الفصل التاسع والثلاثون
المدخل : بقلم الغالية alilox
لماذا بشأننا من التفكير تكثرين الحب لايحتاج للتفكير وحين أتاكي في وجهه باب قلبك تغلقين عيونك مرآة روحك وتفضحك وانت دائما تنكرين هيا خوضي غمار الحب مما تخافين بكل لقاء بيننا بدموعك تتسلحين الاتعلمين ان دموعك تعذبني وتعتصر قلبي الا تدركين مبتدئة انت وبفلسفة الحب وجاهلة وامية فيه لاتعلمين دعينا نحفر على القمر ذكرياتنا ومغامراة هوانا وكلما اكتمل اقول لكي معشوقتي اتذكرين لاتقفي مابين بين متى هذا القرار ستتخذين اه من قلب ينتظرك ولايمل انتظارك متى سترحمين دعي عنك الماضي واقبلي اليا باحضاني تسكنين حتى منزلي يسألني عنك من حين الى حين الاشواك تسلقت جدرانه واحتلته بانتظارك تنثرين مكانها الحبق والياسمين اريدك بكل صباحاتي بنور وجهك عليا تشرقين نرتشف قهوتنا سويا وبعينيك تبتسمين وتغازلين ألم يمل قلبك الشوق والهجر لم تكابرين ومن مملكة الحب تنفيني ونفسك تنفين اهطلي عليا كمطر ا ربيعيا بها روحي تنعشين انا منك وانت مني متى بهذا الكلام ستقتنعين
سلمت يمينك
************
استللت يدي منه وقلت " أين تأخذني ؟ لا أريد الذهاب معك "
لم يجب طبعا وهذا المتوقع منه فحاولت فتح الباب وكان مغلقا ولا
يفتح فركلته بقوة وقال هوا بهدوء " لا جدوى مما تفعلي فابقي
هادئة حتى نذهب ونرجع يا سراب "
كتفت يداي لصدري ونظرت للنافذة وقلت بضيق
" هل لي أن أعلم أين تأخذني ؟ "
قال بلهجة فيها سخرية " أختطفك لأغتصبك فما رأيك ؟ "
قلت بسخرية مماثلة " ولما لا تطلب فدية أفضل من فكرة
اغتصاب جشعة "
قال ببرود " لا بأس رجل مادي وامرأة جشعة تناسب جيد "
نظرت له وقلت بقهر " الاعتراف بالذنب فضيلة "
قال بذات بروده القاتل " كل شيء فيك قابل للتغير إلا طول
لسانك في ازدياد مستمر "
صرخت فيه بحدة " ومن أجبرك على هذا ؟ كنت تركتني نزلت "
لاذ بالصمت ولم يعلق فقلت مجددا " أين تأخذني أجب "
قال بنفاذ صبر " مكان ستذهبين له تحبي أو تكرهي
فأريحي لسانك يا سراب "
تأففت ونظرت جهة النافذة مجددا وسرنا بعدها مسافة طويلة حتى غلبني
النعاس متكئة عليها لأني استيقظت مبكرا وكنت أشعر بنعاس فضيع ويبدوا
أني نمت طويلا حتى أني لم أشعر به حين أوقف السيارة ولم أستيقظ إلا على
هزه الخفيف لكتفي مناديا لي فرفعت رأسي ونظرت من النافذة للبحر القريب
منا ، كم مسافة سرنا وأين نحن فالعاصمة مينائها ليس هكذا ! نظرت له وهوا
ينزل من بابه ولف حول السيارة ثم فتح بابي وقال " انزلي هيا "
قلت ببرود " لا أريد النزول أعدني للمنزل "
قال بضيق " عن العناد يا سراب فلم أقطع بك كل هذه
المسافة لأعيدك "
قلت بضيق أكبر " وأنا لم أطلب منك جلبي هنا , ثم هل هناك
من يذهب للبحر في هذا البرد والليل ؟ "
نظر للأعلى وتنفس بقوة ثم عاد بنظره لي وقال
" انزلي أو أنزلتك بنفسي "
نزلت حينها متأففة وأغلقت باقي أزار معطفي فالهواء هنا قوي وشديد
البرودة , لففت حجابي جيدا فمد يده ليدي وأمسكها وسار بي فقلت
محاولة سحبها منه " اتركني أسير لوحدي "
فشد عليها بقوة أكبر ولم يكترث لي حتى صرنا أمام سيارة فاخرة نزل
منها سائق وفتح الباب الخلفي ونزلت حينها امرأة لم أتبين ملامحها بادئ
الأمر بسبب نور المصابيح الخفيف وحين اقتربت منا ظهرت ملامحها
أكثر وكانت في الخمسين أو أقل منها بقليل لا يمكنني تحديد ذلك فأناقتها
واهتمامها بنفسها لا يعطي انطباعا عن عمرها الحقيقي ، اقتربت أكثر
حتى أصبحت أمامنا فنظرت باستغراب لملامحها ثم لآسر الذي كان
ينظر لي ثم لها وقلت وكأني أريد تكذيب الواقع أمامي
" من أنتي ؟ "
ضمتني حينها لصدرها بقوة وقالت ببكاء " سراب يا ابنتي
وأخيرا رأيتك مجددا "
تيبس جسدي ولساني رغم توقعي من تكون وشعرت وكأني أشاهد فيلما
أنا البطلة فيه ، أبعدتني بعدها وقبلت يداي ثم خداي باكية فنزلت أولى
دمعاتي , أمي ؟ من حرمت منها سنين حياتي وضننت أنه لا وجود لها
رائحتها وصوتها وكأني أذكرهما جيدا رغم صغر سني حينها ، أمسكتْ
وجهي وقالت ناظرة لعيناي " كبرتِ يا سراب أصبحت امرأة جميلة
وتزوجتِ وأنا من ضننت أنك ميتة وأني لن أراك مجددا "
ثم مسحت دموعي التي تنزل دون توقف وقالت " أسمعيني
صوتك بنيتي قولي أي شيء "
قلت ببحة " هل تركته من أجلي ؟ هل ستذهبين معي لمنزلي ؟ "
*~~***~~*
رتبت كل أغراضنا بالدفعات كي لا تلاحظ الخادمات ما أفعل كما طلب
هوا وكلما فكرت في فكرة المساعدة في القبض على جدي نزلت دموعي
رغما عني ، صحيح أن جرائمه كبيرة ولا تغتفر وما فعله في أواس وعائلته
وحده يعد أبشع جرم لكن نفسي تستكبر فعلها , أعلم أنه يريد الضرر بالبلاد
وأريد فعلا أن يوقفوه ومن معه ويقتصوا منهم لكن ليس بمساعدتي وفي ذات
الوقت لا أستطيع رفض ذلك ؟ يا رب ساعدني أرجوك ، مسحت دموعي
ووضعت آخر أغراضي وأغلقت الحقيبة ثم نظرت لساعة الجدار باستغراب
أين ذهب يا ترى ولم يرجع حتى الآن ؟ قلبي ليس مطمئنا لهذه الليلة وللقادم
بعدها ، رفعت صورته وضممتها لصدري وكأني أودعه ولا أعرف لما
وضعت الصورة جانبا واستغفرت الله وتعوذت من الشيطان ثم أمسكت
هاتفي وقرأت رسالته مجددا ( قد أتأخر الليلة لا تنشغلي علي ) لكننا
نقارب وقت الفجر فما كل هذا التأخير وأتصل به من وقت ولا يجيب !!
