كاتب الموضوع :
مشاعِر
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
3/ انفكّتْ عُقدة و عُقِدَت أخرى .
النبض الثالث
انفكّت عُقدة وعُقِدَت أخرى
-28-
أغلق التلفون وتنهّد بتعب ، إخوته وصلوا ، بعد سنين راح يشوفهم مرّه ثانية !
وايش شعوره ذيك اللحظة ؟
بلا شعور ، ما يحس انه فرحان كثر ما يحس أنه وده يهرب بدون لا يلتقي فيهم !
ليش كل ذا ؟
هو وحده ما يعرف ايش فيه ؟! ، لعله مثل ما قال له عبدالعزيز من زمان بأنه عين وصابته
قال بتعب وهو يخرج من دكانه : راميش دير بالك أنا امكن ما أرجع الدكان اليوم
رد عليه راميش : زين
مشى باتجاه بيته بعد ما اختار أطول طريق ، طريق المزارع !
تايه وضايع وفكره مشتت ، ما عارف ايش يسوي ؟ ، تتقاذفه الأفكار يمين وشمال من دون ما يرسي على بر ، و فدوامة أفكاره انساب صوت ضحكتها وداعب أذونه بكل رقّة وتسلل بعدها لقلبه ومسّده براحة زائِلة .
لف على يمينه وشافها تضحك مع أم عبدالله ، ثانيتين مرّن قبل لا ينفض عنه الأفكار السوداء اللي تراوده لمّا يشوفها ومشى بسرعة من أمامهن ، تعدّاهن ، ووصل لبيته وهو اتخذ قراره وحسم أمره .
القرار اللي ممكن ينتشله من الهم اللي يلفه و يعتصره ، القرار اللي ندم على عدم اتخاذه من قبل سنين طويلة ، القرار اللي اتخذه متأخر جداً
تنهد وهو يفتح الباب ويدخل !
-29-
قالت أم عبدالله : شفيه مر كذا بسرعة بدون لا يسلّم
قالت سعاد : امكن ما شافنا
ردّت أم عبدالله : والله يجوز
أكملت أم عبدالله : شكل المجاري هترد مثل ما كانت بينه وبين أخوانه !
ردّت سُعاد باستغراب : وايش يدريش ؟
: كذا حاسّة "قالت ام عبدالله "
تنهدت سُعاد : عسى خير !
-30-
وقفوا كلهم لمّا شافوه مقبل عليهم
تقدّم منهم و قال : السلام عليكم
ردُّوا السَّلام عليه
اقترب من أخوه الكبير وهو يتأمل هيئته المهيبة ، مثل ما هو ما تغيّر غير انه لحيته طالت واصطبغ شعره بالأبيض و زاده هالشيء وقار !
مد محمد يَمينه ، تناولها عبدالعزيز وشدّه نحوه ولوى عليه بقوة
كم من الوقت مر ما يدري ، ما يدري غير أنه ندمان قد شعر راسه ، ندمان انه جافا أخوته على ولا شيء ، ندمان أنه ما انتقل معهم للعاصمة ، ندمان انه سمح لنفسه يخوض معارك شديدة مع قلبه واستمرت لسنوات عديدة .
بس ايش يفيد الندم ؟؟؟؟
طبطب عبد العزيز على ظهر محمد ثم قال وهو يواجهه : كيف حالَـك يا محمد ؟
أجاب محمد : بخير ، بخير
الدموع اللي شافها فعيون عبدالعزيز كسرته ، وأحاسيس كثيرة اعترته فذيك اللحظة
دار بظهره وسلّم على البقيّة ولمّا وصل لناصر ، ضحك الأخير وقال : والله أنا للحين ما دريت ليش مجافيني ؟
لَوى محمد عليه وهو يضحك
قال ناصر وهو يمسح دموع طلّت من عيونه : شقيقي وشبيهي ، كيف حالَـك ؟
رد محمد والبسمة مرسومة على شفاهه : بخير عساك بخير "ضحك" و صاير حسّاس
رد ناصر : من يومي وأنا مشاعري مُرهفة وما أتحمل هالمواقف
ضحكوا
وجَّه محمد كلامه لسعود : سعود فز هات القهوة
: ان شاء الله
مرّن بضع ثواني قبل لا يجي سعود وبين يديه دلة القهوة والفناجين ، وقف في صدر المجلس أمام أعمامه ، صب القهوة فأحد الفناجين وناوله لأبوه .
