تضرجت و شعرت بحرارة تلهب وجنتيها. كان يجب أن تعلم أنه لن يترفع عن تذكيرها بفضله عليها باساليبه الذكية المبطنة. التفتت إليه بسرعة و هى تشعر بكره تجاه سطوته الفائقة. لابد أنه يتلذ بالهيمنة على العدو و يجعله يقف دائماً على سلاحه! لقد ذكرت أمها مخابرتها لـ سيمون لكنها نسيت ذلك, صوبت بصرها إلى عينيه و قالت بصوت بارد:
ـ لقد بينت لىّ جحودى فى مرة سابقة يا سيد ردفورد, و أظن أننا توصلنا وقتها إلى اتفاق مرضى للطرفين.
ـ إنها وجهة نظرك الخاصة يا عزيزتى ليزا, و لا أريد أن اسمعك تنادينى السيد ردفورد.
لمست فى صوته وعيداً معيناً إلا أنها تجاهلته. لقد سمعت هذه النبرات المرهبة من قبل و استطاعت أن تتخطاها, شمخت بذقنها المستدير لتفهمه رفضها لمحاولاته التخويفيه و قالت:
ـ اعتقد أنى احافظ على دورى فى الاتفاق, و هو على ما أذكر أن استمر فى العمل معك.
ـ ألا تتسائلين ابداً عما أجنيه من ذلك؟
قالت بما يشبه اللهاث:
ـ لا أجد ضرورة للتساؤل, انك تستمتع باحراجى, أن كان هذا ما تقصده, لا شك أنك تستمتع بتسلطك على الناس لتتمكن من تحربكهم كاحجار الشطرنج.
استرخى على مقعده برشاقة كسولة و قال:
ـ معاذ الله! أنك تضعيننى فى قالب الدكتاتور الطاغية! كان يجب أن تعترفى بالحقيقة و تقولى أنى اثيرك بعض الشئ.....احرك جملة مشاعر تفضلين أن لا أثيرها فيك, و بعضها لا علاقة له بالعمل بتاتاً.
اتقدت عيناها بوهج غريب و قالت متململة:
ـ
ـ يبدو و كأنك درست نفسيتى باهتمام. من المحتمل أنك اسأت فهمى تماماً.
ـ لا أعتقد ذلك. أن كنت اعطيت نفسك الحق بات تقيمنى فيجب أن تسمحى لى بأن ابادلك مجاملتك بمثلها.
ـ هذا تصرف سخيف!
ـ لا أعتقد ذلك, انما سننتظر المستقبل لنتأكد, و فى حال ثبت أنى كنت مخطئاً فسوف اعترف بخطأى.
ـ لكنك تظن نفسك معصوماً عن الخطأ!
تعمق بريق عينيه و قال بصوت مؤنب بعض الشئ:
ـ التهكم لا يليق بالسيدات يا ليزا.
رفعت فنجانها بيد متوترة و احنت رأسها فوقه لتهرب من تحديقه الساخر...يجبب أن نغير الموضوع لأن الحوار اتخذ منحنى خطراً بالنسبة إليها. أحست أنها خارج اعماقها و أنها عاجزة عن احتواء خبرته العاطفية الطويلة. كان عليها أن تقيمه بدقة, كما اقترح, لكن تعليقه بعيد جداً عن الواقع, بل هو مزحة الموسم! فكيف ستتمكن من فهم هذا الرجل الشديد الغموض؟ استطاعت فقط أن تفهم شيئاً واحداً, شيئاً ترفض الاعتراف به,هو أن سيمون يثير مشاعرها بشكل ما و إلى حد ما, و قد أثار غضبها حدسه لهذه الحقيقة, قالت فى الأخير لتقطع الصمت الموحش:
ـ قلت أنك جئت لتحدثنى بموضوع معين, هل نسيت ذلك؟
ـ كلا, لم أنس, كدت اقرر أن اتركه إلى فرصة أخرى إنما لم أحسب حساباً لفضول الانثى.
احست باسترخاء فورى فابتسمت لكونها فهمت نكتته الواضحة هذه و التى خلت من نبرات التهديد السابقة. اجابته بخفة و مرح:
ـ من واجبات السكرتيرة أن تذكر رئيسهابين حين و آخر.
ـ هذه عادة يجب أن تقتصر على المكتب فى نظرى.
على كل فالموضوع يتعلق بالمكتب. أو بالاحرى بعمللك نفسه. متى آخر مة حصلت فيها على زيادة راتب؟
استدارت لتتفرس فى وجهه و سألت بارتباك:
ـ زيادة راتب؟ ما الذى يحملك على السؤال؟
ـ كفى عن المناورة يا ليزا. أريد جواباً صادقاً. لم أشأ أن استوضحك الأمر فى المكتب تهرباً من تجسس الآنسة براون.
