الفصل الستون
المدخل : بقلم الغالية alilox
أحببتك منذ الصغر كنت أروع ماكتب لي هذا القدر كان حبك سري الصغير في صدري لازمني حتى الكبر ترانيم حبك تعاويذي التي حمتني وقت الخطر حبك كان دافعي لأنهض بعض سقوطي ثم أحارب ثم أنتصر ماضي أنت مستقبلي أنت يومي أنت أنت أنا أنت ماكنت أنتظر أجدد عهودي لكي كلما جدد أوراقه الشجر
سلمت يداك
**********
قفزت واقفة من فراشي ورفعته وخرجت به مسرعة حتى وصلت غرفته وفتحت
بابها دون حتى طرق ووقفت مكاني أنظر له بصدمة وهوا ببنطلون فقط عاري
الصدر ويبدوا كان يغير ثيابه فرفع قميصه القطني وقال مبتسما
" ما هذا الهجوم المباغت ؟ لو بكّرتي قليلا لوجدتني بلا ثياب "
اشتعل جسدي من حرارته وشعرت بخداي جمرة متقدة وغادرت من
عنده قائلة بضيق " وقح "
وعدت للغرفة وسحبت حقيبتي منها حتى وصلت بها لغرفته وأدخلتها فقال
ونظره يتبعني وأنا ألف بها خلف السرير " ما سر كل هذا ؟ هل قررتِ
أخيرا أن ترحميني وتنتقلي هنا ؟ "
قلت مغادرة مجددا " بل والدتي على وصول فارمي فراشي وفراشك
فوق الخزانة بسرعة بلا كثرة حديث "
وخرجت من هناك وعدت للغرفة أتفقد إن نسيت فيها شيئا , جيد أنها أرسلت
الرسالة ولم تأتي فجئه ودخلت عليا ووجدتني نائمة هنا , صحيح أنها تعلم بمشاكلنا
سابقا لكنها إن وجدت أن وضعنا هكذا فلن تسكت وستعاود اسطوانة السابقة بأن تأتي
للعيش معي في منزلي أو تأخذني معها , لابد وأنها خرجت من الفجر لتصل الآن فما
السبب يا ترى ؟ كم أخشى أن تكون تشاجرت مع زوجها بسببي وتركت له المنزل
خرجت من الغرفة مجددا فكان آسر واقفا عند باب غرفته مستندا بإطار بابها
ولازال بالبنطلون القصير فقط واضعا يديه في جيوبه فقلت متوجهة للحمام
" البس ثيابك أم تريد مقابلتها هكذا "
قال قبل أن أدخل " هل أنتي من طلب منها المجيء وأخذك معها ؟ "
وقفت عند الباب والتفت له وقلت " هل اتصلت بها وعلمت سبب قدومها ؟ "
هز رأسه بلا فقلت داخلة الحمام " وأنا لو كنت أعلم ما فاجأتني بمجيئها هكذا "
غسلت وجهي جيدا ومشطت شعري وأمسكته بمشبك شعر ورتبت بيجامتي الحريرية
فلا وقت لأفتح الحقيبة وأغير ثيابي , خرجت بعدها على صوت جرس الباب لأكتشف
حينها فقط أنه أصبح هناك جرس أيضا ! توجه آسر نحوه وفتحه ولازال ببنطلونه القصير
وقد ارتدى قميصه الداخلي فقط , هذا الوقح عديم الذوق ما ستقول والدتي عنا , سمعت
حديثهما وهوا يرحب بها ثم دخل يحمل حقيبة ملابس صغيرة مؤكد تخصها ودخلت هي
خلفه وقد ابتسمت ما أن رأتني فركضت نحوها وحضنتها بقوة قائلة " اشتقت لك أمي
زارتنا البركة , ما هذه المفاجأة الجميلة "
ضمتني بقوة وقالت ضاحكة " بل قولي مفاجئة ليست في وقتها "
ابتعدت عنها وقلت ناظرة لعينيها " ماذا حدث يا أمي ؟ هل تشاجرت معه ؟ "
قالت مبتسمة " ألا أزورك إلا مطرودة من هناك ؟ "
قلت بإحراج " لم أقصد لكني خفت أن تتشاجرا بسببي "
قالت بذات ابتسامتها " عمك جاء هنا لأعمال لديه وسيبقى ليومين فاقترحت
عليه أن آتي معه وأبقاهما معك ولم أشأ الاتصال بكما فجرا وأوقظكما
فتركتكما لتناما حتى أصل على الأقل "
أشرت لها جهة غرفة الضيوف وقلت " مرحبا بك متى ما ناسبك
تفضلي يا أمي "
تحركت وتبعتها وآسر بجانبي فوكزته بمرفقي وقلت من بين أسناني
" لما لا تلبس ثيابك كالعالم والخلق "
قرّب وجهه مني وهمس مبتسما " كي لا تشك بأمرنا , فلتضن أننا
نائمان في العسل "
وكزته مجددا ولم أعلق ودخلت خلفها قائلة " كيف هوا حال عمي ؟ "
جلست وقالت " بخير ويسلم عليك وقال أنه قد بكما وقت مغادرتنا لأنه
منشغل باستقبال وفد ولن يجد وقتا "
جلستُ أيضا فجلس آسر بجواري ولم أستطع منعه ولا الابتعاد طبعا
وقالت أمي مبتسمة " ما سر الأرجوحة وسط المنزل ؟ هل هناك شيء
في الطريق ولا نعلم عنه ؟ "
شعرت بحرارتي ارتفعت لأعلى مستوياتها وضحك الجالس بجانبي ولم
يعلق فقلت بإحراج " أمي أنا هنا منذ يومين فقط , هل هي نبتة ؟ "
ضحكت وقالت " قد يكون شيئا من بعيد فأنتما كنتما زوجين على كل حال "
وقفت من فوري وقلت " سأعد لنا فطورا , لابد وأنك لم تتناولي شيئا "
وخرجت من قبل أن تعلق بشيء , لا أعلم ما بها عليا هكذا ولم تخجل حتى من
ابن شقيقتها ! سخنت الشاي وبدأت بإعداد الأطباق لحظة وقوف آسر أمام باب
المطبخ وقال " والدتك قالت أنها تناولت وجبتين واحدة في منزلها والأخرى
في الطريق فلا تتعبي نفسك "
أوليته ظهري ولم أتحدث فقال بصوت مبتسم " هي كانت تمزح
فقط لما الغضب هكذا ؟ "
كتفت يداي لصدري وقلت بضيق " آسر اذهب حالا وارتدي ثيابا تليق بمن
استقبلتها في منزلك أو قسما أشعلتها مشكلة معك الآن وأمامها "
قال مغادرا " حاضر فقط لا تغضبي فوق غضبك علي "
تنفست بضيق وتمتمت " لا أعلم لما لا ينام وهوا لم ينم من
فجر يوم أمس ؟ أجل علمت لينكد عليا طبعا "
عدت للغرفة وبدأت أمي في أسئلتها عن حالي ووضعي هنا فأجبتها أن أمورنا جيدة
فلأحتفظ بهمومي لنفسي , بعد قليل عاد آسر وقد ارتدى بنطلونا رياضيا وقميص
قطني وجلس بجواري مجددا فتنهدت بضيق وقلت " آسفون أمي على الوضع الذي
وجدتنا فيه فآسر عاد من عمله للتو وهوا كان هناك من فجر أمس وكان سينام "
نظرت له حينها وقالت " وما يبقيك مستيقظا بني ؟ هيا قم نم وارتاح أنا لست
غريبة وباقية ليومين وسنرى بعضنا كثيرا "