كانوا يعتبروا الولد لمّا يدخل ال12 سنة رجال في ذاك الزمان ، يتصرّف مثلهم ، ويُعامل كرجُل ، ويُنتقد إذا تصرف بفطرته الطفولية ، لكن بعضهم يعتبروه مازال طفل اذا ما احتلم !
عبدالعزيز كان يقيّم سعود ، وأرضاه اللي يشوفه : الله يسلّم يدٍ ربّـتك يا سعود
ابتسم سعود : ما عليك زود عمّي
تناول محمد الفنجان من يد ولده وناوله بدوره لعبدالعزيز ، تناول عبدالعزيز الفنجان من يد أخوه وحطه على الأرض وقال : محنا شاربين قهوتك قبل لا يطيح كل اللي بيننا !
أمعن محمد النظر فأخوه ثم قال : ما بيننا الا الخير ان شاء الله
صمت ساد الأرجاء للحظات قبل لا يمسك محمد لحية عبدالعزيز ويقول بقوة : رجيتك بذي اللحية العامرة انك تسامحني ، أنا أخطيت
ألجم الموقف الموجودين وهز أعماقهم
والصدمة اكتست ملامح عبد العزيز ، فحياته ما توقع انه يصير له مثل هالموقف
انشرحت ملامح عبدالعزيز وتخطت الصدمة رويدا رويدا ، ابتسم بفخر ، قبّل جبين محمد ، و سكت ، ما عنده حكي ينقال ؛ اللي يحصل ما يوصفه كلام !
بعد بضع ثواني ، استعاد عبدالعزيز فيها نفسه من المشاعر اللي تقاذفته ، تناول فنجان القهوة اللي في الأرض وقال : الحين تِنشرب قهوتَـك يا محمد
-31-
على السّاعة خمس العصر وصلوا للعاصمة بعد ما قضوا اللي عليهم ، شعور عبدالعزيز اللي راجع من البَـلد غير شعور عبدالعزيز اللي كان رايح لها ، وأخيراً الراحة منّت عليها بلطفها وحفّته .
المجاري عادت وجرت من جديد بينه وبين محمد أخوه و هالشيء اللي تمناه ، قبل لا يأخذ الله أمانته .
دخل لبيته يتبعه أولاده ، قال لطارق ذو الثلاث وعشرين سنة : مثل ما خبرتك يا طارق ، شوف أي بيت حوالينا للبيع ويكون مرتب وكبير ، وما يهم السعر
رد طارِق : ان شاء الله
سأل عُمر ذو 16 سنة : يعني خلاص عمي محمد راح ينتقل هنا ؟
رد أبوه : ان شاء الله
سكينة سادت المكان قبل لا يفتح حُذيفة ذو 19 سنة جروح يا دوبها التأمت بسؤاله : أبوي ايش اللي كان بينكُم وبين عمي محمد ؟
رد عبدالعزيز وعيونه تلمع : هذي سالفة تافهة ، تافهة ما ينحكى فيها
مشى عبدالعزيز ناحية الدرج وصعد تتبعه نظرات أولاده
نظر حُذيفة وعُمر لطارق بشك
قال طارق وهو يرفع يدينه : خير ان شاء الله ، الله يجيرنا من نظراتكم ذي
قال عُمر : ايش السالفة ؟
هز طارق راسه بأسف وخرج
صرخ حُذيفة بعصبية فأخوته حمد ذو 8 سنين وخالد ذو 11 سنة اللي كانوا يتضاربوا : وبعدين يعني انتوا الاثنين ، ما تكبروا أبدا
همس عُمر : إلا ما أعرف ايش السالفة وهتشوف
رمقه حُذيفة بشك ، وكل واحد منهم راح فطريق !
-32-
قالت من دون لا تناظره : اذا تبغا تتسبح جهزت الحمام وثيابك ع السرير
همس وهو يشوف زعلها اللي مستمر من عدّة أيام : تسلم إيديش
أعطته ظهرها وكانت هتمشي عنه لو انه ما مسك رسغها ، استقام بطوله الفارع ، مسك كتفها ولفها له ، واجهته من دون لا تناظر وجهه !
مسك ذقنها ورفع راسها له ، ما قاومت اغراء شوفة عيونه ، ابتسم لها بحنان وقال : ما راح تسأليني ايش اللي صار في المجلس اليوم ؟
أشاحت بوجهها عنه ؛ لأنها بدت تضعف ، وهمست : سعود قال لي اللي صار ! "سكتت "
ناظرته ببرود وأكملت : وزين أبعدتوا إبليس عن دربكُم وتصالحتوا
فلتت منه ضحكة ، ضحكة نابعة من قلبه ، ألبست وجهه شيء من الفرح وزادته وسامة – على وسامة .
