كاتب الموضوع :
مشاعِر
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
6/ لقاءٌ و وِد .
النبض السادس
لقاءٌ و وِد
-86-
ذرّات الرمال الذهبية مرايا صغيرة تعكس أشعة الشمس اللي تسقط عليها كـ عادة يومية ، البحر يكر و يفر بأسلوب الماكرين وهو يخطف قُبَلْ سريعة من الشاطِئ ، السماء مُلونة بألوان نارِيَة زادت المكان روعة و حميميّة .
شاطِئ القُرم في ذيك اللحظة من كل يوم يضج بالأطفال اللي يبنوا أحلامهم على شكل قصور رملية ، يضج بالرياضيين وهم يُفرغوا سلبياتهم مع كل زفير ينطلق من صدورهم ، وهنا و هناك من ذاك الشاطِئ الجميل يتوزعوا أزواج ربطهم العِشق ، ينظروا لمغيب الشمس في لحظة حالِمة و وعودهم العاشقة تنساب من شفاههم ناحية السماء فـ تعانقها .
و في وسط الزِحام كان هناك من إختار السباحة في البحر قبل حلول الليل ، ترك أصدقاؤه المُجتمعين على الرمل و مشى باتجاه البحر بعد ما نزع قميصه . برودة أنعشت روحه ، دخل للبحر و هو يحس أن الملح تسرب لـ خلايا جسمه فبعث له راحة زائِلة ، دخل للبحر أكثر وهو يسمع أحد أصدقاؤه يصرخ بسخرية : انتبه لا تغرق
رفع يده بعدم اهتمام وهو يشيح وجهه ناحية الشاطئ يخبر ذاك المُتكلم أنه هالشغلة شغلته هو بالذات ، تقدّم أكثر و الماي بدا يوصل لـ كتفه ، غطس للأسفل وهو يسبح ببراعة ، صعد للأعلى و الهواء يدخل و يخرج لرِئته بسرعة .
أعاد الحركة نفسها من جديد لكن هالمرة حس بثقل يشل أطرافه ، ثقل يكبس على راسه و يمنعه من الوصول للأكسجين ، زادت حركته وهو يحاول يقاوم ، ذراعيه يتحركن بحركة عشوائية في الماي و هو يحاول يقاوم أكثر ، و أخيراً استطاع انتشال نفسه من الماي وصوت أنفاسه اللاهثة يتزايد . يكح بتعب من الماي المالح اللي دخل فـحلقه ، و أنفاسه المُضطربة تخلّي صدره يعلو ويهبط بسرعة جنونية .
لكن ايش اللي صاير؟؟
ايش اللي يحدث هنا ؟؟
وين الشاطِئ ؟
وين الناس ؟
دار حول نفسه وهو يشوف الدنيا متغيرة ، حَل الليل فجأة والظلام طغى على المكان ، الشاطئ أمامه اختفى ومو واضح منه غير السواد ، السماء فوقه مليانه غيوم مفزعة تخفي نور القمر ، والماي حوله .... أسود ، رغم الظلام وعدم وضوح الرؤية إلا أنه استطاع يميّز لون الماي ، الماي أسود بشكل مُخيف !
صدره ينبض بخوف و الإستيعاب بدأ يضعف عنده ، ما هو فاهم شيء من اللي يصير حوله !
القوة الغريبة اللي كبست على أنفاسه قبل لحظات ، دفعته مرة ثانية عشان يتقدم للأمام ، للعُمق ، حاول يقاوم و يرجع للشاطئ ، حاول يرجع للخلف لكن مقاومته بالرجوع فشلت ، محاولته لإنتشال نفسه تراخت شوي شوي ، ولما وصل الماي لرأسه اندفع بقوة هائلة لـ داخل فمه ، كان طعم الماي مُر مرارة الحنظل و أشد ، ما كان مالح مثل ما المُفترض أنه يكون ، كان مُر مرارة مُقيته وهالطعم هو اللي أرخى جسده و أخرس أنفاسه وجعل جسده يطفو على سطح الماي بعيون مُغلقة .
،
صحى من نومه بفزع ، نظر حوله وهو يلهث ، أغمض عيونه براحة جزئية بعد ما استوعب أنه حلم ، حَمَد ربه في سره أكثر من مرة ، حمد ربه على أنه كان مُجرد حِلم .... لكن مو أي حلم ، حُلم مُقيت بشكل فظيع ، أخذ نَفس عميق وهو يحاول يهدا ، أعصابه مشدوده و جسمه متصلب ، أخذ نفس ثاني وهو يرخي جسده من جديد .
الحلم هذا صار له يومين يتكرر ، صحيح مو نفس الحلم بالضبط لكن نفس السواد يتكرر كل ليلة ، نفس الظلام ، نفس خنقة النفَس ، نفس مرارة الطعم ... كل شيء مُفزع يتكرر .
فَتح الأبجورة اللي بجانبه بعد ما استعاد بعض من سكون روحه ، نَظر للساعة اللي كانت تشير لـ أربع الفجر ، تنهّد وهو يبعد اللحاف عنه و يستقيم بهيئة مُبعثرة دلّت على أنه نومه ما كان مُريح ، توجه للحمام ، فتح صنبور الماي وتسنّد على الجدار وهو يغمض عيونه بتعب .
اليوم الأثنين ، اليوم موعد العملية اللي ينتظرها هو وجون و الآخرين بفارغ الصبر ، ودّه يخلّص روحه من كل هالأشياء الوسخة بأسرع وقت ، يحس أنه توسّخ معها ، وده يرجع نظيف ، يريد من كل قلبه يرجع عُمر اللي ما عرف عدنان ولا عرف ليزا ولا حتى عرف جون ، وده يرجع عُمر اللي ما زال في عُمان ، يريد يرجع عُمر اللي ما سافر لبريطانيا عشان يدرس ، لكن كل أمنياته هذي مُستحيلة .
نظر ناحية الماي اللي يصب بدون جدوى ، تأمله بعيون تايهه ، وده كذا يكون مثل الماي صافي و نقي ، لكن بعد هذي أمنية مُستحيلة ، زفّر وهو يحط يديه تحت الماي ويبلل وجه ، توضأ لصلاة الفجر لعل بصلاته تستعيد الروح هدوءها و سكينتها ، ويرجع القلب ينظم دقّاته .
-87-
أخرجت صينية المعمول من الفرن ، حطتها على الطاولة عشان تبرد ، وبدون تركيز حطت يدها على الصينية الساخنة و بسرعة رفعتها وعلامات الألم ارتسمت على وجهها ، مسكت يدها المتألمة باليد السليمة والوجع ينبض من الحرق ، حطت يدها على الماي البارد ، وشوي شوي الألم بدا يخف ، ما كانت منتبهه ، تحرك يدينها حركة آلية بدون تركيز ؛ لأن ذهنها مشغول بالتفكير ، مشغول باللي قاله لها علي ، ما تبي ترفض روحته وشغله عشان ما تحرمه من هالفرصة وفي نفس الوقت ما تبي توافق عشان ما يبعد عنهم ، هي ما صار لها بهالدنيا غير علي و مريم أما الباقي ضمتهم الأرض عنها أو ابتعدوا وما عاد شافتهم والسبب معروف طبعاً لأن ولدها وحيدها كان فـ يوم قاتِل ، وببساطة هي تكون أم القاتل .
رشّت بودرة السُكر فوق المعمول ، رتبته بحِرفية في صحن التقديم و غلّفته ، صارت تقضي معظم وقتها في المطبخ و في الطبخ ، و صار لها إسمها المعروف ، الكل قام يحب شغلها و يتلذذ بـ طبخها ، والمدخول اللي يدخل عليها من هالشغل في تزايد مستمر .
