كاتب الموضوع :
صّبا
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
الجزء الأول
الجزء الأول
تمنيت لو ان لي خطاً احمر اللون .. حينما اتخطى حدودي - يخبرني بأن لا اتجاوزه !
.
.
.
لم تستمع إلى كلمات والدتها التي كانت على عجلة من امرها لحضور حفل احدى صديقاتها - في ذلك اليوم
كانت ببساطة تكذب لتغطي امر تسللها كل ليلة إلى مكتبة والدها القابعة خلف المنزل !
و مع طلوع كل فجر كانت تنهي إحدى كتب التحقيق المثيرة , و احياناً إحدى الروايات المريعة التي تجعلها تدلف الى اسفل مكتب والدها و تقرأها على ضوء شمعة ..
و دائماً ما كانت تختبئ خلف جدار الكتب , الذي رممه جدها قبل موته و الذي لا يعلم عن وجوده .. سواها ! هنالك حيث كان جدها يخبئ محاليله و مختبره الصغير , الذي يقوم فيه بتجارب كيميائية على بعض الحيوانات المحنطة هناك !
و بالرغم من خوفها من الحيوانات المحنطة إلا انها تخشى غضب والدها اكثر ان اكتشف سر اطلاعها على كتبه و مكتبته لذلك تحشر جسدها النحيل هناك و تخلع اساورها الرنانة و تنظف المكان الخفي بين اللحين و الآخر .
و ها هي اليوم و كـ لعنة حلت عليها , اضطرت لإرهاف سمعها و التطفل على الحديث الحاد الذي دار بين اخوها عمر و والدها !
كانت و بلا شعور تقضم شفتيها , تتجاهل الشحنات الكهربائية في رأسها و التي سببت لها تشنجات تشابه إلى حد ما نوبات الصرع ! أدت إلى سقوطها على اسنانها بقوة .. بلا شعور كانت تذرف الدموع بكل خضوع و استسلام و تهمس بصوت خافت
: اختي .. أسماء !
كانت ذكريات الماضي تعود لها بالتدريج , و الصداع في رأسها يزداد .. و الطنين في اذنها مزعج لدرجة الصمم !
ترى طفلة بسن الحادية العشر , تضرب ضرب مبرح .. تلطم .. تركل .. تفقد الوعي .. و يسكب عليها الماء المثلج مرة تلو الأخرى .. حتى فارقت الحياة !
كانت ترى والدها الذي يبكي من خلف باب زجاجي و يركع بكل ذل امامه .. يصرخ .. يترجى .. و ينادي .. لكن لا حياة لمن تنادي !
كانت ترى رجلين يضربون ضرب مبرح بعد ان حاولوا الدفاع عن اختها أسماء , تراهم و هم يصارعون الموت و يتخبطون في دمائهم !
كانت ترى طفل بريئ يمسك بكم والدتها و يحتضنها و يصرخ بكل ألم , بكل فاجعة على اخته التي كانت قبل ساعات تلعب معه الغميضة ! ..
الآن تفهم .. الآن تستوعب .. بأن تلك الذكريات , ليست إلا جريمة قتل اختها !
بأن تلك الطفلة التي كانت تركل و تضرب بشدة .. ما هي إلا أسماء .. اختها !
*
كانت تدلك معصمها برقة و هي تذرف الدموع
بعد ان دفعها ذلك الرجل البغيض بقوة للخلف
تنظر الى والدها- هادف -بإستنجاد من خلف الزجاج
إلى والدتها , و إلى عمر اخوها الاصغر , إلى اختها غيداء التي كانت تدعك عينيها ببراءة و تبكي من بكاء والدتها
تترجى والدها بعينيها بأن يرحمها من هذا العذاب
تقدم منها ذلك الرجل و لكمها بقوة على وجهها
اندفعت بقوة للخلف ..
بدأت تزحف للخلف , تحاول الهروب من هذا الكابوس
لكنه تقدم مرة أخرى
ركلها في بطنها بكل قوته
كان ينتقم من والدها فيها
ينتقم من لمعة عينيها البريئة
من نظرات الفزع و الدموع
من كل الآلآم التي تسبب ذلك الرجل بها !
و مع كل ركله كانت تشعر بأن روحها ستخرج منها
و مع كل نظرة ترجي منها او خوف
كان والدها يموت ألف مرة
هو الآخر يشعر بأنه مجرد كابوس !
يضرب الزجاج بكل قوته
حتى دموعه جفت و لم يعد قادر على البكاء او الصراخ
: خذوني انا , انا .. راح اعطيكم كل اللي تبغونه .. خذوني بدلها !
صرخت برقة و صوت باكي
: خلاص , لا تضرب .. تعورني
و انكمشت على نفسها تحاول بذلك صده
كان عمرها حينها احدى عشرة عام فقط !
اقترب منها محاول رفع رأسها
امسك بشعرها بقوة و سحبه للخلف
نظر الى وجهها الملائكي للحظة
و قبل ان تثنيه شهقاتها الخافته
لكمها على وجهها
ظل يلكمها
حتى انسابت بين يديه فاقدة الوعي ..
و مع سقوطها .. سقط والدها هادف معها !
حتى صرخاتها في ذلك اليوم لم تكن مسموعة
بكائها كان وهم
و عذابها يمر في ذهنه كالحلم !
هكذا تصلب قلب والدها للابد !
.
.
.