ناظرته باستغراب وقالت : ما يضحك
قال وهو يقرّبها منه : إلّا يضحك
ما ردّت عليه ، أكمَل : انتي شفتي نفسش لمّا تقولي سعود قال لي اللي صار "قلّدها وهي تقولها "
ارتسمت شبه ابتسامة على شفتها وأشاحت وجهها عنه
لف وجهها صوبه من جديد : جد والله لازم تشوفي نفسش !
شكّت فعمرها : ايش فيه ؟
اتسعت ابتسامته وقال : أبد والله ما فيه شيء غير إنش ما فَرَقتي عن عيالش بشيء ، طفلة مثلهم !
ضربته بقبضة ايدها على صدره العريض والابتسامة إرتسمت على وجهها: سخيف
رنّت ضحكته في الأرجاء من جديد
حاوط خصرها وهو يهمس في أذنها : طـيِّب قال لش سعود اننا قريب هـننتقل للعاصمة ؟
ناظرته بدهشة وهمست : لا
قال بتلذذ : امممممممم وقال لش بعد انّي هرجع أشتغل بشهادتي اللي جار عليها الزمن ؟
وضعت أصابعها النحيلة على شفاهها والفرحة صدمتها وشلّت حركتها ، بعد أجزاء من الثانية استوعبت اللي يحصل و صرخت بسعادة وتعلقت برقبته
ضحك محمد وهو يدور فيها : يوم أقول لش انش طفلة !
اللي يشوف حالة سلمى ذيك اللحظة ، ما يقول أبداً إنها هي نفسها قبل دقائق الزعلانة واللي ماخذة على خاطرها منه !
بسيطة ، يرضيها القليل ، وراحة عيالها وأبو عيالها هي راحتها ، وما تبي شيء أكثر من إنها تشوفهم سعيدين .
-33-
انتصف الليل عليهم وهو ما زال صاحي ، عيونه عَيَت تغفى ، انسل من فراشه بهدوء ، تأمل سلمى وهي نايمة براحة جنبه و لسان حاله يقول لها كما قال عنترة بن شداد :
لو كان قلبي معي ما اخترتُ غيركُم *** ولا رضيتُ سواكُم في الهوى بدلا
استقام ، وخرج للخارج و تحت ضوء البدر ، أشعل ضوء سيجارة !
استند على الجدار واتكأ فيه ، و ظل هو والسيجارة كل واحد يحرق الثـاني ، والبال يروح ويجي والأفكار ما ترسى على بر ، والذهن غايب .
خلاص هينتقل من هنا ، هيبدأ حياة جديدة !
عقله يبارك له هالقرار وقلبه مستنفر ما وده يغادر هالمكان ، بس الأكيد انه هيسمع لعقله ؛ لأنه سمع لقلبه من قبل وما استفاد غير التعب والهم والغم .
ضروري يبتعد عن هالمكان لأنه ما عاد يستحمل شوفتها تروح وتجي أمام عينه ، قلبه ما يتحمل ، والأكيد ذنوبه هتكبر لو ظلْ فهالمكان وهي على مرأى منه .
تنهد ، رمى السيجارة ع الأرض ، داسها ثم دخل البيت .
-34-
على الساعة ثمان الصبح ، خرجت بشعرها الطويل المبعثر حواليها وبـ بيجامة توصل لنص ساقها .
شافته جالس على حجر كبير أمام بيتهم ومستند على الجدار ويفكر ، راحت له بخطوات بطيئة وحذِرَة ، ولمّا وصلت عنده نادت بصوت عالي وحاد : سعووووود
انتفض ، وفز من مكانه
في المقابل جلست تضحك على ردّة فعله
عقد حواجبه وقال بحدّة : شوووو أصمخ أنا علشان تصرخي كذا ؟
وهي مُستمرة في الضحك
صفعها على راسها بخفة وقال : بس خلاص انتي وذا الشعر المنكوش !
توقفت أخيرا عن الضحك وجلست جنبه على الحجر
قالت : طلعت في الأخير خوّاف
ما جاها منه جوّاب
سألت : انت ليش تجلس وحدك دايما ؟
ما رد عليها
أكملت : ليش ما أشوفك تلعب مع أولاد الحارة ؟
ما جاها منه رد
: لأنهم دايم يقولوا لك الطويل ، صح ؟
إلتفت صوبها ، ورمقها بلا مُبالاه ، ورجع لوضعه المُعتاد
سألت بانزعاج : ليش ما ترد ؟
أجاب : لأنش مُزعجة ويا الله أشوف ادخلي بيتكم ، عيب تخرجي بذي الملابس !
