الفصل الخمسون
خرجتُ من خلف طاولتي وتوجهت نحوها وأمسكت يدها وسحبتها منها
وخرجت بها من المركز حتى وصلنا سيارتي وأوقفتها عليها وقلت
" وهل هذا وقت تدخلين فيه قسم شرطة ؟ "
أشاحت بوجهها عني وقالت ببرود " أعتقد أنه لا يوجد أوقات
محددة لدخول النساء ولم أجد ورقة مواعيد على باب المركز "
قلت ببعض الضيق " لديك محامي كما أعلم وهناك غيره ملايين
في البلاد تلجأ لهم النساء في هذه الأمور "
نظرت لي وقالت من فورها " أنا قلت أريد أن أشتكي وليس
أرفع قضية "
تنفست بقوة ونظرت للأرض تحتي ثم نظرت لها وقلت
" ومن هذا المجرم الذي جعلك تدخلين المركز ليلا لتشتكي فيه "
قالت بهدوء " بل أردت رؤيتك والتحدث معك في أمر مهم "
قلت بسخرية " هنا والآن ؟ "
قالت بجمود " نعم ولن أبرح هذا المكان حتى تعدني أنك ستفعل ما
سأطلبه ولن أطلب منك غيره في أي يوم "
مررت أصابعي في شعري أنظر لحركة السيارات في الشارع أمامي
فقالت " اعتبره طلبا أخيرا مني "
ركزت نظري على عينيها وقلت " طلاق لن أطلقك "
نظرت جانبا وابتسمت بألم قائلة " أخبرتك أنك ستفعلها , ثم ليس
هذا ما جئت من أجله "
بقيت أنظر لها بصمت فنظرت للأسفل حيث أقدامنا وقالت بهدوء
" المنزل الجديد سجَلته بسمك أم بسم العم صابر ؟ "
بقيت أنظر لها مستغربا فرفعت رأسها ونظرت لي وقالت
" بسمه مؤكد أليس كذلك ؟ "
قلت بجدية " تعلمين طريقة تفكيري فلما تسألين ؟ "
قالت من فورها " أَقسم لي يا آسر "
نظرت لها باستغراب فقالت ودمعة ملئت عينيها تتلألأ تحت ضوء
مصابيح الشارع " قل قسما لم أفعل كل ما فعلت لأقهرك وأكسرك "
تنقلت بنظري بين عينيها المحدقة بي تترقب جوابي ثم مددت أصابعي
لعينيها ومسحتها بأطرافها وقلت " كما أخبرتك أنتي تستطيعين قراءة
أفكاري ولا أريد الجواب مني أنا "
ثم أنزلت يدي ودسستها في جيبي مرغَما ومبعدا لها عن وجهها ونظري
لازال يبحث في عينيها مخافة من جوابها , لا تقوليها يا سراب لا تضني
بي السوء مجددا وترميني به بلسان حاد وقاسي , خوني توقعاتي أرجوك
نظرت للأسفل مبعدة نظرها عن عيناي وقالت ببحة " هل ستفعلها من
أجلي أم ستتركني واقفة في الشارع هنا حتى الصباح لأني لن أغادر "
نظرت للسماء وتنفست الصعداء من جوابها وإن كان الصمت فعلى
الأقل أعطت نفسها فرصة لتكتشف ولم تستعجل الحكم كعادتها
نظرت لها وقلت بهدوء " سأفعل ما في وسعي , إلا الطلاق طبعا "
رفعت نظرها بي مجددا وقالت " ولما تتمسك بي وأنت لا تريدني ؟ "
نظرت بعيدا عنها ولم أجب وساد صمت مبهم تخلله أصوات السيارات
المسرعة على الطريق جعل لصمتنا معنا واحد فقط ( الجميع يسير
إلا نحن , كل شيء يتحرك من مكانه ونحن جامدان )
أعادني من كل ذاك صوتها الهامس " آسر "
نظرت لعينيها التي عادت لتمتلئ بالدموع مجددا وقالت ببحة
" لا تخذلني فيك أكثر , أقسم أني اكتفيت "
وضعت أصابعي على شفتيها مسكتا لها وقلت " لم تخبريني ما جاء
بك تصرين عليه هكذا "
فأنزلت رأسها مبعدة له عن أصابعي وقالت " أريد أن نستبدل
المنازل وبلا دفع الفارق "
فتحت باب السيارة وقلت " اركبي "
نظرت لي باستغراب فقلت " شرطك للمغادرة كان أن أوافق وأنا
سأعرض الأمر على عمي صابر فكلا المنزلين لم يعودا ملكا لي "
قالت من فورها " لا أريد أن تعرضه عليه بل أن تقنعه وسيصبح
المنزل بِسمه ولا حجة له ليرفض البقاء فيه "
قلت " بشرط "
نظرت لي بصمت وترقب فقلت " أنا من سيتكفل بكلى المنزلين "
هزت رأسها بلا وقالت " بل أنا من سأعمل "
كنت سأتحدث فقاطعتني قائلة " أعتقد أنه من حقي يا آسر "
قلت بضيق " وأي عمل هذا بشهادتك تلك ؟ "
قالت بضيق مماثل " لا تستنقص من شهادتي , وسأعمل بائعة في
مشتل وأعتقد أنه عمل تلزمه شهادة كالتي لدي "
نظرت للسيارة وقلت " اركبي لأوصلك وسنرى في ذلك الأمر "
قالت ولم تتحرك من مكانها " أمر عملي يخصني يا آسر فلا تعارضني فيه "
نظرت لها وقلت بضيق " سراب عليك أن تعلمي أمرا واحدا عني كنت
أضن أنك تعرفيه جيدا وهوا أني لا أكون إلا مسئولا عمن هم تحت
رعايتي .. الله خلقني هكذا "
قالت من فورها " قلت لك أن تـ... "
أشرت لها على شفتاي بسبابتي وقلت " أصمتي قلت طلاق لن أطلقك "
تحركتْ حينها وتوجهت للطريق وأوقفت سيارة أجرى وركبتها وغادرت
تاركة إياي واقفا مكاني وباب سيارتي مفتوح فضربته بقوة ووقفت مكاني
أراقب سيارتها حتى اختفت , عودي يا سراب فلازلت أنتظرك مثلما لازلتِ
تحتفظين بصمتك ولم ترميني بتهمك وظنونك واستنقاصك لي كما كان في
السابق , لازال ثمة أمل إذاً فعودي لأني تعبت من بعدك عني .. تعبت حقا
تركت كل تلك الأفكار والأميات خلفي مثلها وعدت للمركز ودخلت على
أصوات ممازحات من مررت بهم فنظرت جهتهم وقلت
" كلمة أخرى وسأسجنكم جميعا "
قال محمود الواقف معهم مستندا بالجدار " يحسدونك ليس إلا فمن
هذا الذي تشتاق له امرأة وتزوره في المركز "
وانطلقت ضحكاتهم العالية فتجاهلتهم وعدت لمكتبي
*~~***~~*
رفع يدي من على صدره وقبلها وقال " شكرا يا رغد "
نظرت لوجهه وقلت مبتسمة " ومن عليه شكر الآخر أنا أم أنت "
ضحك وأمسك أنفي وقال " أنا طبعا "
قلت مبتسمة " لا داعي للشكر كلها ألماسة صغيرة لم تكلفني شيئا "
ضحك وضمني له أكثر وقال " شكرا لتحملك لعائلتي فقد خشيت بعد
عودتنا للمنزل أن أرى دموعك الغالية من تجريحهم لك "
أحطت خصره بذراعي متكئة على صدره وقلت " لا تقلق من هذه
الناحية , ثم هم لم يخطئوا في حقي أبدا "
ثم تنهدت وقلت بحزن " أنا لا أخشى على نفسي منهم يا
بسام بل على ندى "
قال باستغراب " هل قال لها أحدهم شيئا ؟ "
