مكتب غاى هو عبارة عن غرفة واسعة مرتبة و نظيفة , و بدا أنه وضع جميع أغراضه فى خزنة حديدية مقفلة. ما إن رآها غاى تنظر حولها قال :"لإبعاد الحشرات و اللصوص"
و أخيراً تمكنا من الاتصال برئيس القرية . تحدثت لورين إليه لعدة دقائق و هى تبذل جهداً كبيراً لتفهم لغته المتعثرة . و اخبرها الرجل بفخر أن خطة استخراج الزيت تسير على ما يرام و أن الزيت المستخرج سيتم إرساله ليتحول إلى صابون أو إلى أنواع أخرى من مستحضرات التجميل فى نيوزيلندا , كما أخبرها عن المدرس الذى سيأتى للعيش فى القرية ما إن يتم بناء المدرسة . فقالت :"سأنقل هذه الأخبار إلى الشخص الذى أرسلنى , لكن قيل لى إن الذهاب إلى القرية ليس فكرة جيدة فى الوقت الحاضر"
قال الرجل بحزن :"كلا سيدتى . إنها ليست فكرة جيدة على الإطلاق. هناك عدد من الأوغاد فى المنطقة الآن , عودى فى السنة القادمة عندما يستتب الأمن من جديد"
قال غاى و كان يقف بالقرب منها :"أود التحدث إليه من فضلك"
أعطته لورين السماعة و سارت نحو النافذة ثم راحت تنظر إلى الشارع الملئ بالأوساخ: مازال هذا الشارع يبدو مقفراً و مخيفاً إلا من كلبين صغيران يسيران و هما ينظران حولهما.
نظرت خلسة إلى غاى الذى بدا أنه يطرح العديد من الأسئلة , إلا أن تعابير وجهه لم تنبيها بأى شئ . و فكرت بقلق أن هذا الرجل يبدو كبيراً فى كل شئ . كل ما فيه يدل على قوة طاغية فكرية و جسدية معاً.
ما إن انتهى الحديث حتى وضع غاى الهاتف فى جيبه و قال بلهجة مهذبة :"كل شئ يبدو هادئً هناك . يقول رئيس القرية إن ذلك المبشر ذهب مع أسرته إلى أعالى الجبال...لقد حصلت وفاة هناك"
قالت لورين بمرح :"يمكننا إذن أن نتنفس من جديد"
و شعرت بالصدمة لإدراكها أنها كانت تشعر بالتوتر . أما غاى فقال بنبرة جافة:"لم أتوقف عن القيام بذلك"
ثم فتح الباب ليخرجا . سارت لورين إلى الخارج و قد شعرت بالارتياح , و تقدمت غاى نحو العتمة و هى تقول من فوق كتفيها :"اشعر بالسعادة لأن بأمكانى أن اخبر صديقى أن مشروع زيت البندق يسير نحو الأفضل"
و بعد قليل أضافت بثقة أكبر :"مع ذلك , كنت اتمنى لو اننى تمكنت من رؤية ما يقومون به"
أقفل غاى الباب خلفهما ثم علق بفظاظة :"لديهم ما يكفى من المشاكل ليقلقوا بشأنها و لا ينقصهم القلق على سلامتك . ما هى خطتك لآن؟"
قاومت رغبتها الشديدة و الخطيرة معاً فى البقاء لعدة أيام فى المنتجع , و قالت بسرعة :"سأغادر إلى نيوزيلندا فى أقرب فرصة ممكنة . سأذهب غداَ إذا تمكنت من الحصول على مقعد على الطائرة المتوجهة إلى هناك"
و لدهشتها عاد غاى ليفتح باب مكتبه من جديد ثم قال :"ربما تتمكنين من ذلك. لكن لا تعتمدى على هذا الأمر . هنالك طائرتان فقط يومياً , بالإضافة إلى طائرة تقوم برحلتين فى الأسبوع إلى فالانو"
ــ أين تقع فالانو؟ مع ان لم أسمع بها من قبل . هل هى بلدة أخرى فى سانت روزا؟
ــ لا .
عاد إلى المكتب ثم حمل سماعة الهاتف و ضغط على عدة أزرار و هو يتابع قائلاً:"إنها مجموعة من الجزر الجنوبية , و هى جزء صغير آخر من مناطق المحيط الهادئ"
ــ بكلمات أخرى , من الجهة الأخرى من العالم.
ــ أو من الجنة. هذا يعتمد على طريقة رؤيتك للأمور .
