيراً...هل هذا مفهوم؟؟
رد فارس مع رغد بخوف:مفهوم..
أسرعت بخطواتي باتجاه الباب..
استوقفني صوت سمر:أنت لم تكمل فطورك بعد..
اجبتها بانفعال: لقد سدت شهيتي..
قلتها ثم خرجت من المنزل وأغلقت الباب خلفي…
ركبت بسيارتي وبدأت أضرب المقود لأفرغ غضبي:تباً لهذا الأمر..لماذا أخبرتها يا أمي لماذا..
وضعت رأسي على المقود وأنا أعود بذاكرتي لذلك اليوم..
اليوم الذي قمت باتهام هوازن فيه بتلك التهمة…
كنت قد أبلغت أمي للتو بما حدث مع جمان..بكت أمي كثيراً في ذلك اليوم..
طلبت مني رؤيتها بالمشفى..
استجبت لرغبتها وقمت بأخذها..
وحين وصلنا..بدأت أمي تتساءل عن هوازن..
كنت غاضباً من هوازن كثيراً…كيف غفلت عن جمان كل ذلك الوقت..
هي لم تلحظ الأمر الا بعد أن وصت الى المشفى..
هل هناك أم في الدنيا تهمل طفلتها بهذا الشكل؟؟
لا أعلم حقاً ما الذي كانت تفعله ولا أعلم كيف خرجت جمان من الشقة وحدها..
لقد كنت طائشاً بذلك الوقت..
اعترف بهذا ..
لقد ظلمت هوازن كثيراً..
كنت أريد اثبات رجولتي..
اذيتها كثيراً ولكن في ذلك اليوم بالذات..وحين رأيت جمان بتلك الحالة..
شعرت بكره شديد تجاهها…
حين أخبرت أمي أنني قد طلقتها صدمت كثيراً.. .
أرادت أمي أن تعيدني لصوابي ..
طلبت مني الذهاب للتفاهم معها…
ولكنني كنت غاضباً..اردت أن تصرف أمي تفكيرها عن عودة هوازن فأخبرتها أنها قامت بخيانتي..
كانت زلة لسان..
أنا أدرك جيداً أنها كلمة كبيرة..ولكنني أخطأت..
صدمت أمي كثيراً وأخبرت أبي بهذا..
ومن وقتها..أصبحت أمي تحمل الكره لهوازن..
بعد مرور فترة على طلاقنا..شعرت بالحنين اليها..
اردت أن أعيدها وأن أخبرها عن جمان…
رؤيتي لجمان كانت تذكرني بها..
ولكنني قد جنيت على نفسي حين اتهمتها بتلك التهمة…
لم تعد أمي تتقبلها..ولم استطع الاعتراف بكذبتي.
فأكثر مايهمني هو سمعتي..ستحتقرني أمي كثيراً ان علمت انني افتريت عليها..
قامت أمي بخطبة سمر لي..
سمر هي ابنة خالي..ورثت الكثير بعد وفاته…
بفضل سمر..عملت بشركة محترمة..وسكنت ببيتها مع أمي ومها..
فقد مات أبي ونحن نعيش بشقة للأيجار..
لا أستطيع انكار أفضال سمر علي..
بالرغم من أنني أرفض التعليم للمرأة ولكنني لم أستطع منعها…
هناك فرق كبير بين سمر وهوازن..
لم تكن هوازن ترفض أي طلب لي..اما سمر فلا تطيعني الا بما تقتنع به…
في كل مرة كنت أزور جمان بها كنت أفكر بهوازن..
ولكن وبمجرد رؤيتي للحال التي اصبحت عليها بفضل سمر..احاول تجاهل أمرها..
وبعد ان تزوجت هوازن بأحمد..عادت مشاعر كرهي تجاهها..
لا أعلم حقاً لماذا أكرهها..لا أطيق سماع اسمها او اسم زوجها..
ومادامت ترفض الزواج بي..فلن أسمح لها برؤية جمان..
أبداً..
.
.
.
(إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم )
أرسلت تلك التغريدة في محاولة مني للتنفيس عن غضبي..هل هناك أعدل من العقوبة الإلاهية؟؟؟
لقد كسر خالد العديد من الأشياء بداخلي باتاهامه..واهم ماقام بكسره هو الثقة..
