كاتب الموضوع :
طمووح
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حبيب تحملت منه الأذى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
تسائلت عمن يطرق الباب في هذا الوقت .. فلم تكن الساعة قد تجاوزت السابعة صباحا بعد .. وأخيرا هتفت بصوت ناعس دون حتى أن تفتح عينيها :
ـ ادخل ...
ثم فتحت عينيها بتكاسل لترى وجه الداخل .. لتجد أنها خيرية
ـ صباح الخير سيدة سارة .. آمل أن لا أكون قد أزعجتك
ردت عليها وهي تتثائب :
ـ ما الأمر يا خيرية ؟!! .. لقد أقلقتني
ـ لا شئ مقلق .. أنا فقط أردت أن استأذنك انتي والسيد وليد في أن أقضي يومين مع ابنتي .. فأنا لم أرها منذ فترة وأشتاق إليها وإلى حفيدي باسم كثيرا وأريد قضاء بعض الوقت معهم .. بالطبع إن لم يكن لديك مانع
ـ لا أنا لا أمانع في ذلك .. ولكنني لا أعتقد أن لمياء ستوافق حتى لو وافق الوليد
ـ سيدة لمياء سترحل في عصر اليوم فلديها رحلة لمدة أسبوع ..
رفعت رأسها قليلا من فوق الوسادة وهي تحاول أن تستوعب ما قالته خيرية .. لقد نست تماما أن لمياء ستذهب في رحلة هذا الأسبوع ..
بدأ القلق ينتابها .. وتمنت لو أن ترفض إعطائها الأذن بالذهاب .. فهي لا تريد أن تقضي ليلتين مع الوليد بمفردها !!
ولكنها لو رفضت تكون بذلك قد ظلمت خيرية .. فما ذنبها هي لتحرمها من رؤية ابنتها .. إن فرصة كهذه لا تتوفر لها كثيرا .. فقليلا ماتتغيب لمياء عن البيت ..
في تلك اللحظة خرج الوليد من الحمام .. وقد انتبهت للتو بأنه لم يكن بجانبها ..
كان يمسك بالمنشفة ويجفف بها شعره .. وما إن انتبه إلى وجود خيرية حتى بادرته هي بالقول بصوت متلعثم :
ـ صباح الخير ..سيد وليد ..
ـ لا تأتين إلى هنا وفي هذا الوقت إلا لتطلبي أمرا ما .. ماذا لديك ؟؟
أخفضت خيرية رأسها في خجل وقالت :
ـ أنا كنت .. في الواقع .. أردت الذهاب إلى ابنتي الليلة .. والبقاء معها يومين .. فأسمح لي بذلك من فضلك
ـ انتي تعرفينني .. لا مانع عندي إطلاقا .. ولكن لمياء ...
قاطعته خيرية قبل أن يكمل جملته قائلة :
ـ تستافر عصر اليوم .. سيد وليد .. لا أظنك قد نسيت !!
توقف الوليد في مكانه وبدا عليه التجهم ما إن تذكر أن لمياء ستسافر اليوم .. أخذ يربت على جبينه وقد بدا مرتبكا هو الاخر ..
ثم تكلم أخيرا وقد بدا أنه سيعترض :
ـ نعم ولكن ...
ـ ليلتين فقط سيد وليد .. فقد ليلتين .. لقد اشتقت إليها كثيرا ..أرجوك أن لا تحرمني من رؤيتها ورؤية حفيدي ..
سادت لحظة من الصمت قبل أن يقول الوليد مستسلما :
ـ ليلة واحدة فقط .. ستقضين مع ابنتك ليلة واحدة .. تذهبين الليلة وتعودين في مساء الغد ..
قطبت خيرية بجبينها وهي لم يعجبها كلام الوليد .. فسألته في حيرة :
-ـ سيدي لا أفهم لماذا ؟؟ .. قلت للتو أنك لن تمانع .. والسيدة لمياء لن تكون هنا لمدة أسبوع .. أما عن سيدة سارة فقد أعطتني الموافقة .. فلماذا تشترط أن أقضي ليلة واحدة فقط مع ابنتي رغم أنه يمكنني قضاء ليلة أخرى معها ؟!!