فذيك اللحظة دخلت مريم المطبخ ، سحبت كرسي وجلست عليه : صباح الخير يمه
إلتفتت موزة بمفاجئة ناحيتها ؛ صوتها باغتها وقطع عليها أفكارها : صباح النور ، تو الناس ؟
حطّت راسها على الطاولة و غمضت عيونها الناعسة والتذمر يصاحب نبرة صوتها : ودي بعد أرجع أنام ، لكن إنتي ما تخلي أحد فحاله ، و بعدين الحين الساعة تِسع ، أحد يصحا هالوقت ؟
ضربتها أمها موزة بالملعقة على راسها ضربة خفيفة و بصوت حاد قالت : ما تدري أنه الصبح تتوزع الأرزاق ، قومي الحين و وصلي هالطلبية لـ بيت أم عبدالرحمن جارتنا
قامت مريم بتثاقل و علامات التذمر خطّت طريقها على وجهها الصبوح ، حملت الطلبية وتوجهت ناحية الباب الخارجي ترافقها وصايا أمها موزة :
" شوي شوي لا ينكب المعمول ع الأرض "
" لا تسرعي "
" إمسكي الصحون عدل "
ردّت مريم بصوت عالي عشان تسمعها أمها موزة : لازم تعطيني راتب ع الروحة و الردة تحت الشموس
( الشموس = جمع شمس و بجمعها دلالة على شدّة حرارة الجو )
خرجت للشارع بدون ما تسمع رد أمها على كلامها الأخير ، مشت على الرصيف وضفيرتها الطويلة تتدلى إلى أسفل ظهرها ، غرّتها الناعمة تنساب على وجهها مع كل خطوة تخطوها فـ تبعدها بحركة من رأسها .
وصلت لبيت جارتهم و أمام الباب شافت مصعب ذو السبع عشرة سنة ، كان متكئ على سور البيت و كأنه ينتظر أحد ، اعتدل لمّا شافها وابتسم ابتسامته الخبيثة وهو يعدّل الكُمة اللي على راسه ، تأمل وجهها المُتورد من حرارة الشمس ، تأمل عيونها برسمتها المُميزة و رموشها الكثيفة اللي تزيدها جمال ، ملامحها جميلة بشكل عجيب وفنفس الوقت يطغى عليها البراءة .
مريم بشراسه ونظراته ضايقتها : عمى بعينك ، ايش تشوف ؟
تقدّم منها والنظرة التأملية ما غابت عن عينه ، تأمّل ثوبها الصيفي الأزرق الساتر اللي يعكس بياض بشرتها ، تأمل شعرها الفاحم الطويل واللي تنزل خصلات منه على وجهها بشكل مُغري لأمثال مصعب.
هيَ طفلة ، مريم طفلة عُمرها تسع سنين ، ما وصلت لذاك العُمر اللي مُمكن فيه تغري شخص بجمالها ، لأن براءة الأطفال ما زالت تحاوطها و تحميها ، لكن المرضى أمثال مصعب ما يقدروا يفرقوا بين الطفل و غيره ، لأن الدناءة تعميهم ، الوساخة اللي داخلهم ما تخليهم يشوفوا أو يميزوا هالشيء !!
لمّا تقدّم منها إبتعدت للخلف كـ رَد فِعل طبيعي ، والغضب يشع من عيونها وصوتها : ترا والله هـَ خبِّر علي عن اللي تسويه "صرخت" إبعد عن دربي
ميّل رأسه بسخرية ثم بدأ يضحك بقوة كأنها قالت نكتة
صرخت بقهر من ضحكه الساخِر : إبعد إنت ما تسمع ؟ أصمخ ؟
مسح وجهه وهو يحاول يكتم ضِحكته : لا بس أعجبتني هذي هخبِّر علي " قلّدها وهي تقولها "
أكمَل بسخرية والبسمة ما انمحت من وجهه : إنتي شايفة علي هذا اللي تبيه يحامي عنش ؟ والله لأدوسه بإصبع رجلي الصغير
صرخت و ايديها ترتجف بالصحون : تخسي الا أنت
قال يكلّم نفسه بصوت ساخر وهو يلوّح بيدينه : قال علي قال ، لا و الأخ مسوِّي نفسه رجال البيت و يشتغل ، و الله ماخذ بنفسه مقلب "ختم كلامه بضحكة ساخرة"
فار الدم في عروقها من كلامه ، مهما كان هذا أخوها اللي يستهزء فيه ، ما ترضى عليه أبداً . صحيح تختلف معه كـ أي أخوين ، وتتضارب معه دائماً ، و تغار منه بشدة لمّا تميزه أمها موزة بوِد خاص ، لكن يظل أخوها ، أخوها شقيقها اللي تتشارك معه بالدَّم و أمور كثيرة ، تحمل له حُب خاص و وِدْ ، و له مكانة عندها ما يرتقي لها أحد . هو الأمان بالنسبة لها لدرجة أنها ما ترددت أبداً أنها تقول لمصعب قبل لحظات " هـَ خبِّر علي عن اللي تسويه " !
تعدَّتُه قاصدة باب البيت و وجهها زاد احمرارُه من الغضب ، لكن وقّفت قبل ما تدخل و إلتفتت ناحيته والشرار يتصاعد من عيونها : ع الأقل علي اللي مو عاجبك رجّال ويشتغل مو مثلك يَ الحريمة (تصغير حرمة) جالس في البيت لا شغل و لا مشغلة
دخلت البيت بسرعة بعد ما شافت الصدمة تكتسح وجهه ، يحاول يستوعب أنه النتفة اللي اختفت من أمامه ردّت له الصاع عشرين صاع ، يحاول يفهم الإهانة الكبيرة اللي يحملها كلامها ، ولمّا بدأ يستوعب الشرار تطاير من عيونه ، و كلامها – ما زال - يصول ويجول فعقله ، حس بالإهانة بشكل ما له مثيل ، وكرد فِعل لواحد نذل مثله بعد الكلام اللي سمعه بدأ الإنتقام ينبض داخله .
انتظرها لدقائق أمام الباب والغضب المجنون يحرق صدره وفي راسه فكرة وحدة لا غير أنه ينتقم من هالبنت ، لكن كانت أذكى منه ، رغم صِغر سنها إلا أنها قدرت تفهم أنه كلماتها أثَّرت عليه بقوة ، قدرت تفهم أنه ما راح يعدِّيها لها ، قدرت تفهم أنها لازم تفلت منه وتهرب قبل لا يشوفها .
وصّلَت الطلبية لأم عبد الرحمن وخرجت من الباب الخلفي لبيتها ؛ لأنها تدري أنه اللي قالته لمصعب شيء كبير و كانت تدري بعد أنه ما راح يسكت لها وراح يأذيها .
-88-
وضع كفوفه تحت الماي البارد ، تدفقت برودته بكل كَرَم و أرسلت له رعشه سرت من يديه لـ عموده الفقري لـ كامل جسده ، رش الماي على وجهه لعل النار اللي في صدره تبرد ، لكنه عَجَز معها ما هي راضية تنطفي .
رفع راسه للمرآه ، تأمل وجهه ، تأمل علامات الضرب اللي بدت تزول الا من قلبه ، مد أصابعه للجرح اللي امتد من منتصف جبهته لـ حاجبه ، مرر سبابته عليه بعيون مُغلقة والنار في صدره زاد توقدها ، فتح عيونه فجأة ، غسل وجهه أكثر من مرة بحركة جنونية سريعة ، وده يُزيل كل ملامح الضرب اللي على وجهه عشان تنطفي ناره المستعرة في جوفه ، وده تنطفي عشان يرتاح .
: سلطان
التفت لمصدر الصوت اللي يناديه ، أغلق حنفيه الماي و صدره يعلو ويهبط بسرعة وكأنه ركض مئات الأميال وهو ما تحرك من مكانه ، أخذ نفَس عميق وزفّر بعنف ، خرج من الحمام و لقا خالته متوسطة الغرفة .
