♥▄الـنـبـ«4»ــضــة▄♥
:
:
:
صحت من غفوتها لتفتح عيناها بتثاقل...و هي تحس بيد صبح على كتفها...تهزها بلطف...
صبح / يله سلومه صحصحي..وصلنا ياقلبي
مطت يديها للأمام لتحرك عضلاتها المتشنجة / أووف يالصداع..أنا ما أحب نومة السياره بس كله من حنين
حنين مغمضه عيناها / وش دخل حنين اللحين؟ حالفه عليك تنامين!
سلام تضحك و هي تلملم بعجله كتبها المتناثره حولها / لا شكلك و أنتي دايخه و نايمه..يشهي الواحد للنوم
قاطعتهم مي / بنات..بنات شوفوا رجلنا
تسارعت دقات قلبها..قبل حتى أن تلتفت لتراه...
تعرف من تقصد مي...بتعليقها الدائم كلما رأته...
كانت دوماً تردد أنه معجب بواحدة ممن يستقلون هذه السيارة...و في كل يوم تهديه لواحدة منهن...أو لنفسها...
مي / شكلي بآخذه أنا عشان أصير جارتكم..وش رأيكم؟
صبح مازحه / خلاص اكلم لك أمه العصر..اشوف وش رايها
مي بحماس / ايه تكفين صبح..عاد امدحيني عندها..أنتي شهادتك ثقه
ضحكن البنات لمزاح مي ما عداها...
توقفت السيارة...و سلام مازالت تراقب نظرات مي المحدقة بيوسف...دوماً تستمع لذات التعليق منها مبتسمة...
لا تدري لما اليوم لم تضحكها هذه التعليقات...
انتبهت لنزول صبح...فلحقتها بسرعة...و توترها يزداد...
كانت تتمنى لو يغادر قبل أن تنزل...لكن كما توقعت...لمحته مايزال في سيارته...
ضمت الكتب التي بين يديها لصدرها...و عيناها لا تفارق الأرض...
حتى وصلت إلى باب منزلهم...الذي خُيل لها أن المسافة بينه و بين السيارة كانت أطول مما تقطعه دائماً...
دخلت المنزل...و هي تغلق الباب بسرعة...لتستند عليه و تتنفس براحة...
صبح تلتفت لتراها تستند على الباب / سلوومه وش فيك؟
سلام تنتبه لوقوفها فتتحرك / لا ما فيني شي! بس حررر اليوم
صبح ضاحكة / دامه حر..ادخلي وش موقفك بالشمس!
دخلتا معاً...لتقابلا في الصالة أم صبح...و فجر...
/ السلام عليكم
/ و عليكم السلام و الرحمه
بعدها انطلقت سلام لغرفتها تنشد سريرها و قيلولتها...بينما اتجهت صبح للجلوس معهم...
صبح تجاور فجر / فجووره ليه مانمتي؟
فجر / عندنا تسميع..و بأحفظ هاللحين..عشان اروح العصر مع أمي للسوق
صبح / ربي ييسر لك حفظك..خلاص إذا صحيت اسمع لك_تلتفت لوالدتها_يمه جارتنا أم محمد طلعت من المستشفى؟
أم صبح / ايه..الحمدلله الصبح دقيت عليها و تحمدت لها بالسلامه
صبح / وش أخبارها؟ إن شاءالله بخير
أم صبح / لا الحمدلله..تقول صارت احسن بكثير
صبح / أجل بكره نروح نقهويها..و نسلم عليها
أم صبح / إن شاء الله
صبح تقف لتغادرهم / تمسـون على خير
♥▓♥▒♥▓♥
خرج من غرفته وهو يغلق هاتفه...شاكراً لصديقه الذي أصر عليه للغداء معه...فهو حتى الآن لا يقوى على الجلوس في البيت لساعات طويلة...
مازال لا يطيق هذه الجدران التي تشاركه النواح عليها...ليعظم فقدانه لها أكثر...و أكثر...
لكن ما إن نزل إلى الصالة...و لمح جسدها الضئيل يسترخي على أحد الكنبات...بإنتظار...حتى احس بالضيق لخروجه و تركها لوحدها...
أبوسامي / كادي
كادي تفز..و تتعدل في جلستها / هلا يبه_تتأمل ملابسه_ بتطلع؟ ماراح تتغدى؟
أبوسامي يجاوبها بسؤال/ وين سامي؟
كادي / دق من شوي و قال إنه بيتأخر
أبوسامي / أنا معزوم على الغداء..ماراح يرجع سامي؟
كادي تداري خيبتها عن عيناه / لا بيتغدى برا
أبوسامي بحنان / خلاص أنا اجلس اتغدى معك و اتعذر من.....
كادي تقاطعه / لا يبه اطلع..أنا مو مشتهيه الغداء و ما نمت أمس زين..ميته من النوم بس كنت بأتغدى معك عشان ما تآكل لحالك
أبوسامي بتردد / تنامين و أنتي ما أكلتي؟
كادي كاذبه / اكلت أول ما رجعت من المدرسه
أبوسامي يبتسم لها بمحبه / زين يبه..أجل روحي ارتاحي
تركته...لتصعد الدرج...وهو يتبعها بنظرات حزينة...
كم هي مظلومة تلك الفتاة الصغيرة...بيتمها...و وحدتها...
لكن يداه مكبلتان عن تعويضها...بما يعوضها...و الخساره عظيمة...
كيف يعوضها في حين أنه لا يقوى على تعويض نفسه..؟؟
خرج من المنزل...و الأفكار تهاجمه كعادته...لتأخذه شوارده دوماً نحوها...
زوجته...حبيبته...و أخته...و رفيقة دربه...و جميع أهله...
من رضت به رغم ثرائها...و جمالها...على كثرة خطابها في ذاك الزمن...فضلته هو...
تغربت معه خلال سنوات دراسته...تركت أهلها لترحل معه في بلاد الغربة...
تحتويه...بحبها...و إهتمامها...و تغرقه بحنانها الفياض...
كانت معه في كل خطوة من حياته...قاسمته أحزانه...و أوجاعه...و أفراحه...حتى أوصلته لنجاحه...
سعدت بشهادة الدكتوراة التي نالها أكثر منه...فتعبها يساوي تعبه في نيل هذا النجاح...إن لم يكن أكثر...
كيف تتركه بعد هذا لترحل...بلحظه..!!
فقدها في لحظه...لم يفق من صدمتها للآن...
♥
♥
وصلت إلى غرفتها...لتدخلها بخطاوي تجرها بحزن...و أسى...و ضيق...
لا تعلم لما كذبت..؟؟
لكنها لا تريد أن يبقى في البيت و حيداً من اجلها فقط...
لتهاجمه كما تهاجمها...ذكريات عما كان يرفل به هذا البيت من حب...و حنان...
كادي بهمس خافت / آآه يـمـ ـ ـ ـه
ما إن نطقتها...أو تمتمت بها...حتى انسكب الدمع من عيناها ساخناً...
تشتاق لهذه الكلمه...و تخشى أن تنطقها بصوت عالي...فيتعاظم فقدها...و أساها...حتى يخنق بأصابعه الغليظة أي نفس لحياة تجاهد أن تعيشها بعدها...
♥▓♥▒♥▓♥
جلست تسند مرفقيها على طاولة المطبخ...تنتظر صبح حتى تنتهي من غسل الأطباق لتجففها هي...
و دخلت ضحى المطبخ...مع إحدى كتبها المدرسية التي أصبحت لا تفارق يداها هذه السنة...
ضحى / كنت اكلم رهف..طاير عقلها بالهديه اللي جبتوها لشوق..خساره كنت أبي اشوفها
صبح / هدية سلام أكيد بتكون حلوه
سلام مصححه / هديتنا
صبح / أنتي اللي دفعتي قيمتها كلها..و ما رضيتي ادفع شي
سلام بإنفعال / أنا و أنتي واحد..و إلا عندك كلام ثاني..بعدين أنتي اللي اقترحتي نشري لها طقم ذهب
ابتسمت صبح موافقه لكي لا تغضبها...و اكملت عملها...
غريب كيف أن مستوى سلام المادي المرتفع يحسسها بينهم بالنقص...
