كاتب الموضوع :
طمووح
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حبيب تحملت منه الأذى
(10 )
جلست بإرهاق على السرير بعد أن انتهت من تبديل ثيابها .. لقد انتظرت هذه اللحظة بفارغ الصبر ..
قضت مايقارب الأسبوعين في المستشفى حتى أنها كادت تموت من الضجر في الأيام الأخيرة ..
قبل يومين .. دخل الوليد إليها ومعه أحد أصدقائه في الشركة .. وبدا أنه صديقه المقرب .. تمنى لها الشفاء وناولها علبة شوكلاة بدت من النوع الفاخر ..
لم يزورها أحد غيره في الفترة الأخيرة باستثناء سمر .. والمحامي الذي زارها مرة أخرى بعد أن كان قد زارها في أول أيامها في المستشفى .. ولكنها لم تكن قد استعادت وعيها حينها ..
دخل الوليد إلى الغرفة في اللحظة التي كانت فيها تحاول ارتداء حذائها .. فأسرع نحوها وجلس على ركبتيه وهو يقول لها :
ـ دعيني أساعدك
ـ لا داعي .. أستطيع ارتدائه بمفردي
ـ كفاكي عنادا .. هل نسيت كلام الطبيب بهذه السرعة ؟!!
راح الوليد يربط لها رباط الحذاء غير آبها باعتراضها .. فشعرت بالخجل والسعادة في الوقت نفسه ..
ـ حسنا لقد انتهيت .. هل أنتي جاهزة
ـ نعم أنا جاهزة
نهض الوليد من مكانه وقام بحمل حقيبة يدها التي وضعت فيها كل متعلقاتها التي كانت تستخدمها في المستشفى ..
ـ هل أنهيت إجراءات الخروج ؟
ـ نعم أنتهيت منها وسنخرج من هنا على الفور
وأخييرا ستخرج من هذا المكان .. توجهوا نحو المصعد بعد خروجهم من الغرفة .. وتفاجئت بالوليد حينما أحاط خصرها بإحدى يديه وراح يسير وهو قريبا جدا منها !!
ـ لا داعي لكل هذا .. أنا بخير ولن أصاب بمكروه
قالت له ذلك وهما في المصعد .. فابتسم لها ورد بلطف :
ـ أنت لم تتحركي من السرير منذ أكثر من أسبوع .. ماعدا في بعض المرات القليلة .. ولم تبذلي أي مجهود حينها .. لذلك علي أن أكون حذرا
تنفست الصعداء ما إن خرجوا من باب المستشفى .. وشعرت بأنها لم تتنفس الهواء الطلق منذ زمن ..
حينما وصلا إلى السيارة قام الوليد بفتح الباب لها !! .. فقالت له ممازحة :
ـ سأعتاد على هذا الدلال .. وستقع حينها في ورطة لأنك ستضطر إلى تدليلي دوما ..
ضحك الوليد على تعليقها ولم يعلق بشئ ..
بعد ربع ساعة تقريبا كانا قد وصلا إلى البيت .. فراحت تنظر إليه وتتأمله وقد اشتاقت إليه كثيرا ..
أخرج الوليد حقيبتها من السيارة وحينها رأت عم سليم السائق يقترب منهما ويهتف بفرح :
ـ حمدا لله على سلامتك ..
ـ شكرا يا عم سليم
توجه عم سليم على الفور إلى الوليد وحمل الحقيبة عنه .. ثم توجها إلى باب البيت فوجدا خيرية تقف عنده لاستقبالها ..
وما إن اقتربت منها حتى ضمتها خيرية بقوة وهي تهتف بانفعال :
ـ وأخيرا عدتي ..لقد افتقدتك كثيرا كان البيت كئيبا من دونك ..
ـ أنا أيضا افتدتك كثيرا يا خيرية
قاطع الوليد حديثهم فجأة حينما تكلم يسأل خيرية :
ـ أين لمياء ؟؟
أجابته خيرية بتلعثم وهي تقول :
ـ مازالت نائمة يا سيد وليد ..
بدا الوليد منزعجا من عدم وجود لمياء لاستقبالها هي أيضا .. ولكنها بعكسه لم تكن منزعجة .. بل شعرت بالسعادة لذلك !
غير الوليد الحديث حينما استطرد قائلا :
ـ تناولي الحقيبة من عم سليم يا خيرية .. وإذا كنت قد انتهيتي من طعام الغداء فاحضري لسارة غدائها في غرفتها بالأعلى ..
وعلى الفور تناولت خيرية الحقيبة واتجهت نحو السلم لتضعها في غرفتها ..
وهي بدورها سارت نحو السلم لتصعد إلى غرفتها .. ولكنها ما إن اقتربت منه حتى بدأت تستعيد ذكريات ذلك الحادث المؤلم ..
ظلت تتأمل السلم وقد شعرت بأن الوليد لاحظ ترددها في صعوده ..
ـ أعتقد أنه عليك صعود السلم بدلا من تأمله !
هل يسخر منها ؟!! .. ربما ! .. لاشك في أنه قد افتقد هوايته في السخرية منها !
