كاتب الموضوع :
طمووح
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حبيب تحملت منه الأذى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى كرتون صاحب الظل الطويل ..فلم يعد هناك ماتسلي به وقتها حينما تكون قد سئمت من المذاكرة .. كانت وسيلة تسليتها الوحيدة في البيت هي الحديث مع خيرية .. التي كانت ما إن تدخل لها في المطبخ حتى تفتح معها أحاديث كثيرة تستمتع بالإنصات لها .. وأصبحت خيرية مقربة إليها كثيرا واعتبرتها كأم حنون لها ..
أما عن فحوى أحاديثها .. فتارة تحدثها عن ذكريات الزمن الجميل .. وتارة تحدثها عن طريقة صنع بعض الأكلات .. وتارة أخرى تحدثها عن عائلتها ..
فعرفت منها أن زوجها قد سافر منذ زمن ولم تعد تعرف عنه شيئا .. وتركها هي وابنتها يكافحون من أجل الحياة .. مما اضطرها إلى العمل في البيوت منذ أن كانت في الثالثة والعشرين من عمرها .. أي حينما كانت في مثل سنها ..
وقد عملت في بيوت كثيرة إلى أن استقرت أخيرا في هذا البيت .. وكان هذا بسبب عمها الذي كان كريما معها وأعطاها مرتبا لم تتخيل أنها ستحصل عليه يوما .. كما أنه تكفل بمصاريف ابنتها إلى أن تزوجت ..
وعلى الرغم من ذلك فقد كان تعامل زوجته مختلفا تماما معها .. كانت تهينها كثيرا وتفتعل دائما المشاجرات معها .. ولكنها تحملتها رأفة بعمها .. واحتراما لفضائله عليها ..
أخبرتها أيضا بأن عمها وزوجته قد انفصلا بعد عشر سنوات من زواجهما .. وانطقلت هي للعيش في كندا غير آبهة بالوليد ولمياء اللذان كانا لا يزالا صغارا .. فأصبحت خيرية كالمربية بالنسبة لهم ..
قالت لها بأن الوليد أخذ الكثير من طباع والده .. في كرمه وأخلاقه .. ولكنه اكتسب من والدته سرعة الغضب ..
أما لمياء فقد أصبحت نسخة عن والدتها في كل شئ .. وبررت ذلك إلى أنها كانت الطفلة المدللة بالنسبة لوالدها .. الذي دللها فوق ماينبغي ..و كانت دائما ما تنصحه بأن هذا الدلال الزائد سيفسد طباعها .. فكان يتعلل بأنها خسرت أمها وهي في سن صغير .. وأنه يريد أن يعوضها عن ذلك ..
تلك هي عينة من أحاديث خيرية معها .. ولا تنكر أنها في بعض الأحيان تشعر بالدوار من كثرة كلامها .. ولكنها مع ذلك كانت تستمتع به ...
في يوم السبت كان صباحا مختلفا .. حيث استيقظت على زخات المطر في الخارج .. غمرتها السعادة لأنها كانت المرة الأولى التي تمطر فيها منذ أن قدم فصل الشتاء ..
في المستشفى كان يبدو على الجميع السعادة والنشاط ..فمن منا لا يبهتج بالأمطار ؟! ..
ـ تبدين رائعة اليوم
ألتفتت لترى سمر تقف ورائها حيث كانت قد أتت للتو ..
ـ سمر !! .. أين كنتي ؟ قلقت عليكي كثيرا حينما لم تأتي للمحاضرة في الصباح .. لماذا لا تجيبين على هاتفك ؟؟
ـ كنت نائمة .. لم أستطع أن أترك البطانية والسرير في الصباح الباكر وفي هذا الجو ..
ـ لا أصدق ! .. تضيعين المحاضرة من أجل النوم !
