الفصل الخامس والخمسون
وقفتْ من فورها والتفت وقالت بهدوء " تفضل بما أخدمك ؟ "
نظرتُ للذي مر بجوارنا وتركته حتى ابتعد ثم نظرت لها وقلت " أريدك
في أمر شخصي بعيدا عن الأنظار ولن آخذ من وقتك كثيرا "
نظرتْ لي باستغراب فقلت مبتسما " لا تتسرعي بالحكم علي أو
تفهمي كلامي بشكل خاطئ "
فاجأتني بضحكتها الرقيقة المنخفضة وقالت " لو كانت غيري لفرحت
ضنا منها أنه عرض زواج "
نظرت لها بصدمة بادئ الأمر ثم ضحكت وقلت " لا أنتي متأكد من
أنك لن تفهميها هكذا "
نظرت لي باستغراب وكانت ستسأل عن شيء ومؤكد ( هل تعرفني سابقا )
لكن قاطعها الذي مر بنا قائلا ويديه في جيوب معطفه " الدكتور عوني
يطلبك بعد نصف ساعة آنسة سدين "
وتابع طريقه فتمتمت بعبوس " يا يوم التوبيخ هذا "
ابتسمت مركزا على ملامحها ووضعت يداي في جيوبي وقلت " هناك
معلومة تقول أن أكثر الناس اجتذابا للمشاكل لأنفسهم هم أعقلهم في هذا
الزمن المعكوس في كل شيء "
نظرت لي وقالت بتوجس " ما سر كل هذا المديح ؟ ماذا تريد مني ؟ "
ابتسمت ابتسامة صغيرة فهذه الفتاة يبدوا أنها لم تعد تثق بأن ثمة من ينظر
لها بعيدا عن ظاهرها , قلت بذات ابتسامتي " لا تتسرعي في الحكم علي "
أبعدت نظرها وعيناها الواسعة عن وجهي في حركة تذيب الحجر فكيف برجل
وقالت ببرود " أعتقد من حقي أن أتسرع , ولا تكون تقصد بالحديث بعيدا عن
الأنظار أن نخرج من هنا معا لأني لست من النوع الذي يصوره لك عقلك "
قلت من فوري " أخبرتك أني لا أراك كما يصور لك أنتي عقلك "
فتحت باب الغرفة بجانبها وقالت داخلة لها " أتمنى أن أصدقك "
فدخلت خلفها وهززت رأسي مبتسما فهذه الفتاة حقا فقدت الثقة في الناس رغم
أنها لم تفقد ثقتها في نفسها , كانت الغرفة بطاولة من الخشب وكرسيين عدا
الكرسي الجلدي خلفها وتبدوا مكتبا صغيرا , قالت ما أن وصلت عند الطاولة
" طبعا لن نغلق الباب واهمس همسا أو اكتب لي في ورقة لا دخل لي "
حركت الكرسي بضحكة صغيرة وجلست عليه وقلت " كما تشائين
وأنا لدي شقيقة ولن أرضى لك وما لا أرضاه لها يا آنسة "
دارت خلف الطاولة وجلست على الكرسي الجلدي وقالت ناظرة لي
" بما يمكنني خدمتك يا سيد "
نظرت للطاولة وتنفست بقوة ثم رفعت نظري لها مجددا وقلت " لدي
شقيقة حامل زوجها من أشهر اكتشف إصابته بالإيدز وما عدت أعلم إن
كانت هي مصابة أم لا ولا أريد أن يحتجزوها وابنها حال تبثث إصابتها
ومستعد أن أطير بها للقمر ولا تؤذي أحدا المهم أن تكون أمام ناظري "
نظرتْ لي بصمت وكأنها تنتظر أن أكمل حديثي ثم قالت عندما طال
صمتي " وكيف لم يخضعوها للفحص عند احتجاز زوجها فهذا
ضروري وقانون تابت ؟؟ "
نظرت ليدي على الطاولة وقلت " لم يُسلم نفسه "
قالت بهمس مصدوم " وكيف علم إذا ! "
تنهدت بضيق ورفعت نظري بها مجددا وقلت " ليس ما في ذهنك
حدث ولم تكن له علاقات بنساء لكن الأمر حدث وهوا متأكد منه "
جالت بنظرها بتفكير لبرهة ثم نظرت لي مجددا وقالت " هل تعي معنى
خرق قانون كهذا ؟ وأنه إن أصيب شخص آخر بسبب شقيقتك أو ابنها
أني سأكون المذنبة قبلك أنت "
قلت بجدية " أقسم لن يحدث وحياتي دون ذلك فقط تبقى شقيقتي
معي يكفيني حُرمتُ منها كل سنين حياتي "
هزت رأسها بحيرة وقالت بحزن " تلك مأساة , فكم من رجال جلبوا المرض
لزوجاتهم وأبنائهم بسبب استهتارهم وتدني أخلاقهم لتدفع زوجته الثمن معه
لكن أن يكون الزوج ليس من أصحاب تلك الطرق الآ أخلاقية فالمصيبة
أعظم بكثير "
ثم نظرت لي وقالت " ومن أخبرك أني سأخدمك في هذا فأنا لم يسبق وفعلتها
صحيح أني أعمل فوق ساعات عملي وأقبل إجراء اختبارات لعينات ليست
مدرجة في لائحة المركز وأتحمل مسئوليتها لكن أن أخترق القانون فهذه
من أخبرك عنها وكذب علي "
قلت ونظري لم يعد يمكنني إبعاده عن عينيها أحببت أم كرهت ذلك فهذه الفتاة
كالبحر كلما تحدثتْ أكثر وغصتَ في طريقة تفكيرها وعقلها انجذبت لها أكثر
" لم يخبرني أحد واخترتك لأني ما أن رأيتك أول مرة علمت أنك ممن يفصلون
بين التفكير بمنطق وعاطفة , بين الواجب والإنسانية وبين ما نفعل لأنه
مفروض علينا فعله وما نفعله لأننا نريده ومقتنعون به "
نظرت لي لبرهة دون أي ردة فعل ثم اتكأت بخدها على راحة يدها المسندة
مرفقها على الطاولة ونظرت لي وقالت بتنهيدة " من قال أن المريخ لا سكان
به ؟ لقد صدقتْ رغد الغبية "
نظرتُ لها باستغراب ولم أفهم شيئا مما قالت فأبعدت يدها وقالت " لن أشرح
لك ما قلت طبعا , وقبل أن أخدمك بأي شيء أخبرني من أين تعرفني
وكيف حكمتَ عليا هكذا فأنت حالة شاذة في تاريخ حياتي "
خرجت ضحكتي رغما عني وقلت " بل أنتي الحالة الشاذة فلم أرى من
تتمسك بمبادئها مثلك لتثبت لنفسها قبل غيرها أنها ستكون كما تريد إن
دارت الأرض أو توقفت "
ضربت بيدها على مجموعة الأوراق أمامها ورفعت منها واحدة ووضعتها
بين وجهي ووجهها وقالت " أنت أيها المريخي قل من أين تعرفني لتحكم
عليا هكذا "
ضحكت ناظرا للورقة البيضاء التي حرمتني بها من رؤية وجهها وقلت
" التقيت بك سابقا في المستشفى الذي كنتِ تعملين فيه ويبدوا أنك لا
تذكرينني من كثرة ما كنتِ تساعدين من يحتاجك , لكني أذكرك جيدا "
رفعت ورقة أخرى ووضعتها مع التي في يدها وقالت " يبدوا أن
واحدة لم تفي بالغرض "
ضحكت في صمت وقالت هي بجدية " اسمع سأقبل فعل ما طلبت ليس