استجمعت قواها أخيرا ووضعت قدماها على أول سلمة .. ولكنها فجأة شعرت بيدين الوليد تحملانها .. وراح يصعد بها السلم بسرعة ..
ـ ماذا تفعل ؟؟ .. انزلني الآن .. يمكنني الصعود بمفردي أنا لم أشل بعد ..
قالت له ذلك معترضة .. فجأبها دون أن يستجيب لكلامها :
ـ أنا الذي سأشل لو انتظرتك حتى تصعديه كله !
دخل بها إلى الغرفة حيث كانت خيرية قد خرجت منها للتو بعد أن رأتهما يدخلان .. ثم وضعها على السرير و تابع يقول لها :
ـ امتحاناتك بعد أسبوع .. وإن أردتي حضورها فعليك سماع كلامي طوال هذا الأسبوع
ـ ولكن أنا ..
قاطعها قبل أن تعترض :
ـ لا تخرجي من الغرفة اليوم .. وأي شئ تريدينه أطلبي من خيرية أن تحضره إليك هنا ..
ـ ألن تكون موجودا اليوم ؟؟
ـ لا .. لدي أعمال كثيرة علي أن أنجزها في الشركة .. وقد آتي في وقت متأخر من الليل .. ولكن هذا لا يمنع أنك لو خالفتي أيا مما قلته لك فستخبرني خيرية بذلك ..
ـ لن أخالف أوامرك يا سيدي !
بعد دقائق من ذهاب الوليد من عندها سمعت صوت طرق على باب الغرفة
ـ ادخلي يا خيرية
ولكنها تفاجئت بعد أن فتح الباب .. فلم تكن خيرية هي من تقف هناك بل كانت لمياء .....
دخلت لمياء إلى الغرفة بعد أن أغلقت الباب ورائها .. ومن ثم وقفت أمامها مكتفة ذراعيها في كبرياء وهي تقول لها :
ـ إذا لقد تعافيتي أخيرا ..
ـ هل هذه طريقتك للترحيب بي بعد عودتي إلى البيت وشفائي ؟!!
ـ لا تمثلي أمامي يا سارة .. ما يصدقه الوليد لن أصدقه أنا ..
لم تعلق على كلامها واكتفت بالتظاهر بالامبالاة بها .. فتكلمت لمياء مرة أخرى ولكن هذه المرة كان صوتها غاضبا :
ـ أنا وأنت نعرف جيدا أنك كنت تبالغين في التظاهر بالإعياء لتكسبي تعاطف الوليد معك ..
ـ لم أكن أعرف أنك تفهمين في الطب وتستطيعين تشخيص حالات المرضى !!
كانت تستهزأ بكلامها .. مما جعل لمياء تزداد غضبا و تعلق قائلة :
ـ لا أفهم في الطب ولكنني لست غبية .. وأفهم تمثيل البنات جيدا ..
ـ عليك أن تفهمي أمرا واحدا يا لمياء .. وهو أنه ليست كل البنات مثلك
ـ انتي تتمنين أن تكوني مكاني وأن تحصلي على ما أحصل عليه
لم تستطع أن تمنع نفسها من الضحك بعد قول لمياء هذا فانفجرت في الضحك .. ثم تابعت تقول في سخرية :
ـ لا داعي لكل هذا يا لمياء .. يوما ما ستتزوجين وسيعتني بك زوجك كما يعتني بي الوليد .. لذا لا داعي لأن تموتي غيظا !
ـ نعم ولكن من سيتزوجني سيعتني بي لأنه يحبني وليس لأنه يشفق علي كحال الوليد معك ..
شعرت بأن كلامها جارحا جدا .. وتمنت لو أن تقوم بصفعها .. ولكنها لا تمتلك القوة لأي شجار الآن .. فاكتفت بالقول لها :
ـ لا تتدخلي في علاقتي بالوليد .. لست صغيرة لأخبرك بأنه من غير اللائق التدخل في الشئون الخاصة بالآخرين ..
لم تكن لمياء لتسكت لها على هذا الكلام .. ولكنها ما إن فتحت فمها حتى سمعا طرقا على الباب .. أعقبه دخول خيرية إلى الغرفة ..
كانت تحمل صينية في يدها وضع عليها حساء ساخن .. شعرت بالارتياح لأنها قد أتت في تلك اللحظة لتخلصها من لمياء ..
بدت لمياء أكثر غضبا لقدوم خيرية قبل أن تنهي مالديها من كلام .. وما إن لمحتها خيرية حتى قالت :
ـ سيدة لمياء ! .. لم أتوقع أن تكوني هنا ..
وضعت خيرية الصينية بجانبها ثم تابعت تقول للمياء :
ـ لو كنت استيقظتي قبل خمسة دقائق فقط لكنتي قد لحقتي بالوليد ..
لم تقل لمياء شيئا .. ولكنها بقيت واقفة في مكانها .. ففهمت أنها تنتظر خروج خيرية حتى تكمل حديثها .. ولكنها لم تكن لتترك لها هذه الفرصة .. فقالت موجهة كلامها لخيرية :
ـ لمياء أتت فقط لترحب بعودتي سالمة إلى البيت .. وقد فعلت ذلك وهي سترحل الآن ..
