كاتب الموضوع :
مشاعِر
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
3/ انفكّتْ عُقدة و عُقِدَت أخرى .
تابع / النبض الثالث
انفكّت عُقدة و عُقِدَت أخرى .
-39-
بين يديه شنطة سفر ، وبين جدران قلبه شوق كبير ، دخل بيتهم وهو ينادي : موزة ، يا موزة
خرجت موزة ( أم عبدالله ) له ، تفاجأت ، وما وعت بنفسها الا وهي وسط ضلوعه ، تبكي بحرقة كبيرة ، تلومه بوجع لغيابه القاسي !
أبعدها شوي عنه ، وقال : خلاص يمه فديتش يكفي بكا
ضربته وهي تقول بعيون دامعة : لا ما يكفي ، أجل سنتين يَ الظالم تغيب بدون لا تتصل وتطمنا عليك !
: هذاني رجعت يا موزة
ضحكت : وانت ما تترك عادتك يا قليل السنع
ضحك لضحكها
من يومه صغير وهو ينادي أمه باسمها ، يناديها موزة ، كبر و هو ما زال على عادته ، وقليل جداً يناديها يمّه !
سأل : وينه أبوي ؟
ردّت : في الدكان
سأل وهو يتلفت حوله : وسعاد والعيال وين ؟
قالت : سُعاد راحت المزرعة ، والعيال نايمين
قال بشوق : أجل بروح لسُعاد
ضحكت : شوي شوي عليها لا يزيغ قلبها
و حلّق لسعاد بشوق ، كان طاير لها بحب ، وده يملي عيونه بشوفتها
لكن اللي شافه صدمه ، أفجع قلبه ، أغضبه ، استفزه ، أحرق دواخله ..... وأوجعه !
كان محمد يقترب من حبيبة قلبه ، وما فصل بينهم الا مسافة قصيره ، مد يده لوجهها لكنه تراجع في آخر الأمر !
تساءَل عبدالله بعدم فهم : ايش اللي يصير ؟
لكن فهم كل حاجة لمّا شاف سُعاد تنادي محمد ، ومحمد اللي صد لها و ابتسم وكان يناظرها بحب ، فهم كل حاجة ، واستعرت النار فصدره وكانت كافية لـ حرق كل المزارع فذيك المنطقة !
رص على قبضة يده ، وأنفاسه تتسارع بغضب ، كان ما يسمع ايش يقولوا لكن ملامح وجههم كانت كافية بإفهامه كل حاجة .
ركض بسرعة لبيته وهو يحس انهم خدعوه واستغفلوه ومكروا به ، ركض بسرعة ومشاعر الانتقام تدفعه ، وصل للبيت ، فتح شنطة سفره وأخرج منها مسدسه ، تأمله للحظات ثمّ اندفع خارج البيت بجنون ، بدون ما يهتم لأمه اللي كانت تنادي عليه .
رجع للمكان اللي شافهم فيه وحصله خالي منهم ، وين اختفوا ؟؟ ، وين راحوا ؟؟
والشيطان بدأ يرسم فباله مليون فكرة وفكرة ، وكل فِكرة أبشع من الثانية !
اندفع يفتش عنهم في المزارع مثل المجنون ، وما وجد أحد ، وبعدها ... حَدُسه دَفعُه للسوق ، راح لدكان محمد بأنفاس لاهثة ، بدون ما يهتم للناس اللي تناظره باندهاش وتناظر المسدس اللي فيده برعب .
انقض على المكان ، نظروا له بصدمه ، و نظر لهم بكره و حقد !
همست سُعاد برعب وهي تشوف ملامح وجهه و المُسدس اللي فيده : عبدالله
وضاع الكلام داخلها من الفزع وعجز يطلع .
-40-
من المطبخ نادت سلمى سعود
جاها صوته من الصالة : نعم يمه
قالت : تعال أبغاك
جاها : ايش ؟
أعطته ورقة وقالت : جيبلي هالأغراض من عند أبوك
قال : انزين
مشى ناحية السوق ، وصل لدكان أبوه ولقا شخص غريب أمامه معطيه ظهره ، نظر لأبوه باستغراب بعد ما اختنق من الجو الغريب السائِد ، ونظر أبوه له برعب ، كان محمد يخبره بنظرته ذيك انه يبتعد عن هالمكان ، المكان هذا خطر عليه فهالأثناء !
