كاتب الموضوع :
طمووح
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حبيب تحملت منه الأذى
ألا حبذا .. حبذا حبذا .. حبيبٌ تحملتُ منهُ الأذى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
فتحت عينيها بصعوبة واستطاعت أن تبصر ضوء الشمس الذي يتسلل إلى الغرفة عبر النافذة ..ألقت نظرة سريعة حولها فلم يكن هناك أي شخص سواها .. فراحت تستعيد بذاكرتها كل ماحدث معها بليلة الأمس .. ثم انفجرت في البكاء ..
الحزن .. واليأس .. والغضب ..هذا كل ماتشعر به الآن .. لم يسبق لأحد وأن أهانها بهذه الطريقة من قبل ..
انتفضت بسرعة من فوق السرير الذي لم تعد تطيق أن تبقى به لحظة أخرى .. وبدأت برمي كل الوسادات من فوقه على الأرض .. ثم راحت تركل السرير بكل قوتها وهي تجهش بالقول من بين بكائها : " تبا له "
كانت تحاول أن تفض جام غضبها في ركل السرير وهي تتمنى لو كان الوليد مكانه .. ظلت تركله حتى بدأت تؤلمها قدمها ولكنها لازالت تشتعل غضبا وقهرا ..
وأخيرا جلست على الأرض ودفنت وجهها بين رجليها وراحت تبكي بحرقة وألم ..
لا تدري كم من الوقت مضى وهي على هذه الحالة .. ولكنها في الاخير قررت أن تأخذ حماما ساخنا ..
حينما خرجت من الحمام .. كانت أعصابها قد هدأت قليلا .. نظرت إلى الساعة فرأتها تشير إلى العاشرة .. لقد أضاعت المحاضرة الأولى .. ولا تنوي أن تلحق بباقي المحاضرات .. لن تستطيع أن تذهب إلى أي مكان وهي في هذه الحالة وعينيها قد انتفختا من البكاء .. كما أنها ليست في مزاج يسمح لها بمقابلة الناس ..
قامت بقضاء صلاة الصبح ..ثم تلتها بصلاة الضحى .. وبدأت نفسها تستعيد هدوئها تدريجيا .. فراحت ترتب الفوضى التي أحدثتها .. وأعادت الوسادات لمكانها على السرير بعد أن قامت بتبديل الملائة والكساوي بأخرى ..
وأخيرا ارتمت على السرير ..و تمددت عليه لتحاول أن تسترخي .. ولكنها ما إن أغمضت عينيها حتى عادت إليها ذكرى الأمس من جديد .. فعادت دموعها تذرف مرة أخرى .. وبينما هي على هذه الحالة سمعت هاتفها يرن .. كانت سمر هي من يتصل .. لم تكن تلك المرة الأولى .. فمنذ أن استيقظت وهي لم تكف بالاتصال بها .. لابد أنها قلقت حينما لم تحضر الجامعة دون أن تعطيها حتى خبر بذلك ..
لم تكن مستعدة للرد عليها .. ولكنها أدركت أن عليها أن تجيبها هذه المرة حتى لا تقلقها أكثر من ذلك .. جاء صوتها خافتا وهي تقول :
ـ مرحبا
ـ اهه .. الحمد لله ياربي .. وأخيرا قد أجبتي .. كدت أن أموت رعبا عليكي .. أين انتي ؟؟ ولماذا لا تجيبين على مكالماتي ؟؟ ولماذا لم تأتي بعد ؟؟
تنهدت بعمق وأجابتها وهي تحاول أن يبدو صوتها طبيعيا :
ـ آسفة يا سمر .. أعذريني لم أسمع هاتفي وهو يرن .. انتي تعرفينيي جيدا حينما أكون نائمة لا شئ يوقظني بسهولة
ـ هل انتي بخير ؟ .. إن نبرة صوتك تقلقني !
على الرغم من محاولاتها في أن تتحكم في نبرة صوتها إلا أن سمر لم ينطلي عليها ذلك وارتابت لأمرها .. فأجابتها لتصلح الأمر :
ـ نعم .. أنا بخير .. كنت نائمة واستيقظت للتو لذلك يبدو صوتي متغيرا .. كما أنني أشعر ببعض الإعياء
ـ أنا لا أشعر بأنك بخير أبدا .. على أية حال .. سوف آتي لكي أطمئن عليكي بعد أن ينتهي دوامي
ـ لا لا .. إياكي وأن تفعلي ذلك .. أنا حقا بخير .. صدقيني مجرد زكام بسيط ..
كانت تخشى أن تنفذ سمر مافي رأسها وتأتي .. لأنها ما إن تراها فستعرف على الفور بأنها تكذب ..
ـ كما تريدين .. أردت فقط أن أطمئن عليك ..
قالت سمر ذلك باستسلام ثم استطردت تقول :
ـ كيف كانت ليلة الأمس ؟
تمنت لو أنها لم تسألها عن ذلك .. وأن لا تهتم لمعرفة التفاصيل .. ولكن هذا شبه مستحيل .. لا يمكن أن لا تسألها سمر عما حدث وهي تدري كم كانت متحمسة هي للعشاء مع الوليد ..
أجابتها ببرود :
ـ كانت ليلة جيدة .. ولكنني لا أستطيع أن أحكي لك أي شئ الآن .. غدا سوف أخبرك بكل ماتريدين معرفته .. لأنني متعبة الآن
ـ حسنا لن أشق عليك .. سأدعك ترتاحين الآن ..
وأخيرا ودعتها وأنهت المكالمة .. كانت واثقة من أنها شعرت من أن شئ ما قد حدث معها .. إن سمر صديقتها منذ خمسة سنوات .. وهي تفهمها جيدا .. ولن تتمكن من التهرب منها طويلا ..
دفنت رأسها في الوسادة وهي تشعر بالاكتئاب .. وخلدت إلى النوم من جديد حتى تتهرب من حزنها قليلا ..