أرادت أن تطردها ولكن بلباقة .. فبدت لمياء كما لو أنها تلقت صفعة .. وبدأت خيرية تنتبه أن هناك جوا من التشاحن يدور بينهما .. ولكنها تظاهرت بأنها لم تلاحظ شيئا ..
وأخيرا توجهت لمياء نحو باب الغرفة بعد أن رمقتها بنضرة حقد .. وخرجت من الغرفة صافعة الباب ورائها !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
اليوم هو الجمعة .. أول امتحان لها سيبدأ في الغد .. لذلك طلبت من سمر بالأمس أن لا تأتي إليها اليوم وأن تركز هي أيضا في دراستها ..
لقد ساعدتها سمر كثيرا حيث كانت تأتي إليها طوال هذا الأسبوع لتساعدها فيما فاتها من المحاضرات .. ومن الأنانية أن تتركها تأتي إليها اليوم أيضا .. فمن الطبيعي أن هناك ما تحتاج إلى استذكاره بتركيز أكثر وهي بمفردها ..
قضت أغلب أوقاتها طوال هذا الأسبوع في غرفتها .. حتى في وقت الغداء لم تكن تخرج من الغرفة بل كانت تتناوله في غرفتها .. فساعدها ذلك أن لا تلتقي بلمياء كثيرا ..
مر النهار سريعا في هذا اليوم .. ولم تشعر بالوقت وهو يمضي .. حتى أنها حينما نظرت إلى الساعة ووجدتها تشير إلى العاشرة تفاجئت بذلك ..
لقد اعتادت كل يوم أن تنام في مثل هذا الوقت .. ولكنها لن تستطيع أن تفعل ذلك اليوم .. فمازال لديها الكثير من المذاكرة التي لم تنهيها بعد ..
حينما دخل الوليد إلى الغرفة تفاجأ حينما رآها مازالت مستيقظة .. وأخذ يجول بناظره على الورق المبعثر حولها في كل مكان على السرير ..
ـ ألم تنامي بعد ؟!
ـ لا .. مازال لدي الكثير من المذاكرة .. حتى لو بقيت مستيقظة إلى وقت الامتحان فقد لا أنتهي منها كلها
قالت ذلك وهي تشعر بالكآبة .. وراحت تقاوم دموعها حتى لا يراها الوليد وهي تبكي ..
لم يكن من الجديد عليها أن تبكي قبل الامتحان !! .. لقد اعتادت أن يحصل معها ذلك في كل امتحاناتها .. ولكن ما أزعجها هذه المرة أن يحدث هذا أمام الوليد ..
ظل الوليد واقفا مكانه عند الباب وقد شعرت بأنه لاحظ دموعها التي حاولت اخفائها عنه ..
ظل يتأملها بدهشة وكأنه يحاول أن يستوعب الموقف .. ثم بعد ذلك بقليل لاحظت أن دهشته تبدلت ليحل محلها رغبة شديدة في الضحك !!
فسألته وقد انتابها الغضب :
ـ هل يبدو لك الأمر مضحكا ؟!!
وهنا انتبه الوليد لنفسه و بدأ يحاول أن يرسم الجدية على ملامحه ثم أجابها قائلا :
ـ لا بالطبع لا .. أنا فقط متفاجأ قليلا فلم أرى من قبل أحدا يبكي على أمر يتعلق بالدراسة !
ـ لست معقدة نفسيا .. ولكنني أشعر بالاكتئاب لأنني لم أنهي شيئا بعد ..
ـ لطالما نقول لأنفسنا ذلك ولكننا نكون نبالغ .. لا أذكر يوما دخلت فيه امتحانا وأنا لا أقول لنفسي أنني لم أنهي مذاكرتي بعد .. ولكنني كنت اجتازه في الاخير !
كان يحاول أن يرفع من معنوياتها قليلا .. فمسحت دموعها وحاولت أن تستعيد نشاطها لأن اليأس ليس من صالحها في هذا الوقت بالذات ..
ظل الوليد واقفا مكتفا ذراعيه وهو يتأمل مكان نومه الذي امتلأ برزم من الورق والكتب .. فسألته بتوتر :
ـ هل تفكر في النوم الآن ؟!! .. ستتركني أسهر للمذاكرة بمفردي ؟!!
بدا الوليد مترددا في الاجابة ولكنه حينما رأى الدموع تتجمع في عينيها من جديد حتى رفع يديه مستسلما و هو يقول :
ـ حسنا حسنا .. لن أنام الليلة حتى تنامي انت ..
ـ أنت تقول ذلك فقط لأنك تشفق علي .. ولكنك في الحقيقة لا تريد السهر معي .. وأنا لا أريد أن أرغمك على شئ لا تريده
راحت تمسح دموعها التي كانت تنهم بغزارة .. فاستطرد الوليد قائلا :
ـ بالله عليك يا سارة ! .. ما كل هذا البكاء ؟؟ انت لم تكوني بتلك الحساسية حتى في أيام حملك !!