ـ لن أضيعها .. سأعوضها مع مجموعة أخرى
ـ الناس يتسابقون للنزول في وقت المطر وانت تتجاهلين هذه الفرصة
ـ ها أنا قد نزلت في وقت المطر .. لازال مستمرا حتى الآن
بدأت سمر بخلع معطفها للتمكن من ارتداء البالطو .. فبادرتها بالقول :
ـ يبدو رائعا جدا عليك ..
ـ لقد اشتريناه معا في ذلك اليوم .. ألا تذكرين ؟
ـ بلى تذكرت .. ولكنه عليكي يبدو أجمل بكثير
ـ ههههههههه لا تبالغين ..لست بنفس نحافتك لذا لا تناسبني كثيرا ملابس الشتاء مثلك .. تشعرني بأنني أكثر بدانة
ـ بل تناسبك كثيرا .. لا تحاولي أن تكوني متواضعة
توقفا عن الحديث حينما قام الطبيب الذي يدربهم بالنداء على المتدربين .. فانضموا إلى باقي زملائهم وتعقبوه إلى غرفة أحد المرضى ...
و بعد انتهاء تدريبهم كانت الساعة تقترب من الثالثة عصرا .. وكان عليهم العودة إلى الجامعة لاستكمال محاضراتهم ..
أثناء سيرهم باتجاه المصعد .. سمعت صوتا تألفه ينبعث من وراء إحدى الستائر حيث كانا في قسم الطوارئ .. كان الضجيج يعم المكان ولا تعرف كيف ميزت هذا الصوت وسط تلك الجموع كلها .. ولكن كيف لا تميزه ؟ وهي تعرف هذا الصوت حق المعرفة .. إنه صوت لمياء !
ـ كفي حماقة لن يكون من الظريف أن تفتحي الستارة لتختلسي النظر إلى مريض ما .. ثم ما الذي سيأتي بلمياء إلى هنا
هكذا قالت لها سمر حينما حدثتها بأفكارها في محاولة لمنعها من فتح الستارة ..
راحت تقترب أكثر من الغرفة غير آبهة باعتراضات سمر .. صحيح ستكون في موقف محرج إن لم تكن لمياء هي التي بالداخل .. ولكنها وجدت أن الأمر يستحق المخاطرة ..كان الصوت غاضبا ومرتجفا .. هي واثقة من أنه يعود للمياء .. فمازال صوتها أثناء حديثها الطويل في الصباح مع الوليد يرن في أذنيها ..
فتحت الستارة قليلا ومدت رأسها لتتمكن من رؤية من بالداخل .. لتجد لمياء تجلس أمامها على السرير وأنفها ينزف بشدة وعلى جانبها يقف الطبيب والممرضة تحاول وقف النزيف ..
لم تستطع الوقوف في مكانها أكثر فدخلت بطريقة فاجئتهم وتحدثت بفزع :
ـ يا إلهي لمياء ماذا حدث لك ؟؟
وهنا دفعت لمياء الممرضة التي كانت تحاول إيقاف نزيفها ثم أجهشت بالبكاء وصرخت فيها :
ـ اتصلي بالوليد .. أريده أن يأتي حالا
ردت عليها وهي تحاول تهدئتها :
ـ حسنا حسنا .. سأتصل به حالا .. ولكن أهدئي ودعي الطبيب يساعدك
أجابتها لمياء بنفس نبرة الصراخ :
ـ هذا ليس من شأنك .. اتصلي بالوليد وحسب
خرجت أخيرا من عندها وأمسكت بهاتفها لتتصل بالوليد .. لم تكن تشعر بالانزعاج من صراخ لمياء فيها .. فمنظرها والدماء تسيل من أنفها آثار شفقتها بالفعل ! ..
سألتها سمر غير مصدقة :
ـ هل كانت هي حقا ؟!
أومأت لها بالإيجاب .. كانت تستمع لصوت جرس الهاتف الذي يرن .. لا تذكر أنها اتصلت بالوليد على هاتفه من قبل .. وهو ما زاد شعورها بالارتباك..