استيقظت هذه المرة على صوت خيرية .. ففتحت عينيها بصعوبة لتراها واقفة أمامها .. رفعت رأسها وأسندت ذراها على الوسادة وهتفت :
ـ لقد عدتي !!
ابتسمت لها خيرية كعادتها وأجابت :
ـ نعم .. عدت منذ ساعات وانتظرتك لتستيقظي ولكنك تأخرتي في النوم اليوم على غير عادتك .. لقد أصبحنا الظهر الآن
ـ كيف كانت ابنتك ؟
ـ هي بأفضل حال .. تعبت قليلا بعد الولادة ولكنها أفضل الآن .. انجبت ولدا وسمته باسم ...
انطلقت خيرية تحكي لها كل صغيرة وكبيرة حدثت معها في اليوم السابق .. كما راحت توصف لها حفيدها وقد اشتاقت إليه في تلك الفترة التي تركته فيها .. ووعدتها ابنتها بأنها ستصوره قريبا وتمنحها صورة له ..
كانت تحاول أن تتظاهر بأنها منتبهة لما تقوله .. ولكنها في الحقيقة كانت غير ذلك .. لقد كان رأسها يؤلمها بشدة .. كثرة البكاء والنوم أيضا هما من جلبا لها هذا الصداع ..
وأخيرا سكتت خيرية وقد انتبهت لحالتها فسألتها بقلق :
ـ انتي بخير ؟؟
ـ أشعر فقط ببعض الصداع
ـ هذا طبيعي .. انتي لم تأكلي شيئا منذ الصباح .. سأحضر لكي الفطور فورا
ـ لا تحضري شيئا يا خيرية .. أنا لن آكل شيئا
ـ ولكن هذا لا يمكن .. انظري إلى وجهك كيف يبدو شاحبا ..
ـ أرجوكي يا خيرية لا تضغطي علي أكثر .. إذا اردتي مساعدتي فاتركيني على راحتي وأحضري لي حبة مسكن ..
انصرفت خيرية مستسلمة وهمت بالخروج من الغرفة ولكنها توقفت حينما لاحظت الملائة والكساوي التي وضعتهم على الكنبة .. فحملتهم معها وقد بدا عليها الاستغراب وهي تقول :
ـ كان من الأفضل أن لا تتعبي نفسك وتنتظري حتى أبدلهم بنفسي !
بعد انصرافها ارتاحت كثيرا لأنها لم تنتبه إلى أنها كانت تبكي .. ولكن لم تمضي دقائق حتى عادت من جديد وهي تحمل في يديها هذه المرة صينية وضع فوقها كوب حليب وبجانبه شطيرة صغيرة ..
ـ لا جدوى فيكي يا خيرية .. مابرأسك تنفذيه دائما ..
ردت عليها خيرية مشجعة :
ـ هيا .. إنها مجرد شطيرة .. ستفيدك .. فليس جيدا أن تتناولي حبوب على معدة فارغة .. انتي طبيبة وتفهمين في ذلك أكثر مني
تناولت منها الصينية وهي مستسلمة .. لم تكن تشعر بالجوع على الإطلاق .. بل تشعر أنها ستستفرغ إن هي وضعت شيئا بفمها الآن .. ولكنها أخذتها حتى تكف خيرية عن الكلام ..
ـ سأمر بعد قليل لكي آخذ الصينية مرة أخرى ..
هكذا قالت لها خيرية وهي تفتح باب الغرفة للخروج .. ولكنها توقفت للحظة عنده وعادت لتسألها :
ـ هل سلمتي على لمياء ؟
كانت تشرب من الحليب حينما سمعت هذا السؤال .. فغصب وهي تشرب وسألتها بارتباك :
ـ لمياء ؟!! .. هل .. هل هي هنا ؟!
اندهشت خيرية لأنها لم تعرف بقدومها بعد .. فأجابتها قائلة :
ـ نعم لقد أحضرها الوليد اليوم منذ الصباح بعد أن أتيت أنا ببعض الوقت .. ظننتك تعلمين بالأمر !
ـ لا .. في الحقيقة لم أعلم بوجودها إلا منك الآن
ـ على أية حال هي لا زالت نائمة حتى الآن .. إن أردتي سأعطيكي خبرا حينما تستيقظ حتى تسلمي عليها ..
ـ حسنا لا بأس
هذا ماكان ينقصها .. ألا يكفيها تصرفات الوليد معها .. كيف ستتحمل تصرفات لمياء أيضا .. كانت تعلم بأنها ستخرج اليوم من المستشفى ولكن ماحدث بالأمس جعلها لا تفكر في شئ آخر ..
من المفترض أن تذهب إلى لمياء في غرفتها حينما تستفيق وتطمئن على سلامتها .. فتنهدت باكتئاب وهي تقول لنفسها " ياربي الصبر "
وضعت يديها على رأسها وهي تحاول أن تتماسك .. لا يمكن أن تعاود البكاء مرة أخرى .. لقد نفذت كل طاقتها .. كما أن البكاء لم يجلب لها سوى المزيد من الصداع ..
قررت بأنها لن تجبر نفسها على شئ لا تريده .. وأنها لن تذهب لتطئن على لمياء .. ولو ترتب على ذلك غضب الوليد منها .. لم يعد يهمها غضبه بعد ما فعله بها ..
شعرت ببعض الألم في ذراعها .. فعادت لها ذكريات الأمس وهي تستشعر أصابعه التي كان يضغط بها على ذراعها .. لم تكن تدرك أن مجرد الحديث عن خطيبته السابقة سيغضبه إلى هذه الدرجة .. ماكان يجدر بها أن تفتح هذا الحديث معه ..
لقد أراد أن ينتقم منها .. لأنها بالإضافة إلى أنها تدخلت فيما يراه أمورا خاصة به .. أنها كانت السبب الأساسي في أن ينفصل عن خطيبته ..
