كاتب الموضوع :
طمووح
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حبيب تحملت منه الأذى
(2)
ـ هيا استيقظي يا سارة .. لدي فضول أن أعرف ماذا حدث معكي ليلة أمس
كانت سمر توقظها بصوتها المزعج .. فلم تجد بدا من أن تقول لها :
ـ انتي مزعجة ياسمر .. أتركيني أريد أن أناااام
ـ لقد تركتك بمافيه الكفاية .. ثم في جميع الحالات عليكي أن تستيقظي .. لدينا محاضرة بعد ساعة من الآن
رفعت سارة أخيرا رأسها من فوق الوسادة لتنظر في الساعة التي بجانبها .. كانت تشير إلى السابعة صباحا .. لقد انتابها الأرق طوال الليل ولم تستطع أن تنام إلا بعد الفجر .. فقالت لسمر :
ـ أنا أفكرفي أن أتغيب عن المحاضرات اليوم
ـ ولكن لماذا ؟؟ لا تقولي لي أنكي تريدين أن تتغيبي لكي تكملي نومك !
ـ نعم أنا متعبة كثيرا ولم أستطع النوم طوال الليل .. كما أن علي أن أحضر متاعي وأجمع كل أغراضي التي بالغرفة .
نظرت إليها سمر بحيرة وسألتها مستفسرة :
ـ ماذا تعنين ؟؟ لماذا ستحضرين متاعك ؟؟
ـ سمر .. أنا سأتزوج الليلة !
أطلقت سمر صرخة دهشة وراحت تتحدث بسرعة :
ـ أوه .. لا .. لا لا لا .. أنا لا أصدق .. لقد وافقتي إذا .. وستتزوجين الليلة .. هل بهذه السرعة تسيرالأمور !!..هل حقا سيقام حفل زفافك الليلة ؟؟
ـ لا .. لن يقام أي حفل .. قال أنه لا يرغب في ذلك لأن والده مازال حديث الوفاة .. وأنا اقتنعت بذلك
ـ لا عليكي .. لا بد وأنه سيقيم لكي حفلا في وقت لاحق .. تكون وقتها الأمور قد تحسنت قليلا
قالت ذلك وراحت تسحب الغطاء من فوقها وتشد ذراعها لكي تجبرها على النهوض .. وتابعت تقول :
ـ ستتزوجين الليلة ومازلتي نائمة .. هيا قومي لديكي الكثير لتفعليه !
ـ سمر أرجوكي دعيني وشأني .
ـ لماذا ؟ ألستي سعيدة ؟ هل هذا بسبب حفل الزفاف ؟؟؟
ـ انتي تعلمين أني مضطرة لهذا الزواج .. وأن الأمر ليس باختياري
نظرت إليها سمر وقد تبدلت ملامحها من الفرح إلى القلق .. وسألتها :
ـ أولم يكن وسيما ؟
ـ الأمر لا يتعلق بذلك
ـ إذا .. هل هو شخص شرير مثلا ؟؟
ـ لا بالعكس ..هو لطيف جدا ولكن ليس معي !
ـ لماذا ؟؟
نهضت سارة من السرير وقد يأست تماما من أن تتركها سمر تكمل نومها.. وحكت لها ماوقع بينها وبين ابن عمها الوليد حينما ظنته لصا .. وكانت سمر تنظر لها بذهول وهي تحاول أن تتخيل ماتسمعه.. وبعد أن انتهت من الحديث .. انفجرت سمر من الضحك :
ـ هههههههههههههههههههههههه .. لا أصدق .. لا أستطيع أن أتخيل كيف كان شكلك حينما اكتشفتي أنه ابن عمك وليس لصا
ـ أرجوكي توقفي عن الضحك.. أنت تزيدين من شعوري بالخجل
توقفت سمر بصعوبة عن الضحك بعد أن لاحظت إنزعاجها .. وقالت لها :
ـ لا تنزعجي كثيرا .. لو كان ماحدث ضايقه حقا لما كان صمم على طلب الزواج منك
ـ هو يشعر بأن وصية والده عبء عليه .. لذلك فهو يريد أن نتزوج بسرعة ليستريح من هذا العبء !
