كاتب الموضوع :
أغاني الشتاء
المنتدى :
الروايات المغلقة
الفصل الأول/ لا أمــان في نبـض القلب...(N)
♥▄الـنـبـ«9»ــضــة▄♥
:
:
:
يــوم الـجـمــعـــة..~
كانت تجلس بين أهلها عصراً...لأول مره تنتهي من إرتداء ملابسها لحفلة ما...
بهذا الوقت المبكر...و بتلك السرعة...
هي حتى لا تتذكر ما تلبسه الآن حتى تخفض بصرها لتراه...
كم مرت من سنوات..؟؟
آخر مرة رأته فيها كانت تودع طفولتها بآخر سنة من مرحلتها الإبتدائية...و هاهي الآن تخطو خطواتها الأولى نحو صباها...
هل سيعرفها؟؟ هل يتذكر ملامحها؟؟ هل مازال يهتم؟؟
انتفضت و هي تسمع هتاف تميم العالي ينبيء بوصوله...و وصول مالك معه..!!
ليقف الكل في الصاله...و هي وقفت متعمدة في آخرها...
رأته يدخل مع ساري...و من ورائهم باسل و تميم...
لكن نظراتها ارتكزت عليه فقط...مالك...أخاها الذي ادركت الآن أنه غاب طويلاً جداً...
تأملته بشوق و هي تزفر أنفاسها بإختناق...
مالك...بطوله الفارع...بملامحة المتيقظة...نظراته الحادة...و بنبرة صوته القوية... الواثقة...
ملامحه كما كانت بإستثناء شيبٍ مبكر بدأ يغزو صدغيه...
أيضاً أصبح أكثر نحولاً مما كان...
حضوره الطاغي...كما عهدته...لكن هناك مانطفأ في وجهه...
تشعر به كما عرفته دوماً...لكن التغير عليه كان واضحاً...
حدقت به أكثر بشوق...بعتب...بحب كبير...لتدرك كم افتقد قلبها وجوده...
تتأمله بأحضان أبيها...و جدته...و عمتها...
يصلها صوته الغائب عن سمعها سنين...ليذيب كل نسيانها...و تناسيها...لجرح غيابه...
وضعت يداً مرتجفة على قلبها...علها تهديء روع نبضاته...
لا تريد لأحدٍ أن ينتبه لتوترها الفاضح...
الكل سعيد لعودته بكل بساطة...و هي أيضاً...
لكن قلبها مع كل سعادته...يحتله الوجل منه...
تحس الآن بتلك السنوات الطوال التي فصلته عنهم بلا سبب...
غاب فجأة...ليتبعه صوته...و تلحق سلام حتى ذكره للمحضور...
كانت بالكاد تسعى لتمالك نفسها...لتنظيم أنفاسها و تلك النبضات التي تتخبط بصدرها...
حين رفع نظره إليها...و كان قريباً منها...
لتشي بما يدور داخلها...تلك الدموع التي خانتها لتنهمر على وجنتيها بلا شعور...
و عيناها تمتلأ بعتب...و حزن...كتمته لسنوات...
ليبتسم لها بإعتذار...و حنو...و شوق...و يتقدم ليحتضنها بقوة...
تشبثت به...و الإبتسامه تحارب دموعها و حزنها لتنتصر...
تلك النظره كما تذكرها...و هذا الحضن كما عهدته...
لقد عاد...عاد أخاها الذي تحب...
هو...كان يحتضنها بحنان...و حب...حتى يهدأ ارتجافها...و تتوقف تلك الشهقات التي تخنقها...
تلك الصغيرة التي علقها به...ليهجرها بلا سبب...ليأخذها بجريرة أختها...
كان يجب أن ينسى أختها...و أي إتصال بسمو...كان يجزم أنه سيقوده لسلام...
لذا ظلمها بكل جحود...و بلا ذنب...
مالك يبعدها برفق ليمسح دمعاتها / لو أدري إني غالي لهالدرجه..كان ماطولت هالكثر
لم تجب...كل ذاك الكلام الذي كانت تهذر به دوماً...و بكل موقف...لم يسفعها الآن بأي رد...
ليعيد احتضانها بعطف...و هي تستمع لتعليقات تميم على دموعها...و إحساسها المرهف الذي يظهر لأول مرة...
♥
♥
بعد ســـاعـه..~
خرج للباحة الخارجية ليجري إتصالاً هاماً...لكنه ما إن أقفل الخط....
تذكر سؤال جدته و الجميع عن زوجته...و تأكدهم من أنها ستحضر...حفل الليلة...و الذي أقيم لهما خاصةً...
