لا تلهيكُم عن العبادات والطاعات
ما شاء الله تبارك الله
للكاتبة
AURORA
..
الفصل الرابع عشر
اطلقت شهقه مكتومه عندما شعرت بعد عده ثواني انها تجلس على المقعد الخشبي , وبدأت تتلمسه بهلع ومن ملمسه عرفت انه مقعد المطبخ , كانت الذراعان القويتان تُقيدانها للخلف وجعلتها لا تستطيع الحراك .
بينما سمعت صوت عاملتها تقول بذعر
: بليييز مدام ما في سوي كده , هرام هادا ما في شوف .
نظرت اليها بنظرات تطاير منها الشرر حتى تصمت ولا تتكلم وقالت بتهكم : مدام في عينك , انكتمي ومالك دخل بالأسويه .
وبدأت تتحرك في المطبخ بحريه وعبئت وعاءً من الدقيق حتى تسكبه فوق رأس ميس .
التي سعلت من كميه الدقيق , وفوجئِت من البيض الذي فُقِسَ فوق رأسها , وشهقت بذعر وهي تقول برجاء
: عبير تكفين , حرام عليك تسوي كذه بالنعمة , سوي أي شي بس لا تلعبي بالنعمه .
ضغطت عبير أسنانها على شفتها السُفلى : هذا بس درس بسيط عشان اطلعك من حياتنا يا الغبيه , انا ما دري شلون خدعتي اخوي وخلتيه يتزوجك لا ويجيبك هنا بعد , بس انا اوريك يا الدخيلة .
وضعت كفها اسفل ذقنها , بطريقه للتفكير وهي تقول
: ايه وايش بعد نحتاج عشان نسوي الكيك , اييييه الكاكاو .
توجهت لدولاب المطبخ وهي تفتحه وتلتقط علبه الكاكاو الباودر , ولم تأبه لصُراخ ميس ومحاولتها من الإفلات من بين ذراعيّ العاملة الآسيوية , التي تُمسكها بقوه .
واتجهت بخطوات ماكره وهي تفتح العلبه بتمهُل , وتسكبه بكسل فوق رأسها وهي تنظر اليها بسخرية مريره ودموعها تختلط بالدقيق والكاكاو على وجهها .
اما هي فلم تكن تهتم ويهون عليها أن تضربها او تحرقها ان ارادت فالتفعل بها ما تشاء , ولكن لا تعبث بنِعَم الله , لا تعبث ولا تقترب منها !!!
وبالله وتالله لا يهون عليها أن تفعل ذلك بنعمه التي يُغدقها عليهم , وهي من ذاقت بسبب الفقر طعم الصديد الذي ينصهر في حنجرتها من الجوع و انعدام الطعام في بعض الأوقات , لا يهون عليها أن تعبث بهذه النعمة التي تنالها للمره الأولى بحياتها .
اختلطت دُرر العزاء التي تنهمر من عينيها كالمطر الذي يهطل غزيراً على أرضٍ جدباء , يسقيها من عذوبته لتنمو للربيع بُرعماً وجذعاً وأوراقاً .
تنهدت عبير برضا وهي ترى حال وجهها الذي كُسِف وأظلم واحتجب ضوءُه وبُهت نوره الوضاءّ , واشارت بذقنها للعاملة حتى تتركها .
تهدلت أكتافها وهي تتشبث بكفيها , على قميصها وتقبض عليه بقوه وجسدها يرجُف بوهن خوفاً من الله وعقابه , على التفريط بنعمه التي انهالت على رأسها , ودموعها انهارت على ظاهر كفيّها .
خرجت عبير دون ان تعبء لذلك العُطب الذي سببته لزوجه أخيها , وترأى لأسماعها صوت دخول أخيها من البوابة , وعقدت حاجبيها بصدمه , كيف عاد الآن وكان قد غادر منذ ربع ساعه إلى عمله ؟؟! والمُسلمّ به ان يعود بعد عده ساعات .