سألتها سمر بقلق :
ـ هل يبدو لكي أنه قد يفكر في طلاقك في أي وقت مادام قد نفذ الوصية وانتهى ؟!!
ـ لقد وضعت هذا في اعتباري .. لهذا اشترطت عليه أن لا يكون هناك احتمال لأي طلاق إلا بعد أن انهي دراستي .. وهو لم يعترض .. واشترط هو الآخر أن لا ننجب أي طفل طوال هذه الفترة !
ـ إنني في حياتي لم أسمع بزواج قام بهذه الطريقة !!
شردت سارة بذهنها قليلا قبل أن ترد عليها وتقول :
ـ لو لم أكن مضطرة لما وافقت ..
حاولت سمر أن ترفه عنها قليلا .. فغمزت لها وهي تسألها :
ـ هل كان وسيما ؟
فتنهدت بشاعرية وراحت تقول لها :
ـ إن كلمة وسيما قليلة على وصفه .. لم أكن أعتقد أبدا أن لدي ابن عم بهذه الجاذبية كلها
ـ ما لون عيونه ؟؟
ـ لونها بني على لون شعره .. ولديه لحية خفيفة على ذقنه تزيده وسامة .. وأكثر ما جذبني فيه هو تلك الغمازات التي تظهر بجانب فمه حينما يبتسم
وضعت سمر يديها على خدها وسألتها وقد تأثرت بكلامها :
ـ وماذا أيضا ؟؟ كلميني عن شخصيته
ـ لا تقل جاذبية عن شكله .. بالرغم من الشجار الذي وقع بيننا ولكن طريقته في الكلام كانت تدل على رجلا واثق من نفسه .. جدي إلى حد لا يوصف .. لا يبدو من نوعية الشباب الطائش الذين نشاهدهم في الجامعة هذه الأيام .. ما جذبني فيه أيضا أنه طويل جدا .. تقريبا أطول مني بخمسة سنتيمترات
ظلت سمر تنظر إليها تنتظرها أن تصفه أكثر .. فتابعت تقول :
ـ قد يبدو الأمر غريبا .. ولكن كل الصفات التي كنت أتمناها في فارس أحلامي موجودة فيه
ـ أراكي بدأتي تقعين في حبه
ـ لا بالطبع لا .. أنا لا أعرفه جيدا كي أحبه ولكني لا أنكر أني قد أعجبت به
ضحكت سمر فجأة لتفسد الجو الرومانسي الذي كانت قد دخلت فيه وقالت وهي تضحك :
ـ كلما أتخيل شكلك وانتي تهجمين عليه لا أتمالك نفسي من الضحك
ـ كفي عن تذكيري بذلك .. أنا أحاول أن أنسى هذا الموقف
ـ ولكنك لن تستطيعي ذلك مادمتي ستصبحين زوجته ..على الأقل حتى تختفي الخدوش من وجهه .. وإن نسيتي انتي فهو بالتأكيد لن ينسى ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
لم تستغرق وقتا في جمع أغراضها كلها ووضعها في حقيبة سفرها .. لقد كانت أغراضها قليلة .. لا شئ مهم فيها سوى كتبها وملابسها ..حزمت جميع ملابسها ولم تترك سوى ماسترتديه في عقد قرانها .. وكان عبارة عن دريل طويل بني اللون .. وجاكيتا قصيرا ترتديه فوقه لأن الدريل من غير أكمام ..
حرصت أن ترتدي أنسب وأجمل مالديها في نفس الوقت .. أرادت أن تبدو جميلة .. كان هناك شعورا ما بداخلها يدفعها إلى أن تلفت انتباهه .. وكأنها تريد أن تنتقم لكبرياؤها بسبب لا مبالاته بها ليلة أمس ..
بعد أن انتهت من حزم أمتعتها أخذت حماما ساخنا .. وحينما انتهت كانت الساعة تشير إلى السادسة .. كان أمامها ساعتان كي تجهز فيهما .. فبدأت ترتدي ملابسها .. ولم تضع أي مساحيق على وجهها فلم يكن ذلك من عادتها .. كما أنها كانت تخشى أن تبدو وكأنها سعيدة بهذا الزواج ! ..
