كاتب الموضوع :
مشاعِر
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
1/ نبضٌ أزلي .
.
تابع / انبض الأول
نبضٌ أزلي
-6-
في بيت العم سعيد
غسلت المواعين ، ونظفت المطبخ وجات بتدخل الصالة لكن استوقفها كلام أم زوجها وهي تقول : ترا الناس بدت تتكلم في غيبة ذا الولد كل ذي المُدة
تنهّد العم سعيد : لا حول الله ولا قوة الا بالله ، الناس مخليين حد فحاله ؟ ، حد يسلم منهم ومن لسانهم ؟
جاه رد زوجته : أنا ماهد حيلي الا يوم انهم تكلموا على ذي المسيكينة " همست بشر " يقطع حلوقهم
استندت على الجدار وهي يا الله يا الله تشيل نفسها ، سمعت هالشيء من أبوها والحين تسمعه مرّة ثانية وهالشيء يتعب قلبها زيادة .
تسحبت لغرفتها وهي ما زالت تستند على الجدار ، تستمد منه شيء من القوة .
اختفى جسدها في ظلام الغرفة ، اندست تحت اللحاف جنب الجسدين الصغيرين اللي نايمين بكل هدوء ، بكل سكينة ، وما عارفين عن الصراع اللي تخوضه أمهم ذيك اللحظة .... واللي هتخوضه فلحظاتها القادمة .
اغرورقت عيونها بالدموع وخارت كل قواها و ما عاد بها شيء من القوة ، قرّبت رجولها من صدرها وانسدحت مثل الجنين ، تساقطن دموعها بسكون ، بدون أي صوت يصدر منها ؛ لأنّ صوت الألم اللي ينهش كل خلايا جسمها أخرس كل الأصوات .
تدور فبالها أفكار كثيرة ومع هالأفكار يطل الألم عندها و يتقاذفها شمال ويمين ، كأن ما فيه في الدنيا لعبة غيرها . ومع كل ذا غفت عيونها من التعب واستكان جسدها النحيل و رحلت لعالم النيام .
بعد مرور وقت يكاد يكون قصير ، فزّت من نومها على صوت الأذان وهو يتردد في المكان بكل قداسة وبكل روحانية ، قامت وابتسمت ابتسامة حزينة وهي تشوف أولادها مازالوا نايمين ، ممكن أجمل شيء بالنسبة لها في هالحياة هم أولادها ، وهم أغلى عطيّة ممكن تُقدم لها .
استقامت ، ومشت ناحية الحمام (تكرمون) بتثاقل ، رفعت عيونها للمراية أمامها وانفجعت للصورة اللي انعكست لها ، عيون متورمة من البكاء ، حمراء مثل الجمر ، وجه باهت كنه رماد ما فيه حياة وخشم أحمر يدل على انه صاحبته سكبت الدموع سكب البارح .
فتحت صنبور الماء وغسلت وجهها بعنف ، ما اهتمت أبداً للماء البارد ، المثلج ، اللي ملأ مسامات وجهها وشد عليها بلسعات قارصة .
توضت للصلاة وخرجت لغرفتها وجسمها يرجف من برودة الجو ويرجف من أشياء كثيرة تدور فدواخلها ، صلّت وهي تبث كل تعبها لخالقها ... كل ألمها خرج فصلاتها على شكل مناجاه ودموع وابتهالات ... عارفة هي انه ما احد يقدر يريحها من اللي هي فيه غير ربها اللي ما يصعبه صعب .
مضى الوقت ، وتوالت الدقيقة ورا الدقيقة وهي بين يدين ربها على سجادتها ، تبتهل له وتناجيه ، بعد ما ارتاحت نوعاً ما خرجت من غرفتها للمطبخ ، حصلت أم زوجها -أو أمها مثل ما تحب تناديها- تعد الفطور للعم سعيد اللي يخرج لشغله من صباح ربي بعد ما يصلي ويتناول فطوره .
: صباح الخير أمي " قالت وهي تفتح الثلاجة "
ردّت الأخرى : صباح النور ، غريبة ما صاحية من بدري اليوم ، استغربت يوم اني جيت المطبخ وما حصلتش فيه
همست : ما نمت البارح زين ، امكن قبل الأذان بس غفت عيوني شوية
قالت المرأة الأربعينية واللي تُنادى بأم عبدالله : الله يسهل يا سعاد ، الله يسهل
وكأنها عارفة كل شيء تمر به سعاد بغياب عبدالله ، تعرف عن مقدار الألم اللي يسدك عليها واللي سببه غيابه القاسي .