وقفت أمامه ، وضعت يديها على خصرها : لا مو عيب
قال بحدّة : إلا عيب ونص بعد
امتلت عيونها دموع
جاها صوت أخوها (علي) ذي العشر سنين : مَرْيااااام
التفتت له وصرخت بحدة : ايش تبغا ؟
: ادخلي داخل تبغاش أمي
ردّت بعناد : ما هدخل
جاء عَلي صوبها وقال : ادخلي أشوف إنتي وذي الكِشّة
تخصرت وقالت : ما أريد أدخل
مسك علي يدها وسحبها : غصب عليش تدخلي ، انا ما جيت أشاورش
صرخت : ابعد عني يا حمار القايلة ، يا حيوان ، ابعد ، انت تعورني
اكتفى سعود بالمشاهدة ، ونظرة اللا مبالاة ما زالت في عيونه
لطمها علي كف على وجهها وصرخ : ذا الكلام الوسخ ما ينقال لي ، فاهمة يا قليلة الأدب ؟
الدموع نزلت على وجنتيها ، وصاحت بازعاج يصم الآذان
قالت من بين دموعها بصراخ : انت قليل الأدب يا كلب الحارة
جرها من شعرها ، وهو يقول : هالكلام هطلعه من عيونش
وأخيراً تدخل سعود لمّا شاف أنه الوضع تأزّم
فلّتها من بين يدين أخوها بصعوبة وقال : اترك أختك عيب عليك
واجهه علي وقال : انت ما لك دخل ، اطلع منها
اقترب سعود منه بطوله الفارع وقال من بين ضروسه : إدخل بيتكم لا والله أنحرِك مكانك
في تلك الأثناء ، قامت مريم من التراب بتثاقل واندّست ورا سعود
قال علي بتهديد : ما راح أدخل بدونها !
مسكه سعود من ياقة دشداشته وبصراخ عالي قال : أجَلْ تستقوي على بنيّة يا الدجاجة
انسل علي من بين يدين سعود ودخل بيتهم وفي عيونه تهديد لمريم اللي تقول بفرح : يحليلها الحِقّة (صغير الدجاجة) ، ليش تنفشي ريشش علينا يوم انش ما مال شيء ؟ !
دخل علي بيتهم واغلق الباب بقوة بحيث أصدر صوت عالي
أخذت مريم ترقص وهي تقول : وانتصرنا والناصر الله ، وانتصرنا والناصر الله
رمقها بلا مُبالاه وهي تتقافز حوله بسعادة ، رجع جلس على الصخرة وأسند ظهره على الجدار
اقتربت منه وباسته على خده : شكراً ؛ لأنك انقذتني منه
تفاجأ سعود ؛ لكن أخيراً شبح ابتسامة قَدَرْ يطل على وجهه .
نفضت التراب عن ملابسها وهي تقول : الله يغربله ، ترست تراب بسببه الحيوان
عقد سعود حواجبه وقال : ايش هالألفاظ ؟ عيب
ردّت بعنادها المُعتاد : مو عيب
سكت عنها ولف وجهه يناظر الفراغ أمامه
جلست مريم جنبه
نظر لها بطرف عينه وقال : يلا روحي بيتكم أمش تبغاش ؟
قالت وهي تلعب بأصبعها : ما أريد ؛ الحيوان اللي في بيتنا هيضربني
: وبعدين يعني مع هالألفاظ الوسخة ؟
ردّت : خلاص خلاص
قال ببرود بعد فترة صمت وهو يستقيم : ويعني كيف ؟ هتجلسي هنا طول اليوم ؟
ردّت وهي تقوم معه : اممممم لا
قال وهو يأشر لبيتها : إذن تفضلي ادخلي بيتكم
قالت بدلع : لااااااااااااااااااااااااا ما هروح بيتنا
باستهزاء وهو يقلّد نبرة صوتها : وييييييين هتروحيييييي ؟
قالت ببراءة : معك !
بمفاجأة قال : معي وين ؟
ردت وهي تأشر بعيونها لبيته : بيتكم
بعد تفكير قال : الله المستعان ، دخلي أشوف
ما درى سعود انه مها وروضة يراقبن الموقف من بدايته وهن يتوعدن فيه بمكر ، وما درت مريم انه علي أيضاً كان يراقب من الدريشة ويتوعدها بشر !
