الفصل السابع عشر
خرجت ركضا وخوفا عليها من حرارتها المخيفة وارتجافها
وصلت لصالة المنزل وكان أواس ينزل آخر عتبة في السلالم وما
أن رآني راكضة نحوه حتى ركض وتخطاني دون حتى أن يعرف ما
بها وها هوا ظهر الفرق فلك الله يا وجد , تبعته حتى دخل الغرفة وأنا
خلفه , جلس على طرف سريرها ومرر يده من تحت كتفيها وأجلسها
لتسقط متكئة على كتفه ولازالت ترتجف وتتنفس بقوة ولا تعلم
شيئا مما يحدث حولها , ضرب خدها بيده وقال
" دُره افتحي عينيك .... دُرر أنا أكلمك "
كانت المرة الأولى التي يناديها فيها بدُرر أمامي فيبدوا أن دماغه
اختلطت عليه الأمور أو ضن أنها لن تستقبل إلا اسم دُرر !! لكنها
لم تجبه أو تفتح عينيها وبقيتْ على أنينها وارتجافها فقلت
" حرارتها مرتفعة جدا تبدوا مصابة بالحمى "
أبعد شعرها عن وجهها بكفه ثم أمسك رأسها ودسه في حضنه
وقال " أخرجي عمتي وأغلقي الباب "
نظرت له بصدمة وقلت " ماذا ستفعل لها ! خذها للمستشفى "
قال بضيق " لن أقتلها فاخرجي واتركينا "
خرجت حينها مستسلمة للأمر الواقع فإن ناقشته أكثر قد يخرج
غاضبا ويتركها ابن شقيقي وأعرفه جيدا , بقيت في الخارج لوقت
أضع جميع التكهنات لما سيحدث ويريد فعله ولم أنجح فما سيفعله
لواحدة محمومة لا تعي شيئا ولا شيء سوا هذيانها المتكرر , يا
حسرة قلبي عليك يا أواس متى سترتاح ويرتاح من حولك , يبدوا
أنها كبتت كل شيء داخلها حتى انفجرت وهذه الحمى أكبر دليل
والله أعلم منذ متى مريضة وتعاني ولو لم يصر عليا لأراها ما
فعلت لأني ظننتها لا تريد أن ترى أحدا فليلة أمس كانت قاسية
على الجميع وخصوصا هي فكم صرخت وطرقت واستنجدت
وأواس كان لا يجيب عليا وإن لم يرحمنا بأن أخبرني عن مكان
المفتاح لبقيتا هناك حتى وقت عودته وماتت وجد وسُجنت دُرر
بسببها لآخر عمرها فليثه يفكر أنه تهور بما فعل ويبدوا النتائج
لازالت تتوالى ولن تنتهي هناك , بعد وقت فتح الباب وخرج منه
يمسك قميصه في يده يقطر ماءً وحتى قميصه الداخلي مبلل وقال
مارا من أمامي " أعطها خافض حرارة من صيدلية المنزل "
هذا فقط ما فعل وغادر وكأن شيء لم يكن , دخلت لها مسرعة
فكانت على سريرها بروب الحمام شعرها مبلل وبلل الوسادة
وقطرات الماء لازالت تجري على وجهها ونحرها فدخلت الحمام
من فوري وأخرجت المنشفة بعدما جمعت الثياب المرمية فيه
بعشوائية , وصلت عندها ولففت لها شعرها بها وحاولت تجفيفه
قدر الإمكان ويبدوا قل ارتجافها قليلا لكن حالها ما يزال سيئا
ولا تعي شيئا , خرجت من الغرفة مسرعة وتوجهت للصيدلية
المعلقة على أحد الجدران , سحبت الكرسي وصعدت فوقه
وأخرجت منها خافض الحرارة لأننا نضعه فيها فهي مزودة
بنظام تبريد , عدت للغرفة ولم أعرف كيف أتصرف فكيف
سأعطيه لها وهي غائبة عن كل شيء ؟؟ وضعت القارورة
على الطاولة وجلست على طرف السرير وحاولت إجلاسها
كما فعل أواس لتتكئ على صدري وبدأت بضرب خدها برفق
حتى فتحت عينيها قليلا فأخذت القارورة وفتحت غطائها ولأني
لن أستطيع سكبه في ملعقة قربتها من شفتيها وقلت
" افتحي فمك يا دُرر لتأخذي الدواء "
لكنها هزت رأسها رفضا وعيناها منسدلة للأسفل فقلت
بضيق " دُرر هذه صحتك ولن ينفعك أحد فخذي
هذا خافض حرارة ليس إلا "
قالت بهمس حزين ومتعب " لا أريد شيئا "
قربت القارورة لفمها مجددا وقلت " إن كان لي رجاء
لديك فخذيه يا ابنتي أرجوك "
قالت بذات الصوت المتعب " لما لم تقولي الحقيقة هناك
لما كذبتِ عليهم "
تنهدت وقلت " ولما لم تتكلمي أنتي هناك ؟ الجواب
لديك يا دُرر "
رفعت أصابعها ومسحت بهم طرف وجهها ثم مدت يدها
ببطء أمام عينيها وقالت " ما هذا !! "
مسحت على شعرها الرطب وقلت " روب حمام كما ترين فقد
كانت حرارتك مرتفعة وغائبة عن الوعي ولم أعرف ماذا
أفعل حتى جاء أواس وتصرف في الأمر "
انتفضت وهي لازالت في حظني ونظرت لنفسها ثم أمسكت
رقبته عليها بقوة وقالت بصوت مبحوح " أواس فعل هذا "
قلت بهمس " نعم "
حينها دست وجهها في صدري وبدأت بالبكاء فضممت رأسها
بذراعاي وقلت بحزن " نعم ابكي أفرغي ما في داخلك قبل أن
يقتلك يا درر فالكتمان حوّل غيرك لأموات "
*~~***~~*
أنهيت إعداد الغداء على الوقت تماما والحمد لله ثم خرجت من
المطبخ وتوجهت لغرفة الضيوف حيث ترجمان وما أن دخلت
حتى وقفتُ وقلت بصدمة " ترجمان ماذا تفعلين !! "
قالت وهي منشغلة بحقيبتها أمامها " هذه الثياب جديدة
لم ألبسها وسأتركها لك "
تنهدت بيأس منها فيبدوا هذيانها بأنها ستسافر لعائلة والدتها سيطر
عليها ، اقتربت منها وجلست أمامها وقلت وأنا أعيدهم مكانهم
" اتركي عنك هذا الجنون لن يلبس ثيابك أحد غيرك
ولا أريد أي صدقة منك "
رمتهم خارجها وأغلقتها سريعا وقالت وهي تغلق سحابها
" لا أعرف شقيقة تتصدق على شقيقتها وأنتي تحتاجينها هل
