كاتب الموضوع :
غَيدْ
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: ولَئن سُئلت عن هويتي سأشير الى عيناك \ بقلمِي .
السلام عليكم حبايبي... البارت واخيرا خلصنا منه ، البارت عبارة عن مدخل بسيط لـِ البارت 40 ، يعني لاحد يستعجل ع الاحداث...صحيح انه فيه احداث كثيرة...بس التطورات كلها من بعد هالبارت..ومثل ماوعدتكم راح تنصدمون من الاحداث...ويمكن تعترضون...ويمكن تأيدون..بس بالنهاية انا مشيت على خط معين بالرواية..وراح اكمل عليه..
شكرًا من القلب لكل من ينتظر... ودي احط رسائلكم الموجودة بسناب كلكم..
بس راح اتركها لبعد هالبارت...
انتظر تعليقاتكم بشغف...
قراءة مـــمتعة..:$
البـــارت (39) :
أحرقـي في غُربتي سفـني
ا لاَ نّـني
أقصيتُ عنْ أهلي وعن وطني
وجَرعتُ كأسَ الذُّلِّ والمِحَـنِ
وتناهبَـتْ قلـبي الشجـونُ
فذُبتُ من شجَـني
ا لا نني
أبحَـرتُ رغـمَ الرّيـحِ
أبحثُ في ديارِ السّحـرِ عن زَمَـني
وأردُّ نارَ القهْـرِ عَـنْ زهـري
وعَـنْ فَـنَني
عطّلتِ أحلامـي
وأحرقتِ اللقـاءَ بموقِـدِ المِنَنِ ؟!
ما ساءني أن أقطَـعَ ا لفلَوَا ت
مَحمولاً على كَفَني
مستوحِشـاً في حومَـةِ الإمـلاقِ والشّجَنِ
ما ساءنـي لثْمُ الرّدى
ويسوؤني
أنْ أشتري شَهْـدَ الحيـاةِ
بعلْقـمِ التّسليمِ للوثنِ
**
ومِنَ البليّـةِ أنْ أجـودَ بما أُحِـسُّ
فلا يُحَسُّ بما أجـودْ
وتظلُّ تـنثا لُ الحُـدودُ على مُنايَ
بِلا حـدودْ
وكأنّني إذْ جئتُ أقطَـعُ عن يَـديَّ
على يديكِ يَـدَ القيـودْ
أوسعْـتُ صلصَلةَ القيـودْ !
ولقَـدْ خَطِبتُ يـدَ الفراقِ
بِمَهْـرِ صَـبْري، كي أعـودْ
ثَمِـلاً بنشوةِ صُبحـيَ الآتـي
فأرخيتِ الأعِنّـةَ : لنْ تعـودْ
فَطَفـا على صـدري النّشيجُ
وذابَ في شَفَتي النّشيـدْ !
**
أطلقتُ أشرِعَـةَ الدّمـوعِ
على بحـارِ السّـرّ والعَلَـنِ :
أنـا لن أعـودَ
فأحرقـي في غُربتي سُفُـني
وارمـي القلـوعَ
وسمِّـري فـوقَ اللّقـاءِ عقاربَ الزّمَـنِ
وخُـذي فـؤادي
إنْ رضيتِ بِقلّـةِ الثّمَـنِ !
لكـنّ لي وَطَناً
تعفّـرَ وجهُـهُ بدمِ الرفاقِ
فضـاعَ في الدُّنيـا
وضيّعني
وفـؤادَ أُمٍّ مُثقلاً بالهـمِّ والحُـزُنِ
كانتْ توَدِّعُـني
وكانَ الدَّمـعُ يخذلُهـا
فيخذلُني .
ويشدُّني
ويشدُّني
ويشدُّني
لكنَّ موتي في البقـاءِ
وما رضيتُ لِقلبِها أن يرتَـدي كَفَني
**
أَنَا يا حبيبـةُ
ريشـةٌ في عاصِفِ المِحَـنِ
أهفـو إلى وَطَـني
وتردُّني عيناكِ .. يا وَطني
فأحـارُ بينكُما
أَأرحَـلُ مِـنْ حِمى عَـدَنٍ إلى عَـدَنِ ؟
كمْ أشتهي ، حينَ الرحيلِ
غـداةَ تحملُني
ريحُ البكـورِ إلى هُناكَ
فأرتَـدي بَـدَني
أنْ تُصبِحـي وطَنـاً لقلبي
داخِـلَ الوَطَـنِ !
#لِـ : احمد مطر...
الرجل الذِي يقفُ أمامها الآن ، هُوَ الرجل الذِي كانت تترقب كل صباح لكي ترى طيفهُ من البلكُونة ، كانت تترقب الساعات الطويلة لكي تلمحهُ ولو من بعِيد ، يقفُ أمامها بشموخ لم يهزهُ الغياب ، بحنينِ لم يقتلهُ الحنين ، بصدَى لم تخنقه اصوات الذكرى ، تدافعت ذكرياتها وسلسلتها الطويلة معه ، وطفت فوق عينيها دُموع تحجب عنها الرؤيا وتهديها غشاوة في النظر ، ابتلعت غصة مخنوقة وهي تعقد حاجبيها تحاول رفض ماتسمعهُ الآن ، وكأنها تعيش في منفى بعيد ، في غربة غير الغربة التي تعيشها ، غربة الرجل الذي عانقتهُ طويلاً واخبرتهُ انها معه مهما كان الثمن غاليـًا ، معه حتى لو كانت سهام العالم المؤلمة تتراشق نحوها ، ليُجدد لها صفعة اخرى لم تضع احتمالًا ولو بسيطًـا لكي تسمعه منهُ ، كم كان سهل النطقُ بالنسبة اليه ذكر تلك الكلمات العقيمة التي اغرقتها في وحل الوجَع ، اختنق صدرها وهي تشعر بأن عجلات السيارات التي تدوس الاسفلت هي ماتدوس على صدرها ، هزت رأسها بغير تصديق ، بخيبة أمل ، بقهرٍ لم تعشهُ حينما كانت مجرد طفلة لأبيها ، تلك الغربة التي سرقت من عمرها رغم انها لم تكمل السنة الى الآن منذُ ان غادرت وطنها الغالي ، كلمتهُ التي اخبرها بها جعلتها تشعر بأنه عجُوز أهرمها الانتظار والامل ، ليهديها صفعة الخيبة على طبق من ذهب ، لم تقبل بذلك وهي تهز رأسها برفض شديد وصوت يكاد يختنق من احباله الصوتيه ببحة ممزوجَة بالدهشة : ليث انت مستوعب اللي قاعد تقوله؟
ليث يُحدق بها ، لايهُون هو عليهِ ان يجرحها بابعادهِ لها ، لكنهُ يعلم في حال ان ذهب الى المحاكم لكي يثبت برائته ، لن تسلم هي ، ستتعرض للمسائلات وربما تتعرض الى امور اخرى هو لايريدها ان تتعرض لها ، حياته المهددة برصاصة طائشة من احدى الشرطة البريطانيين لايريدها ان تخترق صدرها هي ، حينها سيفقد الأمل ، سيجن ، سيختار الموت بدل ان ينتظر املًا آخر ، سرق عبارات الرجاء من عينيها ، لكنه تحامل على كل ذرة الم تزوره وابتسم بألم ، وبحنان وهو يضع وجهها بين كفيهِ الدافئتين ويهمس : انا في غاية استيعابي وريف...متأكد من كل كلمة اقولها...مستحيل اجازف ببقائك هنا مقابل سعادتي...ع الاقل تروحي عند اهلك مأمن عليك ومتطمن وعيني تقدر تنام..بدل لا كل ليلة اسهر وافكر بهاجس ان ممكن اي احد يتعدا عليك...
شهقت بوجع شديد وهي تعض شفتها السفلية بأسنانها العلوية ، ابعدت يديه بقوة عن وجهها وعينيها مليئتان بالدموع والوجع لتصرخ بجنون لم يجابهه ليث قط : انت جبااااااااااااااان...همك تخااااااااف على غيرك بس ماتهمك نفسسك ابدًا...مستحيييييييييييييييل ليث ...انت قاااااااااعد تطلب مني المستحيل...مستحيل اتركك في اهم مرحلة انت بحاجتي فيها...
دُهش من صراعها والفوضى التي بداخلها ، توجه نحوها محاولة تهدئتها ليردف بغصة تخنقهُ هو الآخر : وريف..بغيتك عون لاتقلبين لي فرعون...افهميني...وخالقي مايهون اتركك بس ماني كفو لافي وجه ابوك ولا في وجه نفسي لو جازفت بك...وش بيقوووول علي لو فرطت بك؟؟؟؟
وريف بألم تكاد روحها ان تتفطر منه لتردف : ألف مرة قلت لك لاتلوي ذراعي بأبوي!!
ليث يتقدم ليمسح دموعها وهو يسحب كفها الصغيرة ناحية ايسر صدره : وخالقي هالقلب ماهو قاوي بعادك...بس وريف انتي تسهلي علي حركتي لو رجعتي البلد...
وريف بقهر تضربه على صدره وهي تبتعد عنه ومن عُظم غصاتها المتألمة كانت همساتها تتقطع بوجع : يعني انا اللي موقفة حركتك الين هالحييييييييييين؟؟؟؟ ليث لاتبعدني عنك...انا احتاجك وانت تحتاجني..لاتبعدني عنك في سبيل حمايتي...انا ماراح يصير لي شيء..
سحب نفسًـا طويلاً ، رفع كتفيه بعجز : ممكن يعتقلوك انتي ومشعل وتتعرضوا لمسائلات ...راح تدخلي في مشاكل ماهي قليلة وخصوصا انك زوجتي وريف..ممكن اي احد يتعرض لك..وانا وقتها مستحيل اسامح نفسي لو صار لك شيء
اختنقت وهي تتنهد طويلاً تحاول حبس الالم والدموع التي لاتنتهِي ، لتردف : انا قابلة باللي راح يصير لي ليث...
ليث برفض : انا ماني قابل... اسمعي يابنت الكلام ...قلت كلمتي ومالي بها رجعة..خلال هالاسبوع راح احجز لك تذكرة وترجعي مع مشعل السعودية..
برفض وهي تبتسم بسخرية بين دموعها وتهز رأسها : انا حمارة لو ططاوعتك...
امسك بذراعها وبشدة يصر على حدِيثه : مجبورة تطاوعيني...وان حصل بنفسي اشيلك واركبك الطيارة هم ماعندي مانع...
وريف بغصة وهي تضع يدها على شفتيها تحبس دموع رهينة وعينيها باكيتين : ماااابي اتركك..
