الجزء الثالث
انا الشخص الوحيد الذي يشعر بأنه ليس وحيد .. بالرغم من انه وحيد !
بعد اربعة سنوات *
كانت تستعد من اجل حفل خطوبة ابنة خالتها عفراء غداً
علقت فستانها الزهري المزركش و المرصع بأحجار ملونة و اللؤلؤ الطبيعي على جسدها , ألقت عليه نظرة اعجاب و رمت قبلة لنفسها في المرآة *
متحمسة جداً فهي لم تخرج منذ خمسة اشهر سوى إلى السوق مع والدتها .. و على مدى اربعة سنوات لم ترى العالم الخارجي سوى ستة مرات و قد دونتها بكل تفاصيلها في مذكراتها ! شكل العمال هناك و نوع البضائع , بدون ان تعرف حتى أي شيء عن موقع منزلهم من هذه المنطقة ! بدون ان تعرف حتى عن العالم الخارجي او التطورات التي طرأت عليه !
و على مدى سنوات بعيدة قضتها في التنقيب خلف والدها و الانغماس في الدراسة المنزلية , ظلت شخصيتها البريئة على ما هي عليه .. كـ طفلة تقوم بما يملى عليها .. كـ طفلة لا تحتاج إلى كل ما يحتاجه شخص في مثل سنها في الرابعة عشر , بل كـ طفلة لا تحتاج سوى عطف من حولها و حب والديها !
اقامت علاقة وثيقة مع الكتب , و مختبر جدها .. مع حديقة المنزل و اشتهت ان تشرب القهوة المرة مثل والدها او حتى تدخين سيجارة مثل اخوها عمر !
حملت كتاب استعارته من مكتبة والدها يتحدث عن الظواهر الغريبة حول العالم , و قد وصلت إلى الظواهر الغريبة في روسيا , متحمسة جداً ف هذا القسم هو الافضع و الأكثر اثارة بالنسبة إليها في هذا الكتاب ! حتى ان والدها كتب عليه ملاحظاته الشخصية بقلم احمر
انطلقت بجسدها النحيل لترمي نفسها على سريرها القطني بين الوسائد الملونة .. ظلت تقرأ حتى وقت متأخر من الليل .. إلى ان غلبها النعاس , و نامت و الكتاب على وجهها
.
.
.
استيقظت باكراً في الساعة الخامسة لتصلي الفجر
ابعدت الكتاب عن وجهها البريئ
ببيجامتها الزهرية الفضفاضة من الاسفل و الضيقة من الاعلى
كانت تتحرك ببطئ بإتجاه دورة المياه في آخر الرواق
ها قد انتهت من الوضوء و قد دب الحماس في جسدها
اليوم ستخرج اخيراً !
بدأت بـ اخوها عمر حيث ايقظته للصلاة و طرقت الباب على والديها ثم قبلت رأسيهما طمعاً في رضاهم
.
.
.
و على ثنايا سجادتها حيث كانت تشعر بالدفئ .. بدفئ الجلباب , و دفئ الايمان و السلام النفسي
في ذلك اليوم ,كانت متسامحة جداً مع نفسها
بالرغم من انها لا تعلم لماذا شاهدت في عقلها فتاة صغيرة تضرب و تعذب !
ذرفت الكثير من الدموع و هي تطلب العفو من رب العالمين و السلامة لأهلها
.
.
.
لم يسعها الوقت لتنهي تجهيزاتها للذهاب لمنزل خالتها , فـ اشيائها متناثرة في الغرفة هنا و هناك !
ألقت نظرة على كتاب لا عنوان له وجدته في مكتبة والدها و هي تنظف المكتبة في الأمس
كانت مندهشة من وجود مثل هذا الكتاب لدى والدها , فوالدها رجل عسكري لا اهتمامات ادبية له , لكنه لم يكن مجرد كتاب !
.
.
.
كنزت جميع الاشياء التي ستحتاجها في شنطة سفر صغيرة
احكمت لف حجابها , و حملت الكتاب و هي تقول بداخلها " سـ اقرأه في السيارة "
كان منزل خالتها على بعد ساعة و نصف من منطقتهم
اليوم مهم , لأن ابنة خالتها ستصبح على ذمة شخص آخر غير زوج خالتها !