جلست مبتعدة عنه وقلت من فوري " أبدا لم يحدث شيء
من ذلك "
ثم نظرت ليداي في حجري وقلت " أخشى حين نرزق بأبناء أن
يعاملوهم بتفرقة وأنت تعلم كم سيؤثر ذلك بها "
قال بهدوء " أعلم فيما تفكرين وأقدّر خوفك يا رغد خاصة أني
أول من تزوج من أخوتي وابني سيكون الحفيد الأول للعائلة
لذلك الحل لدي أنا "
نظرت له باستغراب فأمسك يدي وقبل باطن كفها وقال " عزّام
سيخطب هاذين اليومين لذلك سنؤجل فكرة الإنجاب حتى ينجب
هوا الحفيد الأول للعائلة "
فتحت فمي لأعترض فأسكتني قائلا " لا نقاش في قراري يا رغد
لأني فكرت في الأمر من قبل أن تتحدثي عنه ولا تخافي على ابنتك
فهي تفرض نفسها على القلوب , هم فقط يحتاجون لفترة وستري
بعينك كيف سيحبونها , لذلك من واجبنا أن نعطيها نحن
هذه الفترة يا رغد "
قلت بحزن " وتؤجل أنت رؤية أبنائك من أجلها ؟ "
قال مبتسما " وأرمي نفسي في النار ولا أرى نظرة
الحزن في عينيك "
ارتميت على صدره وحضنته بقوة وقلت باكية " شكرا يا بسام أنت
أجمل شيء حدث لي في حياتي كلها "
مسح على شعري قائلا بحنان " كل ما أريده وأفكر فيه سعادتنا
يا رغد وأن لا يعكر صفوها شيء "
ثم قال مبتسما " أخبريني الآن ما سر كرهك لي في طفولتك لأني لم
أجد جوابا لهذا السؤال طيلة هذه الأعوام "
ابتعدت عنه ومسحت دموعي وقلت مبتسمة " ولا أنا أعرف السبب
ولا تستغرب ذلك فحتى ندى تكره أحد أعمامها بدون سبب بل وتبكي
بهستيرية إن وجدت نفسها معه في مكان لوحدهما "
شدني له وضحك وقال " لا أنا يبدوا أني كنت أوفر حضا منه "
ثم ابتعد عني بسرعة حين أضاء نور غرفة ندى وما هي إلا لحظات
ووقفت أمامه تفرك عينها بأحد يديها وبالأخرى تمسك دبها وقالت بنبرة
توشك على البكاء " ماما أين ذهبتِ ؟ "
عضضت شفتي محرجة من الموقف الذي يتكرر معنا أكثر من مرة
في الليلة وغادرت السرير وتوجهت نحوها وأدخلتها قائلة
" أنا هنا حبيبتي لم أبتعد , هيا عودي للنوم "
ثم رفعتها ووضعتها على السرير ونمت بجانبها فضمتني بقوة ودسست
وجهها في قميص بيجامتي الحريرية فمسحت على شعرها قائلة " ها أنا
بقربك حبيبتي لا تخافي , اللوم عليا أنا عوّدتك على النوم في حضني "
ثم التفتُّ للخطوات خلفي وكان بسام داخلا الغرفة يغلق أزرار قميصه
الذي لبسه ووصل عندنا قائلا " هل نامت ؟ "
هززت رأسي بلا فدار حول السرير وجلس في الجانب الآخر وفي صمت
يراقبنا وهي متشبثة بي وأنا أمسح على شعرها وأقبّل رأسها كل حين حتى
استسلمت للنوم فأبعدتها عني وغطيتها جيدا فقال هامسا " نامي معها "
هززت رأسي بلا وقلت بذات الهمس " عليها أن تعتاد يا بسام
فلن أظلمك معي أكثر من هذا "
كان سيتحدث فهززت رأسي بلا وبإصرار ثم غادرت السرير وتوجهت
نحوه وشددته من يده وخرجت به من الغرفة ثم حوطت عنقه بذراعاي
وقبلت شفتيه قبلة صغيرة وقلت " وعدتك بأن أشكرك أليس كذلك ؟ "
طوق خصري بذراعيه ورفعني وتوجه بي للسرير قائلا
" نعم والوعد دين "
*~~***~~*
أبعدت الصينية من حجري وقلت " ترجمان من كل عقلك تريدين
أن آكل كل ما يحضروه في كل وجبة "
أعادتها لحجري وقالت " نعم ونفذي الأوامر بدون تذمر أو
جعلتك تأكلين الطبق أيضا "
طرق أحدهم باب الغرفة حينها ودخل فكانت الفتاة الجميلة المدعوة
سدين بمعطفها الطبي الأبيض وبنطلون من الجينز وحجاب زهري
اللون , قالت مبتسمة " صباح الخير على الجميلتين "
ابتسمت لها وقالت ترجمان ببرود " ها قد جاءت المنافقة سدين "
وصلت عندنا وحضنت ترجمان من الخلف قائلة بضحكة
" كم اشتقت لك وللسانك الطويل والمنزل بعدك أصبح لا يطاق "
قالت ترجمان بذات برودها " يبدوا أن لقب منافقة لا يوفيك حقك "
ابتعدت عنها وقالت بضيق " لو أفهم فقط كيف سامحتِ خالي
رِفعت وأنا لا ؟ "
نظرت لها خلفها وقالت " ومن قال أني سامحته ؟ "
كتفت سدين يديها لصدرها وقالت " تعاملك معه قال ذلك "
عادت للأمام وقالت " ذلك لا يعني أني سامحته ؟ وعدم ذهابي
للعيش معه أكبر دليل "
تركتها مستسلمة وتوجهت نحوي وقبلت خدي قائلة " كيف حال
الجميلة اليوم , ولا تقولي أني منافقة "
قلت بابتسامة صغيرة " بخير والحمد لله , ولستِ منافقة وتعرفين
ترجمان جيدا لا تضايق إلا من تحبهم "
ضحكت ونظرت لترجمان بنصف عين وقالت " هل هذا صحيح ؟ "
نظرت لي وقالت " لو لم تكوني حامل لعرفت كيف أقتص منك "
جلست سدين بجوارها وقالت " متى قالت الطبيبة ستغادرين "
قلت من فوري " غدا "
رفعت ترجمان صينية الطعام ووضعتها على الطاولة قائلة
" وما سر عملك هنا قبل المركز ؟ "
قالت حينها سدين بابتسامة ماكرة " أرى أنه لديك جميع
المعلومات عني فمن أخبرك ؟ "
نظرت لها وقلت " شقيقك طبعا "
نظرت لي سدين وقالت " هل رأيتِ حياتك واحدة مثلها لا يؤثر
فيها الكلام مهما قلتِ "
ابتسمت وهززت رأسي بلا فجلست ترجمان على الكرسي وقالت
" صراحة أترحم على من ستحللين لهم لأن مصيرهم الضياع "
ثم نظرت لي وقالت " إن كانت هي من حلل دمك وقالت
أنك حامل فأعيدي الاختبار "
قالت سدين متجاهلة كل ما قالت " لقد تحصل لي خالي رِفعت على
وضيفة في مركز مشهور وطلبوا شهادة كفاءة لذلك أعمل ساعتين
لثلاثة هنا وساعتين هناك كمتدربة "
قلت متسائلة " وفيما متخصص هذا المركز ؟ "
قالت من فورها " علاج ومكافحة الإيدز "
شعرت بجسدي ارتجف وقلت بهمس " عافانا الله "
قالت ترجمان " وكيف سمحتْ لك عمتي "
ثم أشارت لها بيدها وقالت " ابتعدي عن شيقتي وابنها لابد وأنك
أصبتِ بعدوى "
قلت بضحكة متعبة " لو الجميع فكر مثلك فلن يعالجهم أحد "
قالت سدين " أنا لن أراهم تخصصي في قسم المختبرات فقط "