بسبب كلامك عني طبعا , ولا تأتي فيما بعد تطلب أن أفعلها لشخص
آخر أو تدل غيرك علي مفهوم "
قلت مبتسما ونظري على أصابعها البيضاء الرقيقة التي تمسك الورقتين
" أعدك لن أفعلها ثقي بي كما أثق بك , وأزيلي هذه الأوراق فأنتي
تشعرينني بأنك خائفة مني "
قالت من فورها " وتتوقف عن النظر لعيناي وعن كلامك ذاك "
قلت بضحكة صغيرة " حاضر رغم أنها الحقيقة ولم أكذب أو أجامل فيها "
وضعت الأوراق ووقفت قائلة " سأدخِل عينة شقيقتك بدلا عن عينة
أخرى لكن الأمر لن يكون الآن فأعطني شهرا , هل ستنتظر ؟ "
وقفتُ وأخرجت لها الأنبوب الذي يحوي دم دُرر ووضعته أمامها
وقلت " موافق المهم أن يطمئن بالي "
رفعتها وقالت ناظرة لها " جيد عليا سحب المصل الآن وحفظه
فالمدة طويلة "
ثم نظرت لي وقالت " لا يكون الدم لك أنت وتريد خداعي "
نظرت لها بصدمة فقالت قبل أن أتحدثت " أعذرني لكن عليك إعطائنا
عينة من دمك لأفحصها قبل هذه وأتأكد أنها ليست لك "
قلت من فوري " لك ذلك "
أخرجت دفترها ذاك من جيبها وقلما وقالت وهي تكتب فيه " وفي هذه
الفترة لتكن شقيقتك حذرة وإن حدث معها نزيف خدها لهذه العيادة , هناك
طبيبة أسمها رجاء عمران أخبرها أنكم من طرفي وسأتحدث معها "
ثم مزقت الورقة ووضعتها أمامي على الطاولة وتحركتْ من خلفها فرفعتُ
الورقة وتبعتها بنظري ثم غادرت خلفها وهي متوجهة جهة الباب خارجة
منه وقلت " ألن تأخذي مني العينة ؟ "
قالت مغادرة يسارا " لا حاجة لذلك مادمت وافقت فلن يكون الدم لك بالتأكيد "
وغادرت مبتعدة دون أن تعطيني حتى فرصة لشكرها , كم هي فتاة غريبة
حقا , سرت يمينا من حيث جئت وتمتمت هامسا بابتسامة " ورائعة أيضا "
وها قد علمت الآن لما قال خالها إن لم تخدمك فيها لن يخدمك أحد ولما كان
واثقا من موافقتها فهذه الفتاة ستكون نهاية عملها بسبب طبعها الخدوم , نظرت
للورقة في يدي مغادر من هناك ولخطها الرقيق المرتب وابتسمت ووضعتها
في جيبي هامسا " شهر كامل وهذه الورقة برفقتي ؟ هذا كثير عليا يا سدين "
*~~***~~*
مدت لي الكوب فأخذته منها وقلت مبتسمة " لم أكن أعلم أن كسر
اليد أمر رائع هكذا "
ضحكت وقالت " ما أغربك يا ترجمان ! مع كل ما مررت به تري
أن كسر يدك أمر رائع ؟ "
تنفست بضيق وقلت " أنا أهوّن الأمر على نفسي فلا تنكدي
عليا يا ابنة زوجة عمي "
ضحكت وقالت " حسنا يا ابنة شقيق زوج والدتي خُدي علاجك قبل
أن توبخني زوجة عمك "
بلعت الحبتين وشربت الماء وأعطيتها الكوب لحظة ما طرق أحدهم باب
الغرفة ودخل فكانت سراب التي نظرت لي بصدمة وقالت وهي تقترب مني
" كنت أريد توبيخك على سيارتي التي تركها ذاك الأحمق لتضيعيها أنتي
ولم أتصور أن حالتك هكذا !! "
ثم حضنتني بقوة قائلة " حمدا لله على سلامتك يا ترجمان كدنا أن
نفقدك حقا , وحمدا لله أني لم أكن معك في الحادث "
ضحكت غدير وقلت أنا بتألم " آلمتني يا غبية ابتعدي فعظامي جمعها تؤلمني "
ابتعدت عني وقالت وهي تلمس خدي بأطراف أصابعها " ما كل هذه
الكدمة ؟ هذا كله من جنونك في القيادة فكم حذرتك "
أبعدت يدها وقلت " هذه ليست من الحادث بل من قدم ذاك القذر "
نظرت لي باستغراب فقلت " اجلسي وسأحكي لك ما حدث فلا تصدعي
رأسي بأسئلتك عن كل شيء كيف حدث لي "
جلست معي على السرير ومقابلة لي وقد خرجت غدير وأغلقت الباب وكانت
عيناها تتسعان شيئا فشيئا كلما تقدمت في سرد الأحداث حتى انتهيت ففاجأتني
بأن انفجرت ضاحكة فنظرت لها بضيق وقالت هي من بين ضحكاتها
" هذا كي لا تتمني مكان غيرك مرة أخرى ومؤكد تذكرين أنك حسدتِ
دُرر على ما مرت به من تشويق "
قلت ببرود " فرق كبير بين ما مرت به وما مررت به أنا فهي لم
يختطفها أحد ولم تكن على وشك الموت "
تنهدت وقالت بحزن " بل هي مرت وتمر بما لم يمر به أحد "
ثم نظرت لي وقالت " كم حذرتك من التهاون في أمرهم يا ترجمان "
لوحت بيدي وقلت بضيق " يكفيني توبيخ لا ينقصني لومك الآن "
قالت من فورها " معه حق يدق عنقك أيضا فماذا إن لم يذهب لإنقاذك "
نظرت بعيدا وقلت ببرود " هوا لم يوبخني بل عمي من كاد يأكلني حية
ثلاث أيام أسمع منه كل ما لد وطاب "
قالت باستغراب " تقصدي أن زوجك لم يلمك ولا مجرد اللوم ! "
هززت رأسي بلا دون كلام فقالت " لا هذا الرجل ليس طبيعيا , أقسم إن
كان آسر مكانه لجلدني في الشارع أمام الناس وجعلني عبرة لمن لا يعتبر "
رفعت غرتي خلف أذني بأطراف أصابعي وقلت " بل كان يريد أخذي
للمنزل لولا رفض عمي "
نظرت لي بنصف عين وقالت " وتعلمنا الدرس يا ترجمان أم ليس بعد "
رفعت كلتا يداي وقلت باستسلام " تعلمته جيدا وتبت عن قيادة السيارة "
أمسكت وسطها بيديها وقالت " ليس القيادة أعني بل المسكين الذي
يفترض أن يكون خلف المقود "
قلت ببرود " وسامحي أنتي زوجك لنرى "
قالت بضيق " لا تقارني يا ترجمان ولا تستمري في غبائك "
عدلت يدي المجبّرة وغطيتها باللحاف وقلت " حسنا يبدوا أني
غيرت رأيي به قليلا "
ضحكت وقالت " قوليها لغيري فعيناك تقولان أكثر من ذلك بكثير "
قلت مبتسمة بمكر " وعمي هذه المرة سيشفي غليلي منه بما أني لن أقدر عليها "
قالت باستغراب " وأنا جلبني من باب المنزل وقال أنه سيرجعني لأخذ باقي
ثيابي وأغراضي ولم أفهم شيئا ولم أجد وقتا لأسأله لأنه أكمل الطريق
يتحدث بهاتفه "
حركت كتفي وقلت " قال أنه لن يتركنا لهما ولا لأحد من الآن وصاعدا