ابتسمت بحب و وجع خفي : صبحت بالخير يمه
رد عليها بوجوم : الله يصبحش بالنور " بتردد" خالتي
وكأنه "خالتي " اللي خرجت بصعوبة من فمه تمحي ذِكرى هِذيانه بأمه ، لكن هالشيء مُستحيل لا هو راح ينسى أنه انهار بضعف من يومين في حضن خالته ولا خالته راح تنسى وجعه اللي حط عليها وهد قلبها ، يريد من كل قلبه أنه يمحي ذِكرى بكاؤه فـ صدر خالته ، ما عاد يقدر يظهر ضعفه أكثر من كذاك ولأي شخصٍ كان ، وكأن بـ وجومه اللي تسلّح فيه بعد الحادثة يقدر يضم وجعه في صدره عن الكل !!
غلطان يا سلطان ... غلطان
تقدر تخفيه عن الكل الا عن مزون خالتك اللي شهدت أقصى درجات ضعفك و وجعك .
حاوطت ذراعه بحُب والحنان يشع من عيونها : تعال فديتك ، حطينا الريوق
نظر لذراعه المُطوقة بكل رقة بيدينها الناعمة ، رفع نظره لخالته اللي ابتسمت له ، ما قدر يرد لها الإبتسامة ، وجهه متشنج من البرود اللي احتّله .
مشى بجانبها وفرق الطول بينهم بضعة سنتيمترات ، جلس على الأرض وجلست بجانبه وهي تقرّب له الأكل اللي يحبه ، أكل بدون نفس ، أصبح ياكل عشان يعيش لا غير .
: تبا شاهي ؟
رفع نظره لخالته بضيق من الحنان اللي تكرمه به بدون ما تنتظر منه مقابل : لا
وقف على حيله بعد ما أخذ شهيق عميق وهو يهمس : الحمد لله
توجه ناحية المغاسل في حين رفعت مزون عيونها تتأمل ظهره ، ما ضغطت عليه عشان ياكل مع أنها ملاحظة انسداد نفسُه وأنه أكل عشان ما يكسر بخاطرها ، لاحظت بروده وضيقه الواضح لكنها ما تكلمت أو بيّنت له إنها ملاحظة هالشيء ، خليه على راحته لين الله يفرجها .
زفّرت بضيق وهي تسمع صوت أولادها يتضاربوا كالعادة ، بتهديد صرخت : قسماً بالله إذا سمعت صوت زيادة يا إنّه ما يردكُم عن الخيزرانة شيء .
جاها جُلدى و أدهم ( 6 سنين ) وهم يشرحوا لأمهم سبب ضرابتهم وكل واحد يرمي اللوم على الثاني ، في ذات الوقت رن جرس الباب يُعلن وصول أحدهم ، ركضوا التوأم بسرعة ناحية الباب وهم يتسابقوا من يفتحه أوّل .
سمعت أطفالها يهتفوا من الخارج : خالي محماااااد
نظرت مزون لـ سلطان كردة فِعل طبيعية بعد ما عرفت هِويَّة القادِم ، في حين نظر سلطان ناحية باب الصالة ينتظر دخول الزائِر ، كان مُترقب هالزِيارة من يومين واستغرب كثير إنها تأخرت.
-89-
مشى في أروقة الجامعة والبسمة مرسومة في وجهه ، يحادث صديقُـه باندماج واضح إلى أن طاحت عينه عليها وهي تضحك وترفع لا إرادياً يُمناها تغطي بها فمها بارتخاء رأسها للأسفل .
البسمة اللي كانت مرسومة على وجهه تقلّصت شوي شوي ، ونظرته أرتخت ويده تشد بقوة على الكتب اللي حاملنها ، ما كان ناقصنُه إلا شوفتها ، ما كان ناقصنُه إلا شوفتها وهي تضحك ضحكتها اللي تزلزل كل خلية فيه ، ما كان ناقصنُه إلا شوفة وجهها اللي يضج بالجمال .
سأله صديقه وهو يصد جهة الشيء اللي لفت انتباهه : اشفيك ؟
رد بخفوت وهو يتنحنح : احم ، ولا شيء .. خلينا بسرعة نسلّم البحوث لأني خلاص تعبت ودي أرجع البيت
ضحك صديقه : هـَـ نرتاح قريب ، هذي الأيام الأخيرة في الجامعة
رد عليه وهو يتنهد : صحيح غثا ولوعة كبد ، لكن السنين ركضت بسرعة وما حسينا بشيء والحين نتخرج
ما سمع رد صديقه ، ما سمع إيش قال له ؛ لأن صوت ضربات قلبه كان أعلى و طغى على كل الأصوات ، بلع ريقه وهو يحاول يسيطر على نفسه ، شد على نفسه أكثر وهو يحاول أنه ما يعكِسْ اللي داخله خارجه و ينكشف ، رفَع عيونه وهو يشوفها متجهه صوبهم فـــ زادت ضجَّة قلبه .
يا رب ما تكون جاية هنا ، يا رب ما تكون جاية هنا ، دعا من كل قلبه اللي يعشقها ومتولع فيها ، دعا من كل قلبه أنها تغيّر مسارها فآخر لحظة وتبتعد ، ما هو متحمّل شوفتها اللي تشعل جنون دواخله .
انساب صوتها بكل ما في العالم من رقّة و نعومة وهي ترمي عليهم السلام ، ردوا السلام عليها .
بنظرات مرخيّة للأسفل بخجل وبنبرة ناعمة خافته : أخوي حُذيفة إسمحلي لكن بغيت المُلخصات اللي عطيتك اياها من يومين .
أخوي ؟؟؟
أخوي !!!
ما ركّز فكلامها الباقي كثر ما ركّز على " أخوي " ، يااااا تعب قلبه من هالكلمة .
تنحنح بخشونه وهو يحاول لملمة شتات نفسُه العاشقة : ما عليه باكر بعون الله بعطيش ؛ لأني اليوم نسيتهن في البيت إلا إذا كنتِ تبيهن ضروري فـ راح أروح أجيبهن
بسرعة قالت وهي تصلّح حجابها بارتباك : لا عادي مثل ما قلت باكر راح أخذهن إن شاء الله ، مشكور
عطتهم ظهرها وابتعدت ناحية صديقاتها
تنهّد حُذيفة بصوت مسموع وعيونه تحرسها بحُب
سمع صديقُه يُقول بعد فترة صمت : إذا تحبها إخطبها
استغرب بشدة ، لهالدرجة حُبه مفضوح ؟؟ ، و بنبرة مرتبكة رد : لااا وييين أحبها ؟؟
ضحك صديقه : حُذيفة عادي ترا ، شفيك كذا مختبص ؟؟؟ ، إخطبها إذا تبيها و تحبها
ما رد ، أساساً هالفكرة تصول وتجول فعقله من فترة ، و قريب قريب راح يكلّم أبوه عن هالموضوع ، ابتسم بحب وعيونه تبرق بشوق وهمَس لنفسه : إنتظريني يا أميرة الروح ، إنتظريني يا بعد هالقلب .
-90-
دخل مجلس أخوه وهو يسلّم بصوت مُهيب وعلامات الهَم مستقرة على وجهه ، رد أخوه السلام وهو ينزل الجريدة على الطاولة الزجاجية ، أنزل الأخير نظارة القراءة وهو يتتبع أخوه بصمت ثمَّ قال بنبرة حازمة ونظرات اللوم في عيونه : متى ناوي تروح لعند ولدك ؟ والا بعدك مشكك أنه بريء ؟؟
رد ناصر بصوت أجّش : لا حشا ، لكن خالته تقول ننتظر كَمِن يوم لين ما يهدا
أخذ أبو طارق التلفون وهو يقول بحزم وبذات النظرة النارية الحادة : إنت خلِّك هنا لكن أنا راح أروحلَه ؛ لأني واحد من المذنبين اللي آذوه وحرقوا جوفه ... يكفي إني سمحتلَك تطلع جنونَك عليه .