قالت ترجمان " وهنا الكارثة , أي أنك ستلمسن دماء المصابين "
ضحكت وقالت " الأمر ليس كما تتخيلي فكل شيء هناك محاط بعناية وحذر "
نظرت لها ترجمان وقالت " وكيف حدث وطلقك ذاك المغفل شبيه زملائه "
قالت بابتسامة جانبية " يبدوا أنكما تحدثتما معا حتى لم تجدا ما
تقولان سوا تناقل أخباري "
قالت ترجمان ببرود " لا تتهربي من الموضوع "
قالت سدين مبتسمة " لم أتهرب ولا نصيب بيننا وكلٌ ذهب في
حال سبيله "
قالت ترجمان من فورها " ذلك أفضل فأنا لم أحبه من البداية
وسيأتيك أفضل منه بالتأكيد "
لوت شفتيها وقالت باستياء " لا يبدوا ذلك , فجميع من يفكر في
الاقتراب مني يكون من ذاك النوع المقزز من الشباب الذين
يوقفون شعرهم كالقنافذ ويلبسون السلاسل "
ثم تابعت بإحباط " لا أعلم لما يحكم عليا الجميع بمظهري "
قالت ترجمان " لو لم تكن دُرر متعبة لما سلمتِ من نصائحها ومن
أنه من تشبه بقوم فهوا منهم حتى تخرجي من هنا تبكي "
ضحكت وقالت " والنتيجة لن أغير رأيي في نفسي , ولا أحتاج
لرجل لا يحكم عليا إلا بظاهري "
ثم وقفت بعدها وقالت " عليا المغادرة الآن وسأراكما وقت مغادرتي "
ثم خرجت من عندنا فنظرت لترجمان وقلت " ما سر طلاقها ؟ "
قالت بلامبالاة " كانت متزوجة من صديق شقيقها تاجر ويعمل معه في
الشرطة بارد وجاف ومتعجرف , وزواجهما كان بعقد فقط وبعد
تركي لمنزلهم تطلقا وهذه هي الحكاية "
اتكأت للخلف وقلت بهدوء " فتاة غريبة حقا ومظهرها لا يوحي
بروحها الطيبة وقلبها الكبير "
قالت من فرها " وهي تكره أن يحكم عليها الناس بمظهرها ولا أراها
تختلف عن الكثيرات , فكلها فصوص في وجهها وخواتم في أصابعها
وصوت رقيق وغنج وبعض الكلمات الغير عربية "
هززت رأسي بنعم وقلت " معك حق لكن البعض شوه صورة كل من
يحب هذه الأشياء فحتى الفتيات الشاذات لهن مظهر مشابه وإن كان
بمبالغة أكثر "
وقفت وقالت " سأغادر للمنزل لأستحم وأحضر لك ثيابا , هل تريدي
شيئا آخر أجلبه معي "
هززت رأسي بلا فغادرت جهة الباب قائلة " سأحاول أن لا أتأخر
ساعتين فقط أو ثلاثة "
ابتسمت بحزن أراقبها حتى اختفت , ثلاث ساعات وتقول لن تتأخر ؟
أجمل ما فيك يا ترجمان أنك لم تفقدي روحك الجميلة رغم كل ما مررتِ
به , فأنتي أيضا تحتاجين من يفهم دواخلك .. من يرى ترجمان التي في
الداخل ولا يحكم عليك من تصرفاتك الطائشة والمتهورة والمجنونة
استلقيت على السرير يدي على بطني وأغمضت عيناي برفق, أريد أن
أنام فقط , أنام دون أن أفكر في شيء ففي هذه الأوقات التي أكون فيها
وحدي لا مهرب لي من التفكير سوا بالنوم , نزلت دمعتي فورا من طرف
عيني وفكرة واحدة لاحت أمام عيناي ( هل سأنجب طفلي وهوا بعيد عنا
ألن يراه أبدا ؟؟ ) ورغما عني ذهب تفكيري لآخر ليلة نام فيها معي قبل
سفرنا حين همس في أذني قائلا ( لا أحد يوقف أقدار الله يا دُره فإن
حملتِ بابني فلا تتركيه للظلم حبيبتي أرجوك )
شددت الغطاء على وجهي وانسكبت الدموع الواحدة تتبعها الأخرى
وإن كان لساني لم يتوقف عن الاستغفار وذكر الله , فها قد
حدث ما توقعه يا أواس ولن أترك ما خشيه يحدث
*~~***~~*
دخلت المنزل وما أن وصلت عند الباب حتى لفت نظري حديث الطفلتين
الهامس جالستان عند العتبات ولم ينتبها لوجودي وريحانة تقول لعبير
الجالسة بجانبها وبكل أسى " لا أصدق أننا سنغادر من هنا ؟ "
حضنت
عبير وجهها بيديها وقالت بحزن " لن يكون لدينا بعد اليوم
ألعابا ولا حديقة ولا غرف كثيرة ؟ كل هذا سيذهب كما جاء "
قالت ريحانة باستغراب " لكن لما نخرج ! أنا لا أفهم "
تنهدت عبير وقالت " قد تكون سراب طردتنا "
هززت رأسي بأسى من أفكار الأطفال ثم دخلت وصعدت للأعلى
ودخلت لغرفتي وسراب ووجدتها تخرج أوراقا من الخزانة وتجمعها
في صندوق فقلت " ماذا تفعلين ؟ "
نظرت لي ثم عادت لما تفعل وقالت " أجمع أغراضي "
نظرت لها بصدمة وقلت " ولما ؟؟ "
أغلقت باب الخزانة وقالت " حتى هذا المنزل لن يكون ملكا لي قريبا "
شهقت بصدمة وقلت " سلبه منك أيضا ذاك اللص ؟ "
ابتسمتْ بسخرية ولم تعلق فتوجهت نحوها وأمسكت يدها وسحبتها
منها جهة السرير وأجلستها وجلست بجانبها وقلت " تكلمي ماذا حدث ؟ "
نظرت ليديها في حجرها وقالت بحزن " طلبت منه أن أستبدل منزلي هذا
بالمنزل الذي اشتراه للعم صابر بيعا وشراء ليبقوا هنا فهم يرفضون
البقاء فيه وهوا ليس ملكا لآسر "
هززت رأسي بحيرة وقلت " تضحين من أجلهم بآخر ما لديك ؟ "
نظرت لي وقالت بحزن " هذا المنزل يعني لهن أكثر ما يعني لي يا
ترجمان فكيف أراهم أمام عيني يخرجون منه بأعين حزينة وأنا لا
أحتاج لكل هذا المكان الواسع "
شردت بنظري للأرض وتذكرت حديث الطفلات قبل قليل فقلت
" معك حق فأقل ما قد يفكرون فيه أنك من أخرجهم من هنا "
ثم نظرت لها وقلت " وما سيفعل بكل ما أخذه ؟ ما الذي يفكر
فيه ويريده بكل هذا ؟ "
أبعدت نظرها عني وقالت بشرود " قال أنه سيبيع كل شيء ولم
يقل لي ماذا سيفعل به ولا يحق لي سؤاله ولا يعنيني أيضا "
تنهدت بأسى وقلت " عدتِ كما كنتِ يا سراب صفر اليدين وهوا
السبب طبعا بينما أخذ هوا كل ما بقي أو ما أبقى ولم ينل حتى
عقابه على تدميره لثروتك "
لاذت بالصمت لوقت ثم نظرت لي وقالت بحزن " ذهبت له
البارحة لأخبره بشأن المنزل وسألته مجددا عن سبب ما فعل
ورفض الإجابة وكأنه يريد قهري أكثر "
ثم قالت تمسك عبرتها " ولم أبكي يا ترجمان ! منذ البارحة
لليوم ولم تنزل لي دمعة تصوري "
تنهدت بأسى وقلت " تطور جيد لكن هل سيستمر ؟ "
وما كنت أنهيت جملتي إلا وقد دفنت وجهها في كفيها وانفجرت باكية