بعد نصف ساعة كانت جاهزة تماما .. ووقفت تتأمل نفسها أمام المرآة .. كانت مرتبكة جدا .. فمهما كانت الظروف فهي ستتزوج اليوم بغض النظر عن سبب زواجها .. ولم تستطع أن تفسر كل هذا الاهتمام التي تبديه بابن عمها الوليد .. لم تكن تشعربذلك قبل أن تقابله .. ربما لأنها لم تكن تعرفه بعد ..ولكن بعد أن رأته وتكون لديها انطباع عن شخصيته لا تنكر أبدا أنها أعجبت به ..
خرجت من أفكارها حينما سمعت صوت مفاتيح بباب الغرفة .. لابد وأنها سمر .. وما إن دخلت سمر إلى الغرفة ورأتها حتى أطلقت تصفيرة اعجاب .. وقالت :
ـ يا إلهي يا سارة .. كم تبدين جميلة في هذه الملابس
شعرت بالسعادة لهذا الإطراء وسألتها :
ـ حقا ؟؟ ولكني أشعر أن ربطة الطرحة ليست مضبوطة تماما
ـ أنتي لم تضبطي ربطة الطرحة في حياتك مثل اليوم !
ـ لا تعرفي كيف أن مجاملتك هذه تعطيني الثقة في النفس
ـ ليست مجاملة .. إنها الحقيقة تبدين في غاية الجمال
سارت سمر ناحية السرير وارتمت عليه فقالت لها سارة :
ـ هل كانت المحاضرات صعبة اليوم ؟؟
ـ هي دائما صعبة لا شئ جديد .. ولكن لا تقلقي سأساعدك في فهمها
ظلت سمر ترمق سقف الغرفة وقد شردت بأفكارها .. فسألتها :
ـ هل انتي بخير ؟؟ .. تبدين متعبة !
ردت سمر ولكن نبرة الحماس كانت قد اختفت من صوتها :
ـ لا أستطيع أن أتخيل السكن من دونك
ـ ألن تنتقلي للسكن مع إحدى زميلاتنا ؟؟
ـ لا أعرف بعد .. ولكني أفضل أن أبقى في هذه الغرفة حتى لو كنت بمفردي
ـ إذا اطلبي من إحدى الزميلات أن تنتقل هي إلى غرفتك .. هذا أفضل من أن تظلي بمفردك حتى لا تشعري بالوحدة
ساد الصمت بعض الوقت حيث أن سمر لم تعلق بكلمة .. وأشفقت عليها سارة كثيرا .. لقد أمضت معها خمسة سنوات من حياتها .. ويعز عليها أن تتركها وتسكن في مكان اخر بعد كل تلك السنين .. وتمنت لو أن تأخذها معها ! .. ولكن هذا مستحيل بالطبع
تكلمت سمر أخيرا قائلة :
ـ كنت أتمنى أن أحضر زواجك
ـ أنا أتمنى ذلك أكثر منكي .. ولكنه لم يخبرني بأن بإمكاني أن أدعو أحدا .. ولا أريد أن أضعك في موقف محرج
ـ إنني أتفهم ذلك .. ربما تعوض في يوم آخر .. لا أعتقد بأنه سيستطيع أن ياقوم كل هذا الجمال ولا يقيم لك حفل زفاف
لم تعلق على قولها بشئ .. فهي ترى فكرة أن يقيم الوليد في يوم ما حفل زفاف أشبه بالمستحيل ..
تحدثت سمر من جديد وقالت :
ـ نسيت تماما أن أسألك .. من سيكون وليك ؟؟ .. ومن هم الشهود ؟؟
ـ لقد تحدثنا أنا والمحامي في ذلك بالأمس حينما كان يوصلني .. مافهمته منه هو أنني بما أنه ليس لدي أي أقارب من جهة والدي سوى ابن عمي .. فإن وليي هو ابن عمي !! .. وحينما يتزوج الرجل من امرأة هو وليها .. فإنه يوكل رجلا يزوجه إياها بإذنها .. وهذا الرجل سيكون المحامي
ـ ماهذا التعقيد كله !!