ـ خيرية .. أنا أيضا احتاج إليك تماما كحاجة ابنتك لك .. قولي لي من سيحضر لي الفطور حينما تذهبين انتي ؟؟ .. من سيعد لي قهوتك اللذيذة ؟؟ .. قد اتحمل يوم ولكني لن أتحمل أكثر من ذلك
كان يحدثها بلطف وكأنه يحاول أن يخفف من انزعاجها .. مما أدهش سارة ..
ـ بالطبع انتي لا ترضين لسارة أن تعد هي الفطور بنفسها .. تعرفين أننا لا ينبغي أن نرهقها وهي حامل ..
بدا أن خيرية قد اقتنعت بما قاله الوليد .. فخف انزعاجها تدريجيا حتى ابتسمت اخيرا وقالت :
ـ حسنا .. ليلة واحدة ليست بالأمر السئ !
ثم شكرته وانصرفت ..
أما هي فقد كانت في حالة من الذهول وهي لا تصدق ما سمعته بأذنيها حينما تكلم الوليد عن عدم رغبته في إرهاقها ..
اعتدلت في جلستها على السرير وهي لا تزال تنظر إليه ..
ـ لا تحملقي في هكذا .. انتي تعرفين جيدا لما لا أريد أن تذهب خيرية .. ففكرة البقاء بمفردنا لا تروق لي .. لقد نجحتي في إغوائي مرة .. ولا أستبعد أن تكوني تخططين لذلك مرة أخرى .. ولكن أعدك بأنني لن أسمح لك بذلك هذه المرة ..
لم تعلق على كلامه بشئ .. لأنها لم تكن تمتلك القوة التي تمكنها من خوض مشادة كلامية معه ككل مرة .. فقد عاودها شعور الغثيان .. فتركته وتوجهت إلى الحمام .. وهي تفكر أن إهانات الوليد لها أصبحت تؤثر في نفسيتها أكثر من أي وقت مضى ..
ربما الحمل هو مايجعلها لا تقوى على مواجهته كما في السابق ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ ماذا إن صارحته ؟؟
ـ تصارحيه بماذا ؟!!!!
ـ بحبي له ..
ـ هل جننتي !!
هكذا قالت لها سمر بحدة ثم تابعت :
ـ أنا لا أعرف أين ذهبت كرامتك .. ألهذه الدرجة أعماكي الحب ؟؟ .. لا يكاد الوليد يفوت فرصة إلا ويهينك فيها وانتي تريدين أن تصارحينه بحبك ؟!!! .. على الأقل حافظي على ماتبقى لك من كبرياء !
كان كلامها جارحا جدا بالنسبة لها .. فأجابتها محاولة الدفاع عن نفسها :
ـ لو كنت واثقة من أنه يكرهني لما كنت لأفكر في أمرا كهذا .. ولكني إلى تلك اللحظة لا أعرف ما إن كان الوليد يكرهني حقا .. أم ...
ـ أم ماذا ؟ .. قوليها .. تظنين أنه يحبك ؟؟ .. لو كان يحبك ما كان لينزعج إلى هذه الدرجة لمجرد سماع خبر حملك ..
ـ أنا لا أقول أنه يحبني .. أنا فقط .. لا أعرف .. لا أجد تفسيرا لتصرفه هذا .. كما انني لا أجد تفسيرا للطفه معي في الفترة التي سبقت إخباره بحملي
سكتت منتظرة سماع تعليق سمرعلى كلامها .. ولكن سمر لم تقل شيئا .. فقط اكتفت بالنظر إليها بغضب .. فتابعت تقول :
ـ سمر أرجوكي افهميني .. لا أريد أن أقضي بقية حياتي نادمة على عدم مصارحتي له .. ربما اعترافي له بحبه سيغير الكثير .. وربما لا يتغير شئ .. ما المانع في أن أحاول ؟؟ .. لم يتبقى على الامتحانات سوى شهر .. أريد أن أعبر له عما بداخلي لأرتاح ..
ـ واهمة .. إن ظننتي أن اعترافك بحبك له سيريحك فانتي واهمة .. بل على العكس .. لن تجرأي أبدا على النظر إليه بعد فعلك هذا ..
ـ هذا أفضل من أن أحيا بقية عمري نادملة على شئ لم أفعله ..