ستصبح أمرأة ابتداء من اليوم !
.
.
.
# الساعة 8:32 صباحاً ~
قطب حواجبه
: ليش كل هالاغراض يا بابا
ابتسمت بمرح , و تعلقت بيديه بخجل
:لأني راح انام ببيت خالتي اليوم , بليز بابا بليز
طوقها بذراعيه و ابتسم بحنو
: يا حبيبتي انتي ما عادك صغيرة , و عيب اسيبك هناك حتى لو بيت خالتك.. اولاد خالتك كبار اللحين
اخفضت رأسها بيأس , بعد تلك الكلمات المقنعة لا تعتقد بأنه سيغير رأيه فمنذ اربع سنوات مضت لم يعد يسمح لها بفعل الكثير من بينها المبيت لدى خالتها !
تلك هي سياسة والدها , ان كان مقتنع بالامر فلن يثنيه عنه احد , كما انه على حق
: و لا يهمك يبه
وقفت على اطراف اصابعها و قبلت رأسه
: بس تجيني عالساعة 11 ؟
ضحك و هو يضمها اكثر
: يعني راح تستغليني ببوسة , امشي بس اسبقيني عالسيارة
ابتسم لزوجته التي كانت تلف طعام الغداء من اجل زوجها , و تنهد بعمق
: كبرت هالبنت يا سلمى
اقشعر بدنها , و توقفت عن التوضيب
نظرت اليه بشيء من الخوف , وهمست بجدية
: قبل صلاة العشاء تجيبها البيت
اقتربت منه بوجهها المحتقن
رفعت رأسها , نظرت الى عينيه مباشرة
و تساقطت دموعها فجأة
و بدأت تضربه على صدره كنوع من اللوم
: انت السبب .. و اذا صار لها شيء ما راح اظل يوم واحد هنا
كان يمسح على ظهرها بهدوء و يهمس
: مايصير خاطرك الا طيب
: اهدي
.
.
.
: يبه انا راح اجلس ورا
ابتسم و هو يطرق نافذتها
: انزلي انزلي , اجلسي قدام سولفي معي
قفزت بين الكراسي بجسدها النحيل الى الكرسي الجانبي لوالدها
: كنت حابه اقرأ كتاب بس قلت بابا المسكين ماله غيري
ضحكت بخفة
كان يرجع بسيارته للخلف
وقبل ان يتخطئ المنزل , مال على غيداء و احكم وضع حزام الامان
: اكيد ياحلوة الحلوات من لي غيرك , علشان كذا اليوم الساعة 8 لازم نكون بالبيت !
تقوست شفتيها و مالت برأسها على النافذة
معترضة على حرص والدها
و مضربة عن اسلوبه الحنون
تجاهلها فهو يعلم بأنها ان نبست بحرف سيخل بوعده لزوجته امام وجه غيداء البريئ
لذلك ظل صامتاً طوال الطريق
الى ان وصلوا امام المدخل الرئيسي لمنزل خالتها
# الساعة 10:15 صباحاً ~
اطلقت غيداء سراحها من حزام الامان
و دلفت لمنزل خالتها بدون ان تودع والدها
اما هو فقد تنهد و خرج ليوصل حقيبتها
و يلقي التحية على نسائبه
و قبل ان يغادر
اوصى خالتها عليها
و شدد على عدم خروجها من المنزل!
.
.
.
# الساعة 6:50 مساءاً ~
كان امام المنزل
و بين الحضور
ألقى السلام و هنئ نسائبه
و طلب غيداء للعودة للمنزل
لم تستهويه فكرة ترك ابنته هنا لوحدها
لذلك قرر اخذ اجازة لهذا اليوم
و راح يساعد نسائبه في تجهيز حفل عقد قران ابنتهم
.
.
.
كان يجلس في سيارته بإنتظارها
مرت خمس دقائق
شاهدها تودع خالتها بحزن
: سلمي على كل البنات خالتو .