بالرغم من الآلام التي تعرضت لها الا انني احمد الله لأنه خلصني من ذك الرجل القذر..
انه لايستحق كلمة رجل أصلاً...كنت أفكر برفع قضية لقذفه اياي ولكن قضية كهذه تحتاج لدليل..
كيف استطيع اثبات أمر كهذا؟
لم أخبر أحمد بالأمر فما سببته له من المشاكل يكفيه..
منذ أن عاد من صلاة الفجر وهو منشغل على حاسوبه ليعمل على قضية حضانتي لجمان..
انه منسجم جداً..لم يتناول افطاره حتى..
اكتفيت بإرسال التغريدة ليعلم خالد أنني أدرك تفكيره المريض…
رجل سخيف مثله لا يستحق ان التفت اليه حتى..
أخبرني أحمد أنه سيشرح لي كل ما يخص أمور الحضانة بعد انتهاءه من تعبئة الطلب في وزارة العدل..
بدأ أحمد يمسح على وجهه بتعب ..زفر بعمق: انتهيت أخيراً..
نظرت اليه باهتمام..
قام بطباعة صحيفة الدعوى ثم أغلق حاسوبه وبدأ يمشي باتجاهي وهو يحمل الأوراق بيده..
جلس بجانبي:لم يتبق سوى ذهابنا للمحكمة لرفع الدعوى..
بدأت أشعر بالتوتر حين أصبح الأمر جاداً..تحدثت بتردد:لقد قلت أنك ستشرح لي كل مايخص القضية..
أومأ برأسه وهو يضع الأوراق على الطاولة ثم بدأ بالحديث بعد أن أخذ نفساً عميقاً:
في البداية سأقوم بأخذ موعد للجلسة الأولى ويجب ان نحضر في التاريخ والموعد المحددين..سيتم فيما بعد فتح جلسة تحضرين بها أنت وخالد لشرح القضية وسيقوم خالد بالدفاع عن نفسه..
اتسعت عيناي بخوف..تحدثت بانفعال: أنا لا أريد رؤية ذلك الحقير!
تابع أحمد حديثه بهدوء:ولكن يجب أن تقابليه من أجل جمان..تحملي ياعزيزتي..
زفرت بعمق:حسناً..وماذا بعد؟؟
- تحال القضية إلى قسم الصلح في
المحكمة ، لدراسة القضية والجلوس مع المتخاصمين وكتابة تقرير للقاضي مفاده لمن يَرَوْن الأصلح للحضانة ...وبعد ذلك سيُقيم قسم الصلح ثلاث جلسات :
الجلسة الاولى يستمع فيها إليك. ، والجلسة الثانية يستمع فيها إلى خالد ، والجلسة الثالثة ستجتمعين بها مع خالد ثم سيقوم قسم الصلح بكتابة تقرير للقاضي بما يرونه أصلح استناداً على جلساتهم مع المتخاصمين .
بدأت أفكر بكلام أحمد وأنا أتذكر أن خالد اتهمني في عرضي..ان قال ذك الكلام بالمحكمة هل سيؤثر بالقضية ياترى؟..
أنا لا أستطيع التنبأ بأفعال ذلك المختل..ما ادراني مالذي سيقوله عني أمام القاضي..
رفعت نظري الى أحمد وأنا أسأله بخوف: ان قام خالد باتهامي بشيئ سيء..
بدأت أشتت نظراتي عنه وأنا أتابع حديثي:هل..هل سيؤثر بالقضية..
أمسك أحمد بكفي حين شعر بتوتري..نظر الى عيني :لا تقلقي ان ادعى اي شيئ فسيطلب منه الإثبات .
ابتسمت بارتياح:وماذا سيحدث بعد أن يقوم قسم الصلح بتسليم التقرير للقاضي؟؟
ابتسم أحمد لي: يحكم القاضي بعد سماع الدعوى مستنداً على تقرير المصلحين في قسم الإصلاح و ما تم إثباته من المتخاصمين ثم يسلم صك الحكم لمن حكم لصالحه في الدعوى..
تحول صوته لنبرة ثقة: وسيكون الحكم لصالحك بإذن الله.. .
همست: بإذن الله..
سألني أحمد:الا يوجد أي استفسار آخر؟؟
-بلى..