قال من فوره " لا أشعر بالنعاس , لما تطردانني هكذا ؟ ما ستقولان بعدي ؟ "
نظرت له بصدمة وضحكت أمي وقالت " لن نقول عنك إلا كل خير
فقف هيا وارتاح في غرفتك "
مال جهتي وهمس في أذني قائلا " طردة مقبولة منك "
لم أعلق ولم أتحرك من مكاني ففاجئني بأن قبّل خدي سريعا ووقف
وقال مغادرا الغرفة " أراكما فيما بعد "
وخرج وأغلق الباب فتنفست بضيق وقالت أمي مبتسمة " أرى أحوالكما
جيدة بالفعل , حمدا لله لقد كنت خائفة عليك فعلا يا سراب "
قلت بابتسامة مزيفة " لا تشغلي بالك يا أمي , أخبرتك أن أموري
جيدة وعلى ما يرام "
صدّقت طبعا وسُعدت بالأمر وأمضينا الوقت بعدها معا لم أشعر بمروره
أبدا وقد أعددنا الغداء ولم أرى آسر إلا خارجا من غرفته للحمام عند أذان
الظهر وما أن غادر هوا حتى دخلت وأخرجت ثيابا ألبسها وحجتي أمام
والدتي أني لا أريد أن أدخل وأوقظه من نومه
*~~***~~*
فتحت لها الباب وما أن دخلت حتى شددتها من يدها وتوجهت بها لمجلس
الرجال وأغلقته خلفنا بالمفتاح كي لا يدخل أحد علينا ولا أن تلحظ أمي
قدومها من الآن , جلستُ وأجلستها وقلت بهمس " وأين ندى ؟ "
نظرت للأرض وقالت بصوت منخفض " ذهبت معه لمنزل عائلته فاليوم
يجتمع إخوته جميعهم ووالدهم ليتناولوا الغداء معا , ورفضت النزول "
قلت ببرود " أرأيتِ الجنية ؟ باعتنا ببسام "
تنهدت بحزن ولم تتحدث فقلت بجدية " قولي الآن ما بك وما سر المناحة
التي فتحتها لي في الهاتف ؟ وإياك أن تبكي وتلحظ والدتي "
بدأت بسرد ما حدث معها وطبعا كل دمعة تلحقها الأخرى فتوجهت لعلبة
المحارم ووضعتها في حجرها وقلت " امسحي دموعك فورا , إن لاحظتْ
أمي شيئا لن تسكت أبدا وستخبر إياس فلا تنسي أن زوجك مهدد منه
ومن خالي ومن والده أيضا "
أخرجت مجموعة محارم ومسحت عينيها وأنفها وقالت بحزن " حتى أوصلني
هنا وهوا يوصيني طوال الطريق أن أتريث ولا أخبركم , واعتذر كثيرا
لكنها عظيمة يا سدين , كيف تهور هكذا ولم يحسب حساب شيء ؟ "
تنهدت وقلت " جيد أنك لم تخبري أحداً ولم تخرجي من منزلك يا رغد فأنتي
تحملتِ سابقا حتى ضرب وإهانات مصطفى ولم تتحدثي لتأتي وتفعليها الآن "
مسحت عينيها بالمناديل مجددا وقالت " أردت أن أراك وأحكي لك
وأن أخرج من المنزل أيضا , أشعر باختناق فضيع هناك "
قلت من فوري " وما ستفعلين الآن ؟ "
نظرت لي وقالت " لا أعلم أريد أن تنصحيني أنتي يا سدين , لا أريد
أن أتهور في شيء أندم عليه فيما بعد , ويصعب عليا مسامحته "
تنهدت وقلت " معك حق فعلتهما كانت ستجلب كارثة وقد تصرفا بغباء
لكنه أمر مضى لا يمكن إصلاحه الآن يا رغد وحمدا لله أنه
لم يتسببا لك بفضيحة "
قالت باستغراب " ما تعنيه بهذا يا سدين ! هل أحسب أن شيء
لم يكن فقط لأنه لم يحدث شيء ؟ "
قلت بجدية " وإن تحدثتِ وأحدثتِ بلبلة وشوشرة بما ستستفيدين غير أن تثور
ثائرة إياس وخالي وعمي ويتلقى بسام عقابا على شيء فات ومضى وليس أمرا
مستمر في فعله لنقول سيتوقف عنه , ثم لا تنسي أن وضعك ما يزال حساسا في
عائلة عمي ولن تتحمل والدته ونورس شيئا في ابنهم وسيضعون اللوم عليك ولا
تستبعدي أنها قد تحذوا حذو والدة مصطفى سابقا حين بدأت تلف بين الناس وتنهش
في لحمك بالكذب والافتراء , والناس قد تقف مع المرأة في الأولى وتعذرها
لكن إن تكررت مع زوج آخر سيضعون اللوم عليها "
قالت بحزن " والحل إذا ؟ "
قلت بذات جديتي " عاقبيه بينك وبينه كي لا يعاود فعلته ويتهور في أي أمر آخر
وليعلم قبلها أن النتيجة بأنك لن تغفري له بسهولة فيفكر ألف مرة قبل أن يُقدم على
عمل آخر متهور , رغم أنه وخالد ذاك يحتاجان لمن يؤدبهما جيدا وسجن معتبر
من خالي وإياس على جنونهما , لكن ذلك سيضرك أنتي ولن ينفع الندم حين
سترجعين لنا مطلقة من جديد وبطفل آخر غير ندى "
تنهدت بأسى وقالت ناظرة للأرض " وأخشى أن يفكر أني سأسكت
دائما ولن أخبر أحد "
قلت من فوري " رغد توقفي عن مقارنة الجميع ببعض , هل تري بسام سيئ
طباع وهوا من لو بيده أن رفعك من على الأرض كي لا تمشي عليها ؟ "
مسحت دمعتها من قبل أن تنزل وقالت بحزن " وهذا ما يكسر ظهري وقلبي
أني لم أرى منه شيئا ولم أسمع منه ولا نصف كلمة سيئة لا معي ولا مع ابنتي "
قلت مبتسمة " إذا استمري في حدادك عليه ولا تبادليه ولا الكلام ولا ترضي
عنه بمجرد أن يسمعك كلمتين فأنا أعرفك حساسة وقلبك ضعيف "
تنهدت وقالت " كم أشعر بالراحة الآن بعدما تحدثت معك يا سدين وكنت قد
أتهور وأفعل أي شيء فكلما فكرت في عواقب ما فعلاه لو أن الأمر انتشر
وعلمت به الناس شعرت بعقلي فقد صوابه وقد أفعل أي شيء "
وقفت قائلة " جيدا فعلتي واتركي الأمر بينكما وسوف يجن جنونه من مجرد
برودك معه فأعطيه على رأسه حتى تؤدبيه ولا تضعفي حتى يترجاك
ملايين المرات لتغفري له وأنه لن يعيدها "
ثم توجهت نحوها وسحبتها من يدها موقفة لها وقلت " هيا أغسلي
وجهك ولا تجعلي والدتي تلاحظ شيئا "
دخلتْ الردهة الملحقة بالمجلس حيث المغسلة وبه حمام أيضا وما أن خرجت
تنشف وجهها فتحت باب المجلس وقلت " اخرجي واقرعي جرس الباب
لأفتح لك وكأنك قادمة للتو , بسرعة فغدائي احترق بسببك "
ابتسمت بحزن وقالت " شكرا يا سدين , كنت أحتاج فعلا للتحدث
معك ولم يخب ظني بك "
دفعتها جهة الباب قائلة بضحكة " تحركي قبل أن يدخل علينا أحد أصدقاء
