الفصل الاخير .. وكلمة القدر !
Jeanne Hubertine



عام 1917
التقى موديليانى جين هوبرتين
الطالبه الواعدة بأكاديميه كولاروسي للفنون
Académie Colarossi
والتى وصفت بالموهوبة
الرقيقة ..الهادئة المهذبة



أحبته.. رغم فارق عمر يصل لتسعة عشر عاما
أحبته .. مريضا عليلا ..
بدّل المرض وسامته ونال من قسماته بضراوة
أحبته .. فقيرا .. لا تجد لوحاته من يقدرها حق قدرها بعد
تحدت عائلتها الرافضة تماما لعلاقتهما
فكان أن تبرأت منها العائلة الأرستقراطية المحافظة !


وتمكنت جين من محو تاريخ موديليانى مع النساء
الحب الأول للشاعرة الروسية آنا أخماتوفا
وكذلك علاقته العاصفة ببياتريس هاستينغس
ناهيك عن علاقاته المتعددة
وهو الذى إشتهر بلقب أمير البوهيميين
عاشت جين مع آميديو
سنواته الثلاث الأخيرة من عمره القصير
وقد اصبحت نموذجه وعارضته الرئيسة حتى مماته





تبدو جين بسيطة شاحبة ..
ملائكية الملامح ..مستسلمة لقدر خفي
عيناها الخضراوان وشفتاها الرقيقتان ونظراتها الواهنة
تحمل ما يشبه النبؤة والفجيعة القادمة
ونذر مأساة ما كانت لتخطر ببال !!

عام1918
بدأ التدهور الفعلى لحالة الفنان الصحية



فرتب له
صديقه الرائع المؤمن بعبقريته
الشاعر البولندي "زبورووسكي"
عطلة مبهجة في نيس تحت شمسها الدافئة
وكانت جين حاملا فى طفلهما الأول
فإستقرا هناك قرابة عام
حيث ولدت الطفلة جين فى 29 نوفمبر
وقد سميت على إسم والدتها
وإعتمدها الفنان بعد وقت قصير كإبنته يصورة شرعية .

عام 1019
جين تنتظر طفلا ثانيا ..وموديليانى يتزوجها رسميا
لم تعد صحته على ما يرام ..لكنه يستمر فى رسم الأصدقاء

Lunia Czechowska
Hanka Zborowska
Zborowski
وفى الجنوب أيضا حيث الطبيعة الجميلة انتج لوحات رائعة
تبدلت فيها الالوان من القتامة الى النور والضياء
كما رسم لوحاته الأربعة عن الطبيعة





]





وكان بعض الأصدقاء يحاولون بيع لوحاته للسائحين الأثرياء
ورغم ذلك العناء
فإن معظم ما انجزه موديليانى فى تلك الفترة العصيبة
شكل بعد ذلك أهم وأثمن لوحاته وأكثرها طلبا وشعبية !


يتبع

أما جين
فقد رسمها فى ذلك الوقت أكثر من 25 مرة













في العام ١٩١٩م
عاد موديليانى إلى باريس
وقد أثمرت مجهودات زبوروسكى
عن إقامة عدة معارض ناجحة في بريطانيا
حيث بدأت لوحاته تباع
ويتعرف هواة الفن التشكيلى على إسمه وخطوطه والوانه
كما عرضت بعض لوحاته فى صالون الخريف فى باريس
وكذلك كان يخطط لزيارة جديدة إلى مسقط رأسه فى إيطاليا

لكن الآوان قد فات ..
والباقى من العمر قليل .. قليل
وهاهو موديليانى الرافض دوما للوحات تمثله شخصيا
يرسم لنفسه صورة مؤثرة
فاقدا للهمة ..منطفئ النظرات
لكأنها وصية أخيرة
متشبثا بلوحة الرسم فى يده
فى رجاء لتخليد ذكرى الفنان ..حتى لو فنى الإنسان !



وتتسارع خطوات النهاية

22 يناير 1920
ينقل موديليانى للمستشفى فاقدا للوعى

يوم 24
يرحل آميديو موديليانى عن الحياة دون أن يفيق من غيبوبته .