اتصل بها...و كله يقين أنها لن ترد...و هذا ما حدث...
ليكتب لها رسالة أخرى...[عذاري أنا وصلت للرياض..أبوي اليوم مسوي لنا عشاء..الكل يسأل عنك و متأكد من حضورك..لو كنتي باقيه على العشره بيننا احضري العزيمه..و بعدها نحل كل شي]
انتظر أن تجيبه بشيء ما...لكنها لم ترسل أي شيء...
و يعلم أن هذا دليل كافي على ترددها...و إن ترددت فبالأخير سيغلبها ضعفها...و تأتي...
تنهد وهو يتأمل المكان من حوله...الباحة الواسعة...الحديقة...و هذا المنزل...
و تلك الذكريات التي لا يريد لها أن تحيى بداخله من جديد...
لكنه رغماً عنه يشعر بدفءٍما...بنبضٍ ما...شعور غادر بالحنين راح يتسرب لداخله رغماً عنه...
غريبه هي عودته لكل هذا من جديد..!!
لقد رجع الآن بالقرب منها...
فمتى اللقاء..؟؟
♥▓♥▒♥▓♥
دخل إلى الغرفة...و رآها تجلس على سجادتها تصلي فرض العصر...
فتقدم ليجلس على السرير بهدؤ...و أفكاره تراجع الحديث الذي دار في الصالة قبل قليل...
حتى انهت فرضها...لتقف و تطوي سجادتها...و تجلس بالقرب منه...
أبوسلام يكرر / ماله داعي يروحون
أم صبح / سمو عزمتهم..و عمتها بنفسها كلمتني و طلبت اوافق يروحون..حتى سلام شفت بعيونها إنها تبيهم يروحون معها..هي أصلا ماتشجعت تروح الا يوم قلت لها بيروحون معها..بس أكيد استحت تطلب مننا
أبوسلام بضيق / و أنتي ليه توافقين و تمنينها بهالشي..ليه يروحون لناس مالهم علاقه فيهم و مو نفس حياتنا و ......
أم صبح تقاطعه / يا جابر الله يهديك..هالناس أهل اختهم..لو عشان خاطر سلام بس
صمت بضيق...لا يعلم لما تصر على زيارة بناتها لهم...
لما تحرص على تلك العلاقه بينهم...لدرجة إصرارها و إقناعها الطويل له...
هل السبب ما يتخيله..؟؟
رأت نظرته المشككة إليها...لتصد عنه و تقف...
أم صبح / بأروح اقولهم إنك وافقت
كان محقاً بتفكيره...تعلم أنه قد يكون وصل إلى السبب...و تعلم أنه سيفهمها...لكنها لا تهتم...
كل ما يهمها...و تتمناه...أن تتحقق آمالها...(الله يلمهم على بعض و لا يفرقهم..و يطمني عليهم)
♥▓♥▒♥▓♥
كانت تقف أمام مرآتها منذ دقائق...تتأمل ملامحها...شعرها...فستانها...
كل شيء فيها...حتى أدق التفاصيل...
أخذت نفساً عميقاً لتستنشق عطرها...و تتخيل تأثيره عليه...
بذلت أقصى جهدها...فهل سيصل هذا الجهد لذوقه الصعب..؟؟
رند تفتح الباب بقوه / ضـــي..يله أمي تقول تأخرررنا
ضي تفز من خيالاتها / بسم الله خوفتيني!!........خلاص اطلعي و قولي لها اللحين جايه
تركتها أختها...للتتجه لسريرها...تلتقط هاتفها...و تتصل به...
متوترة و تريد أن يطمأنها...رغم أنها تعرف أنه لن يتكلف فعل هذا...لكن سماع صوته سيطمئنها...
ضي / مساء الخير
باسل / وينك؟
ضي/ اللحين بنطلع من البيت..اذا وصلت اشوف مكان مناسب..و ادق عليك
باسل/ أجل ليه داقه اللحين؟
ضي بعتب / يعني خلاص ماتبي تكلمني إلا بس عشان الشوفه
باسل بغرور / ايه..خليني اشوف و اقرر تستاهلين أو لا
ضي / ترى ازعل..و لا أشوفك
باسل بكبرياء / ما تقدرين
ضي تتراجع / طبعا لاني قد كلمتي
باسل بإستخفاف / لا والله! زين أنا مشغول اللحين يله سكري
ضي بدلع / طيب قول باي..مو سكري
أقفل الهاتف ولم يرد عليها...لتتنهد مبتسمة...
