كاتب الموضوع :
طمووح
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حبيب تحملت منه الأذى
( 9 )
أَلاَ حَبّذَا .. حَبّذَا .. حَبّذَا
...........................حَبِيْبٌ تَحَمَّـلْتُ مِنهُ الأَذَى
وَيَا حَبّذَا مَنْ سَقَانِي الجَوَى
...........................ونَبْضاً مِنَ الحُزْنِ مِنْهُ اغْتَذَى
غَـذَاهُ بِدَمْعٍ وقَلْبٍ بَكَى
...........................عَلَى غُصْنِ رُوحٍ تَبُثُ الشَذى
تَرَاءَى لِعَيْنِي سَنَا عَيْنِهِ
...........................وَهَلَّتْ عُيُـونِي: أَلاَ حَـبّذَا
تَمَلَّكَ مِنِّيْ سَلِيلُ الوِدَادْ
...........................وقَلْبـيْ تَبَنّاهُ واسْـتَحْوَذَا
حَبِيبٌ .. قَرِيبٌ لِنَبْضِيْ أنَا
...........................فَلَسْتُ لِـذَاكَ ولَسْتُ لِـذَا
سَقَانِي العَمَى عَنْ هَوَى غَيْرِهِ
...........................كَأَنْ بِعُيُونِ الفُـؤَادِ قَذَى
وَمَا خِفْتُ مِنْ وَصْلِهِ وَالرَدَى
...........................وَلا مِنْ عَذُولٍ رَمَى مَأخَذَا
وَمَا خِفتُ مِنْ غَدْرهِ إنّمَا
...........................تمنّيتُ حَتى بُكـاءِ الأَذَى
تَمَـادَيتُ فِي حُبّه بَعْدَمَا
...........................تغنّى الرَّحِيـلُ لَهُ هَـكَذا:
أَلاَ حَبّذَا .. حَبّذَا .. حَبّذَا
...........................حَبِيْبٌ تَحَمَّـلْتُ مِنهُ الأَذَى
بَكَاهُ فُؤَادِيْ وَلَيْلُ الهَوَى
...........................بَكَتهُ الأَمَانِي وشوقٌ هَذَى
وَضَاعَتْ دُرُوبِيْ وَضَيّعْتُهْ
...........................وخَطْوِ الفُؤادِ خُطاهُ احْتَذَى
تَظَـاهَرْتُ أَنّيْ تَنَاسَيْتُهُ
...........................وَأَنّ الحَنِينَ لهُ اُسْـتُنْفِذَا
فَغنّى فُؤَادِيْ وَنَادَى الهَوَى
أَلاَ حَبّذَا .. حَبّذَا .. حَبّذَا
...........................حَبِيْبٌ تَحَمَّـلْتُ مِنهُ الأَذَى
عمر ابن أبي ربيعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
ما كل تلك الضجة من حولها ؟!! ..
لماذا لا يكفون عن الحديث قليلا ؟!! .. أو على الأقل لما لا يخفضون صوتهم قليلا ؟!!
لما يصرخون هكذا وكأن الأمر بالنسبة لهم حياة أو موت ؟! ..
ومن يدري .. قد يكون الأمر هكذا بالفعل .. ولكن ما شأنها هي بذلك .. فليبتعدوا من حولها .. وليدعوها ترحل بسلام !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
أول مابدأت تشعر به هو تلك اليد الدافئة التي تربت على شعرها .. كان ذلك يشعرها بالأمان .. وتمنت أن تظل تلك اليد تربت عليها حتى تعاود النوم مرة أخرى .. ولكن لم يتحقق ما كانت تتمناه ..
ارتفعت فجأة تلك اليد من فوق رأسها .. مما جعلها تنزعج .. ففتحت عينيها مضطرة لتبدأ في استكشاف معالم ما حولها ..
أول ما لفت انتباهها هو ذلك الكيس المعلق فوقها والمملوء بالدم .. كانت تمتد منه أنبوبة لتتصل بيدها اليمنى .. ففهمت أنه يتم نقل دم إليها .. وفي نفس اليد أيضا كان كفها متصلا بأنبوبة أخرى تصلها بكيس يحتوي سائلا شفافا .. لابد من أنه مغذي .. لقد تعاملت مع تلك الأشياء كثيرا أثناء تدريبها في المستشفى ..