تنهدت سمر يائسة منها وقد شعرت بأنه لا جدوى من الحديث .. فما برأسها ستنفذه مهما قالت هي لها ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
أمضت أغلب يومها مع سمر حيث قاما بالدراسة معا في الجامعة بعد انتهاء محاضراتهما .. وكثيرا ما كانت سمر تخرجها من شرودها الذي تكرر لأكثر من مرة .. ولكنها لما تسألها عن سببه .. لأنها تعرفه ..
كل ما كانت تحاول فعله هو أن تجذب انتبهاها للدراسة .. حتى أنها ـ وعلى غير عادتها ـ لم تفتح معها أي موضوع خارج الدراسة .. فلم يبقى الكثير على موعد الامتحانات .. وإذا استمرت بالتفكير في الوليد فلن يكون هذا من من مصلحتها .. ولن يساعدها ذلك على الحصول على التقدير المطلوب للبعثة ..
حين اقترب وقت المغرب ألحت عليها سمر للمجئ والمبيت معها هذه الليلة بعد أن عرفت أنها ستكون بمفردها مع الوليد .. وكادت أن توافق لولا أن اتاها اتصال من الوليد يخبرها فيه بأن المحامي سيأتي لمقابلتهم الليلة .. وأن عليها أن تكون بالبيت قبل الثامنة مساء !!
ـ حاولي أن تعتذري .. قولي له أي شئ ليأجلوا تلك المقابلة .. المهم أن لا تقضي الليلة معه بمفردك
ـ لا يمكنني أن أطلب من سيد مجيد تأجيل المقابلة .. لا عذر لدي أخبره به .. سيكون من غير اللائق أن أطلب منه عدم القدوم الليلة لأنني أريد المبيت معك !
ـ حسنا .. إذا بعد مقابلته اخرجي من البيت وتعالي إلي في السكن ..
ـ بوابات السكن الجامعي تغلق في الثامنة .. لن يسمحوا لي بالدخول بعد ذلك الوقت !
بدا أن كل الحلول قد سدت أمامها .. وما من شئ يمكنها فعله سوى الدعاء بأن تمر تلك الليلة بسلام ...
لم تبدل ملابسها حينما عادت إلى البيت .. وانتظرت قدوم المحامي مع الوليد .. كانت الساعة تشير إلى السابعة والنصف .. فتمددت على السرير وهي تشعر بالإرهاق ولا تقوى حتى على الدراسة ..
حينما فتحت عينيها كان الوليد يقف أمامها !! .. فنهضت مفزوعة من فوق السرير وسألته برعب :
ـ انت .. هنا ؟!! .. منذ متى وأنت هنا ؟؟
ـ مابك ؟؟ أنا لن آكلك !! .. ناديت عليك من الأسفل ولكن دون جدوى .. ألم أخبرك أن سيد مجيد سيأتي لمقابلتك الليلة ؟؟
ـ اه صحيح .. سيد مجيد .. كم الساعة ؟!!
نظرت إلى ساعة يدها فوجدتها تشير إلى الثامنة والربع .. لم تشعر أبدا بنفسها حينما غرقت في النوم ..
ـ هيا بسرعة .. ضبطي تلك التطرحة التي على رأسك وألحقي بنا في الأسفل .. ليس من اللائق أن نتركه بمفرده هكذا !!
قال لها ذلك قبل أن يتركها ويخرج من الغرفة .. أما هي فقد وقفت أمام المرآة تربط طرحتها التي كانت قد نزلت من فوق رأسها بالكامل ..
لم تمضي دقائق حتى لحقت هي الأخرى بالوليد .. كان يجلس هو والسيد مجيد في قاعة الاستقبال .. وما إن رآها المحامي حتى حياها قائلا :
ـ كيف حالك ابنتي سارة ؟ .. يبدو أنك كنتي نائمة .. أنا حقا أعتذر على إزعاجك
ـ لا .. لا عليك .. ليس من عادتي النوم في هذا الوقت ولكنني اليوم مرهقة قليلا .. أنا بخير الحمد لله
ـ لم نلتقي منذ أشهر .. سامحيني على تقصيري في السؤال عنك ولكنني كنت أحرص على معرفة أخبارك دائما من الوليد
انتبهت إلى الوليد الذي كان يشير لها بوجهه إلى القيام .. فلم تفهم مايقصده .. وراحت ترفع كتفها له مشيرة إلى أنها لا تفهم مايحاول أن يقوله لها !!