إلى جانب كل الغضب الذي تشعر به نحو الوليد .. إلا أن بداخلها كانت تكمن مشاعر الندم أيضا .. لأنها أفسدت كل شئ كان سيكون ذكرى جميلة للأبد لو لم تفاتحه هي في موضوع خطيبته .. ليتها لم تفعل .. ياليتها لم تفعل ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
مضى الوقت ببطأ وهي تحاول أن تستذكر شيئا من محاضراتها .. ولكنها بالطبع لم تستطع أن تركز أبدا .. ظل بالها منشغلا وخصوصا حينما اقتربت الساعة من العاشرة مساء .. فمن المفترض أن يعود الوليد من العمل في أي لحظة .. هي لا تطيق أبدا رؤيته .. وربما تنهار أمامه بالبكاء إن هو تحدث معها .. ولن تكون قوية بالقدر الكافي لمواجهته ..
قامت من مكانها وتوجهت نحو الباب في محاولة منها لأن تستمع إلى صوت خطواته حينما يأتي ..مضت بعض الدقائق حتى سمعت صوت خطوات على السلم .. فوضعت يدها على قلبها الذي كان يخفق بعنف من شدة التوتر .. وظلت منتصبة في مكانها لا تعرف ماذا تفعل حتى سمعت صوت باب غرفة أخرى يفتح ثم يغلق مرة أخرى ..
تنهدت قليلا وقد أحست أنه دخل غرفة لمياء ..لابد وأنه سيطمئن عليها قبل أن يأتي إلى هنا .. أخذ عقلها يفكر بسرعة لتجد حلا ما .. فوجدت نفسها تضع يدها على المفتاح الذي بباب الغرفة .. وبدون أي تفكير حركته لتغلق قفل الباب .. هذا هو الحل الوحيد أمامها لتتجنب الوليد ..
جلست على السرير وهي تحاول أن تسيطر على انفعالها وتنتظر ماذا سيحدث في الدقائق القادمة ..
مضت ربع ساعة حتى سمعت صوت أقدام تقترب من غرفتها .. إنه الوليد بلا شك ..
أخذت تنظر إلى مقبض الباب بترقب .. وأخيرا رأته يتحرك .. ولكن الباب لم يفتح بالطبع .. فبدأ الوليد يطرق الباب بخفة ..
لم تجيبه .. ولا تفكر أن تجيبه .. أخذت أنفاسها تتسارع وهي لا تدري ماسيؤول إليه فعلها هذا ..
راح الوليد يناديها بصوت خافت حتى لايسمعه أحد غيرها .. فنهضت من مكانها واقتربت من الباب لتسمعه جيدا حتى أصبح لا يفصلها شئ عنه سوى ذلك الباب .. مما آثار في نفسها الرعب ..
ـ سارة .. أنا أعلم بأنك لازلت مستيقظة .. من الأفضل لك أن تفتحي هذا الباب الآن
بدا صوته غاضبا رغم أنه كان منخفضا .. هي واثقة أنه لا يريد أن تسمعه لمياء أو حتى خيرية ..
حينما لم يسمع منها ردا راح يطرق الباب مرة أخرى ولكن بقوة هذه المرة .. ففكرت أنه من الأفضل أن تخرج عن صمتها .. فتكلمت أخيرا قائلة :
ـ لا تتعب نفسك .. أنا لن أفتح الباب
كان صوتها مرتجفا .. وفشلت في أن تخفي خوفها ..
ـ افتحي الباب ودعينا نتفاهم في الداخل .. توقفي عن تصرفات الأطفال تلك!
ـ لا مستحيل .. أنا لن أفتح لك هذا الباب .. ولا أريد أن أتفاهم معك
كان ردها عنيفا ومؤكدا لأنها لن تتراجع عن قرارها .. فسمعته يقول لها وقد خفت حدة صوته قليلا :
ـ أنا أعرف بأنك غاضبة مما حدث في ليلة الأمس .. ولكني أعدك بأن هذا لن يتكرر مرة أخرى ..
ـ هل هذه مزحة ؟! أنت فعلت مايحلو لك ثم تأتي الآن وتعدني بأنه لن يتكرر .. تحتاج إلى امرأة غبية لكي تصدقك .. وأنا لست بغبية !
سمعته يتنهد في إشارة إلى نفاذ صبره .. وتابع يقول لها :
ـ إن ذهبت للنوم في غرفة أخرى من المحتمل أن لمياء وخيرية سيعرفان بالأمر .. على الأقل دعيني أدخل وأعدك بأنني سأنام على الكنبة .. أو حتى على الأرض إن أردتي ذلك
شعرت بأنه صادقا فيما يقوله .. ولكنها لازالت تخافه .. كما أنها ازدادت غضبا منه لأن كل مايهمه هو أن لا تشعر أخته أو خيرية بشئ .. لذلك يقدم هذه التنازلات .. أما هي فلا تعنيه بشئ !.. فأجابته بحدة :
ـ أنا لا أصدقك .. ولن أصدقك في حياتي .. والآن اذهب واتركني وشأني ..
عمت لحظة من الصمت قبل أن يتكلم مرة أخرى وقد بدا أنه قد استسلم :
ـ بيجامتي في الغرفة عندك .. أظن أنه من المفترض أن تخرجيها لي إن أردتي أن أنام الليلة في غرفة أخرى
ـ هل تريدني أن أفتح الباب وأناولك بيجامتك ؟!
ـ نعم .. واسرعي في ذلك لأنني قد سئمت من هذا الحوار
ـ وما الذي يضمن لي أنك لا تخدعني وتريدني أن أفتح الباب حتى تدخل إلى الغرفة ؟!!
ـ ماذا تريديني أن أفعل حتى تضمني ذلك ؟؟؟
ـ لا شئ .. لا تفعل شيئا .. فمهما فعلت لن أصدقك .. أنا ماعدت أثق بك يا وليد ..
انتفضت من مكانها حينما ركل الوليد الباب بقدمه .. ثم سمعت خطواته وهو يبتعد ويتمتم بغضب :
ـ تبا لك
حسنا لقد رحل .. انتابها الارتياح لذلك .. فقد نجحت لأول مرة في فعل ماتريده مع الوليد ..