*~~***~~*
فتحت عيناي على صداع قوي سيفجر رأسي وأرى كل شيء أمامي وكأنه
ضباب يغشي النظر ، حاولت مرارا رفع رأسي لكنه كان ثقيلا وعجزت عن
تحريكه فهززته يمينا وشمالا أفرك عيناي بسبابتي وإبهامي علّ الرؤية تصبح
أوضح وحاولت تحريك يدي الأخرى أيضا لكن ثقلا ما كان جاثما عليها وعلى
صدري يمنعني حتى من التنفس ، ماذا حدث معي ؟ لا أذكر سوا حديثي مع وجد
ثم ... آه رأسي ، شعرت بذاك الثقل تحرك قليلا فحاولت دفعه عني فصدر منه
صوت أنين متذمر لامرأة وبدأت أشعر أكثر بوجود جسد عاري على صدري
وذراعي فحاولت النهوض بقوة أكبر وإن كانت واهنة لأقفز واقفا على طولي
رغم أوجاع جسدي بأكمله والدوار القاتل الذي يكاد يرميني أرضا أنظر بصدمة
للسرير الذي كنت عليه وللمرأة التي جلست تمسك اللحاف على جسدها العاري
تنظر لي , نظرت بعدها لنفسي ولثيابي المرمية بعشوائية في الغرفة فأمسكت
رأسي وشددت شعري بقوة وقلت ناظرا لها بصدمة " ما هذا !! ماذا حدث ؟ "
سترت جسدها أكثر وقالت " اسأل نفسك وليس أنا فأنت من أجبرتني "
رفعت بنطالي ألبسه صارخا كالمجنون ثم أمسكت الحزام وانهلت عليها
ضربا به أصرخ بغضب " هل فقدت عقلك يا نجسة ؟ ألم أخبرك أني
طلقتك يا زانية "
كانت تصرخ تحت ضربات الحزام العشوائية على جسدها ووجهها ولم
أتركها حتى تعبت وخارت قواي فرميته عليها وتوجهت للباب لأخرج
فأوقفني صوتها الضعيف المختلط بأنينها المتوجع " هناك ورقة في
الدرج سيعنيك أمرها .... وللجحيم يا أواس "
ما كنت لآبه لما تقول لولا آخر جملة قالتها أو آخر كلمتين فتوجهت له
وفتحته وأخرجت ورقة التقرير الطبي التي كانت باسمها وتوقيع الطبيب
وختم المختبر ثم نزلت بنظري لباقي ما كتب فيها ورفعت نظري لها
بصدمة فابتسمت بخبث وأغمضت عينيها وقالت بشبه همس
" إيدز يا أواس وللجحيم معا "
*~~***~~*
أغلقت فمي بيدي أمسك شهقتي من الخروج وهذا حالي من ساعات لا شيء
سوا البكاء وكلما تذكرت كلماته بكيت أكثر , إياس من عرضني عليه ؟؟
لا أصدق هذا لا ! هل أنا رخيصة هكذا ؟ هل حبه له يجعله يفعل هذا بي ؟
وذاك الشهم طبعا لم يستطع رفض طلب صديقه وتحملني مرغما , هل هذه
نظرته لي ؟ بضاعة فاسدة رموها عليه ابنة شوارع ! غطيت وجهي بيداي
وانخرطت في بكاء مرير , لم أتخيل أن أهان حياتي بهذا الشكل وممن ؟ من
الرجل الذي يفترض أن يمسك إهانات الناس عني , من يحترمني ويفرض على
الجميع احترامي , أبعدت يداي عن وجهي واستلت الخاتم الذي في إبهامي بقوة
ورميته بطول يدي ثم نزعت الفصوص في وجهي بقوة وتوجهت بعدها لدرج
الطاولة في زاوية الغرفة أخرجت المقص الصغير الذي وجدته هناك وعلبة
معقم الجروح , سكبته على يدي وفركتها بالشاش والقطن حتى اختفت النقوش
منها ولو جزئيا ثم دخلت الحمام ووقفت أمام المرآة ليقع نظري على عيناي
المتورمتان من البكاء ووجهي الشاحب ففتحت فمي مغلقة أسناني ونزعة الفص
بالمقص الصغير بعد محاولات عديدة وقد جرحت لثتي مرتين , إن كان المظهر
ما يحدد نوع البشر فها قد أكرهتموني فيه , إن كان حكمكم على الناس من لباسهم
فيالكم من أغبياء فكم من ملتحي زاني شارب للخمر ولا يقاس الجميع بمظاهرهم
فكم من أناس اتخذوا من المظهر المحتشم ستارا لأفعالهم , خرجت بعدها
للغرفة وكانت أمي مستيقظة تحاول مغادر السرير ونظرت لي وقالت
" سدين ما بك هل شقيقك به مكروه وتكذبون علي ؟ "
توجهت نحوها وأعدتها مكانها وعدلت لها بطانيتها وغطيتها جيدا
وقلت " لا يا أمي هوا بخير أقسم لك وقد رأيته بعيني "
قالت بقلق " ولما كل هذا البكاء إذا ؟ كلما نمت واستيقظت وجدتك تبكي "
جلست بجانبها وقلت " لا شيء يا أمي , تعلمين يوم أمس كم كان
مرهق للأعصاب وإياس بخير وسوف آخذك بنفسي صباحا لتريه "
نظرت للسقف وقالت بهدوء " كم بقي على وقت الفجر ؟ "
نظرت لساعتي في يدي وقلت " أكثر من ساعتين "
أغمضت عينيها وقال " نامي إذا وارتاحي يكفيك بكاء وسهر "
ابتسمت بحزن ولم أعلق ثم سحبت صندوق الدبابيس الصغير الذي
وجدته في الدرج هناك وبدأت بإغلاق العباءة بهم فقد لا نخرج مبكرا
ويكفي دخولي بها للمستشفى هكذا ولا عذر لي الآن
*~~***~~*
بقيت أتنقل بنظري بينهما أنتظر جواب خالتي على سؤالها وردة فعل سراب
على ما يجري فيبدوا علاجها في مواجهة أحزانها ولأن والدتها أهلكتني بطلب
رؤيتها دبرت لهذا اللقاء وقطعت كل هذه المسافة , بقي نظر سراب معلق بها
حتى هربت بنظرها منها وقالت " بعدما اختطفوك ومات والدك بقيت وحدي
بلا سند ولا من يمسك مال والدك وضحية لكل طامع , حتى عمك لا جدوى منه
وجاء يطالب بمال شقيقه وهددني كي لا أتزوج وحجته أنه سيسرق مالي وقال
أنه سيطلق شقيقتي ويتزوجني تصوري دناءته وحقارته فقد سرق مال شقيقتي
