كاتب الموضوع :
black star
المنتدى :
القصص المهجورة والغير مكتملة
رد: احببتك اكثر مما ينبغي.. للكاتبه أثير عبدلله النشمي
جاء السادس من يونيو هذا العام بنكهة مختلفة ، كنت قد
قضيت أعياد ميلادي الخمسة الماضية بمعيتك .. اعتدت على أن
أقضي اعيادي معك يا عزيز .. لطالما كنت هدية عيدي ! .. دائما ما
كنت أرى في خوف النساء من التقدم بالعمر ما يثير الخسرية !..
لطالما آمنت بأن المرأة تغدو أجمل كلما تقدم بها العمر .. كنت
أؤمن بأن المرأة تبدو في أوج وقارها وجمالها وطغيان حضروها في
الأربعينيات من عمرها .. إلا أنني بت أخشى الكبر فجأة بعدما
تخليت عني .. بت أخشى أن أكبر من دونك أو أن أكبر مع غيرك ..
لا رغبة لي بالكبر مغ غيرك يا عزيز ، على الرغم من كل ما طالني
منك ، إلا أني لا أرغب بأن أكبر مع أحد سواك .. فإما أن أكبر
معك وإما أن لا أكبر .. لكنني أكبر وأكبر ! .. أكبر من دون أن يتغير
شيء من دون أن يتحقق شيء ، أو أن يستجد شيء .. أكبر وأنت
كما أنت ، تعيش بلا خوف وكأنك رجل لا يكبر !
كنت في كل ليلة عيد أنام وقلبي يرقص ، كنت أستيقظ في
الليلة أكثر من مرة لأتأكد من أن الصباح لم يطل بعد . كنت أنتظر
مفاجآتك لي كطفلة وعدها أبواها بهدية نجاحها !..لكن عيدي هذا
لم يكن كسابق أعيادي .. نمت تلك الليلة وفي نفسي خوف من أن
أكبر اكثر ! .. استيقظت متأخرة على غير عادتي ، وجدت في صندوق
رسائلي عشرات الرسائل .. من عائلتي ، من صديقاتي ، من زملائي ،
ومنك !..
كتبت لي : ( كل عام وانت وجع قلبي .. هديتك على الباب ) ..
هرعت إلى الباب مرتدية ملابس نومي .. فتحته لأجد أمامي
قفص في داخله قطة بيضاء صغيرة يكاد ألا يتجاوز عمرها
الأسبوعين .. كنت قد تركت على القفص بطاقة حمراء كتبت لي
فيها :
كنت رقيقة كالسماء ..
كنت نقية ..
جامحة كمهرة أصيلة ..
جميلة كقطة شقية !..
دافئة كقهوة الشتاء ..
كنت لذيذة ..
يافعة ، شهية !..
وقد كنت أعشق كل ما فيك ..
عينيك ، كتفيك ، شفتيك ..
ابتسامتك البريئة ..
اسئلتك الغبية !
وسأظل أفعل يا جمان .. عيد ميلاد سعيد ..
كانت القطة .. جميلة وناعمة لدرجة مست قلبي ، أغرمت بها
منذ أن وقع نظري عليها .. دخلت بها إلى هيفاء التي تخشى القطط ،
قفزت عن السرير وهي تصرخ ( يمه ! .. شنو هذي ..!) ..
قلت لها وأنا أحتضن القطة : ( تركها عبدالعزيز على الباب ) ..
شهقت : هذا الولد يبي يجيبلك العقم !
ضحكت على الرغم مني .. فاسترسلت حالفة ( وراسك جمون !..
القطط تجيب العقم ! ، شفتي الخبيث ) ..
حرام .. مرة صغيرة ! ..
صغيرة أو كبيرة ، العقم عقم .. قطيها بالشارع تكفين لا تمرضنا !
أخذت القطة الصغيرة إلى غرفتي وأرسلت إليك ( ما إسمها ؟) ..
أجبتني بعد ثواني : أسميتها Pure .. مثلما انت نقية ..
أرسلت إليك : أحببتها ..
اجبت : كم أحسدها ..
كتبت بعتب : لطالما أحببتك ..
لكنك " بطلت " ..