شعر بوجع في صدره وصغيرته ترتجي منهُ عدم الافتراق ، لكنهُ مصر منذ ان عقد عليها بانه لن يتحرك في المحكمة الا حينما تذهب هي ومشعل الى السعودية ، عجز ان يكابر بسبب دموعها ، سحبها بقوة الى ذراعيه محتضنًـا اياها بعمق، كلاهما يحدقان الى وجهة واحدة ، الى بلكونته ، الى المنظر القديم التي كانت تستمع بالنظر اليهِ وانتظاره ، الى مأوى افكارهم وآمالهم ، الى مقر مخاطبتهم للسماء ومراقبتهم لسرب الحمام ، والطيور الموسمية ، الى مكان عدهم النجُوم النجمة تلوى النجمة ، الى مراقبتهم الشهب التي تقطع كبد السماء في ثواني ، الى مخاطبتهِم الله والتجائهم اليهِ ، كلاهما ينظران للمكان بصمت ، بعجز ، يختارانِ الاستسلام للواقع ، الصق جبينهُ في جبينها مبتسمًـا رغم الالم الذي بداخله وهو يتنفس عبقها : امهليني ثلاث شهور حتى اخلص من جلسات المحاكم...كلها ثلاث شهور وارجع لك ولامي وللوطن...
لمعت عينيها وهناك شعور بعدم الارتياح في صدرها تحبسهُ بقوة :
اوعدني...اوعدني انك راح ترجع...
ابتسمت عيناهُ بلمعة مختلفة ، وكأنه يتحرر من جميع قيوده ليردف بأملهِ الآخر ، بهمسة طويلة في اذنها من المستحيل ان تنساها ابدًا : أوعــــــدك...
،
تَستيقظ من النوم فزعة ، كأنما أحدٌ يصرخُ عليها فِـي الحلم، بل الكابوس الذي رأتهُ ، هزت رأسها تتحوقل بالله وتتحسب من الوجع الذي ارهق صدرها ، ألم الفراق التي هيَ فيه يسرقُ من عمرها ، طالما كانت تخاف ان يأخذَ الله امانتها قبل ان ترى وجه ابنها ، ابنها الذي غادرها قبل 10 سنين ولم ترى له طيفًـا الى الآن ، نهضت وهي تخرج بلا شعور خارج غرفتها ، تمشي بين ردهاتِ البيت المظلم بظلماتِ الليل الحالك ، توجهت الى ذاك الباب الخشبي ، الذي رسى عليهِ غبار الذاكرة ، فَتحت الباب ، عانقت الباب بشدة ، وهي تشتم رائحة ذاك الصبي الذي تدرك بأنه اصبح رجلاً الآن ، هذا في حال ان كان على قيدِ الحياة كما تعتقد هي ، ابتسمت بين دموعها وهي تتخيل سيناريو رجوعه الى حضنها ، ارهقَـها التفكير الطويل ، كيف ياترى سيكُون اللقاء؟ ، كيف سيعود ذاك الغائب الى حضنها الحنون ، تشعر بأنها ستموت بمجرد ان تراه ، غيابه سرق من عمرها وايامها ، جعلها كمن بلغت السبعين في عمرها ، بينما عمرها لم يتجاوز الأربع والخمسون عامـًا ، رَمت جسدها الذابل على سرير ابنها ، بكت طويلاً راجيةً الله ان يعود صاحب هذهِ الرائحة التي طغت المكان ، عانقت سريره طويلاً كأن صغيرها الذي اصبح كبيرًا في الغربة في صدرهاا ، جنُون انتظاره يفقدها الصواب والادراك ، كانت تتحدث مع طيفه ، تخبره بأنها اشتاقت طويلاً اليه ، اردفت بوجع شديد وصوت مخنوق : ماشفت ولد عاق بامه مثلك..عاق بغيابه وماهو جاي يبر بها عشر سنين...وينك ليه تعلقني بانتظارك يايمه..غزى الشيب شعري وانا كل يوم اقول شـ حالك؟ ..
كانت تنتظر صوته يردّ عليها ، كانت تنتظر يدهُ تعانقها وتحتضنها الى صدره ، لكن لايوجد غير الصمت ، ورائحة الغائبين ، ابتسمت بين دموعها لتردف : يعني ترضاها اموت وانا ماشفتك يامك؟ ...قاسي قلبك ..قاسي على امك غيابك...
نهضت تفتح دولابه ، تخرج اقمصته ، ثيابه ، شماغه ، سبحته ، كتبه ، صوره ، احتضنتها جميعًـا وهي تبتسم لكل ذكرى تزوره مع ثياب العيد ، تتذكر كيف تحمل المسؤولية باكرًا بعد ان مات والدهُ بعمر مبكر ، فكان العاتق الاكبر على كتفه ، صحيح ان عمه لم يقصر قط ، لكن وجود ليث كان يحمل الكفة الارجح لتحمل مسؤولية منزلهم ، لاتنسى كيف كان يبتسم في يوم العيد ، يضاحك اخته اسماء ،كان في عمر العشرين ، شاب ، طموح ، يحلم بالوظيفة ، يؤسس حياة تليق بهِ ، وبأهله ، يجازف بالمستحيل كي لايصيب اي اهله ضرر ، يجن ولا يستطيع ان ينام في حال ان تعرض احد ابناء القبيلة لامه بسوء ، أمه هي عيناه التي يرى العالم بها ، لكن من الواضح ان الغياب جعله اعمى ، فهو لا يستطيع ان يرى بعينيهِ التي هي امه ، حينما يرى والدتهُ مرهقه ، هو بذاته من يأتي الى قدميها ويدلكها لها ، يقبل قدميها ويحاول ان يرضيها رغم انه لا يفعل الا ماتأمره بهِ ، ابتسمت لتلك الذكرى التي بقت معانقة العشر السنوات الماضية ، واطلقت تنهيدة وجع وهي تستلقي على السرير وبجوارها ملابس ابنها واغراضه التي كانت منذُ عشر سنوات..ولازالت تنتظر رجوعه..
،
يتصفح عدة ملفات لمرضاه ، بينمَا هو يجلسُ في حديقة منزله ، أغلق الملفات سريعًـا وتلك القضية اصبحت تشغل عقل الجميع ، رغم ان من يسعون لقضية هذا الرجل لا يتعدوا العشر الاصابع ، الا انهم لا يستطيعوا ان يتحركوا او يثقوا بأشخاص اخرين كي لاتكون العواقب وخيمة ، لا يعلموا ان كان على قيدِ الحياة او لا ، لايعلمون هل هو أسير ، رهينة ، مقتول لا قدر الله ، او حتى انه مسجون في احد السجون البريطانية لكن الحكومة لا تعترف ، رغم تواصل دكتور وليد مع السفارة ومحاولته اخذ معلومات في حال ان كان فعلا مسجون ولكن دون ان يعترف ، لذلك أجرت السفارة بحثـًا قبل اسبوعين في السجون محاولين الوصول الى اسم هذا الغائب الذي كان اختفاءه مريبـًا ، أغلب قضايا المختطفين في البلاد الاجنبية بعد سنين تظهر لهم جثة ، او يعودوا بعد ان يحتجزوا كرهائن ، قلة من لايعرف عنهم اية اخبار ، او ربما لا يعرف لهم اخبار ولكن على الاقل لايكونوا متهمين ظُلمًـا كما في قضية ليث المالك ، لذلك اصبح من الواجب على دكتور وليد ومن معه اثبات براءة هذا الرجل حتى وان كانت المخاطر تحيط بهم ، تنهد تنهيدة طويلة وهو يبتسم لسبأ التي دخلت بهدُوء وهي تضع امامه قالب الحلوى الذي يحبه مع قهوة عربية ، ابتسم يقبل يديها لتردف سبأ : أرهقت نفسك كثير في هذي الفترة ياوليد...ارفق بنفسك شوي..
ابتسم وليد ويديهِ تحتضنان يديها : لاتخافي...هالارهاق والتعب النفسي وراه الخير...ادعي ان ربك يحل هالموضوع بسرعة..
كانت تقطع قالب الحلوى وهي تبتسم له : تقصد قضية ليث ال مالك؟
ابتسم وليد وهو يهز رأسه ليلتقط صحن الحلوى من يدها بهدوء : ايه..يعني الرجال عشر سنين ماحد اصدر اي صوت بقضيته..لما رجع ولد عمه لبريطانيا والتقى بصاحبه يوسف عرف ان ولد عمه ماختفى منن عبث...
سبأ تقدم له فنجال القهوة : صحيح..قصته توجع القلب...انا ماكاسر خاطري الا امه وخواته...كيف انتظروا عشر سنين وبالنهاية ممكن يكون ولدهم ميت...لاسمح الله
وليد باندفاع : حتى لو كان ميت لا قدر الله...الرجال بريء...لاربي ولا رسوله يرضون بالظلم...ع الاقل يرتاح قلب امه واهله ويعرفون بانه انسان بريء...لاتنسين ان اهله ماسلموا من لسان القبايل...اللي تبرا منه وخواله اللي هجروا امه...
سبأ بقهر شديد : طيب وفرضـًا كان الرجال بالفعل قتل ...واجرم...على اي اساس يتركون امه وخواته ؟؟؟ليه؟؟؟
وليد يتنهد وهو يشرب من فنجانه : لان بعض البدو عندهم الحمية اهم من الاهل والمشاعر...عايشين بجهل لاخر يوم بحياتهم...
سبأ تبتسم بدهشة : كلنا اصلنا بدو...بس ماعندنا هالجهل والتعصب الغبي...
ابتسم وليد لكلام سبأ : الله يعين امه...محد كفو وشال اسمها غير اخو زوجها علي آل مالك...ابو مشعل...
ابتسمت سبأ : الله يبقيه يارب ويكثر من امثاله..طيب متى راح تتحركون بقضيته؟
وليد يتنهد : انا انتظر خبر من يوسف... خبرني انه خلال هالاسبوع بيتحرك...
سبأ عقدت حاجبيها بدهشة : غريبة؟ ولد عمه مابيكون موجود!! لان اخته قالت انهم بيمشون هالاسبوع...
وليد يستريح للخلف على الاريكة : حتى انا استغربت ان مشعل راح ينزل...بس احسن له حتى يوصل خبر لامه ويكون مع اهله...اللي اعرفه انهم راح يرجعونن بس عندهم ظروف خلال هالفترة...
سبأ تتنهد : يالله الله يعين...اهم شيء انه خلال هالفترة سعى لقضية ولد عمه...وطلع بنتيجة..يعني جيته ماكانت عبث...
ابتسم وليد : صحيح...
أضائت شاشة هاتفه الآيفون باسم يوسف ، وقف متوجهًـا امام النافورة التي بالحديقة وهو يجيب على الهاتف : السلام عليكم...
يوسف "ليث" : وعليكم السلام... كيف حالك دكتورنا؟
ابتسم دكتور وليد بهدوء : الحمدلله بخير... انت كيف احوالك...؟
تذكر ان حاله ليس بخير ، وانه سيضطر للمرة الثانية ان يودع احبته ولا يعلم ان كان سيرجع لهم بعد اشهر او بعد 10 سنين اخرى ،...اجابه بهدوء : الحمدلله...ها حنا على موعدنا يوم الاربعاء للمحكمة ؟
ابتسم وليد وهو ينظر للمدى البعيد : باذن الله..بلغت فهد ؟ وآدم؟
جائه صوته المختنق : ايه...خلاص الاربعاء موعدنا ... الصباح
دكتور وليد : باذن الله...
يوسف : فمان الله...
وليد : فمان الله...
أغلق هاتفه وهو لايعلم لماذا شعر بنبرة مختنقة في صوت يوسف ، دعى الله ان لا يكون الا الخير ، حتى يتيسر امرهم الى النهاية...