فأمسكت رأسي بيأس منها ثم ضممتها لحضني وقلت ماسحة على
ظهرها " يكفي بكاء يا شقيقتي قسما أنه لا يستحق دمعة من
عينيك فانسيه وعيشي حياتك "
قالت بعبرة " قال لن يطلقني ورفض الأمر تماما , هل
رأيتِ ما يفعل بي "
قلت من بين أسناني " من يمسكه لي فقط "
ثم ضممتها أكثر وقلت " يكفي يا سراب فأنتي لست بحاجة لتلك
الأموال التي أتت عن طريقه "
قالت بذات نحيبها " لا تعنيني , أقسم أنها لم تعد تعنيني وكنت مستعدة
لفقدها في أي وقت , أنا مصدومة فيه هوا ولا يريد قلبي أن يقتنع ولم
أستطع ولا قولها له حين انتظر رأيي في كل ما فعل "
ربتت على ظهرها وقلت " لن يفيد قولك له يا لص في شيء , انتهى
كل ذلك وقد سرق وأحرق وقتل ولا مبرر له يا سراب "
أخرجت بعدها هاتفي واتصلت بمن عليه أن يجد حلا للحمقى
الذين ورطنا فيهم , رن الهاتف مرتين وأجاب بعدها قائلا
" مرحبا بابنة شقيقي "
قلت ببرود " لا مرحبا بك يا عمي الأناني "
ضحك وقال " مقبولة منك , وما بك ؟ ما هذا البكاء لديك ! "
قلت بضيق " جيد أنك سمعته بدون أن أشرح , وهناك أخرى تركتها
تبكي في المستشفى والسبب رجالك الأوفياء طبعا فمتى سيكون لك
موقف في كل ما يحدث لنا وما أدخلتنا فيه بنفسك "
قال من فوره وبجدية " ما بها سراب من أزعجها ؟ "
قلت بتذمر " وما الذي كنت أقوله منذ قليل "
قال بذات جديته " ثلاثتكن في حسبة بناتي ولن أقف أتفرج
أمهليني قليلا فقط وقادم لكم "
رميت بعدها الهاتف جانبا وقبلت رأسها وقلت " هذه المرة سيأخذ
بحقنا يا سراب وإن لم يفعلها أنا من أخذت لك حقك منه "
*~~***~~*
أخذته من يدها ووضعته جانبا وقلت بضيق " أمي أنا أوصيت صديقا
لي ليتكفل بكل شيء هنا كي لا تتعبوا أنفسكم في المنزل فيكفي تعبكما
هناك ونحن لم نصل إلا من ثلاث ساعات فاتركي عنك كل هذا "
تنهدت باستسلام وقالت " إذا خدني لابنتي لأراها "
قلت بضحكة صغيرة " تريدين تعجيزي ؟ لن تعملي في المنزل
ولن نذهب الآن فجدتي ستصر على الذهاب معنا وهي متعبة
من الرحلة وساقاها لن يرحمانها الليلة "
نظرت لي بنصف عين وقالت " وأنت لن تذهب لها ؟ "
هززت رأسي بلا مبتسما فقالت ببرود " أقطع ذراعي إن
كنت لن تكون خارجا الآن لتذهب لها "
ضحكت دون تعليق فقالت " سمعت مكالمات كثيرة أتتك هل
هي بخصوص عملك هنا أم بخصوص زوج دُرر ؟ "
تنهدت وقلت " بخصوصهما الاثنين "
شدتني من يدي وأجلستني قائلة " أخبرني ما الجديد في كليهما
لن أتركك تخرج حتى تقول كل شيء "
تنهدت باستسلام ولا مجال للهرب منها أعرفها جيدا , قلت بهدوء
" سأعمل في مبنى المخابرات هنا بالعاصمة , عملي سيكون مختلفا
عن السابق "
قالت من فورها " يعني لا أعمال سرية ورحلات مموهة ومبهمة
ولن نقلق ونخاف عليك مجددا ؟ "
أمسكت يدها وقبلتها وقلت مبتسما " اطمئني فلا شيء من كل ذلك
سأعمل بشهادة خبرتي على الأجهزة وتدريب بعض الجدد أي أن
عملي سيكون ضمن المكاتب ولساعات معينة نهارا فقط "
هزت رأسها بحسنا وقالت " وماذا عن زوج شقيقتك ؟ "
نظرت للأرض بشرود وقلت " هذا الأمر الذي لم أفلح فيه أبدا ومن
أوصيتهم ووعدوني بالتقصي وجلب ما يفيدنا بدأ بعضهم بالتهرب
والآخرون أقوالهم متناقضة ومتضاربة "
انضمت حينها خالتي راحيل لجلستنا وقالت والدتي بحيرة
" ولما ومن وراء ذلك !! "
قلت بذات شرودي " لا أعلم وكل ما وصلت له أنه لم يخرج
من البلاد بعد عودته لها وأن زوجته الأخرى مختفية أيضا "
قالت خالتي " هل تكون معه ؟ "
نظرت لهما وقلت " لا أعتقد ذلك فلا تنسيا أنها كانت متآمرة مع
رجال جدي فلن يأخذها معه أبدا "
قالت والدتي " هل يكونوا سجنوها أيضا ؟ "
هززت رأسي بلا وقلت " لا اسم لها في جميع السجون النسائية "
قالت خالتي باستياء " ما هذا اللغز المحير ! أين يختفون هؤلاء البشر ؟ "
تنهدت وقلت " والدتها ترفض قول مكانها لأحد والمقربون لها قالوا أنها
لا تتوقف عن البكاء عليها فقط ولا تقول شيئا والبعض يشيع أنها ماتت أما
عمها فمسجون في قضية علي رضوان ذاتها ولا معلومات أكثر عنها "
ضربت والدتي كفيها ببعضهما وقالت بأسى " ما هذه الألغاز المتوالية ؟
وشقيقتك لن ترتاح ويهنئ لها بال حتى تعرف أين هوا أو ستموت
من حسرتها عليه بالتأكيد "
وقفت وقلت " سأستبعد جميع رجال المخابرات والشرطة ولدي من
سيتحرى عن الأمر ويجلب لي ما يفيد فأولئك يبدوا ثمة من يقيدهم "
ثم قلت مغادرا جهة الباب " لا أرجع وأجدكما كالنحلتين كعادتكما
ارتاحا فقط واعتنيا بجدتي "
ثم خرجت مغلقا باب المنزل خلفي ووضعت النظارة على عيناي أنظر لجانبي
الشارع , لم ارتح لهذا الحي ويبدوا أني سأستأجر منزلا غيره في وقت قريب
خاصة وأن أغلب المحلات بعيدة عن هنا , كنت أود شراء منزل بما جمعت من
مال لكن المنازل في العاصمة مرتفعة الثمن ولأننا كنا نعيش هناك على الإيجار
وأنا من أتكفل بثلاثتهن لم أستطع جمع الكثير رغم أنه كان مبلغا لا بأس به لكن
العقارات فاجأتني هنا بارتفاعها الكبير وسيكون عليا جمع المزيد لنشتري منزلا
جيدا , فتحت باب السيارة وركبت وغادرت من هناك قاصدا المستشفى فعليا
رؤيتها قبل كل شيء , ضغطت على المقود بقبضتاي ونظري شارد في الطريق
وذهني مع من سأراها بعد قليل , كلما رأيت شحوبها وحزنها وتعبها تعبت مثلها
وأكثر , وجل ما يتعبني عجزي عن فعل شيء من أجلها ولا أستطيع حتى الآن
فتح موضوع أموالها التي تركها لها ولا المنزل فكيف سأخبرها بطلاقه الذي
أبطله حملها الآن وستكون في العدة حتى تنجب ولن نستطيع إخبارها حتى ذاك
الوقت خوفا على صحتها وصحة جنينها قبل كل شيء , لست تعلم يا أواس أي