أشد ما كان يزعجها في كل ذلك هو أنبوبة الأكسجيت تلك المتصلة بأنفها .. حولت رأسها قليلا لناحية اليسار لترى مصدر الحديث الذي يأتي من تلك الجهة ..
فكانت تقف أمامها امرأة شابة غير محجبة .. عرفت من ملابسها أنها ممرضة .. كانت تتحدث مع شخص يقف أمامها .. لا ترى هي منه سوى ظهره .. ولكنها عرفت بحدسها أنه الوليد !
لم تكن تفهم شيئا مما يقولاه .. ربما لأنها لم تستعيد كامل تركيزها بعد .. ولكنها أحست بألم ينخر في رقبتها .. نتيجة للحركة البسيطة التي قامت بها حينما ألتفتت لهم ..
لم تستطع أن تكتم ألمها فتأوهت بصوت واهن .. وهنا خيم الصمت على الغرفة .. حيث أن الوليد والممرضة توقفوا فجأة عن الحديث ما إن سمعوا صوتها .. وقاموا بالاقتراب منها .. وما إن تبينوا من أن عينيها نصف مفتوحة حتى هتفت الممرضة بصوت مزعج :
ـ لا أصدق ..لقد استعادت وعيها
جثى الوليد على ركبتيه بجانب سريرها وقال بصوت بدا عليه التأثر :
ـ حمدا لله .. لقد افقتي أخيرا
تكلمت الممرضة بسرعة جعلتها لا تعي تماما ما تقوله .. ولكنها حينما اندفعت مسرعة إلى خارج الغرفة فهمت أنها ستذهب لإحضار الطبيب..
كانت تجد صعوبة في القيام بأي حركة .. فأخذت تعقد جابيها من شدة الصداع والألم الذي تشعر به في كل مكان في جسمها ..
فوجدت الوليد يسألها :
ـ هل انتي بخير ؟ .. هل تتألمين ؟؟
وبصعوبة تمكنت من الحديث .. فسألته بصوت أنهكه الألم وكأنها تهمس :
ـ أنا في المستشفى ؟؟
ـ نعم .. انت في المستشفى منذ يومين
كان صوته فرحا .. وكأنه ارتاح لسماع صوتها أخيرا ولم ينتبه للحيرة التي انتابتها من مضمون ما قاله .. وراودتها تساؤلات أكثر .. فتابعت تسأله :
ـ ولكن .. ما الذي حدث معي ؟؟
وهنا رأته يقطب في قلق وهو يسألها :
ـ انت لا تذكرين ماحدث معك ؟؟؟
ـ أنا .. أنا كنت .. كنت ...
كان يومأ لها برأسه محاولا تشجيعها على التذكر .. ولكنها قالت أخيرا :
ـ أنا لا أذكر سبب مجيئي إلى هنا !!
انزعجت كثيرا لعدم تذكرها شيئا مما قد حدث .. فابتسم لها الوليد ليطمئنها وقال لها :
ـ حسنا لا ترهقي نفسك بالتفكير في ذلك .. يبدو أنك قد وقعتي من فوق السلم أو ما شابه ذلك .. ولكن هذا لا يهم .. مايهم الآن هو أنك بخير
أقلقتها فكرة أن تكون قد وقعت من على السلم .. ووضعت يديها اليسرى بصعوبة على بطنها وأخذت تتحسسها في ذعر .. رغم الألم الذي شعرت به إلا أنها استمرت تتحسسها .. وبدأ يساروها الشك .. فماكانت تشعر به من قبل حينما تتحسس بطنها لم تعد تشعر به الآن .. لم تعد تشعر بذلك الارتفاع البسيط في بطنها ..
بدا أن الوليد فهم مايدور في ذهنها .. فنهض من فوق ركبتيه وقال لها بارتباك :
ـ سأذهب لأرى لماذا لم يأتي الطبيب بعد
هم لينصرف ولكنها استوقفته حينما سألته بصوت مرتجف :
ـ هل فقدت الجنين ؟؟
شعرت بالدموع قد أغرقت عيناها حتى قبل أن تسمع منه الاجابة .. ورأته يربت على جبينه بتوتر ثم قال لها بتلعثم :
ـ إنه فقط .. أقصد أنه .. أنه .......