وكان يريد أن يطلقها ويسرق مالي أيضا ولفق العديد من الأكاذيب لأصدقه
وهوا يعلم جيدا أني ورثت من زوجي ومن أهلي مثلها , وحين تقدم لي زوجي
الحالي ولأنه صاحب منصب ولن يكون طامعا في مالي وسيحميني من
الجميع وأولهم عمك وافقت فلم يكن من خيار أمامي "
خرجت حينها سراب من صمتها قائلة بحزن " والمقابل أن تنكري ابنتك ؟ "
تنهدت وقالت بحزن مماثل " لم يكن أمامي من خيار وأنتي مختفية ولا أمل
في إيجادك ولا حتى الفتيات الأخريات ولم نحصل ولا على بصيص أمل
يجعلنا نتعلق به وكان موتكن التحليل الوحيد لكل ما يجري فوافقت عليه
وعشت معه في راحة أفضل من محاربتي للوحوش البشرية وحدي "
قالت حينها سراب بغصة " وخالتي وآسر ؟ لما حين أصبحا في
الشارع لم تساعديهما من مالك ؟ "
ابتسمتُ بسخرية فها قد فتحت الجرح النازف فلنرى ما حجتها الآن
سافرتْ بنظرها للأرض مجددا وقالت " لم يسمح لي زوجي , حاولت
كثيرا وبلا جدوى وبُعد المسافة لم يساعدني "
انفجرت حينها سراب ببكاء وصراخ قائلة " حجة غبية , تعلمين بحالهم وبأن
شقيقتك توفيت وتركت ابنها صغيرا لا أحد له ولا حتى منزل يؤويه , ليشعر
به الغريب وأنتي خالته مات قلبك وضميرك ومن أجل من ؟ من أجل زوج
حتى أبناء ليس لك منه وتقولين أنك عشتِ معه في راحة ! سحقا لتلك
الراحة التي كان وقتها شقيقتك وابنها لا يجدان ما يقيهما البرد
ولا ما يأكلان "
قاطعتها برجاء حزين " لا تلوموني أقسم أني كنت مجبرة "
صرخت فيها مجددا " مجبرة كيف ومجبرة لماذا ؟؟ وحين أخبرك آسر
أنه يمكنك المجيء والعيش معنا رفضتِ ذلك فهل كنتِ مجبرة أيضا ؟
هل آسر طفل لن يحميك من الناس والشارع وهوا ابن شقيقتك
وزوج ابنتك ؟ "
قالت حينها بغضب " توقفي عن لومي يا سراب أنتي لم تكوني مكاني
ولم تمري بما مررت به , هل تتخلي عن زوجك الآن من أجل أي
شيء ؟ أم تحاولي أن تقنعيه وتجمعي الجميع معا "
ابتسمت حينها بسخرية وقالت " لا تقنعيني بأنك تحاولين إقناعه
ليقبل بوجودي في حياتكم "
قالت من فورها " نعم وسأفعل كل جهدي "
نظرت حينها لي وقالت مشيرة لها ودموعها لازالت تنزل دون توقف
" هل تسمع ما تقول ؟؟ هل تصدق هذا ؟ هل حقا قالته أم أنا أتوهم "
أمسكت ذراعها وقلت " اهدئي يا سراب واستمعي لها "
استلت ذراعها مني ثم نظرت لها وقالت " هل أخبرك شيئا ؟
أنتي غبية كابنتك تماما "
نظرتْ لها خالتي بشيء من عدم الفهم وتابعت هي " ابنتك أيضا فكرت
يوما ما أنها مستغنية عن كل شيء وعن الجميع من أجل زوجها من
أجل أن تكون معه وأن يعيشا معا "
نظرتُ لها بصدمة وتابعت هي بسخرية " لكني حمقاء ... حقا حمقاء
واكتشفت أن هذا الهراء موجود في عقلي وحدي وقلبي وحدي فقط , أنتي
تحبينه ولا تستطيعي إقناع نفسك بفكرة التخلي عنه درجة أنك تخليتِ عن
ابنتك وقبلها شقيقتك وابنها أو أن حبك للمال فاق الجميع فاستفيقي لنفسك
يا غبية فلا رجل في الوجود يستحق أن تضحي من أجله ولا مال الأرض
أجمع يغني عن الأهل وعن رؤية من يحبونك ويهتمون بك , استفيقي
قبل أن يصفعك غبائك وتنتهي نهاية ابنتك "
في حركة سريعة رفعت خالتي يدها لتصفعها فكانت يدي الأسرع لها
وأوقفتها ممسكا لها وقلت " تضربيها وأنا واقف أمامك ؟ "
استلت يدها مني وقالت بغضب " وأضربك أنت أيضا مثلها , واقف
تتفرج عليها وهي تهين والدتها وكأنها ابنة شوارع "
ضحكت حينها سراب وقالت " نعم ابنة شوارع وهل وجدتُ غير
الشارع ليربيني ؟ وقولي أنه صدَق زوجك حين قال أني ابنة
ماضي متسخ ورباني الشارع "
قالت حينها خالتي بتنفس قوي تمسك غضبها " أنا أردت حقا أن أجمع
من أحب , أن تعودي لحضني ولا أخسر زوجي وظننتك تبادليني
الشعور ذاته لكني أخطئت "
قالت حينها سراب ببرود صقيعي " لو كان كلامك صحيحا لجئتِ ما
أن علمتِ بخبر عودتي ولو لتريني لتضميني لصدرك , أعرف أمهات
يبعن كل شيء من أجل أبنائهم لكني لأول مرة أرى أُم تتمسك بكل
شيء إلا ابنتها وكأنها ابنة عار وزنى "
قالت حينها بجمود " هل هذا آخر كلامك يا سراب ؟ ألن تقفي معي
لنصلح كل شيء ولا تخسر أي منا ؟ "
قالت بسخرية " لم يبقى لي شيء أخسره لأني لم أكسب شيئا من البداية "
تنفستُ بقوة ممررا أصابعي في شعري ونظرتُ جهة البحر فحممها تقذف
بها الجميع وليس والدتها فقط , قالت خالتي " إذا نصيبك من مال والدك
محفوظ كي لا أكون في نظرك سارقة أيضا "
قالت سراب من فورها وبأسى " خذيه لا أريده , أقسم أنكم أكرهتموني
في رؤية العملات النقدية جميعها وكرهت سماع كلمة مال "
تحركتْ حينها وركبت سيارتها وغادرت لينهار الجسد الواقف أمامي قويا
منذ لحظات ليستقبله حضن رمال البحر الباردة فنزلت لها مسرعا ورفعتها
لحظني واختبرت تنفسها ثم ضممتها بقوة , أجل خذلك الجميع يا سراب حتى