وما قدر يوصِّل لولده الكلام هذا غير بعيونه ، فهم سعود الشيء اللي يريده منه أبوه ، وكان هيتراجع ويبتعد عن هالمكان لو انه الرصاصة ما اخترقت صدر أبوه ، وتلتها رصاصة ثانية استقرت بجانب الأولى .
كل شيء سَكَن ذيك اللحظة ، وانخرست كل الأصوات الا من صوت أنفاس محمد المختنقة ، صوت شهقته الأخيره وهو يرتجي من الدنيا هواء .
صرخت سُعاد برعب وهي تشوف جثّة محمد تدنو إلى الأرض ، لكن رصاصة أخرستها هي الأخرى وأسكتتها للأبد .
انفجع سعود ، ومن الفجعة ما صدر منه صوت وهو يشوف جثة أبوه مرمية على الأرض وجاورتها جثة ثانية لسعاد !
الناس تجمعت في المكان ، أَبْعدوا سعود عن عتبة الباب ، وانقضوا على عبدالله اللي صوّب رصاصة أخيرة فـ قدم راميش اللي كان منزوي ف إحدى زوايا الدكان ، أخذوا من يده المسدس وألجموا حركته بأياديهم .
اللي صار كان أشبه بالخيال ، محمد كان متوقع أنه الحب اللي يكِنُه لسعاد هـ يُميته فيوم ، وجاء هاليوم اللي ارتمى فيه محمد صريع عشقه لهاذيك البنت اللي شافها من سنين تمشي أمامه بخجل ، واللي لفحت قلبه من أوّل نظرة شافها فيها ، وكبر حبه لها فقلبه بحيث تعجز أي قدره في الكون انها تنزعه من مكانه !
في نفس المكان ، وفي نفس اللحظة ، ارتفعت أرواحهم إلى بارِئها .
قِصة عشقه لها تُوِجَت أخيراً بِنهاية ، نهاية تنفطر لها القُلوب ، تُذيب الروح من الحزن والأسى .
-41-
دخل شاب دكان العم سعيد بسرعة ، وقال بأنفاس لاهثة : إلحق عمي سعيد ، عبدالله ولدك قتل محمد و معاه حرمة
كأنه ماي بارد انكّب على راسه ، انتفض ، فز من مكانه ثمّ هرول بعدم تصديق لدكان محمد وهو يهمس مع كل خطوة : عبدالله ما هنا ، عبدالله مسافر
أو رُبما هذا اللي كان يتمناه ، أنه يكون عبدالله ما رجع من السفر ، أنهم يكونوا غلطانين و مشبهين بعبدالله ، لكن أي من هذي الأمنيات ما تحققت ؛ لأنه شاف عبدالله ولده أمامه والناس ماسكينُه ينتظروا قدوم الشرطة ، وهو ولا على باله ، وجهه خالي من التعابير ويناظر الفراغ أمامه .
قلبه تمزّق ، رجوله ما عادت تشيله لكنه تحامل على نفسه ، ومشى العم سعيد بحزن ، تخطى الناس اللي كانوا عند عتبة باب الدكان ، ودخل .
انفجع لمّا شاف محمد وجنبه حرمة وجهها ما ظاهِر ، مشى لعند محمد ، تعدّى بحر الدم ، مسك راسه ، مسح على وجه محمد وبكى ، بكى مثل طفل صغير !
قبله على جبينه وهمس : الله يرحمك .
كان ما بس جاره ، كان ولده وأعز من ولده .
رفع راسه ، طاحت عينه على يد هذيك الحرمة ، بالتحديد طاحت عينه على خاتم ترتديه ، ما غريب عليه هالخاتم ، فز مثل المقروص واتجه ناحيتها ، لفها على وجهها ثمّ انصدم مرّه ثانية .
همس بصدمة ما غابت عن وجهه : سعاد
تأمل وجهها ، ودموعه ما جفت
هذي بنته اللي ما من صِلبه ، هذي بنته
أي قلب هذا اللي يتحمل موت ولده وبنته في نفس اليوم وفنفس اللحظة ، ومن القاتل ؟ –أيضا- ولده
ما في قلب بني آدم يتحمل هالشيء !