كان يحاول جاهدا أن يجد مايقوله لها ..ولكنه توقف عن الكلام فجأة وكأنه قد شعر بأنها لاحظت أنه يحاول اختلاق كذبة .. وظل صامتا .. فسألته من جديد ولكن هذه المرة كانت تعرف الاجابة :
ـ هل فقدت الجنين .. ياوليد ؟؟؟
كان صوتها كالهمس .. ولولا أنه يقف ملاصقا لسريرها لما كان سمعها .. وأخيرا سمعته يجاوبها مستسلما :
ـ لقد كان حادثا قويا .. كنت في حالة سيئة جدا حينما أحضرتك إلى هنا .. عانيت من نزيف داخلي .. الأمر الذي تسبب في إجهاضك ...
كان وقع اخر كلمة نطقها كوقع السيف عليها .. شعرت بأن قلبها سيتمزق من الألم ..
أغمضت عينيها لتتهرب من رؤية واقعها المرير .. وشعرت بدموعها الحارة وهي تنهمر على خديها ..
راحت تجاهد نفسها لتتكلم وهي تقول له :
ـ لقد تحقق مرادك أخيرا ياوليد .. رحل الطفل الذي تسبب في تعاستك حتى قبل أن يولد .. ألم يكن هذا ماتريده ؟!
لم تستطع أن تفتح عينيها لترى وقع كلماتها عليه .. ولكنها سمعته يقول لها :
ـ سارة أرجوكي لا تقولي هذا ..
تجاهلت عبارته وتابعت تقول :
ـ لا بد من أنك سعيد الآن ..
لم تجد القوة لتقول أي شئ اخر بعد تلك الجملة .. فقد أنهكها الألم .. الألم الذي ينخزها من كل مكان في جسمها .. ولكن هذا الألم لا يساوي شيئا بجانب الألم الذي تشعر به في قلبها ..
لقد انتهى كل شئ كان يربطها بالوليد .. حتى طفلها منه .. مات قبل أن يولد !! .. أي حب هذا الذي يجعلها تتذوق كل ذلك الألم ؟!!
في تلك اللحظة تمنت بالفعل لو أنها رحلت هي أيضا مع طفلها .. ربما كان ذلك الخلاص الوحيد لها من كل ذلك الألم الذي تشعر به الآن ..
استمرت دموعها تنهمر بغزارة وبصمت ..
لم تعد تقوى على تحمل كل هذا .. ولم تكن تقوى حتى على أن تفتح عينيها لتستدرك مايحدث حولها .. ولكنها أدركت بحدسها أن الغرفة لم يعد فيها الوليد فقط .. وسمعت صوت رجلا يأتي من جانبها ويسألها :
ـ هل تشعرين بالألم سيدة سارة ؟ .. هل تحتاجين لمسكن ؟؟
ادركت أن هذا الصوت يعود للطبيب .. ولكنها تجاهلت سؤاله .. فهي لا تدري عن أي ألم تخبره .. ألمها الذي تشعر به في كل مكان في جسمها .. أم ألمها النفسي ..
وحينما لم يجد الطبيب منها ردا راح يسألها من جديد :
ـ سيدة سارة .. هل تسمعينني ؟؟
وعوضا عن أن تجيبه وجدت نفسها تهمس بعبارة مخنوقة :
ـ ليتني مت مع طفلي أنا أيضا ...
استمر الطبيب بالحديث ولكنه لم يعد يوجه كلامه لها .. وهي بدورها لم تفهم ما يقولونه من حولها .. ولكنها كانت تستطيع أن تميز بين أصواتهم .. لم يكن أحدهم يوجه لها أي كلمة بل كان الحديث يدور بينهم ..
بعد دقائق .. شعرت بأحدهم يمسك بيدها اليمنى .. ثم شعرت بسائل بدأ يجري في وريدها من خلال صمام المغذي .. وشعرت بتلك اليد الدافئة تربت على شعرها من جديد .. فأدركت هذه المرة أن تلك هي يد الوليد بلا شك ..
وشيئا فشيئا لم تعد تشعر بما يدور حولها …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
حينما فتحت عينيها مرة أخرى .. لم يكن هناك أحدا في الغرفة غيرها .. فأخذت تتأمل الغرفة لأول مرة .. وتسائلت عما إذا كانت هذه هي نفسها المستشفى التي تدرب فيها ..
فإذا كانت قد وقعت بالفعل في الفيلا فلا شك أنهم سيأتون بها إلى هنا .. لأن تلك هي أقرب مستشفى لهم ..