ـ نعم .. حتى أنا لم أفهم الأمر كثيرا !! .. ولكن هذا ليس مهما .. المهم أنهم هم يفهمون الأمر .. أما عن الشهود فلا أعرف من هم .. أعتقد أن ابن عمي هو من سيتولى تجهيز كل هذه التفاصيل
ـ وكم سيكون مهرك ؟
ـ لقد أخبرت المحامي بأن مايهمني هو أن يتولى الوليد جميع مصاريف دراستي .. ولم أحدد مبلغا محددا
لاحظت أن الساعة تشير إلى السابعة والربع .. فتمددت على سريرها قليلا .. هي لا تريد أن تذهب مبكرا كما حدث بالأمس .. وحتى لا يظن أنها متلهفة للزواج ..ظلت هكذا بعض الوقت وهي شاردة .. ثم قامت أخيرا وبدأت بارتداء حذائها .. وحينما انتهت كانت سمر بداخل الحمام .. فقررت أن تنتظرها حتى تخرج لكي تودعها ..
وحينما خرجت سمر ورأتها واقفة قالت لها بدهشة :
ـ أمازلتي هنا !! إنها الثامنة إلا ربع .. ألم تقولي بأن موعدكم في الثامنة ؟!!
ـ بلى ولكني أردت أن أسلم عليكي قبل أن أرحل
قامت سمر بسحبها من يديها نحو الباب وهي تقول :
ـ هيا بسرعة ..ستتزوجين بعد قليل ..انتي لستي مهاجرة .. ستنتقلين للعيش في مكان اخر ولكن مازلنا في نفس البلد وسنتقابل يوميا في الجامعة !! ..
أعطتها سمر حقائبها .. كانت عبارة عن حقيبة يد .. وحقيبة سفر تجر على الأرض .. ثم فتحت لها الباب وسلمت عليها بسرعة وهي تدفعها للخارج .. فودعتها سارة وذهبت ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
حينما وصلت كانت الساعة قد اقتربت من الثامنة والنصف.. لم تكن تعتقد أن الطرق ستكون مزدحمة لهذه الدرجة .. كان عليها أن تأخذ في اعتبارها أن المسافة من السكن الجامعي لبيت عمها أطول من المسافة بين الجامعة والبيت .. أخذت نفسا عميقا ثم وضعت يديها على الجرس .. ولم تمضي سوى ثوان حتى فتحت لها خيرية وقالت لها :
ـ إنهم ينتظرونك في الصالون
وحينما دخلت وتوجهت إلى الصالون رأت هناك أستاذ مجيد والوليد .. وبجانبه رجلان من نفس عمر الوليد تقريبا يبدو أنهم أصدقائه .. ورأت أيضا المأذون وفتاة لا تعرفها غير محجبة و تبدو أنها أصغر من سارة ببعض الأعوام .. كان يبدو على الوليد وتلك الفتاة أنهم قد سئموا انتظارها .. وما إن رأوها حتى قال لها أستاذ مجيد :
ـ ابنتي سارة .. أين كنتي ؟ لقد قلقت عليكي .. ولماذا لا تجيبين على هاتفك ؟؟
شعرت بأن وجنتاها احمرتا من الخجل .. وخاصة بسبب نظرات الوليد المشتعلة غضبا لها .. فردت على أستاذ مجيد بتلعثم :
ـ آسفة على التأخر لقد كان المرور مزدحم .. أما هاتفي فلم أسمعه وهو يرن .. أعتذر عن ذلك
وهنا تكلم الوليد بصوت غاضب وقال لها :
ـ لقد جعلتينا ننتظرك نصف ساعة .. هل تظنين بأنه ليس لدى كل منا مشاغل آخرى غيرك ؟!!
ـ لقد أعتذرت عن تأخري .. وبالطبع أنا لم أتعمد أن أجعلكم تنتظروني ..ولكن الطريق كما قلت كان مزدحما
تقدمت في السير وجلست بجانب أستاذ مجيد وهي تشعر بالانزعاج .. لم تكن تريد إعطائه أي فرصة لينتقدها فهي ليست من النوع الغير منتظم في مواعيده .. ولكنها لا تعرف لماذا يحدث ذلك معه بالذات !!