قلتها وأنا ألعب بأصابعي..رفعت نظري اليه لأسأله:جمان في التاسعة عشرة الا تعد كبيرة لأطالب بحضانتها؟؟
أومأ برأسه:في البداية..يجب أن نشرح للقاضي حالة جمان.. فمدة الحضانة تنتهي متى ما أصبح المحضون عاقلاً وقادراً على القيام بشؤونه ومصالحه والإعتماد على نفسه …
وبما أن جمان تفكر كالأطفال فبالتالي يحق لك المطالبة برفع القضية..
وهناك قاعدة شرعية مهمة للحضانة وهي: (الحضانة حق للمحضون)
عقدت حاجبي:مما يعني؟؟
تابع أحمد حديثه :مما يعني أن القاضي سيرى الأصلح لحالة جمان وبالتالي يتم اتخاذ القرار بأمر الحضانة..
سألته بتردد: الن يسقط حقي بالحضانة لأنني متزوجة؟؟
-إذا تزوجت الأم الحاضنة فلا تسقط حضانتها في عدة حالات :
الحالة الأولى :قال ابن القيم رحمه الله : ( ان الزوج اذا رضي بالحضانة وأثر كون الطفل في حجره لم تسقط الحضانة ، هذا هو الصحيح )..وهذا يعني إذا وافق زوجها الذي تزوجت به على حضانة أبناءها ، فلا تسقط حضانتها ..
اتسعت ابتسامته: وأنا موافق طبعاً..
تابع حديثه: الحالة الثانية: إذا ثبت عدم صلاح الأب في حضانة أبناءه..
بدأ أحمد يحك ذقنه بتفكير:وهذا لا نستطيع معرفته..سأقوم بإرفاق المقطع الصوتي الذي قام خالد بإرساله لصوت جمان وهي تبكي من أجل رؤيتك وهو يقوم بابتزازك بعدها..ولكني لا أعلم كيف يتعامل خالد مع جمان..سيطالب القاضي بعرض جمان على طبيب نفسي لهذا الغرض..وان اتضح أن جمان غير مرتاحة مع خالد فسيساعدنا هذا الأمر كثيراً في القضية.. .
عقد حاجبيه بتفكير: الأمر يعود لجمان في هذه القضية يا عزيزتي..
قالها ثم وقف من الاريكة: أنا متعب سأذهب للنوم الآن..
استوقفته:مهلاً..الن تفطر؟؟
أومأ برأسه: سأفطر فيما بعد..
ابتسمت له:حسناً..
ذهب أحمد لينام..أما أنا فقد بقيت أفكر بكلامه..اذاً..الأمر يعتمد عليك يا صغيرتي..أرجوك يا جمان عودي الي..اشتقت اليك كثيراً يا حبيبتي..
.
.
.
قامت أمي بتحضير الفطور ثم أيقظتني لأفطر معها ومع جنى..
اعتدلت بجلستي على السرير وقبل أن أبدأ الأكل نظرت الى أمي بتساؤل:أين سارة؟؟
ردت أمي ببرود:لا تريد أن تأكل..
عقدت حاجبي:لماذا؟؟
أومأت أمي برأسها: وما أدراني..لاتهتم بالأمر..ان غلبها الجوع ستأكل بالتأكيد..هيا يابني ابدأ الأكل.. .
انزلت قدمي لتلامس الأرض ثم اتكأت على السرير لأقف..
وصلني صوت أمي: الى أين..
-سأناديها بنفسي..
قلتها وأنا أمشي باتجاه غرفة سارة..أنا متأكد بأن هناك ما يزعجها..لم تأكل عشاءها بالأمس فلماذا ترفض الفطور يا ترى..
اردت أن أطرق الباب ولكني خشيت أن تكون نائمة لذلك قمت بفتحه من دون أن أطرقه..
التفتت الي بارتباك والدموع تتزاحم في عينيها ثم قامت بوضع الدفتر الذي تحمله بيدها اسفل البطانية.
عقدت حاجبي..هذا الدفتر!!
اذا هناك مايضايقها حقاً..لقد استغنت عن استخدامه منذ وقت طويل!!
مسحت دموعها ثم تحدثت بحدة:ماذا تريد..