-35-
دخلت مريم ، ولمّا شافت سلمى تجمعن الدموع فعيونها وصاحت
تفاجأت سلمى وقالت وهي تشوف حالها المبهدل : ليش تصيحي مريم ؟
قالت بنشيج : هذا علي الحيوان ضربني كف وسحبني على الأرض واااااااااااااااااااااااااااااااااااااء
أكملت وهي تستجمع أنفاسها : حتى شوفي مكان ما ضربني أحماااااار
وكان فِعلاً مثل ما قالت ، خدها أحمر مثل الجمر !
وما كان من قوّة الضربة اللي تلقاها خدها لكن بشرتها كانت رقيقة وحساسة زيادة عن اللزوم .
لمّتها سلمى بين يديها وهي تهدّيها
قالت مريم : أنا ما أريد أرجع البيت لأنه هيضربني
قالت سلمى وهي تتطبطب على راسها : خلاص أنا هخبر امش انش هنا
وما أن قالت سلمى اللي قالته حتى بدأ صياح مريم يخف .
وهذا هو الشيء اللي كانت تريده من البداية .
في تلك الأثناء كان سعود يراقب اللي يحصل ، تفاجأ من دهاء الطفلة اللي قدّامه ، كانت قبل لحظات ما فيها الا العافية ، وتساءل من وين تجيب الدموع ؟؟ ، وكيف تقدر بهالسهولة تقلب الأحداث لصالحها ؟؟!
اللي تأكد منه انه عقل هالبنت أكبر من سنها بكثير ، مو طفلة عمرها 6 سنين تفكر بهالطريقة !!
لكن ومع هذا ما نجحت الخطة اللي رسمتها مريم ؛ لأن جات أمها وأخذتها للبيت غصباً عنها .
-36-
في الليل ، ومع اجتماع العائلة على العشاء
قرصت روضة أختها مها علشان تبدأ تتكلّم ، توجعت مها من القرصة فصرخت
سألها أبوها : ايش فيش ؟
كحت ، ثم قالت بابتسامة تداري فيها نذالتها : أبوي جات اليوم معنا مريم بنت الجيران
نظرات أبوها حثتها على الاستمرار في الحديث ، فأكملت : هذا أخوها علي ضاربنها وجارّنها على الأرض
قال محمد باهتمام : انزين ؟
أكملت روضة : لكن الحمد الله ، الحمد لله ، البطل الخارق حامي الأرض من الأشرار ، أنقذها من بين يديه
رمقها سعود بسخرية
أكملت وهي تلوّح بيدها : والله أبوي لو شفت كيف يضربها هتقول انه هذي أكيد هتموت بين يديه
ابتسم محمد وقال وهو يجاريهن في الكلام : جزاه الله خير هذا البطل الخارق
أكمل سعود أكل وكأن الأمر ما يعنيه
قالت مها : لو شفت كيف فلّتها من بين يديه ، ثم مسك أخوها من ياقته وعلّقه
أكملت روضة بتأثر مصطنع : كان بصراحة مشهد مؤثر ، زين ما طاحن دموعي !
قالت مها وهي ترمق سعود بنذاله : لكن الحركات اللي صارت بعدين كانت بصراحة " سكتت وهي تحرك راسها بأسف"
سألتها روضة : ليش ما تكملي شوقتينا ؟ " مع أنه روضة على علم بكل اللي صار لكن النذالة وما تسوي "
قالت مها : هذي مريم أونها باست البطل الخارق تشكره على انه انقذها
لوحت روضة بيدها : منكر يالله ، أستغفر الله بس
نظر محمد لأولاده بدهشة وابتسامته اتسعت ، ثمّ نقل نظرُه لسلمى اللي كانت تنظر له بنفس النظرة !
رفع سعود راسه ، ورمقهن وهو رافع حاجب !
ثم قال : غير اللي يرسم قلوب فدفاتره وأسماء وحركات ، واللي سيف ولد الجيران يجيبله عصاير وشيبسات وككاوات
قالت روضة بدفاع : انا ما ارسم قلوب ، أجيبلك دفاتري تشوفهن ؟
وقالت مها بصوت عالي : وبعدين سيف انا أعطيه فلوس علشان يشتري لي من الدكان ، ما يجيب لي بكيفه
قال بعدم اهتمام : ليش تضايقتن كذا خواتي العزيزات ؟ ، انا عنيتكن بكلامي ؟ ، كنت اتكلم بشكل عام بس امبونه راعي المعنى يستعنى
قالت سلمى بنبرة عالية : بس انتي وهي صدعتوا راسنا
بس ما أحد أعارها إهتمام
قالت مها وهي تأشر له بسبابتها : اعترف انك تحب مريم اعترف يلا !!