فتنحنح قبل أن يتكلم أخيرا موجها كلامه إلى سيد مجيد :
ـ ماذا تحب أن تشرب يا مجيد ؟
ـ لا شكرا .. أرجوكم لا تتعبوا أنفسكم .. اتيت لأن هناك بعض الأمور الهامة سأناقشها معكم بشأن الميراث ..
ـ لا .. هذا لا يمكن عليك أن تشرب شيئا ..
وهنا نهضت من مكانها وقد فهمت أخيرا ما كان يحاول الوليد أن يلمحه إليها .. وتكلمت قائلة :
ـ عليك أن تشرب شيئا .. هل أعد لك القهوة مع الوليد ؟؟
تنهد سيد مجيد مستسلما ورد قائلا :
ـ انتما عنيدين للغاية .. حسنا لا بأس سأشرب القهوة .. ولكن لا تتأخري من فضلك حتى لا يضيع الوقت دون أن اتمكن من الحديث فيما أتيت لأجله ..
وما هي إلا دقائق حتى خرجت إليهم بصينية وضعت عليها فناجين القهوة .. ثم جلست بجانب الوليد بعد أن قدمت القهوة إليهم وتناولت فنجانها ..
ـ لن أطيل عليك .. سأدخل في صلب الموضوع .. تعرفين طبعا أن ثلث تركة عمك قد أوصى بها إليك .. ولكنك لم تتمكني من الحصول على حصتك من الميراث بسبب الأزمة المالية التي كانت تمر بها الشركة .. أستطيع أن أخبرك أن كل شئ أصبح على مايرام الآن .. ويمكنك الحصول على أرباحك من أسهم الشركة
صعقت حينما أخبرها بمقدار أرباحها من الشركة حتى الآن .. وانعقد لسانها فلم تجد ما تقوله ..
أخذت ترتشف من قهوتها .. ولكنها شعرت بالغثيان من شدة مرارتها .. يا للهول .. لقد نسيت أن تضع السكر في القهوة !!!!
كيف لها أن تنسى أن الوليد والمحامي يشربان القهوة مضبوطة وليست سادة ..
شعرت بالإحراج الشديد منهم .. فكلاهما لم يعاود الشرب منها بعد أن تذوقاها من أول مرة .. ولكنها لم تجرأ على الأعتذار لهم عن هذا الخطأ ..
قطع الوليد الصمت الذي ساد بينهم حينما تكلم قائلا :
ـ بالنسبة لحصتك في البيت .. لا أعتقد أنك بحاجة إليها .. لذا أريد أن استغل وجود المحامي لنقوم باجرائات البيع .. سأدفع لك ما تطلبينه ..
ـ بيع ماذا ؟ .. ومن يبيع لمن ؟؟
ـ بيع حصتك في هذا البيت لي !
ـ ومن قال انني أريد البيع ؟؟
ـ ماذا تقصدين ؟!
ـ أقصد أنني لا أريد بيع حصتي في هذا البيت ..
بدا أن الوليد سيشتعل غضبا .. وأخذ يكز على أسنانه وهو يقول لها :
ـ ماذا ستستفيدين من الاحتفاظ بحصتك في البيت ؟؟ .. لن تستفيدي منه مادام ليس ملكا كاملا لك وحدك ؟!!
بدأ المحامي يتنحنح في توتر .. وقد اربكه حدة حوارهما معا رغم وجوده .. وهنا انتبه الوليد لذلك .. فتنهد بنفاذ صبر محاولا استعادة رباطة جأشه من جديد ..
فاستغلت هي ذلك وابتسمت لنفسها قبل أن تمسك ذراعه بلطف وانطلقت تقول له بدلال :
ـ وما الفرق بيني وبينك يا حبيبي ؟ .. إنها مجرد شكليات .. نحن متزوجان وعلينا أن لا نلتفت لمثل تلك الأمور التافهة .. لما تريد أن تشتري مني حصتي في البيت وأنا اساسا زوجتك .. وأملاكي هي أملاكك !