شعرت بالانزعاج لأنها ولا شك تبدو الآن كالطفلة أمامه .. فبدأت تجفف دموعها وهي تتوعد نفسها إن عاودت البكاء من جديد أمامه ..
ـ سأسهر الليلة معك .. لا تجادليني في ذلك لقد قضي الأمر .. والآن إذا كنت تريدينا أن نبقى مستيقظين فمن الأفضل أن ننزل إلى الصالة بالأسفل .. لأن منظر السرير وحده يجلب الشعور بالنعاس ..
وافقته الرأي فبدأت تجمع كتبها و أوراقها وقام هو بمساعدتها في ذلك .. ثم نزلا إلى الأسفل فوضعا أغراضها على الطاولة التي في غرفة التلفاز .. وفي تلك اللحظة تثائب الوليد أمامها .. وحينما لاحظ أنها تنظر إليه قال لها:
ـ حسنا لا تنظري إلي هكذا .. سأقوم بإعداد فنجان قهوة الآن وسيساعدني هذا في أن أستفيق قليلا ..
انصرف الوليد إلى المطبخ .. ومضت بعض الدقائق حتى بدأت رائحة القهوة تتجلى من المطبخ .. فشعرت بالحنين لها .. لطالما عشقت هذه الرائحة لارتباطها بالوليد ..
لم تستطع أن تمنع نفسها فلحقت به في المطبخ ..
كان قد انتهى من اعدادها للتو .. ورأته يرتشف من الفنجان ليتذوقها .. ثم أومأ برأسه وأطلق نبرة استحسان فظهرت غمازاته .. وراح يقول لها:
ـ لقد نجحت في صنعها .. ليست تماما كما تعدها خيرية ولكن لا بأس بها ..
ـ دعني أتذوق طعمها لأقيمك عليها ..
ناولها الوليد الفنجان دون تردد .. فارتشفت القليل منه ثم اتجهت به مسرعة إلى خارج المطبخ وهي تقول له :
ـ لن تمانع بالطبع من أن آخذه لي ..
ـ ماذا ؟؟ .. ولكن .. انتظري ...
لم تترك له فرصة للاعتراض وتركته يقف مصدوما في مكانه ..
بقيت تنتظره في الصالة إلى أن جاء أخيرا وهو يتذمر :
ـ الفنجان الذي سرقته مني كان مذاقه أطيب من فنجاني الآن ..
ـ ههههههههههههههه إنها حظوظ
ـ لو لم أكن أعرف مرارة القهوة التي تصنعينها لكنت جعلتك مدينة لي بفنجان قهوة آخر ..
ذكرها كلامه بتلك المرة التي جاء فيها المحامي إلى البيت واضطرت لإعداد القهوة لهم بنفسها وكانت شديدة المرارة لنسيانها وضع السكر فيها .. أحمر وجهها خجلا وهي تتذكر ردود أفعالهم بعد تذوقها ..
ـ عليك أن تتوقفي عن الشرود وتنهي مذاكرتك قبل أن ينتهي مفعول القهوة ..
تنبهت لواقعها من جديد .. وعادت تتابع مذاكرتها في الوقت الذي جلس فيه الوليد على الكنبة بجانبها وبدأ يعمل على حاسبه الشخصي ..
بقيا على هذه الحال طوال الليل .. ولم يتحركا إلا بعد أذان الفجر .. فصلياه معا .. وبعدها لم تتمكن من الصمود أكثر فبقيت تغفو بين الحين والآخر ..
ـ سارة ..
سمعت صوت يأتي من بعيد .. ففتحت عينيها لترى وجه الوليد فوقها .. كانت تضع رأسها فوق رجليه وتشعر بأصابعه وهو يداعب شعرها .. كان يتأملها بعمق .. فراحت تتأمله هي الأخرى ..
هل هي في حلم ؟!!
راحت تفرك عينيها في محاولة منها للإفاقة من النوم واستعادة تركيزها ..
ـ هيا استيقظي .. إنها الثامنة صباحا .. امتحانك بعد ساعة من الآن
همس لها بذلك .. فرفعت رأسها بسرعة وأخذت تنظر حولها .. إنها في الصالة .. لقد نامت أثناء مذاكرتها .. وهنا هتفت برعب :
ـ يا إلهي لقد نمت دون أن أراجع على ما ذاكرته !
تكلم الوليد محاولا أن يخفف عنها :
ـ الوقت الذي نمتيه الآن سيفيدك في الامتحان أكثر من المراجعة .. لم يكن من المعقول أن تدخلي الامتحان وأنت مرهقة دون أن تحصلي على أي قسط من النوم !!
لم تستغرق وقتا طويلا في تبديل ملابسها .. أما الوليد فكان قد سبقها وبقي ينتظرها في الصالة ..
وحينما نزلت إليه مرة أخرى كانت خيرية تقف هناك هي الأخرى وفي يديها تحمل صينية وضع عليها الفطور ..
ـ صباح الخير سيدة سارة
ـ صباح الخير
ردت عليها التحية ثم ألتفتت إلى الوليد وقالت له :
ـ أنا جاهزة .. هيا بنا حتى لا نتأخر
وهنا اعترضت خيرية وقالت :
ـ لا يمكن أن تخرجوا من البيت قبل أن تأكلوا شيئا ..