بعد ما اعدوا الفطور قالت أمها بحنية : روحي نامي لش شوية ، شكلش تعبانة
قالت سعاد : اي والله احس انه هيُغمى علَيْ .
مشت لغرفتها ببطء وبتثاقل وهي تجر رجولها جر ، وما لبثت ان انسدحت تحت اللحاف حتى غفت عيونها من التعب .
على الساعة هدعش صحت على صوت التلفون ، مشت له وهي ترتب شعرها المتبعثر على كتوفها بعشوائية.
ردت على التلفوت بصوت مبحوح من النوم : السلام عليكم
: .............................. " ما جاها أي رد "
قالت وهي ترفع حاجبها باستغراب : ألو ... من ؟
: سعــــاد "جاها صوته وكأنه جاي من أعماق مغارة سحيقة "
وضعت أطراف أصابعها على فمها وشهقت بدهشة ، البارح بس كانت تبكي غيابه ... واليوم يجيها صوته هدية ، سألت لتأكد لقلبها انه صوته : عبدالله ؟
بان انه ابتسم من صوته وهو يأكد لها : عبدالله
انسابت دموعها بسلاسة على خدودها الزهرية : عبدالله " شهقت ببكاء" انت وينك ؟
رد عليها والبسمة تبان فصوته : تو في الامارات
سكتت وما علّقت ، ايش تقول ؟ ، فداخلها عتاب عليه كبير ، كبير كثير ، على غيبته ، على عدم سؤاله عنهم طيلة ذيك الفترة ، على قسوته ... عليه كله .
ما غير صوت انفاسهم تنسمع ذيك اللحظة
قال بصوت هادئ : انتِ تصيحي ؟
هزت راسها وهي تقول : لا لا ما اصيح " مع ان صوتها يقول العكس "
قال بنبرة عذبتها : طيِّب مسحي دموعش ، حرام بشرتش تتأذى
مسحت دموعها بسرعها
قال بنفس النبرة : ما اشتقتي لي ؟
تصاعد الدم لوجهها وقالت : لا
ضحك ذيك الضحكة اللي زلزلت كيانها : كذابه ، طيب ليش مولعة ؟
وضعت يدها على خدودها المولعة وابتسمت ، حافظنها حفظ .
سكتوا لفترة يسمعوا أنفاس بعض
قال بشوق ما غاب عن نبرة صوته : كيف حالش و الوالد والوالدة ؟ والعيال كيفهم ؟
قالت بلهفة : منتظرين شوفتك
تنهد وهو يهمس : الله كريم
قالت برقة : ما نويت ترجع ؟
لامست نبرة الشوق اللي فصوتها أعماق أعماق قلبه
تنهد بحب : إلا والله ودي أرجع اليوم قبل باكر ، لكن الشغل .. الشغل يَ الحبيبة
يااااا الله كم اشتاقت لمناداته لها بِـ "الحبيبة"
همست بشوق وحزن : من زمااااااان عن الحبيبة
قال بنبرة تعذبها : ادعي لي الله يسهل الأمور هنا وأعود لكم ... واسمّعها لش كل يوم
همست : الله يسهل عليك يا رب ويوفقك
قال :أنا لازم أسكر تو ، سلمي لي على الكل وبوسي لي العيال الله يحفظكم
قالت بحزن : لا تقطعنا من الاتصالات
سكت وما وصلها رد منه
بعدها قال بنبرة غريبة عليها : محسوب عليّ كل اتصال ، ما أقدر أتصل دايماً
رغم غموض عبارته الأخيرة الا انها هزّت راسها بتفهم
: ربي يحفظك وينور دربك " قالتها من أعماق قلبها "
قال : مع السلامة
وصله ردها بمثل ما قال
وسمعت بعدها صوت قطار التلفون يعلن انتهاء المُكالمة اللي حسّتها سريعة ، سريعة جداً
على دخلة أم عبدالله وهي حاملة فيدها دلّة قهوة فارغة ، استُهلِكَت في تجمُّع الجارات اللي يُجرى كل صباح بمثل ذاك الوقت .
