الجزء الحادي عشر
تاريخ الإنسان يبقى ملازم له كـ ظله .. لا يفارقه إلا ساعة موته !
.
.
.
بعد 10 اعوام *
وقفت و انحنت قليلا لتكبس على زر التشغيل ,واخيراً عادت للجلوس
00:01
تنفست بعمق
و حالما فتحت شفتيها لتتحدث .. تاهت الكلمات عن مسار قلبها !
لذلك صمتت لفترة و هي تنظر الى كفها البارد ..
00:06
: انا كبدي تقريباً منتهية !
ابتسمت و هي تعيد فتح الجروح القديمة و تذر الملح على الجرح
: هي اصلن متضررة من و انا عمري سنتين . كان عندي الم بالأذن و الطبيب وقتها ما قصر وصف لي مضادات حيوية ، بإختصار أقذر نوع !
.
.
.
00:11
صمتت طويلاً ، لتطرق رأسها و ينساب شعرها القصير على وجهها , كانت كمن غاب عن الوعي .. طالت فترة جلوسها على تلك الوضعية ، و مرت الدقائق من ذلك الفيلم الذي لا تتجاوز سعته مدة ساعة واحدة
أعادت رأسها للخلف .. و تنهدت بعمق قبل ان تردف بصوت مبحوح و هي تنظر الى الكوب الحديدي الصدئ امامها
: مين كان يصدق اني كبرت و انا ما اقدر افتح قارورة الماي بدون مساعدة !
ضحكت بسخرية و هي ترفع الكوب بيد مرتعشة و تهزه امام العدسة قبل ان ترتشف القليل منه بتشفي !
.
.
.
00:19
وضعت الكوب بقوة على الطاولة ، و مالت بجسدها لتضع رجل فوق الاخرى بكل أريحية
ثم اردفت ببرود و فم مرتعش ..
: انا حاولت انتحر مرتين ..
: بنفس النوع القذر بس على جرعة اكبر !
سرحت قليلاً في سقف الاستوديو و كانها تحاول التذكر . بدأت الحديث و هي تحرك يد في الهواء و تتشبث بالكرسي باليد الاخرى لألا تسقط
: المرة الاولى ما اتذكر الكمية اللي اخذتها ، بس على ما يبدو انها ما كانت كبيرة لاني ظليت عايشة بعدها !
:كانت تجربة غريبة ، ما حسيت فيها لاني خضتها بدون شعور ، لكن شعور عن شعور يفرق , شعور ان روحي كانت راح تطلع مني وقتها ما انساه ! كانت اول تجربة عبارة عن فشل في مواجهة مشاكل حياتي !
ابتسمت ابتسامة باهته و هي تتلمس ذقنها
: اما المرة الثانية كانت جرعة الموت !
: كنت متأكدة اني خلال اقل من عشر ثواني راح اقول مع السلامة للحياة
هزأت رأسها بالنفي و هي تردف
: ما كنت حزينة ، بالعكس انا كنت مرتاحة و انا اودعني !
.
.
.
00:25
ضحكت بسخرية و هي تعتدل و تنفض الغبار عن ظهرها
: بس المفاجأة اني ظليت عايشة اكثر من 15 سنة بعدها
توقفت عن نفض الغبار و مالت برأسها , سالت دمعة على خدها الأسمر
: انا كنت حزينة لاني صحيت بعد يومين بخير و ما اشكي الا من الجوع !
: كانوا احلى يومين بحياتي لاني ما حسيت بأي الم فيهم !
.
.
.
00:37
ارتعشت شفتيها .. و شعرت بأن جسدها يتنمل بأكمله
شدت عليها معطفها القطني بقوة
أغلقت عينيها بقوة
و أحكمت عض وشاحها !
بدت و كأنها ستموت في الحال !