قال سعود بتحدي : إي أحبها ، أحد عنده مانع ؟ ، أحد متضايق من هالشيء ؟
نظر له أبوه بدهشة ما انفكّت عن وجهه
ردّت مها بقوة : اصلا كنت عارفة ذا الشيء من زمان ، لأني شفت هذيك المروحة مال الألوان عندها ولمّا سألتها قالت انك انت عطيتها
سأل ببرود : وانتي ايش اللي حارق دمش ؟
ردت : لأني لمّا قلت لك تصنع لي مروحة ما رضيت وهذيك الدلوعة تروح تعطاها
قال بنذالة مع شبه ابتسامة : الحين تقارني نفسش بهذيك الدلوعة ، هذيك الدلوعة طبعاً غير
قامت مها زعلانة وتبعتها روضة بعد ما رمقت سعود بكره
ساد الهدوء الأرجاء
سألته أمه باستغراب : الحين صدق انت تحب مريم ؟
ضحك سعود ، وضحك معه أبوه من طريقتها في السؤال
رد سعود وهو يمسح دموعه من الضحك: لاااا بس أجاري بناتش الخبلات !
-37-
فسخ محمد دشداشته وانسدح على السرير : شفتيهم كيف اليوم يتكلموا ؟
ضحكت سلمى : صدق انه جيل آخر زمن ، حُب وما حُب ، احنا يوم زمانّا هالسوالف ما عرفناها
هز محمد راسه ثم انسدح وغمض عيونه : يكبروا العيال يا سلمى
تنهدت : إي والله
لحظة صمت لفّت الأرجاء ، قطعها سؤال سلمى : الحين متى راح ننتقل ؟!
رد محمد وعيونه مغمّضة : على آخر الشهر ، انتي جهزي كل شيء من الحين
: وحصَّـلوا بيت هناك ؟
قال : هيحصلوا
: كل ما استعجلنا كل ما كان أحسن !
قالت عبارتها الأخيرة من دون ما تعرف انه محمد سرّها لعبدالعزيز من قبل ، وشكل اللي يفكروا فيه تشابه ، هي تبغا تنتقل هناك بسرعة علّه يتحسن حالهُم ، وهو يبغا ينتقل علشان يرتاح من الضغط النفسي اللي يحس به كل يوم .
ولعل في انتقالهم راحة هـ تحيط بالجميع !
-38-
كعادة محمد كل صُبح ، يدخل يسلم على العم سعيد قبل لا يتوجه لشغله ، لكن عند عتبة الدكان توقف وهو يعقد حجّاته ؛ الحوار اللي صاير داخل الدكان أوقفه .... وأزعجه !
كان فيه شخص يقول للعم سعيد : شوف ، أنا محتاج فلوس ، وجاء اليوم اللي تسدد فيه دينك
رد العم سعيد : بس انا ما عندي هالوقت ، من وين أجيب لك فلوسك ؟
جاه الرد : ما أعرف دبرها ، أبيهن خلال هاليومين ، ضروري الله يخليك
ما سمع تكملة الحديث لأنه مشى باتجاه دكانه ، وهَم العم سعيد أصبح على عاتقه .
دخل دكانه ، وجلس وراء الطاولة ، والحيرة تاخذه وتجيبه ، لكن فجأة فز من مكانه ونادى على راميش اللي يشتغل عنده : راميش دير بالك أنا واصل مشوار وراجع !
ما سمع رد راميش لأنه بسرعة طلع
مشى للبنك و في باله مساعدة جاره اللي ما قصر معاه بشيء ، وجاء اليوم اللي يرد له فيه جمايله .
سحب المبلغ اللي كان مدخرنه للحاجة ، وكان مقرر انه هيشتري فيه البيت اللي في (مسقط) ؛ لكن ما حصل هالشيء ؛ لأن الظروف تتغير ، والأحوال تتبدل ، والدنيا تدور على بني آدم وما تظل على حالة وحدة .
فكّر ، إذا عطا الفلوس للعم سعيد ما راح يقبل ؛ لأنه هيخرج من دين ويدخل في دين جديد ، فلذا خليه يفكر بطريقة توصّل الفلوس للعم سعيد ويقبلها !
وفي غمار تفكيره ، طلعت سعاد أمامه كنسمة لفت أفكاره وحوطتها بحل أرضاه ، ابتسم وهمس لنفسه : الله جابش !