لمعت الفكرة في رأسها بلا تفكير , وتقدمت ببديهة إلى المطبخ وهي تشهق بصوتٍ تأكدت ان يصل لأُذنيّ أخيها , الذي هرع إليها بذعر وهو يقول بسرعه : بسم الله وش فيك تشهقين ؟؟! تقولين شايفه صرصور .
نظرت إليه بنظرات مكسوره تمثيليه , وهي تهمس : تعال شوف وتعرف ليه شهقت .
تقدم بريبه وهو يُلقي نظره , وتتجمد حدقتيه على زوجته التي ترتجف على المقعد وتقبض على قميص نومها , ويملأها الدقيق الأبيض المختلط بدقيق داكن وشيء آخر لزج لم يعرف كنهه .
اقترب منها بسرعه فور ان ادرك تشنج جسده , وامسك كتفيها برقه وهو يرفعها وتناثر الدقيق على جسدها وتَشتَتَتْ ذراته في الهواء , حتى سعل فيصل من رائحته القوية التي اخترقت خياشيمه , وقال بهدوء يستفسر ولم يجد شيئاً يُقنعه
: وش الصار هنا ؟؟! وشلون صرتي كلك دقيق من فوق لتحت .
تدخلت عبير بسرعه وهي تقول : كانت بتسوي كيكه المسكينه ويوم دلت الطحين وبتحطه بالخلاط تعثرت بأغراض كانت على الأرض وطاحت وطاح عليها الطحين و الاغراض الكانت مجهزتها على الطاولة .
وحدجت العاملتين بنظرات شريرة , لأن يفتحا فمهما بحرفٍ واحد , قال فيصل بصوته الرخيم الذي يشوبه الشكّ
: صدق الصار ؟؟! وكنت بتسوي الكيك ؟؟
اطلقت شهقة قويه , ودموعها القاسية تعود للإنهمار ولا تعرف ماذا تقول ؟؟! لا تعرف !! واخته قد تبرعت لأن تشرح له وتكذب عليه بكل وقاحه , حتى سحبها برقه إلى صدره وعقد حاجبيه من شهقاتها التي تخترق مضخته كالسِهام .
ثم أحاط ذراعه المصقولة بكتفها , وجعلها تسير عنوه بجانبه وهو يحدج اخته بريبه ويقول : وخري عني بطلعها للجناح , وبعدين بفهم منك الصار بالضبط , كلامك ما اقنعني .
عبست عبير بحاجبيها وقالت : وليه ما اقنعك ؟؟! ما حد قالها تدخل المطبخ وتتفلسف , وهي حتى ما تشوف نفسها عشان تشوف قُدامها وتسوي كيك !! .
قال بحده اختلطت بصوته الرخيم الذي يُشفق عى زوجته , وعينه تشتدان بتحذير : عبيييير , اقصري الشرّ , ولا تحديني أتصرف معك تصرف ثاني وانت تحكين عن زوجتي قدامي .
,
وصل أخيراً إلى جناحهم وساعدها لدخول دوره المياه حتى تستحم وتُزيل اثر الدقيق عنها , وقد أطالت في بقائها داخل الحمام وهي تتحرك ببطء وقد رفضت مساعدته خجلاً منه , وتفهم ذلك حتى ينتظرها بالخارج , وبدأ عقله يعمل .
حتى خرجت أخيراً تتدثر بمبذل الحمام , وشعرها الرطب ينسدل بحريه على اكتافها , ويتساقط منه الماء ويُبلل وجهها المُكور والصغير , ورموشها الطويلة ملتصقة كالقشّ المُبلل .
كانت كالطفلة المذعورة وهي تُحيط جذعها بذراعيها وعينيها مُشتته يميناً ويساراً , وكأنها تحمي نفسها من خطر ما يتربص بها , وكأنها .. لا تثق بأحد إلى ذراعيها حتى يحميانها .
اعتدل من انبساطه على السرير وهو يجلس على طرفه ويقول : تعالي اجلسي جمبي .
تحركت بخجلٍ فطري نحوه وهي تجلس بهدوء حيثُ يُشِير لها وبقيت صامته إلى ان قال : ها وش الصار تحت ؟؟!! صدق كنت بتسوين كيك والساعة ثمان الصبح , وش هالمزاج تسوين كيك على الصُبح .