ستبقي بهذا الفستان كل حياتك تنتظري ذاك البخيل أن يتصدق
عليك بغيره من المال الذي يكنزه "
تنهدت باستسلام وقلت " لكن ما تفكرين فيه ليس حلا يا ترجمان
من قال أنهم سيستقبلونك هناك أو حتى يعترفوا بك ، إن كان لم يكن
لك جد أو جدة فلا تحلمي أن ينجح ما تفكرين فيه خصوصا
أنك متزوجة لكنا قلنا قد يزوجوك أحد أبنائهم "
قالت بضيق " وهل سيبقى الزواج يطاردني دائما ولا
توجد حلول في الحياة غيره "
قلت بهدوء " ترجمان فكري بعقل قليلا فعمك الأولى بك وقبله
زوجك لا تنسي فأنتي تتصرفين تصرف واحدة طلقها
زوجها وانتهى من حياتها "
قالت بجمود " وسيفعلها بالتأكيد فما يردعه خوفه من رفض
عمي ووالدته وأنا سأختصر الطريق عليه وأصر على
الطلاق فلن يلوم عليه أحد وقتها "
قلت بضيق " وهل يجبروه هوا وسيتركونك أنتي تتصرفين
في الأمر كما يحلو لك ؟ هم سيجبرونك أنتي أيضا وسترضخين "
نظرت لي باستغراب وقالت " سراب هل أنتي طبيعية
هل تتحدثين بجدية "
ثم مدت يدها لجبيني وقالت " تبدين مريضة وتهذين
بمثاليات لا تعرفينها سابقا "
أبعدت يدها عني وقلت بضيق " لا لست محمومة ولا أهذي وأخرّف
أنا لا أريد أن تضيعي في الشارع لأنه لا يرحم يا ترجمان فإن اكتشفتِ
أن عائلة والدتك مجرد خيال في دماغك والحقيقة مفجعة أكثر مما
تتصوري فلن تقبل نفسك أن ترجعي لهم هنا فأنا أعرفك
أكثر من نفسي "
قالت ببرود " لا توجد عائلة تنكر ابنتها "
قلت بجدية " لا تنسي أن هذه الابنة كانت ضائعة من عشرين عام
فحتى شعورهم بانتمائك لهم سيكون ضئيلا زيدي عليه أنك من غير
جنسيتهم وأقولها لك وأعيد إن لم يكن لك جدة تحديدا فلا تغامري
فوحدها قد تشعر بشيء ناحيتك لأنك ابنة ابنتها "
وضعت يداها وسط جسدها وقالت بضيق " سراب ما بك هكذا
تسدين النفس عن الحياة ؟ ما كل هذا النكد والتشاؤم ؟ لم
أعرفك هكذا "
تنهدت وقلت بحزن " معك حق سراب التي تعرفينها كانت ستقول
لك اذهبي ولا تتراجعي وكنت سأفعل مثلك وإن لم يكن لي عائلة
لكني يوم مرض آسر وضننت أنه مات جربت معنى أن تجدي نفسك
بلا أحد ولا شيء لك سوا الشارع فعليك أن تفكري جيدا في الخطوة
القادمة قبل أن تنفذيها يا ترجمان "
قالت بسخرية " يبدوا أن صاحب أنف المسطرة غيرك كثيرا "
قلت بضيق " تسببتِ لي بعقدة من أنفي لسنوات فلا
تعقديني منه الآن يا غبية "
قالت باستغراب " سراب هل أحببته يا حمقاء !! "
رميتها ببعض ثيابها وقلت بضيق " أَحبك غول يا وقحة ومنذ متى
كان الحب ينفع لشيء , وما في هذا المعدوم يجعلني أحبه "
هزت رأسها وقالت " سراب كل شيء فيك يتغير إلا حبك للمال
الذي يبدوا أنك لن تحصلي عليه مهما حاولتِ "
قلت بضيق " من حق أي إنسان أن يحلم بحياة مرفهة , في ماذا
أختلف عن الأغنياء ؟ ليس لهم يد زائدة ولا عين ثالثة والمال يغني
عن الحب أما الحب فلا يغني عن المال ولا يجلبه فما سأستفيد
إن أحببته وعشت حياتي هنا معه حتى الفئران ترحم حالنا ؟؟
سيغدقني بالكلام العذب ليلا ويقتلني وأبنائي بالجوع نهارا "
قالت ببرود " أشعب ذاك لم يتركنا إلا وهوا يغرس فينا
طباعه وأنتي أكثر المتضررين طبعا "
قلت بسخرية " لا يا حبيبة أهلك , من جعلك لصة وشرسة هكذا
غيره , كان يدربك على أطفال الحي حتى أصبحتِ بطل المنطقة
بأكملها وحتى الجدران علمك كيف تتسلقينها وقتل قلبك نهائيا "
رمت يدها بلامبالاة وقالت " اتركينا من كل هذا وجِدي لنا
حلاً غير السفارة لنعرف كيف نجدهم "
هززت رأسي بيأس منها وقلت " لا تبني برجا عاليا قد يقع
عليك إن لم يحصل ما تريدين "
قالت بحزم " لن أرجع لذاك المغرور مهما حدث "
ثم تابعت بابتسامة مازحة " بسيطة إن لم أجدهم أرجع لك
هنا ويتزوجني ذاك البخيل أيضا ما رأيك "
نظرت لها بصدمة ثم انقلبت للخلف أضحك بهستيرية فرمتني بقطعة
من الثياب وقالت " ما يضحكك في الأمر , هذا بدل أن تتضايقي "
جلست مجددا وقلت مبتسمة " وننتظر حتى يطلق ذاك دُرر
ليتزوجها أيضا ونرجع كما كنا سابقا "
ثم قلت ضاحكة " لا أتخيل شكله سيصاب بالجنون منا بالتأكيد
وفي النهاية سيطردنا أنا وأنتي ويبقي دُرر "
ضحكت وقالت " أخاف أن يبقيك أنتي يا غبية ويطردنا نحن "
سمعنا حينها باب المنزل وهوا يغلقه بقوة فتوقفنا عن الضحك
فجأة وقالت ترجمان بهمس " جيد أن باب منزلكم هكذا لكان
دخل دون أن نعلم وسمعنا "
وقفت وقلت ممسكة ضحكتي " وليسمع .. نحن لم نقل
شيئا نبحث له عن عروس فقط "
ثم خرجت وكان هوا داخلا يتحدث في هاتفه متوجها ناحية
غرفته ويقول " لا اتركيها أنا تحدثت معهم وأخذت لنا موعدا
هذا الشهر وغدا سأمر بكم لا تأخذوها لؤلئك المشعوذين
وتصدّقوا أنه دواء أعشاب "
ودخل الغرفة واختفى صوته هناك وأنا أنظر له باستغراب , من
هذه وأين سيأخذها بل من التي يتحدث معها ؟؟؟؟ رفعت كتفاي