مصائب خّلفتها بما فعلت بها وأي كوارث تركتها لي وهربت , وصلت المستشفى
ونزلت ودخلت من فوري وبعدما سألت عن غرفتها توجهت لها مباشرة , وصلت
عندها وطرقت الباب طرقات خفيفة ولم يجب أحد ففتحته ببطء ودخلت فكانت نائمة
على السرير مغمضة العينين تتنفس بشيء من الصعوبة وقد ازدادت شحوبا ووزنها
في تناقص مستمر , لو ترحم نفسها فقط , ولو أجد لك حلا يا شقيقتي أقسم أن أدفع
عمري ثمنا له , أغلقت الباب واقتربت منها حتى وصلت عندها ومسحت على
شعرها وقبّلت جبينها برفق ففتحت عينيها مباشرة وابتسمت بحزن ما أن رأتني
فقلت مبتسما ويدي لازالت تمسح على شعرها " كيف حالك يا دُرر ؟ "
قالت بذات ابتسامتها " جيدة , حمدا لله على سلامتكم كيف حال
جدتي ووالدتي وخالتي "
جلست على طرف السرير وأمسكت يدها وقبلتها وقلت " بخير جميعهن
كانت أمي مصرة على المجيء معي لكن جدتي متعبة من الرحلة ولن
ترضى أن لا تأتي معها فتركتهن جميعا "
مسحت طرف عينها حيث انسابت دمعة من رموشها وقالت بحنان
" كم اشتقت لها "
مسحت على شعرها بيدي الأخرى وقلت مبتسما " أخبروني أني
سأصبح خالا , ما هذه المفاجأة السّارة "
أبعدت نظرها عني وقالت بحياء " سنزيدك على ما بك وكأنه
ينقصك مسئوليات "
قلت بعتب " دُرر كيف تقولين هذا ؟ أقسم أني كنت أنتظر اليوم الذي
نجدك فيه بالساعة والدقيقة ولم أطمئن في نومي ويقظتي حتى
عدتِ لنا أمام ناظري وتحت رعايتي "
نظرت لي وشدت على يدي بقوة وقالت بدفء " أنتم من أجمل هدايا
الخالق لي يا قصي , حمدا لله الذي جمعني بكم "
قبّلت يدها مجددا وقلت " إذا اهتمي بصحتك لتخرجي من هذا
المستشفى وترجعي لنا "
قالت بتردد ظهر واضحا في صوتها وملامحها
" ماذا حدث بشأن أواس ؟ "
تنفست بقوة ونظرت لها بصمت وكما توقعت سيكون هوا أول ما
ستسألني عنه , قالت عندما طال صمتي " ماذا حدث يا قصي
هل علمت شيئا ؟؟ "
هززت رأسي بلا وقلت " لا شيء مهم , لم يغادر البلاد وزوجته
الأولى مختفية أيضا "
أمسكت قلبها بيدها وقالت بخوف " ما معنى هذا ؟ "
شددت على يدها التي في يدي أكثر وقلت بحزم " دُرر توقفي عن
تعذيب نفسك أو قسما لن أخبرك بشيء مجددا "
قالت ببحة بكاء " لن يكون ذهب معها أليس كذلك ؟ هل قتلها يا قصي "
قلت من فوري " لما أفكارك جميعها سوداوية هكذا يا دُرر ؟
قد يكون لا يعلم عنها شيئا "
أبعدت نظرها عني وشردت به في سقف الغرفة ولم تزدد ملامحها
سوا حزناً وإحباطا فوقفت وقلت " عليا المغادرة الآن لأنه لدي أعمال
كثيرة لم أقم بها وسأجلب والدتي أو خالتي لتبقى معك إن سمحوا بذلك "
نظرت لي وقالت " لا داعي لذلك يا قصي فإحدى شقيقتاي معي هنا
هي ذهبت فقط لتستحم وستعود ثم أنا سأخرج غدا من هنا فلا
تتعبهما بالمجيء إلي "
قبّلت جبينها وقلت " إذا أراك فيما بعد , هذا إن لم آتي بهن معي
لأن والدتك لن تتركني وشأني حتى تراك "
ثم غادرت من عندها على ابتسامتها الحزينة وهمسها الذي وصلني
بوضوح " ليحفظك الله يا شقيقي "
خرجت مجتازا الممر ونظري يبحث بين الأجساد المتحركة حولي بعشوائية
باحثا عن أشياء بيضاء تتحرك بينهم , عن أي جسد يحمل معطفا طبيا ليدلني
على وجهتي التي أريد , لمحت أخيرا ممرضة وقفت عند أحد الأبواب وأخرجت
مفتاحا من جيب معطفها الطبي لتفتحه به وفي اليد الأخرى تحمل صندوقا خشبيا
يُتخذ كحاملة مليء بأنابيب الاختبار فأسرعت بخطواتي لأدركها وما أن اقتربت
حتى قطع طريقي شابين اقتربا منها بشكل مريب فوقفت مكاني وقال أحدهما
بصوت منخفض " قطع الله رزقك ما أجملك "
وقال الآخر ناظرا لها وهما يجتازانها " لما لا تضعين قرضا في أنفك
وتغيرين اسمك لأنجيليكا "
وغادرا ضاحكين ولم تتحدث الفتاة المولية ظهرها ترفع المفتاح الذي وقع
منها قبل أن تفتحه به ولم يبدر منها أي رد فعل حيال ما قالاه , وبدون تفكير
في سبب كلامهما تحركت متابعا باقي الخطوات التي تفصلني عنها حتى
وصلت عندها وقلت بهدوء " عذرا يا آنسة "
التفتت لي حينها ويدها لازالت تمسك المفتاح الذي غرسته في فتحة الباب
كانت فتاة جميلة حقا كما وصفها ذاك وصفاء بشرتها البيضاء ملفت للنظر
بشكل غريب وعلِمت الآن لما قال الآخر ما قاله فقد كانت تزين وجهها بثلاث
فصوص تحت حاجبها فوق جفن عينها اليمنى بحجم ولون واضحين يحملن
ألوان لباسها البنطال الأزرق والحجاب الزهري وطرف كم قميصها النيلي الذي
يظهر من تحت كم المعطف ليتمثلوا في ثلاث فصوص زرقاء ونيلية وزهرية
وعند طرف العين الأخرى وشم لفراشة سوداء صغيرة امتد جناحها لطرف
خدها , قلت من فوري " أين أجد الطبيبة خالدة وهل هي مداومة اليوم "
ابتسمت ابتسامة صغيرة مجاملة وقالت بصوت أدهشني من رقته وانخفاضه
" إن كان يمكنك انتظاري قليلا حتى أضع ما في يدي أو تنزل
للاستعلامات في الأسفل وتسأل عنها "
رفعت طرف سترتي وقلت مدخلا يدي للجيب الخلفي لبنطالي أتفقد
محفظتي التي شككت للحظة أني نسيها في غرفتي " لا بأس سأنتظر
أيسر من النزول ثلاث طوابق "
ففتحت حينها الباب ودخلت وأستغرب أن كلام ذاك الشاب لم يؤثر بملامحها
أبدا وكأنها لم تسمع شيئا , قد تكون هذه النماذج من الفتات غريبة بعض الشيء
هنا لكن أن تُصر على ما تقتنع به أمر غريب عنهن بالتأكيد , خرجت بعد قليل
وأغلقت الباب كما فتحته وأخذت المفتاح معها وسارت أمامي وتبعتها بخطوات
أعدّها بطيئة بينما هي أمامي يبدوا لي وكأنها تركض , أخرجت هاتفا من جيبها
ثم وضعته على أذنها وقالت ونحن ندخل أحد الممرات وبصوت بالكاد يسمع
" بسمة هل الدكتورة خالدة مداومة الآن أم انتهت مناوبتها "