هل يفعل هذا ليغيظها فقط..؟؟
♥▓♥▒♥▓♥
كان يقود سيارته على مهل...و عيناه تراقبان ذاك القصر الفخم...بسوره العالي...و تلك الأنوار التي سطعت الليلة من كل مكان فيه...
سلام / يبه..ادخل من البوابه المدخل بعيد..و قفنا عند مدخل الحريم
اكمل طريقه لتلك البوابة المفتوحة على مصارعها...ليدخل وهو يتبع إرشادات سلام...دائماً كان يوصلها حتى البوابة الخارجية فقط...
لأنه ينحرج من الدخول و مِن من قد يصادفه...
كان الكل يتأمل فخامة هذا القصر...و شساعة المكان من حوله...تلك الأشجار المصطفة بترتيب...و المشذبه بفن و إتقان...
فجر تشهق بإنبهار / سلااااام!! هذا بيتك؟ كبييييير مره
سلام تبتسم / هذا بيت أمي..أنا بيتي هو بيتك يالخبله
صبح تحتضن أكتاف فجر / وش نقول حبيبتي إذا اعجبنا شي
فجر بإستدراك / صح..ماشاء الله تبارك الله
فجر كانت تراقب كل شيء بحماس...و صبح تتأمل بهدؤ ما حولها و هي تذكر الله على ما تراه...
فقط سلام من تنشغل عن كل ما حولها...بدفع الضيق...و التوتر الذي يزداد كل لحظة فيخنقها...
تجاهده لتبدو كعادتها...أو على الأقل تبدو طبيعية لمن يراها...
مع أنها منذ الصباح...بل منذ الأمس حين أصرت عليها والدتها لحضور هذه الحفلة...و هي لا تشعر بخير...
فقط ضحى من كانت تشاركها هذا الضيق...و الحرج....
توترت أكثر من فخامة ما حولها و بعده عن ما آلفت عيناها على رؤيته...
و تمنت لو أنها تمسكت بعنادها و رفضت المجيء معهن...لكن سلام رفضت بقائها...و والدتها شاركتها هذا الرفض...
♥▓♥▒♥▓♥
كانتا تقفان وحدهما...تغرقان بأحاديثهم الخاصة...و هما ترحبان بمن يدخل من الضيوف...
كادي تشهق / سمسم شوفي مين اللي جاء؟
سمو تتابع نظر كادي لتشهق هي الأخرى / يمممماه! خفت حتى و أنا ببيتي
تقدمت منهما لتسلم عليهما...بإبتسامة قلما يرينها بها في المدرسة...
/ وش اخباركم يا بنات ؟
كادي تصمت...لتجيب سمو / الحمدلله..حياك الله تفضلي..مادري وش اقولك خاله أو أبله
/ لا دامكم كاشخات كذا..و كل وحده كنها عروس..قولوا خاله..يمكن اخطبكم لعيالي
ضحكن بإحراج و هي تغادرهن...لتهمس سمو / الله لا يقوله..كارهه عمري يوم اتزوج ولد مديرتي!
كادي / الله يهديها خالتي جواهر كان قالت لنا إنها عازمتها..تحضرنا..مو كذا فجعتنا
سمو / أنتي احمدي ربك إنها عزمت بس صديقاتها المقربات..و إلا لو عزمت كل اللي تعرف كان اقلبت البيت مجلس توجيه......بس والله المديرات لهم هيبه! وش رايك اصفقها دامها ببيتنا
كادي / هههه وش رايك عاد وش تسوي فينا اذا داومنا كان.....
قطعت كلامها حين شد إنتباهها ذاك الطيف...لترتد نظراتها لها بسرعة...
تحدق فيها بتأمل...و هي تتقدم مع سلام و من معها...و إبتسامة صافية تشرق وجهها بالنور...
و بهذا الأزرق الهادي الذي ترتديه كأنها تقدم لها دعوة خاصة لمحبتها...(هاذي صبح؟ أكيد صبح)
طبعاً فلا غيرها يستحق مسمى الصبح...فهي تشبهه...بدفئه...و نوره...و نقاءه...
وصلوا إليهم...ليصل لمسامعها صوت سمو المرحّب...
سمو / هــلآآآ بسلالم..و أخواتها..نوّر البيت على نور كادي
سلام تقبلها مبتسمة / و الباقين مالهم من الحب جانب؟
سمو / إلا طبعاً..النور الأساسي اليوم كله لمالك
انشغلت سمو و كادي بالسلام على أخواتها...
و هي تجاهد نفسها لتطرد الضيق الذي يعتصر صدرها...كل ما سمعت اسمه...