بلامبالاة ودخلت المطبخ وجهزت طعامه على الطاولة وجهزت
آخر لي وترجمان ثم خرجت لآخذه للغرفة وكان هوا جالسا ببذلته
ويأكل , أستغرب حقا حاله بهذه البذلة والنجوم على كتفيه ويدخل حيا
كهذا ؟؟؟ صورتين لا يتطابقان أبدا , لو كنت شخصا مارا من هنا
ورأيته لكنت ضننت أنه قادم للقبض على أحدهم , والأعجب أن أهل
الحي يبدوا يعرفونه جيدا فكم مرة يطرقون الباب في الليل طلبا لنجدته
في أمر ما بما أنه ضابط وسيتصرف سريعا فكيف اقتنعوا بهذه الطفرة
في حياتهم !!!!! دخلت الغرفة وأغلقت الباب ووضعت الطعام وما
أن جلست حتى نادى " سراااب "
فلويت شفتاي ووقفت وخرجت له فقال وهوا ينظر لصحنه
" أين الماء "
تحركت للمطبخ دون كلام فلا أريد أن أُسمع صوتنا لترجمان
يكفيني ويكفيها ما بنا , فهل هوا لا يعرف مكانه مثلا أم يريد أن
ينكد علي طعامي , وضعت له الماء على الطاولة وعدت للغرفة
في صمت دخلت وأغلقت الباب مجددا وجلست أمامها وقلت
" لا يشبه طعامكم هناك طبعا لكن لا يوجد لدينا أفضل منه "
قالت مبتسمة " لا تنسي أننا عشنا سويا ونعرف ماذا كنا نأكل
هل سأتبطر على شيء عشت عليه "
تنهدت وقلت بحزن " حتى هناك لم يكن طعامنا هكذا "
قالت بتوجس " وما تخططين بشأنك ؟ أنتي لم تخبريني بشيء
ويبدوا أنك تتركيها مفاجأة للجميع "
هززت رأسي وقلت " لم أترك شيئا لم أفكر فيه ولا حل لي فلا
أهل عندي ألجأ لهم سوا عم مات لا أعلم من تكون عائلته , وماذا
إن فررت من هنا أو جعلته يطلقني ثم هم طردوني ولم يستقبلوني
وحتى والدتي يرفض أن يقول لي شيئا عنها ولا أعلم حية أم ميتة "
كانت ستتحدث لولا أوقفها صوته المنادي " سرااااب "
فأمسكت ضحكته بيدها وقالت " اذهبي له يبدوا لا يطيق فراقك
وأنا أفسدت عليكما "
رفعت الوسادة ورميتها عليها ووقفت وخرجت , كنت أعلم أنه
يتعمد هذا فإن كان غرضه إزعاجي فقد اعتدت لكن المصيبة أن
يكون يريد بكل هذا أن تفهم ترجمان أنه عليها المغادرة , وقفت
عند الباب بعدما أغلقته خلفي فقال ونظره على صحنه
" تعالي أجلسي "
نظرت له بصدمة فرفع نظره لي وقال " سمعتِ أم أعيد "
اقتربت منه وقلت بصوت منخفض " سمعت وعليا أن
أتناول الطعام معها فهذا لا يجوز "
وضع الملعقة ووقف وقال " ومن قال أني أريدك أن تأكلي معي
كنت أريد أن أسألك عما حدث بينهما وما فهمتِ منها "
لففت نحوه وأمسكت يده وسحبته لغرفته وأغلقت الباب خلفنا
وقلت بضيق " يبدوا أنك تريد أن تسمعنا وتغادر , لا
تخجلني مع صديقتي يا آسر رجاءا "
وضع يداه وسط جسده وقال بضيق " لن تعلميني أنتي التصرف
بنبل وآداب التعامل مع الناس وتعلمين جيدا أني اليوم لن أستطيع
المجيء هنا بعد هذا الوقت وإياس هاتفه ما يزال مقفلا ولن يرجع
قبل صباح غد وعلينا أن نفهم لنعرف كيف نتصرف "
قلت بجدية " لو كنت مكانها هل كان يرضيك أن أحكي عن
مشاكلنا لصديقك , أنا وأنت لا دخل لنا في شيء ولن يلومك
صديقك إلا إن أخرجتها من منزلك ولن يجدها أحد بعدها
فأنا أكثر من يعرف ترجمان "
ثبت نظره على عيناي وقال " لو كنتِ أنتي مكانها لما
رضيت حتى أن تحكي لها هي "
كانت نظرته ونبرته مقصودة جدا فهل يقصد بها أن ترجمان
أخطأت بأن حكت لي أم يقصد أنه عليا أن لا أتصرف مثلها إن
مررنا بنفس الموقف ؟؟ وضعت يداي وسط جسدي مثله وقلت
" لعلمك فقط أنه لا توجد فتاة لا تحكي لأهلها عن سبب تركها
منزل زوجها وشجارهما ونحن لا عائلة لنا غير بعض "
ثم رفعت سبابتي وقلت " وشيء واحد فقط أريد قوله لك
أني لو كنت مكانها لفعلت مثلها وأكثر ولا أتخيل أن تفعلها
لأنها حسنتك الوحيدة عندي "
نظر لي باستغراب أو استفهام ثم قال " ماذا حدث بينهما يا
سراب فيبدوا الموضوع لم يصل لعمها فدعينا نقتصر
الشر من أوله "
قلت بجدية " وتجد فيك زوج الشقيقة المعين أم لا "
بقي ينظر لي بصمت فقلت مغادرة " إذا لا داعي لأن تعلم "
أمسك يدي وأوقفني قائلا " لن أعتبرها إهانة منك يا سراب
فلم أَرد حتى الذين لا أعرفهم لأردك فيها "
التفت له وقلت ونظري مثبت على عينيه " ضَرَبها فأرني
أنك لست مثله ولن تقف معه "
قال بهمس مصدوم " ضربها !! "
قلت بجدية " نعم وهي تريد الذهاب لعائلة والدتها ولن ترجع له "
اجتازني وفتح الباب قائلا بضيق " جن إياس هذا بالتأكيد فما
سيخلصه من عمها الآن "
ثم غادر وتركني أكاد أجن من الغيظ , هل هذا ما يعنيه في
الأمر أن عمها لن يرحمه وفي النهاية فكر فيه هوا وليس هي
*~~***~~*
أصبح الأمر كله أشبه باللغز فمنذ اتصلت والدتي ببسام من هاتفي
ولم تقل له شيئا بل وأغلقت الخط وهي صامته وتنظر لي بنظرات
لا أفهمها ولم ترجع هاتفي لي ولا تتحدث عن السبب وكل ما قالته
( أتركوه يأتي ولكل حادث حديث ) وأنا في حيرة من أمرها
ولا أفهم ما حدث جعلها هكذا !!!