ـ أنا سأتناول فطوري في الشركة اليوم يا خيرية ..
هكذا أجابها الوليد .. فاستطردت تقول هي الأخرى :
ـ وأنا ليس لدي وقت يا خيرية .. سأحاول أن أتناول شيئا في الجامعة قبل دخولي الامتحان ..
ألتفت إليها الوليد وقال لها :
ـ خيرية معها حق .. اشربي العصير على الأقل هذا سيزودك ببعض الطاقة ..
عرفت أنهم لن يتركوها حتى تأكل شيئا .. ولم يبقى لديها الكثير من الوقت كي تجادلهم .. فتناولت عصير البرتقال من على الصينية وشربته بسرعة .. ومن ثم تناولت بعض الفطائر وقالت وهي تندفع نحو الباب :
ـ سأتناولهم في السيارة .. هيا بنا يا وليد
وأخيرا ركبت السيارة وانطلق بها الوليد على الفور ..
ـ لا تتوتري .. التوتر هو مايفسد الأمر .. أذكر عندما كنت في الجامعة كنت أدخل الامتحان وهناك معلومات كثيرة في المنهج لم أطلع عليها ..
شهقت حينما أخبرها بذلك .. فابتسم لها وتابع يقول :
ـ ولكنني كنت اجتازه بسهولة وأحصل على درجات مرتفعة أيضا !
ـ كيف ذلك ؟؟ هل كنت تغش ؟؟
ـ هههههههههههههههههههههههه .. بالطبع لا .. ولكن السر يكمن في برودة أعصابي وقتها .. لم أكن من النوع الذي يتوتر في الامتحانات .. وحينما كان يأتي سؤال لا أعرف اجابته .. كنت أحاول الاسترخاء قدر الإمكان لأتمكن من التركيز بكفاءة عالية .. ثم أمسك بالقلم وأبدأ في كتابة جواب للسؤال .. كنت أتذكر معلومات سمعتها في المحاضرة في هذا الشأن وأكتبها ..
ـ وهل كان هذا يجدي ؟؟؟
ـ نعم .. على الأقل كنت لا أخسر درجة السؤال كلها .. ولكن كما قلت لك السر يكمن في برودة أعصابك وعدم توترك
شعرت بارتياح كبير بعد كلامه هذا .. لا تشك أبدا في أن الوليد شخصية مثالية في كل شئ .. حتى في دراسته .. راحت تتأمله وهو منشغل في القيادة .. من النادر أن يكون أحدا بكل تلك الوسامة والذكاء في وقت واحد .. كم كانت محظوظة به !
حينما وصلا إلى الجامعة سألها قبل أن تنزل :
ـ متى سينتهي امتحانك ؟؟
ـ في الثانية عشرة ظهرا
ـ جيد .. لدي راحة غداء في هذا الوقت لذا سآتي لأقلك إلى المنزل
ـ لا شكرا لك .. يمكنني انتظار السائق .. لا تتعب نفسك من أجلي أكثر من ذلك يكفي أنني أسهرتك معي طوال الليل
ـ لا تعترضي يا سارة ولا تشكريني .. هذا مايجب أن أقوم به .. فرغم كل الظروف التي مررنا بها إلا إنك لا زلتي زوجتي .. وعلي الاعتناء بك .. وأعلم جيدا أنك كنت لتقفي بجانبي وتهتمي بي أكثر من ذلك لو كنت أنا الذي أمر بتلك الظروف
نزلت من السيارة وهي تفكر في كلماته تلك .. لقد تبدلت تصرفات الوليد كليا معها .. فهل يعطيها هذا الأمل في أنه قد بدل قراره بشأن الطلاق ولم يعد ينوي أن يطلقها ؟!!
لا .. لقد تعلمت الدرس جيدا .. ولن تعلق نفسها بأية آمال هذه المرة .. يكفيها كل ماحدث معها وكل ما عانته نفسيا بسبب الوليد ..
ستترك الأمور تجري كما هو مقدر لها .. ولن ترهق عقلها بأي تفكير فيما قد يحدث في الأيام القليلة القادمة ........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمضت بقية الأسبوعين على نفس الحال .. وفي أغلب الأحيان كان الوليد هو من يوصلها إلى الجامعة ويقلها منها إلى البيت .. وبقي أيضا يسهر معها في الليالي التي كانت تواصلها لتنهي مذاكرة المادة قبل الامتحان .. وهو ما كان له الأثر الكبير في نفسها .. و ساهم في تهوين الأمور من عليها .. فلم تعد تتوتر في ليلة الامتحان كما في السابق !!
تمنت لو أن تطول امتحاناتها أكثر حتى تقضي وقتا أطول مع الوليد .. ولكن اليوم كان آخر امتحان لها ...
أوصلها الوليد كعادته وأخبرها بأنه سيأتي ليقلها .. ولكنها طلبت منه أن يتأخر ساعة عن وقت اصطحابها لتقضي بعض الوقت برفقة سمر ..
