ثم تكلم بيل بعد لحظة خالتها هى دهراً, و قال له مبتسماً:
ـ آسف يا سيدى, كنا نتحدث معاً فى انتظار عودتك فهناك شئ أود التحدث به معك.
ـ أحقاً؟ أنك لست معتاداً على استشارتى فى مشكلاتك, على أى حال’ سأراك فى وقت لاحق, إلا إذا كان الأمر ملحاً.
تراجع بيل إلى الوراء و قد خبت ابتسامته و بانت الحيرة فى عينيه و قال مغمغاً:
ـ ليس امراً مهماً و بوسعى أن آراك فى وقت لاحق كما تقول.
تمنت ليزا بيأس لو أنه يُظهر شجاعة أكبر! أنه لا يجرؤ على التلفظ بكلمة لحرصعه على نيل الترقية, و لدى مغادرته الغرفة قذفها بنظرة عنت و لا شك أنه سيتصل بها قريباً.
و ما أن أغلق الباب خلفه حتى قال سيمون بصرامة:
ـ تعالى إلى مكتبى يا ليزا, اريد لتحدث معك.
تعمدت الابطاء و هى تقوم بالاستعدادات اللازمة, عاودتها شجاعتها و مع ذلك تفادت النظر إلى عينيه و اختلج فمها قليلاً بفعل التوتر السابق, و راحت تعبث فى الدرج كى تضيع الوقت, فقال ملتفتاً إليها بحدة:
ـ ألم أطلب إليك ألا تسرحى شعرك بهذه الطريقة؟
ألا يخطر له أن للآخرين أيضاً مشاكلهم الشخصية؟ لا ريب أن معظم الرجال يلاحظون مظهر المرأة إلا أن قلة منهم تظهر هذا الانتقاد الساخر, سيمون ردفورد يختلف عنهم حتماً, و هو إذا تزوج فسيكون من النوع الذى يوقظ زوجته فى منتصف الليل لينتقد أنفها اللامع! و بدل أن تُطرب لسخريتها الخاصة احست بتقلص فى اعصابها حين التفتت بسرعة إلى جسمه المتين, فكرت فوراً, أنه إذا أيقظ زوجته فى ساعة كتلك فليس ليتحدث عن أنفها مهما كان جذاباً!
انتظر حتى مرت من أمامه ثم أغلق الباب بلطف, هذه الحركة الهادئة كان يجب أن تنذرها بأن مزاجه ما يزال سيئاً لكن موجة الغضب المحضة التى كانت تمتطيها حالت دون ذلك. ازاح لها كرسياً و لم ينتظر جلوسها, ثم طقطق كرسيه برهبة حين ألقى ثقله عليه, قال:
ـ اليوم تناولت الغداء مع لورا تنسون, اعتقد أنك تعرفينها؟
ـ لورا تنسون!
ابتلعت ريقها الجاف و سحبت يديها من على المكتب لتضغط بهما على معدتها, لقد توقعت حصول شئ كهذا أنما ليس بهذه السرعة و ليس بهذه الطريقة المفاجئة التى لم تتج لها أى فرصة لتعزيز خط دفاعها. اومأت بصمت و لم تستطيع ازاحة بصرها المأسور فى عينيه البراقتين. أما هو فتابع يقول بقسوة:
ـ أخبرتنى أنك كنت تعرضين لوحات للبيع فى متجر والدها صباح يوم السبت, لم أشأ لأن أصدقها, لكنى أطلب إليك الآن أن توضحى لىّ الحقيقة؟
تشبثت بشرارة الغضب التى أندلعت فيها فجأة و قالت حانقة:
ـ لم أكن اعرض لوحات للبيع و لا يحق لـ لورا تنسون أن تقول لك ذلك, كان يجب أن أدرك أنها ستركض إليك بالخبر لكونها واحدة من صديقاتك الحميمات!
أخرسى! تذكرى أنك مجرد سكرتيرة لىّ و هذا لا يخولك انتقاد أصدقائى!