اجبتها باستغراب..لم تتحدث سارة معي بهذه الطريقة من قبل: لماذا ترفضين تناول الفطور؟؟
زفرت: لا أشتهي الأكل..
اردفت بهدوء: ولكن ياعزيزتي يجب أن تأكلي لتأخذي أدويتك..
نظرت الي بغضب وصرخت: هذا ما يهمك فقط!!..أدويتي!!
ارتفع صوتها أكثر: أنا لا أريد هذه الأدوية..انها بدون فائدة..لم أعد أريدها..
حاولت أن أتكلم معها بهدوء..كنت منصدماً من انفعالها..ما الذي اغضبها لهذه الدرجة:سارة..أرجوك لا تبكي:يجب أن تأخذي هذه الأدوية..
قاطعتني لتكمل الحديث: لا تبكي فمرضك يتأثر بحالتك النفسية..الأدوية ضروريه من أجل صحتك.
صمتت قليلا لتنظر الى عيني بعتاب والدموع تملأ عينيها: لقد مللت من هذا الكلام مروان..أنا لا أريد شفقة أي أحد..أهلي يستطيعون العناية بي..ان كان وجودي يشكل عبئاً عليك وعلى عائلتك..فأنا أريد الطلاق
اتسعت عيناي بصدمة: هل أخطأت معك بشيء سارة؟؟
ابعدت نظرها عني..
تابعت حديثي بتردد: أن كان كلام أمي بالأمس قد أزعجك فأنا أعتذر..صدقيني ان أمي طيبة القلب..لا تكوني حساسة لهذه الدرجة سارة..
انتظرت منها ان ترد ولكنها التزمت الصمت شعرت ببعض الغضب ولكنني حاولت التماسك..تابعت حديثي بحدة:ان كنت ترفضين الأكل في غرفتي فسأحضر الفطور الى غرفتك بنفسي..
قلتها وأنا اهم بالخروج من الغرفة..ولكن ما ان التفت حتى استوقفني صوت سارة:أنا بالنسبة لك..من أكون؟؟
التفت اليها وأنا أعقد حاجباي:ماذا؟
مسحت دموعها ثم أعادت نظرها الي:كما سمعت..بالنسبة لك من أكون..
لم أرد عليها..فقد فاجأني سؤالها كثيراً..مالذي تريد الوصول اليه.. . .
بدأت الدموع تنزل من عينيها بدون توقف: مجرد مريضة تشفق عليها صحيح؟؟
لم أعرف كيف أرد عليها..كنت مصدوماً من كلامها: سارة ماهذا الكلام!!…
القت الوسادة علي وهي تصرخ بغضب: لماذا لا تفهمني ..أنا لا أريد شفقتك ..أنا أريد حبك..
أنا أريد حبك .
أنا أريد حبك ..
أنا أريد حبك..
تردد صدى كلماتها في اذني..لا أعلم حقا ماهو سبب ذلك الشعور المؤلم في قلبي وقتها...
تابعت حديثها بصوت أعلى:لم أرى في حياتي رجلاً بغبائك..لماذا لم تتمكن من فهم مشاعري طوال ذلك الوقت ..أنا أحبك يامروان..
قالتها ثم قامت بتغطية وجهها بيديها وانفجرت بالبكاء..
اقتربت منها بارتباك وأنا أهمس:سارة..
رفعت بصرها الي وهي تمسح دموعها بعناد:لا تنظر الي هكذا..انك تعتقد أني اثير الشفقة..أنت تشفق علي أليس كذلك..تريد الزواج ولكنك تخاف من انتكاس حالتي..كان عليك أن تصارحني بهذا..لم يكن هناك داع لأخبار أمك لاقناعي ..
تهدج صوتها: لا تقلق..لن أفسد أمر زواجك..اذهب وتزوج بالمرأة التي تريدها..
كان تأثير كلماتها علي كالصاعقة ..اجبتها بصدمة:سارة ماهذا لكلام!!
وضعت يدها على أذنيها: اخرج حالاً..لا احتمل نظرات الشفقة هذه اكثر..اخرج وانس ما قلته الآن..
أردت الحديث ولكن أمي دخلت الى الغرفة وهي تهتف:لم الصراخ..ما الذي حدث..