أنا كل ما أردته أن أُكرهك في المال ويوم أكرهتك فيه خسرتك أيضا على
ما يبدوا , أعلم بشعورك وأعلم ما تمنتِ الآن أن لا تذهب وتتركك أن تقول
أنها مستعدة للذهاب معك لفعل أي شيء وترك كل شيء ولا تفترقا للحظة
لكنها خانت توقعاتك وغادرت ولم يحتمل قلبك كل هذا ولا عقلك أيضا
وقفت ورفعتها بين ذراعاي وتوجهت بها للسيارة وأخذتها
لأقرب مستشفى
*~~***~~*
خرجت من المنزل برمته أستند على الجدار من صدمة ما رأيت وعلمت
إيدز !! مصابة بالإيدز ؟ لهذا كانت تحاول إغوائي واستمالتي طوال الوقت
هل هذا مخططك يا علي رضوان ؟ مرض فتاك أعيش أعاني منه لسنوات
محروم حتى من الاقتراب من حفيدتك وهي بين يداي , سرت بلا هدى في
الحديقة أتخبط بالظلام ورغم البرد القوي وأني لم أكن أرتدي سوا بنطلونا
كنت أشعر بجسدي يشتعل من الحرارة , وصلت الملحق وجلست مستندا
على جداره ولم أستطع دخوله لأني وعدتها , نعم سبق ووعدتها أن لا أدخله
أمسكت رأسي بقوة محاولا التفكير بروية وإيجاد حل لكل هذا , ومضى الوقت
جالسا مكاني أحاول جمع أفكاري وبلا فائدة حتى سمعت أذان الفجر فوقفت وعدت
أدراجي للمنزل , قد تكون خدعة منهم وعليا التأكد أولا وعلى مخططي أن يسير
كما خططنا له عند الوزير هناك , وإن كان فعلا انتقم مني بهذه الطريقة البشعة
فعليه أن يعش البؤس والمعاناة مثلي وأن أنتقم منه أيضا , فأن نموت معا أفضل
من أموت ويبقى هوا يفتخر بانتصاره علي , دخلت المنزل وصعدت للغرفة
وفتحت بابها فوقفت الجالسة على السرير من فورها تنظر لي باستغراب
ثم قالت " أواس ما بك ! وأين كنت وأين ثيابك ؟ "
قلت داخلا بخطى ثقيلة " لا شيء , هل جهزتِ ما طلبت منك ؟ "
توجهت نحوي مسرعة وأمسكتني قائلة " نعم جهزته لكن ما
بك تبدوا متعبا ؟ "
أبعدتها عني وقلت متوجها للحمام " قلت لا شيء , سأخرج للصلاة
ولدي مشوار بعدها ثم آخذ عمتي من هنا وأعود لآخذك للمطار
فجهزي نفسك "
ثم دخلت الحمام وفتحت المياه الدافئة ودخلت تحتها أحاول أن لا أفكر
إلا فيما اتفقنا على فعله وأن أبعد باقي الأفكار جانبا , لا أفكر في كلامها
ولا توقيع الطبيب على الورقة وختم المختبر صاحب الاسم المعروف
بعد وقت خرجت من الحمام لبست ثيابي وغادرت المنزل رغم أني أشعر
بصداع يكاد يدمر رأسي , وجسدي كله يؤلمني إلا أنه لا مجال للتراجع
ولا الوقوف , صليت مع الجماعة ثم خرجت من هناك وبحثت عن أقرب
صيدلية مفتوحة وأخذت مسكنا وخافض حرارة وتناولتهم في السيارة ثم
عدت للمنزل وتوجهت فورا لغرفة عمتي بعدما مررت على غرفة تلك
النجسة وأغلقتها بالمفتاح , دخلت ووجدتها جالسة على سجادتها
وحقيبتها بجانبها فقلت " هل أنتي جاهزة عمتي ؟ "
وقفت ونزعت لباس الصلاة وقالت وهي تضعه في حقيبة يدها
" نعم بني , كم ستطول رحلتكم ؟ "
رفعت الحقيبة قائلا " لا أعلم لكن ليس كثيرا , سأنتظرك في السيارة "
خرجت ووضعت الحقيبة في السيارة وركبت وخرجتْ هي بعد قليل
وانطلقنا في صمت تام حتى وصلنا منزل العقيد رفعت وكانت الخادمة
في انتظارنا عند الباب فقلت " انزلي عمتي ها هي الخادمة
ستأخذك للداخل "
نظرت لها ثم لي وقالت باستغراب " خادمة !! وأين عائلته ألا
زوجة له ؟ أو بنات مثلا ؟ "
هززت رأسي بلا وقلت " يعيش وحده , انزلي عمتي لا وقت لدي "
قالت بضيق " كيف أنزل وأعيش مع رجل لوحده ! ما هذا الجنون يا أواس ؟ "
ضغطت على عيناي بقوة وقلت بضيق مماثل " عمتي أخبرتك أنه أغلب
النهار خارج منزله وإن كان موجودا فمع ضيوفه من الضباط والعقداء
ولا مكان آمن أكثر من هذا المنزل "
كانت ستتحدث فقلت بضيق أكبر " عمتي بالله عليك ترحميني
وتنزلي فلن يأكلك كلها أيام وسأرجع "
تأففت حينها وفتحت الباب وقالت " تصرف إذاً مع والدك حين يعلم
أقسم أن يجن جنونه وأنا من ستدفع ثمن كل هذا "
ثم ضربت الباب بقوة وفتحت الباب الخلفي وقالت وهي تنزل حقيبتها
" أتمنى أن لا يعلم أحد بوجودي هنا فلا ينقصني فضائح ليجدها
والد ابنتي عذرا ويمنعها عني "
ثم ضربت الباب ودخلت مع الخادمة وغادرت أنا متأففا فلن تقتنع أبدا
أن هذا في صالحها وحماية لها
*~~***~~*
دخلت خلف الخادمة بخطى مترددة ومتوترة , سامحك الله يا أواس هل هذا
موقف تضعني فيه !! ما مظهري أمام حتى هذا الرجل ؟؟ لا أعلم بأي عقل
تتركني مع رجل غريب يعيش لوحده ! أقسم لو علمت الناس لسلخوا وجهي
وزوجي السابق لن يرحمني أبدا وأول ما سيقوله ( تصرفات ابنتك أنتي السبب
فيها فممن ستتعلمه إلا من لوالدتها ) لا وشقيقي سالم حكاية أخرى لوحدها
وأقسم إن علم أن يضربني وأنا في هذا السن , أدخلتي للمنزل الواسع الفارغ
الذي لا صوت فيه لأحد وإن أوقعت فيه إبرة لسمعت صوتها بوضوح