تحاول قدر الإماكن أن تمنع أي ذكرى...أو ملامح...أو صوت...مما مضى لها معه...
تلك الأيام التي تدينها...و تكسرها...
أفاقت مجبره من ضيقاتها...لتشترك معهن بالحديث...
كانت صبح تنهي سلامها مع كادي...لتظل ممسكة بيدها...و تقول لها بحنان...
صبح / و أخيراً شفناك يا كادي..عرفناك من كثر ما سمعنا عنك و لا عمرنا شفناك
كادي مبتسمة / والله أنا بعد كنت أبي اتعرف عليكم
سمو بتفاخر / الله يخلي لكم اللي جمعتكم
صبح تضحك / الله يخليك لنا
سلام بتوتر / جاي ناس كثير
سمو / ايه..و بعضهم للحين ما جاء..حتى عذاري للحين ما جت مع إن مالك من العصر وهو هنا..و ضي من يوم جت و هي كل دقيقه مختفيه..أو لازقه في المرايا تتأكد من حسنها لا ينقص..مع انه يزيد ما ينقص
صبح / اذكري الله
سمو تضحك / بس عشانك..ما شاءالله
كادي / غريبه عذاري للحين ما جت؟؟
سمو / يمكن استحت تجي بدري..و لأنها بعد عند أهلها هالأيام
كادي / ودي اشوفها..ما اتذكرها..ههههه أبي اعرف وش تطلع اللي متحمله مالك
سمو بغضب مصطنع / نعم نعم..وش فيه مالك؟ تحمد ربها اللي اخذها الشيخ مالك
كادي تتصنع الارتجاف / والله يخوف..تدرين ما أحد ضربني و أنا صغيره غيره
صبح بإستنكار / عاد انتي يا كادي مين يجيه قلب يضربك..احس كنتي مؤدبه و ما تسوين شي غلط
كادي تضحك / ايه سمو و ضي اللي اخطوا و ضربني معهم بالجمله_و لتغايض سمو_الله يعين عذاري عليه
تشاغلت عن حديثهم...و دقات قلبها تتزايد...و هي تتخيل لقائها المنتظر مع تلك الزوجة...
بالتأكيد للآن تتذكر كل ما فعلته لها...بالتأكيد لن تسامحها...و لن تتقبلها...
لكن تأمل أن لا يتضح هذا بنظراتها...و بطريقة كلامها معها...
أن تكتفي بوجوده معها...و نسيانه لها....
يكفيها خجلها من نفسها...و تلك الشجاعة التي بالكاد تتماسك بها لتقف أمامها...بعد ما فعلته...
لا تريد أن تحبطها بكرهها...و يتسائل الجميع عن سبب هذا الكره...
تخشى أكثر أن تصرح بأسباب كرهها لها...(اهدي يا سلام مو معقول بعد كل هالوقت تتكلم)
♥▓♥▒♥▓♥
كان يسلم على فوج من الرجال حين لمحه يدخل من الباب...منذ أكثر من سنه لم يراه...
رغم أنه كان أقرب شخص إليه...لكن ذاك النسب الذي لم يحضى به أبعده عنه قليلاً...
ليزيده ذاك البعد الذي حال بينهم أكثر...
فلم يعد يراه إلا حين يأتي برحلة عمل للرياض...مره أو مرتان خلال تلك السنوات...
أما هو فلم يستطع أبداً زيارته في جده...في بيته...قريباً منها...
زفر نفساً ساخناً...و صدره يضيق...هل عادت فعلاً..؟؟
ابتسم بمودة رغم الضيق الذي سكن صدره / يالله حيه
خالد بمحبة / حياك ربي
احتضنه وهو يسلم عليه...ليتابدلان السؤال عن الحال...و هما يأخذان مكان في ذاك المجلس ليجلسا...
ساري / مالك قال إنكم بترجعون بعد أسبوع تقريباً
خالد / ايه..أهلي للحين في جده..بس أنا من أسبوع تقريباً هنا
ساري / أسبوع! و لافكرت تمر تسلم و......
خالد يقاطعه بإعتذار / والله كنت مشغول..اجهز البيت لأهلي و اكمل اللي ناقص..و تعرف الشغل بعد..مريت على عمي و ما قصر..ما صدق شافني رمى الشغل علي
ساري بعتب مبطن / الشغل كثير عليه كل هالسنين و انتم بعيد...خله يرتاح
خالد بإستدراك / صح..الله يقطع الشيطان فرحتي بشوفتك نستني..مبروك
ساري يبتسم ببرود / الله يبارك فيك..عقبالك
خالد علم بخبر خطوبته...إذن هي تعلم أيضاً...