كادت أن تنفجر من الضحك حينما رأت وقع كلامها على الوليد الذي بدا مذهولا من طريقة كلامها لدرجة أنه لم يستطع أن يتفوه بكلمة ..
الأمر الذي شجعها على متابعة دورها .. فاقتربت منه ببطأ وتعلقت برقبته وراحت تطبع قبلة على خده وهي تقول له :
ـ مثل هذه الأمور لا يجب أن تعكر صفو حياتنا .. علينا أن لا ننشغل بأي شئ اخر في هذه الفترة سوى طفلنا ..
ـ طفلكم ؟!!!
هكذا هتف المحامي غير مصدقا ما سمعه .. فتكلمت وهي تتظاهر بالدهشة :
ـ ألم يخبرك الوليد بعد بأنني حامل ؟!
وقبل أن يتمكن الوليد من قول شئ أمسكت بيده بسرعة ووضعتها على بطنها وسألته :
ـ ماذا ياحبيبي ؟! .. هل يعقل أن لا تكون قد أخبرت سيد مجيد حتى هذه اللحظة بأننا سنرزق بطفل قريبا ؟؟
تمكن الوليد من ايجاد صوته اخيرا فقال متلعثما :
ـ أنا .. لا .. كنت ..كنت سأخبره
علق المحامي قائلا :
ـ لا بد من أنك كنت منشغلا للغاية حتى تنىسى إخباري بأمرا كهذا .. على أية حال ألف مبروووك .. أنا حقا سعيد من أجلكم
قال المحامي ذلك ثم نهض من مكانه قبل أن يتابع :
ـ لقد تأخر الوقت .. علي أن استأذن الآن مالم يكن هناك شيئا اخر تريدان مناقشته بشأن البيت
ـ مازال هناك .....
حاول الوليد أن يعترض ولكنها قاطعته بسرعة قائلة :
ـ لا أظن أن هناك شيئا اخر يستحق أن نناقشه .. أما بشأن البيت فأظن أننا قد تفاهمنا .. أليس كذلك يا حبيبي ؟؟
لم يتفوه الوليد بكلمة .. وعوضا عن ذلك نهض بدوره من مكانه ليقوم بتوصيل المحامي إلى الباب .. أما هي فقد ألقت عليه التحية ثم أسرعت بالصعود إلى غرفتها قبل أن يعود الوليد إليها ..
وبسرعة البرق أخذت تبدل ملابسها ثم أرتمت على السرير وسحبت الغطاء فوقها وهي تحاول أن تكتم ضحكاتها ..
وفي تلك اللحظة سمعت باب الغرفة وهو يفتح بالقوة مما جعلها ترتجف في مكانها ..
شعرت به وهو يسحب الغطاء من فوقها بعنف .. قبل أن يصرخ بها قائلا :
ـ هل يمكنني أن أفهم ما هذا الذي كنتي تفعلينه أمام المحامي ؟؟؟
ـ ماذا أنا لم أفعل شيئا !! .. أم أنك منزعج لأنه قد علم بأنني حامل ؟!! .. هل كنت تنوي أن تجعل هذا الأمر سرا ؟
ـ لا تدعي البراءة .. انتي تفهمين جيدا ما أقصده .. مالذي كنتي تحاولين اثباته ؟؟ .. جعلتنا نبدو وكأننا زوجين متفاهمين وكأننا ننوي الاستمرار في هذا الزواج !!
ـ وما الذي يزعجك في ذلك ؟؟ .. أنا لم أشأ أن تكون خلافاتنا واضحة للعلن .. على الأقل علينا أن نتظاهر أمامه بأننا متفاهمين
ـ وماذا بشأن البيت ؟ .. لقد جعلتني أبدو كالأحمق أمامه !! .. مالذي تخططين له بالظبط ؟؟
ـ أريد الاحتفاظ بحصتي في البيت .. ولا أنوي البيع
مسح الوليد وجهه بكلتا يديه علامة على نفاذ صبره .. ثم صرخ بها :
ـ لماذا ؟؟ .. سنتطلق في جميع الأحوال .. فما الذي تريدينه من هذا البيت بعد طلاقنا ؟؟
ـ أريد الاحتفاظ بتركة عمي .. وإن كان الأمر لا يعجبك فيمكنك أن تبيع أنت حصتك لي .. سأشتريها بالسعر الذي تطلبه حتى لو اضطررت لأن استدين ..