ولكن طراز الغرفة لم يكن من النوع الذي دخلته من قبل .. فلا يوجد سوى سرير واحد بالغرفة .. على عكس الغرفة الأخرى التي تضم سريرين .. كما إن هذا الكنب لم تراه في أي غرفة من قبل ..
قد تكون تلك بالفعل هي المستشفى التي تدرب فيها .. ولكنها في جناح خاص على أغلب الظن ..
كانت أنبوبة الأكسجين لا تزال متصلة بأنفها .. ولا يزال المغذي متصلا بيدها .. ولكن لم يكن هناك كيس دم كما في السابق ..
وهنا سمعت صوت باب الغرفة وهو يفتح .. ثم يقوم من دخل بإغلاقه ببطأ كي لا يزعجها .. وتبين لها أن الداخل هو الوليد .. الذي لاحظ بعد أن التلفت إليها أنها قد استيقظت .. فقال بنبرة مرحة :
ـ اها .. وأخيرا استيقظت الأميرة النائمة ..
ثم سحب كرسي وقربه من سريرها ليجلس عليه بالقرب منها وتابع يقول :
ـ لم أكن أعلم أنك تعشقين النوم إلى هذه الدرجة ..
انتابها الخجل من وصفه لها .. فسألته في محاولة منها لادراك الأمور من حولها :
ـ كم الساعة الآن ؟
نظر إلى ساعة يده قبل أن يجيبها :
ـ إنها الثانية بعد الظهر
فتابعت تسأله :
ـ وأي يوم نحن ؟؟
ـ اليوم هو الثلاثاء ..
كان يبتسم لها بلطف دون أن يسخر منها على غير عادته !! .. مما شجعها على أن تسأله أكثر :
ـ في أي يوم أتيت إلى هنا ؟؟
ـ انت هنا منذ يوم السبت .. ولكنك لم تستعيدي وعيك إلا في مساء الأمس .. آمل أنك تذكرين ذلك ..
وهنا وجدت نفسها تسأله في دهشة :
ـ هل بقيت غائبة عن الوعي طوال يومين ؟!!
ـ الحمد لله أنهما مجرد يومين .. أخبرنا الطبيب أنك في غيبوبة وأن الأمر قد يطول ..
قطبت بجبينها وهي تفكر أن وضعها كان بهذا السوء كله .. وهنا وجدته هو من يسألها :
ـ هل مازلتي لا تذكرين ماحدث معك ؟؟
ـ لا أذكر أي شئ
بدا عليها الانزعاج من ذلك .. فقال مخففا عنها :
ـ أخبرني الطبيب أن هذا طبيعي في مثل حالتك ..
ـ هل يمكنك أن تذكرني بآخر شئ حدث بيننا يوم السبت ؟
أجابها الوليد متفهما :
ـ كنا في الصباح .. وأخبرتني أنك قد أعددتي الفطور لأن خيرية كانت تقضي هذا اليوم مع ابنتها ..
سكت حينما رآها تومأ برأسها بالإيجاب وقالت :
ـ نعم نعم .. تذكرت ذلك الآن .. حتى أن خيرية كانت تريد أن تبقى مع ابنتها ليلتين ولكنك لم تأذن لها سوى بليلة واحدة ..
ـ هذا رائع .. وهل تذكرين أيضا أين كانت لمياء ؟؟
فقطبت من جديد قبل أن تسأله :
ـ ومن تكون لمياء ؟!!!
اتسعت عينا الوليد من سؤالها .. وبدا أنه قد صعق منه .. فأجابها بذهول :
ـ لمــ .. لمياء .. أختي لمياء ؟؟ .. هل يعقل أنك لا تذكرينها ؟!!!!!
أخذت تقلب الاسم في رأسها .. وراحت تفكر بصوت مرتفع :
ـ لمياء .. لمياء .. أختك لمياء .. لا يبدو الأمر غريبا علي .. ولكنني لازلت لا أذكرها !!
وهنا وجدت الوليد يخرج هاتفه من جيبه في ذعر ثم فتحه بسرعة ليريها صورة للمياء ..
ـ هاهي صورتها .. انتي تعرفينها جيدا !!
أطلقت شهقة دهشة قبل أن تقول له :
ـ تقصد تلك الفتاة المغرورة المتكبرة !! .. هي تكون أختك !! .. اها لقد تذكرتها ....