ـ ولكن ما الذي أتى بها إلى هنا ؟
ـ لا أعرف .. تبدو قد تعرضت لحادث ما .. تعاني من نزيف في أنفها
وبعد عدة ثواني أجاب الوليد أخيرا قائلا :
ـ نعم يا سارة
كان صوته هادئا جدا .. ولكنها مع ذلك استمر شعورها بالتوتر والارتباك .. تمنت لو أنها فكرت في الطريقة التي ستخبره بها الأمر قبل أن تتصل .. ولكن فات الأوان .. أخذت تتلعثم وهي تقول له :
ـ و..وليد .. انني هنا في المستشفى .. و لـ .. مياء .. إنها .. كـ ......
توقفت عن الكلام وهي لا تعرف كيف تصيغ كلامها .. فتكلم هو بنبرة تدل عن نفاذ الصبر :
ـ أنا لم أفهم شيئا يا سارة !
ـ إنني .. في الحقيقة إن لمياء هنا في المستشفى .. تريدك أن تأتي .. يبدو أنـ...
قاطعها الوليد قبل أن تكمل كلامها وسألها بقلق :
ـ مابها لمياء ؟ لماذا هي في المستشفى ؟؟
بدا أنه قد استوعب ما كانت تريد قوله .. وقبل أن تجيبه استطرد يسألها مرة أخرى بسرعة :
ـ في أي مستشفى أنتما ؟؟
ـ المستشفى العام التي أتدرب فيها ..
أغلق الوليد الخط قبل أن تنطق بكلمة أخرى .. لم تخبره حتى بالعنوان .. ولكنها واثقة من أنه يعرفه فلا أحد يعيش هنا ولا يعرف عنوان المستشفى العام ..
أخبرتها سمر بأنها ستنتظر معها .. ولكنها اعترضت وأخبرتها بأنه لا علم لديها إلى متى ستبقى هنا وقد تفوت المحاضرة .. وإذا كانت تريد مساعدتها فعليها أن تحضرها هي حتى تساعدها في فهمها في وقت لاحق ..
وأخيرا اقتنعت سمر وانصرفت بعد أن أكدت عليها بأن تتصل بها وتطمئنها بما سيحدث معها ..
لم تكن تعرف إلى متى ستظل في المستشفى .. ولكنها كانت متأكدة أن عليها أن تبقى على الأقل حتى يأتي الوليد .. ولم تمضي ربع ساعة على انتظارها حتى رأته يخرج من المصعد .. فلوحت إليه بيدها حتى يراها .. وما إن رآها حتى توجه إليها بسرعة وسألها :
ـ أين هي ؟؟
أشارت إلى الغرفة فاندفع نحوها بسرعة وراحت هي بدورها تلحق به .. لم يسبق لها أن رأته خائفا وقلقا بهذه الطريقة .. ولكنها اكتشفت أنه حتى في قلقه يكون وسيما !!
حينما دخلا إلى حيث كانت لمياء .. كانت لا تزال تجلس على السرير ممسكة بقطعة من القطن غارقة بالدماء تضغط بها على أعلى أنفها .. وما إن رأت الوليد حتى عادت إلى البكاء وقالت له :
ـ ولييد .. انظر ماذا حدث لي
راح الوليد بجانبها واحتظنها محاولا تهدئتها وقال لها :
ـ حسنا كفي عن البكاء .. أنا هنا معكي
ثم ألتفت إلى الممرضة التي كانت لا تزال واقفة وسألها :
ـ ماذا حدث لها ؟
ـ أحظرها زملائها في الجامعة إلى هنا ويبدو أنها قد اصطدمت بشئ حاد في....
خرجت من عندهم وهي لم تعد تطيق البقاء .. شيئا ما يزعجها .. أخذت تحاول معرفته وهي تنتظر في الخارج .. إن الأمر لا يحتاج كل هذا الكباء .. القصة كلها جرح بسيط .. هذا ما طرأ على ذهنها .. وهي منزعجة بسبب شعورها أن لمياء فتاة مدللة تحاول أن تلفت نظر الوليد ليس إلا ..
