كاتب الموضوع :
طمووح
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حبيب تحملت منه الأذى
(6)
كانت كلما تذكرت مافعلته بالأمس تمنت لو أن تبتلعها الأرض .. تسائلت ما إن كانت قد رمته بالفعل بالمزهرية وأن هذا لم يكن حلما !!.. حمدت الله أنه استطاع أن ينحني في الوقت المناسب .. فماذا كانت ستفعل لو أصابه مكروه ؟! .. لم تكن لتسامح نفسها أبدا ..
لقد كانت غاضبة منه لدرجة أنها لم تستطع أن تتحكم في تصرفاتها .. و بدت كقنبلة قد انفجرت ..
من حسن حظها أن دوامها كان في وقت متأخر من هذا الصباح .. الأمر الذي جنبها اللقاء بالوليد .. كانت تخجل من رؤيته .. فهي لم تعتد البكاء أمام أحد .. حتى ولو كان أقرب الناس إليه .. والوليد كان آخر شخص تتوقع أن تضعف وتبكي أمامه ..
حسنا لقد حدث ما حدث .. وربما مايهون عليها كل ذلك هو تصرفه معها حينما ضمها إليه بعطف .. فقد نجح بالفعل في أن يمتص غضبها ..
لم تعلق لها خيرية بشئ .. فمن حسن الحظ أنها كانت نائمة في ذلك الوقت من الليل .. فهمت هذا حينما أبدت استغرابها من المزهرية المكسورة :
ـ لا أفهم كيف حدث هذا ؟!!
اعترفت لها قائلة :
ـ أنا من كسرتها
نظرت لها خيرية بحيرة ولكنها لم تسألها عن شئ اخر .. وهي لم توضح لها المزيد .. وتركتها تظن أن الأمر كان حادثا وأنها كسرتها عن طريق الخطأ ..
وعلى الرغم من خجلها من نفسها .. إلا أنها لم تستطع أن لا تحكي لسمر .. ظلت سمر تستمع إليها بهدوء حتى علقت في الاخير قائلة :
ـ لقد نجا منك بأعجوبة !
ـ كل أبدو كالحمقاء ؟؟
أمسكت سمر بيديها وهي تجيبها قائلة :
ـ لا .. أبدا .. كان من حقك أن عتبري عن مدى استيائك منه ومن تصرفاته معك واهتمامه لأمرلمياء أكثر منك .. في رأيي لقد فعلتي الصواب
ـ نعم ولكني لم أكتفي بالكلام فقط .. فقد رميته بكل ماكان في متناول يدي ولكمته بيداي ...
ـ هو يستحق أكثر من ذلك
قالت سمر جملتها الأخيرة بطريقة أضحكتها .. لأنها بدت منزعجة من الوليد أكثر منها هي على الرغم من أنها لم تحكي لها عما حدث في تلك الليلة ..
كما أنها لم تصارحها بمدى سعادتها حينما قام الوليد بضمها بين يديه حتى لا تؤنبها لمشاعرها تلك ..
بعد انتهاء دوامهما ودعتها سمر ووقفت هي تنتظر السائق .. لقد أخبرته وهو يوصلها إلى الجامعة بالوقت الذي ستنهي فيه دوامها حتى يأتي ليقلها ..
كانت الساعة قد أصبحت الخامسة مساء .. حيث اقتربت الشمس من الغروب .. وما هي إلا دقائق حتى رأت سيارة تقف أمامها .. ولكنها ولدهشتها لم تكن سيارة السائق .. بل كانت سيارة الوليد ....
وقفت في مكانها مترددة في الاقتراب من السيارة وهي تتسائل عن سبب قدوم الوليد إليها هنا وفي هذا الوقت !!
ظلت مسمرة في مكانها لا تتحرك حتى رأت نافذة السيارة تفتح لترى وجه الوليد بوضوح وهو يسألها :
ـ هل سأنتظر طويلا ؟!
أفاقها سؤاله من دهشتها وسارت نحو سيارته بسرعة .. وما إن ركبت حتى انطلق بها على الفور ..
أخذت تنظر حولها جيدا لتتأكد أن لمياء ليست معهم .. وبالفعل لم يكن أحد في السيارة سواها هي والوليد ..