والآن فقط يمكن أن تقول بأنها لقنته درسا لن ينساه ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
لم تستغرق وقتا طويلا حتى تجهز هذا الصباح .. بدت شاحبة جدا لأنها لم تنم جيدا .. فطوال الليل وهي تظن أن الوليد سيأتي في أية لحظة ليكسر الباب ويدخل ..
فكرت بقلق فيما سيفعله بها إن رآها اليوم .. لابد وأنه لن يغفر لها جعله ينام في غرفة أخرى بملابس عمله .. كان هذا سببا كافيا ليجعلها تنتظر في الغرفة عدة دقائق حتى تتجنب لقائه .. ولكنه لم يعد لديها الكثير من الوقت حتى تنتظر أكثر .. فهي لا ترغب في أن تفوت محاضرة أخرى ..
أخذت نفسا عميقا وقررت أخيرا الخروج من الغرفة .. أخذت تهبط السلم على أطراف أصابعها على غير عادتها .. وحينما أصبحت بالصالة استطاعت أن تسمع أصوات لمياء والوليد التي تأتي من غرفة الطعام ..
من الأفضل أن لا تبقى هنا أكثر من ذلك .. سوف تخرج من البيت دون أن يشعر بها أحد ..
وبنفس خفة نزولها على الدرج راحت تسير نحو الباب.. كانت تمسك بحذائها في يدها .. وما إن وصلت إلى الباب همت بارتدائه بسرعة ..
ـ سيدتي !
انتفضت من مكانها حينما سمعت هذا الصوت .. كانت تلك هي خيرية تناديها وقد رأتها لسوء حظها ..
ـ آه خيرية .. لقد أفزعتني
ـ عذرا سيدتي لم أقصد ذلك .. ولكنني تفاجئت بأنك ستخرجين قبل أن تتناولي فطورك !
ـ لقد تأخرت كثيرا يا خيرية .. علي الذهاب الآن حتى ألحق بمحاضرتي .. سأتناول فطوري في الجامعة ..
ألقت عليها تلك الكلمات وهي في عجلة من أمرها ثم وبدون أن تترك لها الفرصة لكي تقول شيئا آخر خرجت بسرعة من البيت ..
عليها الآن أن تطلب السائق وتنتظره قليلا .. تمنت لو أنها فعلت ذلك منذ أن كانت بالغرفة حتى لا تقف أمام البيت وقتا أطول ..
فكرت في أن تغير رأيها وتوقف سيارة أجرة من الطريق .. ولكن هذا قد يجعلها تتأخر أكثر على دوامها ..
قامت بفتح حقيبتها وأخرجت هاتفها وقد قررت أخيرا أن تطلب السائق .. ولكنها حينما همت بطلب الرقم أمسكت يد قوية بذراعها لتلفها إلى الخلف .. يد تعرفها جيدا فقد جربتها مرارا ..
ـ تحاولين تجنب اللقاء بي ؟!
سألها الوليد ذلك متحديا .. أما هي فقد بقي ذهنها مشوشا وهي تتسائل كيف عرف بخروجها الآن ؟!! .. لابد وأن خيرية هي من أخبرته بذلك .. ستحاسبها حينما تراها ..
لم ترفع نظرها إلى وجهه .. فقد ركزت نظرها على يدها التي يمسك بها ذراها وقالت له بحدة :
ـ أبعد يدك عني .. إن ذراعي لم يعد يتحمل
سكت الوليد قليلا وبدا أنه يتأملها جيدا .. ثم .. على غير ما توقعت أنزل يده عن ذراها .. وراح يسألها مستنكرا :
ـ هلا أخبرتني الآن كيف تجرأتي على فعل ذلك بي ؟! .. أتمنعيني من دخول غرفتي ؟!! .. وفوق كل هذا تجعلينني أنام بملابس العمل ؟!!
ـ أنت تعرف جيدا لماذا أقدمت على ذلك ..
قالت له ذلك ثم ألتفتت لتبتعد عنه وهي تتابع كلامها قائلة :
ـ والآن إذا سمحت لي ليس لدي وقت لأتجادل معك
ـ ولا أنا لدي الوقت
لحق بها وأمسك بيدها ولكن برفق هذه المرة .. وقال لها بصيغة الأمر :
ـ تعالي سأوصلك في طريقي
ـ لا شكرا .. أفضل عدم الذهاب على أن آتي معك
ـ هيا .. لا تكوني عنيدة .. هل ستتغيبين على الجامعة من أجل أن لا تركبي معي .. لا أظن ذلك !
دفعها برفق إلى سيارته حتى لا يترك لها خيارا آخر.. ولم تكن هي مستعدة لخوض شجار آخر معه .. فاستسلمت لذلك .. وقد كانت تنتظر الأسوأ حينما يراها .. ولكن لدهشتها كان هادئا ولم يبدو عليه أي غضب مما فعلته معه بالأمس !!
هل هو يشعر بتأنيب الضمير تجاهها ويحاول أن يصالحها ؟؟ هل يعتقد أن الأمر بذلك البساطة ؟؟ .. إذا كان يعتقد ذلك فهو مخطئ ...
أسندت رأسها على المقعد من خلفها وبدأت الدموع تتجمع في عينيها .. لم تكن تريه وجهها .. فقد كانت ملتصقة بباب السيارة وجهها كله موجه إلى النافذة ..
في الماضي كانت تموت شوقا لكي يقوم هو بتوصيلها إلى الجامعة .. أما اليوم .. فهي منزعجة من ذلك .. وتكرهه .. أو بمعنى أدق تتجنبه .. ابتسمت بألم وهي تفكر في ذلك ..
جاء صوت الوليد قاطعا لأفكارها :
ـ هل انتي بخير ؟؟
هل مافي صوته هذا نبرة قلق حقا أم أنها تتخيل ؟!! ..
أجابته بسخرية :
ـ وهل تهتم لأن أكون بخير أم لا ؟!
ـ اسمعيني يا سارة .. أنا لم أقصد أن أزعجك في تلك الليلة .. ولكنك استفززتني بشدة ..جعلتيني أفقد أعصابي .. ولم أكن واعيا لما أقوم به وقتها من شدة الغضب ..