ـ لم أقصد أن أناور فهناك أشياء لا يهتم المرء بتذكرها. اعتقد أنى لم أحصل على زيادة منذ بضع سنوات.
ـ ليزا.....لم يمض على عملك إلا ثلاث سنوات! لقد راجعت السجلات.
فهتفت حانقة و هى تقذف شعرها الطويل إلى الوراء:
ـ أنك مولع بالمراجعات, أليس كذلك؟
ـ عند الضرورة فقط........
ـ إذن لابد أنك عرفت الآن. بعد تمحيصك للسجلات, أنى لم أحصل على مطلق زيادة.
مرر يده على جبينه و قال:
ـ لم تطالبى! أتعنين أن الزيادة عرضت عليك لكنك تمسكت بكبريائك السخيفة و رفضت قبولها لآن سيلاس قريب لك؟
ـ كنت قانعة تماماً بما لدى, فـ سيلاس آمن لىّ سكن مريح هنا.
ـ لكن النقص فى راتبك كان يفوق هذا المقابل.
ـ أمى كانت تعيش هنا منتديات ليلاس ايضاً.
ـ موضوع أمك شئ آخر فهى كانت تقوم باعباء عديدة تشمل إدارة البيت و إقامة الحفلات و المآدب. وجودها هنا وفر على سيلاس مالاً كثيراً و لا ريب, لأن دعوة الناس إلى المطاعم تكلف غالياً.
أنه يجعل الأمر يبدو غاية فى الموضوعية فيما كان سيلاس يعتبرهما فردين من العائلة.
قالت بجمود:
ـ لقد اظهر الكثير من كرم النفس إذ اسكننا معه بعد وفاة والدى, و ما توقف يوماً عن إكرامنا.
ـ لكنه لم يتكارم معك أنت إلا إذا.......
توقف قليلاً ثم اردف بنبرة حادة:
ـ هل فعل ذلك يخفف عنه ضرائب الرواتب؟ هل كان يضع زيادتك على حدة و لا يدونها فى الدفاتر؟
ـ و كيف تجرو على كلام كهذا! كان ذلك آخر شئ يفكر فى فى فعله و كان آخر شئ أوافق عليه أنا!
اومأ بفتور و قال دونما اعتذار:
ـ الآن اتضحت لىّ الأمور. سيزيد راتبك ابتداءاً من هذا الأسبوع. سيزيد كثيراً جداً, سأرى ما يمكننى فعله.
و فجأة سعت نفسها تتوسله قائلة:
ـ لا, أرجوك. أرجول ألا تفعل شيئاً! لا أريد أى زيادة يا سيمون. أننا نسكن هنا مجاناً. أعتبر فارق الراتب مقابل ببدل الإيجار. لا أبغى أكثر من ذلك.
فاستوضحها بصوت أملس كالحرير:
ـ ماذا عن نفقاتك المعيشية؟ حتى لو كانت أمك مؤمنة مادياً فلا أظنك تفكرين فى الاتكال عليها من هذه الناحية.
ـ راتبى الحالى سيغطى نفقاتى.
صمت سيمون فالتفتت إليه بسرعة لتجده يحدق إليها مفكراً. اشاحت بصرها سريعاً فيما هوى قلبها بين جنباته, أى هراء هذا الذى قالته؟ لماذا تفكر بهذا الأسلوب اللاواقعى؟ صحيح أن أمها تحتفظ بمبلغ ما, لكنها لا تعرف رقمه كما أن أمها أظهرت تردداً فى التحدث عنه بعد وفاة سيلاس.
إلا أنهما استطاعتا تدبير الأمور لغاية اليوم, و إذا تضايقتا مادياً فيمكنها عندئذ أن تجد عملاً مسائياً و قد تبع أمها مزيداً من اللوحات التى كانت تباع بأثمان جيدة فى ما مضى. مهما حدث فمن الضرورى ألا تعتمد مادياً على سيمون بأى شكل. نظرت إليه ثاية و لم تضف شيئاً إلى جوابها السابق. قال بإيجاز و قد قرر على ما يبدو أن يقفل الموضوع:
ـ ليكن ما تشائين لكنى قد ابحث الأمر مع أمك.
ـ كــــــــــــلا!
منتديات ليلاس
هبت واقفة بلمح البصر و تمسكت بذراعه باندفاع تلقائى. لا يجب أن يفعل هذا فأمها ستقبل منه أى شئ, و سوف تدوس على كرامتها مقابل أن تظل تعيش مرتاحة فى هولوز آند. كررت و هى تشد بأصابعها على ذراعه:
ـ ارجوك, فقد تثور أعصابها.
ـ قد تفعل لكن الغضب ضرورى احياناً. على أى حال, إذا احتاجت إلى أية مساعدة يا ليزا, أريد منك وعد بأن تأتى إلىّ.
