خطابه في الأعجاب (مختصرة):
تعجبني أشياء كثيرة كما تعجبك , تلك المرأة بجمالها تعجبني , منزلا هندسته رائعة يعجبني كذلك , مباراة وتنافس , حماسا يقطع الأنفس لما لايعجبني , أشياء كثيرة تعجبني , نعم , لكن أتعرف , لا أدري , لما لايعجبنا ألا السيء , ربما لأنه ليس فينا , أو قد يكون فينا متلبد , لذا يعجبنا .
ترى وقحا نذل يصرخ ويصرخ , حتى يأخذ مايريد , فلما لايعجبنا , ترى طائشا يدخن , ينفث دخانه غير مبالا يبتسم , فلما لايعجبنا , ترى نمرا في الغابة يمشي , يقتل بكل رعونة ويفتك , فلما لايعجبنا , أتريد المزيد , ترى دكتاتورا ذو شارب , بمجازره متباه , الجميع يرتجف منه ويرتعب , فلما لا يعجبنا .
بدأنا نعجب بالحثالة والأوغاد وسفاكي الدماء يارجل , حتى أشهر لصوص القرن العشرين ومابعده , شرورهم تعجبنا , خدعهم , أساليبهم , هيبتهم , كل ذلك فيهم يعجبنا , الخارجين عن القانون أعجبونا , نتمنى لو نعرفهم ويختبأون لدينا , ولكنك تتحير وتحذر , تخشى أن يكونوا عكس ماظننت , فتقل درجتهم لديك , تخاطب نفسك , أتعرف كيف , دعني بعيدا عنهم أفضل , أتقي شرهم , هكذا هم بتصرفاتهم يعجبوني , مايهم ألا يضروني .
البعض راح يدافع عنهم ويقاتل , يضع حججا واهية لما يفعلوه , يقول لك , أما هكذا ستعيش وتحترم , أو سيأكلونك حيا , البعض الآخر راح يرمي شرورهم على المجتمع ومافيه , مايهم , أن يلمع صورة من أعجبه , ليته يستطيع .
حتى القروش والتماسيح وآكلي لحوم البشر , تفننا بوصفهم وصفاتهم , أنفسنا لقبناها أعجابا بهم , لطالما أعجبني مصاصوا الدماء حين يشربون دما , لطالما أعجبني المسوخ حين ينتقمون في تعذيب البشر , لطالما أعجبني قاتلا مأجور حين يطلق رصاصة بكل هدوء .
أتعجب من ذلك , هم النصف المكمل وليسوا غيرهم , فالخير نصف , والشر نصفه الآخر , الأمين نصف , واللص نصفه الآخر , المنقذ نصف , والقاتل نصفه الآخر , كلها أنصافا لاتكتمل ألا ببعض , مايلفت النظر والأنتباه , الأعجاب بالأوغاد أكثر , فلا قوانين تمنعهم , ولاأحكام بحقهم , فالسجون لايخافها المجرمون , درسوا في زنازينها وبين عنابرها يتفسحون , ذلك مايعجبنا فيهم , لايكترثون لشيء ولايهتمون , خرجوا عن التقاليد والأعراف والشروط .
مجانين أعجبونا , مجانين أبهرونا , حتى يقولون , مجنونا يتحدث , وعاقلا يسمع , عجب عجاب , بل أعجب العجب , الطيب لايعجبنا , والمسكين كذلك , مؤدبا يتعجب , وشريفا وحليما جالسا معه , فلم يتعجبوا , لأنهم يعرفون فيما نعجب , من نخدع ومن يخدعون , حتى هم مثلنا يعجبون , لكن ليس بما نعجب , بل تعجبوا من نظرتنا الدونية للأمور , تعجبوا أكثر يوم ماعرفوا أعجابنا بأنصافنا تزيد .
كل شيئا فيه العجب , المجتمع والناس والعمل والمنزل والحي والنفس كذلك , حتى العجب ذاته عجب , يعجبك ويعجبنا , يعجبهم ويعجبني , فما يعجبني , دعني أخبرك , يعجبني ويعجبني ويعجبني , لو قلت لك ما يعجبني فلن أكتفي , هل أكتفيت , أو أظنني من سيكتفي .