فهي دوماً ترى نفسها مختلفة...بعيدة عنهم...لهذا السبب...
تصاعد رنين هاتفها...ليقطع حديثها مع ضحى...و أفكار صبح عنها...
سلام / اهلين سمّوي
سمو بحماس / سمّوي تبي تزورك اللحين وش رايك؟
فجأه هكذا و بدون مقدمات..!!
تعلم سر هذه النبرة المتحمسة بصوتها...ذاك التخطيط أن تعرف أكثر عن قصة تتوهمها مع ابن الجيران...
أكثر من ذلك تعرف حق المعرفة فلتان لسانها...و كيف تتمادى بحديثها حتى تسبب كارثه...
سلام / لا معليش غير مره تزورينا..كلها كم يوم و اجيك أنا ما يحتاج تتعبين نفسك
سمو تتصنع العتب / أفااا تطرديني؟
سلام / عادي أمون عليك..مو فاضين حنا تجين و....
تستمع لكلامها الذي لم يعجبها...لتتقدم منها و تلتقط هاتفها من يدها على غفلة منها...
صبح / اهلين سمو
سمو بإبتسامه / هلا..مين؟ ضحى أو صبح أو بالليل هههه
صبح تضحك / لا صبح..و لا يهمك من سلام حياك الله ترى فاضين و ما عندنا شي..و انا مسويه سينابون بتاكلين اصابعك وراه تعالي اذوقك عمايل يدي
سمو بحماس / ونعــم ببنت جابر مو أختك النخله الهبله..خلاص بأجيب لكم كوفي و أنا جايه عشان السينابون..لا تخافون ماراح تنتظروني كثير نص ساعه و أنا عندكم
صبح / إن شاء الله ننتظرك يا قلبي
أغلقت الهاتف و مدته مبتسمة لسلام...التي التقطته منها ساخطة...
سلام / اللحين اصرفها..و تروحين تفتحين لها أبواب البيت على مصارعها؟
صبح / حرام عليك سلومه..أختك و بتزورك تسوين فيها كذا؟
سلام تمط شفتيها بضيق / مو رايقه لهبالها اليوم..و عندي تقارير لازم اخلصها
صبح تضحك / معليش هي كلها كم ساعه..خليها تجي نتسلى مع بعض..بعدين والله ارحمها في البيت لحالها
سلام / تروح لكادي
صبح بإستدراك / صح خساره ليتني قلت لها تجيبها معها..عاد هالبنت يا قلبي تكسر الخاطر من جد في بيت طويل عريض لحالها..الله يرحم أمها و يسكنها الجنه
سلام ممازحه / صبووح وش رايك أي وحده في بيتها لحالها و ماله نعزمها كل عصر
ضحكت ضحى و هي تقف / حلو نلقى أحد نسولف معه كل عصر..يله بأروح أبدل ملابسي و اكشخ لأختك
♥▓♥▒♥▓♥
أفاق من قيلولته متأخراً...فهو لم يعتد أن يصحو من نفسه...كانت هي دائماً من توقظه...و تهتم بكل شيء في هذا البيت...
جال بصره في الغرفة المضائة بخفوت...فها هو النهار بدأ يهجرها...ليظلم بها المساء...كما اظلمت حياته بعد رحيلها...
لأول مره منذ خمس سنوات عاشها معها...يصحو من نومه من غير أن يراها بجانبه...تنتظره بشوق...و تطلب رضاه...و تغرقه حباً...
لم تركته بعد كل هذا..؟؟
إن كانت صدقته في بداية الأمر...و هي تشاهد كل شيء أمام عيناها...لما الآن مجرد ذكريات حبيسة...فجرت غضبها...و صبرها..؟؟
هل كانت تحس بشيء و هذه الشعرة التي قصمت ظهرها..؟؟
هل سمعت عنها شيء لم يسمعه..؟؟
هل حدثتها تلك و لفقت لها الأكاذيب..؟؟
لم ترد على إتصاله طوال الأمس...فتركها مجبراً لعل و عسى أن تهدأ ثورتها قليلاً...
و هاهو الآن يتأمل الغرفة الخاوية من وجودها...ليعتدل جالساً و يمد يده إلى هاتفه و يعاود الإتصال مجدداً...و الذي أيضاً لم يلقى أي إجابه منها...
ألقى بنفسه من جديد على السرير بضيق...و قهر...لولا هذه الأشغال العالقة...و التي يجب أن ينجزها بسرعة...لأسرع إليها...
يعلم أنه لو رآها لأستطاع إرجاعها بسهولة...
التقط هاتفه الذي رماه للتو بجانبه...ليقوم بإرسال رسالة لها...علها تجد لديها صدى لم تجده مكالماته...
كتب و محى...و كتب و محى...حتى استقر على تلك الكلمات...
[اعرف إنك زعلانه..بس ردي خلينا نتكلم]
ترددت أصابعه كثيراً...لا يعرف هل يزيد على هذه الكلمات شيء أم يكتفي بها...(لا كذا يكفي..لو كانت بترد بترد كلمتين زياده ماراح تقنعها)
أرسل كلماته الشحيحة...بأمل أشح أن ترد عليه...و اغمض عينه و أسند رأسه...ليغفو قليلاً...
لكن على عكس توقعاته...احس بالهاتف يهتز بيده...ليصحو مجفلاً...يفتح رسالتها بعجل...
[الموضوع أكبر من إننا ننقاشه على التليفون]
زفر بغضب...و ضيق...(على الأقل نست طاري الطلاق)
اغمض عيناه...و ذكرى الأمس تعاوده..!!
♥
♥
عاد بوقت متأخر من الليل...بعد يوم طويل...من الإجتماعات...و المناقشات...
دخل إلى الفيلا يعجبه وقع الهدؤ على مسامعه...ليسترخي باقي جسده براحة...
و لا يعلم أن بإنتظاره...إجتماع أصعب مما كان يعقده طوال اليوم...و قرارات عليه أن يتخذها بلحظة...لتقرر مصير مشاعر لطالما عاشها بحيرة...و تجاهلها طوال تلك السنوات...
حتى باتت كالأشباح...يعلم أنها تسكنه و لكن لا يحسها...
تجاوز الصالة...التي امتلأت بتلك الصناديق التي بدأوا بجمعها إستعداداً للإنتقال...
كان يتولى أمور الشركة...و عذاري ترتب مع الخدم ما يجب أن ينتقل معهم من المنزل...
صعد الدرج...و الراحة التي احس بها لثواني خادعة...تتبدد توجساً...وهو يرى نور مكتبه مضاء...
قادته خطواته الحذرة...السريعة...المثقلة بالشك...متجهاً إلى المكتب...
راجياً أن لا تكون هناك منذ وقت طويل...على الأقل...ليس الوقت الكافي لتصل لذاك الدرج المنسي بما يحويه...
وقف أمام الباب...ليراها تقف أمام مكتبه توليه ظهرها...
كانت على مايبدو من مظهرها...مستغرقه بجمع شيء ما بين يديها...
أزاح نظراته عنها لذاك الدرج البعيد في آخر مكتبته...لتهدأ نبضاته المتسارعة...وهو يراه يهجع بسكون تام كما كان طوال تلك السنوات...لا يفضح عما بداخله...
حتى خرقت فرحته الموهومة...شهقة انفلتت منها...ليتعالى صوت بكاء...اخرس راحته...
قبل أن يتسنى له الوقت بفكرة...بكذبة...أو سبب...لما رأت...
رآها تلتفت إليه لتصدم بوجوده...و يصدم هو بما تناثر بين يديها...
تلك الصور...الرسائل...الذكريات...و غبار عشق يغطيها...!!
انسلت نظراته عنها...لتلك الحكايا المهاجرة...المهملة...
تلك الذكريات التي يتنساها...و لا ينساها...
هنا ارتكب العشق...الهوس...الكره...الحقد...
خمس سنوات رقدت حكايته هنا...
يخشى نبشها كالقبر...كي لا تثور الأرواح الكامنة داخلها...و تبدأ بالتنفس داخله...
مازال يحدق بتلك الحياة المنسية...
تاق للمسها...ليحسها...ليسألها عن ذاك العشق الذي استوطنه زمناً...ليردمه و يبني فوقه مدناً من أحاسيس مختلفة...