سكتت قليلا ثم قالت " أجل ... شكرا لك "
ثم دست هاتفها في جيبها ووقفت عند أحد الغرف والتفتت لي وأشارت
لبابها المغلق بإبهامها الذي احتضن وسطه خاتم بلون الفضة دائري لا
نقوش فيه ولا شيء ملحق به وقالت بذات النبرة الشبه هامسة من
رقتها " تجدها هنا "
ثم أضافت مبتسمة " ولا تطرق الباب وتدخل مباشرة قبل أن تأذن
لك فهي تبغض هذه الحركة "
ثم سارت عائدة من حيث أتينا ونظري يتبعها حيث قطعت طريقها
ممرضة راكضة قالت بصوت لاهث مرتفع " سدين أين نتائج العينات
الدكتور خيري يبحث عنك وتعلمي غضبه من ترك أي واحدة منا
لغرفة المختبر فارغة "
قالت شيئا لم أسمعه لانخفاض صوتها وهي تسرع أمام التي لحقتها قائلة
بذات نبرتها المرتفعة " لحق بك بعدما أخذتِ العينات , ما كان عليك
مغادرة الغرفة بعدها , تعلمين قوانينه الصارمة جيدا ويبدوا أنك تريدين
إثبات نظريته التي قالها عنك من أول ما رآك بأنك فتاة مستهترة "
بقي نظري معلق بهما حتى اختفتا عند نهاية الممر الطويل , إذا هي ليست
ممرضة كما توقعت بل تعمل في المختبر , لكن لما لم تخبرني بذلك وتصرفني
فورا !! ولما يحكم عليها ذاك الطبيب من مظهرها ؟ رميت كل تلك الأفكار من
رأسي وطرقت باب الغرفة مرتين حتى سمعت صوت المرأة التي قالت
من الداخل " لحظة حتى تخرج المريضة "
فوقفت جانبا أنتظر وجيد أن تلك الفتاة نصحتني بذلك لكنت فتحت الباب بعد
طرقتي الأولى , عليا أن أعلم منها عن حالة دُرر وما قد تحتاجه الفترة
القادمة فهي لن تفكر في صحتها بالتأكيد
*~~***~~*
خرجتُ من الحمام أجفف شعري فكانت قد عادت لجمع أغراضها فجلست
وشغلت مجفف الشعر وجففته ثم أطفأته وقلت " وأنتي تجمعين
أغراضك الآن هل وافقوا على استبدال المنزل "
قالت منشغلة بما تفعل " أعرف كيف أجعله يوافق , سأخبره أني خارجة
في كل الحالات وسأكون في الشارع إن لم يوافق وأعرف عمي صابر
جيدا لن يطاوعه قلبه , ثم سبب رفضه كان أن المنزل ملكي
وها قد زال السبب "
انفتح الباب حينها بعد طرقات منخفضة وكانت الطفلة إسراء وقالت
من خلف الباب لا تظهر سوا عين واحدة منها ونصف وجهها
" سراب هناك شرطي يريدك في الأسفل "
فوقفت من فوري على خطواتها الهاربة وقلت متوجهة للباب
" هذا عمي رِفعت انزلي هيا "
ثم خرجت ونزلت السلالم فكان جالسا في الأسفل مع العجوز المقعد وكان
يتحدث معه بجدية وحين رآني نازلة سكت وهذا ما لم أكن أريده فمؤكد
وقف في صف ابنه الذي رباه وسيقنع عمي بسهولة كما فعل إياس سابقا
وصلت عندهم ووقفت دون أن أتحدث فوقف عمي وقال موجها كلامه له
" هذه المرة سأترك الأمر احتراما لك وتقديرا لسنك ولما فعلت من أجل
آسر وجعلت منه رجلا يفتخر به الجميع وعلى ما يبدوا نسي أن يطبق تلك
الشهامة والرجولة مع ابنة خالته اليتيمة , لكن إن اشتكى لي أحدهم مجددا أو
سمعت بكائها فقسما لن يرى ضفرها ولن أعجز عن رعايتها والحفاظ عليها
فهؤلاء الثلاث فتيات أعدهن أمانة في عنقي ولن أسكت مجددا على شيء
يخصهن كما حدث وغفلت عنهن الأشهر الماضية ضنا مني أني زوجتهم
لخيرة رجالي مطمئنا عليهن "
ثم نظر لي وقال ولازال عاقدا حاجبيه " وأنتي اجمعي أغراضك
وستذهبين معي الآن "
نظرت له بصدمة وكنت سأتحدث فقال من فوره وبحزم
" لا تناقشيني انتظرك في السيارة "
ثم غادر جهة الباب فلحقت به حينها للخارج وقلت موقفة له
" عمي انتظر "
وقف والتفت لي فقلت " لا يمكنني الذهاب معك "
كان سيتحدث فقلت " ليس الآن عمي فدُرر في المستشفى وسأكون
معها حتى تخرج ثم سراب ستعيش وحدها ولا أريد أن أتركها ولا
أنت تريد لها هذا بالتأكيد وهي لن ترضى بأن تعيش معك في منزلك "
قال وهوا يفتح باب سيارته " هذه الفترة فقط ثم أمامك أحد حلين "
ثم نظر لي وقال " منزل زوجك أو منزلي ولا خيار ثالث وسراب
منزل زوجها أو والدتها أو منزلي مفهوم "
ثم ركب وأغلق الباب وشغل سيارته وغادر من فوره فمددت شفتاي
مستاءة من الخيارين السيئين فهوا تزوج ما يفعل بي مزعجة معهم
وإياس لن أرجع له وإن مشى على أذنيه , هززت كتفي بلا مبالاة ثم
عدت للداخل فكانت سراب واقفة مع ذاك العجوز وقالت " إذا نتصل
بالمحامي الآن ونوقع الأوراق وهوا من سيتكفل بالعقود والملكية "
تنهد وقال " سراب لن نخبر آسر بقدوم عم شقيقتك وما قال فجربا
أن تتفاهما بعيدا عن البقية "
هززت رأسي بيأس من حال أصحاب هذا المنزل ثم صعدت
للأعلى لآخذ حقيبة يدي وملابس دُرر وأعود للمستشفى
*~~***~~*
دخلت سور المنزل وأوقفت سيارتي على صوت رنين هاتفي وكان المتصل
إياس فأجبت عليه وأنا أنزل منها وقال من فوره " هل صحيح ما سمعته ؟ "
قلت متوجها للمنزل " قله أولاً لأرى صحيحا أم لا , أنا لست كاهنا "
قال ببعض الضيق " ترجمان وصديقتها ستنتقلان لمنزل لوحدهما "
فتحت باب المنزل وقلت " صحيح "
كان سيتحدث فقلت من فوري مغلقا الباب خلفي " ولا كلمة , وكما سبق
وقلت لك ترجع لك برضاها هي وستفعل ما ستقرر مادمت أنا موافقا
عليه فقد انتهى دور تدليلي لك وجاء دورها "
قال بذات ضيقه " كيف تبقيان في منزل لوحدهما ؟ هذا خطأ لن أرضاه "
سندت يدي على الباب الذي أغلقته منذ قليل وقلت بحدة " نعم فأنا
لا أقرر إلا ما كان خاطئا "
قال بامتعاض " ليس ذلك أعني , لكنهما امرأتان وحتى الرجل الذي
ربى آسر وعائلته لن يكونوا معهم "
أبعدت يدي عن الباب وأمسكت عيناي بأصابعها وقلت " تحمل نتائج أفعالك
وجِد لك طريقة تأخذها بها لمنزلك , ولازلت أحذرك يا إياس من إرغامها "
قال بضيق " لا تلم أحدا غير نفسك إن أصابهما مكروه .. وداعا "