كنت أطعم ندى غدائها حين مرت من خلفي قائلة
" أعطي ابنتك لسدين واتبعيني لغرفتي يا رغد "
يبدوا أنها ستنطق بالجوهرة أخيرا وترحم نفسها وترحمني من
نظراتها الغير مفهومة , وقفت وقلت " سدين أطعميها ولا
تكثري لها كعادتك وتتسببين لها بالإمساك "
قالت وهي تنظر خلفها " حسنا لكن ما بها أمي حتى
الغداء لم تتناوله معنا "
غادرت قائلة " يبدوا أن مشكلة ابنها وزوجته تشغلها "
غادرت جهة غرفتها ودخلت فقالت " أغلقي الباب وتعالي "
أغلقته واقتربت منها وجلست على الكرسي المقابل لها وقلت
" ما بك يا أمي منذ تحدثتِ مع بسام حالك لا يعجبني
وتحجرين على هاتفي "
رمته على الطاولة أمامي وقالت " من أين يعرف بسام رقمك
وأنتي قلت أنك لا تملكين أرقامهم "
نظرت لها بصدمة وقلت " من !! أنا "
قالت بضيق " لا أنا , هوا ذكر اسمك ما أن فتح الخط وانظري
كم مكالمة بعدها وهوا يتصل بك ولم أجب عليه فتكلمي ما بينكما "
شهقت بقوة ووقفت على طولي وقلت بصدمة " تشكين بي يا
أمي !! أكلم ابن عمي وأنا متزوجة ! هل تريني بهذا السوء "
ضربت يديها على بعض وقالت " من تفعلها مرة تفعلها ألفا "
شعرت بعبرة غصت في حلقي بل وحرقة في قلبي ومن أعز
الناس لدي وأقربهم فكم سيتكرر من مصطفى في حياتي ؟؟
قلت بعينان تمتلئ بالدموع " هل هذا تفكيرك بي ؟ لن ألوم
على مصطفى إن كنتِ أنتي والدتي تقولين هذا "
قالت بحدة " وكيف عرفه ها أخبريني , هل تعلمي ما ستكون
النتائج إن علم شقيقك , حتى متى ستتصرفين بطيش "
خرجت ركضا من غرفتها ودموعي تعبر خداي ولم أتوقف حتى
وصلت غرفتي وأغلقتها خلفي ونزلت على الأرض أبكي بمرارة
وحرقة وها هي نتائج خطئي ستتبعني لآخر عمري وسيبقى الجميع
ينظر لي نظرة المشوهة من الداخل التي لن تتوقف عن ارتكاب الذنب
الذي فعلته يوما وباقتناع منها , طرق أحدهم على باب الغرفة فلم أجب
فطرق بقوة أكبر فوقفت ومسحت دموعي وفتحت الباب فكانت الخادمة
وفي يدها هاتفي وكان يرن وهوا على الوضع الصامت وقالت
" السيدة الكبيرة قالت أعطيه لك وقالت لك ارحميه قبل أن يأتينا هنا "
نزلت دموعي مجددا وأخذته منها وأغلقت الباب ورميته على السرير
بطول يدي وجلست على الأرض وعدت للبكاء , من حقها أن تشك
بي فزيادة عن أني فعلتها مع مصطفى سابقا هي تعلم كالجميع أن بسام
سبق له وخطبني لكن الكارثة أن يكون ظنها بي أني أكلمه الآن أو بعد
زواجي وأنا في منزل زوجي , بعد قليل وقفت وتوجهت للهاتف الذي
لا تتوقف شاشته عن الإضاءة ورفعته ومسحت أنفي بظهر كفي وفتحت
الخط ووضعته على أذني فجاء صوته قلقا " رغد ما بك تتصلين بي
ثم تغلقين الهاتف في وجهي ولا تجيبي على اتصالاتي "
قلت ببحة " من أين علمت أنه رقمي أنا "
سكت قليلا ثم قال " ابنة عمي كيف لا أعرف رقم هاتفك "
قلت بعبرة بدأت تخنقني " وإن يكن فهل تعرف أرقامنا جميعا , والدتي
كانت من اتصلت بك بهاتفي لأن إياس هاتفه مقفل وحين سمعت
اسمي منك ظنت أني أكلمك لذلك تعرف رقمي وتسببتَ لي
بمشكلة معها ولن تصدقني مهما قلت "
قال بصوت هادئ " أنا آسف حقا "
قلت بحدة " وما أفعله بأسفك ؟ ماذا إن كان زوجي من فعلها أو أخي
إياس هل فكرت في نتائج فعلتك هذه ؟ وها أنا أصبحت مشوهة
الصورة لدى والدتي بسببك ولن تصدقني مهما قلت لها "
قالت بذات هدوئه " سأكلمها وأفهمها كل شيء , فقط
توقفي عن البكاء "
قلت بضيق وببكاء أشد " نعم زدها على ما فيها من تعقيد
فما ستفكر فيه غير أني اتصلت بك وأخبرتك "
قال بصوت خجل " حسنا كيف أصلح كل هذا أقسم أني جننت حين
رأيت رقمك يتصل بي وإياس معي هنا وظننت أن مكروها أصابكم
ولم أعرف ما أفعل ولا أستطيع إخباره وكنت سأغادر المزرعة
للتو وأذهب لكم "
شهقت بقوة وقلت " وهذا ما ينقصني , أقسم أن تذبحني والدتي أو
تخبر إياس , أنت من أي مصيبة حللت علي "
قال ببعض الضيق " قلت آسف ومستعد أن أفعل ما تريدين "
قلت بحدة " لا أريد شيئا سوا أن تنسى رقم هاتفي واسمي من الوجود "
ثم أغلقت الهاتف في وجهه ورميته مجددا على السرير وارتميت
بجانبه أبكي بمرارة أشد
*~~***~~*
صَف الأوراق أمامي وقال " هذا كل ما وصلنا منهم
ولم نعطهم ردا "
جمعتها وشققتها ورميتها في سلة المهملات وقلت بحدة
" ألف مرة قلت صفقات مع مصارف تعمل بالفائدة لا أريد
ويضنونني طفلا ويموهون الشروط , لا يعنيني أنها صفقة
لسيارات معرضي وسمعته , تعجبني التجارة الفردية "
ثم رفعت هاتفي قائلا " غادر الآن "
غادر من فوره وأجبت على رقم عمتي التي كانت تتصل وقالت
ما أن فتحت الخط " حلفتك بالله يا أواس تأتي وتأخذ زوجتك
للمستشفى أتعبتماني أنت وهي ولعلمك حرارتها في تزايد ولم
تجدي في شيء تلك الجرعة الصغيرة التي أجبرتُها عليها فهي
تحتاج لحقنة تطفئ هذه النار المشتعلة "
قلت بضيق " قادم قادم فلتلبس عباءتها وحجابها لا
أريد أن أتأخر لدي موعد مهم "
وخرجت بعدها من المعرض وركبت سيارتي وغادرت لتعاودني