سكت لينتظر منها أن تعلق بشئ على كلامه .. ولكنها اكتفت بالصمت .. فلو تكلمت لاكتشف بأنها تبكي ..
فتابع كلامه قائلا :
ـ ومع ذلك .. أعترف بأنني أخطأت
ـ وبماذا سيفيد اعترافك هذا ؟!
كان صوتها مكتوما هي تحاول أن تخفي بكائها قدر المستطاع ..
ـ قد يفيدك انت .. حينما تعرفين أنني اعترف بخطأي ونادما عليه .. لعل هذا يخفف من انزعاجك
كان قد توقف أمام بوابة الجامعة وهي لا تزال تشيح بوجهها عنه نحو النافذة ولا تلتفت إليه .. ولكنها مع ذلك شعرت بنظراته لها وكأنه ينتظر منها أن تقول شيئا قبل أن تذهب .. فاكتفت بالقول قبل أن تفتح الباب وتنزل من السيارة :
ـ أنا لن أسامحك أبدا ياوليد .. أبدا
قالت ذلك وأخذت تمسح وجهها الذي كان قدر أغرقته الدموع ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
ـ أخبرتك بأنه لم يحدث شئ .. كنت مريضة وحسب واستيقضت متأخرا ففضلت الغياب لأرتاح قليلا .. ما المستغرب في ذلك الأمر ؟؟
قالت ذلك لسمر علها تستطيع أن تتهرب من مواجهتها ..
ـ حسنا .. أنا متأكدة أن هناك شيئا آخر تخفيه عني .. ملامحك تؤكد على ذلك .. ولكن لا بأس .. لن أضغط عليكي .. أعرف جيدا أنك لا تحبين الحديث عما يزعجك في وقت انزعاجك .. ولكن ما إن تري نفسك مستعدة لأن تحكي فستجدينني بانتظارك ..
أرادت سمر أن تواسيها بكلامها هذا على الرغم من عدم معرفتها بالسبب الحقيقي وراء حزنها ..
أراحها كثيرا كلامها .. فقالت لها محاولة أن تغير مجرى الحديث :
ـ كفي عن مجادلاتك تلك الآن .. وأعطيني المحاضرة التي كتبتها بالأمس
ناولتها سمر مذكرتها وقالت لها ممازحة :
ـ خذي .. وإياكي أن تتغيبي مرة أخرى .. فأنا لا أحب إعطاء مذكرتي لأحد ـ انظروا من يتحدث .. ذكريني بعدد المرات التي تغيبتي فيها منذ دخولنا إلى الجامعة لأنني نسيت أن أحصيها لكثرتها !
استمرا في المزاح مع بعضهما بقية الوقت .. مما جعلها ترتاح من همومها قليلا ..
كانتا تجلسان في مكانهما المفضل على السلم حينما سمعا صوتا من الخلف يقول :
ـ دكتورة سارة
ألتفتت كلا منهما ليرا أمامهما زميلهما رامي .. الذي ألقى عليهما التحية فبادلاه بالتحية هما أيضا ..
ثم ألتفت إليها قائلا :
ـ لاحظت أنك لم تأتي بالأمس .. لعل المانع يكون خيرا
ـ لقد كنت متعبة قليلا .. شكرا على سؤالك
ـ لا تشكريني هذا واجب .. المهم أن تكوني تشعرين بتحسن الآن
ـ أنا بخير .. كان مجرد صداع بسيط لا شئ مقلق
ـ لا تجهدي نفسك كثيرا .. فمازلتي تبدين شاحبة
ـ حسنا سأستمع لنصيحتك
ـ لن أطيل عليكي .. ولا أحتاج أن أخبرك بأنني مستعد لأن أشرح لك أي شئ مما فاتك من محاضرات الأمس
ـ لن أتردد في أن أطلب منك ذلك إذا استدعى الأمر .. وأشكرك مرة أخرى على اهتمامك
ابتسم لها بلطف ثم ودعها هي وسمر قبل أن يلتحق بأصدقائه ..
ولم تفوت سمر الفرصة لأن تضحك وهي تقول لها :
ـ انتي حقا محظوظة .. انظري .. رامي من أوائل الدفعة ومن أوسم الطلاب .. وتتهافت عليه كل الطالبات .. وهو لا يهتم لأحد غيرك !
ـ لا تبالغي مجددا .. إنه مجرد زميل .. ولطالما كان يسأل عنك حينما كنت تتغيبين أيضا ..
ـ هناك فرق .. لا تنكري أنك لم تحسي باهتمامه بك أكثر من أي أحد آخر
سكتت قليلا وهي تفكر في كلام سمر .. ثم تنهدت وهي تقول لها :
ـ حسنا أعترف بأنه ربما يعطيني اهتمام فوق الطبيعي ولكن .. ولكن كان ذلك في السابق أما الآن فقد اختلف الوضع .. ولابد وأنه يعرف أنني أصبحت متزوجة .. فلماذا سيهتم بي دونا عن الباقيين ؟!!
ـ هه .. لا تسأليني أنا .. بل اسألي من قد جرب حب شخص لا يحبه ولا يهتم لأمره .. أسأليه عن سبب استمراره في عشقه رغم أنه يعلم جيدا أنه ليس له .. ولم يكن يوما من نصيبه !
فهمت جيدا إلى ما تلمح إليه سمر .. فموقف رامي معها .. كموقفها هي مع الوليد .. وما إن تستطيع أن تجد إجابة عن سبب استمرارها في حب الوليد .. ستجد على الفور الإجابة عن سبب اهتمام رامي بها .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
لم تكن جائعة كثيرا في وقت الغداء .. ومع ذلك ما إن أكلت القليل من الطعام حتى شعرت بأنها كانت فعلا بحاجة إلى أن تأكل شيئا .. فقد أمدها بكثير من الطاقة التي تحتاجها على الأقل لمذاكرة محاضراتها ..