لكنها
و ببساطة
هدأت خلال خمسة دقائق
فتحت عينيها التي تحول لونها الى الاحمر ببطئ ، و أفلتت وشاحها لتقول ساخرة
: و انا بصحتي و بعافيتي .. ما كنت مهتمه غير بأقذر الامور ! كانت حياتي صفحة من سواد ، كل شيء كان عندي بس انا ما كنت قنوعة ! كنت مثل الغني .. الاعمى ! ، ما عمري ظهرت على الناس بحقيقتي علشان ما أأذيهم او أأذيني ! كنت احاول أتخلص من حياتي بحلوها و مرها .
سالت دموعها بعد فترة من الصمت
: و لما بدت حياتي تتحسن شوي شوي ، كان الوقت فات ، و ربي اخذ مني هالنعمة .. نعمة الصحة !
.
.
.
00:44
بدأت تضغط على صدرها و تتنفس بصعوبة
: انا ما هربت علشان اخليكم تحرصوا علي أكثر ، مو علشان تدوروني .. انا هربت لاني بغيت اطويكم من حياتي و ابدأ حياة جديدة
صمتت لبرهة ثم أشارت الى الجرح الكبير على عنقها
: انا انغدر فيني ! قابلت انسان بحياتي كان أسوأ لي من كل المضادات الحيوية !
بلعت ريقها و حركت يديها امام "الكاميرا"بعشوائية , كانت تتكلم بصعوبة : بس .. بس تعبت ........
.
.
.
انتهى الفيلم و قد كان طرف الشريط يصدر صوت مزعج كناية عن نهايته
علا صوت اكثر من عشرين شخص في تلك القاعة , ما كان يجمعهم هو انهم جميعاً تخرجوا من نفس الجامعة من تخصصات مختلفة ,كانوا يتهامسون فيما بينهم و البعض كان يكتب كـنوع من التوثيق , و آخرين - كانوا قد سجلوا الصوت - يعيدون تشغيله مرة اخرى
اما هو فقد وقف و صرخ بغضب ، كان على وشك تحطيم الفيلم
: كانت تبي تقول شيء مهم .. لي انا ! و انتهى الفيلم ! انتهى .. ليش انتهى
تقدم الى ناحية جهاز العرض العتيق -الذي وجدوه بصعوبة لدى بعض الزملاء- و طبطب عليه براحة يديه بقوة و كأنه سيعمل بعد الارتجاج الذي حصل له ! ثم عاد ليحمل إناء حلوى زجاجي من على الطاولة الصغيرة امامهم ، و هم برميه - لتتناثر نصف كمية الحلوى على الارض- الا انهم تجمعوا حوله ليمنعوه في آخر لحظة
.
.
.
و من خلفهم تجلس الدكتورة النفسية صابرين التي تعلو وجهها ابتسامة سخرية
: شو مسيو نايف شكلك من اللي انقال فيهم انهم اسوأ من المضادات الحيوية !
توقف عن مقاومتهم , رفع يديه بإستسلام و التفت الى صابرين , كان يفترسها بعينيه
: شوفو هديت..هديت يا جماعة , زيحوا عني شوي
تقدم ناحية صابرين ببطئ و لوح بأصبعه امام وجهها
: اذا اكتشفت ان في اي تلاعب بالفيديو, لا تلومي الا نفسك !
وادار ظهره ليهم بالمغادرة لكن قبل ذلك التقطت صابرين جهاز مكبر الصوت
: الشريط من النوع اللي مستحيل يتفبرك او حتى يتلاعب فيه يا فاهم !
:بعد ما ارسلته لي جيت جري على هنا , يعني ما لحقت اتلاعب فيه ,هذا اولاً !
:ثانياً مالي مصلحة اتلاعب فيه لأنه يخص حالة مريضة عندي !
صرخ احدهم : ليش ما بلغتي عنها من البداية لو كانت تهمك فعلاً ماعرضتي اسرار شغلك هنا !
و تعالت الاصوات و كأن صابرين كانت تحتاج لمزيد من الاعداء !
.
.
.
توقف على اثر كلماتها .. لكن ما ان انتهت حتى تابع السير , لم يعد يقوى على الرد
يكفيه صدمة واحدة لهذا اليوم ,ذاق ذرعاً من هذا الجو الخانق
سار ببطئ الى سيارته " الكورولا" بيضاء اللون
صعد اليها لكنه لم يدر المحرك
قرر فجأة بأن يفرغ غضبه في السجائر !