ضغط أرقام التلفون ، حط السماعة على أذنه ، بعدها بثواني قال : السلام عليكم و رحمة الله ....... ما عليك أمر أخوي بغيت تذكرة لأقرب رحلة لـ صلالة
سمع ناصر يتنهد : خلها تذكرتين يَ بو طارق
البَسمة ما تعدّت عيون أبو طارق اللي أكمل : خلها تذكرتين يطولّي عمرك ...... بـ إسم عبدالعزيز بن طارق الـ و ناصر بن طارق الـ ...... العصر ؟؟ ......... إن شاء الله ........ مشكور ...... حيّاك الله
حط التلفون على جانب : بعون الله الرحلة العصر الساعة أربع
هز ناصر رأسه بوهن : الله يعين يا خوي ، ما أدري كيف بقابله؟ ، أخطيت عليه واجد
رمق عبدالعزيز أخوه : عيبك يا ناصر أنه عصبيتك كلها تحطها فيه ، من هو طِفل و إنت ما غير طايح فيه ضرب وتكسير عَ اللي يسوى واللي ما يسوى
سكت ياخذ نَفَس ثم أكمل بحدة : لا تلومه إن اختار يجلس مع خالته وما يرد معك ، لا تلومه ، اللي سويته آخر شيء ما يسويه العدو وما ظنّتي بينسى أو يسامح بسهولة ، في الأخير دمُّه يجمع بين الـــ ( قبيلة سلطان ) و الــ ( قبيلة أمُه ) وإنت أدرى وِشْ من القبايل هالقبيلتين .
ردد ناصر بخفوت وهو يستشعر كل كلمة قالها أخوه : الله يعين .. الله يعين
أرخى أبو طارق نبرة صوته : إتصل على الجماعة خبّرهم إنّا معزمين نخطِفْ صوبهُم
هز ناصر راسه وجفونه مرخيّة على الأرض ، يفكر ويفكر والندم المشوب بـالحسرة ينهش فواده على بِكرُه وأول فرحتُه و .......
و قطعة من معشوقته المرحومَة !
-91-
تأمّل ولد أخته الصغيرة اللي خطفها الموت من بين يديهم ، تأمّل الضرب اللي باين على وجهه وآثاره الموسومة عليه بشكل مُرعب ، زفّر بغضب وحواجبه يلتقن بعصبية مجنونة : عليم الله أنه ناصر جَن وطار عقله .
فز من مكانه والقهر مشتعل داخله ، شَبَك يديه خلف ظهره وهو يروح ويجي في الصالة ، يا عَرب الله هذا سلطان ، سلطان ولد وضحى أخته ، غالِـيته الصغيرة ، ربيبته ، كذا يصير فيه ؟؟ ، ينهان بهالشكل ؟؟ وعلى يد من ؟؟ أبوووه !!
ايش اللي يصير في هالدنيا ؟؟
إيش اللي يصير ؟؟
في سنينه الستة والخمسين شاف كثير وعايش كثير والشيب الأبيض اللي يعطيه وقار -على وقار- ما تلوّن في شعره من فراغ ، إلا أنه في حياته ... في حياته ما تخيّل أنه ولد وضحى ينذل بهالشكل !!
همسَت مزون بخوف من حالة أخوها و من جنون عصبيته ، هي عارفة وفاهمة إنه هالغضب من المعزّة العميقة اللي يحملها لـ سلطان : يطوّلي عمرك يَ بو عبيد إهدا شوية ، كل شيء وله حَل يا خوي
أسكتها بنظرة من عيونه اللي صغرت فجأة من العصبية وبهمس حاد غاضب : مزون خليني ساكت عنش لا أفجِّر كل قهري فيش ، لأني للحين ما عرفت ليش خبيتوا عني شيء مثل ذا ؟؟
بلعت ريقها بخوف من عيونه اللي انقلبت بشكل مُفزع : كنت مسافر يا خوي ، تبينا نقولك و إنت فـ شغل
زمجر بحدّة وهو يضغط على شفته السفلية بغيظ : ينقطع شغلي ، ينقطع رزقي ما همني تسمعي ، ما هـ م ن ي المهم تقولوا لي ، يكون عندي خَبَر
تأمل سلطان حال خاله بصمت ، هو يدري بمعزته عنده ، و يدري أنه ما يرضى عليه لكن أنه يشوف هالشيء يتجسد أمام عيونه فـ هذا يحسسه بالأمان المشوب بالفرح ، يحسسه أنه فيه أحد وراه يمسكه لا وَقَع ويحتويه لا انظام .
وجّه أبو عبيد أنظاره لـ سلطان وبتهديد زمجَر : راح تنتقل عندي وما لك رجعة لعند أبوك ، سامعني ؟؟ " بحدة أكثر " سامع يا سلطان ؟؟
بسرعة قالت مزون وهي تتمسك بذراع سلطان : لا والله وهذاني حلفت ، سلطان ما يطلع من بيتي .
قطع نقاشهم الحاد صوت التلفون ، أخذت مزون نَفَس وهي تقوم ناحيته ، ردّت بصوت متزن : السلام عليكم و الرحمة
تفاجأت من المتصل وهالشيء وَضَح في وجهها ، وجّهت أنظارها لأخوها : هلا بو سلطان
إلتفتوا أبو عبيد و سلطان ناحيتها وأصغوا السمع لصوتها : بخير الله يسلمك ......... كلنا بخير وعافية ما علينا قاصِر و لله الحَمد ......... يا هلا فيك ............ حيّاك الله ........... مع السلامة
أغلقت التلفون ، وصلها صوت أخوها : هذا ناصر ؟؟ إيش يبا ؟
بخفوت ردّت : يقول جاي هنا وهَـ يوصل بعد المغرب بعون الله
هز أبو عبيد راسه بوعيد والشر ينضح من عيونه !
إرتجف صدر سلطان وهو يسمع أنه أبوه جاي لـ صلالة ، يدري أنه براءته ظهرت ، لكن كيف ظهرت ما يدري ؟؟ ومع كذا هو يرجف ، يرجف وهو يتخيل اللقاء الأول مع أبوه بعد الحادثة
كيف هـ يكون يا ترى ؟!
-92-
دخل جَناحُه واستقبلته ريحة الدخون العطِرة ، اتجه ناحية غرفة المكتب الخاصة فيه ، أخَذ مُبتغاه منه وطلع ، قابلها فـ وجهه وهي تناظره باستغراب مُتسائل : طارق ؟؟ ، غريبة ليش راد هالوقت من الدوام ؟؟
ياااااااا ناس ، انخرَس ، انكَتَم ، صوته ما هو راضي يطلع ، صوته اندفَن في جوفه واختنق داخله !!
تأمل هيئتها المُثيرة لـ رجولته الطاغية ، تأمل روب الإستحمام القصير وشعرها المبلل بتموجات مُغرية ، تأمل قامتها المُمتلئة بمعالِم أنثوية صارخة ، عض شفته السُفلى بإثارة وهو يتجه ناحيتها بشوق !
حارمتنه منها شهرين ، شهرين وهو يذوق علقَم بُعدها ، شهرين وهو يتقلب على لظى الشوق ، لين هنا و كافي ما يقدر يصبر !! ، من ذاك اليوم النَحس والدنيا أظلمت عليهم ، من يوم ما قالوا له أنه زوجته عقيم وهي مُبتعدة عنه ، كارهه قُربه ، من ذاك اليوم و أحلامه تتلاشى تدرجياً.
رمى الملف اللي في يده على جنب ، خرج صوته بنبرة آمرة رجولية وهو يلاحظ خطواتها المُبتعدة : أوقفي
نفّذَت اللي قاله ، وقفت مكانها بس ما زالت ترتجف ، ما هو بيدها اللي يصير ، ما هو بيدها ، من يوم ما قالوا لها أنه مُشكلة الإنجاب منها وهي حاسّة بالنقص في أنوثتها ، حاسة بالفراغ يحتويها ، ما هو بيدها !!