تبعها ، دخلت طريق المزارع ، وتبعها ، مشت في الطريق الطويل الخالي من البشر وهو ما زال يتبعها ، وعند انتصاف الطريق لفّت وراها فجأة
وقّف ، وتلعثم ما عرف ايش يقول وهو يشوف عيونها تتسع بصدمه وتفكيرها راح لبعيد ، بعيد !
دارت فيها الدنيا ، توقعت أي شيء الا انه يكون محمد هو اللي يتبعها ، عيونها امتلت دموع ولسانها امتلئ حكي عجز يطلع .
رفع راسه وهو يقول : يا أم علي أنا " سكت لمّا لمح دموعها "
قال بنبرة طغت فيها عاطفته : لا لا لا رجيتش لا تبكي
زاد بكاها مع نبرة صوته المغلّفة بالحنان
مسحت دموعها وقالت : ليش تتبعني ؟
سكتت تاخذ نفس ثم أكملت : الحين بس فهمت ليش كنت تناظرني بهذيك النظرة
قال يفهمها : يا بنت الحلال ...
قطعته وهي تقول بحدّه : يعني اذا غاب عبدالله من جانب أصير لكم علكة ممكن تلوكوها
بكره همست : بعيد عن عينكم
قال : خليني أفهمِش
قالت وهي تمشي قاصده بيتها : كل شيء واضح
ثم وقفت وهي تقول : والحق علينا اللي أمنّا فيك ، والحق على أبوي سعيد اللي يثق فيك ثقة عميا
بصقت على الأرض ثم همست : يا خسارة
خذ نفس عميق لمّا بصقت على الأرض ، حاول يهدّي من نفسه ، لكن ما قدر !
لولا الحيا لكانت بصقت فوجهه لكنها ما زالت مسوية له شوية تقدير.
تبعها بخطوات سريعة وهو يشوفها تبتعد عنه ، والغضب يشتعل داخله ، صحيح يحبها ويعزها ويحترمها ويقدِّرها ويشوفها فوق نساء الأرض لكن أنها تهينه بذاك الشكل أبداً ما راح يسمح لها !
وقف أمامها وقطع طريقها وعيونه تنظر لها بحدّة : انتي لازم تسمعي ولو بالغصب يا مدام
قالت بحدة : ابعد عن طريقي ...
بسخرية أكملت : يا محترم
بهمس غاضب قال : محترم و غصباً عليش
أخرج حزمة الفلوس من جيبه ورفعهن قدام عيونها : الحين جاي من البنك ساحب هالفلوس وجيت من ذا الطريق لأنه الأقصر بين البنك والسوق
أكمل بحدّة : العم سعيد متدين من شخص وهالشخص الحين يطالبه بالفلوس ، فاذا عطيتُه أنا ما راح يرضا فاذا تكرمتي عطيه إنتي .
مد لها الفلوس
في حين كانت هي تناظره بصدمة ، همست بعدم فهم : كيف يعني ؟
هدأ وهو يناظر عيونها ، قال بوضوح : اليوم كنت رايح لدكان العم سعيد وسمعته هو وشخص معه يتكلموا ، وكان ذاك الشخص يطالبه بفلوسه ، فعطيه انتي الفلوس رجاءً ، لأنه لو عطيته أنا ما راح يرضا ياخذهن ، وانا مسامحه عليهن من الحين ، ما راح أطالبه بشيء !
مد لها الفلوس من جديد وقال : خذي
الخجل اعتراها من قمة راسها لأخمص رجليها ، شكّت بالرجال ، وظنت فيه ظن سوء واتهمته بالباطل ، وبهدلته وشرشحته وهو قصده يساعد أبوها ( أبو زوجها ) لا غير !
امتلت عيونها بالدموع مرة ثانية ، بس كانت دموع خجل .
أخذت الفلوس برأس خاضع للأسفل و بدون ما تقول شيء ، ايش تقول أصلاً؟ ، ما لها وجه تقول أي شيء .
ابتسم وهو يتأمل حالها اللي انعفس وانقلب فوق حدر ، همس : تأمرين على شيء ؟
رفعت راسها ، وهزته بالرفض
هزّت أعماقه دموعها ، ومن دون شعور ، اقترب منها ، أربع خطوات تفصلهم عن بعض ، ثلاث ، ثنتين ، خطوة ثمّ وقف ، امتدت يده يريد فيها مسح دموعها لكنها توقفت هذيك اليد فنص المسافة !
نزّل يده وعيونه ، رص على قبضة يده ، وهمس : أنا أعتذر
أعطاها ظهره بسرعة ، ومشى قاصد الإبتعاد عنها بأقصى ما يمكن لا يرتكب شيء هو ما يريده .