لم تعد تهتم كثيرا بصحتها في اليومين الأخيرين وأصبحت مهملة في غذائها على غير عادتها .. فقد كانت في السابق تهتم كثيرا لنوعية وكمية الطعام الذي تأكله ..
فطلبت من خيرية أن تشتري لها بعض الفواكه حينما تذهب لشراء أغراض البيت في المرة القادمة ..
فكرت في أن تذاكر في الحديقة مستغلة بذلك الجو الجميل بالخارج .. فراقت لها الفكرة كثيرا وبالفعل نفذته ..
حاولت أن تذاكر بجد .. فقد فاتها الكثير .. وإن لم تجتهد الآن فلن تحصل على الامتياز الذي تتمناه .. ومع هذا لم تسلم من الشرود .. لم يكن من السهل عليها التوقف عن التفكير في الوليد .. فقد كانت كلماته الأخيرة لازالت ترن في أذنها .. هل حقا كان مهتما لأمرها ؟!! ..هل أراد أن يخفف من انزعاجها ؟!! ..
" حمقاء .. لماذا تأبهين لذلك ؟! "
هكذا قالت لنفسها .. لقد أخبرته بأنها لن تسامحه في حياتها وعليها أن تكون صادقة فيما قالته .. ولكنها مع ذلك استمرت بالتفكير فيه وتمنت لو أنها استطاعت أن ترى ملامح وجهه حينما قالت له تلك الكلمات ..
كان الظلام قد حل فاضطرت للقيام من الحديقة لأن الإضاءة لم تكن كافية لمساعدتها على المذاكرة .. فأكملت دراستها في الغرفة ..
ظلت متحيرة فيما ستفعله الليلة .. وتسائلت ما إذا كانت ستكرر مافعلته بالأمس مع الوليد أو أنها تقوم بجمع أغراضها وتذهب هي إلى غرفة أخرى للتتجنب الشجار معه ..
ترددت فيما ستقوم به .. ولكن الشئ الوحيد الذي كانت واثقة منه هو أنها لن تنام معه في نفس الغرفة مهما حدث ..
فقررت أن تبقى خارج الغرفة وتنتظر لترى ماسيفعله الوليد حينما يعود .. وما إن كان سيدخل غرفتها أو أنه سيقضي ليلته في غرفة أخرى كما بالأمس ..
وفي التاسعة مساء خرجت من الغرفة .. ستجلس في الصالة تتابع التلفزيون حتى يأتي الوليد وترى إلى أي غرفة سيذهب ..
وأثناء نزولها على الدرج .. ولسوء حظها .. كانت لمياء تصعد إلى غرفتها في نفس الوقت .. فلم يكن هناك مفر من المواجهة معها ..
فكرت في أن تستغل تلك الصدفة لتبارك لها عودتها سالمة إلى البيت .. وما إن اقتربتا من بعضهما حتى تكلمت قائلة :
ـ حمدا لله على سلامتك .. أنا سعيدة لرؤيتك بصحة جيدة
رمقتها لمياء بنظرة استعلاء واستحقار .. إنها كما هي لم يغيرها شئ .. نفس الغرور ونفس الكبرياء .. لم يتغير فيها شيئا إلا تلك اللصقة التي وضعت على أنفها فوق الجرح ..
ـ هل تذكرتي لتوك أنني عدت من المستشفى .. أين كنتي منذ الأمس ؟!!
كانت السخرية واضحة في صوتها .. ولكنها مع ذلك حاولت أن تبقى لطيفة معها بقدر المستطاع .. فأجابتها محاولة تبرير موقفها :
ـ في الحقيقة لقد كنت متعبة كثيرا بالأمس .. حتى أنني تغيبت عن الجامعة .. وحينما قررت الذهاب إليك في الغرفة أخبرتني خيرية أنك نائمة ...
قاطعتها لمياء بحدة قبل أن تكمل كلامها قائلة :
ـ لا تحاولي تمثيل الإعياء لكي تلفتي نظر الوليد إليك وتحظين باهتمامه .. إن حركاتك مكشوفة
أكملت لمياء صعود السلم بعد أن رمتها بتلك الكلمات غير آبهة لها .. أما هي فقد وقفت في مكانها مذهولة مما سمعته .. مالذي تقوله تلك المجنونة ؟!! .. هذا ماكان ينقصها ..
توجهت إلى الصالة وهي تحاول أن تطردها من رأسها ..لا يجب أن تدعها تعكر مزاجها أكثر مما هو ..
هي لم تعد تتفاجأ من تصرفاتها تلك .. فقد اعتادت عليها .. وأفضل طريقة للتعامل مع أمثالها هو أن تتجاهلهم ..
ارتمت على الكنبة وراحت تقلب المحطات في التلفزيون .. لم يكن فيه ما يثير انتباهها .. فكرتونها المفضل " صاحب الظل الطويل " انتهى ولم يعد هناك ما تتابعه ..
إلا أنها اوقفتها إحدى المحطات التي كانت تعرض مسلسلا كانت تتابعه منذ سنوات .. إنه مسلسل " أهل الغرام " .. كان تعشق هذا المسلسل ولطالما تمنت أن تعيش قصة من قصصه .. ولكن بالطبع على أن تكون النهاية سعيدة .. فأغلب قصص هذا المسلسل كانت نهاياتها مؤلمة ..
ابتسمت لنفسها بألم .. إن ماتعيشه الآن مع الوليد يصلح لأن يكون قصة في هذا المسلسل .. ولكن الواقع دائما مايكون أكثر قسوة من المسلسلات والروايات ..أن تقرأ عن الحب ليس كأن تعيشه وتتحمل آلامه ..
أنصتت جيدا إلى كلمات أغنية المسلسل .. فشعرت وكأنها تسمعها لأول مرة .. لقد سمعتها كثيرا من قبل ولكن تلك هي المرة الأولى التي تفهم فيها ماتعنيه كلماتها .. لكم تنطبق تلك الكلمات عليها الآن .. أخذت دموعها تسيل رغما عنها وهي تنصت إليها جيدا ..