تموت عليه ، تحبه بجنون ، وشوقها له أضعاف شوقه ، وحرمانها منه موت بطيء ، لكن هالشيء مو بيدها .... مو بيدها ، هو احترم ابتعادها و ما أجبرها على شيء مع أنه له كل الحق أنه يجبرها وياخذ حقوقه من عيونها ؛ لكنها تدري أنه رجّال بكل ما تعنيه هالكلمة من معنى ، رجّال ما يجبر أنثاه على شيء هي ما تريده ، ما يقرب من أنثاه وهي ممتنعة ورافضة هالقُرب .
مسك خصرها و فلمح البصر ما كانت فيه أي مسافة تفصل الجسدين عن بعض ، حرارة الشوق النابعة من جسده ألهبتها وصارت ترجف من الحرارة ومن المشاعر اللي هلّت عليها ، ترجف كـ عصفورة انجرحت جرح بليغ .... وتنتظر موتها .
أسنَد جبهته على جبهتها و أنفاسهم تختلط بمزيج ساحِر ، همَس بدفئ : اشششش إهدي ، ما راح يصير شيء ، إهدي
همسُه الدافئ حاوط قلبها بُحب ، و بعقل مُشوَّش و حواس غائبة رفعت يديها على صدره ، و شبكتهن حول عنقه واقتربت منه أكثر .
بحركتها هذي أعطته شيء من الفرح اللي غاب عنه من فترة ، مسدَت قلبه بشيء من الراحة الغايبة عن دواخله فترة طويييلة ، طويييلة عليه كثير !
اقترابها منه بذاك الشكل كان إشارة وبداية لإقتراب أكثر حميمية ، لفح الفرح قلبه وحس أنه في جنة قُربها أخيراً ، طال أحلامه بعد طول إنتظار و بعد بُعد مرير وعلقمي .
من شفاهها إقترب ، و طبع قُبلته المجنونة ، قُبلته الشهيّة ، قبلته المُحملة بالشوق والحُب و الدفئ ، مُحملة بكل المشاعِر الجميلة اللي يحملها قلبه لـها ، لها وحدها .
همس وهو يسند جبهته على جبهتها بمشاعر محمومة و أعيُن مُغمضة: اشتقت لش ، ولَهت عليش و ربي ولَهت عليش يَ كل أحلامي
بنفس همسه ردّت وهي تشد على رقبته ومشاعرها المضطربة تتخبط في صدرها : طارق ... طارق أنا ايش أسوي ؟؟
فهم سؤالها رغم تشوّش عقله بالعاطِفة ، همس وهو يحضنها بقوة : دخيلش لا تبعدي الحين ، ما بعد أرتويت !!
قبّلها من جديد بـ قُبلة أقوى من سابقتها ، ألذ ، أشهى ، قُبلة رجوليّة بامتياز ، فيها من نيران شوقه الكثير ، فيها لظى مشاعره كلها وفيها من عشقه العميق .
بعد فترة ، استوعبت اللي يصير حولها ، فتحت عيونها بثقل و أبعدته بيد ترتجف ، أبعدته بقوة بدون ما تحرك فيه ساكن و بدون ما يحس عليها ، أبعدته بقوة أكبر وحس فيها أخيراً والحزن رجَع يلف صدره من صَدها الباعث للأسى ... وابتعد والعَتَب في عيونه ارتسم .
أعطته ظهرها وهي تمسح دمعة خانتها ونزلت ، أحكمَت ربط روبها ، وتنهدت بعنف وجسمها يرجف من اللحظات الحميمية اللي جمعتها مع أمير روحها ... ورجلها .
: أحلام " نادى إسمها بنبرة قاسية على قلبها ، قاسية كثير "
تجرعت ريقها ، وهي ما زالت معطيته ظهرها
: طالعيني مُمكن ؟
إستجابت له ، ولفّت وجهها ناحيته وعيونها تنظر للأرض ، ما تبي تشوف وجهه ؛ لأنه هالشيء يتعبها زود !
قال بحنان مشوب بتعب ، حنان يشع من عيونه ومن صوته ومنه كله : قولي لي يا غناة الروح ، ايش أسوي عشان ترتاحي و أرتاح معش ؟ ، قولي لي !!
ضغطت على نفسها عشان ما تبكي ، لكنها ما قدرت فـ بكَت ، ما تحملت نبرة صوته الحانِية ، ما تحملت حُبه اللي يعذبها ، حُبه العنيف اللي ما تستحقه .
قال متعذب وهو يطالع دموعها : خلاص ، اهدي ، راح أطلع مثل ما دخلت بس إنتي اهدي
أخذ الملف المرمي على الأرض والتفت ناحية الباب ، لكن قبل ما يخرج وصلُه صوتها الباكي : تزوّج
إلتفت بسرعة ناحيتها والصدمة شلّت وجهه ، همس : إيش ؟
أعادت اللي قالته بنبرة مخنوقة ، باكية ، حزينة .
همس والصدمة ما خَفَت من وجهه : إنتي جنّيتي ع الأخير
و خرج بسرعة جنونية من الجناح قبل لا يرتكب فيها جريمة ، يتزوج ؟؟ ، يتزوج ؟؟ لا بالله انجنَّت وانعمى على فوادها ، كيف تطلب منه هالطلب وهي تدري أنه استودع عندها مفاتيح قلبه أمانة ، هي تدري أنه أعطاها قلبه بكل ما فيه ، تعذبه تجرحه تسوي فيه اللي تبي ؛ في الأخير هو مِلك لها وما في أحد يشاركها فيه ، كيف تطلب منه هالطلب ؟؟ وهي وتدري أنه إذا تزوج غيرها راح يظلم الأخيرة لأنه في قانون حُبه ما في عَدل ، كل الحُب لـ أحلامه و كل مشاعره لها .
ركب سيارته وشق طريقه للشركة والهم يحتويه من جديد .
أما هي بالرغم من أنه قلبها يوجعها لمّا تتخيل أنه فيه أحد يشاركها فـ حبيبها لكن ما تقدر تكون أنانية و تحرمه من أطفاله اللي ما راح يكونوا أطفالها ، هي مو أنانية وحُبها له عميق ، شديد ، قوي ، كبير لدرجة أنها مستعدة تتخلّى عن راحتها عشان يتزوج ، هي تؤمن كثير بالمقولة اللي تقول " الحُب تضحية " وهي مستعدة تضحي وتضحي وتضحي بس عشان يرتاح هو .
لكنها ما دَرَت أنه راحتُه بجنبها وفي قُربها و حضنها ، وهي باللي تسويه تحرمه من هالراحة !!
-93-
: سعود إيش بينك وبين مها ؟؟
باغته صوت أمه والقلق واضح فنبرتها ، رد وهو يعتدل في جلسته و نظرة التوجُس تلمع في عيونه : ما فيه شيء
بغضب شع من عيونها ومن صوتها : ليش عبالك ما ملاحظة برودك معها وعصبيتك عليها وخوفها الواضح منك ؟
أكمَلَت بصرامة بعد ما أخذَت شهيق من الأكسجين المُحمّل بالصبر : إيش مستوي بينكم ؟
هو عارف إذا قال لأمه عن اللي صاير راح تقوّم البيت وتقعده على راس مها ، هـ تكفخها وتطلع اللي سوته من عيونها فقال بكذب : ما فيه شيء أمي صدقيني بس هذاك اليوم داخله غرفتي ومتعبثة بأغراضي فـ ضربتها وبس .
صار عشان خاطر عيون مها يكذب على أمه ، هزُلَت والله .
نظرت له بعيون متشككه ونبرة الكذب في صوته فضحته لكن مع كذا ما علّقت وسكتت !
,
شتَّت نظرُه عن أمه ؛ لأن نظرتها تربكه ، ولمّا دخلت مُتعته الخاصة - أوه أقصد - لمّا دخلت شمّا بنت عمّه إلتمعت عيونه باستمتاع غريب ونسى كل شيء حوله وركّز أنظارُه عليها .