شقيقك وستكون على رأسينا الاثنين , وأزيلي قناع الحزن هذا فوالدتي
عيناها كالنسر ستفهمك من النظر لعينيك "
خرجت ضاحكة وعدت أنا للداخل وتوجهت للمطبخ فورا أتفقد أو أنقد ما
يمكن إنقاذه حتى سمعت جرس الباب وتجاهلته تماما وسمعت بعد قليل
ترحيب والدتي بها , لو تعلم أنها دخلت وخرجت دون علما لخنقتني أنا
طبعا لأنها ككل مرة وفي أي شيء يحدث تضع اللوم علي
*~~***~~*
نظرتُ مبتسما لإياس الواقف فوق رأسي وإصبعه تتحرك على النسر فوق كتفي
وقال مخاطبا محمود الواقف أمامي " أريد أن أفهم يا محمود كيف من نجمتين
ترقى لنسر ونجمة وقفزوا النسر فقط ؟ هذا غش ويجب محاكمة الوزير عليه "
ضحك وأبعد له يده وقال " يستحقها , فهل كشفت أنت خلية كاملة كانت تريد
بلبلة البلاد سياسيا , وعملت على ذلك أربع سنوات متلاحقة "
ضحك وضربني على كتفي وقال " مبارك للمرة الألف سيادة المقدم أواس
سالم مجدي ورفقا بنا لأنه علمت من خالي أنه سيكون المكتب في آخر
الرواق الغربي لك يا رئيس المركز الجديد "
ثم وضع يديه وسط جسده وقال بضيق مصطنع " وهذه غشوا فيها
أيضا فرئيسنا كان عقيدا "
وقفت وقلت " وأنا رئيسي عقيد حتى الآن ولا تنسى أنه كان رئيسا لجميع
الوحدات في العاصمة وأنا لن أكون إلا رئيسا لهذا المركز فقط "
لكمني على كتفي وقال " ولن يكون دوامك إلا صباحا ويوميا وارتحت
من عناء البقاء هنا ليوم وليلة , ما هذا الحظ الذي لديك يا رجل "
ضحك محمود وقال " غادر لمنزلك يا أواس قبل أن يقتلك بعينه "
ثم ضربه على ظهره وقال " لما لا تكون كصديقكما آسر وقف معه
طوال الصباح في الساحة وحظر احتفال الترقية وغادر "
دفعه عنه وقال " اسمحوا لي بالمغادرة أيضا ولن أضايقكم "
ضحكت ورفعت قبعتي ولبستها وقلت " سأغادر أنا وابق أنت طبعا "
قال مبتسما " بالتأكيد ولا تنسى أن أول مخالفة ستوقعها ستكون مغادرتي
الليلة قبل الصباح من أجل أموري العالقة كما اتفقنا "
ضحكت وقلت " موافق لعلك فقط تفعل شيئا يثمر ولا تضيع الفرصة "
ثم صافحتهما شاكرا لهما وغادرت المركز عائدا للمنزل فاليوم أول يوم دوام لي
وكان حفل ترقيتي الذي حضره والدي وشقيقي وقصي وأصدقائي وكان الوزير
بنفسه من علّق لي النسر والنجمة في كتفي مع مجموعة من ضباط في المخابرات
قاموا على إنجاح العملية وثلاث رجال من الشرطة ساعدوني على امتداد العامين
الماضيين وبسرية تامة عن الجميع , ولولا طلب القطعة من قلبي هناك كنت سأعاود
طلب الاستقالة وأتفرغ لعائلتي وتجارتي , كان اليوم بالفعل يوما تاريخيا في حياتي
ولولا وجود كل من كانوا حولي ومن افتقدتهم لأعوام ما كان طعمه هكذا وما شعرت
بطعم ترقيتي كما حدث سابقا فقد ترقيت آخر مرة في حفل جماعي لنا وكنا وقتها عشر
ضباط وكنت حينها وحيدا لا أحد معي لا أب لا أخ لا عم ولا قريب , لكن اليوم كان
الأمر مختلفا تماما فحين نادوا باسمي وصعدت المنصة وعلق لي الوزير النسر والنجمة
وسلموني وسام الشجاعة نظرت من فوري لوالدي وشقيقي وشقيق زوجتي وأنا أرى
الفرح والفخر في أعينهم وقد صعد والدي لي هناك وضمني له بفخر وأمسك الوسام
يلتقطون لنا الصور معا , الصور التي ستظهر في الصحف وكاميرات التلفاز المنتشرة
هناك ستعرض كل ذلك , اليوم فقط شعرت أني أنجزت وأني كبرت وأني أصبحت
رجلا وأني شرطي بالفعل , اليوم احتجت لوالدتي فعلا لأن أرى دموع الفرح في عينيها
لأن يغمرني حضنها الدافئ الحنون مهنئة لي وفخورة بما صرت عليه , ولأن الله وهبني
عوضا عنها قلبا يشبه قلب الأم في كل شيء فما أن انتهت مراسيم التسليم والاحتفال بعده
ومأدبة الغذاء ها أنا طار بي قلبي قبل سيارتي لها , كنت أريد زيارة عمتي قبلها لكن
لم أستطع فحتى خرجت فجرا وهي توصيني أن آتيهم ما أن أغادر من هناك وأنها
لن تنام حتى آتي وما كنت أعلم أن مراسم الاحتفال ستتأخر هكذا , نزلت من السيارة
أُغلق زر السترة التي تحولت من اللون الأزرق الغامق للأسود بعد ترقيتي وفتحت
باب المنزل بهدوء ليصلني صوتها قائلة بضيق " تحدث الآن يا قصي كيف تأتي
منذ حوالي الساعتين وهوا ليس معك ؟ "
دخلت ولم أغلق الباب وكان هوا أول من قابلني جالسا وهي مقابلة له تعطيني
ظهرها تمسك وسطها بيديها ووالدتها واقفة بجانبها فأشرت له بإصبعي أن يسكت
وقالت والدتها " استهدي بالله يا دُرر , قال لك أنه لم يستطع ترك أصدقائه
خلال مأدبة الغداء التي أعدت لهم وسيأتي "
قالت بنبرة بدأ يشوبها البكاء ممسكة عبرتها ونظرها لازال على الجالس أمامها
" لما هاتف أواس مغلق ؟ تكلم ولا تخفوا عني شيئا قبل أن أخرّ لكم ميتة "
ابتسمت وضحك قصي الذي لم يعد يستطيع تمثيل الأمر فالتفتتا لي فورا قبل أن
أصل عندهم وشهقت هي ناظرة لبذلتي ولونها الذي تغير ففتحت لها ذراعاي
فتوجهت نحوي من فورها وارتمت في حضني باكية تضم خصري بذراعيها
بقوة فقبلت رأسها وقلت ماسحا على ظهرها " ألم أخبرك أني سأكون هنا
ما أن أغادر من هناك ؟ لما تتعبين شقيقك هكذا "
ضمتني أكثر تدفن وجهها في صدري وقالت بعبرة " لأنك تأخرت ولم تجب
على اتصالاتي , بت أخشى أن تختفي مجددا فما سينقدني من الجنون حينها
مبارك لك يا أواس كم أنا فخورة بك وكم وددت أن كنت هناك معكم "
ضممتها أكثر ناظرا بابتسامة لقصي الذي قال ضاحكا " كان عليك المباركة
له قبلها يا أمي فلن تتركه لك الآن "