ركل الوليد السرير برجله مما جعلها تنتفض من مكانها .. ثم قال لها وهو يشتعل غضبا :
ـ إذا هذا ماتخططين إليه .. لقد رأيتي أنه لا أمل في أن أتراجع عن طلاقك فبدأتي البحث الآن عن خطط بديلة للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من ميراث والدي .. انتي تحلمين .. لن تطولي من هذا الورث شيئا اخر ..
قال جملته تلك ثم أمسك ببيجامته وتوجه إلى خارج الغرفة صافعا الباب ورائه ..
لماذا تصرفت بتلك الطريقة أمام المحامي ؟! .. ولماذا ترفض أن تبيعه حصتها في المنزل رغم أنها متأكدة من أنها لن تستفيد منها إذا تطلقا بالفعل ؟!! .. هي لن تكون بحاجة إلى ذلك البيت .. ففي جميع الأحوال هي تنوي الابتعاث إلى الخارج لإكمال دراستها .. فلماذا تعمدت أن ترفض عرضه بالبيع ؟!!
ربما أرادت اغضابه .. ارادت استغلال حاجته إليها لكي تنتقم عن كل مرة أهانها فيها ..
إذا لقد نجحت بالفعل في اغضابه .. حتى أنها نجحت في أن تجعله يبيت الليلة في غرفة أخرى ..
ولكنها رغم ذلك لم تشعر بالسعادة .. حتى في انتصارها عليه تشعر بالهزيمة !!
لم تتمكن من النوم طوال الليل .. أخذت تفكر ما إن كانت الفرصة مناسبة لإخباره بحقيقة مشاعرها تجاهه .. إنها الفرصة الوحيدة أمامها .. عليها أن تستغل عدم تواجد لمياء وخيرية أثناء تناولهم الفطور غدا ..
راحت تفكر في الكلمات التي ستقولها له .. تريد أن توصل له مشاعرها بأقل عدد من الكلمات ..
بقيت على هذه الحال حتى آذان الفجر .. فنهضت أخيرا وصلت الفجر ثم توجهت إلى المطبخ .. ستعد فطورا لهما .. ليست واثقة ما إن كان الوليد سيقبل بمشاركتها الفطور الذي أعدته هي .. ولكنها على الأقل ستحاول ..
جهزت مائدة الطعام بأنواع الجبن التي يحبها الوليد .. وحمصت رقائق من الخبز الذي يتناوله كل يوم ..
بالطبع لن تتمكن من إعداد الفطائر الشهية التي تعدها خيرية .. ولن تتمكن من إتقان القهوة كما تتقنها هي ..
ولكنها بذلت ما تستطيعه لتجعل المائدة تبدو كاملة من كل شئ ..
صعدت إلى غرفتها من جديد ورتبت شعرها سريعا .. لم تبدل ملابسها .. بل بقيت بالشورت والتيشرت اللذان كانت تنام بهم ..
نظرت إلى الساعة فرأت أن الوقت لا يزال مبكرا لنزول الوليد .. فجلست على حافة السرير وراحت تعد الدقائق .. بدأ قلبها يخفق بشدة وهي تفكر أن مايفصلها عن مصارحة الوليد ليس سوى بعض الوقت ..
بعد مرور نصف ساعة تقريبا استجمعت قواها وقررت التوجه إلى غرفة الوليد ..
أخذت نفسا عميقا ثم طرقت بخفة على باب الغرفة التي قضى فيها ليلته .. مرت الثواني ثقيلة قبل أن تسمع صوته يأتي فاترا :
ـ ماذا تريدين ؟
فاجأها سؤاله .. فتلعثمت وهي تبحث عن إجابة مناسبة سريعا :
ـ أنا .. اه .. كنت اعدت الفطور .. فأحببت أن أخبرك بأن الـ ..
فتح باب الغرفة فجأة مما جعلها لا تتمكن من اكمال جملتها .. كان يقف أمامها بطوله الفارع .. ولا يفصلها عنه سوى بضعة خطوات .. رأته يرتدي بذلته استعدادا للخروج وهو يمسك بسترته في إحدى يديه ..
ـ صباح الخير !