ولن يريا ظفرينا فقد شملك في إعصار غضبه مما حدث معي "
نظرت لي باستغراب وقالت " ونبقى هنا !! "
تنهدت وقلت " لن يرضى ببقائك في المنزل لوحدك يا سراب وقال من الآن
وصاعدا أنه المسئول عن ثلاثتنا حتى دُرر إن ضايقها أحد من عائلتها "
قالت بضيق " وأين كان سابقا وأنا تحت رحمة أحد رجاله ؟ هل الآن
بعدما استقللت في منزل ملكي تذكرني ؟ "
قلت بهدوء " لا تنسي أنه لم يخبره أحد بما يحدث معك لَما وقف متفرجا "
قالت بذات ضيقها " يكفيه أن يرى المنزل ليعلم بحالي , ثم من سيوافق
أن أعيش في منزل رجل غريب عني "
قلت ببرود " لا تهولي الأمر فمنزله به ثلاث نساء الآن أم تري العيش
وحدك أفضل "
كانت ستتحدث فقلت قبلها " هوا قرر فاتركي الأمر له فأنتي لا دخل
لك ولن يلومك أحد , ولعله يُعلّم ذاك الأحمق زوجك درسا "
تنهدت باستسلام وقالت " أنا وحدي بين ثلاثتنا من بقيت ضائعة , حتى
والدتي كالغريبة عني أزورها لوقت محدد فقط "
قلت بحزن " يكفيك وجودها فوحدي التي ظهر أنها بلا أُم فليتهم يتركوني
أزورها ولو مرة في العام , فاحمدي الله أنها على قيد الحياة "
مسحت دمعة تمردت على رموشها وقالت بحزن " كم أتمنى أن نسعد
ونخرج من بؤسنا فحتى دُرر التي وجدت عائلتها تعيش في حزن لا
يعلمه إلا الله "
قلت بتذمر " سراب من يزور مريضا عليه أن يخفف عنه ويسليه لا
أن ينكد عليه بالمآسي والأحزان "
قالت بابتسامة حزينة " يكفي أننا على قيد الحياة حتى الآن ونرى
بعضنا , أليس هذا رائعا ؟ "
انفتح باب الغرفة حينها ودخلت منه زوجة عمي وقالت مبتسمة " سراب
الغداء جاهز هيا انزلي وغرفتك ستكون جاهزة في وقت قصير "
كنت سأغادر السرير فقالت " أنتي ابقي مكانك ستحضر لك الخادمة
طعامك هنا , وعمتك اتصلت وقالت أنها قادمة هي وابنتيها بعد الغداء "
قلت بتذمر " يمكنني النزول , لما أتناول الطعام وحدي ؟ "
قالت بضحكة " أوامر عمك طبعا فها قد وجدتُ أخيرا سجينة معي في
هذا المنزل الواسع لتسليني "
قلت ببرود " الله أكبر كلٌ يفكر في مصلحته "
ضحكتا معا وغادرتا وتركوني وحدي هنا فلا شيء أصعب على واحدة مثلي
من أن تكون سجينة غرفة , رن هاتفي بجانبي فنظرت له فكان أسم إياس يضيء
شاشته فابتسمت ولم أجب عليه طبعا وما هي إلا لحظات ووصلت منه رسالة
ففتحتها وكان فيها ( لا تقنعيني أن عمك يمسك عنك هاتفك ) فقرأتها ولم أجب
عليه فأرسل بعد قليل ( لست غاضبا منك ولتعلمي فقط أنك أميرتي
في كل حالاتك )
فضحكت وأبعدت الهاتف عني كي لا أضعف وأفعلها وأجيب عليه , دخلت
الخادمة حينها بصينية الطعام قائلة بابتسامة " يضحك وحدك لماذا ؟ "
أشرت لها بيدي وقلت " هاتي ما في يدك , أشعر بالجوع لذلك أضحك
من فرحتي بقدوم خطواتك "
*~~***~~*
فتحتُ باب المنزل ودخلت ووضعت الأكياس في المطبخ ثم توجهت لغرفة
النوم وما أن دخلت وجدت ندى واقفة عند باب الحمام وتبكي بصمت
فتوجهت نحوها من فوري ونزلت عندها وقلت ماسحا دموعها
" ما بها حبيبة بابا ما يبكي ابنتي ؟ هل ضربتك والدتك ؟ "
نامت في حضني وقالت باكية " ماما مريدة "
نظرت لباب الحمام باستغراب ثم وقفت على طولي وطرقت الباب
على صوت تقيئها القوي وقلت " رغد افتحي الباب ما بك ؟ "
بعد قليل انفتح الباب وخرجت منه تنشف وجهها بمنشفة في يدها وتوجهت
للسرير من فورها فلحقت بها قائلا بقلق وخوف " ما بك ؟ هل يؤلمك شيء ؟ "
جلست على السرير ورمت المنشفة جانبا وقالت بصوت متعب
" لا شيء بسام لا تقلق "
ثم مدت ذراعيها لندى التي صعدت لها للسرير فورا ونامت في حضنها
فجلستُ بجانبها ومسحت على طرف وجهها مبعدا الخصلات التي علقت
في وجهها بسبب الماء وقلت ناظرا لوجهها " لن تقنعيني بكلمة لا شيء فأنا
لاحظت اصفرار وجهك من أيام فقفي لآخذك للمستشفى "
هزت رأسها بلا وقالت " لا داعي لذلك يا بسام سأكون بخير "
قلت بضيق " صدَق خالك حين قال ما أفلحكن النساء في رفضكن
الذهاب للمستشفى "
نظرت جهتي تمسح على شعر ندى وقالت بابتسامة متعبة " على أساس
أنتم الرجال تذهبون له ؟ أقسم أنكم تصيبوننا بالجنون حين تمرضون
ونترجاكم ترجي أن تزوروا الطبيب ورؤوسكم كالجدار "
قلت من فوري " ليس وقته الآن فهيا غيري ملابسك لآخذك للمستشفى "
قالت مبتسمة " سأخبرك شيئا واتركنا من فكرة المستشفى هذه "
نظرت لها باستغراب فمالت متكئة برأسها على كتفي وهمست في أذني
" ألم تلحظ شيئا هذا الشهر "
فكرت قليلا ثم قلت مبتسما " أعوذ بالله رحمتني منها تسرق أسبوعا
في كل مرة "
ضحكت ضحكة صغيرة وقالت " ألم تسأل نفسك عن السبب "
نظرتُ لها بصدمة وهي تبتعد عن كتفي ثم قلت بهمس مصدوم
" حامل !! "
هزت رأسها بنعم مبتسمة فانفجرت ضاحكا فوكزت بمرفقها وقالت بضيق
" ما يضحكك فيما علمت ؟ هذا بدل أن تفرح "
قلت بضحكة " قلنا نؤجلهم لا أن تحملي بعد زواج عزام بشهر ونصف "
قالت مبتسمة " والله أراد هذا هل سنعترض ؟ ثم الخطأ عليك وليس عليا أنا "
أمسكتُ يدها وقبلتها ونظرت لندى وأشرت لها بعيناي فقالت بهمس
مبتسمة " نامت من كثرة ما بكت المسكينة "
ضحكت ومررت أطابعي في شعرها وقبلتها بعمق وقلت هامسا
" مبارك لنا حبيبتي , ما أسعدني بهذا "
دفنت وجهها في كتفي وقالت مبتسمة " فسد مخططنا كله "
ضحكت وقلت ماسحا على شعرها " لم نفسد شيئا فقد أخبرني عزام
اليوم أن زوجته حامل "
ابتعدت عني وقالت وهي تبعد ندى عنها " وفسد أيضا ذهابي مع سدين
ووالدتي لمنزل خالي من أجل ترجمان "