ازدرت ريقها وهي تؤلف له ماحدث كما اخبرته اخته , لأنها ببساطه لا تضمن ان يُصدقها ويُكذِّب شقيقته التي تعاملها هي ووالدته بشكلٍ طبيعي امامه .
زفرّ نفساً هادئاً وقال بهدوء يُخفي غيظه من مزاجها العجيب الذي يريد صنع الحلوى في الصباح : طيب , طيب حصل خير .
كانت تنظر امامها بهدوء وتفكر بعمق حتى أُجفِلت من ذراعه القوية التي أحاطت بخصرها وسحبتها بقوه إلى حيث موطنها , حيث يكون دفء صدره , ليس هذا ما افزعها فهي اعتادت على لمساته الجريئة , بل الذي صعقها حرارة أنفاسها التي تهدر بلا هواده أمام وجهها .
فغرت شفتيها قليلاً حتى تتكلم , وكتم ما أرادت التفوه به بين شفتيه وهو يشدها اليه بقوه , وكفه الأخرى تتحرك بانسيابيه على وجنتها وعنقها المرمري .
سحب شفتيه عن شفتيها ببطء شديد , ويفتح عينيه لتقع على وجهها المُحمرّ بالخجل اللذيذ , وصدره يرتفع وينخفض بسرعه ويهمس من بين أنفاسه المدوية : اعتقد شهر وكم يوم و يكفينا دلع , وجا الوقت الندخل بالجد .
كانت تلتقط انفاسها النافره هنا وهناك من قبلته المُفاجِأه و قد كُدمت شفتيها بفعل قُبلته المُحترقة , كما خجلت كثيراً من اعترافه الصريح عن علاقتهم التي عليها أن تنتقل إلى طور آخر , طور تخشى الخوض فيه وهي في هذا الحال البائس .
لم يترك لها مجالاً أكثر لتُفكر وهو يعود ويغزو شفتيها الوردية , وتعود شفتيه إلى موطنهما بين شفتيها , كان يتعمق بقبلته ويخلل أنامله بين خصلات شعرها الرطب , ويميل بجسده على السرير ويُميلّها معه حتى اعتلاها وأصبحت كالفأر المذعور والمحشور بين جسده الضخم الذي يهيل عليها .
*****
كانت تدور ذهاباً وإياباً في غرفه الجلوس وتفرك كفيها ببعضهما البعض حتى كاد الجلد المسكين أن يتشقق و يُناجي أن يُنجده أحد .
زفرت نفساً خشناً وهي تلتفت بعصبيه لزوجها وتقول بغضب اعمى : ولك انت شو عم تعمل , متل النسوان بضلك بالبيت لا بتروح تشتغل ولا تشوف لك شغله تشتغلها , مو شايف حالنا شلون صار بعد ما انطردت من شغلك , واحنا تدمرنا وماعاد في باب للرزق يجينا , والطبخ الناس ماعمالها تشتري مني شي بعد ماراحت مئصوفه الرئبه .
كان يمُد جسده على الأريكة الوثيرة , مُرهقاً جداً ومتعباً وقد استنزفته مشاعره بالفقدان والخزيّ , حزينٌ جداً لفقدان ابنه اخته الغالية بهذه الطريقه وقد خرجت مكسوره من بيته وحَمَلتّهُم زوجته الشُكوك لبرائتها , حزينٌ لأنه لا يستطيع الوصول إليها وإخبار عائلتها عن برائتها وعفتها , حزينٌ لأنه فقد صوتها الرقيق يُداعب أذنيه , وقال بهدوء : شو بدّك مني أعمل , الصار صار وأي شغل بروحو بيرفضوني بس يسمعوا اسمي , ليش هو انت نسيت تهديدو لابن عما انه ليطربق الدنيا على راسنا , مشان خبينا عليهم بنتا لاختي .
سوسن وهي تلطم وجنتيها وتولول : الله ياخدن كلن الله ياخدن كلن ياحق , كيف عملوا فينا واتعترنا ولا خلونا في حالنا حتى بعد ما اخدو بنتن الحيوانه .