سلَّمت شما بصوت واضح وهي تحاول تشيح بنظرها بعيد عن سعود ، واقتربت من أمه : كيف الحال عموه ؟؟
ما سمعت إيش ردت عليها عمتها ؛ لأن صوت سعود شتت فِكرها و أشعل غضبها : يا هلا ببنت عبد العزيز ، يا مرحبا وسهلا ، تو ما أظلَم البيت " ابتسم بخبث " أقصد تو ما نوّر البيت
تمتمت داخلها بكلمات غير مسموعة وهي تعض شفتها السفلية والقهر واضح في وجهها
بنبرة آمره وبرجولة مراهقة وجَّه كلامه ليوسف الجالِس أمام التلفزيون : يا ولد قم هات القهوة زايرينّا ضيوف
رفعت حاجبها الأيسر والشرار يتطاير من عيونها ، سمعت عمتها سلمى تقول له : خل البنت فـ حالها يَ سعود
رد وهو يرخي جسده على الكنبة أكثر وعيونه مُسلَّطة على بنت عمه المتصنمة من الغضب : من زمان ما شفتها عندنا ، من يومين فلازم نقوم بالواجب " ببراءة سأل وهو يحني ظهره باهتمام " عسى ما شر يَ بنت العم مريضة والا شيء ؟
أخرجت له لسانها بطفوله قبل ما تلتفت ناحية الدرج وتصعد بسرعة والغضب يتقاذفها يمين وشمال ، ترافقها صوت ضحكته المُشعِله لأشياء غريبة فصدرها \ المُحرِكه لـ كثير من الأمور فــ دواخلها !
-94-
الساعة تُشير للثامنة صباحاً بتوقيت لندن ، خرج من شقته وهو يصلّح جاكيته القُطني المفتوح ، على غير العادة هيئته هالصباح كانت كاجوال أكثر ، استغنى عن لبسه المُعتاد اللي نوعاً ما كان رسمي ، لكن بالرغم من هذا كله هيئته اليوم كانت شبابية أكثر وتضج بالحيوية !
مزاجه اليوم ناري وصدره مشتعل بشكل غريب بعد الحلم اللي حلمه ، و بسبب توتره لأن اليوم يوم العملية الأولى في سجلُه المهني ، العملية المُرتقبة اللي انتظروها من زمان واللي راح تفيدهم كثير – إن نجحت – بالإمساك على كل شخص ينشر سموم المُخدرات .
إلتفت فجأة لـ شقة فادي المُقابلة له ، كان يصدر منها أصوات عالية بالرغم من أن فادي وعائلته إنتقلوا منها !! ، ميّل راسه بريبة وضاقت عيونه بحركة لا إرادية .
فيه أحد جديد سكن فيها ؟
جيران جُدد !!
أكيد راح ينتقلوا بعد فترة قصيرة، متأكد من هالشيء ؛ لأنه ما راح يتحملوا إزعاج عدنان كل ليلة .
إلتقن حواجبه باستغراب وهو يشوف بنتين يطلعن من الشقة ، الأولى دفعت الثانية برا بغضب : إنقلعي لا بارك الله فيش ، أتلفتي نومي يَ الخايسة
بعدها أغلقت الباب بقوة في وجه البنت الثانية اللي ردّت بنفس غضب الأولى وهي تضرب الأرض برجلها : والله راح تندمين يَ البقرة
ضربت الباب برجلها بقوة وصرخت بقهر : إفتحي الباب سُميوه الزفتة ، عطيني شنطتي ع الأقل
صرخت بحدة أكثر : بسرعة متأخرة واجد عن شغلي
إنصدم من المسرحية اللي تصير أمامه ، إيش هذا ؟؟
كان يحاتي جيرانه من الإزعاج ، الحين يحاتي نفسُه من إزعاج جاراته الجُدد
جارات ؟؟ .... بنات ؟؟
لا بالله كدينا خير ، راح يسنتر عدنان قدّام باب شقتهن يحرسهن كل يوم مَا دام السالفة فيها بنات .
,
انفتح باب الشقة من جديد ورمت البنت الأولى شنطة الثانية بعصبية و رجعت أغلقت الباب بقوة ، الشنطة ارتمت على بُعد خطوة منه ، إلتفتت صاحبة الشنطة خلفها عشان تاخذ شنطتها وهي تهدد وتتوعد ، ولمّا شافت ذاك الرجال الطويل اللي واقف يتأمل الموقف باستغراب شهقت شهقة مُميتة .
تنحنحت بارتباك من حضوره المُربك والمُزلزل ، من متى ذا واقف هنا ؟؟ ، تساءَلت والإحراج بان بإحمرار وجهها ، مشت ناحية شنتطتها المرميّة أمامه وهي تعدّل حجابها برجفة ، تناولت شنطتها من الأرض وسمعته يرمي عليها السلام .
وييييييه بسم الله هذا عربي طلَع ، يَ الإحراااااااااااج
يعني شاف كل اللي صار لها من شوية !! وفهم كل حاجة !
ويل حالش يَ الريم
: عليكم السلام " ردّت وهي تشد على شنطتها بقوة "
لاحظ إرتباكها فإبتسم ، ما درى أنه بابتسامته زاد إرتباكها أكثر ، بلعت ريقها وهي تهمس لنفسها : يخرب بيتك ، ما كان ناقصني غير شوفتك الحين ، ولا و يبتسم الماصخ
مشت ناحية الأصنصير وخطواته تتبعها ، صعد الأصنصير معها وسأل : إنتي مُبتعثة ؟
هزت راسها بأنفاس مُختنقة بـ " نعم " ، وهي ما زالت تحاول السيطرة على إرتباكها ، ليش ترتجف بهالشكل ؟؟ ، ليش ترتجف ؟؟ ، إيش الغباء اللي صابش فجأة يـَ الريم ؟؟
شدّت على شنطتها أكثر ولاحظ هالشيء ، أساساً المُحقق له دقة ملاحظة تفوق الإنسان العادي فكيف ما يلاحظ حركاتها المُرتبكة الغريبة ، إنفتح الأصنصير أخيراً ، وطلعت بهرولة و بخطوات سريعة وهي تدفع الأكسجين داخلها بقوة بعد ما كانت حابسة أنفاسها ، تعثرت وكانت راح تسقط لكنها في الأخير توازنت ، التفتت حولها وحمدت ربها أنه ما كان فيه أحد يطالعها أو منتبه لها ؛ كلٍ مشغول بحاله ، لكن ما دَرَت أنه نظرات عُمر المُستمتعة تتبعها ، و ضحك بمُتعة غريبة وهو يشوف حركات هـــ البنت .
إلتفت فجأة لشخص ناداه وسلّم عليه برفع يده ، رد عُمر السلام بابتسامه ، ما كان أبداً هالشيء مُستغرب لأنه بطبيعته إجتماعي ، يسلم على أي أحد يقابله و يبتسم في وجه أي أحد ، و بوصوله بأيام قليلة أغلبية من في البناية و المحلات اللي حولها صاروا يعرفوه .
إلتفت حوله يدوّر البنت اللي قابلها من شوي ، بس ما كان لها أثَر ، وبسرعة أنّب روحُه على هالتفكير وضيق المسافة بين حاجبيه بعقدة وهو يلوم نفسه ، مشى ناحيَة مقهى العجوز وهو وده بـ قهوة تنعش خلايا دِماغُه ، مشى لـ المقهى اللي ما كان يبعد كثير عن البناية اللي ساكن فيها .
انتبه فجأة أنه هذيك البنت كانت تمشي أمامه ، من حجابها الزهري عرفها ، بدون ما يحس فنفسه وبحركه غير إرادية إتسعت إبتسامته !