وقفت وأخذتها منها وقلت وأنا أحملها " اتركيها عنك ولا تحمليها مجددا مفهوم "
أخذتها لغرفتها وهي تتبعني ووضعتها في سريرها وغطيتها وقبلت خدها
فقالت رغد مبتسمة " مند علِمَت بأن سلسبيل سيكون لديها طفل قريبا وهي
تقول ( لما ليس لدينا نحن أيضا ) وها هوا سمع ندائها "
وقفت وقلت ضاحكا " يبدوا أنه كان خلف الباب ويسترق السمع "
ضحكت وحضنت خصري واتكأت برأسها على صدري وقالت بهمس
" أحبك بسام وحياتي من دونك لا تساوي شيئا "
ضممتها بقوة وقلت " يا قلب بسام الذي يعيش به , أنا من حياتي من
دونكما لا تساوي شيئا "
ثم نظرت لندى التي كانت عيناها مفتوحتان وتنظر لنا وقلت مبتسما
" اجلسي يا ندى لتسمعي الخبر الجميل "
ابتعدت عني رغد حينها بسرعة ووكزتني بمرفقها فضحكت وقلت ناظرا
لها وهي تجلس وتنظر لي باستغراب " سيكون لدينا طفلا صغيرا جميلا "
مسحت عينها بيدها الصغيرة وقالت " مثل خالثي سبيل "
ضحكت وقلت " نعم بل وأجمل منه "
اتسعت ابتسامتها وقالت بحماس " نليده الآن قبلها "
انفجرنا ضاحكين لنتجمد كلينا من الصدمة حين قالت باستغراب
" من أين تحدرونهم ؟ "
أمسكتُ ضحكتي ووكزتني رغد وقالت هامسة " خلص نفسك الآن
يا صاحب الأخبار السارة "
ضحكت وقلت " عمك خالد قادم بعد قليل ألن تذهبي معه ؟ "
زحفت من فورها مغادرة السرير وقالت " نعم أليد خلّووود "
*~~***~~*
سندت يدي بالنافذة المفتوحة أنظر بتركيز للدفتر أمامه وهوا يقول ناظرا له
" ها هي في اليوم الخامس عشر من الشهر الماضي خرجت الدورية
مساءً الساعة العاشرة بقيادتك يا إياس "
قلت من فوري " جيد يعني خرجتُ منها أنا وابحثوا عن المذنب الأساسي "
أغلق الدفتر ونظر لي فوقه وقال " سمعت أن آسر قادم اليوم ألن
نذهب لاستقباله "
نظرتُ لساعتي وقلت " لا يبدوا يمكننا ذلك فالعمل فوق رأسينا اليوم
يا أمين وورائنا أكثر من مشوار نقوم به "
ثم قلت مبعدا يدي عن النافذة " ولا تنسى أنك يوم غد ستكون مشغولا جدا
فعلينا إنهاء كل شيء قبل الليل لتغادر الليلة وتنام "
وقف ونظر لعيناي وقال ببعض التردد " إياس هل تحدثت
معها كما طلبت منك "
تنهدت وقلت " لا يا أمين وأخبرتك أن حديثي معها لن يجدي في
شيء ولا أحد يعرف سدين مثلي "
بدا الضيق على ملامحه وقد أبعد نظره عن عيناي فقلت " الأمر مر
عليه فوق الثلاثة أشهر وأنت خطبت وعقد قرانك سيكون غدا فما
مناسبة طلبك الغريب هذا ؟ "
نظر للأسفل وقال " ظننتها وقت غيظ منها ويمكننا إرجاع كل شيء كما
كان ما أن تهدأ , وخطبتي يمكن أن ألغيها لست أول من فعلها لكن
شقيقتك يبدوا لم يعنيها الأمر من أساسه "
تنفست بقوة وقلت " هل ستلقي باللوم عليها الآن يا أمين ؟ ثم بعيدا
عن كل هذا أنت كنت مجبرا ورضيت من أجلي فيفترض أنك سعيد
بتخلصك منها "
قال بضيق " ما بك يا إياس لا تفتأ تذكرني بأني كنت غير راض وأني
أجبرت نفسي , وألف مرة قلت وأعدت أن اعتراضي لم يكن على
طباعها وطريقة تفكيرها بل مظهرها "
رفعت قبعتي وقلت وأنا ألبسها " حُكمك هذا عليها تغير بعدما تشاجرتما
لكنك في البداية لم تحكم عليها إلا بمظهرها وهذا ما تكرهه سدين "
ثم ضربت على كتفه وقلت " ولا يكن في بالك أني أقولها تذكيرا لك بل
لأذكّر نفسي بخطئي أنا الذي وحدي الملام فيه , ولن يكون أحد الشهود
غدا غيري فاطوي صفحة لتبدأ الأخرى بلا شوائب من الماضي "
رفع قبعته وسار أمامي قائلا " لو كنت خسرتك بسبب ما حدث يا إياس
ما توقفت عن لوم نفسي وأقسم أني لازلت خجلا منك حتى الآن "
ابتسمت وقلت وأنا أسير بجانبه " وأنا أعد أن شيئا لم يكن يا أمين
وأخبرتك أن الخطأ خطئي فلننسى ما حدث "
لم يعلق وتابعنا سيرنا خارجان من المركز , ما يهون الأمر عليا أن سدين لم
تتأثر بطلاقها وتبدوا لي تحسنت نفسيتها أكثر , وهذه هي شقيقتي التي أعرف
وأحب لن يثنيها أمر كهذا مهما كان تأثيره عليها فسدين جوهرة لا يقدر قيمتها
وثمنها إلا صائغ ذكي يفهم في الجواهر من النساء ولابد أن يأتي اليوم الذي
تجد فيه من تستحقه ويستحقها
*~~***~~*
نظرت للجالس أمامي يلعب بورقة صغيرة مطوية بين أصابعه وينظر
للأسفل وقلت بهدوء " ما رأيك يا قصي لا أراك علقت بشيء ؟ "
رفع نظره بي وقال بهدوء مماثل " لا يا دُرر أنا لن أوافق على هذا أبدا "
تنهدت وقلت باستياء " وهل يرضيك أن يأخذ خالتي من هنا ويسافر بها حيث
الله وحده يعلم ما سيحدث لها ؟ وإن كان يستطيع تحمل مسئوليتها والتكفل
بها أم سيشحذان في الطرقات أو تعمل هي وتصرف عليه "
قال بحزم " ولن يكون الحل ما تفكرين فيه يا دُرر, لن أسمح بذلك "
تنهدت بيأس فقال بجدية " تلك الأملاك والأموال تركها زوجك لك وستكون
لابنك معك ولا يحق لنا التصرف فيها ولا إعطاء أحد منها شيئا "
قلت بهدوء " لكن ذلك سيسكته ويخرجه من هنا فوجوده مقيد لي , وحتى
إن أراد أن تعيش خالتي معه لا بأس سيكونون قريبين منا والمنزل باسمها
والمحل باسمه ويخرج من رأسي ويرحمني "
هز رأسه بلا بإصرار كبير فقلت بعبوس " قصي لا تعقدها يا أخي أرجوك
فهذا الرجل أصبح وجوده هنا كابوس جاثم على صدري "
قال من فوره " سأخبره يغادر ولن يأخذ مليما من مالك وعقاراتك
ولا يحلم بها ولا مجرد الحلم "
تنهدت بضيق وقلت " ستغضب خالتي وتحزن وهوا سيجدها فرصة
فكل ما يفعله للضغط علينا ليس إلا "
قال من فوره " لهذا هوا لن يأخذها فكله مخطط منه ويعلم جيدا أنه ليس