لمــا تحيي ما خشي على رده للحظات حتى بينه و بين نفسه..؟؟
ليتنفس الآن أمام ذهوله...و على مرأى منها..!
صرررخت به...ليستفيق من جموده...و شروده...و تضارب المشاعر في داخله...
عذاري باكيه / تكلــم! ليه ساكت؟ وش هذا يا مالك؟؟
تبعثر بيدها الرسائل...لتتبعثر معها المشاعر داخله...
يحاول كبح جماح المشاعر التي تتسابق للظهور على ملامحه...
ليركنها على جنب...و يملأ شعوره بالغضب...ليتقدم متجاهلاً تلك الأوراق التي تصيح بما يملأها...
و يقف أمامها...سامحاً لنفسه أن يغضب...
مالك بعصبيه / تدريييين إني ما أحب أحد يلمس أغراضي الخاصه..و لا يفتش وراي؟؟
عذاري تصرخ أيضاً / أنا كنت اجمع أغراضك..مــااافتشت فيهن عن قصد!!
مالك يصرخ / قلت لك المكتب أنا ارتبه لا.....
لكنها رفضت هذه المرة أن يخدعها...و يحور الكلام لصالحه...أن يبدأ بالهجوم لتتخذ موقع الدفاع ناسيةً حربها هي...
عذاري تبكي بقهر / لااا تغير الموضوع..(من بين شهقاتها) حرام عليك يا مالك! حرام عليك تسوي فيني كذا!! انا صدقتك صدقتك..و أنت تكذب علي!!
تهاوت على الكرسي بجانبه...و منظرها هذا...أنساه أوراقه...و ذكرياته... لتتعلق مشاعره بهذه الإنسانة أمامه...و بحياته التي توشك أن تنهار...
بعد أن استمات صبراً في المحافظة عليها...
عذاري بإنفعال غاضب / ليه محتفظ فيهن؟؟ لهالدرجه تهمك!! للحين تفكر فيها؟؟ كنت تحبها؟؟ _تكمل بتأكيد_كنت تحبها و كــذبت علـــي!!
علم أن الغضب لن ينفعه هذه المرة...فحاول جاهداً كبته...و لم شتات ما تبعثر مع تلك الذكريات...
مالك ببرود بالكاد يمثله / لو بتسمعيني بعقل بنتكلم..ما تبين تصدقين إلا اللي شفتيه..ماله داعي اتعب نفسي و...
عذاري تقاطعه / واللي شفته له معنى غير اللي وصلني؟ له معنى غير إنك كذبت علي و كنت تحبها_و بقهر_وللحين تحبها..و ما نسيتها!!
مالك يصيح بغضب / كيف تسأليني و تنتظرين مني أجاوب و أنتي جالسه تفترضين من عندك و مو معطيتني فرصه اتكلم
عذاري تقف بحنق / هذا أنا سكت..سمعني وش عندك؟؟ قول؟؟
تنهد مالك بعنف...ليتقدم إلى الكنبة التي تتوسط الجدار أمامها...و الأهم بعيداً عن ما انتثر معها...
رمى بنفسه...و نظراته لا تغادر نظراتها المتعلقة به بجرح عميق تحمله...
مالك صادقاً / هالدرج عمري ما فتحته من سنين..و....صدقيني..صدقيني...كنت ناسيهن
يأمل أن يكون عذراً مقنعاً...و يأمل أكثر أن يكون حقيقه...
عذاري محتجة بغضب / و ليه يكونون فيه من الأساس؟؟ ليه تآخذهم معك؟ ليه تحتفظ فيهم؟؟
تسأل سؤالها ببساطة...وهو الذي مرت عليه سنوات يرتصف فيها حيرته...و تساؤله عن الأسباب...
غادرها برغبته...
كرهها عن قناعة...
لكن لم يستطع محو بصماتها عنه...
مالك ببرود / لقيتهم مع الأوراق..(أكمل كاذباً) ما انتبهت لوجودهن..جمعتهن هنا و نسيتهن
عذاري بسخرية حزينه / تبيني اصدق اللي تقوله و.....
مالك يقاطعها بعد أن تلفت أعصاب كان يمسك بزمامها..ليقف بغضب / عذاااري خلصنا..تدرين إني ما أحب هالتنكيدات و التحقيق و أنتي......
عذاري تقاطعه بقهر / ماراح نرجع للرياض يا مالك..لو كانت ما تهمك خلنا نجلس في جده..خلك في الفرع اللي هنا مثل ما كنا طول هالسنين..ليه تترك الشغل اللي تعبت فيه..هناك كل أعمامك في الشركه مو ضروري وجودك
مالك بغضب / و أنا من متى امشي على شورك؟-بتهديد- اسمعيني......
و قبل أن يتم تهديده قاطعته بصراخ باكي...
عذاري و هي تتركه / لوو رجعنا الرياض بتطلقني..ماراح اجلس معك و هي.......
مالك يقاطعها بغضب عاصف / بترجعين غصب عنك و ......
لم يتم كلامه...لأنها خرجت بسرعة صافقةً الباب خلفها...لأول مره قبل أن يتم كلامه...
♥▓♥▒♥▓♥
كانت تجلس بينهم في صالة البيت مسرورة...يسعدها هذا الشيء الذي يدل على أنها ليست غريبة...لم تأتي لهذا البيت منذ سنوات...و تكاد لا تعرفهن إلا من أحاديث سلام عنهن ..
لذا اسعدها أكثر إستقبالهم المرحب بها...حتى والدتهن حين سلمت عليها قبل رحيلها لم تتضايق من وجودها...لا تدري لما خطر لها أنها قد تتضايق...
سمو / وناااسه البيت اللي فيه بنات كثار..الله لو لي خوات و......
سلام تقاطعها / قدامي و تقولين كذا! ما مليت عينك أنا؟؟
سمو / ماليه عيني و قلبي..بس انتي احسك أخت بالإيجار..يعني طالعه علي بالساعات بس
ضحكن صبح...و ضحى...لتتكلم سلام بغضب مصطنع...
سلام / الله يخليني لك غصب عنك
سمو / و انا قلت شي..الله يخليك لنا
صبح / كادي وش أخبارها؟ ليه ما جبتيها معك؟
سمو تلتفت لها بحماس / لا توصين حريص فكرت بهالشي بس دقيت عليها ما ترد..و استغربت رحت ادق على الثابت و ردت علي خدامتهم الخبله و قالت إنها نامت..حتى ما تغدت الكوكو..تقول إن الغداء ما أحد أكله..شكل أبوها و سامي طلعوا وهي نامت
سلام معلقه / ما تعرفين تختصرين!
سمو / لا لازم الذمه في نقل الأحداث
صبح / يا قلبي والله كان ودي اشوفها
سمو بحماس / الجايات اكثر..ليه ما تعزمون خوات يووسف أبي اتعرف عليهم
هــا قد بدأت..!!
رمقتها سلام بغضب...و هي تراها تبحث سريعاً فيما أتت من أجله...و ضحى و صبح يرمقانها بإستغراب...
ضحى تضحك ساخرة / و أنتي اللحين عارفه اسم اخوهم و لا تعرفين أسمائهم؟؟
عضت لسانها بإدراك...و هي تتهرب من نظرات الغضب في عيني سلام..بعد ان أدركت خطأها في السؤال مباشرة عنه...
سمو / آآ لا بس شايفه مسلسل بدوي..و فيه البنت تفتخر بإسم اخوها_تبتسم بغباء_تصدقون البنات ملغين اسمائهم يعني أنا أخت ساري هم خوات يوسف..ووو كذا
ضحى تنساق مع كلامها / يااا قلبي يا حنا..ما عندنا أخو وش يقولون لنا؟؟
سمو تهذر لتنسي سلام ماقالته / عادي بإسم أبوكم يعني أنتم بنات جابر..يا قلبي عليه أبوك عاد يستاهل..اذكر يوم كنت صغيره و جيت مع سلام اخذني البقاله و شرى لي آيسكريم..كان حلو للحين حلو؟؟
سلام مهددة / سمو شوي من العقل ماراح يضرك
صبح / حرام عليك خليها على راحتها
سمو / صح لا تكبتيني بعدين اتعقد
انشغلتا سمو و ضحى في التحدث عن المدرسة...و سنتهما الأخيرة...لتستأذنها صبح للذهاب لإحضار الشاي...و تلحق بها سلام بعد أن ظنت أن نظرة التهديد كافية لردعها عن فتح ذاك الحديث مجدداً...