رأته يبتسم وهو يسألها :
ـ لماذا تبدين مندهشة هكذا ؟؟
ـ لا أنا لست مندهشة .. أقصد .. بلى مندهشة .. لم أتوقع أن تأتي أنت لتقلني من الجامعة ..
ـ لقد أنهيت عملي باكرا اليوم .. فقلت لنفسي أنه لا مانع إن أتيت كي أصطحبك أنا بدلا عن السائق ..فاتصلت به وأخبرته أني أنا من سأصطحبك من الجامعة اليوم
أربكتها مفاجئته كثيرا .. ولكن بالرغم من ذلك لم تستطع أن تخفي شعورها بالسعادة .. ورغم ذلك فقد شعرت أن هناك سببا آخر جعله يأتي لكي يصطحبها بنفسه .. فمن النادر جدا أن ينهي الوليد عمله في تلك الساعة .. وحتى لو كان قد انتهى اليوم باكرا كما يقول .. فلماذا يأتي ليقلها ؟؟
خرجت عن أفكارها تلك عندما توقف الوليد بالسيارة فجأة على جانب الطريق .. فسألته بحيرة :
ـ ما الأمر ؟!
ـ لا شئ .. لا تقلقي .. أردت فقط أن أخبرك أن هناك سببا اخر جعلني آتي لاصطحابك
ـ وماهو ؟
تنهد بعمق قبل أن يجيبها قائلا :
ـ لقد فكرت في أنني قد أغضبت زوجتي كثيرا .. وأنني علي أن أصالحها بطريقة ما .. لذلك قررت أن أقدم لها هدية ما .. لعلها تعجبها هديتي وتسامحني
قام بجلب كيسا كان يضعه في الخلف ثم أخرج منه علبة وهو يسألها :
ـ هل تقبل زوجتي هديتي المتواضعة تلك ؟؟
فتح العلبة فرأت بداخلها ساعة من الجلد لونها أبيض .. تبدو في غاية الثراء .. قام بأخراج الساعة من العلبة ومد يده ليتناول يدها وهو يقول :
ـ أتسمحين ؟
وعلى الفور .. ومن دون حتى أن تفكر أعطته يدها .. فأمسكها بلطف وقام بإلباسها الساعة بكل خفة .. وبعد أن انتهى سحبت يدها بسرعة وقد احمر وجهها من الخجل والارتباك .. وراحت تتأمل يدها التي بدت صغيرة داخل تلك الساعة .. لم تكن تتخيل يوما أنها سترتدي ساعة بكل تلك الفخامة ..
ـ هل أعجبتك ؟
أخرجها سؤاله من تأملها .. فأجابته بذهول :
ـ إنها حقا رائعة !
ناولها الكيس الذي بيده وهو يقول لها :
ـ ليس هذا كل شئ ..لازالت هناك هدية أخرى
تناولت منه الكيس وهي غير مصدقة مايحدث معها .. وحينما نظرت بداخله قالت بانبهار :
ـ غير معقول !
ابتسم الوليد لردة فعلها وعلق قائلا :
ـ لقد وجدت أن تلك الهدية ستناسبك كثيرا .. وبعد حيرة بينها وبين الساعة .. قررت في الاخير أن أهديكي كلاهما
أخرجت الهدية من الكيس التي كانت عبارة عن بالطو أبيض ولكنه بدا باهظ الثمن وأنيقا جدا .. وراحت تقول له :
ـ لا أحد عندنا يرتدي هذا النوع من البلاطي الباهظة الثمن إلا الأطباء المرموقين .. أما الأطباء المبتدئين مثلي فيرتدون أرخصها
ـ ههههههههههههههه .. ولكني أراكي منذ الآن طبيبة مرموقة .. لهذا اشتريته لك
شعرت بالسعادة تغمرها .. فهي لم تعتد على هذا الاهتمام من الوليد منذ أن تزوجته .. وهمست له دون أن تنظر إليه :
ـ شكرا لك
ـ ولاآن هل ترضى عني زوجتي ؟
لم تعرف ماذا تقول له .. فهي حقا لا تشعر بأي عداء نحوه الآن .. وحتى لو كانت تشعر فلم تكن لتستطيع أن تستمر في عدائه بعد طلبه بمسامحته ..