التقط علبة السجائر من جيب بنطاله , وضع سيجارة في فمه و رمى العلبة على الكرسي الجانبي
تلمس جيوبه بحثاً عن ولاعة , ثم فتح الدرج الاحتياطي بحثاً عنها , استغرق مدة دقيقة ليجد ولاعته الالمانية اسفل كومة اوراق
نظر الى العبارة المنقوشة عليها " لا تخنقني حبيبي"
تنهد بعمق , اشعل السيجارة على أية حال
كان ينظر الى الولاعة بين يديه , يتذكر ايامه القلائل معها
كان يدخن بشراهة ..سيجارة سيجارتين ثلاثة ..امتلئت السيارة بالدخان ففتح النافذة و هو يسعل
فتح باب السيارة و مدد قدمه , ما يزال سارحاً في صاحبة الولاعة
تذكر الفيلم .. رمى السيجارة و اغلق الباب .. ادار المحرك و مضى
كان يخاطب نفسه " كيف ما انتبهت على المكان اللي هي فيه !"
رفع هاتفه ليتصل بزميله : غسان .. معليش لا تقاطعني .. ابي منك خدمة ..تسلم.. دور لي على اقرب استوديوهات موجودة حول عيادة الدكتورة صابرين .. لا تسأل بعدين افهمك !
اغلق الهاتف و بدأ يفكر جدياً بـصابرين التي و لثالث مرة تعرض اسرار المريضة رقم 34 التي اكتشف انها و عن طريق الصدفة غيداء التي ضاعت قبل 15 عام !
.
.
.
# قبل يومين ~
# الساعة 8:55 صباحاً
: ارجوك تعاوني معي علشان مصلحتك , قرب وقت الجلسة يخلص و انا عندي مرضى غيرك
تنفسك بعمق تحاول كبح غضبها
: شوفي يا زين , بهدوء خذي نفس بالانف و خرجيه عن طريق الفم , مرة و مرتين و ثلاث لحد ما تحسي انك هديتي
كانت تتنفس بصعوبة من شدة التوتر
: اوصفيلي دوا اول
اعادت شعرها للخلف و صرخت بغضب
: انا قلت مافي دوا بعد اليوم لحد ما تتعاوني معي , حالتك من اسوأ لأسوأ
امتلئت عينيها بالدموع وتقوست شفتيها
: ما ... ماقدر .. خلينا نو..نوقف اليوم .
تنهدت و ربتت على كتف زين و هي تحاول اخفاء غضبها
: اسفة ..معليش
: خلاص معناها ارجعي البيت اللحين و براحتك سجلي فيديو كالعادة و قولي اللي نفسك فيه , او اكتبي بورقة اللي تبيه و ارسليه لي !
رفعت سماعة الهاتف لتصرخ على السكرتيرة : يا سناء اطلبي تاكسي للمريضة و تعالي خذيها !
.
.
.
# في مساء نفس اليوم ~
# الساعة 9:22
كانت صابرين تتمدد في صالة شقتها– المكونة من صالة جلوس و مطبخ صغير و غرفة بحمام داخلي - و تمسك اناء كبير من بوظة الفستق , كانت تلتهمه بنهم و هي تشاهد احد المسلسلات المكسيكية
سمعت صوت هاتفها يرن , و لكنها تجاهلته لأنها تعلم بأنها والدتها كالعادة تحاول الاطمئنان عليها
.
.
.
اندمجت في مسلسلها بعد ان انهت نصف اناء البوظة!
سمعت صوت الجرس , فنظرت الى ساعة الحائط التي تشير الى 9:22 بإستغراب "مين اللي جاي في هالوقت !"
ارتدت خفي القطن و سارت بإتجاه الباب , صرخت :مييييين ؟!
لم تردها أي اجابة ..نظرت من عين الباب لكنها لم تجد احد
فتحت الباب ببطئ و ارتطمت قدميها بظرف بني كبير امام الباب
ابتسمت بسخرية , قطعت الظرف بإهمال و كأنها كانت تعرف ما يحويه
انه الشريط الذي سجلته زين كالعادة !