حمل مسئوليتها لَما كان تركها كل تلك السنوات معنا فغياث ليس بإمكانه
تحمل مسئولية نفسه ليتحمل مسئوليتها معه "
قلت بتوجس " ولا تنسى أنه علم بمرض أواس ولا تستبعد
أن ينشره بين الناس لأي سبب "
قال من فوره " لا تقلقي من هذه الناحية فتهديدي له من البداية كان
وضحا ولن يجرؤ على فعلها لكان لجأ لها "
قلت بحيرة " والحل الآن ؟ لا أريد أن تغضب خالتي منا قصي أرجوك "
هز رأسه بحيرة وقال " سيكون هناك حل بالتأكيد يا دُرر لكن ليس
الجنون الذي تفكرين فيه "
تنهدت باستسلام ونظرت للورقة التي يحركها على فخذه وقلت
" وأين كنت اليوم بعد عملك وشغلت بال والدتي عليك ؟ وما
سر هذه الورقة التي لم تتركها من يدك ؟ "
نظر لها ثم وضعها على فخذه وضرب عليها بكفه ونظر لي وقال مبتسما
" هذه التي تبحث عنها والدتي وصدّعتني بها طويلا "
نظرت له باستغراب فضحك وقال " مؤكد حكت لك مسيرتها الطويلة معي "
قلت مبتسمة " لا تقل أنك وجدت التي ليست معقدة أخيرا "
ضحك وقال " كنت أعلم أنها ستفعلها وتخبرك بالأمر كما فهمَتْه هي "
قلت مبتسمة " وأَفهمها لي أنت من وجهة نظرك "
وضع الورقة في جيب قميصه وقال مبتسما " والدتي لم يكن يعنيها شيء فيمن
تبحث عنهن سوا ما تراه من ظاهرهن وهذا ما لم أكن أريده , كنت أريد فتاة
أرى داخلها أولا , فتاة أعرف كيف تفكر من أول حديثي معها , فتاة تفهمني
قبل حتى أن أفهم أفكارها , وهذا ما لم تستطع والدتي البحث عنه "
هززت رأسي وقلت بحيرة وابتسامة " كيف تريدها أن ترى دواخلهن يا
قصي ؟ هذا أمر وحدك تستطيع الخروج به "
قال مبتسما " وهذا ما لم أخرج به من أي واحدة منهن كنت أقابلها بعد إصرار
والدتك ولا تظهر أمامي بطبيعتها أبدا , كانت دقائق مهما امتدت لن أرى فيها
حقيقة شخصيتها , وكنت أول ما أشعر به حيال أي واحدة منهن أنها
معقدة وأني لم أستطع فهمها "
هززت رأسي بحسنا وقلت " الآن فهمت "
ثم أشرت بعيناي على جيب قميصه وقلت " وصاحبة هذه الورقة هي
من فهمتَ دواخلها وقلّبتها كالكتاب أمامك ؟ "
ضحك وقال " بل هي من تُقلب نفسها أما الجميع ككتاب
مسترسل ومفهوم ورائع أيضا "
ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " ما كل هذا ؟ يبدوا أنها أصابتك
في مقتل يا شقيقي "
ضحك ولم يعلق فقلت " ومتى تفكر في أن نخطبها لك "
نظر للأسفل وقال بهدوء " ليس الآن فعليا ترتيب أموري وشراء منزل
أولا وجمع ما أرفع به رؤوسنا أمامهم "
قلت من فوري " كيف تقول هذا يا قصي ؟ هل سيشترون رجلا أم ماله ؟
ثم كيف تفكر في المال وأواس ترك ما لا يمكن حصره في يوم "
نظر لي وكان سيتحدث فقلت بحزم " ولا كلمة يا قصي , هل تظن أني
سأكنز كل هذا وأتفرج عليه "
قال بجدية " وأنا أريد أن ابني حياتي بمجهودي يا دُرر لا بمال زوجك "
قلت من فوري " ومن قال أنك لن تبنيه بمجهودك "
نظر لي باستغراب فقلت " كنت سأحدثك في هذا وها قد جاء أوان الحديث في
الأمر , أريدك أن تمسك كل ما تركه أواس , أن تَرجع البضائع والسيارات من
المستودعات وتُفتح المحلات والمعرض كالسابق وسأعطيك مفتاح المنزل لتدخل
مكتبه وتجلب كل ما سيساعدك من أوراق , والرجال الذين كانوا يعملون معه
جميعهم ينتظرون فقط أن تدار الأملاك مجددا ومستعدين للعودة كما كانوا "
نظر لي بحيرة وقال " دُرر تغير كلامك وكل شيء فيك عن السابق !!
حتى ابتسامتك أصبحنا نراها من وقت لآخر فما الذي حدث ؟ "
تنهدت بحزن وغبت بنظري للأرض وقلت " لا أريد أن يكبر ابني ويلومني يا
قصي على ماله الذي سيضيع لو بقيتِ البضائع مركونة مكانها , ولا تتحدث
عن تغيري فالله وحده يعلم الليل الذي تنامه الناس كم أعاني فيه , لكن الواقع
واقع ولا مفر لي منه يا شقيقي ويكفي حتى هنا ما عانيتم جميعكم بسببي "
وقف وجلس بجواري وضمني لحضنه وقال بحنان " ليعوض الله صبرك خيرا
يا دُرر , أقسم لو بيدي شيء ثمنه عمري ما توانيت في دفعه , ولو أن الصحة
تُعطى لأعطيت صحتي له ورأيت فرحتك وسعادتك ولو يوما في عمري "
ضممته بقوة وقلت ببكاء " لا حرمني الله منك يا قصي فأنت نعم الشقيق حقا "
أبعدني عنه ومسح دموعي قائلا " هيا جهزي نفسك لآخذك لشقيقتك أم
نسيتِ أنك ستذهبين لها "
مسحت عيناي وهززت رأسي بحسنا وقلت بابتسامة حزينة " أخبرني أولا
من سعيدة الحظ هذه التي اخترتها "
ضحك وقال " سأخبركم في وقتها فالموضوع لازال بيني وبين نفسي
وقد تتزوج قبل حتى أن أخطبها "
أمسكت يده وقلت " اخطبها إذا وتزوجا متى ما ناسبك ولا تتركها
بعدما وجدتها كما تريد وتتمنى "
كان سيقول شيئا لولا أوقفه صوت جرس الباب فوقف قائلا " جهزي
نفسك لآخذك في طريقي "
نظرت له فوقي وقلت " فكر فيما قلت يا قصي ولا تدع الفتاة تذهب منك "
ضحك وشد أنفي قائلا " دعينا نرى ابنك المنتظر أولا , لا نريد منافسين له "
وقفت وقالت مبتسمة " ما أن تتزوج وتنجب يكون هوا أخذ حصته منك وزيادة "
انفتح باب الغرفة حينها وكانت والدتي وقالت بشيء من التوجس
" دُرر ثمة رجل على الباب يريد مقابلتك "
نظرت لها باستغراب وقلت " يريد مقابلتي أنا ؟ "
هزت رأسها بنعم وقالت " قال أنتي وجميع من في المنزل وسأل عن
قصي إن كان موجودا "
تبادلت وقصي نظرات الاستغراب ثم خرج في صمت فقلت
" ألم يخبرك من يكون ؟ "
قالت من فورها " قال رِفعت صياد "
قلت مستغربة " هذا عم ترجمان العقيد رِفعت ما أحضره يا ترى !