،
يَعُود من عملهِ بإرهاق وهو يجلسُ على الاريكة ، هُناك مايشغل عقله في هذهِ الآونة الاخيرة ، الاشياء والهواجس التي تلاحقهُ تشعرهُ بأن روح أخيه لم ترقد بسلام إلى الآن ، رفع رأسه للسقف المكان وهو ينزع شماغه ويضعه على طرف الاريكَة ، أتت زوجتهُ بعد عدة دقائق بكأس الماء وهي تقدمه له بصمت ، شرب الماء ، لم يتحدث ، فقط ضيق يؤذي قلبه لعدة أيام ولا يعلم سببه ، هناك مايبعثر مشاعره ويفتتها في الهواء ، كان صامتًـا بغير عادته دون ان يحادث زوجته التي كانت تشعر بالفعل بالقلق ، ذكر الله طويلاً حينما يرتعش جسده من تلك الهواجس العقيمة ، ويخشى من كل شيء قادم ، لكنهُ علق أملهُ بالله ، تناسى في تلك الآونة وجعه ، وابتسم لزوجته : كيفك يام رياض؟
ام رياض براحة بعد ان سمعت صوته وبقلق : الحمدلله انا بخير...انت كيف حالك ياعلي...من دخلت وجهك تقلبت الوانه...ابسطها الله يكفيك شر اللي حولك لاتخلي امك تجي وتشوفك بـ هالحال...رجيتك ياعلي...قل لي همك...
ابتسم علي يبعد الالم عن صدره ويقبل رأس زوجته : مابي شيء..بس ساعات قلبي يضيق من انتظار خبر عن ولد اخوي...خايف من اي خبر سيء ممكن يعذب قلب امه...
ابتسمت ام رياض : لاتخاف يابو رياض ان شاء الله مافيه الا الخير... وهذا هم شبابنا مو مقصرين..حتى راكان زوج اسماء ماهو مقصر وكل من راح وكله...
اتسعت ابتسامة بو رياض لذكر فضل راكان مبتسمًـا : راكان ماترك ليث لما كان موجود...تتوقعي يتركه لو كان غايب؟ هذا الرجال شهم وقد اللزوم والعطية..الله يعلي شانه...
ابتسمت ام رياض ليضيء هاتف ابو رياض ، ابتسم لزوجته : هذا مشعل...
ابتسمت اكثر بفضول وهي تسمعه يتحدث مع والده ، بو رياض : هلا مشعل...هلا يبه...
مشعل يحاول ان يبعد كل التوتر عن صوته : هلا فيك يالغالي...كيف حالك وكيف حال امي؟ وجدتي شلونها ...والله وحشتني...
ابتسم بو رياض وهو يهز رأسه لام رياض يطمئنها : الحمدلله يبه كلنا بخير...نسأل عنكم...
مشعل : الحمدلله ماورانا الا الخير يبه...يبه خلني اكلم امي وبعدها بكلمك بموضوع...
بو رياض تغيرت ملامح وجهه بقلق لكن لكي لاتشعر ام رياض حاول كبت ذلك ليردف : عساه خير يابوي؟
مشعل بتوتر يتنهد : ان شاء الله خير يبه...عطني امي اكلمها...
نبض غريب زار قلبه ، شعر بأنه سيضعف في هذهِ اللحظة وهو يمد السماعة لزوجتهِ ، وهو لا يعلم ماهو هم اولاده ، كان ينظر لام رياض وهي تلتقط السماعة وتبتسم بفرحة بينما هو يموت قلقًـا ، ليسمعها تردف لابنها : هلا يمة مشعل..كيف حالك يايمة وكيف حال اختك؟ عساها بخير؟؟؟
مشعل ينظر للوريف التي تغط في نومها الهادئ على الاريكة هاربة من واقعها افتراقها عن الليث ليردف : الحمدلله يمة بخير..انتي كيف حالك ؟عساك طيبة يمه؟
ام رياض وهي تشعر بدموع شوق تزورها وحنين : ماعليك من حال امك يايمه انا مشتاقة لكم ...
مشعل بابتسامة ألم : ان شاء الله قريب نزولنا يمه...
ام رياض : ان شاء الله... وينها الوريف خلني اكلمها؟
بارتباك اخفاه جيدًا ليردف: الوريف نايمة يمه..لاصحت اخليها تكلمك...
ام رياض : طيب يمه...انتبه لها يمه...
شعر بشرخ عظيم في صرح مشاعره ليردف بعد ان بلع غصة خانقة : ان شاء الله يمة...سلمي على جدتي وزوجة عمي...ان شاء الله رجوعنا قريب...
ام رياض : طيب يايمه...ها اعطيك ابوك؟
مشعل بتنهيدة : ايه يمه..
مدت له الهاتف ، ليقف بو رياض ويخرج الى "حوش" المنزل ، كان يمشي وهو يتحدث بالهاتف : الو...هلا ابوي مشعل...شفيك يبه شصاير؟
مشعل يشعر بالضعف ، بالضياع ، بالقلق ،بالارهاق وبكل شيء من الممكن ان يعبر عن حالته الآن ، وقف متوجهًـا ناحية البلكونة الموجودة في الصالة ، ينظر للمارة والطريق المبلل ، سحب نفسًـا عميقا ثم اردف : مابه شيء يايبه...بس حنا راح ننزل هالاسبوع...
بو رياض بقلق : ليه مو قلتوا بتنزلوا بعد شهر؟ شفيه صاير شيء لك ؟ *تعالى قلقه اكثر* وريف بنتي صاير لها شيء؟؟؟؟؟
مشعل يتنهد : لا يبه ...كلنا بخير الحمدلله...بس مضطرين ننزل ...
بو رياض بعدم اقتناع:مضطرين؟ ليه مضطرين يايبه صاير شيء؟
مشعل يتحامل على اوجاعه وتمر عليه احداث عاشها مع الغائب لمدة 11 شهرًا منذُ ان اتى الى كامبريدج ، ثم نطق واخيرًا : يبه بارجع...بس مابي اعدي الوطن الا وانت مسامحني...
بو رياض تجمد بقلق شديد وهو يشعر بغرابة : مشعل يابوك شفيييييييه عشان اسامحك؟ ليكون ضيعت ربك ...ليكون سويت شيء مايرضاه ربي..
مشعل ابتلع غصة عظيمة يحدق بالوريف : يبه سويت شيء اضطريت به بالشرع...لاهو حرام ولا هو عيب..واعتقد انك بتتفهمني اكثر لما ارجع...
بو رياض بقلة صبر وقلق : انت مسوي شيء وماتبي تقوله....متزوج؟
مشعل وهو يبتسم بسخرية في ذاته ويهمس بحيث لايسمعه والده : ياليت كذا...
ثم اردف له بصوتًـا مسموع : يبه بعد بكرة حنا جايين...بس اشوفك بقولك كل حاجة...وانا المسؤول في هالموضوع...
بورياض بغضب :تعال وتكلم مثل الرجال...لما يصير بك شيء قوله...وش له تخبيه؟؟
مشعل يتنهد : يبه صل ع النبي لاتعصب...انت معك الضغط...
بو رياض بغضب:لاتقهرني فيك وفي اخيتك...قل لي وش سويت؟
مشعل يتنهد بألم ووجع شديد وهو يلتفت لاخته التي جلست بهدوء تحدق بصمت وقلق في اخيها ليردف بصعوبة : يبه صل ع النبي مافيه الا الخير...تطمن وهدي حالك...بس ارجع اكلمك يايبه...بكرة الصباح حنا بنروح المطار..ان شاء الله بالليل او الفجر نوصل... سامحني يبه...
بو رياض بفجعة : اسامحك يايبه ليه وش مسوي؟ لاتتعب قلبي ...
مشعل بألم شديد يعتصر قلبه : عليك الله يايبه اجلس وارتاح ولا تحاتي...انتظر رجوعنا وككل العلم بيوصلك... يلا يبه فمان الله...
بو رياض عرف تماما بأن مشعل لن يتكلم : فمان الله...
أغلق السماعة بقلق شديد من ابنِه الذي يتحدث بنبرة غريبة وصوت مرتبك ، شعر بالخوف بالفعل، جلس على الارض العشبية وهو يفتح ازرار ثوبه العلوية ، تنفس بصعوبة ، شعر بوجع يعتريه لايمكنه احتماله ، تحامل على هذا الوجع كعادته ، ليرى زوجته تأتي وقد سحب لون وجهها حينما رأته هكذا بقلق شدديد: علي؟؟؟؟ وشفيك ...وش صاير ؟؟ عيااااالي فيهم شيء؟؟
علي ينظر لعيني زوجته بقلق شديد : مافيه الا كل خير..بس مشعل طالبني السماح..
ام رياض تضرب على صدرها : يمه عياااااالي....علي وش صاير؟؟؟ ليكون فيهم شيء ومايبي يتكلم...
علي يربت على كتفها : استهدي بالله يامرة...لو فيهم شيء كان ماحجزوا عشان يجوون... هم خلهم يرجعون سالمين...تالي انا اعرف وش بلاهم...
ام رياض تمسكه وتسنده عليها : طيب قم ياعلي لاتجلس هنا...ادخل داخل ارتاح على سريرك ليما يجهز الغدا...
وقف مطيعًـا زوجته وهو بالفعل يضع الاف الاحتمالات امام عينيهِ، وكل الاحتمالات لم تكن جيّدة ، كل الاحتمالات لم تكن في مكانها ، كلها باتت خائبه ، دعى الله طويلاً ، ناجاه بأن يحفظ له هذين الابنين ، وعد نفسه بأنه حينما يصل ابنيه الى هنا بالسلامة ، لن يسمح برجوعهما مرة اخرى ، فقد ابنه رياض مرة ، ولن يفقد هذين الاثنين مرة اخرى ، لن يفرط بهما ، اسند رأسه على السرير ، لم يكن لديه سوى القلق ، يتمنى من الله ان تمر هذهِ الايام بسرعة ، وتنطوي الساعات حتى يجد ابناءه امامه...
من جهة اخرى ، أغلق الهاتف ، كاد ان يعتصره بيده ويحطمه بتلك القبضة التي كانت تعتصر الهاتف ، لمعت عينيه بالدموع المتحجرة ، لكنهُ ابتلع غصته ونظر لاخته التي تراقبه بألم ، من أين الى اين ؟ ، تلك الغربة التي كانت للدراسة والنجاح ، الآن هي مجرد صراع أزلي يلاحقهم الى الوطن ، وقفت متوجهة نحو مشعل لتحتضنه بهدوء تحاول فيه عدم البكاء لتردف : كلمت ابوي؟
مشعل هز رأسه بوجع واطلق تنهيدة : ايه... ها جهزتي شنطتك واغراضك؟
وريف بللت شفتيها واحتضنت ذاتها : ايه... خلاص خلصت تجهيز الشنطة من الصباح ..