وضعت يدها على ذقنها وقالت له مازحة :
ـ آه .. حسنا دعني أفكر .. ولكن إذا كان غضبي منك سيجعلك تدللني بتلك الطريقة فأنا أفضل أن لا أسامحك
ـ لااا .. أعدك بأنني سأقدم لك هدايا أفضل من تلك إذا سامحتني
ـ مممم .. يبدو عرضا مغريا .. سأفكر فيه
ـ لك كل الوقت يا عزيزتي
ضحكت على كلماته تلك .. وبدا واضحا أن الوليد يحاول أن ينسيها كل ما يزعجها .. ربما لأن حالتها بالأمس جعلته يشعر بالشفقة عليها !
ـ هل انتي جائعة ؟
سألها الوليد ذلك فأجابته :
ـ إلى حد ما ..
ـ أما أنا فأتضور جوعا .. هنالك مطعم يقع بالقرب من هنا .. وطعامه لذيذ جدا .. مارأيك أن نذهب ونتعىشى فيه ؟
حاولت الاعتراض ولكنه قاطعها قائلا :
ـ أنا أريد أن أعوضك عن تلك الليلة التي أفسدتها .. وأدعوكي لأن تقبلي تناول العشاء معي .. وأعدك بأنني لن أفسد هذه الليلة
ـ ولكن .. أنا ..
ـ رجااء
بدا متحمسا جدا لأن تقبل دعوته .. وهي في الحقيقة كانت أكثر حماسا منه .. فالوقت الذي تقضيه مع الوليد لا يعوض .. ولكن ماجعلها تبدو متردد هو أنها كانت تخشى أن يحدث شئ ما يغضبه منها فتعاني منه من جديد ويفسد كل شئ ..
فكرت قليلا ثم قالت أخيرا مستسلمة لنظراته :
ـ حسنا .. أنا أقبل دعوتك
تنهد الوليد بارتياح وانطلق بسيارته على الفور باتجاه المطعم ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
نظرت إلى المطعم من الخارج فشعرت بالثراء الفاحش .. بدا أنه مطعم لا يدخله إلا الأغنياء فقط .. وهي بالرغم من أنها كانت تعيش في تلك المدينة منذ سنوات إلا أنها لم تأتي إليه قط ..
نزلت من السيارة ورافقته إلى داخل المطعم .. وحينما دخلا استقبلهما النادل فسألأه الوليد عن الطاولة التي يحجزها باسمه .. فأوصلهما إليها ..
وتسائلت كيف تسنى له الوقت لأن يحجز طاولة في المطعم وهو لم يدعوها إلا للتو !.. ترى هل كان يخطط لذلك قبل أن يلتقي بها اليوم ؟!
قبل أن يجلسا طلب الوليد من النادل أن يدله على مكان للصلاة فقد كان وقت صلاة المغرب قد حان .. فأشار لهما النادل عن مكان الصلاة لكل منهما .. فأخبرها الوليد قبل أن يتركها أن يتقابلا عند طاولتهما بعد أن ينهيا الصلاة ..
وبالفعل .. فبعد أن أنهت صلاتها استطاعت أن تذهب لوحدها إلى الطاولة المحجوزة باسمه .. ولكنه لم يكن قد أتى بعد .. فجلست تنتظره .. وناولها النادل قائمة الطعام .. فأخذتها وبدأت تقرأها وقد انتابها التوتر ..
كانت جميعها مأكولات لا تعرفها .. وراحت تفكر فيما ستقوله للوليد حينما يسألها عن الوجبة التي تريد أن تطلبها .. وبينما هي كذلك .. انتبهت إلى الوليد حينما سحب الكرسي الذي أمامها وجلس عليه ..
ابتسم لها وهو يسألها :
ـ هل قررتي ماذا ستطلبين ؟
ـ سأطلب ما ستطلبه .. في الحقيقة المأكولات غريبة بالنسبة لي وأخاف أن أطلب شيئا ولا يعجبني
ـ حسنا سأختار لك على ذوقي
أشار بيده إلى النادل ثم بدأ بالطلب .. وبدا معتادا على الأكلات التي يطلبها .. وراحت هي تتأمل المكان من حولها .. فرأت أن المطعم قد امتلأ عما كان عليه حينما دخلاه .. ولكنه رغم هذا ظل هادئا ..