ولكنها سرعان ما عادت تلوم نفسها على تلك الفكرة .. "لا تكوني شريرة" هكذا قالت لنفسها فهي لا تعرف بماذا تشعر لمياء الآن إثر ذلك الحادث .. ربما الجرح مؤلما فعلا .. تبادر إلى ذهنها أيضا تساؤولا .. هل كانت ردة فعل الوليد ستكون نفسها إن كانت هي مكان لمياء الآن ؟!!
انتابها الإحباط وهي تفكر في ذلك .. لأنها لا تعرف إن كان سيأبه لها أم لا .. وسرعان ما لامت نفسها من جديد على تفكيرها بتلك الطريقة .. فلماذا لا تتوقف عن التفكير بشعور الوليد تجاهها ؟!!
ـ لماذا انتي مازلتي هنا ؟؟
انتفضت في مكانها حينما قطع صوت الوليد أفكارها .. مما جعله يلاحظ ذلك فانتابها الخجل ..
ـ كنت أظنك ستكون ممتنا لذلك
قالت هذا وهي لا تعرف مالسبب الذي تعطيه له مبررا لانتظارها هنا .. كان عابسا جدا وهو ينظر إليها .. ولو لم تكن تعرف بأمر لمياء لظنت أنه غاضبا منها ..
تابعت تقول له :
ـ لا أظن أن هناك جدوى من بقائي الآن مادمت قد أتيت .. سأذهب إلى الجامعة فلدي محاضرة الآن ..
هم ليتكلم ولكنه توقف حينما رن هاتفه .. فأجاب عليه وابتعد عنها ليتمكن من الحديث .. ولكنه لم يبتعد كثيرا فاستطاعت سماعه .. ما فهمته أنه يكلم شخصا ما في العمل ويخبره بأنه قد لا يعود إلى الشركة اليوم .. ولم تهتم بمتابعة بقية المكالمة حيث أكمل بقية حديثه عن أمور تتعلق بالعمل ..
حينما انهى مكالمته عاد إليها وهو يقول :
ـ أنا ذاهب إلى المنزل سأحضر بعض الأشياء للمياء وأعود مرة أخرى
ـ إلى متى ستبقى لمياء هنا ؟
ـ أخبرني الطبيب بأنها ستبيت الليلة هنا .. يمكنك الذهاب إلى محاضرتك الآن .. لا أظن أن هناك مايستدعي وجودك .. كما أني لا أظن أن لمياء سترحب ببقائك معها ..
همت لتسأله إن كان سيوصلها في طريقه ولكنه لم يعطيها فرصة وانصرف من أمامها .. هل يعقل أن ينصرف ويتركها هكذا ؟!!.. ظلت واقفة في مكانها تراقبه وهو على بعد عدة خطوات منها و يقف أمام المصعد بانتظار وصوله .. وما إن انفتح باب المصعد حتى ألتفت إليها قائلا :
ـ لا تقفي وتحدقي بي هكذا .. تعالي إن كنتي تريدين أن أوصلك في طريقي !
دخل إلى المصعد دون حتى أن ينتظر تعليقا منها .. وهنا استوعبت ما قاله لها فأسرعت نحو المصعد لتلحق به وتمكنت من دخول المصعد قبل أن ينغلق بابه ..
في السيارة شعرت بالسعادة لأنه اهتم لأمرها أخيرا وقرر توصيلها ..
لم ينطق بكلمة طوال الطريق وبدا واضحا جدا أن باله مشغول بلمياء .. وشعرت بأن لمياء محظوظة جدا .. لأنها تلقى كل هذا الحب من الوليد !