أحقا فعلت ..؟
أفعلت ؟
كتبت متجاهلة سؤالك : شكرا على الهدية ..
شكرا على قبولها ! ..
طرقت هيفاء الباب وأخذت تصرخ من ورائه من دون أن
تدخل إلى الغرفة : جمون ! .. متى سترمينها للشارع ؟
هيفاء ! .. كيف أرميها ..؟!..
على راسها ريشة .. ولا أبوها صقر ..؟ .. هي بنت الحمايل
وباقي القطاوة عيال الشوارع ؟
صحت فيها : هيفاء ! ..
والله بتجيب لك العقم يا بنت الحلال ..
خلاص هيفاء بتظل القطوة بغرفتي وما راح اطلعها بره الغرفة أبد ..
يبه كيفك .. انتي الي بتمرضين !
لطالما أهديتني حيوانات وأسماكا ، أهديتني يوما سلحفاة ،
أهديتني سمكة شفافة .. وأهديتني في عيد ميلادي الأخير قطة !
يدهشني أن تهديني حيوانات ، أنت الرجل الذي أخبرني يوما
متشدقا بأنه كان يشتري الصيصان في مراهقته ليحبسها في ( الثلاجة )
حتى تموت !.. أذكر بأنني خبأت وجهي خلف كتف هيفاء حينما
أخبرتني عن القصة وبكيت بلوعة من بشاعة وصفك !
أذكر أنك ضحكت متعجبا وقلت : ييي ! .. تراها تنباع بريال ! ..
تظن أنت بأنه يحق لك أن تتلاعب بالأرواح وأن تزهقها متى
ما أردت طالما كان ثمن شرائها بخسا ..!.. لم تفهم يوما يا عزيز أن
الروح لا ثمن لها لأنها أغلى من أن تكون بثمن ! .. لطالما كانت
لدي قناعة بأن الرجل الذي لا يشفق ولا يحنو على الحيوانات ،
رجل غليظ القلب وصلف ، فكيف ظننت بأنك ستحنو عليّ وأنت لا
تحنو على من هو أضعف مني ! ..
كنت ألعب مع القطة الصغيرة حينما اتصلت ، اتصلت بعد
رسالتك الاخيرة بثلث ساعة ، قلت : ترددت كثيرا قبل اتصالي ..!
لكنك قبولك للهدية أغراني بدعوتك ..
قلت بضيق : لا أظن بأنها فكرة سديدة ..
أرجوك جمانة .. إنه عيد ميلادك .. فلننس خلافاتنا اليوم فقط جمان ..
صمت لأنني مضطرة إليك ، أعترف باضطراري إليك !..
قلت : اسهري معي الليلة .. تحدثي معي حتى الصباح .. لنعيد
معا ..
سألتك : ولماذا نكذب على أنفسنا ..؟
أردتك أن تجبني : لأنه لا بد من أن نعود إلى بعضنا بعضا ..
توقعت أن تقول لانه يجب أن نكون معا .. لكنك أجبت وببساطة :
لأنها ليلة عيدك يا جمان ! .. أرجوك .. ليست إلا ليلة واحدة ! ..
أردت أن نعيش معا ليلة عابرة .. كلياليك التي تفضل أن تقضي
حياتك من خلالها .. لكنني لست امراة عابرة يا عزيز .. فلماذا ظننت
بأنني سأقضي معك ليلة لمجرد أن أقضيها ؟! .. لست أفهم كيف
أصبحت رخيصة في نظرك إلى هذا الحد .. إلى الحد الذي تظن
بأنني سأسمح فيه أن أنسى كل ما جرى لأستمتع بوجودك ليلة
عيد .. ليلة عيد تظن أنت بأنه يقبل فيها كل شيء .. أتعرف يا
عزيز ! .. بت أمقت الأعياد ، أصبح العيد بالنسبة إليّ ليس إلا يوما
للذكرى .. في العيد نذكر كل من مر في حياتنا وترك أثرا فيها ! ..
نذكر الأحياء والأموات ، من سعى لأجلنا ومن تخلى عنا ..
حزينا كان عيدي معك هذه المرة ، كالحزن الذي أسكنته قلبي
من دون حتى أن تستأذن .. حاولت أن أكسر الحزن بأن أمضي اليوم
معك على الرغم من رفضي الداخلي لفكرة التنازل مجددا ..