لكنها سمو و فضولها لا يردعه شيء...
سمو تسحب يد ضحى لتهمس لها / وين بيت يوسف؟
ضحى بإستغراب / مين يوسف؟
سمو تضربها بخفة / ولد جيرانكم..يعني مين؟ قولي هو اللي قدام بيتكم أو اللي جنبه؟ كأني اتذكره بس نسيت
ضحى مازالت مستغربة / اللي جنبنا
سمو تصفق يديها بحماس / هو اللي سيارته لؤلؤيه صح؟
ضحى / ايه....أنتي وش تبين فيه؟
سمو / لا لا ولا شي..اسأل من باب العلم بالشيء و لا الجهل به فقط...(خساره ليته كان طالع و شفته)
♥
♥
بعـد ســاعه..~
كانت ترتدي عبائتها...لتخرج لتميم الذي كان ينتظرها خارجاً...
صبح / هاذي ما تعتبر زياره..لازم تجينا مره ثانيه أنتي و كادي وقت اطول
سمو / لا المره الجايه أنا باعزمكم يا بنات جابر.._ترفع نظراتها لسلام بحذر_آآ سلوومه بااااااي
سلام تقبلها لتقرص اذنها..و تهمس لها / لا تشوفين أفلام عربي كثير
سمو تخرج لباحة المنزل مغنية بصوتها المزعج / ذاااكرررني و إلا نااااسي..رد الذكرررى قربهااا..أنا ااحبك الأوووول يا قااااسي..بنت الجاااار اللي تحبهااااااا
سلام تصرخ بغضب / سمووو و وجع اسكتي فضحتينا
لوحت لها بيدها مودعة و ضحكتها تتعالى...قبل أن تخرج من المنزل...
جلست بجانب تميم...و عيناها لا تفوتان ذاك الشاب الذي خرج من منزله للتو و يقف الآن عند سيارته...ليهتز جسدها حماساً مكتوماً...(هذا يوسف..هذا يوسف..يوو لا يكون سمعني! بيوتهم قريبه لبعض!! ياويلي من سلام بتذبحني)
تحرك تميم...و رفع يده ملقياً بسلام سريع وهو يمر بالقرب من يوسف...و هي مازالت مستغرقة بالنظر إليه..
وجهه الدقيق الملامح...يوحي بسكينته...و سماحته...نظراته الصافية...تذكرها بوصف سلام له...لا تدري لما ترى روحه الطيبة تغطي ملامحه...
كانت تميل رأسها للخلف تتأمله...حتى احست بأصابع تميم التي نقرت جبهتها بعنف...
تميم / وش مطيره عيونك فيه ياللي ما تستحين!!
سمو تفرك جبهتها بغيض / آآآي
تميم / عشان تتأدبين
سمو تتدارك حرجها / هذا يوسف أخو شوق
تميم ساخر / لا والله..و يعني؟؟
سمو بحرج / آآ بأشوفه عشان اعرف إذا شوق حلوه أو لا
تميم / ليه توأم؟
سمو تهذر / لا بس إذا كان حلو أكيد هي حلوه بعد..مو معقول ما أخذت من ملامحه شي..و هي مولوده بعد..أكيد بقى منه شي من هنا و إلا من هنا و اخذته
تميم ساخرا / اسكتي اسكتي..صدق اللي يكلمك لازم يرمي نص عقله عشان يستوعب وش تقولين
♥
♥
وقف في مكانه...يراقب تلك السياره الفارهة...و ذاك الثراء المرتسم بهيئة أخاها...
أهذا كان سبب رفضها؟؟
هل تراه دون مستواها؟؟
هل تطمح للأفضل مادياً؟؟
و هرب من تلك الأفكار التي تخنقه...إلى الخيال الذي يهنأ له العيش على كذبه...
وهو يتذكر كلمات تلك الأغنية التي سمع فتاة ما تصيح بها قبل قليل تعالى صوتها إلى منزله...
لما على الصدف أن تجمعه بها...إن كانت لن تكون له يوماً؟؟
تلك الكلمات التي تصل إلى سمعه...ما معناها؟؟
تعنيه؟؟ أم أن خياله يصور له ذلك؟؟
لما يحس أنه يستمع لدقات قلبها...يحس بتوترها...و إرتجافها حين يراها؟؟
هل هذا حقيقة..أو وهم من خيـاله..؟؟
♥
♥
سلام تدخل الصالة هاتفة بحنق / فضحتنا هالخبله..سمعتي باب الجيران يتسكر أكيد سمعـ....آآ سمعوها
لم تنتظر تعليق...و هي تصعد الدرجات تتحلطم بغضب...
ضحى تضحك / والله خبله هالسمو..تونـّس
ابتسمت صبح...و هي مازالت تحدق بالدرج الذي صعدته سلام غاضبة...
تراجع في خيالها سؤال سمو عن يوسف...و الغضب الذي حقن وجه سلام بصمت...و غضبها الآن الذي سببه أنها تعرف أنه هو من خرج من منزله...
تتذكر توتر سلام...و هما يركبان معه السيارة...بكائها على تلك الكلمة التي فلتت منها...
و نظراتها التي اصبحت لا تترك الأرض حين يذكر اسمه في حديثهم...(من بعد خطبة شوق و هي على هالحال! قبل كانت عادي..ما ألاحظ عليها كل هالتوتر! صار شي؟ معقوله أحد كلمها عنه مره ثانيه؟؟)
إحساسها يؤكد لها...أن هناك شيء قد جد...
لكنها لن تسأل...حتى تخبرها سلام بنفسها إن كانت ترغب...
♥▓♥▒♥▓♥
تعتكف في غرفتها منذ وصولها بالأمس...تتقاذفها الحيرة...و الضيق...و الحزن...
تقف على مفترق طرق...لا تعلم في أي طريق صالحها...لتكمله...
بالأمس...حين تركته ثائرة...كانت تجزم أنها ما إن تصل إلى البيت حتى تخر باكية في حضن والدتها...طالبة أن يطلقوها منه...
لكنها التزمت الصمت...و لم تخبر أحداً بما حدث بينهما...و لا خلافهما...
تعذرت بوصولها أولاً...أنها ارادت الرجوع قبله لأنهم سوف يبيعون المنزل...وهو يكمل ما تبقى له من أعمال هناك و يلحق بها...
لا تدري لما؟؟
هل مازالت تطمح لحياة معه بعد كل هذا الكذب..؟
هل ستصدقه هذه المره أيضاً..و تكذب ما رأت...و ما تحس به..؟
هل تريده أن يسترضيها..لترضى....و هل سيفعل هو..؟
عدا إتصالاته...و رسالته...ماذا يمكن أن يفعل بعد ليرجعها..و مالذي يمكن أن يرضيها لتعود إليه؟؟
الآن و هي بعيدة عنه...لا تعلم حقيقة شعورها نحوه...
بعد كل ما عرفت...بعد إسترجاعها لتلك الذكرى...و إستعراضها لحياتها تلك السنين معه...
مالك...كم بدى لها كفارس أحلام خيالي حين خطبها...
رجولتـه...هيبته...قوة شخصيته...مستواه الإجتماعي...
لكن ما أصعب العيش معه...
قسوته التي لا تلين...سيطرته التي لا تنفك...غضبه العاصف...و عصبيته المرعبة...
لأول مره تتأمل نفسها من بعده...تقارن نفسها بما كانت عليه قبل سفرها معه...
كم تغيرت...انسلخت عن شخصيتها...
عن كل ما تحب لما يحبه هو...
عن كل ما يرضيها إلى ما يرضيه هو...
نفى نفسه و نفاها معه...و لم تشتكي...
هذا كان الحل الأسهل لتعيش معه براحة...و حب...
نعم كانت تريد حبه...و إرضائه...
لكن أكثر كانت ترتعب من غضبه الكاسح حين يتملكه...و لا تقوى أن تتعامل معه...
لا تأمنه...و لم تأمنه أبداً...
و الآن تسأل نفسها...