لكن فجأة وبدون سابق إنذار إلتفتت خلفها بعد ما حسَّت بخطوات تتبعها ، شهقت وعيونها تتسع بصدمة : إنت ما تستحي على وجهك ؟
عقد حواجبه من هجومها المُباغت ، ورجع بظهره للخلف و سأل : إيش ؟
بهجوم وبنبرة حادة والغضب يشع من وجهها : أبيك تفهمني الحين ليش تتبعني ؟؟ ، أنتوا يَ الشباب ما عاد فيكم خجل أبداً ، ما عاد تستحوا ؟؟ ، بكل وقاحة تتبعوا أي بنت
إبتسم بسخرية ، مشى ناحيتها بغرور وهو يمسح على شنبه برجولة خاصة بـ عُمر ، همس بصوت مسموع لمّا وصل جانبها الأيمن : ما أحد إلتفت صوبش يَـ " بسخرية " الواثقة
تعدّاها و دخل المقهى وجلس على طاولته المُعتادة ، دخلت وراه ونظراتها ترمقه بصدمة ، تجرعت ريقها وهي توها تستوعب أنه ما كان يتبعها لكن وجهتُه كانت نفس وِجهتها ، كان قاصِد المقهى .
آآآآآآآآه يا الريم إنتي ما تتوبي أبدا ، ما تتوبي ، لازم تحطي نفسش فهالمواقف المُحرجة .
،
تنهدَت بخجل وهي تشيح نظرها عنه ، وابتسمت بارتباك للعجوز صاحبة المقهى اللي هتفت بسعادة : أهلاً بكِ عزيزتي في يومكِ الأول ، صحيح متأخرة نصف ساعة لكن سأسامحُكِ هذه المرّة
هزت راسها بدون ما تنطق ، وبدأت يومها الأول في العمل
ناولتها العجوز صينية وأشّرت على إحدى الطاولات وقالت : هيّا أوصليها لتلك الطاولة
نظرت ناحية الطاولة ثم نقلت نظرها للعجوز بارتباك ، بلعت ريقها للمرة المليون ، حملت الصينية اللي كانت تضم كوب قهوة وكرواسون ، إتجهت ناحية الطاولة المنشودة وقالت بإنجليزية : صباح الخير سيدي
إلتفت للصوت اللي أزعج سكونه ، أرعبتها نظرته الجامدة وهو يرفع حاجبة الأيسر : صباح الخير يا آنسة
وكأنهم ما إلتقوا من قبل وما جمعهم الموقف الهجومي اللي صار قبل شوي ، حوارهم الحين ما يدل أبداً أنهم إلتقوا من قبل ، الإنجليزية اللي يتحدثوا فيها تنفي إلتقاءهم من قبل ، وهذا اللي كانت هي تريده وكأنها تقول له " إنسى اللي صار" أو رُبما كانت تعتذر بطريقة غير مباشرة عن الكلام اللي قالته !
ما كان أقل ذكاء منها ، فهم مقصدها من حوارها معه بذاك الشكل ، فأعجبته هالمسرحية اللي هُم أبطالها ... والمُتعة برقت في عيونه .
حطت قهوته على الطاولة بـ يد ترتجف ، وزاد إرتجافها لما باغتها صوته من جديد وهو يكمل المسرحية اللي يمثلوها بكل إتقان : لم أرَكِ من قبل هنا ، أظنكِ جديدة " بنبرة تحمل معاني كثيرة أكمَل " لأنني آتي لهذا المقهى كُل يوم
رفعت عيونها صوبه بعد ما وصلها المعنى من عِبارته الأخير ، أدركت المعنى اللي يريد يوصله بـ عِبارته الأخيرة ، عبارته الأخيرة اللي كانت رَد على الموقف اللي صار معها قبل شوية ، رد على صراخها الغبي في وجهه ، وكأنه يقول لها للمرة الثانية أنه ما أحد إلتفت صوبها ، كأنه يذكرها بحقارة تصرفها وغبائها المُستحيل .
بدون ما تحس تجمعت الدموع فعيونها و قالت بالعربية قاطعة هـالمسرحية السخيفة : أنا آسفة
رفع عُمر عيونه بصدمة من إعتذارها المُفاجئ اللي ما توقعه أبداً ، طاحت نظرته على عيونها الدامعة اللي تتغيّر لون حدقتها بكل غرابَة ما بين العسلي والأخضر ، وهنا كانت صدمته ، ما توقع أنه يوصل الموضوع للدموع .
نسى إعتذارها ونسى الموقف السخيف اللي جمعهم ونسى كل شيء لمّا طاحت عيونه على عيونها ، لو قالوا له راح يظل الزمن واقف مائة سنة ... بدون تردد راح يوافق يكفي أنه يشوف أغرب عيون مرّت عليه ، ويتوه في غابتها الخضراء و يسبح بعدها في جرة العسل .
بلعت ريقها للمرة المائة مليون وهي تشعر بالخجل يعتريها من راسها لأخمص قدميها ، سحبت نَفَس وابتعدت عن ذيك الطاولة .
-95-
بعد سبع سنين من إنشاء هالشركة ، أصبح فخور ؛ لأنه فمدة تُعتَبر قصيرة استطاع أنه يوصل بها لـ مصاف الشركات الكُبرى ، من لمّا تنازل له أبوه عن الإداره وهو يطوّر فيها وإلى اليوم وهو يضغط على نفسه في الشغل علشان مصلحة الشغل أولاً وفـ ذات الوقت عشان .... ينسى !
ينسى كل هم وكل حزن وكل أسى يعتريه لمّا يندمج في شغله .
دخل عليه سكرتيره خلفان بعد ما طرق الباب الخشبي بخفّة : بو عبدالعزيز وصل هالمُغلّف الحين !
تناول طارق المُغلف البني الكبير ، فتحه في ذات الوقت اللي انصرف فيه خلفان بعد ما انسابت لأذنه كلمات الشُكر من رئيسُه .
أخرج محتوياته ثمّ إنصدَم ، توسعت عيونه بدهشه وهو يقلّب الصُور بين يديه
ردد بخفوت و عدم تصديق : إيش هذا عُمر ؟؟ ، إيش هذا ؟؟
ترك الصور من بين يديه ، مسح وجهه ثمّ مَسَك الصور مرة ثانية يتأكد من هوِيّة الشخص اللي في الصور .
هذا عُمر ، عُمر أخوه ، مُستحيل ما يعرف هيئته وهي واضحة أمامه بكل تفاصيل ملامحُه الحادة ، ليته بس يقدر يشكك في الصور ويقول أنه هذا مو عُمر لأن الصور مو واضحة ؛ لكن للأسف الصور أمامه بدقة عالية ، الصور أمامه لعُمر من زوايا مُختلفة .
مصدوم ببساطة ، مصدوم من المكان اللي جالس فيه شقيقه ، مصدوم من الشخص اللي جالس بجانب شقيقه و....... و مصدوم من شقيقه !!
أخذ نفس عميق عشان يفكر عدل فهالمُصيبة ، لازم يكلم أخوه قبل ما تطيح الصور فيد أبوه ؛ لأنها إن طاحت فيده تقوم القيامة !
أخذ تلفونه ، إتصل بأخوه وأحاسيس مختلفة ممزوجة في صدره ، رن أكثر من مرة لكن ما كان فيه أي رد ! ، رمى التلفون على الطاولة بغضب وصدره يعلو ويهبط بسبب موجة العصبية اللي أصابته ، أخذ سماعة تلفون المكتب وهو يهاتف سكرتيره بجديّة : خلفان إحجزلي أقرب رحلة لـ لندن ما عليك أمر !
أغلق التلفون بعد ما رد خلفان بإيجاب ، أرخى ظهره على كرسيه المُريح وتفكيره يصول ويجول في المُصيبة اللي هلّت عليه بدون سابق إنذار ، على أساس هو ناقص مصايب !!
-96-
ودّع الليل النهار وهو يبتلع ضوءُه بكل هدوء ، مشى بجانِب أخوه وهم متوجهين ناحية البيت المنشود بعد ما أدّت أرواحهم صلاة المغرب ، نظر للساعة الجلدية اللي تِلْـتَف على يساره وكانت تشير للسابعة !