وقفتُ وأوقفتها قائلة " أين سيدك الآن ؟ "
وضعت الحقيبة على الأرض وقالت " خرج من الظلام ولن يعود قبل
ليل طويل , هل يريد أنت التحدث معه ؟؟ "
ارتجف جسدي بأكمله وقلت بجزع " لا طبعا , ماذا أتحدث معه هذه ؟ "
حملت الحقيبة مجددا وقالت سائرة بها " لما يسأل إذا ؟ "
تبعتها مغمغمة ببرود " ما أطول لسان هذه الخادمة فيبدوا أن
سيدها المجهول يدللها حتى حولها لوقحة "
قالت متابعة سيرها " هل يريد شيئا
سيدتي ؟ "
لويت فمي وقلت " لا شكرا "
أوصلتني لجناح في الطابق السفلي وقالت " هنا يدخل
أنتي وسأعد لك فطور "
حملت الحقيبة وقلت داخلة بها " لا شكرا لا رغبة لي في الطعام "
ثم التفت لها وقلت " وأين تكون غرفة السيد ؟ "
قالت من فورها " في فوق سيدتي "
هززت رأسي بحسنا فغادرت هي من فورها وتركتني أستكشف عالمي
الجديد مستغربة وجود جناح كامل في الطابق السفلي !! دخلت غرفة
النوم أجر حقيبتي خلفي ثم جلست على السرير وتنهدت بأسى , يا رب
أحفظ ابن شقيقي فلا أحد له غيرك , وأخرجني من هنا في أقرب وقت
وأعمي بصر الناس عني حتى أرحل من هذا المنزل
*~~***~~*
دخلت المستشفى فجرا فعليا زيارة إياس والاطمئنان على باقي الرجال
المصابين ووالدة إياس أيضا ومعرفة وقت خروجها لأخرجها ويبدوا
علي أن أتصل بعمي لأخذ شقيقتاي لديهم هادان اليومان فلن أستطيع ترك
إياس ولا عائلته في المزرعة وحدهم فليلة البارحة قضيتها نائما في السيارة
أمام الباب وتركت حتى عملي فهناك من يناوب عني في المركز لكن ذاك
المنزل لا أحد فيه سوا النسوة ولم استطع المبيت داخله في المجلس أو الملحق
لأنه لا سدين ولا عمتي هناك , دخلت غرفة والدته لأنها الأقرب في طريقي
رغم ترددي من مواجهة ابنتها بعدما سَمعته مني بالأمس , طرقت الباب
طرقات خفيفة ثم فتحته ببطء ودخلت فكانت لوحدها وقد نزعوا عنها جهاز
قياس النبض ولم تبقى سوا حقنة المغذي , اقتربت منها وقبلت رأسها وقلت
" حمدا لله على سلامتك يا عمة وآسف على إفزاعي لك فكل خوفي
كان من أن تسمعي الخبر من غيري ولا تفهمي الحقيقة ويبدوا
أني فعلتُ ما خفت منه "
قالت مبتسمة بحنان " لا عليك بني أنا من تسرعت في فهم الأمر
وهكذا قلب الأم دائما مهما أخبرتها ستُفجع "
جلست على حافة السرير وقلت " ماذا قال الطبيب اليوم ؟ "
قالت بهدوء " قال يمكنني الخروج عند الساعة العاشرة
وأنه عليا أن أرتاح وأتغذى جيدا "
هززت رأسي بحسنا وقلت " جيد لكن بقائك هنا قد يكون أفضل
ومستعد أن أنقلك لمستشفى خاص وإياس أيضا "
ربتت على يدي وقالت بحنان " لا داعي لتكلف على نفسك بني
أنا بخير وإياس لن يرضى أن يبقى لا هنا ولا هناك "
تنفست بقوة فيبدوا من حديثها أن سدين لم تخبرها شيئا , نظرت
حولي وسألت السؤال الذي أجلته من البداية " وأين سدين ؟ "
قالت من فورها " ذهبت لرؤية إياس , مسكينة أفزعناها فطوال
ليلة البارحة تبكي ولم يغمض لها جفن رغم أننا بخير "
نظرت للأرض ولم أعلق فلو علمت السبب لما تحدثت معي بكل هذا
الود والاحترام , وقفت وقلت " سأذهب لرؤية إياس وباقي الجرحى
ثم أعود لأخرجكما من هنا وسأبقى معكم حتى خروج إياس "
قالت مبتسمة " حفظك الله بني ونعم الصديق والأخ له حقا "
ابتسمت وقبلت رأسها مجددا ثم خرجت من عندها وأشعر أن كل كلمة
تقولها تذبحني بها , سحقا لي هل كان عليا قول ما قلت , ماذا إن علم إياس
ولابد أنها لن تتوانى عن إخباره كي لا يتم هذا الزواج كما قالت , لما لم
أستطع كبتها في نفسي ؟ قسما لو علم لغضب مني ليوم القيامة ولو كنت مكانه
لفعلت ذلك , لكنها أغضبتني وحدّتني على قول كل ما قلت فلم تحترمني ترد
عليا الكلمة بأخرى وأعصابي كانت مشدودة فما مررنا به يوم أمس لم يكن
سهلا , وصلت غرفة إياس رغم أني كنت أريد تأجيل ذلك حتى تغادر هي
من هنا لكني سأراها حين سأخرجهم ولا مفر لي من رؤيتها , طرقت باب
الغرفة وفتحته ودخلت فكانت تعدل له الوسادة خلف ظهره فابتسم ما أن
رآني واقتربت منه قائلا " نفذت منها يا بطل "
قال بضحكة متعبة " بل أنت من نفذت "
اقتربتُ من سريره فابتعدتُ من كانت بقربه حتى كادت تصل لآخر
الغرفة فاقتربتُ منه وقلت " حمدا لله على السلامة , كيف تشعر الآن ؟ "
قال من فوره " بخير ولا أريد سوا مغادرة المستشفى فهوا من يتعبني "
ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " أين تخرج وأنت انصبت بالأمس "
قال بضيق " كله جرح بسيط فالرصاصة لم تصب سوا
أعلى كتفي فقط "
قلت بجدية " وإن يكن , متى ما قال الطبيب تخرج ستخرج "
رفع رأسه يعدله على الوسادة وقال " تَهدي أنت وطبيبك "
تحركتْ حينها الهاربة الصامتة طوال الوقت وقالت متوجهة
للباب " سأغادر الآن يا إياس وسأراك قبل أن نخرج "