استلقت سارة على السرير..ثم قامت بتغطية وجهها بالبطانية بدون أن ترد..
لم أرد أن أحرجها أكثر..التفت الى أمي:لاشيء انها متعبة قليلاً فقط..
نظرت أمي الي بشك..
خرجت أمي من الغرفة وخرجت خلفها..ولكن فكري بقي معها..أردت أن أتحدث معها بهدوء..ولكنني لم أستطع ذلك بوجود أمي..كما أن سارة غاضبة الآن..سأنتظر حتى تهدأ قليلاً...
.
.
.
انتظرت خروج خالد الى عمله ثم اتجهت ال غرفة جمان..
فتحت الباب بهدوء لأراها تجلس على سريرها وصينية الفطور موجودة أمامها..
عقدت حاجبي...لم تأكل شيئاً!!
جلست بجانبها فالتفتت الي ببرود..
سألتها: لماذا لم تأكلي..الا تريدين الذهاب لرؤية ماما؟؟
نظرت الي بعينين دامعتين : أنتم تكذبون علي..لقد أخبرتني أن أكل من قبل ولم تأخذيني لماما..
أمسكت يدها وأنا أتحدث بهمس: أنا لا أكذب..لقد خرج بابا الآن...فارس مستعد لأخذك للمشفى..كلي ريثما أقوم بارتداء عباءتي..هيا بسرعة..
أومأت برأسها ثم بدأت الأكل..شعرت انها لم تصدقني ..ولكن لايهم..المهم أن تأكل..
شعرت بالقلق وأنا أرى ذلك الأثر على خدها..مضى يومين على ضربه لها ولم يختف الأثر بعد..ما الذي سأقوله للممرضة أن سألت عن هذه الكدمة..
قامت بوضع كوب الحليب على الطاولة ثم التفتت الي: لقد شبعت هيا لنذهب..
ابتسمت لها: حسنا..
رغم نني قلقة من هذا الأثر على وجهها ولكنني لن اخذلها..سأخذها للمشفى كما وعدتها..
ذهبت الى غرفتي وارتديت عباءتي..اتجهت الى غرفة فارس فوجدته قد انتهى من ارتداء ثوبه..
ناديته:هيا لنذهب اختك تنتظر..
زفر فارس:أمي أخاف أن يعلم أبي بالأمر..
زفرت بغضب: ومن أين سنعرف..زيارة بسيطة وأين المشكلة؟؟؟
لا تقلق لن يعلم أحد بالأمر..
أومأ برأسه ثم نزل معي باتجاه غرفة جمان..
فتحت الباب.فوجدتها تقف أما المرآة وهي تحاول ارتداء حجابها..نظرت الي بعيني دامعتين: لا أعرف كيف أرتديه..أريد حجابي..
اقتربت منها وبدأت ألف الحجاب على رأسها ثم ابتسمت لها:انتهينا.
خرجت معي من المنزل وركبنا سيارة أجرة بعد أن قام فارس بإيقافها..
كانت جمان تنظر الى النافذة ببرود..على عكس حماسها بالأمس..لم تنطق بأي كلمة طوال الطريق..
من الواضح أنها لا تثق بكلامي بعد…
حين وصلنا الى المشفى التفتت الي بعد أن شهقت وهي تضع يدها على فمها في محاولة منها لأيقاف شهقاتها..
بدأت تردد والدموع تملأ عينيها في عدم تصديق: المستشفى..انها المستشفى..
وضعت يدي على كتفها فانتفضت وهي تنظر الي..
ارتمت بحضني وهي تهتف:شكراً..
قالتها ثم قامت بفتح الباب وبدأت تركض باتجاه البوابة..
نزلت خلفها بسرعة:جمان انتظري..
لحق فارس بنا بعد أن دفع الأجرة ..
استطعت الامساك بجمان أخيراً..التفتت الي.فتحدثت وأنا ألهث من التعب: لا تركضي هكذا يا صغيرتي ابقي معي ..
أومأت برأسها …
دخلنا الى المشفى فطلبت من فارس أن يسأل عن الممرضة سهى وذهبت للجلوس على أحدى الكراسي مع جمان..
وقف فارس أمامي بعد وهلة:لا توجد ممرضة بهذا الأسم يا أمي..
عقدت حاجبي:هل أنت متأكد..