تجتبت بتعثر و شبه اختناق:
ـ لكنك تعطيها الحق بأن تنتقد أصدقائك! ألا أعتبر ابنة خالك؟
ـ من المفترض أن تكونى قريبتى.....أجل, هذه حجة جيدة و سأدخل فى تفاصيلها عندما أجد الوقت للقيام بالتحريات الكاملة حولها. لم تقصد الآنسة تنسون أن تنتقدك شخصياً. قالت فقط أنها سرت لرؤيتك و اعربت عن أملها فى أن تتكلل مهمتك بالنجاح, انما اريدك الآن يا عزيزتى ليزا أن تطلعينى على حقيقة القصة.
ـ لا يجب أن تصغى باهتمام إلى كل ما تسمعه, لقد تدخلت لورا بما لا يعنيها.
ـ لا تدخلى لورا تنسون فى الموضوع!
ـ أخبرتنى أنها تشعر بالوحدة لأنكك سافرت إلى لندن.
ـ ليزا, هل لك أن تصمتى؟ لست مهتماً بما قالته.
ـ بل يهمك ذلك فأنت تردد اقوالها عنى و تقذفنى بها عمداً.
و على حين غرة أظلمت السماء فى الخارج و تبع ذلك قصف رعد قوى, حتى هذه اللحظة كانت الحرارة خانقة منذ الصباح و حين التفتت صوب النافذة رأت قطرات المطر الأولى تضرب الزجاج, قريباً ستتحول إلى سيل جارف يرافقه مزيد من الرعد. احتاجت جسمها النحيل رجفة تلقائية. أنها لا تخاف العواصف إلا إذا رافقها برق و رعد, لكن ما يخيفها أكثر هو احتمال أن يكتشف سيمون ما تعانيه من خوف داخلى مزلزل.
و فى محاولة منها لضبط اعصابها قلصت يديها على حافة المكتب فابيضت مفاصل أصابعها لفرط المحاولة.
حدق سيمون فى يديها المتقلصتين أنما أخطأ فى تفسير السبب إذ عاد يرمق وجهها و يقول:
ـ لقد توسلت البائعة أن تأخذ تلك اللوحات, هل تنكرين ذلك؟
ـ ما كانت لتأخذهما لو لم تتأكد من جودتهما. ثق أنى لم أضطر إلى التوسل.
ـ ليس هذا المهم, تهمنى خلاصة الموضوع و هى أنك فى ضيق مالى.
ـ كلا, لست كذلك.
ـ بل ستقبلين ببزيادة الراتب!
تأججت عيناه الداكنتان و رن صوته كالفولاذ فى ارجاء المكتيب متناغماً مع هدير العاصفة فى الخارج.
كان الرعد يقصف من بعيد ثم اجفلت ليزا حين لمعت السماء فوق البنااية. يجب أن تهرب قبل أن تشتد العاصفة و يفتضح أمرها.
ـ هل أنت خائفة؟
توردت خجلاً من جبنها و من نظرته المتمعنة, اجابته و هى تتنفس عميقاً و تحاول التحكم باعصابها:
ـ بالطبع لست خائفة.
ـ إذن لنعد إلى قضية الراتب.
ـ لا أريد مطلق زبادة يا سيمون. أمى فنانة موهوبة و هى ترسم منذ سنوات و تبيع لوحاتها. فكرنا فى المخزن كسزق جديد و ليس فى ذلك ما يدعو إلى الخجل.
ـ أحس بوجود لغز ما و اعتزم التوصل إلى حله, فحدسى لا يخيب ابداً يا عزيزتى ليزا......اذا اردت سيدة أن تبيع شيئاً برضائها التام فهى تبيعه بنفسها بدل من أن ترسل ابنتها الصغيرة لتقوم بالمهمة عنها.
ـ أنا لست بنتاً صغيرة.
ـ ألم يترك لها سيلاس مالاً على الاطلاق؟ لم يوصِ لها بشئ فى وصيته أنما كان بإمكانه أن يؤمنها بطريقة أخرى.