ثم فتحت الباب وغادرت فوقفت من فوري قائلا " وأنا سأمر
بك فيما بعد , بعد أن أزور البقية "
قال بابتسامة ماكرة " نعم أدركها بسرعة قبل أن تبتعد "
ضحكت وقلت متوجها لباب الغرفة " تصمت أو لكمت لك كتفك "
ثم خرجت خلفها ويبدوا أنها لم تخبر شقيقها أيضا ومؤكد لن تخبره
وهوا بهذه الحالة , أسرعت الخطى حتى لحقت بها وأمسكت
يدها قائلا " سدين انتظري "
التفتت لي وسحبت يدها من يدي فقلت ناظرا للبعيد " بشأن
ما قلت بالأمس و.... "
قاطعتني قائلة " لا تبرر ولا تقل لننسى كل ما قيل "
تنهدت بضيق وقلت " أنتي من حدّني على قول ما لا أعي
تريني غاضبا وتستفزيني "
قالت ببرود " بل تعي جيدا وعلمتُ الآن لما تعاملني
بتلك الطريقة الجافة "
ثم قالت مغادرة " لنا حديث لكن ليس هنا بل في المكان المناسب "
ثم اختفت في الممر ووقتها فقط لاحظت أن عباءتها مغلقة للأسفل
والفصوص التي في وجهها اختفت , مررت أصابعي في شعري
أتنفس بضيق ثم غادرت في الاتجاه الآخر لأرى باقي الرجال
فواحد منهم حالته حرجة وعليا أن أتم إجراءات نقله من هنا
*~~***~~*
بعد وقت طويل زحفت من السرير ووقعت أرضا بصرخة متألمة لأن
جسدي انهار من قوة ضربه لي ذاك المريض القذر فليعش في عذابه من
الآن وحتى يموت , أخرجت الهاتف واتصلت بالرقم المدون فيه فأجاب
سريعا فقلت من فوري " تمت المهمة "
قال بسرعة " حقا نام معك ؟ "
قلت بتنفس متعب " نعم وأريته ورقة التقرير أيضا فاقتحموا
المكان وأخرجوني كما وعدتم "
أغلق حينها الخط في وجهي فبقيت أنظر للهاتف بصدمة وأعيده لأذني لأتأكد
من أنه أغلقه حقا ثم رميته تحت السرير فهم طلبوا أن أفعل هذا وأن أريه
التقرير المزور ثم سيقتحمون المنزل ويخرجوني وحفيدة سيدهم ولن يأخذ
الأمر منهم أكثر من دقائق بالتأكيد , زحفت على الأرض حتى وصلت الخزانة
وفتحتها وأخرجت أقرب ملابس استطعت الوصول لها ولبستها بصعوبة ثم
جلست مستندة بالسرير أنتظرهم ليمر الوقت والوقت ولا أحد جاء على ما
يبدوا ! عدت زحفا للهاتف الذي أخرجته من تحت السرير بصعوبة وجربت
الاتصال مجددا ولم يجب والآخر أيضا وبعد عدة محاولات أغلق الخط
في وجهي فما معنى كل هذا !!؟؟ وأين باقي المخطط
*~~***~~*
فتحت عيناي لأجد السقف الأبيض أمامي ورائحة المعقمات تخنق تنفسي
وشعرت بحسدي وكأنه غارق في الماء ! نظرت جانبا وأدركت أين أنا
الآن , جلت بنظري حتى وقع على النائم على كرسي بالقرب مني فجلست
ببطء ورفع هوا رأسه وفتح عينيه ونظر لي فقلت " أين ذهبت ؟ "
وقف وتوجه نحو الطاولة بجانب السرير وسكب من قارورة الماء
في الكوب قائلا " غادرت , ألم تريها تركب السيارة وتغادر "
دسست وجهي حينها في كفاي وانخرطت في نوبة بكاء شديدة وشعرت
بثقل جسده يجلس بجانبي على السرير وقال " أخبرَتْك أنها ستحاول
فلما رفضتها يا سراب "
بقيت على بكائي ولم أعلق فمسح على شعري وقال " لا أحد
منا كامل , كل إنسان وله عيوب "
ابتعدت عنه حينها لطرف السرير وقلت ببكاء " ولما لم يكن هذا
رأيك بي سابقا ؟ لما كنت في نظرك كلي عيوب وعليا أن
أتغير وأعاقَب أيضا ؟ "
قال ببعض الضيق " إن كان أسلوبي أنا خاطئ في نظرك
لما تتّبعيه الآن ؟ "
قلت بحدة " لا أتّبعه ولست أعاقبها أردت فقط أُماً هل هذا كثير علي ؟ "
قال بحدة مماثلة " واتركيها تحاول إذا علها تكسبكما كليكما "
مسحت خداي من الدموع بقوة وقلت بسخرية " لو كنتَ
مكاني هل سيكون هذا كلامك ورأيك ؟ "
لم يتحدث ولم يعلق فتابعت بألم " أنت وجدت والدتك معك في كل
وقت واختارتك على كل شيء , أقسم لو خيروها بينك وبين المال
أو الزوج لاختارتك أنت "
تنقل بنظره بين عيناي مطولا ثم قال بشبه همس " سراب
احذري فأنتي تصنعين من نفسك وحشا "
قلت بابتسامة ساخرة " وحش !! أنتم من صنعه وليس أنا
أنتم من حولني لهذا "
وقف حينها وقال " دعينا نغادر ونتناول الطعام وسيتغير
كلامك ما أن تهدئي "
قلت بحدة " توقف عن قول هذه الجملة أنا لست مجنونة ولا معلولة
نفسيا , وخذني للمنزل حالا لا أريد أي طعام ولا أي شيء "
صرخ حينها بحدة أكبر " لا ترفعي صوتك يا سراب ولا تتطاولي
عليا هكذا ولا تنسي أني زوجك "
قلت بذات حدتي " أنت من جلبه لنفسك , لما أحضرتني هنا وأنت
تعلم جيدا رفضي لرؤيتها ؟ "
قال بجمود " ظننت أن هذا سيريحك لكني أخطئت "
ثم قال متوجها للباب " أنتظرك في السيارة "
ثم غادر وتركه خلفه مفتوحا فلبست حجابي ورفعت معطفي بقوة وخرجت
ألبسه محاولة إدراكه في هذا المستشفى الذي لا أعرف فيه شيئا , وصل
السيارة وأنا خلفه وغادرنا من هناك ووقف عند مطعم للوجبات الصباحية
فرفضت النزول ولا أن ينزل ويحضر لي شيئا فغادر بي من المدينة التي
لم أسأل حتى ما تكون وتعمدت أن لا أقرأ لافتاتها عند مخرجها كي