يتخيل ردة فعلها...أم تلك السنوات كانت قادره على محيه من قلبها...
لينهر نفسه...اهتمت أم لا...لم يعد يعنيه...فقد انتهت القصة الآن...حتى من قلبه...
♥▓♥▒♥▓♥
وقفت تزفر توترها أمام المرايا الممتدة في الإستقبال...لتتمالك أنفاسها المتلاحقة...و نبضاتها السريعة...و لتتأكد من زينتها...
بالغت بأناقتها اليوم...أكثر من عادتها...تريد الإنتصار عليها حتى بالشكل...
زفرت أنفاسها الضائقة بقوة...و هي تتخيل كيف سيكون لقائها بغريمتها...
أي نظرات ستتبادلها معها...أي حوار...أي جنون...؟؟
دخلت إلى الصالة بعد تردد...بخطوات متوترة...
لآتدري لما أجابت هذه الدعوة..! و لما سمحت له بإقناعها بالمجيء..؟
ألم يكن من المفترض أن يأتي هو ليسترضيها أولاً...ألا يهتم بتركها له...بحياتهم التي على المحك...(لا تصغرين عقلك يا عذاري أنتي أكثر وحده تدرين إنه هالأيام مشغول..أهم شي إنه فكر فيني و اهتم لحضوري..و لا يبي أحد من أهله يدري بزعلنا..يعني للحين شاريني حتى بعد ما تركته)
قد يكون هذا سبب لحضورها...
لكن السبب الأقوى...كان رغبتها بمقابلة تلك السلام...و التأكد من بقائها بعيدة عن زوجها في هذه الحفلة...
ابتسمت و هي تتوجه للعمة مزنة...و تسلم عليها...
شيء من الثقة يتسرب لنفسها...و هي ترى حب تلك العجوز لها...مؤكداً مكانها في حياة مالك...
كانت تتحدث معها...و مع خالته أم مشاري...تترقب ظهورها...ردة فعلها على وجودها...
إلى أي مدى سوف تتمادى بوقاحتها هذه المرة...
ماذا غيرت بها تلك السنوات...جعلتها أكثر وقاحة...أم اكسبتها بعض العقل...
و رأتهــا..!
لا ليست هذه...قد ترى بها من تلك ملامح...لكن لا يعقل أن تكون هي...
هذه الفتاة مختلفه كلياً...لباسها الأنيق...المحتشم...بتلك الألوان الهادية...لا يشبه الملابس الصارخة...الفاضحة...التي تلبسها تلك...
حتى شعرها الأسود بدرجاته الناعمة التي تتعدى كتفيها بطول بسيط...لا يشبه ذاك الشعر الطويل المتموج الفوضوي بلونه الغجري...
حتى نظراتها...هدؤها...إبتسامتها الرقيقة...عذوبتها...
كانت ستجزم بأنها إحدى أخواتها...
لكن نظرة الصدمة التي حجرت عينيها و هي تراها...أكدت لها هويتها...
لتتغير بلحظة نظرتها لها...و تمتليء بالقهر...و الكره...و الإستحقار...
انهارت قوة سلام...و تماسك كانت تتظاهر به...أمام تلك النظرة القاسية التي تلقتها...
و شعور بالضيق...و الحرج...جعلها تخفض أهدابها و لا تقوى على رفعها...
ترتجف يداها الباردتين...لتكور قبضتيها و تجمعهما مانعة إرتجافهما أكثر...
تقف كالتائهة في مكانها...لا تقوى على التقدم أكثر...
و فكرة أن تختفي في غرفتها ما تبقى من هذه الحفلة تقوى في ذهنها أكثر...
أملت ذلك...متناسية أخواتها اللاتي حضرن معها...
لكنها تأخرت...حتى احست بيد أمها تشد على ذراعها...
أم ساري بقلق / سلام! بسم الله وش فيك؟ ليه واقفه كذا؟
سلام رفعت نظراتها لها..لترى صبح أيضاً تتقدم منها...و تراقبها بذات القلق...و تقف بقربهم...
سلام تزدرد ريقها /آ.آآ...مـ ـا فيني شششي..
أم ساري بإستنكار / وشلون ما فيك شي؟_تلتفت لصبح_شوفي كيف وجهها رايح الدم منه و تقول ما فيها شي!
صبح / الله يهديها سلومه..طول اليوم ما أكلت شي
أم ساري / ليه ما أكلتي؟؟
سلام / معدتي تعبانه..مو مشتهيه الأكل
رفعت أصابعها لتمحو دمعة تعلقت بأهدابها قبل أن تنسل على خدها...