كان كل من في المطعم يبدو عليه الأناقة .. ولم تكن هي والوليد الوحيدان المتزوجان هنا .. فقد رأت الكثير من الرجال ومعهم زوجاتهم الاتي كنا في غاية الجمال .. قد لا يكن أكثر جمالا منها ولكنهم كانوا أكثر اعتناء بملابسهم .. حتى أن بعضهن كنا يرتدين فساتين سهرات ! .. والكثير منهن لم يكن محجبات ..
تمنت لو أنها كانت تعلم بتلك الدعوة من قبل .. لكان لديها الوقت الكافي لتتزين فيه وترتدي ماهو يتناسب أكثر مع فخامة المكان ..
أخرجها الوليد من أفكارها حينما سألها وهو يبتسم تلك الابتسامة الجذابة :
ـ هل أعجبك المكان ؟
ـ أعجبني كثيرا .. لم أدخل مطعما كهذا من قبل
سكتت قليلا قبل أن تسأله :
ـ هل أنت معتاد على المجئ إلى هنا كثيرا ؟
ـ نعم .. إنه مكاني المفضل لعقد صفقات في العمل مع شركات أخرى .. وكان كذلك بالنسبة لوالدي
توقفا عن الكلام حينما رن هاتفه فأجاب عليه .. أما هي فأخذت تتأمله .. وسيما جدا كعادته .. شعرت بأنه أكثر الرجال جاذبية في هذا المكان .. هي محظوظة جدا به .. ولابد أن كل النساء هنا يحسدنها عليه !
انتبهت لأول مرة منذ أن قابلته اليوم إلى بذلته الأنيقة التي كان يرتديها .. كان لونها أسود .. وقميصه أيضا كان أسود .. ولم يكن يرتدي ربطة عنق .. فراق لها أكثر ..
أما هي فكانت ترتدي بلوزة طويلة من الصوف لونها رمادي على بوت طويل يغطي ساقها أسود اللون .. أما لون طرحتها فكان أحمر داكن ..
أنهى الوليد مكالمته فتوقفت عن النظر إليه حتى لا يلاحظ أنها كانت تتأمله .. وسمعته يقول لها :
ـ حتى حينما أرحل من الشركة باكرا فإن الأعمال لا تنتهي ..
ـ قد يبدو الأمر مضحكا .. ولكنني إلى الآن لازلت لا أفهم كثيرا نشاط الشركة !
ـ بل يبدو الأمر غريبا .. انتي تمتلكين اسهما كثيرة في تلك الشركة ومع ذلك لا تفهمين نشاطها !
علق بذلك قبل أن يشرح لها قائلا :
ـ نشاط الشركة الأساسي هو الاستثمارات العقارية
ـ إذا أنت مهندس ؟
ـ لا .. لست كذلك .. صحيح أن عملنا يعتمد بشكل أساسي على المهندسين ولكن من يدير الشركة ليس بالضرورة أن يكون مهندسا
ـ وماذا درست إذا ؟
ـ درست الهندسة في أول ثلاثة أعوام قضيتهم في كندا .. ولكني تركتها في الاخير ودرست ادارة الأعمال .. أراد والدي أن اصبح مهندسا مثله .. ولكني لم يكن لدي الميول لذلك .. فقد جذبتني ادارة الأعمال بشكل أكبر
من الغريب أن يكونا متزوجان لأكثر من ستة أشهر وهي حتى هذه اللحظة لم تكن تعرف شيئا عن عمله .. كل ماكانت تعرفه هو أنه يدير شركة عمها ..
تابعت تسأله :
ـ هل تنوي العودة إلى كندا بعد أن تستقر أمور الشركة ؟
ـ لا أعرف .. لازال هذا الأمر يحيرني كثيرا .. فقبل وفاة والدي لم أكن أفكر إطلاقا في العمل هنا .. وكانت كل مخططاتي تتعلق بكندا .. أما الآن وبعد وفاته أظن أن كل شئ قد تغير الآن .. وأنه علي أن أعيد النظر فيما كنت قد خططت إليه .. لأنه لا يمكن أن أترك شركة والدي التي تعب كثيرا في تأسيسها وانجاحها .. أظن أن هذا سيكون أنانية مني وخيانة لأمانته إن أنا تركتها بتلك السهولة .. في هذه الظروف
توقف عن الكلام .. فلم تجد ما تقوله له .. بعد أن لاحظت انزعاجه .. لقد أحب والده كثيرا .. ويبدو الآن مترددا فيما يفعله بشأن شركته ..