سألها الوليد وقد تبدلت نبرة صوته من الغضب إلى السخرية :
ـ آنسة سارة .. مامشكلتك مع المواعيد ؟؟.. هل لديكي عقدة القدوم في الموعد ؟؟
همت لترد عليه وتدافع عن نفسها ولكن تلك الفتاة الموجودة معهم سبقتها بالحديث قائلة :
ـ لماذا لا ننتهي من عقد القران الآن .. أنا لم أرتاح بعد منذ قدومي من المطار .. وكل ذلك بسبب تأخرها
قالت الكلمة الأخيرة تلك وهي تشير إليها بازدراء !!
من هذه الفتااااة ؟!!! .. ولماذا تتحدث بهذا الغرور كله ؟!! .. هل يعقل أن تكون ابنة عمها لمياء ؟!!
تحدث أستاذ مجيد ليؤكد لها شكوكها حينما قال :
ـ حسنا يا لمياء .. سنبدأ في المراسم الآن والأمر لن يستغرق وقتا
بدأ المأذون أخيرا بالمراسم .. كان يعظها هي والوليد ويوصيهما بأن يحفظ كل منهم حق الآخر ويصونه .. ونصائح أخرى كثيرة .. ثم بدأ يقول كلاما ويطلب من أستاذ مجيد ترديده .. ونفس الأمر فعله مع الوليد ومعها ..
يالا غرابة الدنيا .. منذ يومين فقط لم يكن ليخطر على بالها بأنها ستتزوج .. ومن من ؟ .. من رجل لم تراه في حياتها بالرغم من أنه ابن عمها !!
بعد أن انتهى عقد القران راح كلا من أستاذ مجيد و الرجلان الذين شهدوا على زواجهما يسلمان على الوليد ويباركان لها .. وقد بدوا جميعا أنهم أكثر سعادة من الوليد نفسه !! .. وبالطبع لم تتوقف خيرية عن الدعاء لهم واحتضنتها بسعادة غامرة .. ووزعت عليهم شربات احتفالا بهذا الزواج .. أما لمياء فقد اكتفت بأن تبارك لأخيها ببرود ولم تذكرها هي بشئ !
رحل المأذون وأصدقاء وليد أولا .. حيث على مايبدو كانوا هم من أحضروا المأذون وهم من سيوصلونه إلى بيته .. ثم تبعهم أستاذ مجيد بعد أن طلب منه الوليد أن يقابله في الشركة غدا لمناقشة بعض أمور العمل .. أما هي فقد أصرت أن ترافق أستاذ مجيد إلى الباب .. أرادت بذلك أن تبتعد قليلا عن الوليد ولمياء .. كانت مشاعرها عبارة عن مزيج من التوتر والخجل والخوف من الحاضر ومن المستقبل في نفس الوقت
..
قال لها المحامي حينما وصلا عند الباب :
ـ انتي كابنتي يا سارة .. لقد كانت تربطني بعمك علاقة صداقة قوية .. وقد أوصاني عليكي كثيرا .. أرجو أن تعتبريني كوالدك وإذا احتجتي أي شئ فلا تترددي في أن تطلبيه مني ..
يبدو أنه قد أحس بتوترها فحاول أن يطمئنها قليلا بهذا الكلام .. وتمنت لو أن تطلب منه أن يبقى معهم اليوم !! .. فوجوده سيشعرها ببعض الألفة في هذا المكان .. ولكن هذا مستحيلا بالطبع .. ورحل أستاذ مجيد ..
وبقيت هي بجانب الباب لفترة ..لا تريد العودة إلى الصالون .. فقد تملكتها رغبة شديدة في البكاء .. شعرت وكأنها كالطفلة التي وضعها والدها في المدرسة في أول يوم لها ثم تركها ورحل .. تاركا إياها في مكان غريب عليها !
ظلت على هذه الحالة من الكآبة بضعت دقائق .. ثم قررت أخيرا أن تسيطر على مشاعرها وأن تواجه واقعها الجديد بقوة وشجاعة .. فأخذت نفسا عميقا وتوجهت نحو الصالون حيث الوليد وأخته لمياء ..
ولكنها حينما وصلت توقفت متعجبة .. لم يكن هناك أي أثر لهم .. ولا حتى لخيرية .. فقد حقيبتها هي التي كانت لاتزال في مكانها ..