لمعت عينيها بفكره فور ان قفزت ميرال على ذاكرتها وقالت بحماس تنظر لزوجها : ايه كيف راح عن بالي , إلياس لازم توصل لميرال باي طريقه لازم توصل الها , هي الوحيده الرح توئفون عن حدهون , هلأ هنن بحبوها وما بيرفضوا لها طلب وبس تشوف حالك المعتر زي المشردين رح تحزن عليك وتترجاهن يسيبونا بحالنا , ومافيها شي حى لو طلبت منهن مصاري عشانا .
اتسعت احلامها وهي تبتسم بنشوه النصر القريب : وممكن كمان بهاي المصاري اعمل العمليات البدي ياها , مشان اجمل حالي اكتر .
هرولت إلى حيث يجلس وهي ترفعه عن الأريكة وتقول : يلا يلا ئووووم بطل كسل وحزن وروح حاكي جارنا ابو عبدالله بركي عندهم فكره عنها وعن مكانها , لازم تلائيها .
نهض بحماس ليس من اجل فكره زوجته الطماعة والجشعة , كان كل امله أن يرى صغيرته ويطمئن عليها وهو لن يطلب منها شيئاً , يكفي ما فعلته بها زوجته لسنواتٍ طويله , وكان يصمت بسبب ضعفه وسيطره زوجته القوية على كل شيء , هذه المره لن يدعها تنجح بخطتها , سيطمئن على ابنه اخته وراحتها وكفى بالله شهيداً .
ذهب يجُرّ أذيال حزنه خلفه حيث يقع منزل جاره , طرق الباب وانتظر لبعض القوت حتى خرج عبدالله من الباب وهو يقول بتعجب : حيّ الله عمي إلياس , حياك حياك يا عمي , اقلط " تفضل بالدخول " , بروح اشوف الوالد .
دخل الياس عاقداً كفيه خلف ظهره المُنحني بانكسار , فولج عليه ابو عبدالله يقوم بالترحيب به على الأصول : ارحب , يا الله انك تحييه , اقلط , اقلط يا استاذ إلياس حياك , والله انه الطيب عند ذكره لسه توني كنت بكلمك واخذ منك موعد أقابلك فيه .
جلس وهو يبتسم بهدوء , ورفع رأسه بهدوء وهو يقول : أأمرني شو بدك مني يا أبوعبدالله , وان شاء الله أني بئدر اساعدك .
أبوعبدالله : أبد يا طويل العُمر بس كنت بسألك عن عنوان أهل ميرال , همن قلت لي انه أهلها أخذوها قبل شهرين وشوي , بطمن عليها وسارة بنتي بتشوفها ومره وحده نطلب ايدها لعبدالله خاطره فيها من اول وتدري انت مو جديد عليك .
ثم أردف يقصد زوجه إلياس : الله يسامح بعض الناس الكانت تفركش الخطوبة .
نكس رأسه بهدوء , وغشيه الحُزن وقال بهدوء : وأنا الجاي اليوم لإسأل عنا إزا كنتوا بتعرفوا عنا شي عن طريق بنتكن يمكن كانت بتحاكيها , من لما راحت ما سمعنا عنا خبر وعندي عنوان أهلا القديم بس ما بعرف إزا غيروه أو نئلو من مكانن , وماإلي وش أروح بعد العملتوا مرتي معُن .
قطب أبو عبدالله جبينه وقال : لا والله سارة ما تدري عنها , تعرف ميرال ما معها جوال ولا كان الوضع بكون أسهل , ما يحتاج اقول زياده وانت تدري مين السب في كل شي .
قال إلياس ببعض الأمل : طيب شو نئدر نعمل هلأ , انا بدي روح بس ما بئدر لحالي .
ابتسم ابوعبدالله بوقار وقال : اذا عندك عنوانهم القديم خير ان شاء الله بنروح نسأل عنهم , بس بعد اسبوع لين يرجع عبدالله من الرياض مع أخوياه , وحياك معنا ولو أنت خالها ماحد يحق له يبعدها عنك مهما كان .
