كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: 8 - المكابرة – مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
لم يكن ذلك بالأمر السهل. هذا ما أتضح لـ ليزا عندما غادرت الآنسة براون إلى مايوركا بعد يومين, و فور ذلك بقليل رن الهاتف ليعلمها بأن سيمون ردفورد فى طريقه إلى الشركة.
ـ من المفترض أن يصل بعد الغداء.
كان صوت سكرتيرته فى لندن صافياً و هادئاً جداً, و قد أعطى صورة واضحة عن كفاءتها المصقولة كحجر ماسى.
أقفلت ليزا الخط و لكن ظلت تسمع رنين تحذير فى أذنيها. انتابتها رعدة برد و راودتها فكرة مجنونة فى أن تكتب استقالتها بسرعة و تفر هاربة, إلا أن قلقها الدائم على أمها تغلب تهورها و منعها من تنفيذ الفكرة. من الحمق أن يستبد بها الذعر قبل أن تتعرف شخصياً إلى سيمون ردفورد.
أن المسافات كثيراً ما تشوه الأصوات و تعطى انطباعات خاطئة, و الفتاة التى كلمتها قبل لحظات, غريبة عنها تماماً. و إذا كان سيمون يحرص على توظيف ناس أكفاء كسكرتيرته فلا يعنى هذا بالضرورة أن يكون هو نفسه دقيقاً و صارم اللهجة مثلهم.....فها هى تصوره وحشاً حتى قبل أن يصل!
لكن تحليلها هذا لم يخفف من توترها العصبى مع مرور الساعات.
و بعد أن تناولت غذاءها المقتصر عادة على الساندويش وقفت أمام المرأة المشققة التى تزين احد جدران غرفة الحمام المهملة, تتفحص مظهرها لم تجد ما تبحث عنه من تطمين إذ بدت عادية الشخصية بالمقارنة مع مظهر الآنسة براون الواثق و قامتها المستقيمة كقصبة طويلة راسخة. أما هى فصغيرة الحجم و نحيلة. شعرها الكستنائى كثيف يبدو فاقد الحيوية بسبب مرضها و فى أمس الحاجة إلى تسريحة جديدة, و لذا عصقته فى عقدة خلف رأسها. عيناها أجمل ما فيها ربما....فهما زرقاوان واسعتان و مائلتان إلى أعلى عند الجانبين كأعين الصينين تقريباً, لكن بشرتها, كما الحال مع شعرها, خالية من اشراقتها المعتادة. شفتاها؟ حدقت إليهما بارتياب و لم تتعز كثيراً بجاذبيتها....مظهرها ككل, بعيد كل البعد عن احداث انطباع فعال. تنهدت باستسلام غادرت الغرفة.
أطل بيل برايت و هو أحد المهندسين المدنيين فى قسم أعمال الشركة الخارجية من فتحة الباب, و عبس باستياء حين زفت إليه ليزا الخبر, سوف ينقله بدوره إلى الموظفين فى قسم المحاسبة و هكذا يوفر عليها المهمة. و قالت تحذره مقطبة الجبين:
ـ قد يجرى بعض التغييرات على الأرجح هنا أن لم يقرر بيع الشركة.
اختفت ابتسامته الزاهية و أغلق الباب خلفه. ثم تقدم من مكتبها قائلاً برصانة:
ـ الشركة فى حاجة إلى تغييرات جذرية فى رأيى, لقد سمعت لتوى أن شركة بولتون قد نالت المناقصة فى مشروع بناء المسابح فى ليتل ملتون فقدناه. و بحسب ما فهمته يا عزيزتى ليزا لم يتسلم أصحاب الشأن عرض مناقصتنا, أى أنه لم يرسل إليهم أبداً! و هذا التقصير سوف يغضب رئيسنا الجديد.
التفتت إليه ليزا قلقة. أن بيل برايت مهندس موهوب فى آواخر عشريناته و يعمل فى الشركة منذ عامين. و بالرغم من تصرفه الموحى بالمرح و اللامبالاة إلا أنه ينزعج اشد الانزعاج من تقصيرات كهذه تسبب فى خسارة العقود. و هو كان يأخذ على سيلاس ردفورداهتمامه المتضائل لما يجرى. هذا ما استنتجته ليزا من تعليقات بيل الغريبة خلال زياراته المتكاثرة إلى المكتب منذ أن بدأ سيلاس يتقاسع عن الخروج اخيراً قالت:
ـ دعنى أفكر. أنى اتذكر بوضوح أنى وضعت الأوراق فى صندوق البريد, إذن لابد أنها أُرسلت. أذكر أيضاً أن السيد ردفورد راجعها بإمعان.
منتديات ليلاس
ـ لكن الشركة تؤكد أنها لم تتسلم مناقصتنا. ألم يتأكد أحد من صحة الأمر؟
قطبت ليزا و قالت بتردد:
ـ لا أدرى تماماً. قد يكون السيد ردفورد فعل ذلك إلا أنه كان يسهى فى معظم الأحيان أما الآنسة براون, فلو أنها علمت ذلك لاعلمتك حتماً.