أوقفه صوتها وهي تناديه : محمد
وقف وهو معطيها ظهره ، تجرّع ريقه ، هذا اسمه والا يتهيأ له ؟ ، هي نادته والا يتهيأ له ؟ ، هو جن والا ايش ؟
صد صوبها ، وشاف وجهها الصبوح قباله ، ابتسم بحب ، بود ، و عيونه تلمع ، تنطق بكل اللي في قلبه ، نفس النظرة اللي شافتها ذاك اليوم فعيونه تشوفها الآن ، بس مع كذا ما خافت مثل المرة الماضية بالعكس حسّت بأمان فقدته كثير فأيامها اللي مضت .
رد عليها بحب ما غاب عن صوته : لبيه
نزلت راسها للأرض ، تدوّر منها كلام ، رفعته وقالت بهمس : وأنا بعد أعتذر ، فهمتك خطأ سامحني !
هز راسه : الله يسامحش
قال بصوت تخللته كل عواطفه ومشاعره : انتي بالذات ، لو ايش ما تسوي ، قلبي ما يشيل عليش شيء !
الصدمة شلّت أطرافها
في البداية كانت نظراته ، لمعة عيونه وهو يناظرها ، ابتسامته ، نبرة صوته ، ويده اللي امتدت وكانت راح تمسح دموعها ، والحين كلامه هذا ... كل شيء يتتابع أمامها ويتكرر !
" إنتي بالذات "
" قلبي مايشيل عليش "
" إنتي بالذات "
"قلبي ما يشيل عليش "
صدى كلامه يتردد في أذونها مراراً وتكراراً
نظرت له بصدمه ، والابتسامة اللي كانت على وجهه أكدت له الشيء اللي يدور فبالها ، أكدت صِحة اللي شكّت فيه !
وضعت أطراف اصابعها على شفاهها بصدمة وشهقت تستوعب كمية المشاعر اللي انهالت عليها بدون ما يرحمها أو يرحم قلبها ، قلبها ضعيف على استيعاب الكم الهائل من العواطف اللي انصبت عليه !
ضعيف ما هو متعود على كِذا !
محمد يحبها ؟!
محمد جارهم يحبها !
محمد زوج سلمى يحبها !
صدرها يعلو ويهبط باضطراب ، تناظره بصدمة ، بدهشة ، بعدم استيعاب ، بتساؤل ، في حين كان يبادلها نظره حُب و وِد ، نظرة عِشق ، نظرة تُخبرها عن كل شيء تراكم فداخله من سنين .
انتبه لنفسه وقال وهو يحاول يتوازن : يا أم علي ما ظنّتي الفلوس اللي فيدش راح تكفي فلو تكرمتي امشي معاي الدكان ؛ مخبي لي مبلغ هناك
حاولت تتوازن... وما قدرت ، مشى أمامها و تبعته من دون شعور ، مشاعرها مُضطربة ، قلبها مُستنفر ، وكل هذا بسبب هاللي يمشي أمامها !
تساءلت ، من متى يحبها ؟ ، ليش هي بالذات ؟ ، ليش يحبها ؟؟ ليش ؟؟
دمعة تسللت من محجرها ، والنهاية كيف هتكون ؟؟
أما عن محمد فكان يلوم نفسه ، ليش انه سمح لمشاعره انها تبين أمامها بهالشكل ، سكوتها ، سكونها وهدوءها بذاك الشكل وتّره ، وما درى إيش يسوي بحاله ؟
مشوا فذاك الطريق ، يتقدمها محمد ببضع خطوات ، عن يمينهم أشجار النخيل تشهد لهم بكل اللي حصل ، عن يسارهم أيضاً أشجار النخيل تأكد لهم الشيء اللي صار منذ لحظات !
الشيء اللي ما عرفوه وهم يخوضوا في غمار عواطفهم ، أنه فيه شخص كان شاهد أيضاً لكل اللي حصل ، شاهد لإبتسامات محمد لها ، لنظراته ، لـ لمعة عيونه اللي تفيض بمشاعره المُحِبَة ، شاهد لكل شيء صار وحصل !
مشاعر الغضب انهالت عليه وأحقَنَت وجهه بالدم ، صدره يعلو ويهبط بمشاعر ممزوجة بين الغضب ، الحقد ، الكراهية ...... والانتقام !
يُتبع ،
تكملة البارت راح أنزلها فوقت لاحق
ممكن تقولوا لي توقعاتكم ومن مُمكن يكون هالشخص ؟
وايش اللي مُمكن يسويه ؟
.
|