صورتها اليوم وهي ترتجف في حضني وتردد عبارات كرهها لنا
ولوجودها معي , فقط يا دُره أسابيع معدودة فقط جعلتك تكرهين
كل شيء ولم تري فيها شيئا مما رأيت فما سأقول أنا ؟ متى ستتوقفين
عن جرحي عن جلدي بصوتك الذي لا يرحم فإن كان في صغرك
أذاه لي فاق الجسد فهوا الآن كسوط من نار يضرب بلا رحمة
وصلت المنزل ونزلت ودخلت بخطوات سريعة وكانت عمتي تسندها
لتخرجها جهة الباب ورأسها للأرض فاقتربت منهم وأمسكت ذراعها
وشددتها منها وملت لأمرر ذراعي من خلف ساقيها وحملتها بين
ذراعاي بخفة وتوجهت بها ناحية الباب وعمتي تتبعنا قائلة
" سأذهب معكما مؤكد سيعطونها مغذي وأنت لديك موعد "
قلت وأنا أخرج من الباب " لن أغادر من هناك حتى أحضرها
معي ولا داعي لذهابك يا عمتي "
خرجت للسيارة أركبتها في الكرسي بجانبي وركبت وغادرنا
وقلت بضيق " لا أعرف أحدا يعبث بصحته مثلك , هل أنتي
طفلة ترفضين الدواء , ماذا تريدين بهذا ؟؟ تموتي وترتاحي
من الوحش أواس "
اتكأت على النافذة وحضنت نفسها بذراعيها وقالت بصوت
ضعيف " لست أنا من تخسر دينها وآخرتها وتقتل
نفسها من أجل أي شيء "
قلت بضيق أكبر ونظري على الطريق " وبما أفسر تصرفاتك ؟
هذه ثاني مرة ترفضين شيئا من أجل صحتك , إن أخبرك عقلك
أني بلا هموم فانتقمي منه وكدري حياته فقد أخطأ "
قالت بشبه همس " لا أعرف أحدا يشتكي من هموم هوا سببها "
لأنفجر حينها غاضبا " لا تردي عليا الكلمة بمثيلتها يا دُره
وقلت ألف مرة تجني غضبي وإغضابي ولكني كأني أشرح
للجدار "
انكمشت حينها على نفسها ودخلت حالة الصمت التي تلازمها
عندما يثور فيها أحدهم غاضبا وكل هذا بسببه بسبب ذاك الجد الحنون
المحب لحفيدته , وصلنا عندها للمستشفى ونزلتُ ونزلتْ هي وحدها
تحاول المشي مستندة بالسيارة فلففت نحوها وحملتها مجددا وقلت
سائرا بها جهة باب المستشفى " وناقشيني الآن وارفضي وقسما
أن تري أواس لم تراه ولا وجد "
لتفاجئني حينها بأن لفت ذرعاها حول عنقي ودست وجهها
فيه وقالت بهمس " أقسم أني موجوعة ولا ينقصني أوجاع أكثر "
كنت أشعر بحارة خدها المشتعل ملامسا لخدي وتنفسها القوي
الساخن يلفح عنقي بل أشعر بأشياء أكبر وأعمق وأقوى بكثير
مما تخيلت أشياء جعلت أواس يدخل من الباب الرئيسي للمستشفى
بدلا من باب الطوارئ لنصبح فرجة للجميع وكأننا في فيلم هندي
أوصلتها قسم الطوارئ ودخلت بها للغرفة وأنزلتها على السرير
واقتربت منا إحدى الممرضات فشددت الستار عليها وقلت
" أخبري الطبيب خالد عمران يأتي هنا "
قالت من فورها " دعني أرى إن كانت تحتاج فعلا لطبيب "
قلت بضيق " قلت أخبريه يأتي وقولي له أواس سالم مجدي
يطلبك في هذه الغرفة تحركي "
غادرت من فورها تتمتم بضيق ووقف الجالس هناك مع المرأة
النائمة على السرير وشد الستار عليها وكأنه يقول لي واحدة
بواحدة لا ترى أنت أيضا زوجتي فرفعت الستار قليلا ودخلت
معها ووقفت عند سريرها وهي شبه مغمضة عينيها ووضعت
يدي على جبينها فقالت بشبه همس " أريد طبيبة أواس
ليس طبيبا أرجوك "
أبعدت يدي وقلت " سيرى حرارتك ويحقنك بإبرة فقط وأنا معكما "
قبضت بيدها على غطاء السرير وقالت " ألن يرى نبضي وتنفسي
بسماعته ويكشف عني , أريد طبيبة أو ممرضة لا أريد رجلا "
خرجت حينها من عندها وكان الطبيب خالد داخلا الغرفة
فصافحني وقال مبتسما " مرحبا أواس يا محاسن الصدف "
قلت ببرود " محاسن صدف وأنا من طلبتك "
قال بذات ابتسامته " مررها يا رجل , أخبرني من معك مريض "
وضعت يداي في جيوبي وقلت " زوجتي ولا تريدك فأرسل
لنا طبيبة تعرفها جيدة "
ضحك وقال " طردة معتبرة ولكن لا بأس سأرسل لك واحدة
فورا , هل تأمرني بشيء آخر "
هززت رأسي بلا فقال مغادر " أنا في الطابق الثالث إن
احتجت أي شيء "
وخرج وأغلق الباب خلفه وعدت أنا ناحيتها ووقفت مستندا
بالجدار عند رأسها وما هي إلا لحظات وانفتح الباب وسمعنا
صوت أنثوي قائلا " أواس مجدي هنا "
قلت وأنا واقف مكاني " نعم هنا "
فدخلت واقتربت خطواتها منا حتى أبعدت الستار واقتربت ووضعت
جهاز قياس الضغط على الطاولة بجانبي ثم جلست على طرف السرير
وأخرجت مقياس الحرارة من جيبها ووضعته لها في فمها وقالت
" منذ متى ارتفعت حرارتها "
قلت مباشرة " منذ الصباح "
نظرت لي وقالت بصدمة " منذ الصباح وحتى المساء لتحظرها "
قلت ببرود " هكذا كانت الظروف "
أخرجت مقياس الحرارة ونظرت له وقالت " أوف أربعون
وشرطتين كدتِ تحترقين "
قاست لها ضغطها وكشفت عليها سريعا ثم أخرجت حقنة من
الدرج وقالت " هل أنتي حامل ؟ "
فنظرت أنا للجانب البعيد لتهمس هي " لا "
قالت الطبيبة " علينا أن نتأكد إذاً "
قالت بصوتها المتعب الهامس ذاته " لست حاملا فأنهي
عملك بسرعة أرجوك "
قالت بجدية " آسفة علينا التأكد أولا فلست على استعداد
لتحمل المسئولية "
ثم أخرجت ورقة من جيبها وقلما وقالت " متى كانت أخر دورة لك "