: ان شاء الله ياقلبي
قبلت جبينها
: سلمي على ماما و اخوانك ,طيب ؟
: يالله حبيبتي لا تتأخري على بابا
كانت تمشي ببطئ
و تتوقف تارة و تلتفت للخلف لتلوح بيدها لخالتها
مال بجسده ليفتح لها الباب الامامي
إلا انها تجاهلته و فتحت الباب الخلفي
: السلام عليكم
ابتسم حينها
: وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته
: فينها .. فينها ؟ فينها
كان يشير الى خده الايمن
اما هي فقد اجابت بضجر
: ميين
قوس شفتيه
: بوسة المسا !
اشاحت بوجهها للنافذة
و بدأت تبكي بصمت
تنفس بعمق قبل ان يقول بجدية
: نور الشوارع يطفي بمنطقتنا بعد صلاة العشا
: و تتجمع الناس المش كويسه حول المنطقة
: ماما خايفة عليك
لم يسمع اي رد
لذلك التفت للخلف
كانت تغط في نوم عميق !
ابتسم و ادار المحرك ,قال في نفسه " يالها من طفلة "
.
.
.
# الساعة 7:56 مساءاً~
كانت غيداء قد استيقظت
بقت صامته طوال الطريق
وبخفة اخرجت الكتاب من جيب الكرسي
كان كتاب غريب حقاً
للوهلة الاولى تظن انه مجرد كتاب ممل من مقدمته الطويلة
لكن ما ان تتخطى المقدمة حتى تفقد نفسك بين طياته
هنالك الكثير من الكلمات الكبيرة التي لم تفهمها
و هنالك الرسوم و الخرائط , و صور لبعض الاماكن
و الجثث !
.
.
.
كانوا قريبين من المنزل
سيصلون اليه بعد اجتياز منحدر صغير , و طريق وعر !
و هم على بداية الطريق الوعر
صرخت غيداء
لأول مرة تشاهد صورة لجثة
و لو انها انتبهت على التعليق اسفل الصورة لعلمت
بأنها جثة اختها أسماء ,التي لا تبدو كأختها في هذه الصورة !
بينما التفت والدها للخلف بتعجب
: ايش في غيداء ؟
خبئت الكتاب داخل سترتها
و ابتلعت ريقها
-كانت تلك اول كذبة لها طوال سنواتها ال14 الماضية !-
: مافي شي , كا... كابوس بابا !
زمت شفتيها , و ارجعت رأسها للخلف
.
.
.
وبينما نظرات والدها تتفحصها
اشارت لوالدها للأمام بتعجب ..
التفت والدها ليرى رجلين يدخنون السجائر بشراهة في سيارة جيب قديمة الطراز بين الحشائش !
اعشاهم نور السيارة الامامي لأبوغيداء فتوقفوا قليلاً و استقاموا
احدهم كان مألوف لوالدها لدرجة انه همس بصدمة : نايف !
.
.
.
اما الرجل الآخر القريب من جهتها .. كان ينظر بإتجاهها , الى وجهها , يدخن و يتأملها بهدوء بعينيه الحادة
ثم يميل برأسه و يغمز لها !
في حين صرخت غيداء بعد غمزته مفزوعة , و هزت كتف والدها بعنف
: يالله بابا .. يالله
.
.
.
تحرك والدها بالسيارة و عبر الطريق بصمت
كان مشغول بالرجل الذي شاهده قبل قليل
متجاهل نداء غيداء المتكرر
كانت تتذكر نظرات ذلك الرجل الغريب و تشعر بالقشعريرة تسري في جسدها
.
.
.
وصلوا المنزل اخيراً في الثامنة و عشرة دقائق
كانت ام غيداء تنتظرهم من خلف الباب
سبقها والدها للداخل , كان لديه حديث مهم مع والدتها لدرجة انهم اكملوا الحديث خلف الباب !
اما هي فقد خبئت الكتاب داخل سترتها و اخفته بأطراف الشال
واخيراً لحقت بوالدها للداخل
كان نقاش والدها و والدتها , و اخوها الاكبر حاد جداً
فصرخاتهم ارعبتها حقاً
لم تفهم اي كلمة لذلك
فضلت ان تبتعد و تدلف الى داخل المنزل
لكن
بلا سابق انذار
طُرق باب المنزل بعنف
واندفع الباب بقوة ليرتطم بالجدار
ليدخل نفس الرجلين !
.
.
.