قالت سعاد بفرح يشع من وجهها : أمي لو تقدمتي شوي ، توني مسكرة من عبدالله ، يسلم عليش ويبوس راسش
انعكس فرح سُعاد فوجه أم عبدالله : الحمد لله يا رب الحمد لله ، زين انه اتصل أخيراً ، ايش قال ؟ ووين هو تو ؟
قالت سعاد وهي تجاري أم عبدالله في اللهفة : يقول انه في الامارات في شغل ويقول انه ما يقدر يتصل دوم
قالت ام عبدالله : أهم شيء انه اتصل وطمّنا عليه
ساد صمت في الأرجاء لوهلة قبل ما تسأل سُعاد : غريبة اليوم امي رادة مبكر من عند الجارات ؟ ما بالعادة !
قالت ام عبدالله وهي متوجهة للمطبخ : والله كلــنِّي بأسئلتهن اللي ما تخلص ، ما استحملت وجيت
ضحكت سعاد وهي تتبعها : زين سويتي والله
التفتت ام عبدالله لسعاد : سلمت عليش سلمى ، مريت عليها قبل ما اجي البيت
قالت سعاد بابتسامة : الله يسلمها من الشر ، من زمان عنها
: هزِيِــدِلْهُم غداء " قالت ام عبدالله وهي تقطع بصل "
كملت : وحليلها حصلتها تعابل في الغاز ، قلتلها هزيدلها غدا لها ولعيالها
قالت سعاد : زين سويتي ، مايقصروا معنا الجماعة " سكتت لوهله "
قالت بعدها : ما قالت شيء ؟
: ما رضت أول شيء ، تعرفيها انتي ..
ساد الصمت الأرجاء ، ما غير صوت السكين وهي تمر بحدة على شرائح البصل
فتحت سعاد الثلاجة : امي ما شيء طماط
قالت أم عبدالله : أمس قلت للشيبة (العم سعيد) يجيب وشكله نسى
ردّت سعاد وهي تتوجه لغرفتها : ما مشكلة أنا هسير أجيب ، وبالمرة هخطف (أمر) الخيّاط اشوفه اذا جهّز الثياب
وصلها صوت امها وهي تقول : زين
دخلت غرفتها لبست عباتها وبرقعها النحاسي اللون واللي يغطي معظم وجهها ، شافت بنتها وهي في بداية صحوتها ، فركت عيونها بكسل وشعرها الحريري الطويل منساب بعشوائية حوالين وجهها ، انتبهت لأمها الواقفة أمامها وهيئتها توحي أنها تريد تخرج من البيت
سألت : ماماه هين هتسيري ؟
ملامح وجه الأم دلّت انها تورطت ، ردّت بشبه ابتسامه : الناس الجميلين لما ينهضوا من النوم يقولوا صباح الخير ويبوسوا امهم
نزلت من السرير واستقامت بقامتها القصيرة واقتربت من امها ، نزلت الأم لمستواها ومسحت على شعرها وصلحته في الوقت اللي اقتربت فيه بنتها وباستها على خدها وهي تقول بصوت مبحوح من النوم : صباح الخير ، هروح معش
ضحكت سعاد : لا ماماه انا هروح وهرجع بسرعة
وكأنه ردها هذا ما ارضاها والدليل تقوُس شفتها السفلية وعيونها اللي امتلت دموع وطبعاً النهاية هتكون مُزعِجة ، مُزعِجَة جداً .
: لا لا لا هروح معش
بيأس ردّت سُعاد : يالله تحركي غسلي وجهش أول وتعالي علشان نبدل ملابسش
رفعت الصغيرة سبابتها وقال بتحذير : ما تروحي عنّي
ضحكت سعاد : ما هروح عنش يالله بسرعة
استجابت الصغيرة لكلام امها وانطلقت تمسح وجهها الملائكي بالماء ، كانت جميلة وما كان هالشيء مُستغرب ، لأنها نُسخة طبق الأصل من أمها ، الا ان جمال أمها أنثوي صارخ وهي طفولي بريء .