وقف وهو يأخذ نَفَس ، طلع من الدكان ودشداشته انقلب لونها أحمر ، مشى لعند عبدالله ، واجهُه ، صفعه كف ضل صدى صوته يتردد مرات عديدة
همس : انت ايش رجّعِك ؟
صرخ فوجهه لمّا ما وصل منه رد : إيش رجعك ؟
ما جا من عبدالله جواب
صرخ العم سعيد بغبنة : جيت علشان تقتل ؟
بهمس أكمَل وهو يمسكه من ياقته ويقربه من وجهه : ليتك مِت قبلهم ، ليتك
فذيك اللحظة وصلت الشرطة ، وغاب العم سعيد عن الأعيُن .
-42-
صرخ سعود وعيونه وقلبه ينزفوا : اتركني أدخل ، أتركني
كان شاب يُسمى سيف ماسكنه عند باب الدكان علشان لا يدخل وينفجع بأبوه - أكثر من كذا- و بـ بركة الدم اللي يسبح فيها .
لكن قدر سعود يتغلّب على سيف ويدخل ، مشى بعدم تصديق ناحية أبوه ، عيونه متسعة بصدمه وعجزت ترمش ، جثا على ركبه أمام جثّته ، دموعه تنزل بدون صوت
ثم بدأ يشهق ويشهق ويشهق !
و أخيراً بكى بعبرة ، بكى أبوه اللي راح من دون لا يودعه ، بكى فقده ، بكى حنانه ، بكاه كله.
مسكه من دشداشته الحمراء بقوة و صرخ بألم : يُبه رجيتك ترجع ، ما بعد كبرت يُبه ، ما بعد كُبرت
كل اللي كانوا هناك هاذيك اللحظة داروا دموعهم وهي تنزل بحزن
ضرب راسه في صدر أبوه أكثر من مره وهو يصرخ : يبه رجيتك تعال ، يبه انت قلت اننا هننتقل لمسقط ، تعال علشان نروح سِوى ، تعااال
تقدموا رجال الشرطة من الجُثث ، تقدّم أحدهم من سعود وقال : الله يرحمه ، قوم معي الله يرضى عليك
أبعد سعود يد الشرطي : ماني متحرك من هنا
تقدّم سيف من سعود : سعود خليك قوي علشان أمك وأخوانك ، قوم معي
خذ سعود نفس عميق محمل برائِحة الموت ، نظر لأبوه نظرة أخيرة بعيون دامعة ، مسك راسه ، قبّل جبينه ، ثمّ استقام ، ومشى مع سيف !
مشى ناحية بيتهم ، بيتهم اللي خلا من أساسه وانهدْ فوق روسهم .
-43-
مرّت أيّام العزاء ببطء شديد ، والحزن تمكّن من الكل ، من سلمى ، سعود ، روضة ، مها ، يوسف ، سارة ، عبدالعزيز ، ناصر ، العم سعيد وزوجته ... من الكل !
دخل ناصر بيت المرحوم بتعب ، دخل المجلس ثم أخذ مكان بجانب أخوه الكبير عبدالعزيز ، أخوه اللي تغيّر بين يوم وليلة وهدّه موت محمد .
وضع ناصر يده على كتف عبدالعزيز وقال : خير يا خوي ؟ ، حالك ما عاجبني ؟
رد عبدالعزيز وهو ينظر للفراغ : يا الله يا ناصر كيف الدنيا تضحك للواحد وفجأة تعبس فوجهه
التفت ناحية ناصر وقال بعيون دامعة : أمس بس كنّا نضحك بعد ما تجمعنا من جديد واليوم " سكت يجمع له نَفَس " اليوم نبكي فقده
مسح دمعة تسللت عنوة
هز ناصر راسه بحزن وهمس : الله يرحمه
قال عبدالعزيز وهو ياخذ نفس : اليوم رحت المستشفى أزور راميش ؛ لأنه كان الوحيد اللي شهد كل شيء فيوم الحادثة
التفت ناصر ناحية أخوه واعتدل في جلسته
أكمل عبدالعزيز : قال لي أنه محمد أعطى المرحومة فلوس
قال ناصر بتحفّز للكلام : انزين !