ـ انني أترك التفكير في هذا الأمر حاليا حتى اتجاوز بالشركة الأزمة المالية التي تمر بها ..
ـ أتمنى أن تنجح في ذلك وأن تتخذ بعدها القرار الصائب
كان الطعام قد أتى وبدأت في تناوله لأن رائحته كانت لا تقاوم ..
ـ انظري لقد أخذنا الوقت ونحن نتحدث عني .. حان دورك الآن .. أخبريني كيف تسير دراستك ؟
ـ الدراسة تسير وفقط .. ولا أستطيع أن أحدد إن كانت تسير على مايرام أم أنها تسير عكس ذلك .. ولكن لا تقلق هذا شعور طبيعي دائما ما يساورني قبل الامتحانات .. فكما تعلم لم يتبقى سوى ثلاثة أشهر وتبدأ الامتحانات ..
ـ يبدو أنك مضغوطة كثيرا
ـ المشكلة أن هذه السنة ليست كسابقتها .. فأيام التدريب تكون كثيرة ومن الصعب أن توفق بينها وبين المذاكرة .. كما أنني أطمع في الامتياز حتى أتمكن من الحصول على البعثة
أطلق صيحة انبهار قبل أن يسألها بتعجب :
ـ تطمحين في بعثة إلى الخارج ؟!
ـ نعم .. أريد أن أكمل دراستي بعد أن أتخرج وأن أحصل على الدكتوراة من الخارج ..
ـ أنا لا أفهم كثيرا في تخصصات الطب ولكن لدي الفضول لأن أعرف في أي قسم تريدين أن تتخصصي ؟
ـ سأتخصص في قسم الأطفال .. لقد أحببته كثيرا .. بالإضافة إلى أنه ليس معقدا كبعض التخصصات الأخرى ..
ـ انتي تحبين الدراسة كثيرا .. أنا لم أكن كذلك إطلاقا حينما كنت في مثل سنك
ـ حقا ؟
ـ نعم .. كما أنني لم أحب مجال الطب مطلقا .. كنت أفضل الموت على أن أقضي معظم حياتي في دراسته !
ضحكت من كلامه وعلقت قائلة :
ـ أنت محق في أن عدد سنوات دراسة الطب أطول من أي مجال آخر .. ولكن الأمر يستحق بالنسبة لمن يحبون هذا المجال
سكتت قليلا قبل أن تتابع كلامها قائلة :
ـ ولكني كنت أظنك طالبا مثاليا ومجتهدا !
ضحك الوليد بشدة من جملتها الأخيرة تلك وسألها :
ـ هل حقا أبدو كذلك ؟
أومأت له بالايجاب فانطلق يحكي لها عن مشاغباته حينما كان طالبا وكيف أنه كان يتهرب من الحصص في المدرسة .. وبالطبع كانت أمه تدللـه كثيرا ..
ـ لقد ربتني والدتي على الدلال ولم تكن ترفض لي أي طلب .. حتى حينما كنت أطلب منها أن لا أذهب إلى المدرسة في يوم كانت توافق !
حول نظره عنها وراح يفكر قليلا ثم تابع وقد بدا شاردا :
ـ ولكن حينما كبرت تمنيت لو أنني تطبعت بطباع أبي وليس أمي .. كان ذلك سيغير في أشياء كثيرة
ـ ولكنك لا تتصرف الآن كالمدللين !
أخفضت رأسها قليلا لتتحاشى النظر إليه وهي تتابع قائلة :
ـ بعكس لمياء
ابتسم لها بلطف على غير ما توقعت وقال لها :
ـ من حسن حظي أنني نجحت في أن أحسن من نفسي .. وأن لا أكون ذلك الشخص المستهتر الذي لا يبالي بشئ سوى نفسه .. أما أختي فلم تستطع أن تتغير .. حاولت معها كثيرا ولكن دون جدوى .. في الحقيقة أنا لا أستطيع أن أتعامل مها بالحزم اللازم .. فكثيرا ما أشعر بالشفقة نحوها لأنها عاشت بعيدا عن أمها منذ طفولتها .. لذلك فأنا أتعامل على أنها مسؤولة مني .. وأحاول جاهدا أن أعوضها عن جو الأسرة الذي حرمت منه
سكت منتظرا إياها أن تعلق بشئ ولكنها لم تفعل .. فهي لا تشعر بأي شفقة تجاهها .. لأنها لا تؤمن بأن الإنسان ضحية ظروفه .. فقد مرت بظروف أسعب من تلك التي مرت هي بها .. ومع ذلك لم تتحول أبدا إلى انسانة متغطرسة .. بل دفعتها تلك الظروف إلى أن تكون أفضل .. كما أن الوليد مر بنفس ظروف لمياء .. ولكن هاهو الآن لا يشبهها في شئ ..