الياس وقد عاد الإشراق إلى وجهه : تسلم يا ابو عبدالله , ما تقصر الله يخليك .
غادر الياس وقلبه مليء بالأمل للقاء ابنه اخته التي اشتاق اليها , ويكاد شوقه لها يقتله , وكم يتمنى أنها لا تعتب عليه وأنّ لا تكون غاضبه عليه كل شيء يهون عليه ما عدا حُزنها منه .
*****
على أعتاب أزهار الربيع المُتفتحة , على أعتاب هذا الموج الهادر , وبعد مرور بضعه أيام مرتّ على بعضهم طِوالٌ عجاف وعلى أخرون مرتّ كما السيلُ المُنجرف إلى شلال , كان القصر مشغول جداً بتلك الفوضى التي تعُمّ المكان , والذي شهد قبل شهرين حفله من حفلاته الفاخرة , وهاهُم اليوم يُعِدُون لحفلهٍ مشابهه !!!
لا , لا تُشبهها فهذه تبدو اسطوريه نوعاً ما , بعد أن تم تزين تلك الشمعدانات الضخمة ذو العلوية المُدببة عند بوابه القصر الرئيسية بالورد الطبيعي , كانت هذه الشمعدانات التي تشبه قصور العثمانيين تثير الرهبة بها في كل مره تدخل بها إلى القصر , ولكن لا تعرف لماذا هذه المرة قد زادت رهبتها ؟؟!!
وتختلف اسباب هذه الحفلة عن تلك الحفلة الفاخرة , فهي اليوم عروس !!! , هل حدث كل شيء بسرعه بتخطيط من جدتها ؟؟! ام انها تتوهم ذلك وكل شيء يمُرّ بشكلٍ طبيعي ؟؟؟! .
أجفلتها رسيل وهي تدخل وتُطلق من بين شفتيها " زغرودة " غير مُتقنة , بل باتت مُضحكه وهي تحاول ان تُصدرها من شفتيها .
ضحكت ميرال في غمره توترها الذي بلغ اوجه , أكثر من ذلك التوتر في الحفلة التي اقيمت على شرفها , وقالت بنعومه : رسيل لا يسمعك احد , لأنهم يفطسوا ضحك عليكِ .
بحيويتها المُتفتحة المعتادة : يختي انا عارفه اني فاشله بالزغرطة بس وش اسوي فرحاااانه موووت , صرتِ زوجه فهد على سنّ ورمح , صدقيني ما رح تندمين ابداً انك صرتِ زوجته .
بُهت وجهها عندما استوعبت فداحه ما فعلته , الندم ؟؟ هل سيأتي اليوم الذي تندم به على موافقتها بالزواج برجل سبق له الزواج ثلاث مرات وكل هذه المرات قد بائت بالفشل الذريع , وقد تكون هي الفشل الرابع له , جبروته وقوته المُخيفة التي تهابها من بعيد وهي التي لم تقترب من حدوده , هي بالتأكيد من تُنفِر النساء من حوله , وإلا لماذا فشل مع ثلاث نساء قبلها ؟؟! .
وضعت رسيل كفيّها على صدرها بطريقه تمثيليه وهي ترمي بنفسها على السرير بطريقه حالمه , وتهمس : يا الله صدق مو متخيله انكم تزوجتوا رح تكونون كوبل يجنن , ومتأكده انك رح تسعدي فهد بدل هالخبله العنده المطلعه جنانه , بس يا خوفي منها ساكته وسكوتها مو علامه خير !! .
فهمت تماماً من تقصد وقالت بسرعة : رسيل تكفين لا تتكلمي عنها كذه , انا بروحي ندمانه على موافقتي للزواج من أخوك وهو متزوج منها , وحاسه بتأنيب الضمير اني دخلت بينهم وخربت عليهم يمكن لو ماضغطت علي جدتي كم مره كان ما وافقت أبداً , فلا تزيدي عليّ تكفين الفيني كافيني .