أكمل عبدالعزيز : وسمع محمد يقول لها انها ضروري تعطي الفلوس لسعيد علشان يسدد ديونه بأسرع وقت
همس ناصر : آها
وانكشف أخيراً سر الفلوس اللي كانت متناثرة في مسرح الجريمة ، لكن السؤال الآن .... ليش عبدالله قتل محمد ثمّ قتل بعده سُعاد زوجته ؟؟؟؟؟؟ ، ايش السبب ؟؟؟؟؟
هذا السؤال اللي ما بعد لقوا له إجابة .
أخرج عبدالعزيز حزمة فلوس من جيبه وناولها لأخوه وقال : عطيها لسعيد لأني ما ودي أقابله أو أدخل بيته ، خلنا نحقق آخر رغبة كانت لمحمد !
تناول ناصر الفلوس : بس...
سكت ناصر
التفت عبدالعزيز ناحيته : ليش سكّت ؟ ، تكلم !
رفع ناصر راسه وقال : ترا سعيد ماله ذنب ، ليش نحملُه ذنب ولده ؟
رد عبدالعزيز : إن شفته فهشوف وجه ولده قبالي ؛ علشان كذا عطيتك انت الفلوس تسلمهن له
هز ناصر راسه بتفهم ، ثم قام وخرج من المجلس ، وخرج من البيت !
-44-
تأمل ناصر حال العم سعيد وزفّر: كيف حالِك يا سعيد ؟
قال بخفوت ونظره في الأرض : الحال انت شايفه
هز ناصر راسه : الله يعين
أخرج حزمة الفلوس من جيبه وناوله
سأل العم سعيد : ايش ذا ؟
رد ناصر : هذي الفلوس اللي كانت متناثرة في الدكان يوم الحادثة ، عطاها محمد رحمة الله عليه للمرحومة علشان تعطيها لك
اندهش العم سعيد وقال : ليش ؟
رد ناصر : ما انت مديون وهذي الفلوس علشان تسدد اللي عليك ، خذ
فهم العم سعيد كل حاجة ، محمد سمع حواره هاذاك اليوم مع الـدَّيانة علشان كذا أعطا سعاد الفلوس
همس العم سعيد : الله يرحمه ويغفر له ، بس الفلوس ما هقبلها
: هذي الفلوس ما من معي ولا من مع أي شخص ثاني ، هذي من مع محمد
تناول العم سعيد الفلوس بتردد : الله يرحمهم أجمعين
: آمين
وعم الصمت بين الاثنين
سأل ناصر بتردد : صحيح اللي يقوله الناس يا سعيد ؟
: وايش يقولوا النّاس ؟
رد ناصر : انه كان بين محمد والمرحومة ...
قاطعه العم سعيد بغضب : لا تكمل ، هذي أعراض ناس ، ناس راحت لرحمة ربها
رد ناصر : الله يرحمهم ، بس اللي سواه أبوها أكّد للناس انه المرحومة ... "سكت ناصر وهو يحني عيونه للأسفل"
أكمل العم سعيد : انها عايبة ، ما كذا ؟
هز ناصر راسه ايجاباً
اعتدل العم سعيد فجلسته وقال بثقة : اسمعني يا ناصر هالكلام اللي هقوله لك مستعد أقوله لألف شخص بعدك ، البنت سكنت معنا سنين ولو إنّي شكّيت فيها ولو 1% ما سكنت عندنا ، و أنا أشهد أنه أبوها ما يعرفها ، لو أنه يعرفها ما سوّا اللي سواه .
سكت ناصر والشك ما زال يساوره ، غصباً عنه مو بيده ، هو شهَد حُب محمد لها من يوم ما انولد ، فأكيد انه هتنبني - ع أساس هالشيء - الشكوك .
-45-
استندت سلمى على الجدار ودموعها تاخذ مسراها على وجهها الذابل ، فيدها نتائج التحليل اللي تُثبت انه فأحشاءها روح منه و منها .
سعود ، روضة ، مها ، يوسف ، سارة وأخيراً جنينها اللي بطنها ، راح عنها وترك لها مسؤولية تربيتهُم ، راح و ترك لها حمل ثقيل وصعب ، راح وأودع لهم الحُزن والأسى ، راح ولـبّس أولاده لباس اليُتم ، راح وترك في القلب غصّة وجرح صعب يلتئِم .
:..:
بعض النهايات - يا صحب - بداياتٌ أخرى
بإنتظار تعليقاتكم / انتقاداتكم / آراؤكم
|