حينما وجدها لا تقل شيئا تكلم قائلا :
ـ أنا أعلم أن لمياء فيها الكثير من العيوب .. كما أعلم أنها كثيرا ما تزعجك .. أشعر بالأسف لذلك .. ولكني واثق في أنك أكبر من كل ذلك وأنه لديكي قلب كبير مستعدا للعفو
بدا لها واضحا أنه يعتذر لها نيابة عن لمياء .. الأمر الذي أشعرها بالرضى لأنه ولأول مرة يقف في صفها هي ويعترف بأخطاء لمياء معها ..
كانا قد انتهيا من طعامهما حينما أشار الوليد بيده إلى النادل وسألها قبل أن يأتي :
ـ ماذا ستشربين ؟
ترددت قليلا قبل أن تجيبه قائلة :
ـ القهوة
فطلب الوليد من النادل أن يحضر لهما فنجانين قهوة .. وحينما انصرف ألتفت إليها وقال لها :
ـ يبدو أنك تعشقين القهوة مثلي
ـ أنا لم أكن استطعمها من قبل .. ولكني أصبحت أعشقها مؤخرا
لم يفهم الوليد ماتلمح إليه بكلامها .. فتابع يقول :
ـ أحاول أن أقلل من شربها .. وخاصة في المساء .. ولكن الليلة ستكون اسثناء ..
استمرا في الحديث طويلا عن أشياء كثيرة .. وضحكا كثيرا .. بقيا هكذا إلى أن لاحظا أن الساعة قد أصبحت التاسعة حينما اتصلت خيرية بها لتطمئن عليها وتستفسر عن سبب تأخرها .. فأخبرتها أنها برفقة الوليد .. وأنه ليس عليها انتظارهما لأنهما قد تعشيا بالخارج ..
ـ أظن أن علينا القيام الآن
قال لها الوليد ذلك بينما كانت هي تتمنى أن لا تنتهي تلك اللحظات أبدا ..
حينما أصبحا في خارج المطعم .. انتابتهما الدهشة .. فقد كانت الأمطار تهطل بغزارة ..
ركظا بسرعة نحو السيارة وحينما صعدوا بداخلها قال لها :
ـ هذا غريب .. لم يكن هناك أي مؤشر على أن أمطارا ستهطل اليوم !
استمرت الأمطار تنهمر حتى بعد أن وصلا إلى البيت .. فبقيا بداخل السيارة آملين في أن تتوقف الأمطار أو أن تخف قليلا .. ولكن هذا لم يحدث .. فقالت له :
ـ لا أظن أننا سنبقى هنا طوال الليل !
ـ لا .. بل نحن مضطرين لمواجهة تلك الأمطار
ـ مارأيك في أن نتسابق إلى المنزل ؟
استمر الوليد ينظر إليها ليتسوعب ماقالته .. ثم انفجر ضاحكا .. وسألها غير مصدق :
ـ تريدينا أن نتسابق ؟!
ـ مالمانع في أن نحظى ببعض المرح ؟؟
ـ يبدو الأمر طفوليا .. ومع ذلك فأنا موافق .. ولكني أحذرك بأنني سأفوز عليك .. يمكنك الاستسلام من الآن
ـ لا تكن واثقا هكذا .. فأنا سريعة جدا
ـ حسنا لنرى
وعلى الفور نزلت سارة من السيارة ثم لحق بها هو الآخر وركضا بسرعة نحو باب المنزل .. حيث كان عليهما أن يصعدا أيضا الدرج الذي أمامه قبل أن يصلا إليه .. وبسرعة فتحت الباب بالمفتاح الذي معها ثم سبقته بالدخول ..