ليشتعل وجهها احمرارا فوق احمراره بسبب الحرارة فقلت بضيق
" أنا أتحمل المسئولية فأنهي عملك "
تنهدت حينها وقالت وهي تركب رأس الحقنة " لا تنسى كلامك
هذا حينها فإن كانت حامل فالخطر سيكون كبيرا عليها وعلى ابنك "
ابني !! بدت الفكرة سخيفة وساذجة ليس لأني لم أقربها بعد لكن لأنه
لن يكون لي ابن وأنا لم أتصافى مع أحد فكما كان ذاك قراري وقت
زواجي بوجد وأجلتهم برغبتي سيكون الأمر الآن ولن أنجب منها ابن
يربيه غيري وتتكرر معه مأساة والده , يوم تصيرين لي بالفعل يا
دُره سنفكر جديا في الأبناء , يوم يموت جدك ذاك من ماضيا قبل
حاضري وينسى عقلي صورتك وأنتي تجلدينني ويصبح في قلبك
لي نصف ما كان في قلبي لك سنعطي فرصة لشيء يربط بيننا أما
الآن فمستحيل أن يكون ذاك منك أكثر من غيرك , حقنتها بحقنة
وسكبت أخرى في المغذي وحقنتها به وقالت " من الأفضل أن تبقى
تحت المراقبة الليلة فنبضها أيضا غير مستقر وضغطها منخفض
ويمكنك إخراجها صباحا "
ثم قالت مغادرة " سأزورها فيما بعد يمكنك تركها هنا وكن
مطمئنا عليها "
وخرجت من الغرفة فنظرت لها حين رفعت يدها بصعوبة
لوجهها تحاول سحب حجابها للأمام فنظرتُ بتركيز للأثر
في ظهر كفها ثم مددت يدي ولمسته برفق وقلت
" من ماذا هذا ؟؟ "
فسحبت يدها سريعا وقالت " جرح بسيط من ليلة أمس "
أمسكت يدها ونظرت لها وقلت " هل حاولت جرحك أو
قتلك ... تكلمي "
سحبت يدها من يدي وقالت بهمس " لا كان بالخطأ "
مددت يدي أمام وجهها ولا زلت واقفا خلف رأسها وقلت بأمر
" أعيديها هنا "
رفعت رأسها ونظرت لي ثم أعادته للأسفل فقلت بحزم
" قلت أعيديها "
فرفعت يدها ببطء ووضعتها في يدي فقبضت عليها بقوة وقلت
" ليكن هذا في علمك يا دُره الشيء الممنوع عني يكبر كثيرا
في رأسي وأفعله مهما كانت النتائج "
قالت بهمس " فهمت "
أرخيت حينها قبضتي عليها دون أن اتركها ومضى الوقت ونحن على
صمتنا ويدها لازالت في يدي وإبهامي يتحسس نعومة بشرتها حتى
نامت ويبدوا من أثر الحقنة وشيء ما مازال لا يطاوعني لأترك يدها
فيبدوا مسألة العناد لم تكن سوا حجة , ابتعدت عن الجدار ووضعتها لها
بجانبها ممدودة ونظري على ملامحها الساكنة وتنفسها الذي لم ينتظم
بعد وخداها اللذان لازالا محمران بشدة , وضعت يدي على جبنها فكانت
حرارتها انخفضت عن السابق , هيا اذهب يا أواس انتهت مهمتك حتى
حرارتها تأكدت منها بنفسك فماذا تنتظر , ولكن ما أكثر ما يتجاهلني
عقلي مهما قلت , مددت يدي ببطء لوجهها لتلمس أطراف أصابعي
شفتيها وشعرت بشيء كلسعة البرد فأنزلتهم لذقنها وأمسكته وملت لهما
وكانت بالفعل القبلة الأغرب رغم أنها لا تسمى قبلة في قاموسي ومعها
خصوصا , ابتعدت سريعا وتركتها وخرجت وغادرت المستشفى فقد
تأخرت على الرجل الذي ينتظرني منذ وقت وسأرجع فيما بعد
أخرجت هاتفي وأجريت اتصالا وأنا أخرج من الشارع فأجاب صاحبه
سريعا فقلت مباشرة " زوجتي ستنام عندكم الليلة فأريدها في غرفة
مستقلة قريبة من هناك لا أريد أن يتجولوا بها في جميع الممرات "
قال ضاحكا " أراها أولا إن كانت من الحسن ما يستحق نقلتها
في الغرفة المجاورة "
قلت بضيق " خالد تعلم أني أكره المزاح في هذه الأمور ووفر
علينا زيارتك لها "
قال ضاحكا " لا تقلق وسأنقلها فورا "
قلت " وأريد ممرضة معها لدي مشوار ضروري وسأعود
تكون معها لبعض الوقت فقط "
أنهيت بعدها المكالمة معه وغادرت حيث وجهتي المحددة
لأرجع للمستشفى , لا أعتقد أن جدها وضع من يراقبنا لكن
الاحتياط واجب وسيجدها فرصة مواتية لأخذها وإخفائها وإن
كان لا يستطيع إخراجها من البلاد
*~~***~~*
وقفت مقابلا له وهوا واضعا يديه وسط جسده وقلت
" هل سنغادر الآن "
نظر جانبا وقال " غادروا أنتم أنا سأبقى اليوم أيضا وأغادر
من هنا لعملي فجر الغد "
بقيت أنظر له بصمت واستغراب من حاله وحال الأغلبية هنا فصديقه
غادر ليلتنا الأولى هنا دون أن يعلم أحدا ولم يتحدث مع أحد طوال بقائه
هنا وإياس حاله ليس أفضل منه يثور بسهولة ولو مازحته فقط لألحق بهما
أنا منذ مكالمة رغد لي بالأمس لتقلب مزاجي من التوتر والقلق بادئ الأمر
للمزاج المعكر بعدما أجابت علي , تُلقي عليا باللوم ورقمها من اتصل بي
كيف كنت سأعلم أن والدتها من اتصلت ولما لم تتصل بهاتفها هي ؟؟
ظننت أن آخر جراحك لي يا رغد يوم رفضتني وتزوجت بذاك ورغم
كل شيء كدت أجن من الفرحة حين علمت بخبر طلاقك القريب دون
حتى أن أتحقق من صحته لكنك وعلى ما يبدوا لا تستحقين ولا تتغيري
أبدا , شعرت بيد أمسكت بكتفي وصوت عزام قائلا " ما هذه الرحلة
المأساوية ؟ أنت من جلبنا من أجل موسم تزاوج الخيول ومتحمس
للأمر ولم تذهب معنا لهم "
نظرت للأرض وتنفست بقوة وقلت " شعرت ببعض التعب
وسأكون أولكم في المرة القادمة "
قال إياس " أنا سأغادر غدا من أراد أن يبقى معي فليبقى "