صرخ في الحراس خلفه بغضب
: ماي بارد يال****** !
تقدم احدهما اليه بقارورة ماء للشرب
فتحها و سكبها في وجهه , ثم ركله ليسقط على الارض
: ماي مثلج ! مش أي ماي , ابي فيه ثلج , في سطل كبير خلال خمس دقايق !
ابتلع الحارس الآخر ريقه و عينيه تلمع خوفاً و حزناً على تلك الطفلة
همس لزميله و هو يسانده
: ماقدر اتحمل .. اذا صارلي شيء اهتم بأهلي !
ربت على ظهر زميله لينفض عنه الغبار , و ابتسم له
كانت كأنها ابتسامة وداع في ذلك اليوم
امسك زميله بمعصمه بقوة
: راح تودينا فداهية يا غسان , احنا حتى ما نعرف من هالبنت !
ابتلع ريقه و هو يبعد يده و ينهره
: لو كانت وحده من اخواتك مكانها , راح تسكت يا نايف ؟!
نظر بحزن له , عض شفتيه و اندفع إلى ذلك الرجل البغيض
ركله بقوة في منتصف الظهر !
ليسقط الرجل البغيض على وجهه و يصرخ شخص آخر على الجانب الآخر من الاستراحة
: يا ****** ! كيف تجرأت تلمس ولدي !
لـ يندفع سبعة حراس آخرين بإتجاه غسان و نايف
في ذلك اليوم .. تعلموا درس آخر ..
لا تندفع لفعل أمر يرضي ضميرك و تندم عليه طوال حياتك !
كادوا ان يفقدوا ارواحهم يومها حينما اشهروا السلاح عليهم
ضربوا يومها الى ان سبحوا في بركة من الدماء
حصلوا على العديد من الكسور , و الكثير من الرضوض
و قضوا ثلاثة اشهر في المشفى بعدها ..
و رغماً عنهم عادوا مرة أخرى الى الرجل البغيض !
أما تلك الطفلة
فلم تستيقظ يومها
لأن البغيض عاد يلكمها و يركلها بعد ان وقف مترنح اثر ضربة غسان
عاد ليلكمها و هو ينظر إلى غسان بتشفي !
و هي بإستسلام كانت خاضعه لكل الركلات
لكل الماء المثلج الذي يلقى على وجهها حينما تفقد الوعي
كانت مستسلمه لدموعها التي تنساب على وجهها و تسقط على الأرض
تنظر إلى النافذة .. و قد استبدلت نظرة الاستنجاد بالحزن .. فقدت الأمل في لحظة
بعدها بنصف ساعة .. لم تستيقظ أسماء
لم توقظها اسطل الماء المثلج التي سكبت عليها
و امامهم .. ماتت أسماء ,
و لفظت آخر أنفاسها و هي تنظر إلى والدها الراكع خلف الزجاج !
تنظر إلى كل العاجزين من الذكور في هذا المكان
لا يوجد رجل فيهم يستطيع ردع الوزير الحقير و ابنه البغيض !
.
.
.
*
.
.
.
توقف حديث عمر و والده هادف بعدما سمعوا صوت خشخشات , ظنوا للحظة بأنها لـ قطة في الخارج !
لذلك بكل هدوء اقترب من والده و حنى رأسه ليطبع قبلة حانية عليه و بنبرة رجاء يهمس
: اعفيني يبه تكفى .. حسناء بدر هاذي لا اعرفها و لا تعرفني , كيف اوصلها لقصر الوزير ! كيف اهتك عرض انسان علشان خاطر سلامة شخص ثاني .. صديقك هذا غلط و لازم يتحمل غلطته !
و بدون ان ينبس بحرف زائد , مشى بخطوات واسعة للخارج قبل ان يفتح والده الحديث مجدداً فـهو و لأول مرة يرى والده يخالف القوانين التي لطالما عاش حياته يتغنى بها ! والده الذي سقط لأول مرة من عينه , ذلك الشخص الذي كان يعتبره قدوته الأولى في الحياة ! لم يكن نقي كما يبدو حقاً !
.
.
.
اما هادف فقد بقي في المكتبة لعدة ساعات .. يفكر و يهذي في زوجته منال , في وعده لها بأن يحافظ على طفلتهم زينب ذات الثلاثة اعوام ..!
يرغب فقط في الوصول إلى حل مع الوزير
بعد تناقل فضيحة علاقته بأخت الوزير منال !
إلى حل مع المأساة التي يعيشها و هو ينتظر عودة ابنته ذات الثلاثة أعوام من زوجته بالسر منال – اخت الوزير - !
زوجته التي وجدت ميته قبل أربعة اشهر في شقتهم !.. زوجته التي عاش معها لـعشرة أعوام و ذاق معها معنى الحب لأول مرة .. زوجته التي تحمل في احشائها طفله الثاني منها ! ماتت .. و مات معها كل امل بعودة طفلته زينب التي لم يرها منذ أربعة اشهر !
أما الحل الذي وصل إليه الوزير .. و الذي بقي كـ هاجس مؤلم سيلاحق هادف للأبد
فـ هو إذلال رجل الشوارع الأكثر شهرة نايف بدر ! الرجل الذي قتل ابنه الأكبر قاسم خلال عراك شوارع قبل عدة سنوات بعد خروجهم من الثانوية !
عن طريق اخت نايف , حسناء !
.
.
.
|