حينما خرجت من الامتحان .. كان هناك ازعاجا كبيرا في الجامعة نظرا لصوت الصراخ الذي يصدر من الطلبة احتفالا بأنهم أنهوا آخر امتحان لهم .. والبعض منهم كان قد أحضر معه جرة فخارية ليقوم بكسرها في تقليد متعارف عليه عندما تترك مكانا لم تكن تطيقه ..
ـ لقد انتهينا .. انتهينا .. سنتخرج أخيييرا من كلية الطب
هكذا هتفت سمر بفرحة عارمة وراحت تضمها بقوة .. ثم فتحت ذراعيها إلى السماء وتابعت تقول :
ـ أنا دكتورة .. لا أصدق .. أنا دكتووووورة
وهنا انفجرت سارة من الضحك برغم كل ما كان يشغل بالها .. وعلقت قائلة :
ـ اهدئي يا سمر .. مازلنا لم نحصل على الشهادة بعد
ـ أنا لا أهتم بتلك الشكليات .. لقد انتهينا من الامتحانات وأدائنا فيها كان جيدا .. لذا سأعتبر نفسي من اليوم بأنني قد تخرجت وأصبحت دكتورة بصفة رسمية
ـ حسنا يا دكتورة .. أتمنى أن يحصل كلانا على البعثة
ـ دعك من التفكير في هذا الآن ودعينا نحتفل .. تعالي سأدعوك على الغداء بهذه المناسبة
ـ لا .. لا ليس اليوم .. هناك الكثير من الأمور التي علي إنجازها اليوم
خفت حماسة سمر وبدأت تلاحظ القلق الذي تبدو هي عليه .. فقالت لها وقد تبدل صوتها كليا لتظهر عليه نبرة التوتر :
ـ اها صحيح .. كدت أنسى ذلك .. اليوم ستتوضح لك الأمور مع الوليد
ـ أنا ارتجف بمجرد التفكير في ذلك .. ماذا تتوقعين أن يحدث ؟؟
تنهدت سمر بعمق قبل أن تقول :
ـ لأول مرة في حياتي لا أستطيع تخمين ما الذي سيحدث .. حياتك مع الوليد كانت معقدة جدا .. قبل شهر فقط كنت أجزم بأنه سيطلقك لا محالة .. وكنت أبذل شتى الطرق لإقناعك بذلك .. ولكن بعدما رأيت اهتمامه بك في المستشفى .. وخصوصا استمراره في الاعتناء بك حتى بعدما تعافيتي .. لم أعد أستطيع أن أجزم بشئ
ـ ولا أنا أستطيع أن أجزم بشئ ...
ربتت سمر على كتفها وراحت تقول لها :
ـ أيا كان ماسيحدث فتأكدي من أنه الخير لك .. ولا تكدري نفسك وقلبك على شئ لم يكتب لك ...
عرفت أن سمر تحاول أن تهيأها للأسوأ .. ولكنها كانت ولأول مرة منذ أن تزوجت الوليد متهيأة لفكرة الطلاق منه ! .. لقد غلبت عقلها على قلبها .. وستستمع لصوت العقل من جديد ..
ـ علي أن أكون عند البوابة الآن .. سيأتي الوليد في أي وقت
رافقتها سمر إلى البوابة .. وما إن أصبحا بالخارج حتى رأت سيارة الوليد تقف هناك ..
ـ هاهو لقد أتى .. أراكي لاحقا
ـ أتمنى لك حظا موفقا
ركبت السيارة على الفور ثم بادرته بالسؤال :
ـ منذ متى وأنت تقف هنا ؟؟ هل تأخرت عليك ؟؟
ـ لا أبدا لقد وصلت للتو
سكت قليلا ثم تابع يسألها :
ـ كيف كان امتحانك اليوم ؟؟
ـ ليس بالجيد .. وليس بالسئ .. أعتقد أن ادائي فيه كان لا بأس به
ـ أتمنى أن تحصلي على أعلى تقدير حتى لا يضيع سهري معك هباء
ـ هههههههههههههه نعم أعتقد أنك قد تعبت مثلي إن لم يكن أكثر مني في هذه الامتحانات
ـ أنا أيضا أعتقد ذلك
سادت فترة من الصمت بينهما فازداد معه توترها وارتباكها .. لم يقطع هذا الصمت سوى صوت الأغنية المنخفض الذي ينساب من راديو السيارة .. أخذت تتفكر في كلمات هذه الأغنية .. لم تكن تلك أول مرة تسمعها فيها .. ولكنها لأول مرة تتأثر بمعانيها ..
وندهلي حبيبي جيت بلا سؤال ..
من نومي سرقني من راحة البال
أنا على دربه ودربه عالجمال
يا شمس المحبة حكايتنا اغزلي ..
أنا لحبيبي وحبيبي إلي ..
يا عصفورة بيضا لا بئى تسألي
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا
أنا لحبيبي وحبيبي إلي ..