لابد وأن كلا منهم قد صعد إلى غرفته .. ولكن كيف لهم أن يذهبوا ويتركوها بهذه الطريقة ؟!! على الأقل كان على الوليد أن ينتظرها أو يحمل الحقيبة عنها ويدلها على غرفتها !!.. هل هكذا يتصرف الزوج مع زوجته في أول يوم زواجهما ؟!! ..حتى إن كان لا يحبها على الأقل يجب أن يبدي لها اعتبارا ..
ماذا ستفعل هي الآن .. كيف ستصعد السلم بهذه الحقيبة الثقيلة ؟!! .. لم تجد حلا سوى أن تعتمد على نفسها وتقوم هي بهذه المهمة .. فعلقت حقيبة يدها على كتفها وحملت الأخرى بيدها وأخذت تصعد بها السلم .. وقد كادت أن تتعثر أكثر من مرة .. وتوقفت عدة مرات على السلم لتستريح قليلا وتلتقط أنفاسها ..
وتسائلت ما إذا كان الوليد يريد أن يعاقبها لموافقتها على الزواج منه ؟!! ..أو لأنه يحقد عليها لأن والده أوصى له بها !!.. ولكنها حاولت أن تطرد هذه الأفكار من رأسها ..
وبعد عناء كبيير .. تمكنت أخيرا من صعود السلم بحقيبتها .. كانت تلهث وكأنها كانت في سباق جري .. نظرت أمامها فوجدت مدخل يقود إلى ممر .. وحينما أصبحت في الممر كان أمامها ستة غرف !! .. تملكتها الحيرة ولم تعرف ماذا تفعل ..هذه هي أول مرة تصعد فيها هذا الطابق رغم زياراتها المتكررة لعمها ..
راحت تمسح العرق من على جبينها نتيجة المجهود الذي قامت به .. وحاولت أن تخفف توترها وهي تقول لنفسها أن كل شئ سيكون بخير .. واستجمعت شجاعتها متجهة إلى أول غرفة أمامها وطرقت بابها .. وحينما لم تتلقى ردا طرقته مرة أخرة .. ولكن لا جدوى .. جربت أن تحرك المقبض فوجدته يتحرك في يدها .. ففتحت الباب ببطأ خشية أن يكون هناك أحد بالداخل .. ولكنه لم يكن بداخلها أحد .. فدخلت إليها ..
كانت غرفة نوم كبيرة مجهزة بالكامل .. أما أثاثها فكان جميلا جدا ومن الطراز الحديث .. ويغلب عليه اللون الوردي ..
أعجبتها الغرفة كثيرا .. وتمنت لو أن تكون هذه غرفتها بالفعل .. تقدمت نحو السرير وجلست عليه ..
وفكرت هل ستكون هي والوليد في غرفة واحدة أم أنه لن يرغب في أن يشاركها نفس الغرفة ؟!! .. تمنت لو أن كل منهما يكون في غرفة بمفرده على الأقل حتى تعتاد على وجوده ..
ألتفتت إلى الباب الذي يقع بجوار الخزانة وفكرت في أنه لابد وأن يكون باب الحمام .. وانتابها الفضول لتشاهد شكله ..فتوجهت نحوه وحاولت أن تفتح الباب ولكنه كان مغلقا ..
راح القلق يساورها من جديد ..هي لم تتأكد بعد من أن هذه هي غرفتها .. ولكن ماذا إذا كانت هي بالفعل والوليد هو من بداخل الحمام ..بدأت تشعر بالغضب من كل هذا .. وتسائلت كم من الوقت سيمضي حتى تكتشف غرفتها ؟!! ..
وفجأة رأت الباب الذي كانت تحاول فتحه يفتح أمامها ليخرج منه ....
لمياااااء !! ... يا إلهي !
كانت ترتدي روب الاستحمام .. وبدت الدهشة علىها وكذلك على سارة .. ولامت سارة نفسها أنه لم يخطر ببالها أن تكون هذه هي غرفة لمياء .. أخذت كل منهما تحملق في الأخرى لفترة .. حتى صرخت فيها لمياء أخيرا :
ـ كيف تجرؤين على دخول غرفتي ؟!