ألا حبذا .. حبذا حبذا ..
حبيبٌ تحملتُ منهُ الأذى
بنفسي يامن اشتكي حبه
ومن إن شكى الحب لم يكذب
ومن لا أبالي رضى غيره
إذا هو سر ولم يغضب
ألا حبذا .. حبذا حبذا ..
حبيبٌ تحملتُ منهُ الأذى
ـ هلا أخفضتي صوت هذا الشئ قليلا !!
جاء صوت الوليد من جانبها مما جعلها تتفاجأ بوجوده .. فهي لم تشعر بقدومه و لا تعرف كم من الوقت مضى وهو هنا ..
لم تستجب لأمره بخفض الصوت وتجاهلت وجوده تماما .. مما جعله يوجه الأمر إليها مرة أخرى ولكن بغضب هذه المرة .. فردت عليه ببرود :
ـ إذا كان صوته يزعجك فيمكنك الذهاب إلى غرفة أخرى
ما إن قالت جملتها تلك حتى رأته يتقدم أمامها ويتجه نحو التلفاز ليغلقه من عنده .. ورفع حاجبه علامة على التحدي ثم قال لها :
ـ والآن ستصغين إلى ما أقوله
اعتدلت في جلستها وهي تكاد أن تنفجر من الغضب ولكنها حاولت أن تتماسك لترى ماذا لديه ليقوله .. فأخذت تنظر إليه بشرر وهو يقول لها :
ـ هل يمكنك أن تخبريني لماذا تستمرين في إزعاج لمياء ؟!! ..منذ أن اتيتي إلى هذا البيت وقد لاحظت أنك لا تحبينها .. انتي حرة في مشاعرك ولكن عليكي أن تعلمي أنه يجب عليك احترامها .. فهي لها في هذا البيت تماما كما لك انتي .. بل وربما أكثر .. ألم يكن من الواجب عليك أن تذهبي إليها في غرفتها حينما اتت إلى البيت لتطمئني على صحتها ؟!! .. حتى لو كانت صحتها لا تعنيكي ولكن على الأقل .........
لم يتمكن الوليد من انهاء كلامه فقد سكت فجأة حينما رآها ترميه بالوسادة التي كانت بجانبها .. ولكنه استطاع أن يلقفها قبل أن تصطدم بوجهه .. وقبل أن تمسك بالوسادة الأخرى قالت له من بين أسنانها :
ـ هذه من أجلك
ثم راحت ترميه بالوسادة التالية التي لقفها هي الأخرى مما زاد من غضبها .. وتابعت تقول :
ـ وهذه من أجل أختك
لقد فاض بها الكيل .. ولم تعد تستطيع التماسك أكثر من ذلك .. نظرت إلى جانبها فلم تجد أية وسادة أخرى لترميه بها .. فقامت من مكانها وأخذت تدور بنظرها حولها وهي تبحث عن شئ آخر لترميه به .. فوقع نظرها على المزهرية التي كانت موضوعة على الطاولة أمامها ..
توجهت نحوها بسرعة ولكن لسوء حظها تعثرت قدمها بطرف السجادة مما جعلها تسقط على الأرض لترتطم بها بعنف ..
فرفعت وجهها على الفور وهي تلهث وكأنها في سباق ..
كان يقف بعيدا عنها وبدا مترددا في الاقتراب منها ومساعدتها على النهوض .. فقد تفاجأ من ردة فعلها تلك ..
ولم تبقى هي على الأرض سوى للحظات فسرعان ما وقفت على رجليها مرة أخرى وقد أمدها الغضب بقوة لم تعهدها ..
وبسرعة تناولت المزهرية من فوق الطاولة ورمتها باتجاهه وهي تقول :
ـ وهذه من أجل ما تفعله بي
استطاع الوليد مرة أخرى أن يفلت منها فقد انحنى بسرعة ليتفادى اصطدام المزهرية به لترتطم بالحائط بدلا عنه ثم وقعت على الأرض على شكل أجزاء صغيرة ..
ـ هل جننتي ؟!!
صرخ بذلك وهو مذهولا من تصرفاتها ..
وهنا وجدت أنه لا جدوى من رميه من بعيد بما يقع في يدها .. فاقتربت منه ودفعته بكل ماتمتلك من قوة ولكنه كان قويا جدا ولم يتزحزح من مكانه ..
فانقضت عليه تلكمه في صدره بقبضة يديها.. ولكنه لم يكن يبدو عليه أي تألم بل على العكس .. فقد شعرت بأن يديها هما المتضررتان ..
وأخيرا أمسك الوليد بيديها وكتفهما ليوقف حركتها ولكنها أخذت تركله برجلها وتتحرك من بين يديه محاولة أن تفلت من قبضته .. فسمعته يقول وهو يلهث أيضا فقد أتعبته بكثرة حركتها :
ـ حسنا .. اهدأي .. اهدأي
ولكنها لم تستجب له واستمرت بالحركة حتى أفلتها أخيرا .. فابتعدت عنه بالقدر الكافي حتى لا يمسك بها مرة أخرى .. وراحت تنظر إليه من مكانها وهي ترتجف غضبا .. ثم .. وعلى غير المتوقع .. انفجرت بالبكاء !
كانت تلك هي المرة الأولى التي تبكي فيها أمامه دون أن تخفي وجهها .. لم تكن تحب أن يراها أحدا وهي تبكي .. ولكنها قد انهارت الآن .. ولم تعد تستطيع أن تخفي دموعها ..
بدأت تتكلم من بين بكائها وتقول :
ـ إنني أكرهك .. أكرهك .. وأكره أختك .. وأكره نفسي لأنني وافقت على الزواج منك .. كــ .. كل ما .. كنت أريده .. هو .. هو أن أكمل دراستي الجامعية لأتخرج وأصبح طبيبة ناجحة .. هل هذا شئ كثير علي ؟! .. هل هذا شئ يستحق أن أعاقب عليه ؟!!