قال عزام مبتسما " إذا أنا أول الباقين "
نظرت للقادم من هناك باستغراب وقلت " أليس ذاك صديقك
المدعو آسر قادم هنا "
التفت له في الفور وقال " غريب اليوم ينتهي عمله فما أحضره !! "
*~~***~~*
رغم أني لم أكن أعي شيئا لكني شعرت بنفسي نمت كثيرا ولوقت
طويل , كان يوم الأمس قاسيا جدا بل أقسى ما مررت به حتى الآن
منذ عرفت الدنيا , موت ودماء وقسم شرطة وتُهم ثم حمى جعلت
جسدي يتقطع من الألم وكم أخشى أن يكون القادم أسوء من هذا
بكثير , فتحت عيناي ببطء ونظرت جانبا فكنت في غرفة أخرى
ومكان آخر فيبدوا أني لم أنم فقط بل كنت شبه ميتة ولا أعلم من
حولي شيئا , كان ثمة باب هنا يخرج منه صوت ماء يتدفق بقوة
ويبدوا حماما لكن من الذي في الداخل ؟؟ تساندت بمرفقي وجلست
ببطء واتكأت على ظهر السرير ليلفت نظري الخصلات البنية على
كتفي فرفعت يدي لرأسي لأكتشف أني بلا حجاب وبلا مشبك شعر
أيضا فاتكأت برأسي على الجدار وأغمضت عيناي بقوة , علمت الآن
من في الحمام هنا ... من خلع ملابسي بالأمس وفعلها اليوم مع حجابي
وعبث بشعري كما يريد , ليثني أفهمك يا أواس وترحمني فلم يتعبني
شيء في حياتي مثل وجودي معك وكأني لم أعرف يوما معنى الحزن
الخوف الترقب التوتر والضيق والهموم ؟ كل شي وكأني لم أجربه سابقا
رغم أني مررت بأضعاف هذا وضننت أنه لم يعد يؤثر بي شيء , توقف
صوت الماء في الحمام فعدت للإضجاع على السرير وأغمضت عيناي
فانفتح الباب وخرج منه وصوت تمتمته متشهدا أسمعه بوضوح فيبدوا كان
يتوضأ , تحرك بعدها قليلا في الغرفة ثم سمعت صوت تكبيرته المرتفعة
وقراءته لسورة الفاتحة ففتحت عيناي ونظرت جهة الصوت فكان موليا
ظهره لي ويصلي على بلاط الأرضية بلا حتى سجادة فما يضطره لكل هذا
لما لا يذهب للمسجد أو حتى مصلى المستشفى هنا !! لما لا يريد الخروج
ولا من أجل الصلاة هل يخشى أن أهرب منه ؟؟ نظرت للسقف وفكرت
قليلا في هذه الصلاة الجهرية ثم جلست مجددا حين أدركت أنها ستكون
صلاة الفجر وأنا لم أصلي بعد المغرب شيء , وقفت بصعوبة وتوجهت
للحمام بخطوات بطيئة حتى وصلت ودخلت وأغلقت الباب واتكأت عليه
أتنفس بقوة لا أعلم من تبعات الحمى أم من التوتر الذي يلازمني دائما
كلما كنت وهذا الرجل في مكان مغلق علينا , تحركت جهة المغسلة وكان
هناك كرسي فجلست وتوضأت ثم خرجت وكان هوا جالسا يتمتم بالتسبيح
وقدميه منصوبتان تحته فتوجهت لعباءتي رفعتها وقلت وأنا البسها
" جلستك خاطئة , كيف تصلي ناصبا قدميك هكذا "
وقف وقال " سآخذ منك دورة في طريقة الصلاة فما رأيك "
رفعت حجابي وقلت وأنا ألفه ببطء " لا مانع لدي تكسب أنت
أن تكون صلاتك صحيحة وأكسب أنا أجرها كلما صليت أنت
والله يضاعف لمن يشاء "
كنت مولية ظهري له فسمعت خطواته تقترب مني ليزيد جنون دقات
قلبي وتوتري أكثر فليثني أفهم فقط ما يحدث معي ؟؟ لما هذا الرجل
يعبث بي هكذا وكأن قلبي أوتار آلة موسيقية يحركها كيف يشاء بل
بجنون كلما شعر به يقترب مني , أغمضت عيناي بقوة وقلت ما أن
وصل عندي " لا توبخني على أمر فيه مصلحة دينك يا أواس
فأنا لم أرى نفسي أفضل منك "
شعرت حينها بيديه التي أمسكت ذراعاي ليزيد من طبول الحرب
في قلبي ولا أعلم مدى ضرباته فكل مرة أقول أنه لن يصل لمقدار
أعلى من هذا الجنون أبدا ويأتي ويفعل شيئا يجعله يزداد جنونا
وتوترا , لفني ناحيته سريعا ثم قال " افتحي عينيك وانظري لي "
فتحتهما لأجد وجهه أمامي وضغط على ذراعاي ونظره مركز
على عيناي وقال " هل تعلمي لما أصلي هكذا ؟؟ "
هززت رأسي بلا وتوجس قوي يعبث بي فأنا أعلم جيدا متى تحظر
هذه النبرة في صوته , الماضي .... نعم وحده من يجعله يتحدث هكذا
رفعت يدي ووضعت أطراف أصابعي على شفتيه وقلت ناظرة لعينيه
" لا تقلها ... ليس أنا السبب أرجوك يا أواس "
رفع يده وأمسك يدي وأنزلها ببطء حتى وضعها على قلبه لتسري
دقاته في عروقها وتضرب أذناي , كانت هادئة ومنتظمة فلما وحدي
يجن جنون قلبي لاقترابه فلو وضع يده عليه الآن لارتعب من حاله
ضغط علي يدي وقال بشبه همس " ولن تسألي مجددا لما أصلي هكذا "
هززت رأسي بلا وقلت بهمس " حرّمت فعل ذلك "
ابتسم حينها ابتسامة صغيرة وترك يدي على قلبه لتنتقل يده لوجهي
وأبعد الخصلات المتمردة من شعري عليه وقال " من دون أن
تعرفي إن كانتِ أنتي أو لا ؟؟ "
امتلأت عيناي بالدموع وهززت رأسي بلا فمرر أصابعه في شعري
وشدني له ببطء وانحنى لشفتاي فوصلت بقلبي المواصيل حينها وكان
سيخرج من بين ضلوعي وكأنها أول مرة يقربهما , وما كانت تلامست
شفتينا حتى طرق أحدهم الباب فانتفضت مبتعدة عنه وتوجه هوا ناحيته
قائلا " تمنيت أن مسحنا بها هذه المرة سوء الذكرى لكن ثمة
أشياء دائما تحول بينها يا دُره هل لاحظتِ ذلك "
كنت أريد قول شيء بل قول الكثير لكنه لم يترك لي أي مجال
بفتحه لمفتاح الباب فلما يغلقه بالمفتاح وهوا معي ملازم لي !!