أم ساري / باكلم تميم يآخذك للمستشفى
سلام برجاء / يمه السالفه ما تسوى..شوي تعب و يروح
أم ساري / أجل روحي كولي لك شي خفيف..مو زين تجوعين نفسك
سلام / إن شاء الله
و بلا شعور...حانت منها إلتفاتة لتقابل ذات النظره الكارهة التي لم تخف...و لم تنطفيء...
لتهرب سريعاً إلى المطبخ...مع صبح...تنفيذاً لكلام والدتها...سعيدة بهذا العذر الذي منحها الوقت لترتاح من ما عليها مواجهته...
ذنوب تلك الماضي...التي أتت الآن لتقتص منها ثمن جنونها بذاك الزمن...
عذاري مازالت تراقبها...بتركيز...و دهشة تتسرب لقلبها...
لم تفتها صدمتها...سكونها...خجلها...و توتر شد إنتباه والدتها لها...
ثم تراجعها عن المكان...بنظرة منكسرة لا تقوى على رفعها بوجهها...(معقول تكون تغيرت؟ أخيراً عقلت..نسته؟...خمس سنين مو وقت قصير..أكيد كبرت و عقلت)
تنهدت براحة...و هي تسترجع شكلها...نظرتها...و إنسحابها...
عذاري / تغيرت سلام..و كأنها وحده ثانيه
مزنه التي لم تنتبه لها / شفتيها! ايه أنا يوم شفتها بخطبة ساري ما عرفتها..بسم الله عليها صارت عقل و زين
أم مشاري / شوفي خواتها..و تدرين إن هذا تأثير مرة أبوها عليها
مزنه تصحح لابنتها بعتب / و أم ساري ما عليها نقص بعد
أم مشاري معترضة / لو على أم ساري كان سلام للحين على حالها..شوفي سمو مو بعيده عن سلام بمراهقتها
مزنه / خلي الناس في حالها..عندك بنات لا يبليك الله فيهم
استمرتا بالجدال...و عذاري تحس بالحرج لأنها هي من فتحت هذا الموضوع...
لذا حين لمحت جواهر من بعيد و تعرفت عليها...تعذرت بالسلام عليها لتغادرهن حتى ينتهي هذا الموضوع...
أيضاً لترتب أفكارها...و تستوعب مظهر سلام الجديد...و كل ذلك التغيير فيها...
♥
♥
في المطبخ جلست سلام ساكنة...أفكارها شاردة للبعيد...
تريد فقط وقت مستقطع لتمالك نفسها...تشحن نفسها بالقوة...علها تقوى على مواجهتها...و فتح صفحة جديدة معها...
سلام ترى صبح الواقفة بجانبها / صبح يا قلبي أنا مافيني شي..روحي لضحى تعرفين هالبنت..لو ما شافتنا معها بتنحرج
تعلم أنها تحتاج وقت لوحدها...تلك الضيقة التي أصبحت تنهكها مؤخراً باتت متأكدة أنها بسبب شيء في منزل والدتها...
لذا أجابت طلبها بدون مناقشة...ثم لاحقاً ستعود إليها...
♥▓♥▒♥▓♥
كان يجلس مستمعاً لتميم...فأي حديث لتميم يمتعه...كيف وهو يقص عليهم ذكريات مراهقته الساذجة...
لكن نظراته التقطت باسل...الذي كان يجلس قريباً منهم غير مبالي بأحاديثهم وهو يعبث بجواله...
فرق شاسع بين تميم...و باسل...و الأغرب أن يجد نفسه صديقاً قريباً من باسل بالذات...
لكنهما رفقاء منذ الطفولة...حين كان باسل يبدل أصدقائه كل مدة...إلا هو دائماً باقي لجانبه...
ابتسم بشرود...وهو يتذكر والدته...التي كانت تحبه كثيراً...الغريب انها تحبه للصفة التي يكرهه الناس عليها...
كانت دوماً تردد أنه ورث هذا الكبرياء من والدها...و أنه يذكرها فيه...
لكن هو يعتقد أن خلف هذا الكبرياء...شخص ضعيف...
فطوال تلك السنوات التي عرفه فيها...لو أن الناس لم تتهافت لمصاحبته لمصلحة...و لو أنه لم يكن معه...لكان الآن وحيداً...
فباسل لا يعرف كيف يتقرب من أحد...و لا يستطيع إظهار مشاعره...أو اهتمامه... لأحد...أيضاً لا يعرف كيف يتصرف بأي أمر قد يواجهه...
فقط يجيد الهروب...و إدعاء اللامبالاة بكل ما يجري حوله...