ظل الوليد يتأملها قليلا قبل أن ينفجر من الضحك .. راح يضحك طويلا حتى أن عينيه قد دمعتا من شدة الضحك ! .. ثم تكلم بصعوبة من بين ضحكاته وقال لها :
ـ هل تكرهين لمياء لتلك الدرجة التي تجعلك لا تريدين تذكرها .. هههههههههههههههههههههه .. لا أصدق كيف يحدث ذلك .. ههههه لو كنت في حالة تسمح لما كنت قد تغاضيت عن وصفك لأختي بالمغرورة والمتكبرة ..
ـ ومتغطرسة أيضا .. ماذا هل أنا مخطأة ؟!!
ـ حسنا .. سأتغاضى عن رأيك فيها .. المهم هو هل تذكرين أين كانت لمياء في ذلك اليوم ؟؟ .. ألا تذكرين أنها كانت في ....
قاطعته بسرعة قبل أن يكمل كلامه وقالت :
ـ رحلة .. كانت في رحلة .. وكنت أنا وأنت بمفردنا في البيت .. وكان لدي في صباح يوم السبت تدريبا في المستشفى ..
تكلم الوليد محاولا مساعدتها في التذكر أكثر :
ـ نعم حتى أنك طلبتي مني أن أوصلك في طريقي ولكني رفضت ذلك لأنني كنت في عجلة من أمري ..
ـ نعم تذكرت ذلك أيضا .. كل ما تقوله أتذكره .. ولكني لا أذكر ماحدث بالضبط بعد ذلك .. إن كنت قد وقعت من على السلم فلا بد من أنني كنت أنوي النزول إلى الأسفل .. ربما لتناول الفطور وربما للخروج ..
سكتت قليلا قبل أن تتابع:
ـ للأسف لا أتذكر تفاصيل ما حدث
بادلها بابتسامة وهو يقول لها :
ـ لا بأس .. يكفي أنك تذكرتي كل ما سبق .. مادفعني للحيرة وقتها هو أنك كان من المتفرض أن تبدلي ملابسك للخروج .. ولكني وجدتك بملابس النوم .. وأتسائل عن غرض نزولك قبل أن تبدلي ملابسك !!
ـ ربما كنت أنوي تناول الفطور أولا ثم تبديل ملابسي ..
ـ ربما ...
ـ ولكن كيف اكتشفتوا أمري ؟!! .. أعني أنك كنت قد خرجت إلى العمل فكيف علمت بتعرضي لأمر ما ؟؟
اختفت ابتسامته وقد بدا أنه تذكر أمرا مزعجا .. وأجابها قائلا :
ـ صديقتك سمر .. لقد اتصلت بي وقالت أنها قلقة عليك لأنك تأخرتي على التدريب .. كما أنك لا تجيبي على هاتفك ..
سكت قليلا ثم تابع :
ـ شعرت بالقلق أنا أيضا لأنه قبل خروجي من البيت كان واضحا أنك تنوين الذهاب إلى التدريب .. فقمت بالاتصال بهاتفك وبهاتف المنزل ولكني لم أجد ردا علي أيا منهما .. فاتصلت بالسائق الذي أخبرني بدوره أنك لم تخرجي أبدا من البيت وأنه لم يوصلك إلى أي مكان .. فطلبت منه أن يدق جرس البيت حتى يرى ما الأمر .. ولكنك لم تفتحي له أيضا .. ولم يشعر بأي حركة في الداخل !!
أطلق تنهيدة طويلة قبل أن يقول :
ـ شعرت أن شيئا ما ليس على مايرام .. فخرجت من الشركة على الفور وعدت إلى الفيلا .. لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى وجدتك .. كنت ممدة بجانب السلم مباشرة وتغرقين في بركة من الدماء ...
كان يتكلم وهو خافضا رأسه ويتحاشى النظر إليها ولكنه بدا عابسا ومكتئبا .. فتسائلت عن مدى فظاعة المنظر ليتأثر الوليد إلى هذا الحد !!
سمعته يقول وكأنه يكلم نفسه :
ـ مضت أربع ساعات منذ أن خرجت في الصباح وحتى عدت كي أبحث عنك .. الأمر الذي جعلك تفقدين كميات كبيرة من الدماء ..
بدا شاردا .. ورغم تأثرها هي أيضا ما جرى معها إلا أنها شعرت بالشفقة عليه .. فقالت له محاولة التخفيف عنه :
ـ حسنا لقد انتهى كل ذلك ولا داعي لتذكره ..