-7-
خرجت من عِند الخيّاط حاملة فيدها كيسين كبار وجنبها مشت بنتها وهي تتقافز شمال ويمين
همست : مريم امشي عدل
لكن ولا كأنها تسمع
: مريم بس عاااد ، إمشي عدل ... ماكان ناقص عاد الا ذي الزحمة
مسكت يدها بعنف بيد وبيدها الثانية الأكياس الثقيلة
صرخت مريم رافضة
جرّتها سعاد بقوة وهي تهمس من بين أسنانها بعصبية : مريم خلاص عاد والله ما هجيبش معي مرة ثانية
صرخت بعناد : ماماه اتركي ايديييي تعوريني ، خوزي خوزي (ابتعدي)
الناس التفتوا لها ، وأصلاً من ما يقدر ما يلتفت لذاك الصوت المُزعج اللي يخرق طبلة الأذون
قدرت بصعوبة تفلت من يد أمها ، وركضت بين الناس بسرعة ، التفتت وراها تشوف اذا امها تبعتها أو لأ وما وعت الا وهي مصطدمة بجبل أو كذا اعتقدت في البداية حسب تفكيرها الطفولي ، بس ما كان جبل .
التفت ذاك الشخص للشيء الصغير اللي صدمه ، كانت صغيرة كثير مقارنة فيه ، عرفها وعرفته ، نزل لمستواها وابتسامة فرح ارتسمت على شفاهه
أصلاً كيف ما يعرفها ، والعيون دليله ، عيون أمها ، عيون المها الكحيلة الواسعة ، يا الله ع رسمة العيون اللي تعذبه وتوقد أشواقه .
سألها : انتي ايش تسوي هنا ؟
ردّت وهي تلتفت وراها تترقب امها وهي تجي علشان تضربها : عمي محمد ماماه هتضربني
قال والمتعة بانت فوجهه : وليش ماماه هتضربش ؟
شرحت بطفولة وهي تحرك يدها اليمين : لأن السوق متروس ناس ، وهي كانت تبا تمسك يدي بس انا ما طعت ، هي لما تمسك يدي يجي فيها مثل الماي ، انا ما احب كذا
هز محمد راسه بتفهم بعد ما فهم انه " مثل الماي " هو نفسه العَرَق
أكملت : بس مسكت يدي غصب ورصّت عليها ، عوّرتني ، وانا فلت عنها وركضت بعيد
كانت هتكمل كلامها لو انه امها اللي نادت عليها من وراها اخرسها وأشعل فيها الخوف من العَلقة اللي راح تاخذها بسبب اللي سوته
اندست بسرعة ورا محمد وكأنها تطلب الحماية منه ، استقام وهو يشوفها تتقدم ناحيتهم ، مع كل خطوة كانت تخطوها وخزات ابر تُطعن فقلبه ، قلبه اللي اضطرب بشوفتها وحالته حاله بسببها .
يا رباه هالإنسانة شسوت فيه ، ليش كذا يصير فيه لما يشوفها ؟
رمت السّلام عليه وقالت تخاطب بنتها : مريم تعالي بسرعة
هزت مريم راسها بنفي : لا لا لا انتي هتضربيني
قالت سعاد بنفاد صبر : ما هضربش تعالي
قالت مريم : قولي والله
ردّت سعاد بملل : والله
: والله ايش ؟ " قالت مريم "
كانت هتصرخ فيها لكن مسكت عمرها وهي تهمس بغضب : والله ما هضربش يا الله تحركي قدامي اشوف
قالت مريم من دون ما تتحرك خطوة : ترااا حلفتي
قالت سعاد وبان من صوتها انه وصلت حدها : يا الله
ردّت مريم وهي تتشبث بمحمد من ورا : لااااااا انتي هتضربيني
تدخل اخيراً محمد و بحنان قال : مريم باباه عيب روحي مع أمش
رفع راسه لأمها والتقت عيونهم ، كل شيء ضاع ذيك اللحظة ، كله تبعثر ، صلابته وقوته في التحمل على انه ما يظهر مشاعره قدامها خارت ذيك اللحظة ، ذيك اللحظة بس كانت كفيلة انها تنزع قناع الجمود لمّا يشوفها ، انتُزع سلاحه منه وبان كل شيء .... كل شيء .