ضحكتُ وتعلقت هي بي أكثر وقالت " أخبره يصمت عني حالا "
ضحكت مجددا وقلت ماسحا على شعرها " سنفسد له خطبته القريبة عقابا له "
شهق هوا بقوة على ضحكتنا وقد ابتعدت عني تمسح دموعها وحضنتني
والدتها قائلة " مبارك لك بني , أنت فخر للوطن بأكمله وليس لنا فقط "
مسحت على ظهرها قائلا " باركك الله يا خالة وفخركم بي يكفيني ويزيد "
" أين هوا ؟ "
التفت حيث الصوت وكانت جدتهما قادمة تساعدها ابنتها لتسير بخطوات
أسرع ووصلتا عندنا وأمسكت يدي بقوة وقالت " مبارك لك يا أواس , أقرّ
الله عينك برؤية نبيه وأسكنك جنته "
قبلت رأسها وقلت " باركك الله يا جدة وحفظك لنا وأطال في عمرك "
باركت لي خالتهم أيضا وجلسنا جميعنا وقالت الجدة ناظرة لثيابي
" وما هذه الترقية ؟ ما الذي أعطوه لك وزادوه فيك ؟ "
ضحكنا جميعنا وقال قصي " وكيف تباركين له على شيء لا تعرفيه جدتي ؟ "
لوحت بيدها بلا مبالاة وقالت دُرر الجالسة بجانبي مشيرة لثيابي " انظري
جدتي لقد تغيرت بذلته للون الأسود وعلقوا له نسرا ونجمة على كتفه
بدلا عن النجمتين وقد أصبح نقيبا "
نظرت لثيابي وكتفي وقالت " هذا فقط ؟ كنت صبغت بذلتك بالأسود
من وقت وعلّقت عليها وحدك عشر نسور "
ضحكنا جميعنا وقلت ويدي ممسكة بقوة بيد الجالسة بجانبي
" لن تُجدي دون ترقية خطية يا جدتي وإن وضعت عليه نسرا حقيقيا "
قالت والدة دُرر " قف هيا بني نم وارتاح ولتنام الجالسة بجانبك مداومة
من الفجر بلا نوم , ولا تخجل منا وتجاملنا فنحن عائلة واحدة "
قلت مبتسما " لا عليك يا خالة لست متعبا كثيرا لكنت صعدت من نفسي "
وقفت بعدها ووضعت هاتفي في جيبي فوقفت التي لازالت يدها تمسك
بيدي وقالت ناظره لي " أين يا أواس ؟ فأنت لم تنم وترتاح "
قبّلت يدها وقلت " عليا الذهاب لعمتي فهي تنتظرني مثلك "
ثم مسحت على خدها بظهر أصابعي وقلت " ونامي أنتي لتستقبلي شقيقتاك
فيما بعد , وأنا لم يعد لدي شيء وسأنام حتى أشبع "
*~~***~~*
بعد إصرار منها غسلنا الأطباق معا بعدما تناولنا الغداء وجلسنا بعدها في
الخارج على أحاديثنا التي لا تنتهي وكيف ستنتهي ونحن لم نرى بعضا عشرون
عاما , نظرتُ لباب الغرفة المغلق وتذكرت ما حدث وقت الغداء وهوا جالس
هنا بجواري , حين أمسك يدي وقبلها قال " ما رأيك بطبخ ابنتك خالتي ؟
إنها ماهرة أليس كذلك "
استللت يدي منه وقالت والدتي ضاحكة " تذوقته سابقا فقد بقيت لديها
أسبوع في منزلها , ويبدوا أن تلك العجوز علمتهن أشياء مفيدة أيضا "
قلت بعبوس " تتوهمين يا أمي فدُرر من علمتني الطبخ لأنها كانت تطهوا
مع جارة لنا تبيع الطعام للناس وتعطيها أجرا على ذلك أما ترجمان
فقد رفضت أن تتعلم "
قالت مبتسمة بحزن " كم عانيتن صغيرات وكم تعبت دُرر المسكينة "
نظرت ليداي على الطاولة وقلت " نعم وكم منّ الله عليها أن أعاد
لها زوجها سالما "
قالت بحنان " الله لا ينسى عباده يا سراب ولا يفعل لنا إلا الخير "
هززت رأسي بنعم دون كلام فقال آسر " لما لا تذهبي مع سراب اليوم
لأنها تريد زيارة شقيقتها , فهي لم تذهب لها "
وكزته بمرفقي وقلت من بين أسناني " لما لا تصمت قليلا "
أمسك ضلوعه وقال بتألم مصطنع " آه خالتي ابنتك اليوم كسرت
لي ضلوعي من كثرة ما تضربها بمرفقها "
نظرت له بصدمة وضحكتْ والدتي وقالت " أكون سعيدة بذلك بني
لأبارك لها ولعائلتها "
نظر لي بنصف عين وقال " هل رأيتِ فعلت الصواب للمرة
الألف في حياتي "
فنظرت له وقلت بضيق " وأنا أقول أين ذهبت الثقة مختفية
عن البشر ؟ وهي مختبئة لديك "
ضحكا معا على اشتعالي طبعا , فلم أعد أفهم تمثيلك من حقيقتك يا آسر
وصدقت ترجمان حين قالت عن زوجها ( لن أصدقه حتى تسقط جمع
أقنعته ويظهر وجهه الحقيقي ) فكيف ينسى كل ما فعل بي ويريد أن
أنسى بسهولة وكأن شيء لم يكن
" سراب !! "
نظرت لها أمامي فقالت مبتسمة " أُكلمك من وقت وأنتي هائمة جهة
ما اختفى زوجك "
نظرت للطاولة تحتي وقلت " كنت أفكر في دُرر وترجمان "
قالت بذات ابتسامتها " اذهبي واستعجليه إذا فالعصر قد اقترب وقته
لنرجع قبل المغرب , وأنا سأغير ثيابي "
ووقفت وغادرت من فورها ونظري يتبعها ثم تنهدت بأسى ووقفت وتوجهت
لغرفته وطرقت بابها طرقات خفيفة كي لا تسمعها والدتي فهوا طبعا بعدما تناول
الغداء دخل الغرفة ليكمل نومه وينام لساعتين قبل العصر ومنذ قليل سمعنا منبه
ساعته يرن يعني أنه سيكون مستيقظا الآن , فتح الباب وطبعا كان ببنطلون فقط
كعادته حين ينام وكأنه ينقصني اشتعال , نظرت للأرض متكئه على حافة الباب
وقلت بصوت خافت وهذا ما قدرت عليه " سنجهز أنفسنا لتأخذنا الآن "
خرجت منه ضحكة خفيفة وقال وهوا يبرم خصلة من شعري بين
أصابعه " لم أسمعك أعيدي "
سحبت شعري منه وقلت مغادرة جهة غرفة الضيوف " تحرك لتوصلنا
أنتم الرجال لا ينفع معكم سوا الأوامر الصارمة "
*~~***~~*
طرقت باب غرفتها وفتحته وأدخلت رأسي ونظرت لها وقلت
" أمي ألم تجهزي بعد ؟ إياس على وصول وتعلمي أنه يوم
عمله ولن ينتظرنا كثيرا "
رفعت حقيبة يدها الصغيرة وقالت متوجهة نحوي " قادمة كنت
أتحدث مع رغد بالهاتف "
سرتُ خلفها قائلة باستغراب " ولما وهي كانت معك قبل قليل ! "
قالت متابعة سيرها جهة باب المنزل " بالي ليس مطمئنا وشكلها لم
يعجبني اليوم وأخشى أنها كعادتها سابقا تعاني وتخفي ذلك عنا "