حينما سمعها تقول ذلك تنبه لنفسه فرفع رأسه وعاود الابتسام لها من جديد وهو يقول :
ـ نعم لقد انهى كل هذا .. حمدا لله الذي نجاكي
أخذت تتأمله لأول مرة منذ أن استعادت وعيها .. كان شعره مبعثرا تماما ولم يهتم حتى بتصفيفه .. وأيضا كانت ازرار قميصه مفتوحة من الأعلى .. ولم يكن يرتدي ربطة عنقه ..
أما وجهه فقد بدا شاحبا جدا رغم ابتسامته التي كان يحاول أن يخفي بها إرهاقه .. ولاحظت أيضا تلك الهالات السوداء التي كانت تحت عينيه .. بدا لها أن سبب ذلك هو أنه لم ينم منذ أيام !!
هل حقا تأثر الوليد لما جرى لها إلى هذه الدرجة ؟!! .. ألم يكن منذ يومين فقط يتهرب من الفطور معها ومن توصيلها .. ويخبرها بأن لا شئ بينهم ليتحدثوا فيه ؟!! .. هل يعقل أن من يجلس أمامها الآن وكل اهتمامه منصب عليها هو نفسه من كان قبل ذلك غير مباليا بوجودها من عدمه ؟!!
ورغما عنها شعرت بمتعة لاهتماهه بها ..
رفعت يدها وحاولت أن تزيح عن أنفسها أنبوبة الأكسجين لترى كيف سيكون وضعها من دونها .. ولكن الوليد وقف فجأة وأمسك بيديها بسرعة وقال لها وقد بدا الخوف في عينيه :
ـ لا يا سارة .. لا تفعلي هذا ..
استغربت من رد فعله وقالت له محاولة أن تبين له موقفها :
ـ أنا أشعر بالانزعاج منها ..
أجابها وقد خفف من قبضته على يدها :
ـ قد تشعرين بالانزعاج أكثر من دونها !.. لقد قال الطبيب أن تنفسك لم ينتظم بعد لذلك انتي مضطرة لتحمل ازعاجها قليلا حتى تتحسن حالتك ..
وأخيرا ترك يدها وعاد للجلوس في مكانه .. فتسائلت عن سبب هذا التصرف معها .. كان من الممكن أن يحذرها من مكانه .. ولكنه تصرف كما لو أنها ستعارض تحذيره !! .. ولكن لما يتوقع منها أن تعارضه في فعل سيضرها ؟!
وللحظة تذكرت ما قالته حينما استعادت وعيها في المرة السابقة .. وشعرت بالخجل من نفسها .. فتكلمت وهي تتحاشى النظر إليه :
ـ أنا اعتذر على ما قلته لك حينما استفقت أول مرة .. لم أكن أعي تماما ما أقوله
كانت تعي كل كلمة قالتها له.. ولكنها تشعر بالخجل من نفسها .. لذلك تحاول أن تتبرأ مما قالته !!
ـ أنا لم اتمنى أن يحدث ذلك يا سارة .. انزعجت من فكرة أنك حامل بطفل لي .. ولكني ما كنت لأتمنى أن يصيبك أو يصيبه أي مكروه .. لو كنت قد خيرت بين بقاء الطفل .. وبين أن يحدث لك ما حدث لكنت قد اخترت بقاء الطفل بلا شك ..
لم تشك لحظة في صدق ما يقوله لها .. هي تعرف الوليد جيدا .. لم يكذب عليها أبدا .. حتى وإن كان يغضب كثيرا ولكنه لا يكذب ولا يجامل ..
فتحت فمها لتعلق على ماقاله ولكنها توقفت .. فقد تفاجأوا بمن يفتح الباب ويدخل الغرفة بسرعة .. كانت تلك هي سمر !
وما إن نظرت سمر إلى السرير ووجدتها هي الأخرى تنظر إليها حتى ركضت نحوها بسرعة وراحت تقبلها من كل مكان في وجهها .. وقد أغرقت عيناها بالدموع ..
وهنا اضطر الوليد للوقف من مكانه .. ووقف بعيدا عنهما مستندا على الحائط بجانبه ومكتفا ذراعيه .. وكأنه لا يريد أن يفوت ذلك المشهد عليه !!
هتفت سمر وهي تلهث من شدة انفعالها :
ـ حمدا لله .. حمدا لله أنك بخير .. حمدا لله أنك استعدتي وعيك .. كدت أمووت من دونك ..