رن ناصر الجرس وهم يترقبوا فتحة الباب بتوجُس ، انفتح الباب وظهر من خلفه أحد أولاد أبو عبيد اللي كان في العشرين من عمره ، قرّب بهم بعد ما سلّم عليهم ، و مشى أمامهم ناحية مَجلس الرجال .
أدرك ناصر أنه أبو عبيد موجود وما دام أنه دخل في السالفة فالأمور تشابكت أكثر ، أخذ نفس عميق قبل ما يدخل المجلس و يسّلم على الجَمع الحاضر بـ وجه مُندهش !!!
وقف الجميع مرددين السلام ، كل أخوال سلطان الأربعة متواجدين مع عيالهم و هالشيء كان أول رسالة يقدمها أبو عبيد لـ ناصر بطريقة غير مُباشرة ، مضمونها يقول ببساطة أنه سلطان وراه رجال تفزع له ، تفزع له حتى من ظلم أبوه و جوره !!!
فهم ناصر الرسالة الأولى اللي تلقاها بدهشة ، وقبلُه فهمها أبو طارق وعيونه تمشط الحاضرين بريبة .
جلسوا في صدر المجلس وهم يأخذوا أخبار بعض بشكل اعتيادي ، ما فات ناصر سلام ولده البارِد ، لكن أبداً ما يلومه ، خاصة أنه شاف نتيجة ظلمه على وجهه اللي انقلب بشكل مُرعب من الضرب ، فحس أن الألم يعتصر فواده .
بعد فتره هتَف أبو عبيد لأحد أولاده : قُم يا مبارك صب القهوة للشيوخ
وقف سلطان بهدوء مُهيب وهو يقول لـ مبارك بنبرة حازمة : إجلس يا مبارك ، ما غيري هيصب القهوة لـعمي عبدالعزيز
هدوووووووء عاصف طغى المكان ، الكل يحاولوا يستوعبوا المضامين اللي تحملها العبارة اللي قالها سلطان .
ولمّا فهموها إبتسموا الأغلبية ومن ضمنهم الخال أبو عبيد ، أما ناصر فرفع بصرُه ناحية ولده وصفعة كلامه أشعلت قلبه ، ما معترف بوجوده وهذا دليل على أنه شايل بقلبه كثير ، كثييييير !!!
بس الحقيقة كانت أعمق من كذاك ، سلطان قال اللي قاله تقدير لمجيء عمه لين عنده بالرغم من المسافة الطويلة اللي قطعها ، عمه بجيِّـته اليوم أعطاه إحترام فاق أي إحترام ذاقه فحياته ، عمُه قدَّرُه بعد ما أبوه أنزل قَدْرُه . مع العِلم أنه ما كان أبداً ملزوم أنه يجي لأنه ما أخطأ فحقه .
صب سلطان القهوة فأحد الفناجين المُذهَبة ، مد يمينه لعمه اللي رد وهو يتناول فنجان القهوة: يا جعلّك سالِم يا " بنبرة لها معنى " بو ناصر
وكأنه بـ " أبو ناصر " اللي خرجت من لسانه يذكره أنه له أبو إسمه ناصِر ، له أبو مهما سوّى فيه فهوَ يظل أبوه ، إسمه مقترن بإسم ذاك الأب مدى الحياة ، يظل أبوه مهما سوّى و ما من حقه أبداً أنه يحتقر قدره بين الرجاجيل .
صب سلطان القهوة للجَمْع الباقي اللي في المجلس ، وبعد ما أنهى هالمهمة رَجَع يجلس فـ مكانه على يمين خاله محمد ( أبو عبيد ) !
تنحنح ناصر وهو يحس أنه الكلام يخنقه ، لكن في النهاية أخرجه بنبرة مُهيبة تعكس هيئته الخارجية الرجولية : إسمع يا سلطان ، قدّام هالوجيه الطيبة جاي أعتذر ع الضيم اللي ذقته من يدي " بنبرة أبوية عنيفة هزّت أوصال سلطان قال " و ناشِد صَفحِك يا بو ناصِر
صمت ساد الأرجاء ، الكل ينظر ناحية سلطان يترقبوا منه رد .
رد سلطان برجولة مُشابهه لـ رجولة أبوه وفي عيونه لمعة غريبة : معذور يا بو سلطان ، معذور عليم الله لو كنت فمكانك سويت اللي سويته و أكثر
سكت للحظات ثم فز من مكانه ، و مشى ناحية أبوه وختم رجولته بقُبلة طبعها على راسه : جيّتك يابوي غالية ، وربي غالية ، واللي يردّك خايب قليل أصل و مرجلة .
خاله أبو عبيد ، عمه أبو طارق والأهم أبوه .... نظروا كلهم ناحيته بفخر ، هذا مو سلطان اللي يتكلم ، مو سلطان اللي عمره 14 سنة ، هذا واحد غير ، غييييير بكل ما تحويه هالكلمة من معنى !
ببساطه كلامه أخرس الجميع ، كانوا يحتاجوا وقت عشان يستوعبوا الكلام الكبير اللي طَلَعْ من هـ (الرجال) الكبير .
وصَل لسمع الجميع كلام ناصر اللي قاله بفرح واضح : أجَل تجهّز يا سلطان عشان نعود لـ مسقط سوى
قبل ما يرد سلطان على كلام أبوه ، هتف أبو عبيد : إسمح لي يا ناصر ويسمح لي بو طارق وجيتكم اليوم على راسي والله ، لكن سلطان ما يطلع من هنا " بنبرة أشد " ما يطلع من هنا وأنا أخو وضحى
من زود المعزة العميقة لـ وضحى فـ صدر أخوها ، كان أبداً ما يتردد أنه يقرن نفسه بإسمها ، كان إسمها ينساب من لسانه بفخر واعتزاز ، ولو الأمر بيده ما راح يتردد أبداً فتغيير لقبه المُتعارف عليه بين الناس من (أبو عبيد) لــــ (أخو وضحى) .
إرتجف صدر سلطان من طاري أمه في المجلس ، وفي المقابل منه إرتجف صدر ناصر من طاري الزوجة والحبيبة ... وترحموا عليها فسرهم !
رفع سلطان راسه لأبوه وهو يشد نفسه : إسمح لي يا بوي ومثل ما قال خالي محمد ، ما لي قدرة أرجع معك ، القلب عاف العاصمة ، عافها بكل ما فيها إلا من .... أهلها .
وختم كلامه بشبه إبتسامه ودودة خَصْها لـ أبوه
رد ناصر بوِد وحُب أبوي : لك اللي تريده يا سلطان ، ماني حارمك من اللي يريحِك يا بو ناصر
-97-
: يُمة ، أميييي ، موزاااااه ، المَوَزْ
جاها صوت أمها موزة من داخل المطبخ : هاه خير إن شاء الله ، ليش تزاعقي ؟
ردّت : هروح الدكان
جاها صوت أمها حاد وشديد : لا ما شيء
بعنادها المُعتاد ويَباس راسها اللي ما تخليه : هروح هشتري آيسكريم وأرجع
وبدون ما تسمع أمها موزة إيش ردّت ، خرجت من البيت ، و مشت ناحية الدكان ، وعشان تختصر الطريق دخلت سكة مُظلمة ، مشَت والظلمة تبتلعها شوي شوي ، حسّت بالخوف و الندم لأنها دخلت من هالطريق ، وفي المُنتصف حسّت بذبذبات الخطر تتردد في أذنها لكن ما كانت ردّة فعلها سريعة كفاية ؛ لأن يد غليظة كتفتها و أسكنت حركتها ، واليد الثانية لـ نفس الشخص أسكتت فمها .
الفزع دب في عروقها ، الخوف احتواها ، وسكنت مقاومتها لذاك الجسد لمّا إبتلعتهم الظلمة بشكل كامل !
للنبضِ تتمة ,
كونوا بالقُرب
|