ما هي الحياة التي عاشتها معه؟؟ ماهي المشاعر التي جمعتهما؟؟
كانت تلهى في عملها نهاراً...وهو في شركته...لتكمل ما ينقصها للعمل مساء حتى يعود...
ليجدها بكامل أناقتها...بكامل مشاعرها...لا تطلب سوى رضاه و حبه...
لا تتكلم إلا حين يرغب...لا تتحرك إلى حين يأمر...
ضحت كثيراً من أجله...تحملت...صبرت...و سامحت...
و بعد كل هذا...تجده يعيش مع ذكريات لسواها...
تلك التي أنكر حبها...و ادعى أنه من طرف واحد...
تذكرت صورها التي تناثرت بين يديها...رسائلها...و أغراض كثيره لها...إسوارة...شال...مشبك شعر...
أي مهووس من جمع كل تلك الأشياء...و احتفظ بها طوال تلك السنوات..؟؟
لم تتخيل مالك أبداً أنه من هذا النوع...لم تعرفه هكذا...و لم يكن معها يوماً هكذا...(لكن لو كان يحبها كل هالحب..ليه تركها؟ ليه تركها و هي تبيه؟؟ ليه تزوجني؟؟ ليه ابعد عنها؟؟ معقوله يكون حب في الماضي و انتهى من قلبه صدق!!)
♥▓♥▒♥▓♥
عادت لتوها من التسوق...لتدخل إلى الصالة...تتبعها الخادمة بأكياس مشترياتها...
جواهر مبتسمة / مساء الخير
أم ساري / مساء النور
كان يجلس مع والدته...يشاهد برنامجاً إقتصادياً...يأخذ كل إهتمامه...لذا لم يتكلف الرد عليها...
جواهر / وين سمو؟
أم ساري / راحت عند سلام..خواتها عزموها على القهوه
جواهر / ياحليلهم والله..عاد حنا مقصرين معهم ما عمرنا عزمناهم
استمرتا بالحديث...وهو يرمقهما بنظرة ضيق...و جواهر تخرج من أحد الأكياس ما اشترته لوالدته...
زفر بتأفف...وهو يرفع الصوت أكثر ليستمع بوضوح...(من صدقهم بينثرون أغراضهم هنا! ليه؟ ما فيه غرف؟؟)
جواهر / ايه و شفت بجامات حلوه..و اخذتهن للبنات..وينهن؟_تفتش بأكياسها لترمق الكيس بالقرب من باسل_باسل عطني الكيس اللي جنبك
بالكاد التفت ليراه..و دفعه بقدمه لها...
لتتغضن ملامح والدته بضيق من تصرفه...و جواهر تلتقط الكيس بتنهيدة عدم رضا...
لم يبدين إستيائهن...لأن الجميع اعتاد على هذه التصرفات منه...
أما هو..فكان كم من لم يفعل شيء..مستغرق فيما يراه و لم يحس أنه اخطأ...بالعكس يراهم عديموا الذوق بإزعاجه بكل تلك الخربشات...و الأحاديث التافهة...
دخلت سمو راكضه بحماس / وااااو أكيد عمتي اللي رايحه السوق_تحشر نفسها بجانبها_وش جبتي لي وش جبتي لي؟؟
هذا ما كان ينقص...إزعاج تلك التي لا تهدأ...
سمو ترتدي بيجامتها فوق ملابسها / باسل وش رايك؟
باسل بسخرية / أول مره تلبسين بجامه على هالفرحه؟؟
سمو بحماس / لا هاذي هديه..يعني غير اللي اشريها أنا-كشرت بملامحها و هي تصد عنه لعمتها-يسلمو عمتو يسلمو
وقف ليغادرهم بدون أي كلمة...ليتابع البرنامج في غرفته...براحة...و دون إزعاج...
و لم يحس أحداً بخروجه...خاصة مع فوضى سمو و إزعاجها...
سمو تطل بالأكياس / وش جبتي بعد؟
جواهر / هاذي بجامات للبنات.. الزرقاء لكادي..و الموف لسلام
جمعت بين يديها تلك الملابس...و نهضت...
سمو / بأروح اكلم كدويــه..يمكن صحت..ما كلمتها اليوم..نامت ماتغدت و من عرفت و أنا حاسه بالجوع معها ههههه
جواهر مبتسمه / الله يخليكم لبعض
♥▓♥▒♥▓♥
خرجت لباحة منزلهم...و هي تحمل صحن الفواكة...
لتلتحق بجمعتهم...على ذاك المستطيل الصغير الذي غطاه العشب الأخضر...
كانت مساحة متواضعة لا تقارن بحديقة منزل والدتها...
لكن لا تعلم لما تراه...أجمل...و أقرب لنفسها من تلك الحديقه...
هنا كانت سهراتهم معاً...أو مع جاراتهم...
هنا ليالي قضينها بالمذاكرة في أيام إمتحاناتهن...
هنا يتناولون عشائهم يومياً مع والدها...يحادثونه...و يمازحهم بمودته...
ابتسمت و هي تصل إليهم...ليقابلها والدها بذات الإبتسامة المثقلة بحنانه...
أبو سلام / الله يعافيك يبه..تعالي اجلسي جنبي
توسطت والدها...و زوجة أبيها التي تحركت فوراً لإفساح مكاناً لها...و ذات الإحساس بالإمتنان يكتسيها...
كلما رأت حنان والدها...و رضا زوجة والدها بهذا الدلال الذي يخصها به من بين أخواتها...
تعلم أن والدها لا يقصر بحنانه على أي واحدة منهن...لكن هي لها مكانة خاصة لديه...
و أي زوجة كانت لتغضب من هذا الحب الذي يقتص من نصيب فتياتها...
لكنها امرأة لا تشبه أحداً بأخلاقها...بصبرها...و طيبتها...
خالتها كتلة طيبة و مراعاة ليس لها إلا نسخة واحدة...نسخة من روعتها و تفوق...إنها صبح...
أبوسلام / وينك ما شفناك على العشاء؟
سلام / ما شتهيته...و عندنا تقرير قلت اخلصه..سمو العصر كانت عندنا و راح الوقت ما سويته
أبوسلام / الله يوفقك يبه..أنتي و خواتك
اجلسها بجانبه...و كعادته بدأ يسألها عن أحوالها...عن كل صغيرة و كبيرة تعنيها...
يغرقها بدلاله...و حنانه...و إهتمامه...
ليعوضها عن تلك الطفولة القاسية...و السنين المجحفة التي كان يسلط عليها بها غضبه...
كان يشد عليها بتصرفاته...يغضب و يثور عليها من أقل خطأ قد يقع فيه أي طفل...يضيق الخناق على أفعالها...يحرمها من حنانه...
فيعلم أنها تبتعد عنه لتقترب من والدتها...و يملأه القهر...
أن تكتسب حبها تلك بما لديها و ينقصه...هذا ما كان يغضبه أكثر...ليقسو عليها أكثر...
كان يفرغ غضبه منها بطفلتها...متناسيا أن من تعاني...هي طفلته أيضاً...
لم يكن حباً لها...بل كان إحساس مر بالخيانة حتى و إن لم تكن تقصدها...أو قصدتها...
علم أنها أجبرت على الزواج به...فسكت و لم يحملها أكثر...
لم تحبه أبداً...فرضى أن يعيش بمجرد الاحترام و تلبية الواجب بينهما...
حتى حملت بين أحشائها ما ظن أنه سوف يربطهما للأبد...و يوجد بينهما المودة...و المعزة...ولو لم يخلق الحب...
ليصدم بعد ذلك بذهابها إلى بيته...
بيت طليقها...و أب أولادها...متحججة أنها لا تذهب إلا وقت خروجه...لتقف جانب صديقتها...و من تعتبرها أختها...بمحنة رفضت أن تشرح له كنهها...
ليخبرها بعدم رغبته لذهابها هناك أبداً...فترفض...و يعظم الخلاف بينهما...
تركها تذهب إلى بيت عمتها...طلقها تهديداً لها لترجع عن إصرارها...لكنها لم تهتم...
ارخصته...فأرخصها...و انقضت عدتها بوضع حملها مبكراً...فانتهى ذاك الزواج بلا قرار من كلاهما...