ـ لـــــمـــــاذا؟
وعت فجأة أنها تتمسك بذراعه فارخت يدها كما لو أن لمسته قد احرقتها, ثم اردفت تقول بلا تفكير:
ـ يمكننى دائماً أن أقصد بيل.
ـ كلا! لن أسمح لكى بذلك!
لمست فى نبرته مصيبة وشيكة مع أنها لم تجد لها مبرراً. أرتاه لا يميل إلى بيل برايت أم يعتبر أن رفقته لا تليق بفتاة تجرى بعروقها حفنة صغيرة من دم آل ردفورد؟ حمدت الله بحرارة على عدم قرابتها لهذه العائلة و كرهت شعور سيمون بأنه مسئول عن حمايتها بسبب شئ غير موجود فيها. ازاحت شعرها إلى الوراء كعادتها كلما شردت و هتفت بنزق:
ـ أنت تتصرف بغاية السخافة, إنما لا موجب لقلقك فأنا لن اجتاجك و لن احتاج سواك من الرجال.
ادركت مدى تهورها حالما انهت كلامها فبدأت تبتعد عنه لتحمى نفسها إلا أنه اعتقل ذراعها و قال و هو يغرز اصابعه فيها ليؤكد صدق كلماته:
ـ بل تحتاجين رجلاً يا ليزا لكنك تخافين من الرجال أو على الأقل تتعاملين معهم بحذر شديد, لماذا ياترى؟
ـ أنك تتكلم بالألغاز. أنى بحكم عملى, اختلط بالرجال طوال الوقت و استمتع برفقتهم كأى فتاة أخرى. ثق أنى لا أشكو من أى نقص فى التجاوبات الطبيعية.
ـ كم يسرنى أن أسمع ذلك.
ـ أنت لا تصدقنى!
ـ ليس تماماً, إنما هناك طريقة واحد لاكتشاف الحقيقة.
تأخرت ليزا فى تحرير جسمها من قبضته إذ ضمها إلى صدره بحركة سريعة قوية. ضغطت كفاه ظهرها بدفء و حزم من خلال ثوبها الرقيق, و قبل أن تحاول الافلات ثانية رفع ذقنها و اقترب من وجهها فإذا بالنار التى كانت تستعر بهدوء فى عروقها تهب مشتعلة و تهدد باحراقها كلياً.
كانت لمسته لطيفة بادئ الأمر كأنه يحاول فقط أن يداعبها, أما انفاسه الدافئة و الخالية من أية بادرة عاطفية فقد دلت على انضباط تفتقده ليزا.
فهى لم تشعر من قبل بمثل ما تشعر به الآن, ليس مع بيل و لا مع أى شاب سواه, أنها تترنح تحت فيض عاطفى متدفق و تشعر بحيرة مذهلة و ردود فعلها الخاصة, شئ فى داخلها ادرك أن هذا ما كانت تنتظره. و مع ذلك فقد احست بصدمة خفيفة ازاء تجاوبها السريع.
أنها تلتصق به بدل أن تبتعد عنه فيما قلبها يخفق بجنون و بتناغم مع خفقات قلبه عبر قميصه الحريرى الرقيق.
ـ قلت أنك قادرة على التجاوبات الطببيعية و أنا قلت أنى سأحاول اكتشاف الحقيقة.
فشهقت كمن يهذى:
ـ لن اعترض على كلامك.
اوقفت مقاومتها و ظنت أنها قد تجد الأمان إذا استكانت بين ذراعيه.
سقطت خصلة من شعرها على خدها و تركته يزيحها بنفسه لعجزها عن الحركة.
اقترب منها و قال برقة:
ـ انك ترتجفين و لا موجب لذلك, عليك أن تتقبلى هذا كدرس مفيد لفتاة تبتدئ تعلم الحب.
ابعدها عنه بلطف كما لو أنه لا يريد افلاتها. كانت ترتجف على الرغم منها و هى تعود ببطء إلى أرض الواقع, لقد خاضا معاً تجربة حسية عنيفة حيث امتزجت المتعة و الألم فى بوتقة واحدة, فيما بقى الباب موصداً على هذا العالم المجهول الذى لم تستعد بعد الأن لتتورط فيع.
و كأنما استشف سيمون ترددها الباطنى فارخى ذراعيه و قال بلطف:
ـ لنسر خطوة بعد خطوة. أما الآن فقد حان موعد نومك. إلى اللقاء غداً, و تصبحين على خير يا ليزا.
لم ينتظر جوابها بل خرج فوراً من الغرفة و أغلق الباب وراءه باحكام فما استطاعت أن تفعل شئ لتمنعه من الانصراف.
منتديات ليلاســـــــــــــــــ