كانت تبكي بشدة مما جعلها تتلعثم في الكلام .. ولم تستطع أن ترى تعابير وجهه بوضوح لأن الدموع كانت تملأ عينيها .. فتابعت تقول :
ـ أنت مثل أبي .. وأبي مثل زوجته .. وزوجته مثل أختك .. كلكم تشبهون بعض .. كلكم تحبون أن تنغصوا علي حياتي ..
سكتت قليلا لتنظم أنفاسها حتى يبدو كلامها واضحا ثم استطردت :
ـ أنت تكرهني لأنني أفسدت عليك حياتك .. لهذا تسعى دائما على الانتقام مني .. ولكني ليس لي ذنب في ذلك .. لست أنا من كتبت تلك الوصية .. هل تعتقد بأنني أكثر سعادة منك ؟؟ .. لطالما وعدت نفسي وأنا صغيرة بأن كل ما أعانيه هذا لن يستمر طويلا وأنني حينما أكبر ستكون حياتي سعيدة .. فلن يكون فيها أبي حتى يضربني .. ولا زوجته حتى تتحكم في حياتي .. وسأكون انسانة ناجحة وسعيدة .. وها أنا ذا كبرت وتزوجت .. ولم أذق طعم السعادة يوما .. فأصبحت أعد نفسي بأن المستقبل سيكون أفضل .. وأنني بمجرد أن أتخرج سينتهي كل هذا .. وسأحقق أحلامي التي لطالما حلمت بها ..
ابتسمت بسخرية قبل أن تتابع قائلة :
ـ يبدو أنني سأحيا طوال حياتي أنتظر الأفضل وانتظر أن يتحقق ماحلمت به وأعلق نفسي بآمال .. آمال ليست في الحقيقة سوى أوهام ..
قالت عبارتها تلك ثم دفنت وجهها بين يديها وقالت وهي تجهش بالبكاء :
ـ لقد سئمت من كل ذلك .. سئمت من حياتي .. انني اتمنى أن أرتاح من تلك الحياة البائسة
كانت حزينة ويائسة من كل شئ .. واستمرت على تلك الحالة حتى شعرت بالوليد يقترب منها ليضمها بين ذراعيه ..
كادت أن لا تصدق أن هذا هو الوليد .. ولكن رائحة عطره التي لا تخطئها أبدا أكدت لها ذلك ..
لم تكن في حالة تسمح لها بالتفكير في الأمر .. فقد نفضت كل أفكارها ودفنت رأسها في صدره .. وتمنت أن لا تنتهي تلك اللحظة أبدا .. فهي لم تشعر في حياتها بالأمان مثل الآن ..
أخذ يربت على رأسها بلطف محاولا التخفيف عنها .. ثم سمعته يقول لها :
ـ هوني عليك .. لا يوجد شئ في العالم يستحق دموعك .. أنا واثق من أنك قوية وستستطيعين أن تتخطي كل تلك الظروف .. تماما كما تخطيتي ماهو أسوأ منها في السابق ..
توقف عن الكلام قليلا وبدا أنه يفكر في شئ ما قبل أن يستطرد قائلا :
ـ أعرف بأنني قد أخطأت في حقك كثيرا .. فوصية والدي كانت مفاجئة كبيرة بالنسبة لي .. لقد قلبت تلك الوصية حياتي رأسا على عقب .. مما جعلني انتقم منك دون أن أشعر .. كان علي أن أفهم أنه لا ذنب لك في كل ذلك ..
كم أراحها كلامه كثيرا .. كان صوته حنونا جدا وبدا أنه يهتم لأمرها كثيرا .. الأمر الذي جعلها تهدأ قليلا في البكاء ولكنها مع ذلك استمرت في وضع رأسها على صدره .. ولم تكن تريد أن ترفعها أبدا .. وتابع يقول هو :
ـ انت فتاة طيبة .. ولا تستحقين تلك المعاملة مني .. لا أريد أن أؤذيك أكثر من ذلك .. لذا فقد عزمت أن أطلقك ما إن تنهي دراستك .. وأنا واثق من أنه في يوم ما ستجدين الشخص الذي يستحقك .. وسيكون شخصا محظوظا كثيرا لأنه حصل على زوجة مثلك ..
كانت كلماته الأخيرة تلك بمثابة الصفعة لها .. وعلى الفور رفعت رأسها من فوق صدره وابتعدت عنه .. وقد شعرت بأنها لم تكن إلا في حلم جميل وكلماته الأخيرة جعلتها تستفيق منه ..
بدأت تجفف دموعها وكلمته لا تزال تتردد في رأسها " طلاق " ! .. ألم يفهم بعد ؟! ألا يعرف أن كل ما تعاني منه الآن بسبب حبها له .. وأن كل ما يزعجها لا يساوي شيئا بجانب فكرة طلاقها منه ..
أخذت تنظر إلى عينه وهي تحاول أن تجد تفسيرا لكل مايفعله معها .. إن لم يكن يحبها فلماذا يهتم بها بهذا القدر؟! .. أهو تأنيب الضمير ؟!.. أم أنها ربما تثير شفقته ؟!
تمنت لو أن يستطيع هو الآخر قراءة عينيها .. لو يستطيع أن يعرف من نظراتها أنها تعشقه بجنون .. فهي لا تمتلك الجرأة للبوح له بذلك .. لقد استطاعت أن تصارحه بكل مافي داخلها ماعدا حبها له ..
أشاحت بوجهها عنه وصعدت إلى غرفتها دون أن تنبث بأية كلمة .. وعلى الرغم من أنها لم تغلق الباب بالمفتاح إلا أنه لم يحاول الدخول إلى الغرفة .. واستطاعت أن تستمع إلى خطواته وهو يتجه إلى غرفة أخرى ..
فارتمت على سريرها وهتفت بعد أن دفنت رأسها في الوسادة :
ـ أنا أحبك ...
ثم أغمضت عينيها .. علها تستطيع أن تضع حدا لدموعها ..........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يامن خلقت الدمع لطفا منك بالباكي الحزين
بارك لعبدك في الدموع فإنها نعم المعين
حافظ ابراهيم
|