كسرت نظرتها بحياء الأنثى بعد مرور أجزاء من الثانية ، توترت وارتبكت ، ما انتبهت لبنتها واللي تقوله وما انتبهت اصلاً انها اصبحت جنبها وتخلت عن عنادها ، نظرته كانت تقول كثير أشياء ما قدرت تترجمها ، استغربت ، أصلاً هم ما بينهم كلام ، ايش ذيك النظرة اللي ارتسمت على عيونه ؟ وايش كانت تحمل ؟ والكثير من الأسئلة اللي دارات ودارت في بالها وما لقت لها جواب .
مسكت يد بنتها ومشت بضياع ، تمالكت نفسها شوي وهي تمشي وحاولت تبرر لنفسها الشيء اللي شافته و قدرت بعد مرور شيء يسير من الوقت انها تستعيد نفسها .
دخلت محل الخضار ، طلبت من الهندي يسويلها كيلو طماط ، في الوقت اللي الهندي يملي لها الكيس بالطماط ، فيه شخص حجب ضوء الشمس اللي يتسلل من الباب ، عرفته بدون لا تلتفت ، أصلاً ومن غيره يقدر يملي بطوله الباب ويحجب الضوء ؟ ما أحد غير صاحب النظرة الغريبة ، استغربت... وخافت ، وتساءلت ، هو ليش يتبعها ؟؟ ، بعدين تبدد الخوف والاستغراب لما تذكرت انه هالدكان دكانه ، لكن بعد تحس انها مو مرتاحة ما تدري ليش ، شيء يكتم على نفَسْها ، نظراتها تستعجل الهندي انه يخلص شغله بسرعة ويناولها ذاك الكيس علشان تطلع بسرعة ... علّها ترتاح شوية .
من جانب آخر توقفت مريم قدام باب الدكان ، لفتها الولد الطويل اللي جالس على الدرج ، لا لا لا ما الولد اللي لفتها هههه البنت بعدها صغيرة ع ذا الأمور ، أقصد الشيء اللي في يد الولد لفت انتباهها ، اتسعت عيونها - على اتساعها ، كانت منبهرة بالشيء اللي يعكس الوان كثيرة لما تضرب الشمس فيه ، كأنه شيء مثل المروحة فيه الوان كثيرة .
تقدمت منه وبدون اي مقدمات قالت وهي تمد يدها بشقاوة : عطني أجرب
رفع راسه باستغراب ، تفحص البنت الصغيرة اللي قدامه وقال بجمود : لا
نزلت يدها وقالت بحسرة : ليش ؟ ، والله ما أخربها
رجع رفع نظره صوبها ، واجبرته الدموع اللي لمحها في عيونها انه يوافق ، مد المروحة لها وقال : تعالي اجلسي هنا " وأشار لمكان على جانبه اليمين " وخلي الشمس تضرب في الألوان علشان تنعكس ، ودوريها شوي شوي علشان ما تكسري المروحة
ارتسمت الفرحة فوجهها ، ونفذت كل اللي قاله ، لفت انتباهها شيء مكتوب على احد اطراف المروحة فسألت : ايش مكتوب هنا ؟
: سعود
قالت باستفسار وهي تلتفت صوبه : هذا اسمك ؟
هز راسه
اتسعت ابتسامتها : من وين شريتها ؟
قال : انا صانعها
اتسعت عيونها وقالت بدهشة : انت صانعها ؟
هز راسه
قالت وهي تتأمل المروحة اللي بين يديها : الله ، إنت تعرف تصنع أشياء حلوة
ابتسم شبه ابتسامه وقال : أصنع لش مثلها ؟
بانت فرحة عارمة على وجهها : لا انا أبغى ذي
قال : بس ذي فيها إسمي
قالت ببساطة : عادي أشطِب إسمِك واكتب إسمي
: زين لاكن بشرط !! " قال سعود "
قالت ببراءة : ايش ؟
: ابعدي ذا الشعَر عني
كانت كل ما تمر نسمة هواء تحمل خصلات من شعرها صوبه وتداعب وجهه
استقامت و لمت شعرها لورا ظهرها
قالت : زين كذا ؟
اجاب وهو يرفع عيونه صوبها : واجد زين ، تو عدت اكتب اسمش
أخرج من جيب دشداشته قلم اسود عريض ، وسألها وهو يفتح غطا القلم : ايش اسمش ؟
: مريم
ابتسم ، وضع الغطا على طرف فمه وكتب اسمها وهو يقول : مر – يم
رفع راسه عن المروحة ورفعها امامها وقال : شوفي اسمش
قالت باستغراب : ليش ما مسحت اسمك ؟
قال بفخر : علشان اذا احد سألش من سعود ؟ تقولي له هذا اللي صانع المروحة
جاوبت بابتسامة : زين
وقف لمّا ناداه أبوه : سعود
اتجه ناحية الصوت اللي خرج لمسامعه من داخل الدكان
قال له أبوه لما لمحه عند عتبة الباب : شيل ذا الأكياس عن أم علي
قالت بسرعة : ما يحتاج والله ، اشلهن وحدي
رد بنبرة غريبة عليها : ما عليه ، هو أصلاً رايح البيت
همست : ما تقصر
كانت تكلمه من دون ما ترفع عينها صوبه ، خافت من انه ذيك النظرة تتكرر مرة ثانية ، خافت من واجد أشياء .