لا يدفعني الحنين يوما ما للقدوم والبحث عنها هنا
*~~***~~*
بعدما وصلني اتصال من مكتب الوزير للقيام ببعض الأمور قبل مغادرتنا
عدت للمنزل وتوجهت أولا لسجينة الغرفة فتحت الباب ودخلت فكانت متكئة
على ساق السرير وقد لبست ملابس الخروج , هه لا يكون عقلها أخبرها
أنها ستهرب أو أني سأتركها تذهب من هنا , وصلت عندها وأمسكت ذراعها
وأوقفتها فصرخت بتألم فسحبتها معي قائلا " ظننت أنه حتى الضرب قد
يجدي معك ويردعك عن جنونك لكنك لا تتغيرين أبدا حتى تكتشفي
حقيقة أولائك الأنذال بنفسك "
قالت بصوت ضعيف متألم " سيأتون لأخذي لقد وعدوني "
ضحكت بسخرية وقلت " وأين هم يا حبيبتهم ؟ "
فتحت باب السيارة ورميتها بداخلها وركبت وانطلقنا للمكان الوحيد
الذي سأعلم منه حقيقة ما قالت وما يوجد في تلك الورقة , بعد مسافة
قريبة وصلنا لمركز متخصص بهذه الأمراض فإن كانت كاذبة سيكون
الجواب لديهم وإن كانت صادقة فقد وصلت مكانها وقد قدمت لذاك
الخنزير جثماني على طبق من فضة وانتقموا مني شر انتقام , أنزلتها
ودخلت بها حتى أوصلتها لحجرة بها ممرضتان تلبسان ملابس كاملة
حتى القفازات وقلت " أريد مقابلة السيد جمعة مختار "
قال إحداهما " في مكتبه الجديد أصبح في آخر الرواق رقم ثلاثة "
تركتها هناك وقلت مغادرا " لا تتركوها تخرج "
وخرجت على صراخها الهستيري الذي لا أفهم منه شيئا حتى اختفى ويبدوا
أنهم حقنوها بشيء ما جعلها تنام , وصلت مكتبه وأعطيت سكرتيرته
بطاقتي فدخلتْ له بها ثم خرجت سريعا وقالت " تفضل سيدي "
وقفت ودخلت له وأغلقت الباب فوقف من فوره وصافحني قائلا بابتسامة
" زارتنا البركة , أين لم نرى منكم أحدا من مدة ؟ يبدوا وجدتم عقارا شافيا
للإيدز تحقنون به من تقبضون عليهم "
شعرت بشيء قبض على قلبي بقوة من ذكره لاسمه وقلت بابتسامة
مغصوبة " بل يبدوا أن إرشاداتكم ومنشوراتكم نجحت مع المجرمين "
جلس ضاحكا وقال " بما أخدمكم حضرة الضابط ؟ "
جلست أمامه وقلت " أحضرت امرأة هنا منذ قليل "
ثم أخرجت له ورقة التقرير وقلت " أريد أن أتأكد من هذا "
أخذها مني ونظر فيها قليلا ثم قال " هذا المختبر من المختبرات
الموثوق بها لكن كل شيء جائز وسأتأكد منها بنفسي "
قلت بتوجس " ومتى تظهر النتيجة "
قال مبتسما " وكأنها أول مرة تتعاملون معنا في مثل هذه الحالات "
قلت من فوري " أعلم لكن هذه أريدها مستعجلة "
وقف وقال " قبل أيام صعب جدا , وإن كانت مصابة حديثا فستحتاج
لشهر ليظهر الفيروس في دمها , سأشرف على حالتها بنفسي
ولن نتأخر كثيرا "
وقفت وقلت " إذا أنا مسافر وسأتصل بكم لأخذ النتيجة "
هز رأسه بحسنا وقال " تحدث معي برقم مكتبي وستعطيك
السكرتيرة بطاقة أرقامنا الجديدة "
وخرجت بعدها من المركز الطبي المتخصص بالأمراض المعدية عائدا
للمنزل لتبدأ رحلتي مع سجّان طفولتي الذي لم أخرج من سجنه حتى الآن
ولن يردعني عنه شيء ولا المرض فلن أخرج من كل ذاك الماضي إلا
برؤيته يعاني , وإن كان مصيري الموت فهوا خير لي من الحياة هكذا
*~~***~~*
نظرتْ لي وأنا أعدل لها غطاء رأسها جالسة على السرير أمامي
وقالت " سدين من عقلك تقولين هذا الكلام "
وضعت الوشاح صوفي على كتفيها وقلت " نعم فخالي في المستشفى
هنا وكلاهما واحد يوصلنا هوا أو أمين ما الفرق "
قالت بهدوء " قد يغضب زوجك وهوا من قال أنه سيأتي لأخذنا للمنزل "
قلت بضيق " وما الفرق يا أمي ولما سيغضب فخالي رفعت سيغادر
من هنا بعدما يرى إياس وسنغادر معه ليوصلنا , هل هذا جرم ؟ "
تنهدت بيأس وقالت " لو أعلم ما قلب مزاجك هكذا ؟ هل تحدثتما "
تأففت وقلت " لا يا أمي فهيا لتري ابنك ونغادر "
وقفت حينها وخرجنا معا فغرفته ليست بعيدة عنا كثيرا وفي نفس الطابق
فعلينا المغادرة قبل قدوم ذاك فلا أريد الذهاب معه ولا رؤيته , آآآخ أكثر ما
يكسر ظهري حب إياس له وثقته به وموافقتي عليه من أجله ولا أريد أن أكسر
كلمته وأخيب نظرته في صديقه ولولا كل هذا لما خرجت من هنا إلا مطلقة
منه إن بالطيب أو الإكراه لذلك عليا التصرف بحكمة وأن أضع والدتي وإياس
في عين الاعتبار , أنا يا أمين أنا تقول عني أني ورطة ورطك شقيقي فيها ؟
سنرى من المتورط ومن الخاسر إن لم أقلب الأدوار وأقلبها عليك لا أكون
سدين , ساعدتها على السير حتى وصلنا غرفة إياس ودخلنا فتوجهت والدتي
له من فورها وبدئت مناحتها رغم أنها تراه أمامها بخير ويضحك أيضا
قال خالي رفعت ضاحكا " من غِيرتها منك حتى المستشفى نامت فيه معك "
ضمها إياس بيده السليمة وقبل رأسها وقال " ليحفظها الله لي
ولتغار كما تشاء ما علاقتكم أنتم ؟ "
ابتعدت عنه حينها ونظرت لخالي وقالت بضيق " هذا ما كنت
أخشاه دائما , ولن تسلم المرة القادمة "