ليصدمه رجوعها السريع لزوجها الأول...فيستبد به الغضب...ويتزوج هو أيضا سريعاً من أخرى...
و بذات السرعة التي تزوج بها...ملكت أم صبح قلبه...و عقله...
و أخرجت العنود سريعا من تفكيره...لا بل تأكد أنها لم تكن يوماً قريباً من إحساسه...
♥▓♥▒♥▓♥
وصل إلى...(الإستراحة)..التي يجتمع فيها مع أصدقائه...ليفاجأ...بمواقفها خالية من أي سيارة...(وين الناس؟ معقول ما أحد فيه!)
ترجل من سيارته...و توجه إلى البوابة...ليدخل و لا يرى إلا العاملين يقومون بواجباتهم فقط...
تميم / صلااااااح
أتى إليه العامل راكضاً من بعيد / أهلاً يا أستاز تميم
تميم / وين الشباب؟ ما فيه أحد؟؟
صلااح / ماحدش حضر منهم النهرده
تميم / زين كمل شغلك يعطيك العافيه
أخرج هاتفه المحمول من جيبه...وهو يصعد درجات الدكة الحجرية الخارجية...التي صفت عليها الوسائد الوثيرة...ليجلس متمدداً على أحدها...
اتصل على طلال ليخبره أنه في زيارة لأهل زوجته...
و اتصل بهم واحداً تلو الآخر...الجميع لديه ما يشغله هذا اليوم...الذي لا يوجد لديه هو أي عمل...(ليييش العالم انشغلت يوم صرت فاضي؟ وش هالكلام الفاضي!!)
و أعاد الإتصال بتركي...الوحيد الذي لم يجب على إتصالاته...لكنه لم يجب أيضاً...
تميم يصرخ عالياً / صلااااح عطني القهوه
مضت ساعة...وهو يجلس لوحده...يرتشف قهوته بإستمتاع...و هدؤ...
جعل ذكرياته تثور في هذا السكون الذي يلفه...يستعرض حياته...و المشاعر التي مرت به...
أربع
قصص مرت عليه...ولا واحدة منها...أوصلته لذاك القفص الذهبي..!!
الأولى...أحبته و أحبها...لكنه تركها...
الثانية...أحبها و جن بها و بالأخير احبته...لكنها تركته...
الثالثة...أعجب بها..كل ما فيها كان فخماً راقي و رائع يناقض بساطته و مع ذلك أحبته...لكن الظروف حالت بينهما...
الرابعة...لا يعرف أي قصة جمعتهما...و أي مشاعر حملها لها...حب لم يحمل أي نظرة...أو كلمة...أو لحظة بينهما...
حين انقطعت أفكاره...انتبه لنفسه...كان قد صب أربعة فناجيل صفها أمامه...ملأها بالقهوة على حسب قوة ذاك الحب...و مدته...
ابتسم وهو يتخيل أن يرجعن إليه كلهن في وقت واحد...في ذاك الوقت...من سوف تتغلب على غريماتها...و تكسب قلبه..؟؟
من منهن أحبها أكثر..؟؟
فكل واحدة منهن لا تشبه الأخرى بشيء أبداً...
مد يده للفنجال الأول...ليبعده عن البقية...و الذي كان به قليل من القهوة...
تلك كانت عبير...أول حب عرفه بسنوات مراهقته...حادثها بالهاتف بعد إتصالها الخاطيء عليه...أو قد تكون تعمدت هذا الخطأ...
كان حينها في سنته الثانوية الأولى...فأكتشف معها لذة الحب...و عرف شقاء السهر...و معاناة الشوق...
كانت فتاة مجنونة...جريئة...خفيفة الظل...و مرحه على الدوام...
ضحك بإستخفاف...وهو يتذكر تلك المحادثات الليلية الطويلة...و سخافة تلك الأحاديث التي يحكونها...و الخلافات التي يتنازعون بها...و تلك الأغاني التي يغنيها لها لتكمل معه بصوتها المزعج...(الله يغفر لنا..و يستر عليها..عساها كبرت ذيك البنت و عقلت و تركت هالدرب)
تركها بعد سنتين على علاقتهما...لأنه ادرك أن كل ما يقومان به خطأ...
ابتسم بحرج وهو يتذكر تلك الليلة التي دخلت بها عمته جواهر عليه...بعد أن استمعت لمحادثته معها...لتلقي عليه محاضرة طويلة عن تلك المكالمات المحرمة بينهما...و ما يمكن أن تجرها عليهما...
فاقتنع و تاب...و صارح
عبير برغبته في قطع العلاقة...لتغضب...و تبكي...و تملك الجأة لتدعي عليه...ظناً منها أنه يتركها لأنه تعرف على غيرها...و كانت تلك آخر مكالمة بينهما...
و بالكاد اعتاد على فراغ أيامه...بعد أن كانت تملأها بفرحها...وشقاوتها...و حبها...و أحاديثها التي لا تنتهي...
بعد مرور سنتان... أدرك أن عبير لم تكن حباً صادقاً حقيقياً...فالمشاعر معها لا يمكن أن تقارن بعمق أحاسيسه التي ارتبطت بإبتسام...ابنة الجيران...في منزلهم القديم...
تلك الفتاة العذبة...الرقيقة...الحالمة...الحنونة...صاحبة العينان الناعستان...و الجمال الباهر...
شغلت تفكيره من لقائه الأول بها...صدفة جعلته يدخل إلى غرفة عمته بعد عودته من رحلة تخييم...لتلتفت إليه بحماس...مستعرضةً نفسها بدلال...تسأل عن رأيها بشكلها...ظناً منها أنه عمته...
ليقف مشدوهاً وهو يراها بقمة جمالها و أناقتها...بفستان حريري أزرق يظهر تقاسيمها الأنثوية الفاتنة...و خصلات شعرها العسلية تسترسل على كتفيها كشلال من الشهد الصافي...
لم يستطع أن يتحرك...أو أن يرمش بجفنيه للحظة...خوفاً أن يحرم نفسه من هذا الجمال الذي ارتسم أمامه...
حتى احس بيد عمته التي شدته بقوه للخارج...لتقفل الباب عليها...
تحدث معها...حتى عرف من تكون...و تركها ليذهب إلى غرفته...لايحتل ناظريه إلا صورتها العذبة...الجميلة...
ليصدم حين يقف أمام المرآة و يرى شكله الذي وقف به أمام ذاك الحسن ...
كان بثوب أسود أغبر...وجهه لوحته الشمس و الهواء حتى زادت سمرته...و ذقنه الذي طال لم يشذب و لم يرتب...حتى غترته التي ناقضت سمار بشرته...كان قد لفها على رأسه بعشوائية...
كان هذا أول لقاء...تبعه لقاءات صدف تعمد أغلبها...و مشاعر أصبحت تسكنه إتجاهها لتزداد عمقاً يوماً بعد يوم...الكل من اهله عرف بحبه لها...فهو لم يستطع إخفاء إهتمامه بها...و شوقه...و لهفته...
و سلام و سمو كانتا حمامتي السلام لها...ينقلن كل أخبارها له...كل ما يرغب بمعرفته...و كل ما جعله يتعلق بها أكثر...و أكثر...
حتى أتى ذاك اليوم...يوم تخرجه الجامعي الذي ظن أنه بداية الفرح...بداية الطريق لها...
فبعد تخرجه...و عمله...لا شيء يمنعه من الزواج بها...
لكنه صدم بخبر خطبتها...و الذي صدمه أكثر موافقتها...و الذي صدمه أكثر...و أكثر...
سبب زواجها...تزوجت بزوج أختها المتوفاة لكي تربي أولادها...و لا تتركهم بين يدي غريبة لا تعلم كيف ستتصرف معهم...ذاك الزوج الذي يكبرها بسنوات...
لكنها كانت دوماً الأم الثانية لأولئك الأيتام...و حين فكر والدهم بالزواج كانت هي خياره الأول...لتوافق رغبته...إهتمامها و محبتها لهم...لتوافق أيضاً...
يوم زواجها...ذاك اليوم ظن أن نهايته تكتب فيه...ذاك الوجع الذي أذاب قلبه...ذاك القهر الذي صهر روحه...و حزن و لوعة شلت أطرافه...