وجدتك فجأة بالرغم من الغضب والحقد والخيبة وكل ما يملأ
صدري تتسرب رويدا رويدا إلي من جديد ! .. ضحكت ليلها من
أعماقي كما لم أفعل منذ فترة طويلة .. وجدت نفسي أبتسم بسعادة
وأحمر خجلا في كل لحظة تتأملني فيها .. وجدتك تدلل أنوثتي من
جديد كما كنت تفعل دوما ، وقد كانت أنوثتي تستجيب إليك
باستحياء مشتاق .. اشتقت إليك .. وامرأة مثلي لا قدرة لها على
مقاومة الشوق يا عزيز ...
تدرك بأنني ضعيفة أمام شوقي ، مثلما أدرك بأنك لطالما استغللت
حالة الشوق تلك لتعاود السيطرة عليّ في كل مرة اظن أنا
بأنني قد انعتقت منك فيها !
سألتك حينما أعدتني إلى بيتي ، وقبل أن أترجل من سيارتك :
لماذا فعلت بي هذا ..؟
أذكر أنك أشحت بوجهك بضيق ، صمت قليلا ، وقلت من
دون أن تنظر إليّ : لا أدري ، أظن بأنني جبنت ! ..
سألتك : مما جبنت ..؟
هززت كتفيك وقلت بصدق : لا أدري !
صمتنا قليلا ، لم تتحدث أنت ولم أترجل انا من السيارة ،
كنت أفكر يا عزيز .. أفكر فيما تقوله وفيما تفعله ، أفكر في أسباب
تنازلك عني وعن تمسكك بي ، افكر في حالاتك المتناقضة التي لا
أفهمها ولا أظن بأن احدا غيري قادر على أن يفهمها ! ..
سألتك : عبدالعزيز ، هل من الممكن أن أسالك سؤالا ..؟
طبعا ..
أتعدني بأن تجيب بصراحة ..؟
قلت بصوت منخفض : أعدك ..
عبدالعزيز ، أأحببتني يوما ..؟
سكت ولم تجبني ، فالتفت نحوك ، كانت دموعك تنهمر على
خديك بصمت ..
دمعت عيناي على الرغم مني لكنني لم أنطق شيئا ، كنت
بانتظار أن تقول شيئا ، أي شيء .. لكن صمتك طال ، كنت تجول
ببصرك في الأنحاء بحيرة ..
قلت بعد صمت طويل : لو تدرين كم هو جارح سؤالك يا
جمانة ! ..
سألتك : لماذا لم تجبني عليه ..؟
قلت : أليس من الغريب أن يولد حبنا ووطننا في يوم واحد يا جمانة ؟
الوطن الذي تتبرأ منه والمرأة التي تتنصل منها دوما ..
قلت بابتسامة واهنة : يبدو أنكما قدري ، مهما حاولت الهرب
منكما ستظلان قدري ..!.. ألم يقل كارل بنج يوما بأننا كلما قاومنا
شيئا ازدادت سطوته علينا ..؟!..
قلت : أأقدارك شقية إلى هذا الحد ..؟
ابتسمت : أتعرفين بأنني قد كتبت يوما قصيدة باسم ( شقي أنت
يا قدري )؟
قلت لك : شقي أنت يا قدري ! .. كثير الهم .. والأحزان
والكدر ..
سألتني بدهشة : هل عرضتها عليك ..؟
قرأتها في زاويتك ! ..
صمت قليلا : جمانة ! .. أتظنين بأنك قادرة على أن تنسي ؟
أجبتك باقتضاب : ربما ..
أما زال الحب يراودك ؟؟
ما زالت أحلامي حمقى ! ..
أحبيني جمانة .. أحبيني حتى يأمرك الله بأن تتوقفي عن حبي ..
وكيف أعرف بأن الامر قد انقضى ..؟
لن تعرفين ، كل ما في الأمر أنك ستتوقفين ! ..
ماذا عنك يا عزيز ..!.. هل تحتاج لأن تنساني ..؟
أحتاج لأن لا تنسي ..!.. أحتاج لأن أظل حيا .. أحتاج لأن
تحبيني .. من يدري يا جمانة ، قد نجتمع يوما في بيت يضمنا ! ..