رفع كتفيه وقال ببرود " ابنك أمامك أقنعيه أن يترك الشرطة
وخبئيه معك في المزرعة "
قال إياس بضحكة متعبة " لا هذه مستحيلة "
نظرتُ لساعتي ثم لخالي رفعت وقلت " هيا خالي لتوصلنا في طريقك "
نظر لي بنصف عين وقال " سمعت أن أحدهم سيوصلكما فلما لا ننتظر قليلا "
قلت بحرج وضيق " كلكم واحد , ثم ألن ترى ابنة شقيقك فأنت لا تأتي إلا نادرا "
حرك يده قائلا " ولما تعلم أني أتيت ؟ ستفتح لي مجددا اسطوانة سأذهب معك "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق " ونِعم العم حقا , هل هذا ما تنتظره
منك ؟ وكن مطمئنا فهي أقسمت أن لا تطلبها منك مجددا ولا تذهب معك "
نظروا لي جميعهم باستغراب وقالت والدتي بضيق
" احترمي خالك يا وقحة "
قلت باستياء " لن أسامحكم جميعا على ما فعلتموه بترجمان
ووقوفكم تتفرجون عليها "
كانت ستتحدث فسبقها خالي قائلا " يكفي شجارا في المستشفى ولا
تنسوا أن ابنكم مريض ويحتاج للهدوء والراحة وهيا أمامي كليكما "
خرجتُ حينها قبلهم بخطوات غاضبة حتى وصلت سيارة خالي لحظة
وقوف سيارة أمين بقربي فركبتُ بسرعة وأغلقت الباب بقوة , ليرتاحوا
الآن لم يخرجونا حتى جاء وأدركنا , نزل من سيارته لحظة اقتراب خالي
ووالدتي فتوجه نحوهما وسلم على خالي وتحدثا قليلا ثم غادر هوا جهة
باب المستشفى وأركب خالي والدتي وركب بعدها وانطلق خارجين من
المستشفى ونظر لي في المرآة وقال بلهجة ماكرة " لو تركناه أوصلكم
كاد يترجنا ليفعلها هوا "
نظرت له بضيق ثم عدت بنظري للنافذة متجاهلة له وقالت والدتي
" كم هوا شاب مهذب وخلوق , علمت الآن سبب إصرار إياس عليه "
ابتسمت بسخرية بل كدت أضحك على ما سمعت , مهذب وخلوق ؟؟
ليثك رأيتِ وجهه الآخر لتغير رأيك به , وصلنا المزرعة سريعا ونزلنا
وكانتا رغد وسهاد في استقبالنا وقال خالي " أين ابنة أخي ؟ "
قالت رغد وهي توصل أمي للداخل " في غرفتها , صعدتُ لها وقالت
لا تستطيع النزول وأن رأسها يؤلمها وملامحها كانت متعبة بالفعل "
قلت متوجهة جهة السلالم " هذا كله من كبتها فهي الوحيدة التي
لم تبكي بالأمس "
وصلتُ غرفتها وطرقت الباب ودخلت فكانت غارقة في الظلام فاقتربت
من سريرها ليلفت نظري شريط الحبوب على الطاولة بجانبها ثم نظرت
لها فكانت تبدوا نائمة فغادرت الغرفة مغلقة بابها بهدوء , مسكينة يا
ترجمان ليتك كغيرك تبكي وتولولين وتفرغين ما بك أو يفهموك
ويتفهموا طبيعتك , لكنهما أمران كل واحد منهما أصعب من الآخر
*~~***~~*
فركت يداي بتوتر وأنا أراقب حركة الناس حولنا جالسان على أحد
كراسي الانتظار ننتظر موعد طائرتنا وكل فترة والأخرى يمر أحد
من خلفنا ويهمس بكلمات معينة فنظرت لأواس الشارد بنظره للبعيد ثم
أنزلت يدي وأمسكت بيده بقوة فقال بهدوء " لا تغرسي أظافرك في
كفي يا دُره "
نظرت له باستغراب مطولا فنظر لي وقال " أرخيها قليلا ولا
تدخليها للحمي "
زادت حيرتي وأرخيت يدي فعاد بنظره للبعيد وقال " ما بك ؟
هل تشعرين بالخوف ؟ "
قلت من فوري " ما حكاية هؤلاء الرجال ؟ "
قال ونظره لازال أمامه " رجال القوات الخاصة متنكرين "
تنقلت بنظري في ملمحه بصدمة ثم قلت " وبما يخبرونك ؟ "
قال بذات هدوئه المبهم " رجال جدك ينتشرون هنا ويراقبوننا
من كل اتجاه "
أدرت عيناي دون أن ألتفت ثم قلت برجفة " لما ؟ "
سكت لوقت ثم قال بنبرة غامضة وغريبة " اليوم تحديدا
يريدونك , يريدون أخذك وإبعادك "
زاد ارتجافي وقلت " ولما اليوم "
قال بنبرة ساخرة " انتهى مخططهم وعليك أن تبتعدي عني "
نظرت له بحيرة ولم استطع فهم شيء مما يقول فقال " لا تخافي لن
يؤذوك يا دُره فهم يطبقون الأوامر , ثم هم مراقبون جيدا "
قلت ونظري معلق به " أنا لست خائفة على نفسي بل عليك "
شد على يدي بقوة ثم قال بهمس " قفي "
نظرت له باستغراب فقال بأمر " بسرعة "
وقفت من فوري فشدني بقوة أوقعتني على الكرسي متألمة ونظر
لي وقال بملامح قاسية " قلت لا تتحركي ألا تفهمي "
نظرت له بصدمة فانشغل بإخراج هاتفه من جيبه قائلا " آسف
حبيبتي كي لا يشكوا بنا فمن المفترض أنك مجبرة على البقاء معي "
ثم وضع سماعات الهاتف في أذنيه ودخل في حديث مطول مع أحدهم
حتى أعلنوا وقت رحلتنا فوقف حينها ووقفت معه وغادرنا صالة
الركاب لتبدأ الرحلة التي الله وحده يعلم أين ولما ومتى ستنتهي
المخرج : بقلم الغالية أيفا رمضان
مازل هناك متسع من الوقت والخيارات دائماً موجودة لكننا لا ندركها
فلا مجال للخطاء وعلى سيف الحقيقة أن يقطع الشك بل يقين
وعلى الحرب أن تخذ أوزارها فل حق لنا وإياكم والاقتراب منا
فحصوننا نارية الغضب وان كانت من جليد
فنحن حصون من جليد .....
سلمت يداك
نهاية الفصل .....
دقائق وينزل الفصل الأربعون