استمرا على هذا الوضع من الصمت حتى سمعا فجأة صوت فرقعة شيئا ما في السيارة .. وبعدها أخذت السيارة تهتز بطريقة أخافتها .. فسألته بذعر :
ـ ما هذا ؟! ما الأمر ؟! ماذا يحدث ؟؟ ماذاا ؟؟
استطاع الوليد أن يحكم سيطرته على السيارة واستطاع أن يوقفها أخيرا على جانب الطريق ..
ولكنها ظلت تسأله ذعر حتى صرخ فيها قائلا :
ـ هلا سكتي قليلا !!
خرج من السيارة على الفور ليتفقد الأمر .. أما هي فقد ظلت تراقبه من داخل السيارة وهي تحاول أن تستعيد هدوئها .. ولكن لم تمضي ثواني حتى لحقت به وهي تشعر بالفضول لمعرفة ماذا حدث ..
حينما نزلت وجدته يتأمل العجلة الخلفية للسيارة التي كانت قد تهشمت بالكامل .. فعرفت أن صوت الفرقعة الذي سمعاه يعود لتلك العجلة ..
ـ تبا .. تبا .. تبا
هتف الوليد بذلك وبدا أنه سينفجر من الغضب .. وراح يركل السيارة برجله وهو يقول :
ـ هذا ماكان ينقصني
لم تجرؤ على التفوه بأي كلمة حتى ولو كانت لتهوين الأمر عليه .. فهي تدرك أنها لن تبقى على وجه الأرض إن تحدثت إليه الآن وهو في هذه الحالة ..
بعد أن أفرغ جام غضبه في ركل السيارة توجه إلى الحقيبة الخلفية وأخرج منها علبة غيارات ثم خلع سترته وجثا على ركبتيه عند العجلة ليبدأ في فكها .. واستغرق في ذلك الكثير من الوقت وقد بدا أنه لم يقوم بتلك المهمة في حياته من قبل ..
نظرت هي إلى ساعتها فوجدتها تشير إلى الرابعة والنصف .. لقد بدأت محاضرتها منذ نصف ساعة وبعد ماحدث الآن فقدت الأمل تماما في أن تلحقها .. كان المكان الذي يقفان فيه شبه خاليا من السيارات .. فلم يكن أمامها حتى خيار أن تأخذ تاكسي ليوصلها .. وحتى لو كان هذا متاحا فلم تكن لتفعل ذلك .. لن تتركه وحده في هذا الموقف تريد أن تتحمل المسؤولية معه ..
ـ احضري لي العجلة الموجودة في الحقيبة الخلفية
أمرها بذلك دون حتى أن ينظر إليها حيث كان منشغلا بفك العجلة .. وعلى الرغم من أنه لا يزال غاضبا إلا أنها تجرأت على الكلام وسألته باندهاش :
ـ أنا ؟!!
ـ وهل يوجد أحد غيرك هنا ؟!!
لم تصدق ما يطلبه منها ولكنه ليس أمامها سوى تنفيذ أوامره حتى لا يركلها كما فعل بالسيارة !!
توجهت إلى الحقيبة الخلفية فوجدت فيها عجلة إضافية .. فأخذت تفكر في كيفية حملها .. هي لم يسبق لها وأن تعاملت مع تلك الأمور ..
أخذت نفس عميق ثم أمسكت بالعجلة وما إن حاولت حملها حتى أدركت أن الأمر ليس بتلك السهولة .. كانت أثقل مما تتوقع .. ومع ذلك لا خيار أمامها .. فراحت تسحبها من الحقيبة حتى تمكنت بعد مجهود جبار من أن تضعها على الأرض ..
بدا الأمر أكثر سهولة والعجلة على الأرض حيث قامت بدحرجتها إلى أن وصلت إليه .. تناولها منها وراح يثبتها مكان العجلة الأخرى .. واستمرت هي بمراقبته ..