ـ لكن الآنسة براون طيب الله ذكرها ليست هنا لنعرف الحقيقة منها, و علينا أن ننتظر عودتها من حيث هى موجودة.
ـ إنها فى مايوركا و لا موجب لان تتهكم يا بيل, الأخطاء تحدث احياناً لكنى متأكدة أن الآنسة براون ليست هى المسؤولة عما حدث.
ـ الآنسة براون لا تحمل مسؤولية أى خطأ و أظنك مصيبة يا ليزا فى تأكيدك على كفاءتها. لكن كيف تفقد مناقصة كهذه استهلكت منا جهداً كبيراً؟ اتراها ادرجتها فى إضبارة الألغاز المستعصية الحل؟ كل ما أرجوه أن لا تقع المصيبة على رأسى.
جلس على حافة مكتبها و تابع قائلاً:
ـ لا أعلم أن كان الرئيس الجديد أكثر ذكاء من العجوز الراحل. و لكنى آمل أن يكون كذلك لمصلحة الجمميع!
ـ هذا اجحاف منك يا بيل و أنت تعرف ذلك!
استغربت ليزا دفاعها الفورى دون أن تدرى سبباً له. فالعدل يقضى بأن تقر بفضل سيلاس ردفورد عليها و لو عبرت عن ذلك باظهار وفاء خارجى. لقد عالمها و عامل أمها بمنتهى الكرم بالطريقة التى ناسبته. صحيح أنه ابتعد عنهما عاطفياً فى أيامه الأخيرة و لعل تدهور صحته كان السبب.
و قد يكون اعتلاله سببا لجموده و تكاسله, و إلا كيف يفسر فقدان عقد هام و تدهور العامل العام بصورة تدريجية فى الشركة؟ و تابعت تقول:
ـ كان سيلاس حاذقاً فى عمله مكباً عليه بنشاط, لكن لا أحد منا أدرك, على ما يبدو, أنه تقدم فى السن. و كما قلت سابقاً, قد يعمد أبن أخيه إلى بيع الشركة و ل1ا لا جدوى من استمرار النقاش. من يدرى فقد توظف قريباً فى شركة أخرى.
ـ ربما.....
هز الشباب كتفيه باستخفاف و شرعت ليزا ترتب مكتبها. راقبها بإمعان إذ بدا له سطح المكتب لماعاً و لا يحتاج إلى تنظيف. تلكأت نظرته على يديها النحيلتين ثم نظر إلى وجهها و قال مبتسماً:
ـ إن كنا فى معرض تبادل النصائح فأشير عليك بالاسترخاء. أن أصابعك ترتجف.
اضطربت و تقلصت يداها على دفتر الملحوظات. ثم لاحظت نظرة الدعابة فى عينيه فابتسمت له قائلة بصراحة:
ـ أشعر بصعوبة التركيز, و لكنى لا أستطيع الجلوس بلا حراك فى انتظار وصوله.
قال بيل و هو يحدق إليها مفكراً:
ـ لديك كل الحق. ما رأيك لو تناولنا العشاء معاً هذا المساء؟ أنت بحاجة إلى الاسترخاء....نحولك شديد و أعصابك متوترة و لا أريدك أن تذوبى بالتدريج.
ـ لقد نقص وزنى مؤخراً انما ساعوضه قريباً, فلا داعى لان تغرقنى بالمديح!
زمت شفتيها بشئ من الاغراء كى تكسب الوقت إلا أنه أدرك قصدها و عاد يقول بالحاح:
ـ لا عليك من ذلك. ما رأيك بالعشاء؟ أنت ماهرة يا عزيزتى فى التملص منى انما ثقى أنى لن أدعك تتهربين إلى الأبد.
حدقت إليه متوردة الوجه و اهدابها ترمش بحيرة. ترى لماذا يخيفها الحاحه بدل أن يفرحها؟ أنها توده و تستمتع برفقته لكنه بدا يتقرب منها بجدية. أنها تعتز بصداقتهما البرئية لكن هذه العلاقة بدأت تتغير مؤخراً من جهته. بيل شاب دمث الرفقة و كلاهما يتمتع بروح دعابة تعزز صداقتهما إلأا أنها تشعر فى اعماقها بأنه بدأ يحبها فيما عواطفها تجاهه بقيت كما هى.
فى أعماقها شعور ارتهاب ليس بالجديد عليها و اعراضه مألوفة, انكماش غريب فى أى ارتباط يتعدى العلاقة البسيطة و نفور متأصل من من أى لمسة حميمة تتخطى حدود الضرورة. هذا الشعور طالما حاولت أن تخفيه عن الآخرين و أن تتجاهل وجوده فى نفسها, احساسها بحاجة متزايدة إلى علاقة حميمية تقيمها مع رجل ثم تعجز فى الوقت نفسه عن التجاوب بعمق بين ذراعيه. احيانا تلؤم على تربيتها المتزمتة لكونها زرعت فيها هذا الانكماش الحساس الذى يروق لها من نواح و يزعجها من نواح أخرى.
منتديات ليلاســــــــــــ
|