قالت ذلك ثم جلست على حافة السرير ووضعت وجهها بين يديها ثم انفجرت في البكاء !
كانت سارة مذهولة من حالة سمر .. فلم تستطع أن تتفوه بكلمة .. وهنا تنحنح الوليد أخيرا وقال :
ـ حسنا .. سأخرج الآن وسأتي إليك في وقت لاحق
ما إن خرج حتى شعرت بأريحية أكثر في الحديث مع سمر .. فقالت لها وهي تحاول أن تكتم ضحكتها :
ـ سمر .. هل جننتي ؟!! .. تبكين كما لو أني قد مت .. ها أنا ذا أمامك حية أرزق !!
رفعت سمر وجهها الذي أحمر من شدة بكائها وقالت وهي تجهش :
ـ نـ .. نعم هذا صحيح .. انتي حية .. لم تموتي .. لم تموتي .. لقد أخفتني عليك
لاحظت سمر الضحكة التي كانت تحاول أن تكتمها هي .. فقالت لها وقد خف بكائها قليلا :
ـ لو لم تكوني مريضة .. لكان لي تصرف اخر معك الآن
ـ ههههههههههههه .. سمر انتي تعرفين كم أحبك كثيرا .. ولكني فقط دهشت من شدة انفعالك .. لم أكن أعلم أن وضعي أخافك إلى هذه الدرجة .. أنا حقا آسفة على ماتسببته لك من الخوف
وهنا اندفعت سمر تقص عليها ما حدث بحماسة وكأنها قد وجدت أخيرا من تحكي له ما بداخلها ..
ـ انتي لا تتصورين كم أخفتنا جميعا حينما أحضرك الوليد إلى المستشفى في وقت تدريبنا .. لقد كنت تنزفين .. وملابسك أغرقها الدم وملابس الوليد أيضا .. كانت حالتك سيئة جدا لدرجة أن قلبك قد توقف عن النبض واضطروا لاستخدام الصدمات الكهربائية ..
توقفت سمر عن الكلام وعادت للبكاء من جديد وهي تقول :
ـ أنا لا أصدق أنك كنت في هذه الحالة ..
أما هي فقد وضعت يديها على قلبها لتتحسس نبضاتها .. وراحت تفكر في خوف .. هل يعقل أنه توقف عن النبض !! .. لقد كانت على مشارف الموت ...
مضت دقائق حتى هدأت سمر عن البكاء .. فابتلعت ريقها وقالت :
ـ أدخلوكي إلى غرفة العمليات .. ولم أصدق حينما خرج الطبيب وأخبرنا أنك .......
توقفت عن الكلام وبدأت تراجع نفسها فيما قالته .. فبادرتها هي بالقول :
ـ أعلم بأنني خسرت الجنين ...
ـ أنا آسفة لذلك .. لا تعلمين كم بكيت حينما عرفت الخبر .. حزنت لأنني كنت أعلم كم يعني لك هذا الطفل .. ومن شدة حزني وقلقي عليك تشاجرت مع الوليد ...
اتسعت عيناها غير مصدقة وسألتها :
ـ مـ..ماذا ؟!!
اخفضت سمر رأسها من الخجل وقالت مبررة :
ـ قلقي عليك جعلني لا أفكر فيما أفعل .. ولا فيما أقول .. لقد اتهمت الوليد بأنه هو من تسبب لك في هذا .. وأنه فعل ذلك ليتخلص من الطفل ..
وضعت سارة يديها على رأسها وقالت :
ـ اه سمر .. لا تقولي أنك فعلتي ذلك معه ...
ـ بل فعلت ماهو الأسوأ أيضا .. فهددته بأنه إذا أصابك أي مكروه سأبلغ الشرطة عنه وأتهمه بأنه هو من حاول قتلك !!
ظلت سارة فاتحة فمها غير مصدقة .. وقد أحمر وجهها خجل وهي تتخيل كيف كان تفكير الوليد بهم حينما اتهمته سمر بشئ كهذا ..
راحت سمر تبرر لها ما فعلته وتقول :
ـ سامحيني .. ولكنني خفت عليك كثيرا .. وماكنت تقوليه لي عن شدة رفض الوليد لفكرة انجاب طفل منك جعلني أفكر به على أنه شخص شرير .. وأنه قد يقدم على خطوة كهذه .. ولكني شيئا فشئا شعرت بأني مخطأة فيما ظننته به .. لقد بقى معك الوقت كله طوال الليل والنهار ولم يفارقك لحظة .. وقد عرفت أيضا بأنه لا يذهب إلى العمل لأن أصدقائه كانوا يأتون إلى هنا ويسألوه عن وضعك ..