مشت بخطوات متعثرة ناحية الباب ، خذت نفس عمييييق أول ما وصلت عتبة الباب وكأنها كانت مكتومة داخل.
كانت مريم توريها المروحة الملونة وكانت تقول كلام كثير ، مرة يكون موجه لها ومرات كثيرة يكون لسعود ، من دون ما تعير آذانها للي تقوله .
وصلت بيتهم ، التفتت لسعود ، حملت الأكياس اللي كان شايلنها و بابتسامة قالت :مشكور سعود ما تقصر
رد بابتسامة : العفو
قالت مريم بشقاوة وهي تلوح بمروحتها الملونة : مشكور سعود ما تقصر
اتسعت ابتسامته : العفو
رفع يده وهو يخطو بضع خطوات : في أمان الله
همست سعاد : الله يحفظك
-8-
على الساعة وحدة ونص الظهر ، مشى رايح لبيته بتعب ، لمح هيئة شخص يلبس الأسود قدّام باب البيت و لمّا اقترب اتضحت الرؤية عنده أكثر ، عرفها ، كيف ما يعرفها وقلبه دليله ، تزيد النبضات عنده لما يشوفها هي بالذّات ، تتسارع وكأنها في سباق ... و هالتسارع يُدمي قلبه و روحه و ... كِلّه .
عشر خطوات تفصله عنها ، تسع خطوات ، ثمان ، سبع ، ست ، خمس ، أربع ، ثلاث.. ثمّ توقف
انتبهت له ، وبسرعة قالت وهي تمد له الطاسة الكبيرة اللي بين يديها : تفضل ، بالعافية واسمحوا لنا ع القصور
: ما من قصور يجي منكم " رد محمد "
ابتعدت عنه بسرعة باتجاه بيتها ، خطواتها كانت سريعة ومتعثرة ، و بان له انها تهرب ، تهرب منه !!
اضطرب لمّا عرف انه نظراته أكيد فضحت كل اللي يحمله لها من مشاعر ، لكن أبداً مو مثل ما هو يفكر ؛ لأنه في الحقيقة هو ما عارف انها ما فهمت نظرته ذيك ، ما فهمت الشيء اللي تحمله نظراته وبكذا هي تهرب منه ؛ لأنها حاسة انه نظرته تحمل كثير أشياء ممكن تتعبها وهي ما ناقصة تعب و بكذا هي تهرب .
ظهرت بسرعة امامه وغابت أو بمصطلح أصَح هربت من قدامه بسرعة ، لو ما الطاسة اللي بين يديه واللي تأكد له انها كانت حقيقة قدامه ، كان هيصدق انه طيفها يتهيأ له ، ظهر أمامه فجأة وغاب بثواني معدودة .