ولما يريدنا جميعا ؟؟ "
قالت مغادرة " غطي شعرك واخرجي له وسأنادي البقية "
ثم غادرت الغرفة وتركتني واقفة مكاني في حيرة من أمره ثم غطيت شعري
وخرجت فكان جالسا وسط المنزل مع قصي وغياث وجدتي وكانتا والدتي
وخالتي يقفان بعيدا عنهم قليلا فقال مبتسما ما أن رآني " تعالي يا دُرر اجلسي "
اقتربت منهم وجلست مبتعدة فنظر لكل من حوله ثم قال بجدية " أنا هنا من
أجل ابنتي دُرر كما أخبرتكم , وها أنا أقولها أمامها وأمام جميعا "
ثم نظر لي وقال مشيرا لقصي وغياث " هذان الرجلان من عائلتك إن ضايقك
أحدهما بربع كلمة فقط اتصلي بي وفي ظرف ثانية يكون في السجن وإن تعفن
فيه فلن أُخرجه منه أما النساء إن ضايقتك إحداهن فأعلميني فقط ومنزلي
مفتوح لك ولن يروك ولو زحفوا أمام بابه "
كانت نظرات الصدمة موجهة له من الجميع وتابع هوا متجاهلا كل ذلك
" وأعتذر منك يا دُرر إن غفلت عنك سابقا لكن هذا لن يحدث مستقبلا
فتذكري دائما أن لك والدا أسمه رِفعت ولن أتوانى عن الوقوف
معك ساعة ما تطلبينني "
نظرت من فوري لغياث فنظر للأرض هاربا من عيناي فقلت ونظري
لازال عليه " حاضر يا عمي وأنا لن أسكت إن ضايقني أحد "
وقف حينها وقال " إذاً أراك على خير , وأعتذر منكم جميعا على
هذه الزيارة المفاجئة "
ثم غادر على صمت الجميع وقد أوصله قصي للباب ووقف غياث ودخل
لغرفته من فوره , لقد جئت في وقتك لتسد حلق هذا الرجل ومؤكد لن يبقى
هنا بعد اليوم , عاد قصي وقالت جدتي " ما به هذا الرجل يهددنا في
وجوهنا ؟ هل سيشعر هوا بابنتنا أكثر منا ؟ "
قال قصي ضاحكا " كنتِ قلتيها له هوا قبل أن يخرج "
قالت بضيق " وهل تضنني وقحة أقول هذا لضيفنا "
قالت أمي " بارك الله فيه من رجل , فما جلبه إلا تفكيره في مصلحة
دُرر فقط أما نحن فلا يعلم عن أطباعنا يا أمي ليتهمنا "
قلت بهدوء " هذا الرجل وقف معنا من أول ما وجدونا وبفضله بعد
الله تداركنا الفضيحة التي خططت لها العجوز التي اختطفتنا لذلك
يعد نفسه مسئولا عنا "
قالت جدتي ببرود " وإن يكن يحترم العجوز التي في عمر ابنته "
ضحكنا عليها جميعنا وقال قصي " هيا يا دُرر ستعطلينني على هذا الحال
ومنزل عم شقيقتك بعيد قليلا عن منزلنا "
وقفت من فوري وقالت والدتي " سلمي لنا عليها وأخبريها أننا سنزورها لاحقا "
هززت رأسي بحسنا وتوجهت لغرفتي لبست عباءتي الواسعة وحجابي
وخرجت وكان قصي في انتظاري في سيارته فركبت وقلت ما أن
تحركنا " جاء في وقته "
ضحك وقال " وكأنه كان يسمع حديثنا "
قلت بهدوء " بل يسمعه من لا يخفى عليه شيء وهوا من أرسله لنا "
قال ونظره على الطريق " غدا سيجمع حقائبه ويسافر وقولي قصي قالها "
قلت بحزن " ما يحزنني هي خالتي فستحزن على فراقه "
قال وهوا يدس تلك الورقة في صندوق سيارته " خالتي معتادة على غيابه
أنا عشت معها وأعرفها "
نظرت له وقلت مبتسمة " هل ستأخذ هذه الورقة حيثما ذهبت ؟ "
ضحك وقال ناظرا للطريق " لا تجعلني أندم على أني أخبرتك عنها "
قلت بذات ابتسامتي " حسنا سأسكت إذاً "
*~~***~~*
نظرت لها وهي ترتب أغراضها في خزانتي وقد قررت طبعا أن نكون
معا في نفس الغرفة وقلت بهدوء " كيف كانت زيارتك لوالدتك ؟ أراك
لم تبقي ما خططتما له ، لا يكون زوجها نكد عليك ؟ "
قالت منشغلة بما تفعل " لا هوا كان راقيا معي ومحترما لكن بقائي
هناك وهوا يعلم أن طائرة آسر اليوم ستكون حركة غبية وسيعلم
فورا أننا متشاجران "
قلت بتوجس " ألن تذهبي لهم ؟ أليست هذه أيضا حركة سخيفة أن لا
تكوني في استقبال والدهم معهم ولا يجدك مع عائلته وقت قدومه
وبلسانك قلتِ أنه فعل الكثير من أجلك "
لم تعلق وكأنها لم تسمعني فقلت " هيه سراب أنا أكلمك "
قالت ببرود وما تزال مولية ظهرها لي " وأنا سمعتك "
قلت من فوري " أجيبي على سؤالي إذا "
قالت بصوت منخفض ونبرة حزينة " لا أستطيع ولا أريد "
تنهدت بضيق وقلت " لا تكوني ضعيفة واذهبي وتجاهليه وكأن
الله لم يخلقه "
توقفت عن ترتيب ملابسها وقالت بأسى " الكلام سهل لكن التطبيق
لن يكون كذلك يا ترجمان "
كنت سأتحدث لكنها التفتت لي وقالت بحرقة " هل تتخيلي معنى أن يغيب
لشهرين كاملين لا أراه ولا أسمع صوته ؟ وفوق جرحي منه وألم قلبي
أكون مشتاقة له وأراه أمامي ، هذا فوق طاقتي ولن أقدر عليه "
نظرت بحيرة لملامحها التي تخفي أغلبها خصلات شعرها المصبوغ بالبني
والمخصل بخصلات بلاتينية وقلت " سراب عليك أن تجدي حلاً قبل
أن ينفجر قلبك في صدرك وتموتي "
ولتني ظهرها وقالت وهي تمسح عينيها " لا حل عندي فلينفجر وكرامتي
لن انزلها له أبدا ولن أنسى ما فعل بي "
تنهدت بيأس وقلت " وحين لن تذهبي ستُظهرين له ضعفك وانهزامك "
عادت لترتيب حاجياتها قائلة " أمي طلبت أن آخذ مال والدي تصوري ؟ "
الحمقاء تغير الموضوع لكن لا بأس فهوا أهم من آسرها ذاك , قلت
بجدية " وذاك من حقك وهي ليست بحاجة له "
أغلقت باب الخزانة والتفتت لي واستندت عليه ويداها خلفها وقالت
" لكني رفضت "
نظرت لها بصدمة فنظرت للأرض وقد نزل شعرها مغطيا وجهها وقالت بأسى