ارتبكت سارة وعقد لسانها فلم تستطع أن تقول شيئا .. فتابعت لمياء صراخها :
ـ هل تظنين أنه يمكنك التصرف في هذا المنزل كما يحلو لك ؟؟ .. هل اعتدتي أن تتصرفي بهذه الطريقة في المكان الذي جئت منه ؟؟ .. أنا آسفة ولكن هذا ليس سكنا للطالبات !!
كان واضحا أنها تهينها .. واشتاطت سارة غضبا .. ولكنها تمالكت أعصابها حتى لا يتطور الأمر وقالت لها ببرود :
ـ لم أكن أعرف أن هذه غرفتك .. وكيف لي أن أعرف وهذه أول مرة أصعد فيها إلى هنا ولم يخبرني أحد حتى بمكان غرفتي ؟!!
ـ لا تحاولي إقناعي بأنك لا تعرفين أين هي غرفتك .. أنا متأكدة أن أخي قد دلك عليها .. ثم لنفترض أنك صادقة فيما تقولين ..ألم تلاحظي ألوان الغرفة التي توحي بأنها غرفة فتاة ولا تصلح لأن تكون لزوجين ؟!! .. ولنفترض أيضا أنكي لا تفهمين في هذه الأمور .. ألم تلاحظي وجود حقيبتي ؟!!
نظرت سارة إلى حيث تشير لمياء .. فرأت حقيبقة قد وضعت بجانب السرير وهي تلمحها لأول مرة منذ دخولها إلى الغرفة ..
شعرت بالخجل الشديد ..وتمنت لو أنها لم ترتكب هذا الخطأ .. حتى لا تترك لهذه الفتاة المغرورة الفرصة لتهينها بهذه الطريقة ..
أخذت حقيبتها واتجهت نحو الباب .. فخرجت من الغرفة وصفعت الباب ورائها وهي تكاد تنفجر من شدة الغضب ..
وتمنت لو أن ترى الوليد أمامها في هذه اللحظة حتى تحاسبه على إهماله لها ووضعها في هذا الموقف ..
لاحظت أن الغرفة التي بجانب غرفة لمياء ينبعث الضوء من تحت بابها .. فعرفت أن بداخلها أحدا .. إما خيرية وإما الوليد .. وتمنت لو أن يكون الآخر .. واندفعت تفتح الباب دون حتى أن تطرقه .. فرأت ما كانت تتمناه .. كان الوليد يجلس أمامها متمدد على السرير وفي يديه كتابا يقرأه .. وحينما رآها نظر إليها ببرود..
فقالت له بغضب :
ـ هل أنت معتاد على التخلي عن مسؤولياتك ؟ .. أليس من مسؤوليتك أن تساعدني في حمل هذه الحقيبة إلى هنا .. وأن تدلني على مكان غرفتي ؟!!
ـ الأمر لا يستدعي كل ذلك الغضب .. لقد كنت منشغلا بلمياء ولم أنتبه حتى لحقيبتك .. ولكن كان يمكنك أن تطلبي من خيرية أن تساعدك في حملها وأن تدلك على الغرفة !!
قال ذلك ببرود مما جعلها تزداد غضبا ..
ـ حقا !! .. وأين هي خيرية كي أسألها ؟؟ .. أنا حتى لا أعرف أين هي غرفتها ..ثم حتى لو كانت موجودة ..تريدني أن أسألها عن مكان الغرفة ؟!! .. وماذا ستقول عنا حينما ترى أنك قد تركتني وحدي أبحث عن مكان الغرفة ونحن في أول ليلة من زواجنا !!
ـ عاجلا أم آجلا ستكتشف بأنني لم أتزوجك حبا فيكي .. وإنما تنفيذا لوصية والدي .. لذا لا داعي للتمثيل .
ـ وهل أنا التي تزوجتك حبا فيك .. أنا أيضا اضطررت للقبول بالزواج منك
ـ نعم بالطبع .. اضطررتي من أجل المال أليس كذلك ؟؟
ـ بل من أجل أن أكمل دراستي ..
ابتسم لها بسخرية وقال :
ـ أيا كان المسمى .. ولكن الهدف واحد في النهاية .. وهو المال ..