ظن أنه نهايته...و نهاية قلبه...بل نهاية العالم...
فلم يطيق الوقت...و الحي...و الناس بعدها...فقرر السفر لإكمال دراسته...أراد أن يبتعد عله ينسى...
و ابتعد...و نسى..!!
في سفره...و غربته...الذي شاركه بهما صديقه طلال...
كان دوماً هادئاً...شارداً...لا مبالياً بأحد...حتى قابل ساره...
لم يحبها سريعاً كما أحب إبتسام...بل كانت تدخل إلى قلبه رويداً رويداً...حتى سكنته...و بلت جميع عروقه و نفت أي ذكرى لسواها...
بداية أعجب بشخصيتها القوية...ثقتها...ثقافتها...جديتها...
رغم تناقض شخصياتهما...لكن حوارهما دوماً كان ممتع...شيق...دوماً ما تنتصر فيه بالأخير...لتقنعه بوجهة نظرها...
كانت تدرس الطب...و تسكن في نفس الحي الذي يسكنه...مع عائلتها...والدها المقعد... والدتها...و أخوتها الصغار...كانت الفتاة الكبرى...و التي تحمل أعباء تلك الأسره على عاتقها...
فأصبح كتفاً تستند عليها في غربتها...اهتم بأخوتها و مشاكلهم معها...يأخذ والدها لمواعيد المستشفى أثناء إنشغالها...يساعد الكل في ذاك المنزل...حتى أصبح كأنه فرد منهم...
لكن نقاشاتهم الصغيرة...بدأت بالتحول لإختلافات تكبر يوماً عن يوم...
كانت محجبة نعم...و لكنه أرادها بستر أكثر...ستر لا يكشف للغير ما سيصبح حق له وحده...
تملك الكثير من الزملاء الشباب...حتى و إن كانت العلاقة بينهم في غاية الإحترام...لكن غيرته كمسلم...لا تحتمل تلك المحادثات...و الجلسات...و الإتصالات بينهم...
اختلفا حتى على مجال عملها...اختلفا على مكان إقامتهم إذا تزوجا...فلكل منهما منطقة مختلفة سيعود إليها...
رفضت أن تغير بها شيئاً واحداً من أجله...و رفض أن يتنازل هو أكثر...فافترقا رغم عمق المشاعر التي تجمعهما...
ليتقابلا صدفةً...في مصعد...أو شارع...أو محل...كغريبان...
تحرقهما النظرات...و لكنهما لايستطيعان الكلام...
طيران يحومان حول بعضهما...مجروحان...حزينان...
عادت قبله بأسابيع...لتتركه أياماً في وحدة يعيشها بعدها...وهو يرى أطيافها في كل زاويا الشوارع...في كل الآماكن...في كل الوجوه...
كان مشغولاً دوماً بأفكاره عنها...حتى آخر ليلة له قبل عودته...و هجره لأرض الغربة...
حين عاد لشقته مساءً...ليجد مغلفاً أصفر عند بابه...
التقطه بإستغراب...و استغرب أكثر وهو يرى اسمه مكتوب عليه...بخط أنثوي...أنيق...
دخل إلى الشقه مسرعاً...ظناً منه أنه قد يكون من ساره...فهو لا يعرف لها خطاً بالعربية...كل مارآها تكتب كانت تكتب بالإنجليزية...
جلس في الصالة وحيداً فطلال كان قد عاد منذ أسبوع...بعد ولادة طفله الأول...أما هو فبقى حتى ينهي كل ما تبقى له هنا...
ليسهر تلك الليلة الطويلة...مع ذاك الدفتر الأصفر أيضاً من مجهولة...حتى صفحاته كانت صفراء باهتة...
و خطها الأنيق...الفخم...يملأ تلك السطور بلون أسود حاد...حالك...
فتاة دونت هنا مشاعرها...غيرتها التي عنونت لون الدفتر و صفحاته بها...قهرها...عشقها...حزنها...
كتبت تلك الأيام...و الذكريات...و المشاعر...بلغة فصحى مؤثرة...و عميقة...
سطرت سنوات أحبته فيها بصمت...كانت ترصد له كل حركة...أو كلمة...أو حال يمر به...
عاد يعيش أيام غربته من جديد في هذه الصفحات...ليست أيامه فقط...بل حتى مشاعره...و أحاسيسه...
و كأنها كانت تعيش بقلبه...تتمشى بأوردته...تسكن فكره...و ملامحه...لتكتب عن أدق تفاصيل عاشها...
كتبت عن وصوله منكسراً...حزيناً...غريباً...
كتبت كيف أصبح يتبدل يوماً بعد يوم...
كتبت أول صديق كسبه بالحي...
كتبت أول ضحكة رأته فيها حين كان يقف مع طلال بأحد محلات القهوة و علق عليه طلال أنها أول ضحكة له منذ وصولهم هنا...
كتبت عن أول نظرة ألقاها على ساره...إحساسها المر الذي أخبرها أنها لن تكون مجرد نظرة عابرة...
كتبت عن أول لقاء له بها...و الغيرة التي أذابت قلبها و هي تحوم حولهم كالهواء الذي لايمكن لأحد أن يراه...رغم وجودها الدائم أمامه...ادركت أنه يحبها قبل أن يعرف حتى هو بوجود هذا الحب في قلبه...
كتبت عن كل تلك المشاعر التي ارتسمت بوجهه حين يحاورها...يقابلها...و إستغرابها كيف لا تنتبه ساره و لا هو...لكل تلك المشاعر العذبة التي تسكن ملامحه بوجودها...و تغير حتى نبرة صوته...فلصوته نبره خاصة لا تظهر حتى يحدث ساره...
كتبت عن أول خلاف لهما مع بعض...خلاف احتارت مشاعرها فيه...بأي صف تقف...هل تفرح....كما هو متوقع...
لكنها لم تفرح...فهي تعيش هذه القصة معهما و تسكنها مشاعرهما...
لم تفرح بخلافاتهما...و لا بفراقهما...لم تستطع أن تفرح و كل هذا الحزن يسكنه...ليسكنها أيضا...
حتى ختمت صفحاتها...بإعتذارات طوال...
إعتذرت عن حبها العميق...الغريب..له...
إعتذرت عن مراقبته تلك السنوات...و نبش أدق تفاصيله...و العيش على إحساسه...
إعتذرت عن خجلها...و صمتها...و حظها الذي لم يسعفها لتعترف...أو لتكتب لحظةً حقيقية بينهما...
أخيراً...إعتذرت عن إرسال هذا الدفتر...و لكنها كرهت أن تكون دوماً الفتاة التي تقف بالظل في حياته...كرهت أن لايعرف أنه سكن كل زوايا روحها...كرهت أن لا يعرف أنه بنى له بيتاً بقلبها سيسكنه طوال عمرها...
كرهت أن يمر العمر و تنساه...وهو لم يعرف أبداً بحبها...
مع طلوع الفجر...انتهى من ذاك الدفتر الزاخر بمشاعرها...و أيامه...
بعد أن رأى زرقة السماء...هب يصلي الفجر سريعاً...و عاد لدفتره...
جلس بشرود...وهو يراجع في خياله وجوه كل الفتيات اللاتي مر بهن تلك السنوات...
الحي الذي يسكنه...مليء بالسعوديين...الخليجيين...العرب...
هناك العشرااات من الفتيات اللآتي يعرفهن...اللآتي مر بهن...اللاتي حدثهن...
أي واحده هي؟؟ أي واحده..؟؟؟
كانت طائرته مساء اليوم...لحظة فكر بهذا الشيء...ليخرج سريعاً بذات الملابس التي كانت عليه بالأمس...و التي سهر بها طوال الليل...
لا يعلم أين يذهب...كيف يعرف...من يسأل..؟؟
لكنه مشى بكل شارع قد مشاه سابقاً...بفرق واحد...أن عيناه تدقق النظر بكل وجه أمامه...أو يمر به...عله يعرفها...
زار كل المحلات...القريبة...و البعيدة...ليمسح وجوه الفتيات...و مشاعرهم...يتحدث مع الكل...ليعرفها...
حتى الأصدقاء...و الأسر...الذين تعرف عليهم...ذهب لوداع الكل رغم أنه سلم عليهم مسبقاً...لكنه أراد أن يراها...أن يعرفها...