" لا تسألي لما ولا تلوميني , أقسم يا ترجمان أني كرهت المال , فمنذ عرفته وأنا
أخسر من حولي ولا أريد أن أخسرك أنتي ودُرر أيضا بسببه فوحدكما بقيتما لي "
تنهدت بأسى وقلت " غيّرك كثيرا ذاك المجرم المحترف يا سراب "
مسحت عيناها ورفعت شعرها عن وجهها ممسكة له للأعلى بأصابعها ورأسها
لازال للأسفل وقالت " غيرني ولم يتغير هوا , ينجح دائما وأفشل أنا يا ترجمان
حتى المشاعر فجرها بداخلي وهوا كقالب جليد لم يحرك ساكنا "
قلت بحزم " أضربي قالبه إذا وحطميه لفتات ثلوج , أقسم أن يكون باطنه
نار تغلي وخارجه قشرة هشة , أنتي فقط أشعليه ولا تعامليه بجليد كجليده "
تنهدتْ بحيرة ولم تتحدث ثم نظرت للباب الذي طرقه أحدهم ثم فتحه ودخل
وكانت سدين وخلفها عمتي خلفهما زوجة عمي وتوجهت نحوي قائلة بابتسامة
" سمعت في محطات الأخبار أن ثمة فتاة طارت من سيارتها وسببت
شقا في القشرة الأرضية ولم أتصور أنها أنتي "
ضحكت وقلت " لا تحضنيني عظامي متكسرة جميعها ... تفهمي "
اقتربت مني وقفزت على السرير وحضتني قائلة " رغما عنك
سأحضنك يكفي رجوعك لنا من الموت "
قلت بتألم " عمتي ابعدي ابنتك عني "
ضحكت واقتربت منها وأبعدتها قائلة " ألم تقل لك أن جسدها
يؤلمها , ابتعدي هيا "
ثم قبلت خدي قائلة " حمدا لله على سلامتك يا ترجمان , لا تخفينا
عليك هكذا مجددا "
ثم سلمت على سراب وجلست على طرف السرير وقالت بتوجس
" لا تكوني لازلتِ غاضبة مني يا ابنتي "
قلت بعبوس " ها أنا أحاول أن أسامحكم لكنكم أجرمتم في حقي فعلا "
قالت بهدوء " كان رغما عنا , لقد اعترضت بادئ الأمر كثيرا وغلبنا بعناده
لذلك أقسمت عليه إن طلقك يخرج بعدك لأني أعلم أنك لن ترضي
بذلك وستصرين على الطلاق "
قالت سدين واضعة يداها وسط جسدها وناظرة لها " كم تكلمت وعاندت
وبكيت وبلا نتيجة معكم وأحضرتموها تلك الجنية "
ضحكت عمتي وقالت " سدين تكره سهاد ومن صغرها وزاد
عليها أن خطط إياس لذاك الأمر "
كانت زوجة عمي تنظر لنا بحيرة ولم تفهم شيئا فقلت " ها قد فضحتمونا
مع زوجة عمي , هل تريدوا أن يأتي ابنها يشبه تلك الشاحبة من كثرة
ما ستفكر فيمن تكون وأكرهه هوا أيضا "
ضحكت وقالت " وفيما سأفكر وأنا لم أفهم شيئا سوا شاحبة وجنية
والجميع يكرهها "
نظرتْ لها سدين بنصف عين وقالت " وقولي أن عمي لم يحكي لك
عن
قصص العائلة جميعها "
هزت رأسها بلا وقالت مبتسمة " لم يسبق أن تحدث أمامي عن
أحد وليس ذاك طبعه أبدا "
دخلت بعدها غدير وانضمت لنا وتشعبت الأحاديث والضحك
*~~***~~*
دخلت دُرر لمنزلي ونظرها للأرض فنظرت لشقيقها وقلت
" لو علمت أنكما قادمان لأحضرتكما معي "
ضحك وقال " ومن سيرجعني أنا حينها ؟ "
قلت ضاحكا " أنا طبعا "
ثم قلت بجدية " ماذا حدث معك بشأن التحليل ؟ "
هز رأسه وقال مبتسما " كل شيء سار كما توقعت "
ابتسمت مركزا على ملامحه وقلت " جيد لم تتعبك ابنة شقيقتي إذاً "
قال بضحكة " كم واحد قبلي أرسلتهم لها ؟ "
ضحكت كثيرا فهذا الشاب وقع في المصيدة كما أردت ولن تجد سدين أفضل
منه ونظرتي في الرجال لا تخيب فقد أبهر الجميع في مبنى الاستخبارات بذكائه
وفطنته وإن لم يفهم رجل مثله سدين ويراها كما نراها نحن فلن تجد رجلا يفهمها
أبدا ويكفي ما فعل ويفعل من أجل شقيقته وتحمّله لمسئولية جدته ووالدته وخالته
لأعوام , قلت مبتسما " أنت أول شخص أرسله لها طبعا والأخير وهل تضن أن
العينة إن كانت لك أنت ستوافق ؟ أنا أعرف ابنة شقيقتي جيدا ما وافقت
إلا من أجل شقيقتك وابنها "
نظر ليده التي يسندها على سقف سيارته وقال " ألن تضرها بهذا ؟
أخشى أن تسجن بسببنا "
قلت ناظرا له ومبتسما بانتصار " لا تقلق إن حدث ما تخشى فلا
تنسى أنه يمكنني تخليصها بسهولة "
نظر للشارع ثم للطريق ويبدوا مترددا في أمر ما أو سؤال يريد طرحه
ويخشى أن أفهمه بشكل خاطئ , نظر بعدها للأسفل وقال بتردد واضح
" تبدوا ليست مرتبطة "
اتسعت ابتسامتي وقلت " لا لا تخشى من زوجها أن يغضب
منا , هي مطلقة "
نظر لي بسرعة ومفاجأة فقلت مبتسما " لم يكن زواجا فعليا كان
عقد قران فقط ولم يُكتب لهما نصيب "
قال من فوره " هوا السبب فيه بالتأكيد "
قلت بابتسامة جانبية " أراك مهتما للأمر "
أبعد نظره عني وقال " آسف لتدخلي في أمور لا تعنيني , أنا فقط فكرت
أنه حكم عليها بمظهرها كما يفعل الكثيرين قبل أن يعرفوها جيدا "
قلت مبتسما " بل هي من أصرت على ذلك , ورجال يحكمون على المظاهر
فقط لا نريدهم , وسدين تحديدا لن تخرج من تحت يدنا لأي كان وقد رفضتُ
وشقيقها اثنين بعد طلاقها لو علمت عنهم قد تغضب منا لأننا لم نأخذ رأيها "
قال بتوجس " وما مواصفات هذا الذي ستوافقون عليه ؟ "
ضربت على كتفه وقلت مغادرا " رجل يرى داخلها كما قلتَ أنت "
ثم غادرت من هناك راكبا سيارتي وخرجت سيارته خلفي , يبدوا نجح هذا
الشاب في الاختبار فما كان صعبا عليا أن أخبره أني طلبت منها أن تأخذ عينة
شقيقته ولكنت أخبرتها أني أنا من أرسله لكني أردت أن يرى بنفسه كيف تكون
وكنت أراهن على أنه لن يُخيّب ظني وسيكون كما توقعت , ولن أترك إياس