أومأ برأسه..
وقفت من مكاني ثم التفتت الى جمان: انتظريني قليللاً يا صغيرتي..
قلتها ثم تبعت فارس للاستعلامات لأستفسر بنفسي:هذا غريب..أنا متأكدة بأن اسمها هو سهى..
نظر فارس الي : قلت سهى؟؟
رفعت حاجبي: نعم سهى..
ابتسم ببلاهة: كنت أظن أن أسمها نهى..
زفرت بغضب:اففف فارس..
عض شفتيه: أنا آسف سأسأله فوراً …
قالها ثم ركض باتجاه الاستعلامات..
أما أنا ..فقد غيرت وجهتي لأعود للجلوس بجانب جمان..وكانت الطامة..
جمان اختفت!!
.
.
.
بقيت بغرفتي أفكر بكلام سارة وأنا أتأمل الأساور التي احضرتها أمي لخلود..
كانت كلماتها تتردد في ذهني..في الحقيقة..انا لا أعلم ماهي حقيقة مشاعري تجاه سارة..
لا أفهم سبب رغبتي في مساعدتها..
لقد كانت سارة مميزة لدي قبل أن تحدث تلك المشكلة مع نادر..
كن هناك مايميزها عن جميع المرضى..ربما يكون السبب أنها أول من عولج تحت اشرافي..
أو ربما أكون أشفق عليها حقاً..فأنا لم أستطع تحمل رؤية دموعها حين قامت الممرضات بتكذيب حديثها واتهامها بالجنون..
حتى الآن أنا لا أدرك هذا..هل هو حب ام شفقة…
كل ما اعرفه اني لا اريد أن تصاب سارة بأي أذى..
قطع تفكيري على صوت جنى وهي تهتف بمرح: أراك شارذاً بهذه الأساور..هل أنت متحمس للخطوبة لهذه الدرجة..
قالتها ثم ضحكت بهدوء..
رفعت نظري اليها:متحمس جداً لأهديها لسارة..
اتسعت عيناها بدهشة: ههه هل أنت جاد..ستقتلك أمي..
تابعت حديثي:جنى..انا لم أقم بإهداء سارة أي قطعة ذهب..لم نحتفل بزفافنا..لم ترتدي الفستان الأبيض كأي عروس..دخلت معي الى الشقة مكسورة وحزينة..لا أريدها أنا تشعر بالنقص..يحق لها الفرح كغيرها من الفتيات…
أتمنى لو كان بمقدوري اعادة الزمن لأقيم حفلة كبيرة من أجلها..أنا نادم يا جنى..
أقل ما أقوم به هو اهداءها هذه الأساور..
زفرت جنى بعمق:لم أكن أعلم أن أخي رومانسي لهذه الدرجة..كم أنت محظوظة يا سارة..
رفعت حاجبي ونا أنظر اليها: تهزأين بي ها..هيا اخرجي من الغرفة..لست في مزاج جيد لمزاحك السخيف..
ضحكت جنى: هههه انظروا لقد خجل هههه
حاولت جاهداً أن أسيطر على ضحكي:جنى..ان لم تخرجي الآن سأقوم بضربك..
خرجت من الغرفة وهي تضحك بشدة..
ضحكت بهدوء:حمقاء.
.
.
.
مشت في ذلك الممر الذي حفظت تفاصيله جيداً..انها تعرف هذه المشفى وتعرف طريق غرفتها فقد اعتادت على الذهاب الى الحديقة مع امها والعودة الى غرفتها من جديد..
وقفت أمام الغرفة ثم قامت بفتحها بحماس..
تصلبت بمكانها وهي ترى تلك الفتاة تجلس على سريرها..
اعتدلت الفتاة بجلستها وهي تنظر الى جمان باستغراب..
تحدثت جمان بصوت متقطع:هذه..غر...فـ..تـ..ي...
استوقفها صوت الممرضة سهى وهي تهتف باستغراب:جمان؟؟!
التفتت جمان اليها..وبدون سابق انذار..قفزت جمان بحضنها واسقطتها أرضاً وهي تبكي:أريد ماما.ماما..
احتضنت سهى جمان بكل قوتها: كيف اتيت الى هنا ياصغيرتي؟؟
لم ترد جمان عليها...اكتفت بالبكاء..