قال ذلك و قد ظهرت السخرية بوضوح فى كل كلمة من كلماته. راح ينظر إليها و قد علت على وجهه نظرة غامضة و ابتسامة ملتوية , ثم أضاف و هو يتعمد التشديد على كلماته :"لكنها جميلة بشكل لا يصدق"
علا الاحمرار خديها و شعرت بتقلص غريب فى داخلها , فابتلعت ريقها بصعوبة و فى تلك اللحظة بالذات فكرت بالمنزل المخصص للعطلات و الذى يملكه أخوها فى نيوزيلندا . إنه منزل هادئ و جميل و يسوده السلام.
و اعترفت لنفسها أنها بدأت منذ وقت قصير تتمنى أن تكون هناك و هى لا زالت كذلك.
و سألته:"بمن تتصل؟"
ــ الرحلة الأخيرة إلى آتو قد غادرت للتو, لكن لابد من وجود أحد الموظفين فى المطار . سأحجز لك على متن أول طائرة مغادرة.
شعرت بالانزعاج بسبب رغبته القوية فى التخلص منها , لكنها قالت بمرح :"شكراً لك"
و يبدو أنه حظى بأحد الموظفين فى المطار , شخص يدعى جوزيف, تحدث معه غاى باللغة المحلية . و عندما أنهى الاتصال نظرت إليه لورين مستفسرة فقال:"حجزت لك مقعداً على الطائرة التى تغادر بعد ظهر الغد"
ابتسمت له بتكلف و تمتمت :"إنه لطف منك"
منتديات ليلاس
افتر فمه عن ابتسامة أظهرت أسنانه البيضاء و قال بخفة :"إنه من دواعى سرورى . و الآن بما أن المطعم الصينى قد أقفل أبوابه يمكننا العودة إلى المنتجع لتناول العشاء أو يمكننى أن أدعوك إلى تناول العشاء فى منزلى"
أجابت لورين على الفور:"إلى المنتجع"
لكنها توقفت عن الكلام عندما أدركت أنه يتلاعب بها . التقت عيناها بعينيه التى بدت فيهما التسلية و فكرت بسرعة :"ولِمَ لا؟ سوف تغادر فى الغد فلِمَ لا تقبل دعوته إلى العشاء, وهو الرجل الأكثر غموضاً بين من قابلتهم فى حياتها؟
من المؤكد أن ليس هناك شئ مشترك بينهما , و عندما تعود إلى ديارها سوف تتساءل ما الذى يجذبها إليه كى تشعر بهذا التيار الكهربائى بينهما.
أرادت ان تتأكد أنه لا يفكر باصطحابها إلى السرير , فقالت :"مع ان السهرة لن تكون طويلة , فأنا لم انم سوى لساعتين فقط فى الأربع و العشرين ساعة الأخيرة. و أنا أشعر بالإرهاق"
أدرك غاى تماماً ما الذى تقصده فالتوى فمه بابتسامة ساخرة و هو يفتح منتديات ليلاس لها الباب ثم قال:"سأوصلك إلى باب غرفتك ما إن تتثائبى مرة واحدة,و ذلك فى غضون دقيقتين . أنتبهى أين تضعين قدميك"
أمسكت لورين بالدرابزين فيما هما ينزلان السلم و كانت تسمع وقع خطواتهما على الأرض العارية. قالت برزانة و هما يسيران نحو الشاحنة:"أصبح الهواء منعشاً بعد أن حل الظلام , مع أنه يصبح أكثر برودة. يمكننى أن أشم رائحة الأزهار دون أن تشوبها أى روائح فاسدة"
قال و هو يفتح لها باب الشاحنة :"هذه هى المناطق الاستوائية....تظهر الجمال فى حالته الطبيعية الصرفة"
صعدت لورين ثم راحت تراقبه و هو يدور حول مقدمة الشاحنة.
حذرت نفسها بصمت: اهدأى , التصرف بطيش ليس من صفاتك!
ما أن أصبحا فى منتصف الطريق إلى المنتجع حتى قال غاى:"من المؤسف أن تغادرى الساحل الجنوبى دون أن تتمكنى من رؤية سبب شهرتنا الأساسى"
سألته بحذر:"و ما هو؟"
ــ الشلال.
عاد التهور ليتغلب على فطرتها السليمة فقالت :"حسناً, لكنها شعرت بالندم على الفور لتلفظها بتلك الكلمة.
دفع غاى بالشاحنة بين صفين من الأشجار و فى غضون ثوان أصبحت الطريق عبارة عن مجارٍ وعرة . ومع ذلك راح يلف بالشاحنة حول الحفر بمهارة ما جعلها تحسده على مهارته تلك فى القيادة . تشبثت لورين بمقعدها وراحت تنظر حولها بعدم ارتياح. عتمة الليل حولت النباتات إلى أشكال مغايرة كأنها كائنات خطيرة تهدد بالخطر .
مــنــتــديــات لــيــلاســ