ـ ليتك فكرتي قليلا قبل أن تتهميه بشئ كهذا !
ـ علي أن أعترف بأنني أخطأت .. أنا عوضا عن ذلك ممتنة كثيرا له .. فلو لم يكن قد أخذ قلقي عليك على محمل الجد .. فالله وحده يعلم ما الذي كان سيحدث لك وقتها ..
ـ ولكن كيف عرفت رقم هاتفه ؟!!
ـ لقد اتصلت بهاتف الشركة .. كنت قد اخبرتني من قبل باسم شركة عمك .. فسألت على رقمها من الدليل .. ودلوني عليه ..
لقد اكتملت لديها صورة ما حدث معها .. ولكنها مع ذلك لازالت لا تذكر تفاصيل ماجرى وقت وقوعها .. ولا تتذكر سبب وقوعها أيضا ..
تكلمت أخيرا محاولة تغيير مجرى الحديث :
ـ كيف حال الدراسة معك ؟؟.. لا شك أنه سيفوتني الكثير ..
ـ لا تقلقي بشأن ذلك أبدا .. فقط تعافي وسأعوض لك كل ما فاتك .. في الحقيقة أنا نفسي فاتتني بعض المحاضرات
ـ لما ؟؟ لا تقولي بأنك تغيبتي عن المحاضرات بسببي ؟!!
ـ بلى لم أتغيب .. كنت أحضر ولكنني كنت شاردة ومكتئبة .. حتى أنني في احدى المحاضرات انفجرت في البكاء .. فأوقف الدكتور الشرح وأعطاني إذنا بالخروج لاستنشاق الهواء .. وأخبرني بأنه لن يعتبرني غياب !!
ـ هههههههههههه .. ألا تشعرين بالخجل أبدا من تصرفاتك تلك ؟!
ـ حينما أكون حزينة فلا تحاسبيني على حماقة أفعالي ..
لم يسبق لها من قبل وأن رأت سمر تبكي هكذا مثل اليوم .. فهي من النوع الذي لا يبكي بسهولة .. شعرت بالأسف لأنها أخافتها من غير قصد منها إلى هذا الحد ..
ـ هل تعلمين من هو الطبيب المسؤول عن حالتك ؟؟
هكذا سألتها سمر .. فأشارت لها بالنفي
ـ إنه ذاك الطبيب الذي كان يدربنا في بداية العام الدراسي
ـ لا تقولي أنك تقصدين دكتور مصطفى ؟!!
أومأت لها سمر بالإيجاب .. فوضعت وجهها بين يديها من شدة الخجل وقالت باعتراض :
ـ لاااااا .. لا يمكن أن يحدث هذا معي
ـ انت في وضع لا يحسد عليه
لقد كان دكتور مصطفى رجلا كبيرا في السن وكان سريع الغضب مع المتدربين .. وقد ارتكبت في مدة تدريبها معه أخطاء لا تحصى .. لهذا تشعر بالإحراج الشديد من أن يكون هو نفسه من يعالجها الآن ..
ـ علي الذهاب الآن .. فوقت الزيارة قد أوشك على الانتهاء
أخرجها صوت سمر من أفكارها .. فتكلمت قائلة :
ـ حسنا .. لا بد من أن لديك الكثير من الدارسة
ـ لا تشغلي بالك بالدراسة أبدا خصوصا في هذه الأيام .. وإلا بقيتي مريضة وتأخر شفاؤك
ضحكت من تعليق سمر هذا وهي توافقها الرأي تماما ..
ودعتها سمر وأخبرتها بأنها ستعاود زيارتها كل يوم في وقت الزيارة .. وبعد خروجها راحت تنتظر الوليد أن يأتي .. ولكنها كانت قد بدأت الشعور بالنعاس .. إلا أنها راحت تقاوم النوم .. فما زال الوقت باكرا وهي لا تريد أن يدخل الوليد فيجدها قد عاودت النوم من جديد وبهذه السرعة ..
بقيت تقاوم النوم ولكنها ما إن أغمضت عينيها حتى عجزت عن فتحهما مرة أخرى .. وغرقت في نوم عميق ……………………………….
|