كانا يضحكان بمرح حينما قالت له :
ـ لقد فزتك
فأخبرها وهو يمثل دور الصبي الذي لا يعترف بالهزيمة :
ـ لقد كان مكانك أقرب إلى الباب مني
كان المنزل غارقا في الظلام وبدا أن خيرية ولمياء قد خلدا إلى النوم ..
ذكرها هذا الظلام بشئ ما .. مما زاد ضحكها .. فسألها الوليد :
ـ لمذا تضحكين ؟
ـ وأنت أيضا تضحك
ـ هل تذكرين أول مرة تقابلنا فيها هنا ؟
ـ ههههههههههههههه .. أرجوك لا تذكرني .. أكاد أموت خجلا كلما تذكرت ذلك الموقف
ـ كيف لك أن تظنيني لصا ؟؟ هل أبدو لك كاللصوص ؟؟
ـ أنت لم تكن تبدو لي أساسا .. لقد كان الظلام يعم المكان ولم أتمكن من رؤيتك
وضع الوليد يده على خده وقال وهو يتحسسه :
ـ لازلت أذكر كيف هجمتي علي كالقطة المتوحشة
راحا يصعدان السلم معا وهما لا يكفان عن الضحك .. حتى تماسك الوليد أخيرا وهمس لها وهو يضع أصبعه على فمه :
ـ هوششش
فوضعت يدها على فمها لتحاول هي الأخرى أن تكتم ضحكاتها .. لقد نسيا تماما أن هناك من هو نائم في هذا البيت .. وبينما هما كذلك .. تعثرت رجلها بأحدى السلالم وكادت أن تقعد ولكن الوليد أمسك بيدها بسرعة ..
حينما وصلا إلى باب الغرفة انتبهت إلى أنها لازالت ممسكة بيده .. فتركتها بارتباك .. وساد بينهما الصمت وهي تفكر هل تدعه ينام معها في الغرفة اليوم .. أم أنها لا تزال لا تثق به ..
قررت أخيرا وقالت له بتردد وهي تفتح باب الغرفة :
ـ يمكنك أن تعود للنوم هنا كما في السابق
ـ هل انتي متأكدة ؟؟
ـ لا أظن أن ماحدث في تلك الليلة سيتكرر
هم بالدخول ولكنه توقف ما إن اقترب منها .. فأغمض عينيه وبدا أنه يفكر في أن يتراجع .. فقال لها :
ـ أفضل النوم في غرفة أخرى الليلة .. سأعود من الغد
كادت أن تسأله عن السبب ولكنها تراجعت حتى لا تبدو متلهفة عليه .. واكتفت بالقول :
ـ كما تريد
ظل واقفا في مكانه يتأملها .. وبدا مترددا في أن يتكلم .. ولكنه في الاخير تحدث قائلا :
ـ شكرا لأنك لبيتي دعوتي على العشاء الليلة
ـ بل أنا من علي أن أشكرك .. لقد قضيت وقتا ممتعا معك .. أشعر بأن مزاجي قد تحسن الآن
بدت غمازاته واضحة حينما ابتسم لها وهو يقول :
ـ تبدين أجمل حينما تكونين سعيدة .. أرجوكي أبقي هكذا دائما
ثم اقترب منها وطبع قبلة على جبينها بلطف .. وقال قبل أن يتركها :
ـ تصبحين على خير
وبالكاد استطاعت أن تجيبه :
ـ وأنت بخير
أغلق الباب ورائه بعد خروجه تاركا إياها في ذهول !!!
تكاد لا تصدق .. وضعت يدها تتحسس جبينها وراحت تدور في الغرفة وهي تكاد أن تطير من شدة الفرح ..
كان قلبها يخفق بشدة .. وكادت أن تقسم لنفسها أن الوليد بدأ يحبها هو أيضا ..
توضأت لتصلي العشاء وهي تشكر الله على كل ماعاشته اليوم .. إن اليوم هو أسعد يوم في حياتها كلها ..
ارتمت على السرير وقد شعرت أن النعاس قد بدأ يغلبها .. وقبل أن تغرق في النوم .. وعدت نفسها أنه لن يكون هناك طلاقا أبدا .. لقد أحبها الوليد .. وكل أمورهما ستسير على مايرام .....................
|