هكذا قالت له من بين أنفاسها المتسارعة .. وعوضا عن أن يرد التحية قال لها :
ـ سأتناول فطوري في الشركة اليوم
قال ذلك ببرود ثم حاول المرور من جانبها .. ولكنها أمسكت ذراعه بلطف لتستوقفه .. ثم تنبهت لنفسها حينما رمقها بنظرة استنكار .. فتركت ذراعه على الفور وتكلمت قائلة :
ـ هي يمكنك انتظاري إذا ؟ .. أقصد أني سأبدل ملابسي بسرعة وآتي معك لكي توصلني إلى المستشفى في طريقك
لم يكن ذلك من ضمن مخططاتها .. ولكنها لم تشأ أن تضع استعدادها هباء .. ستحاول على الأقل أن تصارحه في الطريق وهو يوصلها ..
ولكنه رد عليها مخيبا آمالها قائلا :
ـ أنا مستعجل .. اطلبي من السائق أن يوصلك
انتابها احباط شديد ولكنها مع ذلك استوقفته مرة أخرى بقولها:
ـ هناك أمرا هاما أريد أن أحدثك به ..
وهنا التفت إليها الوليد بعد أن كان قد استدار لها وراح يتأمل بتعمق .. فراحت أنفاسها تتسارع ..
ـ لم يعد هناك شئ بيننا لنتحدث به
اعترضت على كلامه بصوت مرتجف :
ـ بل يوجد يا وليد أشياء كثيرة بيننا نتحدث عنها ..
ـ إذا كنت تقصدين الطفل .. فقد تحدثنا كثيرا عنه ولم يعد لدي ما أظفيفه .. أما عن طلاقنا فليس لدي وقتا الآن لنتحدث عن تفاصيله
استدار لها من جديد وتابع سيره قبل أن تتفوه هي بأي كلمة أخرى .. لم يكن الوليد مستعدا إطلاقا لسماع أي كلمة منها .. لذلك فضلت التراجع عما كانت تنوي عليه ..
استندت على سور السلم وأخذت تراقب خطواته وهو يسير باتجاه الباب الذي ما إن فتحه حتى تكون ظله الطويل من جديد .. مما حرك مشاعرها من جديد ..
ماذا لو لحقته الآن ؟!! .. ماذا لو توجهت إليه قبل أن يركب السيارة وألقت عليه ما تريد قوله ؟!! .. أخذت تقلب الفكرة في رأسها .. ثم قالت لنفسها " حسنا .. سأذهب إليه الآن وأقول له أنني قد أحببته .. وبعدها سأنصرف من أمامه بسرعة دون أن أترك له فرصة للتعقيب " !!
ستقولها له وليكن مايكون .. همت بهبوط السلم بسرعة لتلحق به .. ولكنها من شدة سرعتها تعثرت وكادت أن تقعد .. لولا أنها تسمكت بسور السلم على آخر لحظة ..
لقد كانت على وشك السقوط من فوق السلم !!.. وضعت يدها المرتجفة على قلبها وهي تحمد لله أنها لم تقع ..
ثم تابعت نزول السلم بسرعة مرة أخرى .. ولكنها بعد خطوتين تعثرت من جديد .. وخانتها قدماها هذه المرة فلم تتمكن من أن تتمسك بشئ ..
تدحرجت من فوق السلم وفي لمح البصر وجدت نفسها تصطدم بالأرض ..
ظلت ممتدة على الأرض بجوار السلم وهي تشعر بالعجز على تحريك جسمها .. حتى في صوتها شعرت بالعجز .. لم تتمكن من أن تصرخ لتطلب النجدة ..
أخذت تحلق في السقف وهي تشعر أن كل شئ يدور من حولها .. لم تكن تسمع شيئا سوى صوت أنفاسها المتباطئة .. وشيئا فشيئا بدأت تحس بطعم الدماء في فمها !!
هل تكون هذه نهايتها ؟!! .. فتحت فمها وفي محاولة يائسة منها حاولت أن تصرخ .. ولكنها عوضا عن ذلك وجدت نفسها تهمس باسمه في وهن شديد " الـ .. وليد "
ثم .. ولأول مرة في حياتها .. غابت عن الوعي ...............……………………………………………………...
|