تميم يلكزه بقدمه / معي؟؟
سامي يفز من أفكاره ليضحك / ايه تقول إنك حبيت لك وحده أنت و أخوياك..هههه أول مره اسمع عن أحد يقط في بنت يحبها
تميم / لو إن هذا السطر اللي قبل الأخير بس نسامحك بتطنيش سطر..و ازيدك من الشعر بيت..اللي يحبونها معي ولد جيرانها و الثاني ولد عمها
سامي يضحك / ولد عمها !!
تميم / ايه
سامي بإستغراب /وهو يدري إنكم تحبونها؟؟
تميم بتأكيد / ايه كنا نجلس مع بعض على رصيف الحاره كل ليله..و كل واحد يتفشخر وش قال لها؟ وش ردت عليه..و نشوف مين اللي اخذ وجه زياده
سامي بتشكيك / أنت صادق؟
تميم يضحك / هههه ايه ترى ولد عمها كان على قد عقله..يعني مو صاحي شوي
سامي / و أنتم مستغلين الوضع..و هي عادي عندها
تميم يضحك / ايه ترى حتى هي كان عقلها خفيف..بس عليها جمال بنت اللذين..للحين اذكره
سامي / بالله كم كان عمرك؟
تميم / كنت بثالث متوسط
سامي يضحك / والله جاي بدري أنت! متوسط وحب وعشق و غراميات..أنا أيام المتوسطه ما كنت أعرف في الحياة إلا لعب الكوره..المهم كمل مين اللي فاز فيها بالأخير؟
تميم يضحك / ولد جيرانهم..كان أحلانا ولد كشخه و يكتب شعر..مادري يسرقه من أبوه..المهم لطشها مننا
سامي يضحك / و طلعت خسرااان
تميم / لا أفا عليك..عاد ذيك الأيام أنا كنت شراني..اتفقت أنا و ولد عمها..يوم شفنا فيصل عطاها رسالة..و يروح ولد عمها و يعلم أبوها عليها من باب إنه ولد عمها و يغار على أهل بيته..و تآخذ لها علقه محترمه من أبوها..حتى فيصل ما قصروا فيه حصل له كف محترم من أبوه..بعدين نقله عند خواله في قريه مادري وين
سامي / هههههه والله نذاله! و تركتم البنت بعدها؟
تميم / ايه أيامها تولعنا بالتفحيط
سامي يضحك / وش فيه خراب بالدنيا ما سويته؟
أكمل تميم سرد ذكرياته...و سامي عيناه تراقب بضيق مغادرة باسل الصامتة..و يعرف إلى أين...
♥▓♥▒♥▓♥
أم ساري و جواهر كانتا تجلسان مع زوجة لصديق قديم لأبومالك قابله صدفة بالأمس فقط...و التي كانت هي أيضاً جارة مقربة لهما...
يتحدثن بتلك الذكريات الغابرة...و أيامهن القديمة...و ضحكتهن لا تنقطع...
حتى فُتح حديث منسي...لم تتخيل واحده منهما أنها قد تسمعه بصوت عالي...و هما اللتان تكتمان حتى أفكارهما فيه...
أم ساري / الله يالدنيا يا أم ناصر..مين يصدق إننا نجتمع مره ثانيه
أم ناصر / والله إنكم كنتم أعز جارات عرفتهم..المفروض بناتنا اللحين صديقات..ايه صح اذكر أنا و أنتي و جواهر ولدنا بنفس السنه و .................
كالإعصار هبت لتغادرهن فجأه...لتضيق نظرات أم ساري بحزن...و صدمه...
أم ناصر بإستغراب/ وش فيها جواهر؟
أم ساري تزفر بضيق و قلق / آآآ... لا بس بنتها مع أبوها..و من سنين ما شافتها و لاتدري عنها
أم ناصر بصدمه / صدق! ليييييه؟
أم ساري تغلق الموضوع/ الله يصبر قلبها..و يعينها على هالحال..لا تفتحين معها هالسالفه تكفين يا أم ناصر..حنا ما صدقنا إنها تنسى...(و ما ظنيت تنسى)
صمتت أم ناصر بحرج...فمن مغادرة جواهر السريعة بدون أن تنطق بكلمة...
و كل هذا الضيق..و الكدر...الذي يعتصر ملامح أم ساري...علمت أنه موضوع حساس...لن يتكلما فيه...
♥
♥
بعد أن غادرتهما...جلست منزوية لوحدها...لم تصعد لغرفتها خوفاً من أن تهاجمها تلك الخيالات المؤلمة...التي تجاهدها كل ليلة...