أغمضت عينيها وهي تقول لنفسها بمرارة " أنا لحبيبي وحبيبي إلي ؟!! .. ليتها كانت بتلك البساطة يا فيروز ! "
بعد دقائق من الصمت شعرت بأن الوليد يشعر بالتوتر هو الاخر .. فقررت أن تبدأ هي بالحديث عوضا عن هذا الصمت المطبق .. ترددت قليلا قبل أن تقول :
ـ هناك أمور كثيرة علينا أن نتحدث فيها
ـ نعم علينا أن نتحدث ..
قال ذلك ثم أوقف سيارته في نفس اللحظة .. فنظرت إليه باستغراب وهي تسأله :
ـ ماذا.. لماذا توقفت ؟؟ ألن نذهب إلى البيت ؟؟
تجاهل الرد على سؤالها وعوضا عن ذلك وجدته يقول :
ـ أنا أحب هذا المكان كثيرا .. نافذتي في الشركة تطل عليه .. وكثيرا ما كنت أرتاده حينما أكون بحاجة إلى التفكير في أمور هامة في حياتي ..
ترجل من السيارة بعد أن قال ذلك فلحقت به هي الأخرى .. كانا يقفان على جسر يطل على البحر .. لقد عاشت مايقارب الست سنوات في هذه المدينة ولكنها لم يسبق لها وأن رأت مكانا فيها في غاية الجمال كهذا ..
لم يكن هناك الكثير من الناس حولهم .. وكان الهدوء يعم على المكان فلم يكونا يسمعان سوى صوت الأمواج التي ترتطم بالصخور تحتهم ..
ـ هل أعجبك المكان ؟
سألها الوليد ذلك فأجابته دون أن تنظر إليه وهي مبهورة بما حولها :
ـ إنه راااائع .. أنا أحسدك لأن شركتك تطل على مكان كهذا
ابتسم الوليد على تعليقها .. وقال لها :
ـ لم يسبق وأن رافقني أحد إلى هنا .. انتي أول من يرافقني في هذا المكان
استندا على سور الجسر وأخذا يتأملان لون البحر شديد الزرقان .. ثم سمعته يقول لها :
ـ دعينا نناقش أمورنا هنا .. هذا المكان أنسب من البيت لأنه لا يوجد سوانا هنا ..
وافقته على تلك الفكرة .. فهنا سيتكلمان براحتهم دون القلق من لمياء أو حتى خيرية ..
وجدت نفسها تقول له :
ـ لقد أنهيت دراستي يا وليد .. أصبح بإمكانك الآن أن تنفذ ما كنت تخطط له
نظرت إليه فوجدته يخفف من ربطة عنقه قليلا .. ثم نظر إليه بتعمق وهو يقول لها :
ـ أنتي تحبيني يا سارة
فاجئتها جملته كثيرا .. وشعرت كما لو أن قلبها سينتزع من مكانه من شدة خفقانه .. لم تستطع أن تنطق بشئ .. وبقيت صامتة فتابع هو يقول :
ـ أعرف أنك لم تكوني تهذين حينما أخبرتني بذلك في المستشفى .. لم تستطيعي خداعي حينما أخبرتني بأنك لا تتذكرين ماحدث .. فعينيك كانت تخبرني بعكس ذلك
تنهد بعمق قبل أن يتابع :
ـ حينما عدت إلى البيت أبحث عنك في ذلك اليوم ووجدتك غارقة في دماؤك .. كدت أن أفقد صوابي .. ورحت أتذكر كل ما فعلته معك .. أعلم أنني أسأت معاملتك كثيرا .. وأنني وجهت إليك اتهامات باطلة .. وما كنت لأسامح نفسي أبدا لو كان قد أصابك مكروه ..
سكت ليسمع منها تعليقها .. ولكنها بقيت صامتة فسألها :
ـ ألن تقولي شيئا ؟؟
وجدت صوتها أخيرا وبادرته بالسؤال :
ـ هل أحببتني يوما يا وليد ؟؟؟؟
ـ أحببتك يا سارة أكثر مما تتخيلين .. أحببتك منذ البداية ولكنني كنت لا أعترف لنفسي بذلك .. بل عوضا عن هذا وجدت نفسي أعاقبك على حبي لك !! .. ظننت أن حبي لك بمثابة الخيانة لخطيبتي السابقة نورهان .. لقد قلبتي حياتي كلها .. وبدلتي كل مخططاتي .. في السابق كنت أريد الانتقام من أجل هذا .. ولكنني الآن لم تعد تتملكني تلك الرغبة .. بل أصبحت أحمد الله على وجودك في حياتي ..
ـ هل مازلت تحب نورهان ؟؟
ـ مع كل هذا التعلق بك لم أستطع نسيانها .. لقد كانت خطيبتي يا سارة .. وكنت سأتزوجها .. قضيت معها أيام لم أستطع أن أمحوها من ذاكرتي ..
سكت قليلا وبدا أنه يحاول أن يرتب كلماته ثم تابع :
ـ ذلك الفتى الذي بدا مهتما بك كثيرا حينما أتى زملاؤك لزيارتك في المستشفى .. شعرت بأنه يهتم بك أكثر من باقي الزملاء .. الأمر الذي جعلني أشعر بالغيرة عليك !! .. أنا أخاف عليك .. وأفتقدك .. وأغار عليك .. ومع هذا كله مازلت أحب خطيبتي السابقة ….