ـ قلت قبلاً أنه لم يترك شيئاً.
ـ أخبرتنى أنه لم يكن يدفع لك زيادة الراتب على حدة, أنما لم أذكر وضع أمك.
قطبت محتارة و عجزت عن تذكر ما قالته له بالضبط. يا له من ثعلب!
أجابته بضيق و جمود:
ـ لا أرى أية فائدة من هذا النقاش يا سيمون, ليس هناك ما يدعوك إلى الاهتمام بشؤون أمى. لقد تحدثنا قبلاً عن الوصية و يبدو أنك تريد الآن أن تعرف إذا كنا قد اقتنصنا مالاً بطرق أخرى.
ـ أن محاولة مساعدتك اشبه بضرب الرأس على جدار حجرى, أنما سأقول ما يلى, إن ارادت أمك أن تبيع شيئاً فى المستقبل فلن أمانع بتاتاً فى ذلك, لكنى سأمنعك أنت, يا عزيزتى ليزا, أجل, سأمنعك.
لمست فى كلماته بعض الوحشية الخفية فحدقت إليه مرتعشة حائرة ثثم وعت مقصده فاحمرت وجنتاها و هبت واقفة و هى تهتف بانفعال:
ـ لا يحق لك أن تصدر إلىّ أوامرك! إن سمعة الشركة لا تتوقف على طريقة تصرفى, و أنا لست طفلة لتتملقنى تارة و لتؤنبنى تارة أخرى! عجزت عن احتما نظرته المركزة فقالت باختناق:
ـ أنى ذاهبة, لقد تأخرت كثيراً عن موعد الانصراف.
لم تع أن سيمون قد دار وراء مكتبه و تقدم منها إلا حين شعرت بيديه تمسكان كتفيها و تجذبانها إليه مما اضطرها إلى اخفاء وجهها على صدره .
قال لها بصوت متهكم و رقيق فى آن:
ـ إذن أنتت خائفة! لم يخطر لىّ ذلك لكونك مخلوقة استقلالية إلى حد بعيد.
استمرت العاصفة تولول خارج الغرفة و تحيل الطقس الصيفى مناخاً شتوياً بالرغم من استمرار الحرارة. ارتجفت بين ذراعيه و قد بدأت تحس بهما حولها أنما لازمها الرعب بسبب البرق المتواصل, ثم شعرت بيده تلامس قفا عنقها, و سرت فيها موجات متلاحقة من الاثارة حين افلت شعرها المعقوص باصابع خبيرة فانسدلت دفقاته الحريرية على كتفيها. ازاح الخصلات الكثة عن جبينها و قال مهدئاً روعها:
ـ قد يساعد إرخاء شعرك فى تخفيف توترك, حاولى أن تسترخى لتشعرى بتحسن:
ـ أفلتنى, أرجوك. لا موجب لأن تحتضنى.
أدركت من خلال رعبها أن عليها أن تقاومه إذ حذرتها غزيرة ما بأنه لا يقل خطراً عن العاصفة....لا ينبغى التورط معه مهما كانت النتيجة مغرية لأن اى هناء مؤقت قد تحسه بين ذراعيه سيؤدى بها إلى الشقاء, لكن ما اصعب مقاومته فهو يمتلك جاذبية عجيبة ترغمها على التجاوب.
ـ لا تتحركى, أنت شابة غريبة يا ليزا إذ تدفعينى أما إلى معانقتك أو إلى ضربك كطفلة عنيدة, أى من الطريقتين تفضلين؟
ـ لا هذه و لا تلك.
أخذت العروق فى عنقها تنبض بجنون فحاولت الافلات منه. دوى الرعد قاصفاً فشعرت أن سيمون اشد خطورة منه, و لحظتها تحركت الغيوم السوداء خلف النافذة سارقة من جاعتها الكثير فتمسكت اصابعها تلقائياً بياقة سترته, فقال بهدوء:
ـ هناك خيار ثالث قد تتقبلينه, سآتيك بشراب.
ـ كلا, كلا.