مشعل صمت وهو يرفع شعره الى الخلف باصابعه ثم سمعها تردف : يسامحك عشان الوضع اللي احنا فيه؟
مشعل هز رأسه وربت على كتفيها : احنا ماسوينا شيء غلط وريف ، صدقيني لو مكلم ابوي وقلت له راح ازوج ليث بالوريف بيقول زوجها...بس خبينا الموضوع عنهم للضرورة ...ابوي راح يتفهم ...بالبداية بيعصب ..ممكن يتفاجئ اكثر انك حامل...بس خلاص هذا هو الوضع وهذا الامر الواقع..
وريف تبتلع غصة ودموعها بدأت لامعة وواضحة : انا خايفة على ابوي مشعل يصيبه شيء..
مشعل قبل رأسها وابتسم لها ماسحًـا دموعها : لاتخافي ولاهم يحزنون...ماراح يصير في ابوي شيء لان احنا ماسوينا غلط...حركتنا كانت اضطرارية...ولو ماني عارف قرار ابوي ولاكان مازوجتك...وهالشيء من صالحك ومن صالح ليث...خلاص لاتفكري...اتركي الموضوع علي ..انا المسؤول...
وريف تهز رأسها برفض : ليث ماسمح لي اكون معه واوقف معه...رجاءا لاتسوي لي هالشيء وانا اختك...خلني معك نتلقى الضربة احنا الاثنين..
مشعل يتنهد : بس انتي حامل وخايف يصير لك شيء ..ساعتها الله يعينني على زوجك..
وريف تهز رأسها باصرار : ماراح يصير فيني شيء لاتخاف... الاشياء اللي شفتها هنا خلتني اقوى...
مشعل ابتسم مقبلاً رأسها : طيب... بكرة الصباح بنمشي المطار...
بلعت غصة اخرى ، غصة الودَاع ، هاربة الى الآن من اتصالات ليث ومن حالات الوداع ، لاتريد ان تودعه ، تشعر بأنها تفقد عقلها في تلك اللحظة ، يكفي تلك السنين الماضية من الغياب ، هل تودعه الآن ويغيب عنها وبكل بساطة ؟ لاتستطيع نسيان مواقفهم الجميلة ..حياتهم التي كانت في السابق ، لاتستطيع نسيان كيف كانت اكثر الناس سعادة حينما كانت معه ، قصتها الطويلة خلال الـ 11 شهرًا انقضت الآن ، كيف ستعود وتتركه؟ هل سيعود كما وعدها؟ لقد قطع له وعدًا كافيه بعودته؟ هل يعود ويوفي بذاك العهد؟ توجهت ناحية البلكونة ومافعلت ذاكرتها الا انها خانتها الذكرى لتعود امام عينيها وكأنها اليوم ..لأول مرة تكون فيهِ حلالًا له ، ولأجمل لقاء لهمُ ، لأجمل ذكرى خلدتها في عقلها ولم تنساها ابدًا
بعد خُروج سبأ وعبير ، لم يتبقى في هذه المساحة المحدودة من هذه الشقة الا هي .. وسيأتي الغائب عن دياره ليقف امامها وقفةُ حلال ، يالله .. كَمْ هذه الدُّنيَا شحيحَة ، تبخَلُ علينا حتى ان تُهدينا السعَادة كاملَة ، ماذا لو وقفنَا وكانت أمُه تنظر اليه ولِي ، وأبي يحتضنني ويوصيه علي ، كيف سيصاغ الكلام ؟ حينما أراه سأرتبك ، سينظر للمرة الأولى لامرأةٍ حلال ، تكون له بعد انقطاعٍ كاد أنْ يقتُله ، ارتباك مخيف يصيب جسدها ، وبرودة خفيفة تسري من كتفها العاري ، تمرر يدها بهدوء لتحافظ على دفئها وهدوئها ، كان الجَو غائمًا والسماء تكاد تبتلعُ القمر ، حتى القمر اختبأ .. فهل ستختبأ السعادة معه ، هل تبتسم ؟ ام تبكي ؟ ام تضحك ؟ سؤال تردد في نفسها ، وصار يحرقها من الداخل ..
سمعت صوت الباب يُفتح ، والمقبض يدار ، وقفت دون ايما ادراك ، وهي تنظر فقط للأسفل ، للأرض التي تتمنى ان تبتلعها كبذرة منسية من الغيث ، تحاول ان تشعر باقترابه لكن الخوف اعمى قلبها وصار قلبها ينبض بشكل مريب ، شعرت بالحرارة تشتعل في حنجرتها وعينيها ، رأسها ينبض كمن يطرق فيه دئبًا .. شعرت بيد تقدمها قليلا الى الامام ، هيَ يد مشعل ، لكن لماذا يقدمها للأمام .. سمعت مشعل يتمتم له ، لكنها لم تميز التمتمة ، جل ماتميزه هو لون حذاءه الاسود اللامع الذي ينتصب على الارضية الخشبية العاتمة ، الصمت فقط هو ما يجبلها على صياغة الاحرف ، .
لقد غُلق الباب ، رفعت رأسها بخوف فجأة وهي ترى مشعل يغادر ، ثم دارت بعينيها ناحيته ، ينظر اليها بحَسرة ، وبسعادة ايضًا ، هي تنظر للذي غاب عشر سنين ؟ هي تنظر للذي تبكيه امه كل ليلة ، هي تنظر لمن بكته جدتها وامها وخواته ايضًا .. فهل يستحيل عليها ان تفرح وتبتسم ؟ ، تقدم بخطواته اليها ، الصمت هو مايميز المكان ، لكن صوت خطواته شق السكون ، وقف امامها زفر براحة ، ثم رفع رأسها الى حيث يستطيع ان ينظر .. وكل مانظر اليه .. هو عينيها ، هويته !
أأضيفها الى هوياتِي الأربع ؟ أم أكتفِي بها هوية ؟ هل حينما يقال من هو الليثُ أشير الى عيناك ؟ هل استقطبت يومًا عذاب عشر السنين ، ولملمته في ليلة مغيمة وجمعته في عيناك ، هل سمعتِي عن شقائي ؟ اني أرى فيهما لهيبي وعذابي ، وسعادتي وشقائي ، لا اظنك تدركين ما ادركه ،
وتمر الدقائق وهو ينظر الى عينيها فقط ، وهي ترتجف اكثر واكثر ، وكل مافعله .. انحنى الى مابين عينيها وقبله ، استنشق انفاسها ثم وضع كفه على جبينها قائلاً :
اللهم إني أسألك من خيرها ومن خير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلت عليه ..
ثم همس بآمين خاتمًا اياها ، التفتت الى النوافذ التي تهتز بالمطر لقد نزل الغيث ، وبلل قلبه وقال لها هامسًا : حتى المطر مابخل علينا .. بارك لنا بطريقته ..
ابتسمت بارتباك من تعبيره واحمر وجهها ثم قال : محفوظة بالعين ..لا تخافي مني وحقك تخافين..طيف انسان اختفى عشر سنين وتكونين حلاله .. يامصعبها ..بس تحمليها..
رفعت عينيها اليه ودموع قفزت الى محاجرها وقالت : ماهي صعبة .. بس احس بحسرة ..
ابتسم ومسح اول دمعتين نزلتها منها وقبلهما ثم قال : لا تبكين ..مابي شيء يخرب ليلتنا ..ممنوع البكا سامعة ؟
وريف تهز رأسها بطاعة ، يجلس معها ثم يقول : ماخبري بك كبرتي..وحلويتي هالقد !
احمرت ، وحكت جبينها باحراج وهي تقول : مبروك علينا !
ليث رفع حاجبه : كمليها ..
عقدت حاجبيها بدون فهم ! ، ابتسم وقال : كلمتك مبتورة .. قولي مبروك علينا بعضنا ..
ابتسمت بخجل ، قبل يدها وهو يشمها بعمق ويحتار اهي رائحة الوطن ام رائحة امه التصقت فيها فهيجت حنينه ، قال وكأن الدموع من عينيه تعلن انهزامه ، لكنه لم يكن لسمح بها ، فقط لمعانها هو ما نبأها بأن الليث يتوجع ، سحبت كفها بقلق وقالت : لا تشمها ..اذا هي بتهيج احزانك..
هز رأسه : حقك تطلبين..بس محروم ..وريحتها تذكرني بريحة امي..
هُنا هي لم تتحمل كلامه فانفرطت في بكاء شديد وهي لا تنسى شريط المعاناة ، بعد كل هذه السنين ، يريد امه بقوة ، وامه تريده .. ما اكثر العقُوبة ، واكثر الحُرمان .. ، حينما احتضنها ابتسم وهو يقول لها : ليه تبكين ؟
وريف تمسح دموعها ، لم تكن لتخشى على المكياج ، عبير تعرف بأن وريف ستبكي لذا وضعت عليه مثبت ، كرر سؤاله وقال : علميني .. ليه تبكين ؟
وريف تنظر لعينيه بأسى : كل ماذكرت امك ينكسر قلبي عليك وعليها ..
ليث يبتسم : مابقى شيء..
احمرت بخجل من نظراته ، ثم قال لها : مابيك تبكين ..
وريف تبرر موقفها بابتسامة خجولة : غصبًا عني
ليث يمسك يدها ويضعها على صدره وهو يقول : قد قرارك ؟
وريف تبتسم له بحياء وتهز رأسها ،
ليث يتجرأ ويضع يده على شعرها المموج ويغلغل اصابعه بين خصلاته الناعمة : تدرين اني قبل كنت اقول لامك اني ابيك ؟
وريف تعقد حاجبها : ماكنت ادري الا بأن امك وابوي يبونا لبعض..
ليث يبتسم : كنت احرك شعرك بذات الطريقة واقول لامك..لاكبرت لاتقصين شعرها..ابي شعرها يطول..
وريف بخجل تبتسم : عرفت الحجة اللي كل ما اقول لامي بقص شعري تمنعني
ليث تتسع ابتسامته : زين سوت فيك
يفرك يديها بين كفيه ويقول لها : لو في يوم شفتيني بارد وجامد.. وماكنت اعرف اعبر عن مشاعري ..فاعذريني..سنين وسنين ماتعاملت مع انثى بهذي الطريقة ..وكل شيء حولي كان اقسى من اني اكون لين..
وريف تهز رأسها : مقدرة وضعك..
يحتضنها فجأة ليكون رأسها على صدره ويقول : لا تتحركين.. داخلي جحيم..قربك يطفيها
وريف بقلق تضع يدها على صدره : يارب ينور لك صدرك..عسى ان تطفى نيرانك
ابتسم ، وهذا مافعله، صوت البرق وتطاير الستائر هو اجمل منظر كان يتستمعان برؤيته ، سهروا طويلاً بين احاديث كثيرة لم تكن لتنقطع .. احاديث محبوسة في اقفاص العشر سنين .. كان قد سمح لمشعل ان يأخذ شقته ريثما ينتهي من هذا اللقاء ..
بعد انقضاء ساعات طويلة وكان الليل قد انتصف ، قبل رأسها وقال : يلا ..ريحي راسك وبعدين اشوفك..لازم امشي الحين..مشعل بشقتي وعيب في حقه اخليه طول الليل لوحده..
ابتسمت وهزت رأسها ، قبلها في عينيها وقال : الله يحفظ هالعينين يشهد الله انهن يسرون الصدر..
ابتعدت بخجل انثوي ثم وصته على نفسه قائلة : انتبه لنفسك..