استرسلت قائلا : ما زال الوقت مبكرا ، ما رايك في ان نذهب
إلى مكان نكمل فيه حديثنا ..؟
أسندت رأسي إلى مسند المقعد واستسلمت للطريق الذي
تسوقني فيه .. وأنا أفكر في أول يوم التقيتك فيه في ذلك المقهى
قبل سنوات ..
ألتقيتك في عيد التوحيد ، فغير لقاؤنا حياتي وغير صورة الوطن
في نظرك ..
لن أنسى يا عزيز .. لن أنسى ، لن أنسى بأن كل نجاح حققته ..
حققته من خلال دعمي لك ، كنت أدفعك بكل ما أوتيت من قوة
إلى تحقيق أحلامك .. كنت أساندك ببسالة ، متمسكة بأحلامك
وكأنها أحلامي .. شهدت على تخبطاتك منذ البداية وظللت أشهدها
حتى بدأت بتحقيق بعض أحلامك بعدما عرفتني .. ولا أظن بأنك
كنت ستتمكن من دوني أن تفعل .. لا أحب أن أضحي .. لا يحب
أحد أن يضحي يا عزيز .. لكن التضحية خيار نحن مجبرون على
اختياره ، نضحي لأننا مجبرون على التضحية لا لأننا نحبها .. لا
يفضل أحد أن يتنازل عن حقوقه وعن رغباته وعن أحلامه من أجل
الآخرين .. لكن الحب والخوف يجبراننا أن نفعل ، الحب الذي
يسيرنا والخوف من أن نفقد الحب هما سبب تضحيتنا بالكثير لأنه
لا خيار لنا سوى أن نفعل ! .. لكنني مللت التضحية.. أدرك الآن
جيدا بأن ثمن تضحيتي كان بخسا وبأن نتيجة التضحية في بعض
الأحيان ( لا شيء ) .. تعلمت منذ طفولتي أن نتيجة التضحية والصبر
فرج لاحق وأجر كبير ، لكن ( الفرج ) لا يأتي في كل الأحوال يا
عزيز ، والدليل أنني لم أحقق شيئا من أحلامي بعد ! ..
لا تتحقق النهايات السعيدة سوى في الأفلام العربية ، يتزوج
العشاق وتنجب النساء العقيمات .. ويجد التائهون طريقهم وينتصر
الخير على الشر .. في الأفلام يا عزيز ..!.. فقط في الأفلام .. ها انا
ذا حرمت منك .. وماذا بعد ؟!.. سأظل أندب الحب الذي بدأناه معا
وأنهيته لوحدك ..
أيامي تمضي ! .. تمضي على الرغم من كل شيء ، أكذب عليك
إن قلت بأنها توقفت ، لا يتوقف الزمن يا عزيز من خلال رغبتنا ..
يمضي الزمن وتمر أيامنا من دون أن تأبه لمن يحتاج لأن تتوقف ..
تمضي أيام مرة ، كئيبة .. تمر على مضض مستجيبة لدورة حياتية ..
وكونية لا بد من أن تستجيب لها حتى لا تخرق قانون العظيم الذي
لا يخرق قانونه أحد ! ( سبحان العظيم ) ..
أجلس إلى نفسي بين الحين والآخر .. أفتح لها سراديب
العزاء .. محاولة أن أعزي القلب المفجوع ..أذكر المكلوم بأيام طيبة
وأنا أدرك بأن جريح الفقد لا يعزيه شيء ولا يخفف من جرح
أحد .. حاولت أن أعتبر علاقتنا انتهت .. ماتت .. حاولت أن أكرم
علاقتنا وان احسن لها بعد أن توفيت لكن قلبي لم يتمكن من أن
يفارقها البتة ، كنت أعرف بأن إكرام الميت دفنه ! .. لكن قلبي أبى ..
تمسك بالجنازة ، قاوم وقاوم ورفض أن يدفن الحب ويطمر .. وهكذا
ظت سراديب العزاء مفتوحة ، والجنازة بيننا لم يتجرأ على دفنها
أحد منا ! ..
|