أخذ قلبها يخفق كطائر أسير بين ضلوعها, هناك شئ واحد تتوق إليه, حنينها الجارف و الذى يجب أن يمر بسلام قبل أن يفطن إليه.
كانت مسحوقة بين ذراعيه و تشعر بأمان غريب من غضب العاصفة الخارجية انما تحس ايضاً أنها معرضة للعطب بفعل رغباتها الداخلية.
ـ تحتاجين إلى ترياق يا عزيزتى ليزا. أنا أحاول أن أكون لطيفاً. إلا أنك لا تتركين لى الخيار, أنه لاغراء شديد الوطأة على مطلق رجل لكنك لا تتجاوبين مع الأساليب اللطيفة, إذن سأختار الاساليب العنيفة.
ادار وجهها صوبه ثم عانقها مجدداً.
و سرعان ما ابعدها عنه قليلاً ليتأمل ردود فعلها و ليلفتها إلى نتائج اثارتها له بهذه الطريقة, تقلصت يداه على ذراعيها و قال هامساً:
ـ هل سبق و اقمت علاقة مع رجل يا ليزا؟ يمكننى أن احرز اشياء كثيرة عنك أنما يستعصى علىّ فهمك من نواح كثيرة.
ـ أن كنت قمت بابحاثك كما يجب فحرى بك أن تجيب نفسك على السؤال .
ـ يفترض من السكرتيرة الماهرة أن تزود رئيسها بكل المعلومات.
قالت و هى تهز رأسها بعناد و تحاول السيطرة على اعصابها:
ـ أحياناً لا ترغب فى ذلك.
ـ لقد أخفقت فى اختيار الزمان و المكان المناسبين, لابد أنى بدأت أفقد مهارتى. فى المرو المقبلة لن أقع فى هذا الخطأ. أنا واثق من شئ واحد, هو أنك لا تنفرين منى يا ليزا.
منتديات ليلاس
اجفلت إذ استطاع بهذه الكلمات أن ينتشلها من جمودها. رأت فى عينيه نظرة عميقة القرار و حركت حفقات قلبها و أثارت فى أعماقها خوفاً غريباً. يبدو أنه توصل إلى استنتاجاته الخاصة بالنسبة إلى خبرتها العاطفية السابقة. ارتعدت برداً بالرغم من حرارة الجو و حرارة قلبها, إذا عاد القرار إليها فلن تكون هناك مرة أخرى....نواياه واضحة, بل هى واضحة منذ البداية و هى الملومة لأنها عميت عنها.....أنه جذاب أيضاً إلى حد الخطر و واثق بالتالى من الوصول إلى غاياته. هل كان هذا ما يقصده عندما تحدث عن الاتفاقات؟
كم يخيفها سحره هذا لأن تعقلها يخونها حالما تصبح بين ذراعيه.....
قبل أن يتمكن من إيجاد فرصة أخرى عليها أن تجد طريقة لترك الشركة نهائياً.....فى الوقت الحاضر, قد يكون من الأفضل أن لا تفعل شيئاً من شأنه أن يثير شكوكه.
انسحبت باحتراس من بين ذراعيه و نظرت صوب النافذة. ثم اغتصبت ضحكة قصيرة و قالت :
ـ لقد هدأت العاصفة, قد تنجح الأساليب العنيفة فعلاً, أما الآن فعلى أن أعود إلى بيت.
ـ لدى موعد عشاء لكنى سأتمكن من ايصالك. لا أريدك أن تتعرضى للبلل.
لم يكلمها سيمون كثيراً بعد مغادرتها المكتب, ربما لانشغال ذهنه بموعد العشاء, هى أيضاً لاذت بالصمت لفرط توترها و احساسها بالشقاء.