تلتفتت سهى حولها لتبحث عن خالد ولكنها تعجبت من عدم وجوده..
لم تعرف كيف تتصرف مع جمان..كبف اتت الى هنا وحدها ..لابد أن هناك من أحضرها..
بدأت جمان تتحدث بصوت متقطع: أنا لا أريد العودة الى البيت..أريد المستشفى..أريد ماما سهى وماما هوازن ..أريد الحديقة..أريد يوسف والبلايستسشن والحلوى..لا تتركيني أذهب معهم..
بدأت سهى تربت على ظهرها وهي تفكر كيف تعيد جمان لأمها..
جلست جمان على الأرض ثم نظرت اليها وهي تمسح دموعها:لقد تركني يوسف وحدي..ذهب وتركني..لم يعد يحبني..
نظرت سهى اليها باستغراب: لا أحد يكرهك ياحبيبتي..نحن نحبك جميعا..
ازدادت الدموع في عينيها:ولكن يوسف لم ينتظرني..ذهب وتركني..
وقفت سهى ووقفت جمان معها: كلا يا صغيرتي لم يتركك..هل أخذك ليوسف..
أومأت برأسها:أريد أن أخبره بأنني أكرهه…
ضحكت سهى: لا أظن أن يوسف سيكون سعيداً أن أخبرته انك تكرهينه..
صرخت جمان: أنا أكرهه لأنه تركني وحدي..لقد بكيت كثيراً ولم يأت..
ابتسمت سهى:حسناً سأخذك اليه حالاً…
قالتها وهي تمشي بصحبة جمان باتجاه غرفة يوسف..لقد فكرت ان تبقي جمان معه ريثما تعرف كيف أتت جمان الى المشفى وحدها..سيتمكن يوسف من اخبار هوازن بهذا..ستفرح هوازن بالتأكيد…
.
.
.
فتحت عيني بتثاقل..أشعر بتعب شديد..
لم أستطع النوم ليلة البارحة..كنت أفكر بعادل..اتسعت عيناي بخوف وأنا أتذكره..
جلست على السرير ثم نظرت الى الساعة..انها الثامنة..
قد اخبرت أمي أنني متعب وأريد النوم..لم أرد الذهاب الى المشفى..لست في مزاج جيد للعمل..
توقعت أنني نمت لوقت طويل ولكنني نمت لنصف ساعة فقط..يبدو أنني لن أتمكن من النوم..
وقفت من السرير واتجهت نحو الخزانة..فكرت أن أقوم بغسل ثوبي من الدماء قبل أن يلحظها أي أحد…..
ولكن..
لم يكن الكيس موجوداً..
بدأت أفتش عنه بشكل هستيري..أين أختفى..هل قام أحد بأخذه؟؟
ازدادت دقات قلبي على اثر هذه الفكرة..
خرجت من غرفتي بارتباك وبدأت أنزل الدرج..قررت أن أسأل الخادمة..تلك الفضولية لابد أنها قامت بأخذه..
طلبت منها مراراً أن لا تدخل لغرفتي في اثناء نومي..ولكن لا فائدة..
يجب أن أؤدبها بطريقتي..
كنت أسير باتجاه المطبخ قبل أن يستوقفني صوت أمي: نادر..الم تنم بعد..
التفت اليها بارتباك:استيقظت لتوي..أشعر بالجوع..سآكل ثم سأذهب للمستشفى..
أومأت أمي برأسها ثم بدأت تتفحصني بنظراتها..
بدأت أشعر بالتوتر: أمي هل هناك مشكله..
زفرت أمي ثم اتجهت باتجاه الأريكة لتقوم برفع ذلك الكيس ..
التفتت الي: أريد تفسيراً لهذا..
قالتها وهي تقوم برفع ثوبي الملطخ بدماء عادل..
لم أعرف كيف أرد عليها..بقيت صامتاً وأنا أنظر اليها بوجوم..
لقد انتهيت...
.
.
.
كنت أجلس في مكتبي وأنا أشرب كوب القهوة المعتادة في الصباح..الجو حار في هذه الأيام...لم أعد أحب البقاء في الحديقة…
طرق باب غرفتي فأجبته : تفضل..
فتح الباب بهدوء لتظهر سهى من خلفه وهي تنظر الي بابتسامة..
