إذا ما تجاوزنا كل ما سبق
كتعريف بالفنان كإنسان مبتلى
وبما مرت به حياته القصيرة من مصاعب صحية ومادية
وكل هذا الإنغماس فى الموبقات وتدمير الذات
فقد آن آوان الدخول فى عمق خصائص فنه
بطابعه الشخصى الفريد الذى حار فيه النقاد
فهذا الفنان الذى عاصر عدة مدارس
وحركات فنية كانت تموج بها باريس
فى لحظة بالغة الأهمية فى تاريخها الفني
مثل التكعيبية والوحشية وغيرهما
بقيت أعماله رغم ذلك
محتفظةً بطابع شخصي ومتميز
يعتمد على سبر غور سرائرالبشر
بالتركيز على الوجه الإنسانى
والتقاط أحاسيس الأشخاص
فكان هذا التشكيل الفريد البسيط والموجز
الذى
–وحتى يومنا هذا—
يجتهد النقاد فى تصنيفه ووصفه
لكنهم يتفقون على قوة تأثيرة
وأنه هوما صنع خلود فنان
لم تستطع بوهيميته طمس ثقافته
ورؤاه الفلسفية الخاصة .
وفى ذلك نعود لحديث الدكتور بول الكساندر
الذى وثق معرفته بموديليانى فى كتاب اصدره إبنه نويل
---لا لمجرد رغبة منه فى كتاب تجاري لمنفعة شخصية ---
إنما هى وثيقة للمستقبل ..
تعبر عن إيمانه الكامل بموهبة الفنان الإيطالى
وأنه فى إعتقاده
كان العامل الرئيسى المؤثر فى الفن الفرنسى آنذاك !
إن الحقيقة عن موديليانى ليست فى كل ما حكى عنه ..
ولكنها تكمن فى عمله ..
وإن كل من يعرف كيف يتأمل هذه الوجوه التى صورها
للنساء ..للشبان ..للأصدقاء ..ولغيرهم ..
سيكتشف رجلا مفعما بالإحساس والحنان والفخر
وعاطفة جياشة للحقيقة والبراءة !
قد يبدو أسلوبه قابلا للتقليد ..لكن هذه فكرة خاطئة تماما
ذلك ان ما أبدعته ريشته
هو خلاصة التواصل العميق مع الموديل الجالس امامه
فلا شئ يمر تافها أو بلا معنى !
Paul Alexandre
From The Unknown Modigliani
by Noël Alexandre
فنجد في مختلف البورتريهات التي رسمها
خصائص ومميزات موديلياني
الذى لا يشبه إلا نفسه ولا يباريه فى رؤيته أحد !
شخوص ..
هم أمامننا ..وجها لوجه
ولكن ..
يبدون كما لو كانوا يهابون هذا العالم الصعب
فيتحصنون خلف هدوء غريب يصل لحد اللامبالاة
يغلب على ملامحهم ثمة حزن غامض عميق
بل أن هذه الملامح الشخصية
أعمل فيها موديليانى رؤيته الخاصة
وتوقيعه المخالف
لكل ما عبرت عنه ريشة الفن التشكيلى
صانعا كيانات إنسانية صادمة للعين
..لكنها – وهذا فى الأغلب –
تستوقف الإحساس بما هو أعمق من مجرد لوحة ..
ربما هذه الرسالة الحادة للمتلقى
علّه يلتقط فكرة أن هناك تشويها ينال البشر
مسببا كل هذا الحزن ..كل هذا الألم !
فهنا ..
مبالغة في طول الانف
غياب البؤبؤ من العيون المقفلة غالبا
واحيانا عين مفتوحة واخرى مغلقة
مبالغات ايضا فى نسب الرقبة
أطراف مستطالة .. رؤوس محنية على الجانب
خصور ضيقة ..وجوه دقيقة ..بيضاوية
عيون لوزية ..زرقاء ..بنية أو خضراء
خلفيات باردة الالوان ..
مع الإقتصار على لونين أو ثلاثة بدرجاتهم
للتحول الصورة الى مساحات من الالوان تفصلها خطوط بسيطة .
الشاعرة والناقدة الانجليزية
BEATRICE HASTINGS
كانت ملهمة موديلياني لسنتين
ANNA ZBOROWSKA
Lunia Czechowska
هذه هى شخوص موديليانى ..
لا شئ يحيط بالشخصية المرسومة
لا المناخ ولا الظرف ولا المكان
ورغم وضعية المواجهة الدائمة
فكما أسلفنا
هم يبدون فى حالة من الإنفصال التام
فى فضاء غامض لايكشف عن ظروفهم وما حولهم
ينسحبون لدواخلهم وأحزانهم الدفينة
ويعكسون وحدة مريرة وإغتراب وحنين ..
وأيديهم دوما معقودة في أحضانهم
فى تخوف وريبة مما قد يصيبهم خارج عوالمهم
تحنو عليهم ريشة موديليانى بالتعاطف والتواصل !
Madame Zborowska
أهى حالة رثاء ذاتية ؟
أهو توق لعالم أكثر عدالة وسلاما
ربما إفتقر إليهما موديليانى فى حياته المنهكة البائسة ؟
من جهة أخرى ..
فإن شغف موديليانى بالرسم وبالوجوه الإنسانية
كان ملحوظا وكأنه يبغى تخليدهم جميعا ..
وكان يتضح فى إرتباطه بكل من يصادفهم فى حياته اليومية
فتجرى ريشته المتوهجة بالحياة ..بحرارة مشبوبة على ملامحهم
محولا العالم من حوله لخطوط والوان ..
والأهم ..
توثيق الجميع .. وبذات النهم للعبّ من الحياة ..
دائما ..وباستمرار !
ربة منزل جميلة
خادمة شابة
قروى شاب
يتبع