صاحبة ذاك الإحساس العميق...الذي فاض دفئه من الصفحات...ليغمر صقيعاً اسكنته به ساره بعد رحيلها...
عاد إلى شقته منهكاً...خائباً...و قد تبقى على موعد طائرته ساعه واحده فقط...
ليجد كرت أحمر...و وردة بيضاء...علقت على الباب...
ركض إليه سريعاً ليأخذه...و يفتح الكرت على عجل...و لا يجد به سوى جملة واحده بذات الخط الفخم...الجميل...(شكراً لأنك بحثت عني)
تنهد وهو يحرك فنجاله الرابع...فنجالها...الذي لم يضع به سوى نقطة من القهوة...ضائعة في وسطه...كضياع ذاك الحب من نصيبه...
انتهى من الحب...استهلك جميع مشاعره...
فقد أحب...و اعجب...و عشق...
سهر...و تعذب...غار...و اشتاق...و فارق...
لم يسمع عن شعورٍ لم يسكنه...!
لذا انتهت صلاحية قلبه...و مشاعره...فلا يظن أنه سيلتقي بأنثى ستسكن قلبه...بعد كل تلك القصص التي عاشها...
إلا لو وجد أنثى تختصر كل تلك النساء بها...مرح عبير و طفولتها و ظرافتها و شقاوتها...رومنسية إبتسام و جمالها العذب و رقتها...ثقافة ساره و قوة شخصيتها و أناقتها...حتى تلك المجهولة و فيض محبتها...و صبرها...و عمق أحاسيسها و صدقها...
هل سيجد تلك الأنثى التي يدفن فيها كل تلك النساء..؟؟
/ مسكــون!!..من تقهوي أنت؟؟
انتفض من خيالاته...على صوت تركي و ضحكته...ليراه يقف أمامه مع خالد...
تميم يضحك / أحد قال لكم تخلوني لحالي..توحدوا فيني أربع جنيات
تركي يجلس أمامه / المهم إنك ما فشلتنا ببني الجن..قهويتهم و ضيفتهم-يرى الفنجالين الثاني و الثالث المملؤات بالقهوه - بس ليه ماتقهون هالثنتين؟
تميم يجاريه ساخراً / مالهن بالقهوه العربيه..يبون كابتشينو
خالد يضحك / والله إنكم مو صاحين
مد يده ليأخذ الفنجال الرابع...الخالي من القهوه...ليخطفه تميم من يده بسرعه...
تميم / عندك فناجيل هنا وش كثرها..وش تبي بهالفنجال! هذا ما حصل لي اشربه أنا عشان تشربه أنت
تركي يقهقه ضاحكاً / والله إنك مسكون صدق!_و يلوح بيديه للهواء معتذراً_آسفين يا جنيه..سامحي خالد مايقصد يشرب فنجالك
♥▓♥▒♥▓♥
كان على آخر عتبات الدرج...حين سمع صوتهما قادم من الصالة...فذهب ليلقي عليهما السلام قبل أن يخرج ليلقى أصحابه...
كان حوارهما على غير العادة...بصوت مرتفع...و كلام والدته يحمل نبرة عدم رضى...
و ما سمعه قبل أن يدخل إلى الصالة بخطوه...جعله يتوقف للحظة...ليس هو فقط بل نبض قلبه أيضاً كاد أن يقف...
جواهر / اللـه يصفي القلوب..أكيد أم فراس تغيرت بعد كل هالسنين
أم ساري / ما ظنيت قلب أم فراس يصفي علي العمر كله..أنا ما أقول إني كارهه رجعتهم يعيشون في الرياض..بس........
تراجعت خطواته لا إرادياً هاربة إلى الخارج...قبل أن يشعر أحداً بوجوده...
لأن تلك الثقة...و البرود التي طالما تأكد أنها تعتلي ملامحه الجادة...غير متأكد من وجودها الآن على وجهه...
خرج من المنزل...ليرى ما يصد نظراته يومياً مجبراً...دائماً عنه...
منزله الذي يقبع أمامه الآن...الذي بناه في ذات الحي مع منزل أهله...
منذ أربع سنوات لم يدخله...و لم يقوى على بيعه...
منذ تأكد من حرمانه منها للأبد...
منذ رفضها له للمرة الثانية...
توقف لحظات يتأمله بمزيج من غضب و أسى...حتى قادته خطواته إليه...ليتوقف أمام الباب...
يشتاق أن يدخله...يتجول فيه...لكن يخشى ما سوف يشعر به...
رغم ذلك انسلت يده إلى جيبه ليخرج مفاتيحه...و يتأمل ذاك المفتاح الذي يتحاشى النظر إليه دائماً...
و الآن يمسك به...ينوي أن يفتح تلك الجراح من جديد...آملاً أن يجدها قد ضُمدت...و تعافت...
دخل إلى المنزل...و رأى باحته الواسعة مغطاة بالتراب...و أوراق الشجر المصفرة...اليابسة...تناثرت بكل مكان...
حلمه الوحيد الذي لم يحققه دفن بالكامل تحت هذا الركام...
كل شيء حوله استقر عليه غبار كثيف...كالذي يستقر على قلبه...و أحاسيسه من بعدها...
زفر بأسى...وهو يتقدم و يجلس على عتبات المدخل...ليتذكرها...
لأول مرة منذ سنوات يسمح لنفسه بتصفح أوراق قد خط فيها من المشاعر ما هو حصر لها...لكنها مزقت كل شيء برفضها...
كانت قد غفت مشاعره إتجاهها...دنت من الموت داخله...
رحيلها أعطاه المساحة...لينسى...ليداوي جرحه...
لما كان عليها أن تعود بفترة النقاهه..؟؟
كيف يرجع لزحام المشاعر الذي كان يضج داخله...بعدما ارتاح لسكونه..؟؟
وقف سريعاً غاضباً من نفسه...و من كل شعور يسري بداخله...
نفض الغبار عن ملابسه...كما نفض أي حنين قد يرسله ذكرها إلى قلبه...
لن يسترجع تلك الذكريات...
لن يستعرض مشاعر طمرت من قلبه...
لقد تعلم الصيام عن كل ما يتعلق بها...و رجوعها لن ينقض إمساكه..!!
لا يريد أن يرجع من جديد أحداً يتدخل بشئونه...
لا يريد أن يعايش نظرات مترقبة لأفعاله...و مشاعره...
و لا نظرات متحسرة على على ما تمنى و لم يتحقق...
لم يعد راغباً بالمزيد من الحرمان...و الألم...و الشوق...و الخذلان...
لم يعد يحمل هم قلبه...كبر و شاخت مشاعره على الحب...
ليس كمن تركته...
ليس من عرفته...
لقد حبس قلبه بصدر بارد...لا تمسه أنامل الذكرى...لا تداعبه الأحلام...و لا تغريه الأوهام...
و لن يسمح لها بزيارة قلبه الذي حبسه بزنزانة إنفرادية...تحفظه قضبان الجمود...عن أي حياة قد تنادي بإسمها...قد تطالب بإستئناف حبها من جديد...
ليعود إليه ذات الوجع بالحكم المؤبد لحرمانه منها...
خرج من المنزل سريعاً ليستقل سيارته...و يبتعد عن كل هذا الشوق العتيق...
لقد تعب من التحليق في سماء نسيانها مجروح الأمل...
سيهبط و يداوي جرحاً لا يدمل...ليغلقه للأبد...
سيبدأ قصة جديدة تنهي من داخله قصة موته معهـا...
في بعدها كان يتناسى كل ذكرى لها في داخله...
لكن و هي تدنو منه بهذا الشكل القاسي...المفاجيء...
يجب عليه أن يجتهد بنسيانه أكثر...
نعم لقد نساها...لا تأثير لعودتها عليه...سوى صدمة ستتلاشى بعد وقت...
صدمة جعلته يفيق من سكونه...ليبدأ يفكر في المرحلة الثانية لنفيها من داخله للأبد...
♥▓♥▒♥▓♥
ⓛ
ⓞ
ⓥ
ⓔ
توقف النبـض مؤقتاً××♥
ღ بإنتظـار ღ إنعـاشكـم ღ