تأففت ووضعت الهاتف في جيبي ثم توجهت للسلالم وصعدت وتوجهت لجناحي
فورا ودخلت لتستقبلني رائحة العطر والعود , أمور نسيت وجودها في حياتي من
أعوام فلم يكن يقابلني هنا إلا البرد والظلام ورائحة المنظفات العطرية التي تستخدمها
الخادمة في تنظيف أرضية الجناح يوميا , نزعت قبعتي وتوجهت للغرفة ودفعت بابها
الشبه مفتوح ليقع نظري على المنحنية ترتب مفرش السرير ووقفت والتفتت لي من
فورها بفستان طويل مزركش يحتضن جسدها الممشوق وشعرها الحريري مفتوحا
يغطي نصف ظهرها وهذه المرة وضعت كحلا في عينيها زاد حجمهما ووضوحهما
تقدمت نحوي مبتسمة وأخذت القبعة من يدي قائلة " تأخرت الليلة وأقلقتنا
عليك ولم تتصل , فلا تفعلها مجددا "
غرست أصابعي في شعرها وأخرجتهم وخصلاته التفت حولهم وقرّبته حتى
أوصلتهم لوجهي وقلت مستنشقا لهم " ما هذا الذي تعطرين به
شعرك ؟ لم أشم رائحته في حياتي "
رفعتْ يدها واستلت شعرها من بين أصابعي وقالت بابتسامة خجولة
" أشياء تخص بالنساء ماذا تريد بها تسأل عنها ؟ "
ضحكت وتوجهت للداخل وقلت وأنا أفتح أزرا سترتي
" مجرد سؤال أو تساؤل "
اقتربت خطواتها مني وقالت وهي تنزع السترة منزلة لها من كتفاي
" اتصل بنا حين تعلم أنك ستتأخر يا رِفعت أرجوك "
جلست على طرف الأريكة وقلت وأنا منحني لحدائي لأنزعه
" آسف , أعلم أنه خطئي لكني نسيت حقا وانشغلت "
قالت متوجهة للخزانة " أكلت أم أضع لك العشاء ؟ "
وضعت حدائي جانبا وقلت وأنا أقف " لا تعشيت "
ثم قلت متوجها للحمام " سأحضر خادمة أخرى تساعد في
أعمال المنزل "
ثم وقفت عند الباب ونظرت لها وهي تغلق الخزانة ناظرة لي وقلت
" لن أخطئ رائحة عطرك التي أشمها في مجلسي وأعلم أنك تنظفيه
بنفسك أكثر من مرة في اليوم كلما جاءني أحد وغادر "
كانت ستتحدث فأشرت لها بسبابتي بلا وقلت " لا تناقشي لا أريدكما
أنتي وابنتك أن تفعلا شيئا , فلما أعمل أنا وأجني المال "
ثم دخلت الحمام وأخذت حماما منعشا أزال كل ذاك التعب ثم خرجت
للغرفة لافا المنشفة على خصري وكانت جالسة على الطرف الآخر
للسرير فجلست في جهتي وقلت منشغلا بهاتفي أضبط منبهه
" لدي سؤال هل أطرحه أم لا داعي له ؟ "
قالت بصوت مبتسم " وإن قلت لا داعي له لن تطرحه ؟ "
وضعت الهاتف على الطاولة بجانب السرير ونظرت لها وقلت
" بالتأكيد "
قالت مبتسمة " إذا اسأل كما تريد يا نصير حقوق المرأة والزوجة "
خرجت مني ضحكة صغيرة وقلت وأنا أتكئ على الوسادة بمرفقي ونظري
لازال على ملامحها " أنتي ألم تشتري قمصان نوم من مهرك ؟ "
نظرت لي بصدمة فضحكت وقلت " خيّرتك من البداية واخترتِ أن تجيبي "
نظرت ليديها في حجرها وقالت ووجهها بدأ يشع احمرارا من الخجل
" وهل لي أن أتراجع الآن ؟ "
قلت بضحكة " مستحيل "
غيرت من وضع جلوسها بحيث أعطتني جانب وجهها وقالت
ولازالت تنظر ليديها " لا "
تنهدت بيأس وتمتمت " والحل الآن "
نظرت لي بصدمة أشد من سابقتها فقلت بضحكة
" أقسمي أنك صادقة "
أبعدت نظرها عني مجددا وقالت " قسما لم اشتريهم "
قلت بمكر " وماذا عن الذي في أسفل الخزانة في الكيس
الزهري الصغير "
شهقت بقوة وقالت " كيف رأيته !! "
ضحكت وقلت " اعترفي لا مجال للهرب "
قالت وقد عاد الخجل يذيب ملامحها ويزيدها جمالا ورقة وهي تسدل رموشها
الطويلة للأسفل هربا من مواجهة عيناي " ذاك أهدته لي جارة شقيقي حين
علمت بخبر زواجي وجاءت لتودعني ولم أجرؤ ولا على تعليقه مع باقي
ملابسي في الخزانة , وإن كنتُ أعلم أنك تفتش من ورائي لكنت رميته "
قلت مبتسما " كنت أبحث عن غرض أضعته من مدة , ثم كيف
ترمي هدية صديقة لك يا ناكرة المعروف ؟ "
لم تجب ولازالت تتجنب النظر لي فقلت " هيا أريد رؤيته عليك "
نظرت لي بصدمة وكانت ستتحدث فاتكأت على السرير مسويا نومتِ
وقلت " بدون نقاش , وغدا تخرجي لتشتري ملابس تنفع لامرأة
وزوجها , هذه الفساتين تلبسيها أمام ابنتك وضيوفك "
وقفت كالملسوعة وأولتني ظهرها وقالت " رِفعت إن كنت ترى نفسك
لازلت صغيرا فأنا أرى نفسي لا أصلح لهذه الأمور التي لا تليق بسني "
ضحكت بصمت ثم قلت بلهجة حادة تمثيلية " خديجة يبدوا أنك
تسخرين من تساهلي معك "
التفتت لي ونظرة الصدمة والفزع جلية على وجهها فضحكت وقلت
" تحركي هيا "
نظرت لي بضيق فقلت بهدوء " أنتي لم تعرفي غضبي بعد فتجنبيه
يا امرأة "
تحركت حينها نحو الخزانة قائلة بحنق " مالي ومال الزواج من أساسه "
فراقبتها مبتسما وهي تخرجه وتتوجه به للحمام وقلت قبل أن تغلق الباب
" لا أسمعك مجددا تصرحين بندمك على زواجك مني مفهوم "
*~~***~~*
منذ أيام وفي صباح اليوم التالي لذاك اليوم الذي زارنا فيه عم ترجمان
وبعدما خرجت دُرر ورافقناها لمنزلها وتعرفنا بوالدتها وخالتها وجدّتها
انتقلنا هنا للمنزل الذي كان من المفترض أن يكون للعم صابر وعائلته
كان المنزل يعد كبير الحجم نسبيا وشبه جديد بخمس غرف واسعة جدا
وصالون ومجلس خارجي وفي حي يعج بالحركة أي آمن تماما فالناس
تتحرك فيه حتى وقت متأخر ليلا بسبب موقعه وسط العاصمة تماما
رفعتُ طرف شعري خلف أذني وعضضت شفتي بقوة أمنع دمعتي من
السقوط ونظرت مجددا للرسالة التي وصلتني اليوم وكانت من آسر وفيها
( أنا مسافر وحاذري يا سراب أرجع وأجدك تعملي , وضعت في حسابك
مالا يكفيك حتى عودتي ) ضغطت على الهاتف ومسحت عيناي بقوة قبل
أن تنزل دموعي منهما , لتستل يد ما الهاتف من يدي وصوت ترجمان
قائلة بصدمة " ما هذه ! متى أرسلها ؟ "
ضغطت قبضتاي بقوة حتى شعرت بأظافري انغرست في كفيهما
وقلت ونظري معلق بالفراغ " صباح اليوم "