ثم التفتت لي وقالت ويداها وسط جسدها " قولي أنتي ما بها ؟ لابد
وأنها أخبرتك "
قلت بصدمة " أنا .... ؟ لا , أعني وما ستخبرني به "
نظرت لي بشك فقلت " هي متعبة من وحمها تذكرين جيدا كم
تعبت في ندى "
قالت بحيرة " لكنها قالت أنه ليس كوحمها بندى أبدا ولم يتعبها كثيرا "
رفعت كتفاي وقلت بلامبالاة " كم من أناس لا يصبحون كما أمسوا , ثم
بسام يعاملها كملكة وهي تمدح فيه كثيرا "
قالت مبتسمة " نعم بارك الله فيه من رجل "
تنهدت بأسى ونظرت جانبا , لا أعلم لما كل من تحبهم أمي وتدافع عنهم وترى
أنهم لا مثيل لهم يُظهرون العكس ؟ من مصطفى لأمين لبسام الآن , وزوج سلسبيل
الذي لم توافق عليه بادئ الأمر هوا من أثمر فيهم , هذا يعني أنه إن خطبني أحدهم
وهلّلت به والدتي واستبشرت فسأجهز نفسي لمستقبل واعد معه , انفتح الباب ودخل
منه إياس بلباس الشرطة وقال " هل أنتما جاهزتان ؟ لا أريد أن أتأخر "
خرجت أمي وخرجت خلفها قائلة " أجزم أنكم تقضون نصف الوقت
خارج مركز الشرطة يا حماة الوطن "
فتح باب سيارته وقال ضاحكا " وأين سنذهب برأيك كل ذاك الوقت ؟ "
فتحت الباب الخلفي وركبت وقلت وأنا أغلقه خلفي " تطاردون الفتيات
في الشوارع والأسواق طبعا .. وويلك من ترجمان "
ضحكا معا وقالت أمي ونحن ننطلق خارجين من سور المنزل
" أعانك الله عليها حتى يأتي من يخلصك من لسانها "
قلت بضيق " أمييي "
ضحك وقال " أقسم أنه سيأخذ قلبي من مكانه وهوا يخرجها من هنا "
صفقت وقلت " نعم عاش إياس شقيقي الحبيب "
قالت أمي ببرود " يريد منك شيئا بالتأكيد "
ضحكنا معا وقلت " بدأت الغيرة , هذا ولم تخرج ترجمان في
الشاشة بعد يا والدة إياس فقط "
ضحك إياس وقالت هي ناظرة له " وماذا بشأنكما بني ؟ أتركني
أتحدث مع خالك ومعها هذه المرة "
أمسك يدها وقبلها وقال " لا تكلفي نفسك يا أمي فخالي سيرفض ككل
مرة , وهي ستكون في منزلك خلال أيام قليلة فقط اطمئني "
ضحكتُ وقلت " يبدوا ستنفذ خطتي وتختطفها من شرفة غرفتها
وتهرب بها "
ضحك وقال " كانت خطة مذهلة تحتاج لبعض التعديلات فقط لتقفز
هي من الشرفة وتهرب "
قلت باستغراب " كيف ؟؟ "
ضحك ولم يعلق فاقتربت منه وهمست في أذنه جهة باب السيارة
" لهذا تخرج ليلا ؟ ماذا تخطط له تكلم ؟ "
أبعد وجهي بيده وأوقف السيارة أمام منزلهم وقال " أخرجي منها
أنتي ولا تتحدثي أمامها بشيء "
قالت والدتي " ماذا حدث ؟ فيما تتهامسان ؟ "
قال وهوا يخرج هاتفه " لا شيء ابنتك أصبحت هذه الأيام تشعر
بالفراغ كثيرا وتدقق على ما يعنيها ولا يعنيها "
ضربته على كتفه على صوت ضحكته ثم اتصل بأحدهم وفتحوا لنا الباب فنزلنا
معا , هذه أول مرة أزور منزل صديقه هذا فحين تزوج كان الحفل في صالة
أفراح , وقد جئنا اليوم من أجل دُرر لأني تعرفت عليها سابقا في أكثر من لقاء
ووالدتي أرادت المجيء من أجل والدتها وجدتها ومن أجل ترجمان فهي تعدها
شقيقتها وأخبرتني أنها ستأتي اليوم , اجتزنا بوابة السور الواسعة وسرنا مسافة
قبل أن يظهر لنا المنزل ومنزلا آخر يبنونه مقابلا له بمسافة فقلت ونظري
حيث البناء الذي انتشر فيه العمال " أنظري أمي ؟ لمن يبنون هذا المنزل ؟ "
نظرت ناحيته وقالت " قد يكون لعائلتها , ما شأننا نحن ؟ "
وتابعت سيرها وأنا أتبعها ونظري لازال هناك ثم شهقت بقوة حين رأيت
ذاك الشاب أخضر العينين يرمي حبلا لأحد العمال في الأعلى فقلت
بصدمة " المريخي هنا !! "
التفتت لي أمي حيث كنت واقفة مكاني أنظر له ولم ينتبه لي وقالت بضيق
" أي مريخي يا حمقاء ؟ هذا كله مما تشاهدونه في التلفاز عنهم "
بقيت مكاني أنظر له بصدمة ولبنطلونه الجينز الملطخ بالأتربة ولا يرتدي معه
سوا القميص الداخلي بدون أكمام يمسح العرق عن جبينه , وانتبه لي حينها لتقع
عيني في عينه , عامل بناء !! هل هوا عامل بناء أم مهندس مشرف عليهم ؟ لا لن
يكون مهندسا بهذه الهيئة , استفقت لنفسي وقد ابتسم لي وأشار على طرف جبينه
بإصبعيه في تحية فشهقت دون شعور مني على ضحكته الخفيفة وسحب والدتي لي
من يدي قائلة " تحركي فضحتنا مع الناس , ماذا إن رآك أحد منهم وعينيك
ستخرجان في العمال "
وسحبتني معها منساقة ومشدوهة الفكر والنظر الذي لازال عالقا في
الخلف رغم اختفائه عنا وقلت بهمس " المريخي عامل بناء !! "
قرصتني في خصري بقوة ألمتني وقالت بهمس " لا بارك الله في عقلك
المعكوس , توقفي عن قول الحماقات فزوج دُرر هناك مع نسيبه "
نظرت جهة باب المجلس وكان صديق إياس زوجها مقابلا لنا ويقف
آخر مقابلا له يعطينا ظهره وهوا شقيق دُرر بالتأكيد
توجهنا لباب المنزل من فورنا وقد فتحته لنا إحدى الخادمات دون أن نطرق
الباب فكيف علموا بقدومنا !! دخلنا للدخل وكانت والدة دُرر وجدتها وخالتها
معا ومعهن والدة سراب فسلمنا عليهن ثم توجهتُ حيث الثلاث المختطفات
سابقا زوجات الضباط الآن وأنا مستغربة من سلام والدة دُرر الحار لي فما
قصتها فليست أول مرة أراها فيها ؟؟ وصلت عندهن وسلمت عليهن وجلست
وقلت مبتسمة " ترجمان ألن تغاري من شقيقتاك وترجعي لزوجك "
ضحكت وقالت " لا طبعا وورائهما حتى تحذوان حذوي "
نظرت لها دُرر وقد شهقت بصدمة فضحكنا عليها ثلاثتنا وقالت سراب
" لا يتوقف قلبك فلن يبعدك أحد عن سيادة المقدم "
قالت مبتسمة " ولا أنا سأرضى بها وقدمي على قدمه أينما يبتعد هذه المرة "