ليث يودعها بنظراته بعدما هز رأسه بطاعة ، وانسحَب عن المكان ..
هي ايضًا دخلت حجرتها بانهاك ، لكن السعادة هي ماتميز شعورها..فتحت دولابها لتخرج لها بيجامة قطنية وترتديها بعدما ان مسحت المكياج ، شعرت بمشعل يدخل ، خجلت من مقابلته ، قررت ترك المقابلة للصباح ، من الواضح انها منهكة جدًا .. هل هي من السعادة المفرطة ؟ او من صدمة اللقاء !
نَامتْ ، وَحسبْ !
لمعت عينيها بالدموع على هذهِ الذكرى القديمة ، كيف كانوا سعداء محملين بالآمال ، مستعدِين للتضحية بكل شيء حتى يعودوا بسعادة اكبر واكبر ، أسفها على الوقت التي هي فيه الآن ، رهينة للألم الذي جعلها تعود مجبرة لأجله ، رغم عدم اقتناعها بالرجوع الا ان اصراره عليها كسر بها كثيرًا ، منذُ اللحظة الاولى التي عرفت فيها ليث ،علمت انها ستعاني وهي مستعدة لذلك ، لكنها لم تتوقع انه يبعدها عن المعاناة ليتلقى كل شيء هو بنفسه ، جعلها بهذهِ الطريقة تعاني اكثر من المعاناة بذاتها ، اختنقت بحزن شديد وهي تعض على شفتيها ، تتمنى من الله ان تكون الليلة القادمة نسيمًـا على صدرها وصدره ، لاجحيمًـا تتعذب منه ، لانها تعلم ...انها لا تستطيع ان تتواصل معه بعد الآن ...ستولي امره لله ، عائدة الى الوطن ، تحمل قطعة منه ...
،
فَتحت عينيها لخُيوط الشمس التِـي تسللت في مكانها ، تزورها وكأنها تُذكرها بوضعها الذِي يتسلل اليها كابوسًـا كالحلم ، ابتلعت غصة خانقة وهي تشيح نحو النافذة ، كيف تذكرت عيني آدم ، تحولت الى عيني اقسى انسان فرعوني على وجه الارض ، كان قاسيًـا مثل حدة السكِين ، يجرح بقوة رغم انه لم يدخل الى العمق ، ليتها لم تتذكر كل كلمة قالها وطعنها بها ، حرامٌ عليك يا آدم كل تلك الايام التي قضيتها وهجًـا بعينيكِ ، وجعلتك من الظلمة دليلًا لي ، أنرتُ بكَ كل محيطي ، وداخلي المظلم أصبح مشعًـا في كل مرة تبتسم فيها لي ابتسامتك الرجُولية التي تضحك فيها عيناك لِـي ، كم كان مؤسفًـا علي أن اعطيك تلك القيمة التي لم اعطيها أي رجلٌ آخر ، موحشة هي ليلة البارحة ، كيف كنت استلقي بالسرير باكية احدق في ستائرة النافذة ، تحركها الريح وتتقاذفها بين الفينة والاخرى ، كما تفعل انت بجروحي ، تقلبها على مزاجك ، كنت انتظر قدومًـا منهزما منك ، تأتي لتعتذر لتخبرني بمشاعر كنت اصدقها في عيناك ، أسفي على تلك اللحظات التي صدقت بأن لديك قلب ، لكن ومع الاسف ، انت لا تحمل في صدرك سوى حجر قاسي لايمكننا هدم حصونه التي بنيتها اسوارا حول قلعة مشاعرك ، ليتني لم اكن هشة ولينة الى تلك الدّرجَة ، فقد كان تشكيلي في يديك سهلاً ، ولم تبالي لهشاشتي ، اشعر بالخواء يزور بدني ، ألم عظيم يزور قلبي ويودعه الى العالم ، حتى ان التنهيدةة اصبحت ثقيلة ، لاتطرد الوجع ، بل تبقيه وتمجده بين اضلعي ، لقد اعتدت على تجريحاتك آدم ، لكن هذهِ المرة ...انا بالفعل لا اشعر بأنني بخير...
نهضت بسرعة ودخلت الى دورة المياه ، ارتدت فستانا هادئًـا ، لمحت وجهها وملامحها امام المرآة الطويلة ، كانت شاحبة ، بياض بشرتها لم يخفي كل هذا الشحوب ، بللت شفتيها وهي ترفع كتفيها بعجز وباعتراف خطير امام المرآة : مايستحق... وخالقي مايستحق انه يشوفك بهذي الطريقة...
قررت انها تبتسم ، حتى وان كانت الابتسامة صعبة ، حتى وان كانت تخفي مشاعرها وتدوسها ، فالحقيقة غالبا ماتكون مرة ، ولكن لايجب ان يرى الآخرون ضعفنا فيستغلوه لصالحهم ، ...
خرجت الى الاسفل الى غرفة الطعام ، للفطور ، كان الجميع متواجدين ، الاب والاخ ، وآدَم...
حينما رأته يبتسم وكأنه لم يُجرح ، جرحت اكثر واكثر ، وكأنه لم يتأثر ولم يواجهه شيء ، نام ليلته ككل ليلة بينما هي سهرت طويلاً باكية ، منكمشة تحت ثوب تجريحاته ، هاهي الآن تبتلع غصتها واقفة امام الباب سارحة دون ان تخطو خطوة واحدة ، عينيها تلمعان بالدموع وكأنها ستبكي ، لكنها لم تفعل ذلك ، تحاملت على جروحها وابتسمت بصعوبة لم تواجهها من قبل وهي تتقدم بهدوء لتجلس مقابله ، همست بهدوء : صباح الخير...
يبتسم سعود لابنته وهو يحدق بها : صباح النور ...كيف حالك يبه ؟
هاجر تهز رأسها وهي تضع من الفطور في طبقها وتبتسم رغم الجروح العميقة التي بها لتردف : الحمدلله يبه...*نظرت الى عيني آدم مباشرة وبقهر شديد * حالي في أحسن مايكون...
توقف آدم لوهلة ، كيف لهذهِ الانثى ان لاتكون بلا شعور؟ بينما هو لم يستطيع النوم ليلة البارحة؟ كيف كانت بارعة وهي تبتسم جميلة وكانها لم تجرح منه؟ هل يعقل ان يوجد انثى سادية المشاعر مثلها في هذا الكون؟ اين الكم الهائل من العاطفة الذي كان بانتظاره؟ كيف تنظر لعينيه مباشرة وتقول بأنها في احسن مايكون؟ بينما هو يتعذب بسبب كلماتها الغير مبالية؟ ، تحامل على كل مابه من غيظ شديد ليبتسم وهو يحدق بعينيها وبنبرة مقصودة : الله يديم سعادتك...
توقفت لثوانٍ قليلة عن المضغ ، ثم عادت لتبتسم بعينينِ ساخرتين : اللهم آمين...
سعود يحدق في هاجر : هاجر يبه كلموني الجامعة انه راح تبدأ دراستك في شهر أبريل الجاي...
هاجر بنبرة غير مبالية لادم : ايه انا نسقت جدولي... قبل اسبوع...مع بداية الدراسة اكون انا بديت معهم..
سعود يمسح فمه بالمنديل : حلو ..الله يوفقك يايبه...يالله انا ماشي مع اخيك عندي شغل...تبين حاجة؟
هاجر تهز راسها لتكمل فطورها وبابتسامة : سلامتكم...
خرج الاثنان ، وبقيَ الاثنان ، هي وآدم ، آدم كان صامتًـا منشغلا بحديثه ، بينما هي كادت ان تجن من صمته ، حاولت ان لاتفتح اي حديث معه ، لكن لسانها يخونها في كل مرة لتردف : ماسألتني وش ادرس...
صعقها بالاجابة وهو يرفع كتفيه بصراحة قاسية : مش مهم بالنسبة لي...ولكن مع ذلك ابوك قالي انك تدرسين علاقات عامة...
دُهشت من مدى تجرده من المشاعر ، لقد اصبح اقسى واقسى من السابق ، كأنها نفثت عليه رمادًا لصيبح دخانًـا ، تقسم بأنها لم ترى حجرًا مثله ، لايشعر ، لايملك قلبـًا ، لايمتلك الشعور ، ابتلعت غصة اخرى فوق غصاتها التي تبحر في ذهنها ، ليصدمها بينما يغرز شوكته في المارتديلا ويقطعها بسكينه ويلوي شفتيه بغير اهتمام : رغم اعتقادي بأنك آخر شخص في هالعالم ممكن ينجح بـ هالتخصص
صفعت بشوكتها بقوة على الطبق وهي تغمض عينيها بغضب ثم تفتحها وتحدق فيه بقوة : خير سيد آدم؟ وليه مش ممكن اني انجح؟
آدم ضيق عينيه وحدق فيها بصمت ، جمالها الغاضب يأسره في كل لحظة ، لايستطيع اخفاء اعجابه بهِا وخصوصا حينما تغضب ، لكنه تحامل على مشاعره ليردف بسخرية : لانك افشل انسانة ببناء العلاقات...والدليل *اشار اليها واليه باصبعه* حنـــا!
اطلقت ضحكة سخرية قصيرة رغم قهرها وغصتها المؤلمة : المفروض تكون ممنون من هالوضع سيد آدم لان السبب في هالشيء هو انت مش انا...
آدم يمضغ طعامه وهو يحدق بها ساخرًا : مابي اتناقش معك في هالموضوع...*ووقف وهو يمسح فمه بالمنديل وبنبرة مختلفة* لاني اعتقد ومن وجهة نظري ان حنا نهيناه امس وحطينا له حدود...
هاجر بغيض تبتلع غصتها وهي تقف : ابدًا حنا مانهيناه سيد آدم...بل بالعكس حنا بديناه...
آدم يبتسم وبنظرة قوية هزتها : ماعليك زود ..سويتي اللي عليك وزيادة
هاجر شتت نظراتها كي لاتبين ضعفها وتبكي أمامه : وانت ماقصرت ...كفيت ووفيت...
ابتسم آدم وهو يمسح يديه بالمنشفة وصمت للحظة وهو يحدق فيها لدرجَة انها شعرت بالارتباك الشديد ، خاف ان يضعف امامها وتبين ملامحه التي تبين مدى هذيانهِ بها ، هز رأسه يطرد الافكار العقيمة من رأسه ثم توجه لكي يخرج متجاهلا تلك الفتاة التي تحدق فيها بأمل ، لكنه صُعق حينما سمع نبرتها المهزوزة للحظة مردفة : كيف كانت نومتك ليلة البارح؟
ضيق عيناه مبتسمًـا ثم التفت ناحيتها بسخرية : يهمك؟
هاجر بضحكة ساخرة اردفتها : ههههه طبعا مايهمني... بس سألت لان اول مرة يدور بيننا حديث بـ هالقساوة...
آدم مبتسمًـا ابتسامته الرجولية الوسيمة وكأنه يحللها ، وكأنه وصل الى انها مجرد انثى مهزوزة من الداخل لكنها تكابر جدًا ، لم يتأكد من هذا الموضوع بعد ، الا انه شعر بهِ وكثيرًا من سؤالها ، اردف : بما ان مايهمك؟ وشو له تسألين؟
صمتت هاجر بارتباك وهي تحاول ان تبرر : لانو...كنت...