رسيل وهي ترفع جسدها وتُعدل فستانها : ولا يهمك يا قلبي , ولا تشيلين هم صدقيني انت غير عنها , وان شاء الله انها ما تضركم من غيرتها , لو انها محبوبه واخوي مرتاح معها انا بنفسي ما كنت رح افرح لهالزواج , بس انت ما تعتبري دخيله بينهم ابد , وخلي الأمور تمشي مثل ما هي , والحين خلينا من سيرتها ويلا تعالي معي بدخل من الباب الخلفي للكوشه عشان فهد بيدخل ويلبسك الشبكة وتقطعوا الكيك , والسموحه منك قدرك اكبر نسوي لك عرس كبير لا راح ولا استوى وفي قاعه بس مادري وش فيهم مستعجلين ؟؟؟! .
تنهدت بعُمق , وزفرت انفاسها برقه والهواء بارد من حولها رغم حراره الجو , وقد اختلجت بها المشاعر الهادرة من الخوف والندم والرهبة والتوتر يجتاحها بقوه ,
سيكون هذا اللقاء الأول بينهم لقاءها بزوجها الذي تخاف منه ومن صوته الخشن الذي عندما يتكلم بشكلٍ طبيعي فإذ بصوته كالرعد فما بالك عندما يغضب ؟؟! .
لا تنكر انها قد حزّت في خاطرها استعجالهم , ارادت ان تفرح مثل باقي الفتيات في يوم زفافها وتخيلت ليله ورديه , ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يُدركه , فعريسها لم يرغب بزواج ضخم في مكان ما بحجه أنه قد اقام زفافاً لمرتين , ولكن ماذا عنها ؟؟! اليست إنسانه لتتمنى ليليه خاصه بها !! .
لقد اكتفت بطيب خاطر بعد أن أيقنت أن السعادة لا تأتي بهذه المظاهر بفستان ابيض طويل و بسيط التفصيل , ضيق وقد انساب على جسدها واظهر نحاله خصرها المُغوي وساقيها المُتوسطتين الطول , ويشغله من الصدر بعض الكرستالات واللؤلؤ البراق , وتاجٌ صغير استقر فوق رأسها وشعرها البندقي يتهادي على ظهرها , بدون طرحه العروس التي لم يُسعفهم الوقت لتحضير كل شيء بسبب سفرهم هذه الليلة لشهر العسل وهو مُجرد اسبوع واحد لا تعرف إلى اين , لا يهمها هذا الأمر بمقدار ذره الأهم أنها بدت بشكل عروس وكانت مبتهجه لأنها ظهرت بهذه الصورة الجميلة دون تكلُف , مع مساحيق التجميل الناعمة التي ابرزت انوثتها .
,
في مجلس الرجال الضخم حيث أٌقيمت مأدبه لأجل إعلان الزفاف ولم يحضرها إلا العائلة والأصدقاء المقربُون .
كان يقف بثبات كجبلٍ صامد ترميه السماء بالصواعق والرعد ولكنه مُتماسك في مكانه لا يتزحزح ولا يأبه بهذه العاصفة الهوجاء , كما يحدث حوله تماماً , ملامحه حاده التعابير لا تتضح به اختلجاته , حتى أنه لم يأبه لتلك الهمسات من حوله بسبب زواجه للمره الرابعة , فلا أحد يعنيه هذا الأمر فهذه حياته هو !! .
سمع همسه مُتهكمة بجانبه من فم ابن عمه فيصل وهو يُعدل ياقه ثوبه " برزَّة " : والله انك فاجأتني يا ابن العمّ , البنية توها ما صارلها شهرين جايه وانت علطول كوشت عليها , وش اقول بس الدُنيا حظوووووظ !!! .
ارتفع حاجب فهد المشروخ وحدج فيصل بنظراته الجانبية , وادرك فيصل أن عينيه تحمل تحذيراً مُبطناً أن لا يذكُر سيره ابنه العمّ فهي قد اصبحت زوجته , ولا داعي لأن يذكر غيره فهد المُقيتة إذا ذَكر أحدٌ أمامه سيرة من محارمه .
جاء والد فهد وهو يهمس له بجدية : يلا جا الوقت تدخل عند الحريم وتلبس ميرال شبكتها .