ضحكنا عليها ومضى الوقت بين ضحك وأحاديث وقد غبت بنظري للأرض ودهني
مع من رأيته في الخارج قبل قليل , حين زارني في المركز كان متأنقا وملابسه
تبدوا فاخرة فما سر عمله هذا ؟ يبدوا أنه كل ما يخرج به من مال هنا يصرفه على
ثيابه وعطره ليخدع الفتيات , هززت رأسي بلا بقوة فهوا لا يبدوا عليه من ذاك
النوع , رفعت رأسي على ضحكهن ناظرات لي فقلت بضيق " ما يضحككن ؟ "
قالت ترجمان طبعا سليطة اللسان " كنا نرى دماغك من تحت شعرك كيف
يحاول أن يعمل بدون أي نتيجة ومن وقت "
نظرت لها بغيظ فقالت دُرر مبتسمة " من أخذ عقلك كل هذا الوقت ؟
ونكلمك ولا تسمعيننا "
قالت ترجمان بنصف عين " هل قابلتِ مريخي آخر "
تنهدت بأسى وقلت " بل هوا مريخي واحد لا غيره وسأصاب بالجنون
إن لم أفهم ما يفعل مع عمالكم وثيابه متسخة "
نظرن لي باستغراب ثم همست دُرر لترجمان شيئا في أذنها فنظرتْ لها
بصدمة وقالت " قولي قسما ! "
ضحكت ولم تعلق فقلت ويداي وسط جسدي " ما الذي تتهامسان فيه ؟ "
قالت ترجمان بابتسامة شامتة " أخبرتني أن عمالهم جميعهم ليسوا من هذه
البلاد , فمن سيوافق على مريخيك ذاك ؟ ففوق أنه عامل ليس من هنا "
قلت بصدمة " لكنه يتحدث بلهجتنا !! "
ضحكت وقالت " يعيش هنا من أعوام بالتأكيد واللهجات متقاربة جدا "
نظرت لهما بعبوس وحزن وقلت بأسى " لا يا إلهي , لكنه عرفني
وحيّاني وابتسم لي أيضا "
انفجرن ضاحكات فرفعت الوسادة ورميتها على ترجان قائلة
" كله بسببك جعلتهما يضحكان علي "
أشارت لدُرر وقالت ضاحكة " هي من فعلتها وأخبرتني عنهم وليس أنا "
نظرت لها وقلت بضيق " لو لم تكوني حاملا الآن لعرفت كيف أنتقم منك "
قالت مبتسمة " ما رأيك أن تزيحي ذاك العامل المريخي من رأسك
ولدي لك عريس غيره "
تنهدت بحزن وقلت " مستحيل ... كيف أُخرجه من رأسي وهوا تربع فيه
ولم يفهمني رجل من قبل مثله ولم يراني أحد كما رآني هوا , هذا
مريخي أتعلمي معنى أنه لا أحد مثله على الأرض "
وقفت والدتي قريب منا وقالت " هيا تحركي وتوقفي عن الحديث عن
الفضائيين أمام الحامل "
وقفت وقلت ببرود " والدتي تضن أني أتخيل بسبب التلفاز "
وضحكنا معا وسلمت عليهن وغادرنا لأننا لم نبقى أكثر من ساعة ونصف
تقريبا فوالدتي قالت أنهم غُرب عنا لا يجوز أن نبقى معهم كثيرا , غادرنا
المنزل ونظري هناك عند ذاك المبنى لكني لم أراه وشعرت بإحباط جديد
فوق إحباطي فما هذا الحظ الذي لدي
*~~***~~*
غادرت تلك الفتاة الجميلة سدين ووالدتها فنظرت لهما وقلت " ما سر ما
يجري ؟ فأنا أعرفكما وأفهمكما فثمة شيء ورائكما "
ضحكت دُرر وقالت " أتعلمي من يكون مريخيها ذاك ؟ "
قلت بفضول " من ؟ "
قال مبتسمة " قصي شقيقي "
شهقت بصدمة وقالت ترجمان ضاحكة " وسنتركها في جهلها طبعا
لتفاجئ به فهوا ينوي خطبتها قريبا "
ضحكت وقلت " مسكينة وقعت تحت رحمتكما فلما كذبتِ عليها بشأنه ؟ "
قالت ترجمان ضاحكة " فرصة للانتقام منها وجاءتني "
قالت دُرر ناظرة لها " وماذا إن رفضت شقيقي بسببه "
قالت مبتسمة " لا تخافي شقيقها من سيكمل باقي المهمة فاتركيها عليا أنا "
نظرت لها باستغراب وقلت " شقيقها !! أعيدي فلم أسمع "
وضعت يدها على فمها وقال ضاحكة " لم أقل شيئا "
قلت بنصف عين " كنت متأكدة أنه ثمة ما ورائك يا ترجمان , اعترفي هيا "
قالت مبتسمة " لا مفر أمامي فقد وقعت , لقد زارني الليلتين الماضيتين
من وراء عمي "
نظرت لها بصدمة لا تقل عن صدمة دُرر وقلت " زارك ليلا تعني ... !! "
حركت يدها وقالت " لا لم يحدث شيء مما في بالك "
قالت دُرر باستغراب " وما فعلتما إذا ؟ أحصيتما النجوم "
ضحكت كثيرا وقالت " بل شاهدنا فيلما و.... "
ثم ضحكت مجددا وقالت غامزة بعينها " الرجال كم هم حمقى
قبلة تأخذهم للقمر ويلبون ما تريدين "
نظرنا لها بصدمة وقلت " مجنونة وأي شيء متوقع منك "
نظرت لي وقالت بضيق " أنتي المجنونة والغبية أيضا فبيدك أن تلعبي بعقله
بشيء لن يأخذ منك وقتا ولن يحتاج سوا لجنون وجرئه صغيرين "
هززت رأسي وقلت " مجنونة بالتأكيد , لن أفعلها ولا على قطع عنقي "
قالت بابتسامة جانبية " نعم اضحكي علينا وسنراك بعد مدة ماذا تفعلين "
ثم نظرت لدُرر بنصف عين وقالت " اسألي من جربت قبلك , هذا
لو لم تنكر طبعا "
شهقت دُرر بصدمة وقالت " وقحة , ما هذا الذي تقولينه ؟ "
ضحكت وقالت " أنكري وأقسمي لي الآن أنه لا يحدث منه شيء
وسأصدقك فورا "
وقفت دُرر من فورها وقالت " من تريد رؤية ما جلبه قصي من أجل
غرفة ابني لتتبعني والتي ستبقى لن أصعد معها مجددا "
وقفتُ ووقفت ترجمان وهمست لي " لتعلمي فقط أنه معي حق يا غبية "
وكزتها وقلت ببرود ونحن نصعد خلف دُرر " وضعي ليس كوضعكما
فاتركيني وشأني "
قالت ببرود كبرودي " أنا نصحتك وأنتي حُرة "
تابعت صعودي متجاهلة لكل ما قالت , حمقاء تظن الجميع مجانين مثلها , أو
أن زوجها كزوجي فذاك أرضاها وراضاها واعتذر منها وفعل الكثير لترضى
عنه لكن أنا يا حسرتي حتى فترة بقائي في منزل عمها لم يفكر أن يتحدث معي
وكل كلامه كان مع عمها فقط ومتأكدة أنه كان معترضا على بقائي في منزل
رجل غريب ليس إلا , وصلنا الغرفة وأمضينا وقتا طويلا نشاهد الأشياء الكثيرة
والجميلة التي أحضرها ومن ماله أيضا , قالت ترجمان وهي تتلمس القماش