عذبها شعور معين بأن سيمون قد بدأ يغزو مشاعرها بشكل لا يروقها, إذا لم يكن لها مفر من الوقوع فى الحب, فلماذا لا تتعقل و تحب, على الأقل, شاباً غير معقد غرار بيل برايت؟ لكن عناق بيل لم يثر فيها أياً من الأحاسيس التى يثيرها سيمون....قطبت محتارة و هى تعبر الدرب بسرعة...كيف بلغ بها الحمق إلى حد اختيار الرجل غير الملائك لها بتاتاً؟ لقد وجدت فى سيمون ردفورد ملاذاً أميناً لكنه قد يكون اشد فتكاً من العاصفة بل قد يكون اعصاراً لا يقاوم من شأنه أن يقتلع قلب أى قلب بقوة و قسوة.
وصلت البيت فلم يجد أمها هناك. و ما أن نزعت معطفها و قبعتها حتى رن الهاتف فالتقطت السماعة بشئ من الشرود و قالت: "آلو, بيل....كنت فى طريقى إلى البيت, تأخرت بسبب المطر, أن كنت تخابر بشأن السهرة غداً فسأذهب معك. أما الآن فيجب أن أتناول شيئاً من الطعام."
اقفلت الخط بسرعة ثم وقفت تحدق إلى السماعة و هى تحاول أن تتذكر ما قاله سيمون بالضبط عندما نزلت من سيارته....لقد قال: "أن كنت ستخرجين مع بيل مساءً غد فليكن ذلك للمرة الأخيرة, إذ لا أحب أن يشاركنى أحد سكرتيرتى مثلماً لا أحب أن يشاركنى أحد صديقاتى الحميمات."
هزت كتفيها بلا اكتراث و ركضت إلى الطابق العلوى.
رأت مونيكا تقف فى الردهة و هى ترتدى مريول الرسم الملطخ بالدهان. بدت أسعد حالاً بالرغم من شرودها البسيط, فتساءلت ليزا فى نفسها, كيف ستتصرف عندما تنقل إليها وجهة نظر سيمون حول بيع اللوحات للمخازن التجارية؟ قال لها مونيكا:
ـ تلقيت اليوم رسالة من اوستراليا....
و هنا اخرجت مونيكا رسالة رقيقة من جيبها و قالت :
ـ أنها من عمتك. استغرب أن تكتب إلى بعد مرور هذه السنوات, و يبدو أن رسالتها طافت نصف ارجاء البلد قبل أن تصلنى. أنها حائرة فى امرها و تسألنى رأيى, هل أذهب أنا لزيارتها أم تأتى هى بنفسها. أنى أعرف عمتك جيداً, و هى, على الأرجح, ارادت التأكد من جودى على قيد الحياة, قبل أن تشد رحالها إلى انكلترا.
ـ لكنكما لم تريا بعضكم منذ أمد طويل. ألا تظنين أن الوقت قد فات على استجماع الخيوط من جديد؟
ـ لست ادرى, كنا فى الواقع ننسجم مع بعضنا بعضاً و هى كانت أول المشجعين لىّ على تجربة الرسم, كانت تعتقد أنى موهوبة أضافة إلى مناخ اوستراليا الجميل. اذكر أنها وقعت فى حب رجل يكبرها سناً و عندما فشلت فى حبها, رحلت إلى أحدى المناطق النائية حيث تسلمت وظيفة تعليمية.....حسبما اذكر, و بقيت هناك.
ـ هل كان والدى شقيقها الوحيد؟
ـ أجل, عندما توفى اعلمتها بذلك فى رسالة اجابتنى عليها, و لما تزوجت ثامية أعلمتها ذلك ايضاً و ارسلت لها عنوانى إلا أنها انقطعت عن مراسلتى, كان يجب أن أحاول الاتصال بها مرة اخرى, لكنى انشغلت بسعادتى آنذاك و بقيت أؤجل مراسلتها إلى أن نسيتها كلياً.
ـ إذن لم تريها منذ سنوات بعيدة؟
ـ منذ عشرين سنة تقريباً, كنت أنت فى الثالثة عندما رجعنا, و قبل ذلك بسنتين كانت هى قد غادرت المدينة.