أدار المقبض وفتح الباب ودخلت تلك الطبيبة قائلة بابتسامة
" صباح الخير "
لم يصلها الرد من أواس طبعا فقلت بهمس " صباح النور "
اقتربت مني قائلة " دعيني أقيس نبضك وحرارتك وضغط
دمك لتخرجي الآن "
رفعت لحاف السرير وقلت وأنا أطويه ليصبح سجادة
" اتركيني أصلي أولا "
قالت هامسة بابتسامة " تغلقان الباب عليكما وتتذكرين
الصلاة الآن "
شعرت بالدماء في جسدي جميعها صعدت لوجهي فهربت بنظري
للأرض وقلت بهمس " هذا ليس مكانه نحن زوجان ولنا منزل
لسنا عاشقان نتتبع خطى الشيطان في الأماكن العامة "
قالت مبتسمة " كنت أمزح فقط ما بك استأتِ هكذا "
" ماذا هناك "
كان هذا صوت أواس الجاد الحازم دخل على حديثنا الهامس
فأمسكت الطبيبة بذراعي وأجلستني على السرير قائلة بهمس
" ورطتني مع زوجك الآن , يبدوا أنه لا يعرف يمينا
من يسار وسيضربني "
ابتسمت ابتسامة مجاملة صغيرة ولم أتحدث فقاست حرارتي
ونبضي وضغطي ثم قالت وهي تجمع أشيائها " كل شيء مضبوط
سأكتب لكم ورقة الخروج ولا تنسي سيدة دُرر خذي العلاج
بانتظام وابتعدي عن الإجهاد "
ثم عادت للهمس مجددا وقالت " صحيح أنتي اسمك دُرر أم دُره "
نظرت لها بصدمة فغمزت لي وقالت بذات همسها
" الرجال من هذا النوع لم يعودوا موجودين فخافي عليه
من أعين الناس "
ثم قالت مغادرة " حمدا لله على سلامتها "
ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها , كله بسببه يناديني باسم مشتق
من اسمي يضنونه يدللني حد أن يناديني به أمام الجميع ويغلق
الباب علينا بالمفتاح ولا يهتم لأحد رغم أنه يعلم ما سيفكرون فيه
ومالا يعرفونه أن الحقيقة أبعد بكثير مما يضنون ومما يظهر أمامهم
طرحت اللحاف على الأرض وصليت كل ما فآتني وهوا جالس
خلفي على السرير لم يتحرك حتى انتهيت ثم خرجنا من المستشفى
دون حتى أن يمر بهم ليوقع ورقة الخروج فما أغربه من رجل
ابتليتِ به يا دُرر , لو أعلم فقط الخير في كل هذا فلا شيء يفعله
الله لنا إلا لصالحنا ويبدوا أنه أجر صبري عليه , ركبنا السيارة
وساد الصمت الذي أتمنى أن يدوم لأنه إن تكلم سيوبخني كما حدث
حين أحضرني بالأمس فهوا لا يعرف إلا التوبيخ أو الصراخ غاضبا
أو إلقاء الألغاز المبهمة وجميعها صمته أفضل منها , مررنا الصيدلية
في طريقنا ونزل وأغلق الأبواب جميعا بتأمينها بجهاز السيارة ولا
أعلم ما يخبره عقله هل سأخرج منها وأهرب للشارع !! بل يبدوا
لي السبب مختلف جدا عن أفكاري هذه فما سيكون ؟؟
عاد بعد قليل بكيس الأدوية وركب ورماه في الخلف وانطلقنا مجددا
ووصلنا المنزل سريعا , أدخل السيارة وكان ثمة سيارة لشخص ما
هنا فنظرت لها باستغراب ثم له فكان ينظر لها عاقدا حاجبيه , من
يكون هذا الذي يزور المنزل هذا الوقت المبكر بل المبكر جدا وكأنه
يتصيد وجود أواس فهوا سيغير ملابسه ويغادر لعمله الآن ؟ فتح
الباب فنظرت للخلف لأمد يدي لكيس الأدوية فقال وهوا
ينزل " اتركيه ستدخله لك الخادمة "
فتنهدت وفتحت الباب ونزلت , لما تدخله وهوا معنا ؟؟ بقي
أن تحك لنا شعرنا , أغلقت باب السيارة وتحركت خلفه حتى
وصلنا باب المنزل ووضع يده على مقبضه وقال " والدي
في الداخل تلقين عليه التحية ولغرفتك فورا "
قلت بهمس " حسنا "
وها هوا لغز جديد ينكشف فيك يا أواس وسأتعرف بالذي يناديك
بشبيه الابن وتكتبه في هاتفك بشبيه الأب .....؟؟!!
نهاية الفصل ........ موعدنا الجمعة إن شاء الله