سكتت ولم تعلق على كلامه .. لا يهمها أن يصدقها .. فليظن فيها ما يشاء ..لا يهمها ..
وفي نفس اللحظة أغلق الوليد الكتاب الذي بيده .. وبدا أنه يستعد للنوم .. وحينما رآها واقفة لا تتحرك قال لها :
ـ يمكنك أن تعتبري أن هذه هي غرفتك ..
شعرت بالانزعاج الشديد .. فسألته بتوتر :
ـ ألا توجد غرف أخرى في هذا المنزل ؟!!
ـ بلى يوجد .. ولكني لا أعتقد أنك ستحبين النوم في غرفة مليئة بالغبار.. خيرية لم تجهز سوى غرفتين فقط .. هذه الغرفة وغرفة اختي .. وأنا لم أطلب منها أن تجهز غرفة أخرى لأني لا أريد أن تشعر لمياء بشئ ..
انتابها الغضب من جديد حينما تذكرت لمياء ..
تأملت الغرفة من حولها فلاحظت أنها أكبر حجما من غرفة لمياء .. ومجهزة لتكون لشخصين .. وكان يوجد في ركن منها كنبة كبيرة .. فسألته بارتباك :
ـ ألا يمكنك النوم على الكنبة ؟؟
ضحك من سؤالها وأجابها :
ـ أنا لا أفكر بأن أترك السرير وأنام على الكنبة .. ولكن إن استهوتك انتي هذه الفكرة فيمكنك أن تنامي عليها .. لن أمنعك ..
ازدادت ارتباكا من رده .. كيف لها أن تنام معه في نفس الغرفة أو حتى كيف ستتركه يراها بملابس النوم وهي من دون حجاب .. إنها لم تستوعب بعد فكرة أنه زوجها ..
حينما لاحظ الوليد ارتباكها الشديد قال لها بسخريته :
ـ لا تخافي أنا لن آكلك ..
لم تعيره اهتماما .. وراحت تخرج ماسترتديه للنوم من حقيبتها .. فأخرجت بيجامة ذات أكمام طويلة .. واتجهت نحو الحمام الذي كان في ركن من الغرفة ..
وما إن دخلته حتى أجهشت في البكاء .. وفتحت صنبور المياه حتى تغطي على صوت بكائها .. أي زوج هذا الذي لا يحبها ولا يطيقها .. هي ليست خائفة منه لأنها متأكدة أنه لا يرغب فيها .. ولكنها مع ذلك تشعر بالكآبة
كلاهما كان مضطرا لهذا الزواج .. ولكنها لا تكرهه بقدر كرهه هو لها .. إن كل شئ فيه كانت تتمناه في فارس أحلامها .. كل شئ ماعدا كرهه لها ..
بدلت ملابسها وأخذت تجفف دموعها .. لن تدع نفسها تفكر في هذه الأمور .. ستركز في دراستها وحسب .. عليها أن تجتاز هذه السنة بتقدير امتياز حتى تتمكن من الحصول على البعثة التي تحلم بها .. ووقتها لن تكون بحاجة إلى مال أحد ..
غسلت وجهها بالماء .. وحاولت أن تخفي آثار البكاء من وجهها .. وبعد أن شعرت أنها استعادت ثقتها في نفسها فتحت الباب .. وأحست بالارتياح لأن الظلام كان يعم الغرفة .. فاطمأنت من أنه لن يستطيع أن يراها .. أخذت تمشي بخفة إلى الجهة الأخرى من الغرفة وهي تفكر هل تنام على السرير أم على الكنبة .. إن نامت على الكنبة فستبدو وكأنها خائفة منه .. وسيستغل هذا لكي يسخر منها ..
وأخيرا قررت أن تنام على السرير .. فصعدت عليه بخفة حتى لايشعر بها .. وتمددت على جانبها على حافة السرير .. حتى أنها لو أرادت أن تتقلب فستقع من على السرير ..إلى هذه الدرجة حاولت أن تكون بعيدة عنه ..
كانت تسمع صوت أنفاسه .. وأدركت بغريزتها أنه نائم .. فأغمضت عينيها .. ومن شدة التعب .. لم تستغرق وقتا حتى غرقت في نوم عميق .....
|