آدم تقدم ناحيتها بطريقة اربكتها جدًا ، ازالت حصونها الماكرة امامه ، فتحت ابوابها الحبيسة وتحررت عينيها وهي تظهر الارتباك رغمًـا عنها ، خصوصا حينما اقترب كثيرًا وشعرت بهِ يغمض عينيه ويشتم من انفاسها ثم يقترب من اذنها مردفًـا : لانك مانمتي...
رفعت عينيه لمستوى عينيه سارحة ، تائهة ، شاردة ، الا انها انتبهت لتردف بقوة : بل بالعكس...كانت نومة مريحة لي..
آدم بسخرية يبتسم ببرود : والله برافو ياهاجر... انا ايضًـا نمت نومة مريحة...لاني قلت الكلام اللي من المفترض انه ينقال..
هاجر لوت شفتيها تحاول كبت الغيض وهي تبتعد عنه كي لاتضعف اكثر واكثر : اذا على كذا...اعتقد انه مافي احد منا مضطر انه يعيش حياته مع الثاني يا آدم...
آدم يصمت لدقائق ثم يردف : بالضبط...وخصوصا اني مو قادر على احتمالك...
صمتت وهي تشعر بالجرح العميق يصيب النخاع ، هُزمت بصمتها حينما غادر المكان ، أتت الخادمة التي شهدت نهاية الحديث ومن الواضح توتر الجو ، ارتبكت وهي توضب طاولة الفطور بينما هاجر لازالت واقفة في مكانها تحدق لطيفهِ الذي رحل ، تتمنى لو انها تخبره بما تشعر ، لكنه في كل مرة يجرحها ويستهين بها وكأنها خردة ، بينما هي تموت وجعًـا كل ماتذكرت تجريحاتِه الاخيرة ، هل يعقل ان يكون الانسان الى تلك الدرجة منن دون قلب؟ ، قوست شفتيها تحاول كبت دموعها ، لكنها فشلت وهي تضع كفها الصغيرة على شفتيها وتشهق لتستمر في نوبة بكاء مؤلمة ، ركضت الى غرفتها بألم شديد وهي تراقبه من نافذتها ، متوجهـًا الى حلبة الخيل ، يمتطيه ، ويجعل من نفسه فارسًـا ، كما يفعل دائمـًا لمهرته....
،
صَحت الساعة الخامسة صباحًـا ، لاتعلم لماذا شعرت برغبة في النهوض ، رغم تعبها الشديد ، تنفست طويلاً وهي ترجع شعرها الاسود الى الخلف ، نهضت وهي ترتب فراشها ثم نزلت الى الاسفل ، مرت في ردهات المنزل لتجد ابنها فهد قد تغيرت ملامح وجهه ، تلقائيًـا هي سحب اللون من وجهها ، نظرت الى باب غرفة اخيها الغائب مفتوح ، توجهت بخوف شديد ناحية والدتها التي كانت تبكي بصمت ، عينيها امتلأت بالدموع وهي تحتضن والدتها بخوف وتبكي : يمه...يمه صلِّ ع النبي لاينخفض السكري معك...خلاص يمه وكلي الامر لله...لاتتعبي قلبك يايمه...تكفين..لو مكتوب له يرجع بيرجع...
ام ليث بألم شديد وهي تمسح دموعها : عذبني اخوك ياشوق...حتى خبر منه ماوصلني...وحتى كلام اللي حولي مارحمني...ابيه خبر عنه حتى لو كان مفقود او مسجون...المهم اسمع ولو خبر صغير عنه وارتاح ياشوق...
شوق بألم تمسح دموع والدتها وتقبل رأسها : تكفين يمه خلاص...ادعي ربي واتركي الامر عليه... وصدقيني الله بيكتب له ولنا الخير...
ام ليث بابتسامة وهي تمسح دموعها : ياحلو طوله ياشوق...ياحلو طوله لا اقبل علي...
شوق بوجع تصمت وهي تحدق في صوره ، شاب في العشرين بذقن خفيف يرتدي ثوبه وشماغه ونظارته الشمسية مبتسمًـا في الصورة يقبل رأس جدته، سعيدًا وسعادته لاتشبه اي شيء ، كان هذا قبل ان يداهمه المرض ويصل الى روحه بعدة ايام ، تتذكر انها التقطت تلك الصورة في يوم العيدِ ، بآخر عيد لهم حينما كانت هي بعمر الثامنة عشر واسماء لازالت صغيرة بعمر الثالثة عشر ، ابتسمت تلقائيًـا وكأن الموقف يزورها اليوم..كانوا يجلسون في الصالة وبجوارهم جدتهم ، حتى انه في الصورة كان يقبل رأس جدته ، ضحكت كثيرًا بين دموعها وهي تتذكر كيف كان يوبخها لانها لم تلتقط الصورة سريعا
ليث بتملل : وبعدين معك انتِ؟ ماتنعطين وجه...يالله اخلصي علينا ابي اروح اصلي الصلاة مع الجماعة ...
شوق وهي تضبط اعدادات الكاميرة بحماس : طيب والله اخر مرة بس الصور مظلمة ....يالله عاد انتظر بس شوي..
التفت الى جدته وهو يبتسم : جدتي تفاهمي وياها...انا عطيتها وجه بما فيه الكفاية...
ام عبد الرحمن بغضب : انتي بتخلصي على اخوك لا اكسر هالعين على راسك...
شوق بضحكة : ههههههههههههه وش عينه يايمة ...هذي كاميرة ...
ليث يقبل رأس جدته بحب : ياعساني مانحرم من هاللسان يايمه...
ام عبد الرحمن بدموع : فديت طولك يايمة...
تأتي ام ليث بحذاء ليث بعد ان قامت بتلميعه بنفسها ، وقف ليث ناحيتها وبعدم رضى مسك الحذاء يحدق بأمه : الله يسامحك يايمه يعني كان له داعي انتي تسوين هالشيء؟ كان قلتي لي وانا سويته...
ابتسمت ام ليث بحب لابنها : ياجعلني المع لك جزمة عرسك يايمه...وشفيها يايمه انت ولدي وخلني اسوي لك كل حاجة ...بعد ماعندي ليث غيرك...
ابتسم مقبلاً رأس والدته : جعلني مانحرم منك بس...
شوق بمقاطعة وبحماس: ضببببببطتتتت ضطبتتتتتتتتت....
ليث يلتفت وهو يبتسم ضاحكًـا على حماسها المفاجئ : انزين طيب خلاص العالم كلها عرفت ان كاميرتك ضبطت...خلصينا انا ابي امشي هالحين...
نظر لساعته وهو يجلس بجوار جدته ، نطت اسماء في حضنه لتردف جدته : وهذي هالنسرة من تشوف احد بيتصور قطت وجهها...
اسماء تحتضن ليث : جدتي انا بصور مع اخوي...شفيها حرام؟
جدتها تبتسم : ياجعلني مانحرم من هالاخوة بس
شوق تنظر لهم بابتسامة : ها جاهزين...
ليث يبتسم وهو يحاول ان "يجننها " : لا اصبري بعدل شماغي...
وقف امام المرآة يضبط شماغه امام عيني امه التي ابتسمت له : ياجعلني ازفك معرس...
اتسعت ابتسامته : اللهم آمين...
جلس على الاريكة بجوار جدته يقبل رأسها مبتسمًـا لتلتقط تلك الصورة واخيرًا بعد عناء ، مُمجدَة تلك اللحظة التي من المستحيل ان تُمحى من خيالها ، بكل حذذافيرها كانت تلك اللحظات دافئة لا تشبه اي شيء آخر ، داعبتها الغصة الأليمة لتمسح دموعها وهي تمسك بامها تساعدها على الخروج ، اجلستها على الاريكة وهي تنظر لفهد الذي ينظر لهم وقد تغير وجهه ، سمع والدته تردف : فهد يمه قوم جيب لجدتك موية..
توجه راكضـًا الى المطبخ وجلب الماء لها ، اعطاها امه ثم مدته لأم ليث التي شربت منه بعد ان بلعت دوائها ، هدأت قليلاً ثم ابتسمت لشوق : اجلسي خلاص مافيني شيء..
شوق تضع كأس الماء على الطاولة وتحتضن والدتها : يمه انا مابيك تشغلي عقلك وتفكري ..خلاص احنا سوينا كل اللي بيدنا...ماظل احد ماوكلناه يدور له...لو كان موجود بيجي خبر عنه...
ام ليث بغضب تحدق بها : استغفري ربك ...تفاولي على اخيك...ماتدري انه ممكن يكون عايش مثل ماقلبي يقول...
شوق تهز رأسها : فال الله ولا فالي يايمة...انا ماقصد انه ممكن يصير له شيء لاقدر الله...بس انا اقول خلاص اتركي الامر لله...انتي تتعبي اكثر لو فكرتي به...
ام ليث تنظر لابنتها بلوم : تلوميني يعني؟ لو فهد ولدك بسم الله عليه اخذه ابوه يوم وانتي ماتدري تعرفي ايش ممكن يصير فيك؟
شوق بخوف وقبضة على قلبها همست معتذرة لامها بعد ان شعرت بشعور ارهبها : معك حق يمه...اعذريني والله...بس انا خايفة عليك...
ام ليث تهز رأسها : لاتخافي علي ياشوق...انا ربي باذن الله كاتب لي العمر لين اخوك يرجع..
شوق تحاول التماسك وعدم البكاء:عسى عمرك طويل يايمه ...تشوفينه وتشوفين احفاد احفاده...
ام ليث تبتسم لابنتها وهي تحتضنها : يابعدي يايمه...خلاص قومي نامي...
شوق تهز رأسها بابتسامة : مو جايني نوم يمه..انتي يمه قومي ريحي شوي وانا بجهز الفطور الحين مع الخدامة ...
ام ليث تبتسم : طيب...وقومي اكوي ثوب ولدك عشان يداوم...
شوق بابتسامة : ان شاء الله...
توجهت الى فهد الذي بالفعل كان لون وجهه مسحوب ، رافقته الى الاعلى لتسمعه يردف : يمه الحين يوم كنت موجود بـ هالدنيا...لحقت على خالي؟
ابتسمت شوق لسؤاله وهي تكوي ثوبه : اكيد حبيبي...كان عمرك سنة ...بس ماشافك كثير لانه كان ببريطانيا...كان يشوفك بالزيارات...
فهد بعدم فهم : طيب ليه غايب طول هالوقت وش صاير؟
شوق استغربت من سؤاله كثيرًا لتلفت ناحيته : ليه تسأل هالسؤال؟
فهد بدهشة وهو يرمي القنبلة : يمة انا من حقي اعرف عشان احدد موقفي ناحية خالي
شوق عقدت حاجبيها بغير فهم وهي تلتفت ناحيتيه : تحدد موقفك ناحية خالك؟ وش اللي تحدده بالضبط!!
فهد بارتباك وهو يحدق في والدته : ابوي....*حينما لمح عينيها تفتحان بصدمة غضب اردف متلاشيًـا* أعني الناس....يقولوا ان خالي قاتل
صُعقت مما يقوله ، وهي تحدق فيه وتهز رأسها برفض مما سمعته : انت طاوع ابوك وبتوديني وياك في داهية...