كانت نظراتها تسافر بعيداً...تجول متمعنة بكل أوجه الفتيات حولها...
خيالاتها ترسـم من ملامحهن...ملامحاً لها...حنينها يوهم لها أشباهاً خيالية... مختلفة...متقاربة...متباعدة...مبهمـة...
تستنزف ذاكرتها هباءً لترد لها بعضاً من ملامح تلك الطفلة الوليدة الملتفة بالبياض...لتلوح أمامها ملامحاً كالسراب...
لكم ارهقهـا إستجداء صوره يتيمة لتلك الليلة التي وئدتها...قبل أن تحتضن تلك الابنة ولو لمجرد ثـواني...
كل ما جمعهما بعد ولادتها...
لمحة خاطفة...اغتصبتها رغماً عنها...متحديةً رفضها...
لترى طيفـاً لملامحها الرقيقة...الصغيرة...يمــر أمامها قبل أن تُبعـد عنها...
♥▓♥▒♥▓♥
في ذاك المجلس الواسع...حيث تكاثرت الوجوه...و تعالت الأصوات...و الجميع ينشغل بحديث ما...
وهو كان كغيره يجلس هناك مستمعاً لحديث أباه...قبل أن يخفت اهتمامه به شيئاً فشيئاً...
تعب من كل هذا...يتظاهر بالإندماج مع من حوله بشكل آلي...
لكن بداخله تسيطر عليه فكرة واحده فقط تكبر كلما يمر الوقت...لتحتل على كل خفقة من خفقاته...وهو يحاول إخمادها منذ وصل لهذا البيت من جديد...
لقد مرت ساعة تلو الساعة...حسبها بكل دقيقة...و ثانية...
اشغل نفسه بهذه السلامات المتعددة...و التحدث لأشخاص عدة...
لكنه اثبت حضوره هنا أكثر من اللازم...و حان الوقت للقائها...
ليثبت لنفسه أنها خسرت كل تأثيرها عليه...
أن تلك السنوات التي غابها جعلته ينسى ذاك الشعور الأحمق الذي يسيطر عليه بوجودها...
منذ زمن نفاها من عالمه و رحل...و اليوم سوف يصدر أمامها شهادة وفاة رسمية لكل ما قد يربطه بها...
ليستعيد زوجته بقلب صافي...يعلم أنها على إستعداد أن تملأه بحبها...
تنفس بخلاص حين تباعثت نغمات هاتفه النقال...
و وجدها حجة عظيمة ليسحب نفسه من بينهم بدون تقديم إعتذارات...أو أن يلحق به أحد منهم...
اعتذر سريعاً قبل أن يتوقف رن هاتفه...و خرج بلمح البرق من المجلس...
ليخرس أنفاس منقذه بدون أن ينظر ممن الاتصال...
كان يمشي بخطوات متمهلة...يعلم أنها هنا...و متأكد أنها سوف تبحث عنه كما تفعل دوماً...و دوماً تجده...
ابتعد عن قسم الرجال أكثر...يمنحها الفرصة التي تنتظرها...
حتى أوصله تهور إنتظارها للحديقة...رغم قربها من المدخل النسائي...
ها هو يسهل الأمر عليها...الآن سوف تأتي...
هذا المكان هو مخبأ لهم...تتدافع منه الذكريات التي يحملها...
هنا يموج ظلها في ارجاء المكان...يتنفس شذاها في الهواء...ليغرق في انتظار ينكره...
يكره نهم نفسه لرؤيتها...لكنه يعلله بسبب واحد...يريد رفضها فقط...ليثبت لنفسه...و لها... لزوجته....أنها لا تعنيه ابداً...
اغمض عيناه غاضباً......ليخنق بحث نظراته عنها...لملاحقة أي طيف لها بزوايا تخيلاته...يشل هرولة أنفاسه التي تلهث لإنتظارها...
حتى سكن كل شيء حوله...و كل ما بداخله...ليرخي سمعه لتلك الخطوات...
إنها خطواتها...التي يحجبها عن سمعه الآن ضربات قلبه...الغاضبة...كما ادعى..!!
التفت بنظرة باردة...تخفي كل ما يستعر داخله من شعور...ليصدم بما رأى...
/ مــــــــــاااالك!!..
ارتبك...و خمدت ثورة أنفاسه التي كانت تضج منذ ثواني في صدره...
♥▓♥▒♥▓♥
ⓛ
ⓞ
ⓥ
ⓔ
توقف النبـض مؤقتاً××♥
ღ بإنتظـار ღ إنعـاشكـم ღ
|