دخلت و اغلقت الباب بقدمها
عادت لتكمل مسلسلها المكسيكي
رمت الشريط بأهمال و امسكت بأناء البوظة لتجهز على الباقي منه
صاح هاتفها مرة اخرى
ردت بدون ان تنظر الى اسم المرسل و صرخت : ايييييش في ماما !
: يوم الاربعاء بعد بكره بالقاعة الكبرى في جامعتنا , الساعة 6 المسا لازم تكوني موجودة !
ابتلعت ريقها
: عندي شغل !
:مو لمصلحتك تتأخري و لا تنسي شريط اليوم مرريه علي بكره !
اغلق الهاتف بدون ان ينتظر ردها
اغلق عينيها بقوة و عضت شفتيها لتكبح صرخة!
رمت اناء البوظة على الطاولة .. حملت الشريط بغضب لتهوي به بقوة على الارض
"ويتأمر علي !مين فاكر نفسه ! "
اغلقت مصابيح غرفة الجلوس و دلفت الى غرفتها , وضعت قناع البابايا على وجهها و نامت بعمق
.
.
.
استيقظت في الساعة العاشرة صباحاً على صوت الهاتف !
رمت قناع البابايا عن وجهها وقامت بتكاسل الى غرفة الجلوس, ردت اخيراً بعد ثالث رنة
: نعم .. نعم
: فين الشريط يا حلوة !
فتحت عينيها بصدمة الى اجزاء الشريط المتفتت , ابتلعت ريقها
: راح يوصلك ان شاء الله !
: اللحين مشغول ,انتظرك عالغدا الساعة 1 !
اغلق الهاتف كالعادة بدون ان يسمع ردها
تنهدت بعمق و ضربت جبينها بقوة "انا ليش كسرته بس ! شبسوي بهالمصيبة!"
رفعت الهاتف مرة اخرى
: صباح الخير نسرين , معليش تسكري العيادة و تلغي كل مواعيدي .
اغلقت الهاتف و جمعت قطع الشريط و وضعتهم على الطاولة
هرولت ترتدي ثيابها .. و خلال اقل من ساعة كانت امام محل العم ابوسعد
دخلت المحل كالريح و نثرت بقايا الشريط امام العم ابوسعد
: بليز بليز قول لي ان هالشريط ممكن يتصلح !
تخلخلت اصابعه داخل لحيته الشقراء
: آآآآ ...... راح ياخذ وقت !
: كم يعني !
: و اللهي على حسب متى راح ألقى نفس هالموديل , مثل ما تشوفي المحل كل الاجهزة اللي بيه جديدة
: انا احتاجه قبل الساعة 1 , حياتي تعتمد عليه !
: ما تعرف احد ممكن يخدمني يا عم؟
تنهد و هز رأسه .. تناول ورقة كتب عليها عنوان زميل له , ثم ناولها لصابرين
:شوفي اسبقيني على هالعنوان , بس تزودي العمولة
غمز لها و هو يجمع القطع في جيب مريوله
بتوتر اشارت اليه
: من عينيا بس يالله بسرعة !
: معليش اتصل بأبني الاول , اسبقيني المكان مو بعيد
.
.
.
على بعد ثلاثة شوارع و دوار مركزي كان يقبع محل زميل ابوسعد الذي يكنى بأبوغسان ~
# الساعة12:44
انحنى ابو غسان لـيهمس لأبوسعد:هالشريط غالي شوي يابوسعد!
: هي قالت راح تعطيك العمولة اللي تطلبها
نظر بخبث الى ابوسعد
: موهذا القصد
:الشريط هذا غريب و ممكن يدخل علينا ارباح فوق اللي تتصوره
: ما تشوفها متعلقه فيه !
: لكن
نظر الى صابرين من خلف زجاج المعمل بخبث
:لا لكن و لا شي , انا بس راح اقطع منه كم دقيقة !
.
.
.