قرأت ليزا الرسالة و اعادتها إلى أمها سائلة أياها بفضول:
ـ اتودين العودة إلى اوستراليا؟
صعب على ليزا أن تشعر بأى لهفة تجاه عمتها التى ا تعرفها و كثير من الناس قد يستغرب موقفها هذا. ربما تشعر هكذا لأنها غارقة فى مشكلاتها الخاصة فى الوقت الحاضر.....فمنذ أن جاء سيمون إلى بيرمنغام ما عادت تستطيع التفكير فى أى شئ آخر, و قد يثبت هذا أنها باتت تهمل أمها فى الآونة الأخيرة......و وخزها ضميرها فأردفت تقول بلهفة:
ـ قد يفيدك أن تسافرى فى إجازة.
أشك فى أن باستطاعتى ذلك, احب بالطبع أن أرى عمتك, كما أن رسالتها دلالة على شوقها إلىّ, لكن كم أين أحصل على ثمن التذكرة؟ لا أستطيع كذلك أن أدعوها لأن أكرامها سيتطلب مالاً لا نملكه.
تنهدت ليزا بكدر و تبعت أمها إلى المطب. لقد نسيت وضعهما المتأزم فى غمرة اهتمامها بارضاء مونيكا, و هذه الرحلة تكلف غالياً إلا إذا سافر المرء عن طريق السباحة! ابتسمت و قالت بخفة:
ـ لِمَ لا ندعوها إلى هنا؟ نستطيع تدبر أمورنا بشكل ما.
ـ عزيزتى ليزا, متى ستفكرين بعقلك؟ إذا جاءت هنا فسوف يكتشف سيمون أنك ليست ابنة خاله الحقيقي, و قد يبادر بالتالى إلى طردنا من البيت, و بدون هذا البيت لن نتمكن من استقبال احد و على الأخص زائرة من اوستراليا.
ـ إذا استطعنا أن نسدد دين المخزن و أن نجد مسكناً آخر فلا يعود مهماً سواء اكتشف سيمون الحقيقة أم لم يكتشفها!
ـ لا يمكننا أن نسدد الدين بسرعة, فاليوم فقط بدأت رسم لوحة جديدة.
ـ إذا استطعت أن تجدى عملاً لفترة مؤقتة فلربما ساعدنا ذلك على إيفاء الدين بسرعة كبيرة, ثم أن راتبينا مجتمعين قد يمكناننا من دفع القسط الأول ثمن بيت صغير يغنيننا عن السكن فى بيوت الآخرين.
ثم اضافت بابتسامة خفيفة:
ـ قد تستطعين أيضاً أن تسافرى إلى اوستراليا.
ـ لقد تكلمنا كثيراً ى هذا الموضوع من قبل. تعلمين أنى لا أنجح فى الأعمال الخارجية فليست لدى أية خبرة محددة و سوف يستحيل علىّ البدء فى عمل أجهله, إلا إذا كنت تتوقعين منى أن أعمل فى المخزن لبينما اسدد الدين لأصحابه؟
ـ بالطبع لم أقصد ذلك يا ماما, أنسى الموضوع!
ـ إضافة إلى ذلك أنا أحب مهنة الرسمو لابد أن تريحنى مادياً فى يوم ما.
ـ ألا ترين يا ماما أنه يتوجب علينا الاحتراس طالما أن لورا تنسون مهتمة بالموضوع؟
ـ لم تذكرى من قبل أنك رأيتها هناك.
ـ آسفة كان يجب أن أن أفعل أنما خشيت أن أقلقك. الفكرة جاءت منى فى الأساس و لم يخطر مطلقاً أنها ستذكر الأمر لـ سيمون.
ـ هناك اناس يعجزون عن ضبط النستهم. انما لا أفهم اضطرار فتاة مثل لورا إلى الاهتمام بما نفعله. فـ رونالدو تنسون مليونير تقريباً.
ثم رمقت ابنتها بنظرة سريعة و قالت باهتمام:
ـ إذا شئت, سأخذ اللوحة التالية بنفسى, لن أطلب إليك إلا أن تسوى الأمور عنى فى قسم المحاسبة.
نهاية الفصل السابع