فهد يهز رأسه : يمه انا اعرف ان ابوي ينتظر الزلة عشان بس يسوي مشكلة...بس المشكلة حتى الناس يتكلموا...وانا مثل الاهبل ماعرف ولا حاجة...خلاص يمة ماعادني طفل اقدر افهم وتقدري تقولي...
ابتسمت له وهي تحدق في عينيه : يمه فهد انا ماقدر اقولك شيء لاني حتى انا ماعرف حاجة ...وشنو صار...بس الحكومة البريطانية متهمين اخوي ليث بقضية قتل واعتبروه مجرم هارب ومن ذيك السنة والدنيا مقلوبة عليه هنا وهناك....اللي نعرفه انا وامي وعمي علي شيء واحد بس...ان ليث مستحيل يسوي هالشيء بدون سبب...وواثقين بانه انسان بريء...وانه بيجي يوم من الايام وربك يكشف الحقائق...انت سكر اذنك يايمة عن كلام الناس وامشي على كلامي ...خلك واثق اني انا اعرف اخوي كثير وفاهمة انه ما اقدم على هالخطوة الا وهو عارف الصح من الخطأ ...وكلنا نعتقد انه كان مضطر...بس لو ترك لنا اثر او دليل عنه يمكن هالشيء يسكت افواه الناس...
ابتسم فهد : ثقي بالله وثقي تماما بأني مستحيل امشي ورا الناس..انا محتاج شيء يثبتني ولا انا واثق ان ربات ام ليث ماتبور...
ابتسمت بفخر وهي تقبله : حبيبي الله يعتز بجدته...ياجعل عيني ماتبكيك...
فهد : طيب يمة تتوقعي في مجال ان احد يلقاه؟
شوق لوت شفتيها ولازالت تكوي ثوبه وبحيرة : امممم...شوف..عمي علي يقول انه في احتمال كبير ان ليث يكون متخبي عشان يلقى حل لقضيته...وهالشيء حتى الشرطة البريطانية والسفارة السعودية متوقعته..عشان كذا الكل متحرك في قضيته...بس اللي مو معقول كيف انه عاش هالعشر سنين متخبي وكيف مدبر امره...
فهد بتفكير : عدل كلامك يمه...بس في احتمال ثاني...
شوق بألم : هذا اللي انا خايفة منه...لا ان شاء الله يكون باقي عايش ويرجع لنا...
فهد : يعني هذا السبب اللي خلى جدتي تنتظر طول هالسنين..
شوق تهز رأسها : ايه...وبدون شيء امي بتظل تنتظر لين اخر يوم في عمرها...جعلني ماشوف فيها يوم..
ابتسم فهد : ان شاء الله يارب يرجع...وتزوجوه وتزوجوني في نفس اليوم مرة وحدة...
شوق تضحك وهي تنفض ثوبه بعد ان كوته : بس هذا اللي انت فالح فيه ههههههههههه...
فهد يغمز لامه : افا عليك...
شوق تبتسم : طيب يالله انزل عشان تفطر ويمرك عمي يوصلك المدرسة ...لاتتأخر عليه لانه بيروح العمل...
فهد : ليه السواق شفيه؟
شوق وهي تنزل : السواق مريض حتى انا اشغالي أجلتها على حسابه...يالله انزل بسرعة لاتتأخر يمه..
فهد : ان شاء الله...
ابتسم وهو يتخيل خاله المنشود رجوعه...خاله ليث ، تخيل لو انه بالفعل يعيش متخبئـًا في ظل تلك الملاحقات ، كم سيكون بطلاً عظيمًـا في صبره وانتظاره في نظره ، تمنى من الله ان يعجل تلك اللحظة ، لكي ترى جدته او تسمع اي خبر عنه.
،
يَجلسُ في سيارته اسفل الفندق التي تقطن فيه الوريف، السيارة التي كانت واقفة وتشتغل الماسحات لمسح رذاذ المطر ، أصبح موسم المطر أطول في هذهِ السنة ، حتى هو شعر بما في الدنيا ورفَق!، لكن هناك قلوب من حولنا لازالت قاسية ولا ترحم ، ابتسم تلقائيًـا بحزن وهو يتذكر سلسلة اللحظات التي قضاها هنا ، كيف قضى لحظاته معها ، كل زاوية حول هذا المكان تذكرهُ بتفاصيل الحياة معها ، اولها شقته ، البلكونة ، الحديقة الخارجية ، سيارته ، لاينسى ردة فعلها اول مرة حينما عرفت بأنه ليث ابتسم تلقائيًـا واصدر ضحكة قصيرة وهو يتحدث فيها مع نفسه : كنتي تدعين علي بمال الطرم! وين كنا ووين صرنا يابنت ابيك؟
ابتسم وهو يلتفت الى المقعد الذي بجواره تذكر تماما كيف كانت منكمشة في زاوية الباب تنظر اليه بنظرات خائفة ، كانت في بداية الغربة لذلك كانت بالفعل جبانة وتخاف من اقل الاشياء ، يتذكر انها كانت لاتمشي الا خلف مشعل كظل له ، تحتمي به ، يتذكرها ويتذكر تلك التفاصيل كيف كتمت سره وحفظته في صدرها ولم تطلعه حتى لاخيها ، حتى انه اضطر ان يتشاجر معه اكثر من مرة ، تلك الفترة التي كثر فيها العراك مع مشعل ، لانه تمرد قليلاً مع الوريف لذلك لم يرضى بهذا الامر واضطر ان يحاسب مشعل على تمرده ، تنهد طويلاً ليبتسم وتلك الذاكره لم تخنه الى الان ...الاصوات نفسها...وردات الفعل تنطوي امامه كشريط يعاد تشغيله
تخرج لتقفل الباب..تلتهي في ترتيب البالطُو الذي ترتديه وتلمح سيارة مشعل وهي تقرر فِي دواخلها بأنها ستُخبِرهُ مهمَا كان السّببْ..تجلس باهمال وتوتر ..تفتح النافذة لتشّم الهواء وهي تهمس وتفرك جبينها بتردد : مشعل..من زمان خاطري أقولك بشيء..بس خايفة اكون غلطانة او ظالمة الانسان..بس مافي شيء يوقف بصفه الا اغلاطه..واتوقع انه يستغلك وماهو واقف معك..هذا الانسان يوقف ضد ليث ماهو معه ..ويبي يستغلنا لان حنا هل قبيلته ووينكب بنا وبولد عمنا..انا هذا اللي جى في باله..صاحبك يوسف يامشعل شفته مرة وانا بسكر الباب يطيح منه شعر مركبه في وجهه..هذا اكيد يستغلنا..وحرام اني اسكت واشوفك واثق فيه وكأنه اخوك بينما انت توك قبل كم يوم شايفه..اسمع مني وانا اختك هذا انسان ماينوثق فيه..الا انت الحين ليه ماتمشي..
مِن المفترض ان يرد مشعل ولكن الصوت الذي جائها أرعب كيانها : نمشي عشان خاطرك بس لي كلمتين علي الحلال ان مانزلك الا وناا قايلهم ولا انتي فاضحتني..
مشى يحرك سيارته ويقفل الابواب مضطرًا حتى لا يخرب مشروع هويته الصغير فتَاة بعدَ كل هذهِ الايام تأتي فتاة لتكون كعطل غير ارادي يتحرك في مسيرته ..
وريف بخوف : عليك الله ان تنزلني وش تبا انت ..علييييييك اللعنة نززززلي يامال الطرررررررم..
لم يرد على تساؤلاتها لانه كان صامتًا ويمشي بينما هي ترد عليه : لله ان تتركني وش بتسوي فيني..تبي تخطفني..؟؟؟ ترا والله ماهو من صالحك من يوووومي دارية وعارفة انك تبي تستغل اخوي مشعل
بكت بدموع اسيرة وهي تردد : ياحسرتي..ياويل حالي على نفسي بعد عمري هذا كله يخطفني انسان مثلك نزززززززززززلني الله لايوفقك نززززززلني..ليه ماترد...رد علي يامال الطرم ..
لم تلقى ردا سوى انه وقف خلف بناية الفندق لانه فقط استدَار وله حكَمة من استدارته : انكتمي..ماني مسوي لك شيء..قايل لك كلمتين ونزلي..عنبوك 10 سنوات من عمري ساتر على نفسي وبالنهاية بنت تفضحني..
ارتعدت بخوف وهي تقرأ آيات الله ثم تردف : وش بتقول ..
لم يرد عليها لكنها حذفته بعلبة صغيرة على وجهه ليرد ..اصابت وجهه ..من خوفها لاتعلم ماهي التصرفات التي تصدر منها..جلّ ماتفكر به بأنها ستموت بعد هذا العمر كله على يد هذا االانسان الذي من البداية كان يخطط لخطفها..
تنفس ليث بغضب : شوفي يابنت ان ماانكتمتي لله ان لذبحك لله !!
وريف تمسح دُموعها بخوف وهي تحتضن حقيبتها : طيب يابونا غلطنا يوم ركبنا سيارتك ومن السماح كنت افكرها سيارة اخوي ..افتح السيارة ياخوي حرام اختلي فيك بمكان واحد..
ابتسم ليث بسخرية : بدري ..ماظلت دعوة مادعيتيها علي..تبين اتكلم معاك وانتي تدعين علي بمال الطرم..
شعرت بأنها شيء صغير حقير من تصرفها لانها لم تكن في عقلها وهي تنتقد هذه التصرفات فكيف ترضى بأن تكون هذه التصرفات صادرة من فتاة ذات ترببية واخلاق..سمعته يكمل كلامه وهو ينظرر للخلف لكي يقوم بتعديل موقف السيارة : وريف..اسمك وريف !!
التفتت بعينين خائفتِين ودَامعتِينْ ترتجف شفتيها وهو يقرأ أفكارها ويضحك : مابسوي لك شيء وربي ..بس بقول لك شيء وابي اضمن انك ماتذيعينه لان لي حكمة..وانتي بنت ناس وانا اعرف من ربوك !
ابتلع غصته وهو يذكر عمه ابو رياض ثم اردف ويصرف عيناه الى النافذة فعيناها تشتتان كلماته : هم كلمتين..مثل ماكنتي تفكرين اني استغل اخوك وسمعتك..الحين ابيك تسمعيني وتفهميني..
لازالت الى الان لاتضع له مبرر لتصرفه فمهما حدث لا يحق له أن ينتشلها من بين طريقها ويأخذها بهذهِ الطريقة الصبيانية..ماذا يريد ان يقول..لامبرر لأقواله ولا حتى لافعاله..لكنه لمحته ينزل الشنب..وشعر بعدما تأكدت بأن السيارة مظللة تمامًا ..