القطني لإحدى القطع على فخذها " كم أنتي محضوضة به يا سدين
تلك الحرباء الملونة من قال أنها ستتزوج واحدا مثله "
ضحكنا معا وقلت " ظننتك ستقولين كم أنتي محضوضة به يا دُرر وليست
عينك تحسد سدين على شيء لم يصبح لها بعد "
طوت قطعة الثياب ووضعتها فوق الأخريات وقالت مبتسمة " دُرر لديها
زوج تحسدها عليه طيور السماء أما الشقيق حظ زوجته فقط "
هززت رأسي وقلت مبتسمة " إن حدث لشقيقك وزوجك شيء يا دُرر
فلن يبرد قلبك إلا دم ترجمان "
وضحكنا معا ونزلنا بعدها وانضممنا للكبيرات في السن وبدلا من أن نغادر
وقت المغرب بقينا للعشاء بإصرار منهم جميعهم بعدما لم يتغلبوا على سدين
ووالدتها اللتان تحججتا بعمل ابنهم وأنه قد لا يجد وقتا ليأتي لأخذهم فيما بعد
أما نحن فلم تسمح دُرر ولا والدتها بأن نغادر , وزوجها أيضا أمسك آسر على
العشاء أما ترجمان فلازالت حتى الآن ملكة عصرها فقد اتصلت بعمها كي لا
يأتيها الآن وقال لها أن تتصل به متى ما أرادت العودة للمنزل
بعد العشاء بوقت غادرنا من عندهم وما أن وصلنا المنزل ودخلنا قالت والدتي
" أنا أشعر بأن النعاس سيوقعني أرضا وحالكما لن يكون أفضل مني
فلغرفتكما فورا وتصبحان على خير "
نظرت لها بصدمة تداركتها سريعا وقلت " وأنتي تنامين وحدك وعلى
الأرض ؟ لا لن أسمح بذلك وسننام معا "
قال آسر " ناما في الغرفة وأنا سأنام في غرفة الضيوف "
قالت أمي من فورها " بل ستنامان معا "
كنت سأعترض فقالت بحزم " سراب كيف هكذا تتركين زوجك وهوا
موجود ؟ لما أنا كنت أنام مع زوجي وأتركك وأنتي معي هناك ؟
تحركي بلا نقاش "
قلت بتذمر " أريد أن ننام معا ونتحدث فسأحتاج لوقت طويل لأراك بعده "
قالت من فورها " وأنا قلت بأني سأنام وبما أنه لديك طاقة للسهر والحديث
فاقضيها مع زوجك , تصبحان على خير "
ودخلت الغرفة وقالت وهي تغلق بابها خلفها " أحضري لي فراشا ولحافا "
انتظرتها حتى أغلقت الباب ثم نظرتُ للواقف بجانبي بضيق فرفع يديه
وقال مبتسما " لا دخل لي هي من أصرت أمامك "
قلت بضيق " لما لم تصر عليها وتقسم لها ؟ هل يرضيك أن
تنام على الأرض ؟ "
وضع يديه في جيوبه وقال ببرود " وأنتي غاضبة لأنها ستنام على
الأرض أم لأنك ستنامين معي ؟ "
تركته وتوجهت جهة غرفة النوم قائلة بحنق " كل واحدة منهما
أسوء من الأخرى "
ودخلت وبدأت بالقفز محاولة إنزال الفراش من فوق الخزانة وبلا نتيجة فدخل
ومد يده وأنزله فأخذته منه واستللت اللحاف الحريري من فوق السرير وخرجت
بهما ودخلت الغرفة بعدما طرقت بابها فكانت قد غيرت ثيابها فوضعتهما وقلت
" أمي اتركيه هوا ينام هنا , أنتي لستِ معتادة على النوم على الأرض "
سحبت الفراش وقالت وهي تضعه وسط الغرفة " لا تقلقي بشأني ولا أعتقد
أنه هوا معتاد على النوم على الأرض أيضا , فغادري لزوجك ولا
تغضبيني منك يا سراب "
مددت شفتاي بعبوس ثم خرجت من عندها وتوجهت للمطبخ وأحضرت
لها قارورة ماء شرب وكوب كي لا تضطر للخروج ليلا وغادرت من عندها
متوجهة لغرفته ولا خيار آخر أمامي , لم أتمنى أن هذا المنزل بثلاث غرف
كالآن فحتى حين بقت معي ترجان سابقا ما كنت متخوفة ورافضة فكرة النوم
معه كالليلة , دخلت الغرفة وكان هوا جالسا يضبط منبهه ونظره عليه فتوجهت
لحقيبتي من فوري فتحتها وأخرجت منها بيجامة حريرية وخرجت من هناك
ودخلت الحمام , غيرت ثيابي وغسلت أسناني ثم خرجت وعدت لمصيري
المحتوم , دخلت الغرفة فكان لازال جالسا على السرير قدميه على الأرض
وهذه المرة منشغل بشيء ما في هاتفه فأغلقت الباب ووقفت عليه وقلت
" أنزل لي الفراش الآخر من الأعلى "
رفع رأسه ونظر لي بصمت للحظة ثم قال " ولما ؟ "
قلت من فوري " لأنام عليه طبعا "
هز رأسه بلا فقلت بضيق " آسر تحرك أو لن أنام "
قال بهدوء ونظره مركز علي عيناي " وإن لم تنامي أنتي معي هنا
فلن أنام عليه وسأنام جالسا على الأرض "
لم أعرف ما أقول وشعرت بأنه حاصرني في زاوية ضيقة , كان عقلي يقول
ابقي على قرارك ولينم على الأرض أو في الشارع ولا تهتمي به لكن لا لساني
استطاع قولها ولا قدماي تحركتا ولا قلبي الغبي رضي بالطبع , تنفست
بقوة وقلت " ونومنا على السرير معا لن يغير شيئا فينا يا آسر "
نظر لشاشة هاتفه مجددا وقال " مررنا بكل ما مررنا به ولم يجمعنا معا
يا سراب , وأنا أخبرتك سابقا أني لن أرغمك على شيء لا تريدينه "
أحمق وكاذب يعلم جيدا أن لمساته الوقحة تلك تؤثر بي وسيحصل على ما
يريد , ركزت نظري على ملامحه التي يحيط بها ضوء شاشة الهاتف الكبيرة
وقد سرقت عيناي , لما لا يحبني كما أحبه ؟ لما لا يشعر بي كما أشعر به ؟
لما ظلمني وفعل بي ما فعل , تحركت شفتاي ببطء وقلت بأسى أمسك
عبرتي " لماذا لا تحبني يا آسر ولا تشعر بي ؟ "
فرفع حينها نظره بي بسرعة وصدمة
*~~***~~*
نظرت لها لوقت بصدمة ثم قلت " لا أشعر بك ! لا أحبك ! "
مسحت دمعة تمردت على رموشها وقالت " نعم وتعلم جيدا بمشاعري
نحوك , وكلما رأيت ضعفي أمامك أكثر كلما قسوت عليا أكثر "
وقفت ورميت الهاتف جانبا وتوجهت نحوها وأبعدت يدها عن وجهها
وقلت ناظرا لعينيها " من عقلك تقولين هذا الكلام يا سراب ؟ من قلبك
تشعرين بهذا من جهتي ؟ "
أشاحت بوجهها جانبا وقالت بحزن " تصرفاتك قالت وكلامك وبرودك
وتجاهلك , كل هذا كان كافيا وزيادة , لقد ظلمني الحب حقا ولم أعرف