وقفت أمامي وقالت واضعة يداها وسط جسدها " والمعنى منها ؟
أين ذهب وماذا فعل بكل ذاك المال ؟ "
مسحت دمعة جديدة نزلت من عيني وقلت ببحة " لا أعلم "
رمت عليا هاتفي وقالت " اتصلي به فورا ولا تسكتي له , أقسم أن يكون
تزوج وسافر بها وتركك هنا تبكينه وتبكي أطلال أملاكك التي نهبها "
ثم ضربت قدمها بالأرض وقالت " سحقا له , هذا كان مخططه من البداية
أن يسلبك حتى المنزل ويأخذوه هوا وعائلته تلك "
نظرت لها بصدمة ولم يلتقط دماغي من كلامها سوا عبارة واحدة
( تزوج وسافر بها .. تزوج وسافر بها )
وقفت كالملسوعة وأمسكت فمي وقلت بعبرة ودموعي تعبر خداي ناظرة
لها " لن يفعلها بي يا ترجمان لن يتزوج , لقد أقسم لي على ذلك "
قالت من فورها " كاذب , وتصدقين قسم لص مخادع مثله ؟ "
ثم أشارت بإصبعها لهاتفي الملقى على السرير وقالت بضيق
" اتصلي به الآن وأسمعيه ما يستحقه وما لم يسمعه منك حتى الآن "
نظرت للهاتف لوقت ثم أمسكته بيد مرتجفة من البكاء ولم أستطع ولا ضغط
أزراره وفشلت مجددا وحاصرتني صورته القديمة وكيف قسا عليا سابقا
بسبب ظنوني به وكم عانيت حتى غيرت فكرته عني , تأففت ترجمان
وقالت " أريد أن أفهم "
ثم تابعت وهي تعد على أصابعها " لا تريدين العودة له وتطلبين الطلاق
ولا تشتكي عليه بسبب أموالك التي أهدرها , وإن جلب أحدهم فقط سيرة
أن يتزوج من أخرى جن جنونك , فما الذي تريديه بالتحديد "
مسحت عيناي وأنفي وشهقت العبرة التي كنت أكتمها ثم فتحت قائمة الأسماء
بيد مرتجفة واتصلت برقم العم صابر فعليا أن أفهم منه هوا قبل أن أتسرع في
أي شيء , جربت ورقمه كان مقفلا فرميت الهاتف حيث كان وأخذت حجابي
ومعطفي وغادرت الغرفة وترجمان تتبعني قائلة " أين ستذهبين ؟ "
قلت وأنا أفتح باب المنزل وأخرج منه " خذيني لمنزل العم صابر "
ركبنا السيارة وغادرنا من فورنا لا شيء سوا كلمات ترجمان الغاضبة التي لم
تترك شتيمة لم ترميه بها وكالعادة شملت زوجها وزوج دُرر معه أما أنا فكنت
في صمت موحش أنظر للطريق أمامي بشرود أفكر لو أن كل ما ظننته به ولم
أقله له أن يكون صحيحا وقد فعل كل ما فعله ليسلبني كل شيء وأرجع كما كنت
وحيدة ومعدومة وتزوج هوا الآن مشهرا ورقته الأخيرة , وصلنا المنزل وأشعر
بقوى تحركني لا تمد للبشر بأي صلة وأقسم لو تحولت لنار لأحرقت كل شيء
نزلت ودخلت السور وتقدمت نحو المنزل وترجمان تتبعني حتى تقابلت قرب
الباب مع عبير وإسراء التي ركضت نحوي تحمل دمية يكاد طولها أن يكون
مثلها ولأن ترجمان خلفي طبعا فلم تقترب أكثر وقالت عن بعد خطوات
" أنظري سراب للدمية , أحضرتها لي المرأة التي جلبها أخي آسر "
وكانت تلك هي القذيفة التي كنت أخشى أن يوجهها لي يوما , اقتربت
منها بخطوات شعرت أني أمشيها على النار وقلت بكلمات خرجت لا
أثقل منها على لساني قائلة " مــــ ـن هي ؟ من تـــ كون ؟ "
*~~***~~*
وضعت الشال على كتفاي وضممته على جسدي وشددته من الأمام بدبوس
ومررت يدي على بطني من فوق صوفه مدرج الألوان , لم يبرز حجمه بعد
لكني بث أخجل من قصي وأشعر أنه بارز بشكل ملفت للنظر أو هكذا خُيّل لي
وسأحتاج لوقت لأعتاد الأمر فلن أستطيع إخفائه فيما بعد حين سيصبح حجمه
ظاهرا من تحت أي شيء سأخفيه به , نظرت للنافذة وللسحب الداكنة وتمتمت
ويدي لازالت على بطني " الطقس يبدوا سيئا اليوم بني ولن نستطيع الخروج
للبحث مجددا عن والدك "
تنهدت بحزن ونظرت للورقة في يدي لرفيقتي كل يوم وأنا أذهب بالخفية عنهم
وأبحث في أسماء وعناوين من عملوا لديه لعلي أجد ولو بصيص أمل أو خيط
رفيع يوصلني له , قبضت على الورقة بقوة وضممتها لحضني وقد عادت عيناي
لمعانقة السماء , أين ذهبت يا أواس ؟ كيف تتركني هكذا وما سر ورقة ملكية
المنزل التي وصلت لاحقا وليست مع الأوراق التي تركتها لي ؟ ترى أيخفون عني
غيرها ولم تكن الورقة الوحيدة ؟ دسست الورقة مكانها المعتاد حيث لا يعلم عنها
أحد وخرجت من الغرفة مغلقة بابها خلفي بهدوء ونزلت السلالم والصمت يعم جميع
أرجاء المنزل , غريب في العادة أصوات أحاديث جدتي مع أحد ابنتيها تُسمع في
المنزل طوال النهار !! توجهت لباب غرفة جدتي الشبه مفتوح سائرة جهته بخطوات
متوجسة وصوت الهمس المتداخل يتضح شيئا فشيئا خارجا من هناك , وصلت الباب
ونظرت من خلاله فكانوا يجلسون بالداخل جميعهم أعينهن معلقة بقصي الذي كان
مطأطأ رأسه للأسفل وقال بضع كلمات لم أفهمها جيدا في البداية جعلت خالتي
وجدتي تغلقان فمهما من الصدمة وضربت والدتي رأسها بكفيها فتمسكت بإطار
الباب وأمسكت معدتي التي شعرت فيها بوخزه قوية وكأن ثمة من ضربها
بسكين ونزلت للأسفل قائلة بألم وبكاء " مات وتركني "
على قفزتهم جميعهم واقفين وقد وصلت الأرض حينها متكئة على إطار
الباب وانسدلت عيناي ببطء ونظري عليهم وهم يركضون نحوي
المخرج : بقلم أغاني الوفاء
أحبيني ... وأوصدي الكف بالكف
فما سلكتُ إلا دروب المحبين ...
وماصغتُ إلا عبارات شاعر العاشقين..
تأملتُ منكِ الكثير...
تأملتُ لحبي التسليم ...
أوما آن يامُهرتي لترضخين...
وتستكينِ على صدري ولاتجمحين...
وتسقِ قلبي الضمأن وصلاً...
اسقيهِ فقد سُقِمَ من الحنين...
سلمت يداك
نهــايه الفصل
مفاجأة اليوم
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
الحلوين اللي طالبوا بفصل يوم الخميس قبل فصل اليوم
واللي طالبوا بفصل بعد فصل اليوم واللي طالبوا بفصلين اليوم ترضيه لهم
*
*
*
*
*
*
*
*
ي
و
م
*
*
*
ا
ل
س
ب
ت
*
*
*
*
*
*
غدا مساء الساعة العاشرة بنزل الفصل الواحد والخمسون