وهنا تجدر الإشارة للقناع الذى صنعه الأصدقاء
أوتريللو وسوتين
عن وجهه وهو ميت
والحقيقة أننى تحفظت على صورة هذا القناع الصادم المخيف
ولمن يرد إلقاء نظرة فعليه بمحركات البحث !

يوم 25 فجرا

تكتمل المأساة فى أقسى وابشع صورها
حين لا تحتمل جين ..الحامل فى شهرها الأخير
حياتها ولو ليوم واحد بدون حبيبها
فتلقى بنفسها وجنينها من الطابق الخامس فى بناية أهلها
لتلحق بموديليانى تاركة طفلتها جين يتيمة وحيدة !


يدفن موديليانى فى جنازة كبيرة فى مقبرة
Père-Lachaise
محاطا بالعديد من الاصدقاء الذين تدبروا معا المال اللازم
لنهاية لائقة
كان من بينهم برانكوزي وسوتين وبيكاسو وليجيه وغيرهم
وصفوف من أناس لا يعرفونه
يلقون على نعشه الورود والتحية
فى مفارقة مريرة غريبة بين واقعه ومماته
بينما دفنت زوجته فى مقبرة قرب باريس
وبعد مرور سنوات على وفاتها
سمح أهلها بنقل رفاتها لتدفن إلى جوار زوجها



وكتب على شاهد القبر

Devoted companion to the extreme sacrifice.
رفيقة مخلصة إلى آخر حدود التضحية !



Jeanne Modigliani
(29 November 1918 – 27 July 1984)



الطفلة جين .. اليتيمة ..
التى تركت لمصيرها وقد تخطت العام من عمرها بشهرين
تكفلت بها عائلة موديليانى
والمؤكد أنها حين ادركت الأمور وما كان قد خفى عنها
إستفرقت فى سيرة أبويها كل الإستغراق



فكان أن أصدرت كتابا عن والدها عام
1958
بعنوان ..
موديليانى ..رجل واسطورة .





وفي العام 2004
أنتج فيلم سينمائي عن حياة موديلياني
قام ببطولته الممثّل الأمريكي اندي غارسيا
القريب الشبه بالرسّام
فيما لعبت دور جان هيبيتيرن الممثلة الفرنسية
إلسا زيلبيريستين.







هكذا كانت سيرة حياة الفنان آميديو موديليانى
الذى صار بعد حياته القصيرة
الطافحة بالحزن والمرض والحاجة
إسما كبيرا لامعا بين نجوم الفن التشكيلى
فمن افلام فنية ووثائقية لمسرحية
لتنافس المتاحف العالمية لإقتناء أعماله بأسعار خيالية
لطوابير طويلة امام معارضه الإستعادية
لكتب عديدة تحكى عنه وعن أسلوبه الفنى ومهارته
فى الكشف عن دقائق النفس البشرية



وعنه قال المفكرالإنجليزى الكبير "كولن ولسن "
" لو قدر "لموديلياني" ان يحيا عمر "بيكاسو"
لتغير مفهوم الفن في العالم "

ورثاه كوكتو بأسلوب أدبى رفيع
يؤكد مدى تأثير موديليانى فى الحياة الفنية الباريسية
لم نكن نعلم أن موديليانى
هو نهاية الأناقة الحقة فى مونبارناس
كنا نتصور أن تلك الأيام الطويلة
التى كان يقضيها فى التصوير عند كيسلينج
وتلك الرسوم على الأرض
وتلك الروائع المعروضة بخمس فرنكات ..
والغراميات ..والخلافات ..
كنا نتصور أن كل ذلك سوف يدوم للأبد !

ولكن ..ورغم ذلك
لا تعدم الساحة التشكيلية نقادا ينزعون عنه كل هذا الثناء
ويشككون في أهمية تجربته من منطلق خياراته التشكيلية «غير الراديكالية»
لكنهم لم يغيروا من واقع الامر أى شئ
فقد حصل موديليانى فى النهاية على مبتغاه
وحصد شهرة طبقت الآفاق ..
وكأن لسان حاله يرد على منتقديه ..وإن بعد فوات الآوان



هذا ما أراه أنا
وليس كما يراه غيري
أو تحتفي به الغالبية العظمى من الناس !

تحياتى لكم وكل الود

معلومات جميلة و مفيدة

مرورك وتقديرك أسعدنى
عزيزتى
همس الريح
لك منى أطيب تحية