ـ لا يمكن أن يحب القلب اثنين يا وليد ..
ـ أنتم النساء لا تتسع قلوبكم إلا لشخص واحد .. أما نحن الرجال نستطيع أن نفعل ذلك .. ربما لهذا السبب أحل لنا الشرع تعدد الزوجات ..
نظرت إليه بذهول قبل أن تسأله :
ـ هل ستجعل نورهان زوجة ثانية ؟؟؟
ـ لا أريد أن أطلقك .. ولا أستطيع نسيانها .. لذا سأطلب منها الزواج هي أيضا ..
ـ وهل ستوافق هي أن تكون زوجة ثانية ؟؟؟
ـ لو كانت تحبني فستوافق ..
ـ وماذا إن لم توافق ؟؟
ـ إذا سأحاول نسيانها مجددا .. انت زوجتي .. ولن أطلقك من أجلها .. قد أكون كنت أفكر في ذلك في السابق .. ولكن الأمور قد اختلفت الآن .. لقد أحببتك ..
ـ لقد أحببتك أنا أيضا يا وليد .. ولكنني لن أقبل بذلك .. لقد تعبت من كل هذا .. تعبت من الحياة مع رجل يحب غيري ..
ـ لكنني أحبك أيضا يا سارة !
ـ أنا واثقة من أنك لم تحبني كما أحببتها هي ..
ـ وأنا واثق من أنها لم تحبني كما أحببتني أنت .. صدقيني أنا لن أستطيع العيش بدونك .. حينما دخلتي إلى المستشفى عرفت مدى قيمتك عندي .. كنت أكره العودة إلى البيت لأنك لن تكوني موجودة فيه !! .. أصبت باكتئاب طوال اليومين اللذين كنتي غائبة فيهما عن الوعي .. شعرت بأن هناك شيئا ما ينقصني وأنني لن أتمكن من إكمال حياتي من دون هذا الشئ ..
ـ لو كنت تحبني بحق لكنت عرفت قيمتي في وجودي قبل أن تعرفها في غيابي ..
منذ بضعة أسابيع فقط كانت تفعل المستحيل لكي تقنع الوليد بالتراجع عن فكرة الطلاق .. والآن هو الذي يحاول اقناعها بالعدول عنه والاستمرار معه.. يا لسخرية القدر !
راح الوليد يخفف أكثر من ربطة عنقه ومن ثم سألها بصوت مهتز :
ـ هل حقا تريدين الطلاق ؟؟
ـ أنا أعرف جيدا ما أريده يا وليد .. ولكن هل تعرف أنت ما تريده ؟!!
ـ أريدك وأريدها ...
ـ إذا عليك أن تختار بيننا ..
ـ أتخيرينني بين الهواء والماء ؟؟؟
ـ عليك أن تختار يا وليد .. عليك أن تختار
ـ من الصعب أن أختار .. أرجوكي أن تفهمينني يا سارة
ـ إذا سأختار أنا ..
ساد الصمت بينهما .. وبدا الوليد مترددا قبل أن يقطعه بسؤاله :
ـ و ماذا ستختارين ؟؟
ـ سأختار كرامتي .. وراحة بالي .. والحياة باستقرار .. وهي أمورا لم أجدها معك ياوليد
بقي الوليد صامتا ولم ينطق بكلمة .. فتابعت تقول له :
ـ دعنا ننتهي من كل ذلك اليوم .. طلقني يا وليد .. لا أريد أن أعاني أكثر من ذلك ..
بقيت تنتظره أن يتكلم .. وراحت تتأمله وهو يشيح بوجهه عنها وينظر إلى البحر .. مضت الدقائق ببطأ .. قبل أن تجده يلتفت إليها ويتكلم أخيرا ..
ـ ليتني عرفتك قبلها .. كان الأمر سيختلف كثيرا عما هو عليه الآن
ابتلعت ريقها بصعوبة كبيرة .. وقالت له بصوت مخنوق :
ـ ياليت يا وليد .. ياليت ....
اقترب الوليد منها ليطبع قبلة دافئة على جبينها .. ومن ثم همس في أذنها بكلمة لطالما كانت تخشى سماعها منه : " انتي طالق "
هل تنهي هذه الكلمة حكايتها بالوليد ؟!!
هل بهذه البساطة تنتهي الحكايات ؟!! .. بكلمة واحدة ؟!!!
ستوثق كل ماعاشته معه على الورق .. ولكنها ستترك النهاية مفتوحة ..
فلربما لا تكون هذه هي النهاية .. ربما تأتيها البعثة التي تحلم بها في كندا .. وربما تقابله حينها هناك .. وربما يكون وقتها استطاع تحرير قلبه ليعطيه لها وحدها .. ربما وربما وربما ...
الشئ الوحيد الذي هي أكيدة تماما منه الآن .. هو أن الوليد استحق بجدارة لقب (حبيبً تحملتُ منهُ الأذى) !
" تمت "
|