أنه جائر هكذا حين يأخذ منك الكثير ولا يمنحك شيئا "
شددتها من ذراعها وخبأتها في حضني وضممتها بقوة وقلت
" غبية وحمقاء كيف تفكرين هكذا كيف ؟ "
قالت بعبرة " أخبرتك أن تصرفاتك قالت , ولا أريد أن تسايرني وتشفق عليا
يا آسر ولا أن أكون في حياتك زوجة فرضها الواجب عليك لأنه لا مكان
لها تذهب له فاتركني وأطلق سراحي وعش أنت حياتك مع من تريد "
ضممتها بقوة أكبر وكأني أعاقبها بهذا على كل ما قالت , وكأني أقول لها
تألمي لتعي معنى فظاعة ما تفكرين فيه , كنت أزيد من قبضي على جسدها
النحيل بين ذراعاي حتى قالت بتألم " آسر أنت تؤلمني "
شددتها أكثر وقلت من بين أسناني " تألمي أكثر وأكثر كي لا تعيديها مجددا "
حاولت الابتعاد عني فتركتها مراقبا لملامحها وهي منزلة وجهها للأسفل تمسح
دموعها فأمسكت يدها مجددا وقبلت باطن كفها قبلة طويلة وهي على حالها تنظر
للأرض ثم مددت أصابعي لذقنها ورفعت وجهها حتى التقت عينانا وقلت بهدوء
" منذ طفولتي يا سراب ومنذ أن وجدت نفسي وحيدا في هذه الحياة واقف في
الشارع أمام باب منزلنا ولم أعرف أين سأذهب ولا ما سأفعل طفل في العاشرة
لا يملك شيئا ولا أحدا بعدما خسر والدته وكان مصيره سيكون الشارع والسرقة
والتسول مدى الحياة ليتحول في شبابه لخريج سجون بالتأكيد , وتحركت حينها من
مكاني ولست أعلم أين سأذهب ودموعي على خداي , لست أعلم أبكي والدتي التي
دفنوها الناس ورحلوا جميعهم أم أبكي نفسي وضياعي ووحدتي بعدها , وما أن
وصلت رأس الشارع حتى سمعت صوت رجل ناداني فالتفت له سريعا فلم يكون
سوا العم صابر جارنا الذي لم يحضر الدفن ولم يعلم بوفاتها إلا ذاك الوقت لأنه
يقضي في عمله نصف النهار كاملا , وحين كرر النداء باسمي ركضت نحوه ولن
تعلمي ما عنى لي ظهوره يومها , كان بصيص النور في نهاية النفق المظلم ومنذ
ذاك الوقت عشت حياتي معهم قد يراها أي شخص حياة طبيعية ومحظوظ بها لكني
كنت أشعر دائما أني غريب عنهم أني أفعل كل شيء ليرضوا عني ولا يخرجوني
من منزلهم وحياتهم , وعاش آسر الطفل وكبر على فكرة واحدة أني لو كنت مجرما
لو انحرفت ما كانوا قبلوا بي باقي السنين , لكانوا طردوني في أي وقت عكس الشاب
الذي يعيش مع عائلته التي لن تتبرأ منه مهما كان والأم وشقيقات اللاتي سيحببنه
مهما كان سيكون , فكنت كل نجاح أتوجه في حياتي وفي دراستي وعملي أراه
ثمنا لبقائي معهم رغم يقيني بحبهم لي وتقديري لما فعلوه من أجلي لكنه ليس
كحب الابن مهما كان "
مررت أصابعي على خدها وهي لازالت منتبهة لما أقول وتابعت " كنت أنتظر
أن أتزوج وأنجب أبناء وأكوّن عائلة أرى في أعينهم حبهم لي كما أنا , أن تكون
لي زوجة تحبني لأني آسر وليس لأني فعلت لها وفعلت لغيرها , أريد أبناء
يحبوني لأني والدهم هذا فقط يا سراب وما كنت أتخيل يوما أني سأبوح به
لأحد لا أنتي ولا غيرك "
قالت بابتسامة حزينة ساخرة " لكنهم يعلمون يا آسر , يعلمون بكل هذا "
نظرت لها بصدمة ولم أعلق فتابعت " عمتي سعاد حاولت مرة شرح الأمر
لي كما قلتَه الآن لكني لم أفهمه جيدا كما شرحته أنت "
أبعدت يدي عن وجهها ونظرت للأسفل فقالت " لكنك لم تعذرني يا آسر لم
تفكر أني مثلك في صغري أثّرت بي ظروفي , فقسوت عليا وظلمتني "
رفعت نظري بها مجددا وقلت " أردتك أن تتخلصي من ذلك يا سراب
أن تعلمي أن المال نقمة ونقمة سيئة جدا "
تدحرجت دمعتها وقالت بعبرة " لكنك قسوت عليا فوق استطاعتي , جرحتني
كثيرا حتى اليوم واللحظة ولا تريد أن تعترف إلا بأنه معك حق وأنك
لست مخطئ بما فعلت وأني وحدي المذنبة في حق نفسي "
قلت من فوري " أردت أن تحبيني أنا يا سراب , أن لا تأخذك ظنونك بي وأن
لا تحبي آسر الذي فعل كل ما فعل لصالح غيره , وسعدتُ أن ما أردته حدث حقا "
أولتني ظهرها وقالت ماسحة عينيها " غبي وأحمق , هل تضن أني يوم أحببتك
أحببتك لما تفعل وفعلت ؟ فمن يكره شخصا لا يمكن لشيء أن يجعله يحبه
وإن فرش له الأرض ورودا "
رفعت رأسي للأعلى مبتسما ثم نظرت لها وتقدمت خطوتين نحوها وضممت
ظهرها لصدري بقوة وانحنيت لخدها وقبّلته وقلت مشددا لاحتضاني لها
" آسف يا سراب , آسف وآسف وألف مرة آسف على كل ما جرحتك به "
ابتعدت عني وقابلتني وقالت بحرقة " على ماذا يا آسر وماذا "
أمسكت وجهها وقلت بهمس " على كل شيء يا قلب آسر وأقسم لن يتكرر "
بدأت بلكم صدري بقبضتها قائلة ببكاء " أحمق ومغفل ومعتوه "
ابتسمت وقربت وجهها ووضعت أنفي على أنفها وقلت بهمس " أحبك "
قالت ولازالت ضرباتها تتوالى على صدري " أحمق ... أحمق "
فقلت بهمس " آسف "
لكن ضرباتها ودموعها لم يتوقفا ولازلت أكرر بهمس تاركا لها المجال
لضربي كيف تشاء " أحبك يا سراب أحبك "
*~~***~~*
ما أن كانت الثانية عشرة ونصف بعد منتصف الليل غادرت المركز كما
اتفقت وأواس وتوجهت لمنزل خالي فورا فلن أخرج الليلة إلا بها من هناك
وإن حملتها وقفز بها من الشرفة , ولأنها طبعا لا تعلم بقدومي الليلة ولا
تتوقعه فهي لن تخطط لتعكير ما نحن فيه كليلة البارحة فلم أصدق للآن أنها
كانت مجرد مصادفة , وصلت شرفة غرفتها وقفزت بخفة ثم دفعت الباب
ووقفت مكاني مصدوما أنظر للجالس على سريرها مقابلا لي متكئ
بمرفقيه على ركبتيه ناظرا لي بجمود
نهاية الفصل ...... موعدنا القادم مساء الأربعاء إن شاء الله