تنهد بتعب و هَم من هالمشاعر اللي تُدمي روحه ، دخل بيته ، استقبلوه أولاده كالعادة ، أكمل طريقه ناحية المطبخ ، حط الطاسة على الطاولة في الوقت اللي دخلت فيه سلمى للمطبخ ، سلمت عليه وانتبهت للطاسة و قالت : جزاها الله خير أم عبدالله ، ما تقصر والله
قال بتساؤل : ليش راسلة غدا ؟
: مرت عليْ اليوم و شافتني أعابل الغاز فحلفت انها هترسل غدانا من عندها " ردّت سلمى "
احتقن وجهه بالدم ، نظراته مسلطة عليها بدهشة ... فعرفت انه عصّب ، لا لا لا ما عصّب وبس وصل لجنون الغضب
همس بفحيح غاضب : وليش ما تقولي أنه خربان ؟؟
ردّت بنبرة متوترة : ما كان فيه شيء اليوم الصبح ، لمّا جيت أركِّب الغدا ما رضا يشتغل
زمجر بغضب : حتى لو ، كان بإمكانش تقولي لي
غمَّضت عيونها لمّا كان يصرخ فوجهها ، قالت بخوف وعيونها ما زالت مسكره : انت تبغا أي سبب علشان تعصّب وتحطه كله فوق راسي
صرخ : لا تجننيني ، هذيلاك النّاس وحدهم فقارى ، حالنا من حالهم ، يا الله يا الله يأمنوا لقمة يومهم ، وجيتي انتي علشان تزيدي عليهم
ما تحملت ، فخرجت من الهدوء اللي كان يحيط بها وقالت بغضب : ما دقّيت بابها و قلت لها ارسلي لنا غدا ، وحدها الحرمة جات لين هنا وعرضت علي هالشيْ
قال بقوة وهو يمسك ذراعها بعصبية : ويعني ما استحيتي وانتي تقولي لها ارسلوا لنا غدا
ردّت بصوت متألم وعيون تذرف الدمع: إلّا استحيت لمّا أصرّت عليْ و أنا كله أرفض
ركّز أنظارُه ناحِيَة الباب و هدأ ، حاول يرسم ابتسامة للي واقفة تناظرهُم باستغراب... لكن فشَل فهالشيء ، مدْ لها ذراعه وقال : تعالي
التفتت سلمى لبنتها الصغيرة سارَة ، و مسحتْ دموعها بسرعة
اقتربت من أبوها بخطوات قصيرة ، حملها وباسها بحب وهمس : أبوي إنتي
التفت لسلمى وسأل بجمود : ما اتصل عبدالعزيز ؟
قالت باختصار وبصوت مبحوح من دون ما تناظره : رقمه تلقاه في الدفتر جنب التلفون
خرج من المطبخ وبين يديه القعدة ، مسح على شعرها وسرح بفكره بعيد ، لمّا دخل الصالة انفض تجمع أولاده و كل واحد دخل لغرفته ؛ وما في شيء هيجمعهم غير الصراخ اللي حصل قبل ثواني بين أمهم و أبوهم .
تنهد وهو يشل سماعة التلفون ويضغط على الأرقام اللي مكتوبة قدّامه .
-9-
في العاصمة ، في بيت من البيوت اللي يظهر عليها أثر النعمة
نزلت فتاة في العاشرة من عمرها من الدرج بخطوات طفولية على صوت التلفون اللي ملا المكان برنينه الحاد ، مشت تجاه مصدر الصوت ، حملت السمّاعة وردّت بصوت طفولي رقيق : السلام عليكم
جاها صوته الرجولي وهو يقول : عليكم السلام والرحمة ، موجود أبوش ؟
: موجود ، من أقول له ؟
: قولي له عمي محمد يبغاك
وقفت قدّام أبوها اللي يشرب قهوته ويسمع الراديو ، قالت : أبوي ، عمي محمد يبغاك ع التلفون
رفع راسه ، نظر لبنته بعدم تصديق وبعدها فز بسرعة واتجه ناحية التلفون ، تتبعه نظراتها اللي تحمل تعجب ودهشة
رفع سماعة التلفون وقال : السلام عليكم
رد محمد بعد فترة ساد الصمت فيها : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
: كيف الحال يا بو سعود ؟
بجمود رد محمد : بخير ، بغيتني ؟
تأمل صوت أخوه ورد بخفوت : أنا نازل البلد بعد يومين
رد محمد بنفس النبرة : حيّاك
ودّعه وبعدها أغلق سماعة التلفون ، كان هيتفاهم معه بالتلفون لكن صوت محمد الجامد ما سمح له بهالشيء.
رجع بذاكرته لأيام مضت من سنين ، وراح يقلّب فذاكرته والألم ينهشه من كل صوب .
انتهى
تعليقاتكم / توقعاتكم =)
:..:
|