ـ هل ستقفين وتتفرجي علي طويلا ؟! .. تعالي وساعديني حتى ننتهي قبل المغرب
كان كلامه أمرا وليس طلبا .. لذلك أستجابت له مضطرة دون أن تناقشه .. أعطاها مفكا وتابع عمله دون أن يخبرها حتى عن الطريقة التي تعمل بها .. ولكن الأمر لم يكن معقدا .. راحت تراقب ما يفعله وتفعل مثله ..
كانا منهمكين في العمل حينما رفعت رأسها فجأة لتصطدم جبهتها بجبهته ..
مما أدى إلى تلقيهما ضربة قوية فعبس كلا منهما من الألم ..
ـ تبا لك ..
هتف بتلك الكلمة وأخذ يحدق فيها غضبا وشعرت بأنها كما لو تكن قد صبت الزيت على النار !!
ـ لا تنظر إلى هكذا .. أنا لم أقصد ذلك
ـ وكم ضربة لا تقصدينها على أن أتلقاها منك ؟!! .. هل توعدتي في نفسك منذ أن تقابلنا أن تجربي مواهبك القتالية علي !
تملكتها رغبة في الضحك من كلامه الساخر منها وفي نفس الوقت احمر وجهها خجلا وهي تتذكر مقابلتهما الأولى .. وما ارتبكته فيها من حماقة حين هجمت عليه في الظلام لظنها أنه لصا وما أسفر عن ذلك من خدوش في وجهه لم تختفي إلا بعد عدة أيام من زواجهما ..
أخرجها الوليد من أفكارها حينما سمعته يقول :
ـ أنا لا أعرف كيف استطعت تحملك إلى اليوم !
ـ حقا لا تعرف ؟! عليك أن تحمد الله أنني أنا من أتحملك الآن ! .. لو كنت امرأة أخرى لكنت قد تركتك من البداية تصلح السيارة بمفردك وذهبت أنا لألحق بمحاضرتي ..
ـ إذا حمدا لله .. زوجتي امرأة مخلصة جدا لي .. ضحت بمحاضراتها من أجلي !
كان واضحا أنه يسخر منها و تابع يقول لها بتهكم :
ـ ولكنني قد لا أكون أبادلك نفس الإخلاص .. إذ إنني اتسائل في نفسي ماذا سيحدث لو تركتك هنا وذهبت دون أن آخذك معي .. لا بد وأنني سأرتاح منك قليلا
ـ بل أنا من سأشعر بالسعادة لأنني سأكون قد أرتحت من غرورك وتغطرسك ..
كانا قد انتهيا من تركيب العجلة في ظل مشاجرتهما الكلامية تلك .. فنهضا من الأرض وقاما بغسل يديهما بالماء من القارورة التي كان يحتفظ بها في السيارة ..
وبعد أن انتهى هو من غسل يديه سلمها القارورة وتوجه إلى داخل السيارة .. فارتبكت وهي تفكر في أنه قد ينفذ كلامه ويتركها هنا .. لقد أبدت له لا مبالاتها بذلك .. ولكنها في داخلها خائفة إذ لا يوجد حولها سوى شارعا خاليا سوى من الأشجار التي توجد على جانبي الطريق ومن بعض السيارات المسرعة .. وما يزيد الأمر سوءا أن الشمس قد اقتربت من المغيب ..
وهنا سارت بسرعة نحو السيارة حتى أنها لم تكمل غسل يديها جيدا .. ثم فتحت الباب وركبت .. كانت أنفاسها متسارعة لما تملكها من خوف من احتمال تركه لها هنا ..
حينما ألتفتت إليه لم ترى سوى جانب وجهه ولكنها تفاجئت وقد لاحظت عليه ابتسامة خفيفة وبدت غمازاته واضحة !!
يبدو بأنه قد أحس بخوفها وعرف أنها صدقت كلامه ..
حسنا إذا .. لقد غلبها هذه المرة .. ولكن من المؤكد أن هنا جولات أخرى ستحدث بينهما .. وستسعى لأن تتغلب عليه في أحداهما !
|