سيطر فهد على اتساع حدقتيه وقال بسخط : يبه انا صار لي متزوج ثلاث مرات من قبل ولا قد دخلت على وحده فيهم ولا لبستها هالخرابيط ولا تصورنا أجي اسويها على آخر عمري .
والده بغضب وهو يتذكر حديث ابنته رسيل وينقله له على لسانه : أقول انثبر بس , لا رضيت تسوي زواج كبير يليق ببنت عمك ولا ودك بعد تدخل عليها وتلبسها ذا حق من حقوقها , دام ما سويت لها زواج كبير مثل أي بنت ودام ما رح تسفرها شهر عسل بسبب شغلك , فأقل شي تدخل وذا اخر كلام عندي , يلا تحرك قدامي .
ودخل فهد مجبوراً ليُلبس ابنه العمّ المنتظره ماجلبه لها من مجوهرات , فلا شيء يجيده سوا جلب المجوهرات للنساء وليتهن يستحقون ما يجلبه من اجلهم , لولا اصرار عائلته واجباره ان يجلب لها كما جلب للذين من قبلها لما جلب لها شيئاً فقد تزداد غروراً وعنهجيه كما حدث مع الأُخريات .
تنهد بعُمق وكل ما يهمه الآن ان تنتهي هذه المهزلة التي طالت أكثر مما ينبغي , ففهي الفجر لديهم رحله إلى مكه المُكرمة , المنطقة الطاهرة التي يُحبها ويعشقها كما يجد راحته وروحه المهدده بالانقراض هناك وحول ستار الكعبة , ولن يهتم ان لم تُعجب " ست الحُسنِ والدلال " كاللذين من قبلها الأهم أنه قد أخذ هذه الإجازة حتى يرتاح وسيقضي هذا الاسبوع كله في مكّة ولن يهتم لأن يجَوِّل زوجته هذه في أي مكان .
في الطرف الآخر كانت ترتجف خوفاً وذعراً عندما عرفت ان زوجها سيدخُل عليها الآن وسيلمسها وهو يُلبسها الحُليّ , وكاد أن يُغمى عليها من هذا التوتر الذي داهمها كالجراد , لولا وجود الفتيات من حولها وتهدئتها , وقد شعرت بالسعادة عندما رأت سميرة ابنه خاله سارة , لا تُصدق ماتراه عينيها ووجودها بجانبها قد خفف من توترها .
قالت سميره بموده وهي ترتدي عبائتها وحجابها بسب دخول العريس : ميرو حبيبتي اهدي شوفي شلون جبينك عرّق , ماله داعي كل هالخوف الرجال ما رح ياكلك .
رسيل بسماجه : لا , لا خليها الخبلة الحين بيقرف منها بس يجي يبوس جبينها ويلاقيه معرّق ويقول الله يخلف عليّ .
شهقت ميرال ووضعت كفها على فمها بصدمه : يبوسني ؟؟!! .
ضحكت رسيل بخفه يتخلله الخُبث , وتحركت إلى البوابه حيث سيدخُل منها فهد ووالدها , وابتعدت سميرة قليلً تقف بعيداً عن ميرال , وبابتعادهم زال شعور ميرال بالأمان .
اُغلقت الأضواء فجأه ووقفت تلك الموسيقى الصاخبة مع وقوف دقات قلب ميرال التي ادركت انّ هذا وقت دخول العريس , وفعلاً بدأت موسيقى دخول العريس مع قرع الطبول .
بينما كان فهد يُطبق فمه بصرامه ولم يعجبه هذا التهريج , وعينيه كانتا تتجهان بخطٍ مستقيم إلى حيثُ ما هو حلالاً له فقط , وعروسه المُنكسة برأسها و التي تُمثل الخجل أمام الجميع , فجميع زوجاته كانوا يُمثِلن الخجل وقد كشفهن ببراعه ولكنه كان يتغاضى عن ذلك , وهذه المسخ ليست مختلفه عنهن , فجميع النساء كيدهُنّ عظيم !!! .