عقدت حاجبي باستغراب..وقبل أن أسألها..أرتعد قلبي وأنا أسمع اسمي بصوتها البريء:يوسف..
وقفت من مكاني وبدأت أفرك عيني لأتأكد أنني لا أحلم..انها جمان!!
لا أعلم ما الذي أصابني وأنا أنظر اليها..كان قلبي ينبض بسرعة عجيبة..
افتقدتها كثيراَ..رغم أنها قد غابت لأربعة أيام فقط الا وأنني شعرت وكأنها سنين..
تبدو مختلفة كثيراً بهذا الحجاب الأسود..
عقدت حاجبي وأنا أرى وجهها يكسوه الحمرة ودموعها تنذر بالنزول ..
همست بصوت مرتجف:لماذا تبكي يا صغيرتي..
اجابت سهى:لا أعلم كيف أتت الى هنا..قد أتت لغرفتها القديمة وهي تبكي..سأذهب لأرى ان كان السيد خالد موجود..سأبقيها معك قليلاً..
أومأت برأسي...
خرجت سهى من الغرفة وتركت جمان بداخل غرفتي..
كانت تنظر الي نظرات غريبة وكأنها تحقد علي..وفجأة أنفجرت بالبكاء وهي تصرخ :أنا أكرهك...لماذا تركتني..
جلست على الأرض ثم دخلت في نوبة بكاء مريرة..
اما انا فقد كنت انظر اليها بصدمة...اقتربت منها ثم وقفت أمامها:أنا لم أتركك..
نظرت الي بعينين دامعتين:بلى لقد تركت دراكولا يمسكني..
ابتسمت بهدوء ..لدى جمان مصطلحات عجيبة..سألتها باستغراب: دراكولا!
أومأت برأسها:لماذا لم تنتظرني؟؟
لقد ناديتك كثيراً وبكيت كثيراً جداً يوسف..
كنت اصرخ..جمان هنا جمان هنا ..
شهقت ثم تابعت حديثها:ولكنك تركتني..
رغم أنني لم أفهم سبب بكائها ولكنني شعرت بالذنب..همست بحزن:أنا آسف..
رفعت نظرها الي..وحين التقت نظراتنا..اضطربت مشاعري..
ابعدت نظري عنها في محاولة مني للسيطرة على تلك المشاعر التي اجتاحتني فجأة…
تلك المشاعر التي تجعلني احزن لحزنها وأفرح لفرحها..ماذا أسميها؟؟
بدأت جمان تناديني بضعف:يوسف أريد ماما..
كانت تنطق أسمي بكل براءة بدون أن تدرك تأثير سماعي لأسمي من شفتيها المرتجفتين على قلبي المتزلزل..
التفت اليها ببطء لألقي نظرة سريعة عليها..
لفت نظري تلك الكدمة الزرقاء على خدها..سألتها بارتباك:جمان..ماهذا الأثر على وجهك ..
وضعت جمان يدها على خدها : لقد ضربني بابا..انه يكره ماما..
قالتها ثم انفجرت بالبكاء..
شعرت بالدم يفور بداخلي..شلت يداه كيف يضربها..
تابعت جمان حديثها: لقد قال بابا أنه لا يريد أن يسمع اسم بابا أحمد..قام بأقفال باب الغرفة علي..كنت أبكي كثيراً جداً..أنا أخاف ...أريد ماما يوسف..أريد ماما..
لم أستطع السيطرة على غضبي في ذلك الوقت ..رؤيتي لجمان وهي تبكي بهذه الطريقة آلمتني كثيراً..
ألا يملك في قلبه أي رحمة..
كم أود أن تكون أمامي في هذه اللحظة ياعم خالد..
لقد قمت باختطاف جمان من الخالة هوازن من قبل بحجة أنها لا تستحقها..
حسنا ياعم خالد..أنا أعتقد أنك لا تستحقها الآن..
نظرت الى جمان بحدة:امسحي دموعك يا صغيرتي..سآخذك لماما حالاً..
أنا أعدك بهذا..
كثيرة هي القرارات الجنونية التي اتخذتها في حياتي ياجمان..
ولكن أكثر قراراتي جنوناً على الأطلاق..كان قرار اختطافك..
|