وقبل ان تتعرف على من يكون ولم تنظر الا للجانب الايمن لوجهه ..بمعنى أحرى انها لم تتعرف عليهِ جيدًا ..رأته يبتلع غصّات واضحه ويتحدث بنبرة غريبة : انتي حكمتي علي من غير ماتعرفي اسبابي..واطلبك طلب امام الله ان تستري ع اللي بقول لك..لان مهما حدث فعلا مالي مبرر اني اخذك بهذي الطريقة واتكلم معك بس انا مضطر لاني ماقدرت اوصلك بأي طريقة وانبهك..وانتي جيتي وجابك الله لمكانك ..انتي يوم شفتيني هذاك اليوم وناظرتك كان قلبي مقهور انه بعد عشر سنوات من عمري ممكن تكون بنت هي اللي توديني بداهية والسجن وماعاد ارجع لهلي..
وريف بشك وبدموع ماطِرَة وكأنها عَرفتْ او لمَست خيطَ الحدِيث وهي تدعو الله ان تكُون الشكُوكَ بمحّلها لتهمس وهي تضَع شدها على شفتيها وبشهَقة مكتُومة : ميـ...ـن انت ؟؟؟
ليثَ بغصّة : ولأول مرة من ضاعت من عمري عشر سنين..انطق باسمي لاحد واعرف بنفسي..انا ليث !! ولد عمك..
أغمض عينيه ، حينما تذكر كيف بكت ، بغير تصديق ، حينما عرفت بأنه بالفعل ليث وكيف لامت نفسها بأنها لم تلاحظ ، كادت ان توشي به او تفضحه ، لكن ومن حسن الحظ انه صارحها ، الجمها الصمت حينما علمت بأنه صاحب الهوية المفقودة ، بأنه الغائب عن دار اهله ، اسند رأسه على المقعد ، فتح هاتفه المحمول ، ولم يكن بوسعه ان يكتب اي حرف ، كلما كتب رسالة اعاد مسحها ، لايعلم كيف يخبرها بانه يريد توديعها ، هو اكثر الاشخاص على هذهِ الكرة الارضية كرهًـا للوداع ، لان الوداع لايولد الا الغياب ، والغياب لانعلم حتى متى ينقضي ، خانته غصة في حنجرته لم يستطع ابتلاعها ، تنهد طويلاً لماذا يكره تلك اللحظات رغم انه من الواجب عليه ان يعيشها ، تلك الظروف التي تفرض عليه الافتراق عن احبته ، حتى لا يكشف وتخان بهِ عودته ، حتى لا يتأذى من حوله ، حتى لايعانوا ، يعلم تماما بأنه سيرسلها الى الوطن ، ولكن سيكون الوطن عليها كالجحيم ، لن تسلم من كل لسان ، الا حينما يأتي هو ويثبت بالفعل انهم لم يخطئوا ، وان زواجهُ بها كان اضطراريـًا ، ولابد من اخفاءه عن العيان حتى لايكشف امره ، انتبه لهاتفه وكتب لها رسالة :
" مساء الخير... ادري بك تعبانة وزعلانة..بس تتوقعي قلبي يقوا اخليك تروحي وانا ما ودعتك؟ ...تعالي لاهنتي...لاتحرميني من ريحتك..."
،
فِي شُرفة الفندق كانت جالسة على الكرسي المتأرجح ، تراقب صمت هاتفها ، منذُ البارحة كانت تحترق تنتظر رسالة منه ، وجع وداعه يرتمي في صدرها وكأنه جحيم ستزاوله طيلة الايام الباقية ، تحركت يدها الناعمة على القطعة التي تركها بداخلها ، ابتسمت بين دموعها وهي تضع يدها على رحمها ، تخاطب هذا الغائب وكأنه يسمعها ، فتلك الروح التي هي منه اصبحت فيها ، الوداع يصبح اصعب حينما يترك احدهم فينا اثرًا ، فكيف بهذا الغائب؟ كيف ترك لي قلبًـا كسيرا وطفلاً في رحمي؟ ، كيف جعلني رهينة الى هذهِ اللحظات الموجعه؟ بكت بعمق وهي تنظر الى بلكونته الفارغة ، كيف كانت تلك الايام التي تقضيها بانتظاره ؟ كيف مضت تلك الايام وكأنها اليوم .. أصبح هذا الزمان سريعًـا اسرع حتى من خطف البصر ،
ليتنِي استطيع انتشالك مني ليث، ليتني استطيع اغتيال كل جروحي وارسالها بعيدًا ، لقد وضعتني في اكثر المواقف صعوبة ، كيف سأكذب على الجميع وانا انظر في اعينهم؟ ، هل من المعقول ان اكذب وانا انظر في عيني امك ووالدي واخبرهم بأننا لم نراك؟ ، صعب ، بعد كل تلك الايام الحلوة التي عشناها في الشتاء ومواسم المطر ان نغادر ، انا لا انسى اخر ايامنا ، ولحظاتنا ، انت عشق لا يشبه الا الوداع ، وحب لا يشبه الا الغياب ، وكأن غيابك كل تلك السنين لم يكفيك،لتغيب اكثر وتودع اكثر وتكون اقسى في الغياب والوداع ، تلك الانفاس التي اتنفسها تصبح ثقيلة اكثر كلما اتذكر بأنني لن اراك الى اجل غير مسمى ، لا اعلم فيها متى موعد عودتك ، وعدتني بثلاثة اشهر ، مجرد ثلاثة اشهر ستمضي بعيدًا عني ، تلك الافكار تقتلني ليث،
عضت شفتيها وحزنت عينيها وهي تكتم بكاءًا وغصة جريحة ، تبكي كالاطفال وهي تحاول حبس تلك الغصات الخانقة ، ولكن التماع الدموع واحمرار عينيها وانفها اصبح واضحًـا ، كانت ستنهض الى الداخل لكن هاتفها اضاء برسالته الجارحة :
" مساء الخير... ادري بك تعبانة وزعلانة..بس تتوقعي قلبي يقوا اخليك تروحي وانا ما ودعتك؟ ...تعالي لاهنتي...لاتحرميني من ريحتك..."
حاولت ان تكتب اي شيء لكنها بكت اكثر واكثر حينما شعرت بانها دخلت بهذا الواقع التي تعيشه الان، بكت بحزن لانها ستتحرر عنه بعيدًا وقسرًا ، تلك الظروف هي ماتحركهم ، رفعت عينيها الباكيتين للسماء وهي تخاطب الله : يااااااااربي ليه هالعذااااااب ....متى يخلص ويرجع معي...متى اطلع للعالم كله وتكوني ايدي بإيده من غير كل هالخووووف....
بكت امام عيني اخيها الذي كان مارًا ووقف امام زجاج البلكونة يراقبها ، ابتلع غصة اخرى وهو يرى اخته في هذا الموقف الذي لم يكن يتوقع ان الحال يصبح الى هذهِ الحالة ، يقال ان الشباب غالبـًا مايخطئوا في البداية في قراراتهم ، ثم يكتشفون بعد ذلك ان كل شيء مضى له حكمة وانه يجري في محله الصحيح ، كما هو مكتوب عند الله تعالى ... حاول ان يدخل ويحتضنها ، لكنه رآها وقفت تمسح دموعها ، غادر قبل ان تراه الى غرفته ، دخلت الى الداخل ووجهها مليء بآثار البكاء ، سحبت حجابها ومعطفها الاسود وارتدت حذائها البوت الاسود ، التقطت حقيبتها ووضعتها على كتفها ، وهي تبتلع غصتها تراقب المكان ، كم مرة سحبها الى تلك الاريكة واحتضنها ، تحدث معها عن امور كثيرة ، كم مرة كانوا هنا وعاشوا تحت هذا الضوء المنكفئ بالغياب ، ابتسمت تمسح دموعها على ذكرياتها السعيدة ، خرجت الى الاسفل وهي تنزل ، هناك شعور بداخلها يذوب ، تريد تقصير المسافات لتراه الآن امامها ، وكانت كما رأته الآن يقف بمظلته السوداء تحت المطر ، يرتدي معطفه الاسود ، يبتسم وسط عينين مليئتان بالالم ، ظلت صامته تراقبه بوجع ، واضح جدًا على ملامحها اثر البكاء ، التماع الدموع في عينيها سبب لها غشاوة ، مسحتها بسرعة ، لازالت تنظر في صلب عينيه ، عله يعدل عن قراره ، حينما رأته يبتسم بحسرة ، تقدمت ناحيته ، احتضنته بقوة ، بقــــــوة عظيمة ....تعبر عن مدى حبها ، اشتمته طويلاً ، تلك الاشهر التي مرت كافيه لجعلها عاشقة لهذا الرجل كما هو يعشقها بالفعل، عانقته طويلاً ، رفع يديه بصعوبة لانه لايريد الافتراق عنها ، اغمض عينيه محاولا حبس دموعه التي لم تخنه ولم تنزل ، شتت عينيه وابتلع حسرته ، لم تنزل تلك الدموع ، تحامل على وجعه ليشد في احتضانها طويلاً ، اشتم رائحتها ، يعلم بأن حضنه القاسي قد يوجعها ، لكنها كانت سارحة عن اي وجع سوى وجع الابتعاد عنه ، وللمرة الاولى ، بينما كانت عينيه مغمضتان ، سمعها تنطق بتلك الكلمة التي لم يسمعها الى هذهِ اللحظة لتردف في اذنه بعد ان تأكدت من مشاعرها كاملة : أحــــبك...
فتح عينيه وهو لازال يحتضنها ، ابعدها عن حضنه قليلاً يتأمل عينيها وسط هذا الليل ، كانت تلمعان وكأنها الضوء في حياته ، لقد جعلت من عينيك لي هوية ، لقد زرعتها وسط صدري ونمت لتضيء لي عمري وحياتي، تلك الكلمة التي خرجت من شفتاك تسوى هذهِ الدنيا بمن فيها ، هل تحبين رجلاً عاشقًـا لك ؟ مدمنًـا على اسمك والنظر الى عيناك؟ الهي كيف سأتحمل الايام التالية التي لن أرى فيها عيناك؟ الهي ارحمني برحمتك الواسعة! ، فقد اصبحت الالام كثير ، ومن الصعب احتمالها ، لقد ضعفت امام تلك الكلمة التي جعلتني مهووسـًا بترك تلك اللحظة والعودة الى الماضي ، هز رأسه وشدها مرة اخرى وبقوة اكبر الى حضنه ، كان دفئها بين ذراعيه يغزوه ، ورائحتها الحلوة تداعب انفاسه ، ليهمس وهو يقبل جبينها : وحق اللي خلق هالروح اللي ببطنك...اني احبك الى يوم يبعثون...
غزت عينيها الدموع وهي تبتسم بين دموعها وترى السيارة : ايه؟...وين بتاخذني؟
ابتسم بضحكته وبنبرة مختلفة رغم ان الحزن يحيطهم يجيب بهدوء : لازلتي ولآخر يوم لنا ماتتركين طبعك...فضولية..مثل ما احبك...
ابتسمت تبتلع الغصة ، تذكرت كل مرحلة فضولية صادفتها معه وكيف كان يضحك على فضولها المجنون ، فتح لها باب الراكب ، لتبتسم وهي تركب مراقبة اياه وهو يتوجه نحو مقعده ، ينظر الى عينيها وهو يشغل السيارة ، اطلق تنهيدة عظيمة وهو يبتسم ، اعاد نظره الى النافذة الامامية وهو يحرك المقود الى وجهة الوداع...
انتهـــــى ..الى الملقتى باذن الله :$
|