اقترب منها بامتعاض ومع اقترابه رجف جسدها , وشهقت شهقه مكتومه عندما سمعت رسيل تتحدث معه باحترام شديد بدون مُزاحها السِمج مع الجميع ومع والدها , فهذا دليل أنه لا يُمزح معه وأنّ رعبها منه في محله .
قالت رسيل بهدوء تقدم لفهد علبه المجوهرات بعد أن جلسوا بالكُرسيين المُتقاربين : يلا فهود أمي تقول لبسها بسرعه عشان تطلعون , وأنا بساعدك .
ابتسم لأخته بامتنان و هو يلتقط منها أصعب مهمه وهي العقد المُزين بالألماس ويستقر في وسطه حجر الفيروز الذي أصرت والدته على البحث عنه و أن لا يشتري لها إلا الفيروز , دون أن يسألها عن السبب كان يسير معها لتختار كما تُريد ومهمته هو الدفع .
زفر بخشونه وهمّ بوضع العقد على نحرها , جعلتها زفرته التي وصلت لعُنقها ترتعد بمكانها , ونظر لها بطرف عينيه من ارتعادتها وهو الذي لم يلمسها بعد , وجعله هذا يتأكد من دلالها .
اضطر لأن يُلامس بخشونه أصابعه نعومه عُنقها الذي أرسل له رعشه داس عليها قبل أن تصل إلى جسده , يحمدالله انّ العقد كان ذو تسكيره بسيطه استطاع بجهدٍ كبير أن يُغلقة بهدوء ,
بعد ان أحرق بأصابعه جلدها وتشعر بهذه الحرارة تخترق أحشائها وتعِدُ معدتها بمغصٍ شديد .
والدته هي الوحيدة التي نظرت لحاله وتفهم كل ما يدور بعقله وتفهم اختلاجاته وعدم رغبته بهذا الزواج ولا تلوم ابنها وفرحتها الأولى , فاقتربت بتصميم وقالت بنعومه : رسيل يمّه لبسيها الحلقان وهاتي الاسوارة البسها لها .
لم يعجب هذا الأمر رسيل ولكنها خضعت عندما رأت نظرات امها الحادة باتجاهها , وتمت المهمه بنجاح وتركوا له أنّ يُلبسها الخاتم ومحبسها , كما ستفعل هي وتلبسه المحبس الذي يخُصة .
ألبسها الخاتم وخلفه المحبس بشكلٍ طبيعي دون أن يتأثر بنعومه كفها فلقد شبِع من هذه النعومة , أما هي فقد كانت ترتجف بقوه وكان يرى ارتجاف كفها بريبه , دون أن ينظر لوجهها المذعور من قُربه الشديد و خياله الذي يهيمُ عليها , ويجعلها تختنق بمكانها من الخوف , البسته محبسه بصعوبه وسحبت كفها بسرعه تضمها لصدرها وكأنه سيأكُل كفها .
أصدر صوتاً مُستنكراً من حركتها المعتوهة , بينما كان يرُد على والدته التي قالت : فهد يلا قوم وخذ عروسك يلا يمديكم ترتاحوا شوي قبل الفجر وتسافرون , وانزلوا من هنا عشان تسلمون على جدتكم , ما تقدر تطلع لكم .
فهد بخشونه : ابشري يا الغالية , أكيد ما نيب رايح مكان من غير ما أشوف أمي وأسلم عليها .
كانت هذه المرة الأولى التي تسمع بها صوته بهذا القُرب وهذا الوضوح , كان صوته خشناً للغاية , هل يتخلله القسوة ؟؟! ام أنها تتخيل ذلك ؟؟! , كل ما تعرفه بأن صوته بخشونته قد فتنها وسحرها , وكان جذاباً للغاية .
وانتهت هذه المهزلة وأخيراً على خير , بعد أن ودع جدته واستودعها الله وألقت عليهم دعواتها لهم بالتوفيق , وهاهو يأخذ عروسه إلى الفُندق , حتى تظهر له على حقيقتها المرّه , وحتى يرثي نفسه على أطلال قلبه الذي تحمّل الكثير من الأرق .