يوافق على أحد يخطبها حتى يفتح قصي الموضوع معي ومتأكد أنه لن يتأخر
ولن تكون إلا له , ما يحيرني كيف وقع سريعا من أول لقاء لهما !! هل تعرف
عليها من قبل يا ترى ؟ أخرجني من أفكاري رنين هاتفي فأجبت عليه قائلا
" أجّل الأمر قليلا يا حاتم أنا في طريقي للمطار "
*~~***~~*
خرجنا من باب المسافرين وأنهينا باقي الإجراءات وهوا يسير بجانبي بمساعدة
العكاز الطبي الذي أكد لنا الأطباء أنه سيستغني عنه سريعا ولن يعاني سوا من
عرج في مشيته وسيستعين بعكاز عادي لفترة , وهذا أكثر ما أستطاع الطب عليه
وإن كان هناك أكثر منه لبعت نفسي من أجل فعله , نظرت له وقلت " هل احضر
كرسيا ؟ أنت ترهق نفسك كثيرا هكذا وقد تتعبك ساقك ليلا "
قال مبتسما " اتركني يا بني فقد تعبت من الكرسي ومن الجلوس , ثمان
سنوات وأنا أتمنى هذه اللحظة التي أقف فيها ويائس من قدومها "
قبضت على يده وقلت مبتسما " حمدا لله الذي أراني هذا اليوم أيضا "
ربت على كتفي وقال " رحمته طالت كل شيء "
وسرنا بعدها خارجان أجر عربة حقائبنا وقلت مبتسما " لا أحد في استقبالنا
اليوم فأصدقائي في عملهم واعتذروا عن المجيء , يبدوا لا أحد سعيد بعودتنا "
ضحك وقال " ستجد الحفل أمامك في المنزل وإحدى عشر شخصا
سعيدا فلا تستعجل "
ضحكت دون أن أعلق ووصلنا الباب حينها لنفاجئ بالعقيد رِفعت أمامنا مسرعا
ووقف من فوره وقال مبتسما " تأخرت كثيرا كنت أود أن أكون في انتظاركما "
ابتسمت له بحب فسلم على عمي وحمّد له السلامة ثم تعانقنا وقال مطبطبا
على ظهري " بارك الله فيك من ابن بار يا آسر "
قلت مبتسما " وهل يمدحون الابن على ما يفعل لوالده ؟ "
قال هامسا " لكنك خذلتني في ابنتي ولن أنساها لك "
ثم ابتعد عني على نظراتي المستغربة وقال مخاطبا عمي صابر
" ما رأيكما في العشاء عندي ؟ "
قال مبتسما " شكرا لكرمك , لن يسمحن بناتي وزوجتي بذلك "
سرنا حينها وقال " إذا في يوم آخر وأريدها عزيمة لجميع رفاق
آسر وأن تكون معنا اتفقنا "
وتحدثا معا عن رحلتنا والعلاج حتى وصلنا السيارة وأنا لم أشارك بشيء ودهني
لازال مغيبا مع كلماته التي همس لي بها , فما الذي عناه بذلك ؟ هل حكت له
سراب شيئا ؟ مستحيل هي لم تفعلها سابقا لتفعلها الآن , إذا هي ابنة شقيقه فعلتها
وأستغرب كيف سكتت حتى الآن ولم تُحرّضه علي , تنهدت بضيق فأكثر ما أكرهه
أن يتدخل الغير في شئوني , ألا ترى نفسك تستحق ولم تفعل بها خيرا أبدا ؟ لا لم
أخطئ أنا أردتها أن تراني بعين المرأة التي تحبني فقط وأن لا تتسرع في أحكامها
علي وأن لا تحبني بأفعالي , تنهدت بأسى وهززت رأسي طاردا تلك الأفكار منه
وصعدنا معه في سيارته وأوصلنا للمنزل وغادر بعد قليل ودخلنا كلينا لتستقبلنا
الزينة التي ملئوا بها وسط المنزل الواسع وصراخ الطفلات المرح مستقبلات لنا
يتبعنهن شقيقاتهن وكل واحدة تسلم علينا محتضنة لنا لتتركنا واحدة وتمسكنا الأخرى
واختلط الفرح بالدموع لرؤيتهن لوالدهم يمشي على قدميه مجددا , فحمدا لله الذي منَّ
عليا أن حققت له ولهن هذا ومهما فعلت فلن أوفيه وزوجته حقهما علي , جال نظري
بينهم من أول ما دخلنا ولم أجد من توقعت أن تأتي ولو من أجل العم صابر وتعطيني
الفرصة لأطفئ الشوق ولو برؤيتها من بعيد لكن يبدوا أنها لم تفعلها هربا من رؤيتي
فهل أصبحتِ لا تطيقين وجودي لهذا الحد يا سراب ؟ اقتربت عمتي سعاد بعدما انتهين
بناتها من حفل الاستقبال واستقبلها عمي صابر فاتحا لها ذراعه فنامت على صدره
ونزلت دموعها التي لم أراها سابقا إلا يوم أصيب ويوم تخرجي من كلية الشرطة
ضمها بذراعه بقوة وقبّل رأسها وقال " شكرا لكل ما فعلتيه لأجلي يا سعاد
كنتِ نِعم الزوجة والعشيرة "
دفنت وجهها في صدره وقالت باكية " حمدا لله الذي رد لك عافيتك ومن أجلك
فقط أما أنا فما كنت لأتضايق ولو بقيتَ مقعدا كل حياتك "
ثم ابتعدت عنه وعانقتني قائلة " رزقك الله أبناء يبروك يا آسر كما أدخلت
السعادة على حياتنا اليوم , ولن ننسى ما فعلت أبد الدهر "
قبلت رأسها وقلت " تعْلَمي أني أكره هذا الكلام , كان يكفيني دعوتك ببر أبنائي "
توجهنا بعدها لصالون الاستقبال وجلسنا جميعنا وإسراء طبعا جلست في حضن
والدها ولم تتوقف عن سرد ما فاته ولم يَحضره معهم وكلهن منشغلات معهما
بالضحك والتعليق , نظرتُ لعمتي سعاد الجالسة بجانبي فنظرت لي مبتسمة
فبادلتها الابتسامة ثم نظرت للأرض وقلت " كيف حالكن جميعا ؟ "
قالت بصوت مبتسم " بخير كما ترى والحمد لله , لا ينقصنا غيركما "
قلت بعد تردد ونظري لازال للأسفل " وكيف هي سراب ؟ "
قالت بعد صمت لحظة " جيدة , اتصلت بنا اليوم أكثر من مرة وقبل
دخولكما بقليل أيضا "
لذت بالصمت ولم أرفع نظري بها فأمسكت يدي وقبضت عليها بقوة
وقالت بهمس " لا تلمها يا آسر مؤكد لم ترفض المجيء كرها لك
ولها أسبابها التي لا يفهمها غيرها "
هززت رأسي بحسنا ولم أعلق ثم رفعته سريعا على صرخة ريحان
قائلة " سرااااب "
وركضت هي وعبير نحو الداخلة من الباب تنظر لهما مبتسمة
نهاية الفصل .... موعدنا القادم الخميس إن شاء الله