قطبت لورين :"هل تعنين أن من المستحيل الوصول إلى هذه القرية؟"
ترددت موظفة الاستقبال قبل أن تقول بحذر :"ليس الأمر مستحيلاً سيدتى لكنه صعب"
تجنبت عينا المرأة القلقتان النظر النظر مباشرة إلى عينى لورين :"الطريق خطر جداً"
استعادت لورين ذكرى قدومها من المطار فى باص صغير راح يهتز بعنف خلال مسيره . فكرة سلوك طريق أسوأ من تلك لم تكن فكرة سارة"
و فكرت بتجهم : حسناً , و ما هو الجديد فى الأمر؟ لا شئ فى هذه الرحلة كان سهلاً.
تمنت لو أنها لم تعد بيج بتفقد مؤسستها الخيرية المفضلة . فى لندن بدا لها الأمر سهلاً مجرد زيارة لمدة يومين إلى جزيرة استوائية تقتطعها من عطلتها التى تمضيها فى نيوزيلندا .
آهـ ! تأخرت رحلتها إلى سنغافورة و هكذا لم تتمكن من اللحاق بالآخرين و كان عليها أن تنتظر حتى الصباح الباكر لتستقل الطائرة إلى الساحل الجنوبى .
و لأنها لم تنم سوى ساعتين فقط فإن رأسها يؤلمها و عيناها تخزانها كما ان الابتسام يجعلها تشعر بألم فى شفتيها . و الآن هذا ! أبعدت خصلة شعر سوداء رطبة عن خدها و قالت :"ماذا عن باصات النقل العام؟"
توقفت موظفة الاستقبال عن العبث بالأوراق أمامها ثم ثبتت زهرة الخبازى القرمزية اللون خلف أذنها و هى مازالت تتجنب مباشرة إلى عينى لورين ثم قالت :"سيدتى لا شئ من ذلك مناسب لك"
غضنت لورين جبينها :"سأكون سعيدة بركوب الباص المحلى"
بدا الانزعاج على المرأة الأخرى و كررت قائلة :"إنه ليس مناسب لك بالإضافة إلى أن تلك القرية معزولة جداً"
لقد تم توظيف رأسمال لإقامة مصنع فى تلك القرية لذا فإنها لن تكون معزولة بشكل كبير. حملت كلمات لورين نبرة فولاذية و هى تقول بإصرار :"فى هذه الحالة , أين يمكننى أن أستأجر سيارة؟"
تشدق صوت رجولى قاس من خلفها :"لا يمكنك ذلك. ليس هناك وكالات لتأجير السيارات فى الساحل الجنوبى"
تصلبت لورين و قد تنبهت حواسها كلها فصوت ذلك القادم الجديد بدا عميقاً مفعماً بسخرية حادة يدل على ثقة رجولية بالنفس.
استدارت ببطء و على الرغم من قامتها الطويلة كان عليها أن ترفع بصرها لتلتقى عيناها بعينين شبه مغمضتين ذات لون متموج كحجر التو باز,أطلتا من خلف رموش سوداء مثيرة. شعرت بمعدتها تتخبط فى داخلها لتعود فتهبط و كأنها تقع بين قدميها.
رددت كلامه ببلاهة :"ما من وكالات لتأجير السيارات؟"
ــ سيدتى, إن أقرب وكالة لتأجير السيارات هى فى العاصمة . وكما تعلمين إنها تبعد مسافة ساعة طيران عن سلسلة الجبال.
خرجت كلمة (سيدتى) من فم الرجل ببطء متعمد فشعرت بها لورين تلهب بشرتها . تمسكت بسيطرتها على نفسها ثم قالت بصوت هش:"إذن , كيف يمكننى الوصول إلى هذه القرية؟"
ربما أنها لا تعرف كيفية لفظ اسم القرية كانت لا تزال تحمل فى يدها تلك الورقة التى أعطتها إياها بيج.
تبدلت تعابير وجه الرجل بطريقة ماكرة فيما هو يتفحص الورقة , إلا أن نبرته لم تتغير :"أشك بأن تتمكنى من ذلك. لقد تسببت الأمطار مؤخراً بانهيار جزء كبير من الجبل فوق الطريق"
ــ لابد أنهم قاموا بإصلاحها.
لاحظت لورين أن حاجب الرجل الأيسر ارتفع بتسلية ملؤها السخرية.
ــ السكان المحليون يقطعونها سيراً على الأقدام . و ربما تكونين قد لاحظت أن سانت روزا ليست متقدمة كثيراً فى مجال السياحة فهى لا تزال فى مرحلة التقاط أنفاسها بعد الحرب الأهلية.
ــ أعلم ذلك.
على أحدهم أن يخبر هذا الرجل الهدف من حلاقة الذقن هو إبراز معالم الوجه المنحوتة بوضوح لا تمويهها. و أن شعره بحاجة إلى القص .
نظرة أخرى إلى ذقنه و خديه جعلتها تدرك أن الظلال التى تغطيهما ليست بهدف التأثير فى الآخرين بل أن هذا الرجل لم يحلق ذقنه لأنه لا يهتم لما يفكر الآخرون به. التقطت بزاوية عينيها بقية معالمه ما جعلها تقر على مضض أن شعره الذى يبدو أطول مما ينبغى قد قص بعناية و أن حلاقة ذقنه لن تتمكن من إخفاء عظام وجه القوية.
راحت فكرة مراوغة تلح على ذهنها , لقد رأت هذا الرجل فى مكان ما....أو أنه يشبه شخصاً آخر؟
أجفلت لورين, إلا أنها لوت شفتيها بسرعة صارفة النظر عن الفكرة. من المؤكد أنها لا تعرفه ! مهاجر أشعث المظهر فى جزيرة نائية وسط المحيط الهادئ....لابد أنه غريب لا معرفة لها به .
سحبت نفساً عميقاً و تكلمت بوضوح و حذر:"هل يمكننى الذهاب إلى هناك بالطائرة؟ فالآنسة موزى...."
و أشارت إلى موظفة الاستقبال التى كانت ترمق القادم الجديد بنظرات توحى كأنه أنقذها من خطر عظيم, و تابعت:".... أخبرتنى أن وسائل النقل المحلية ليست مناسبة"
ــ أنها على حق
ــ لماذا؟
التمعت عيناه ثم قال :"هل ستشعرين بالسعادة و أنت تسافرين نقل قديمة تغطى الثقوب أرضيتها و هى دون مقاعد و دون حماية من الشمس؟"
ردت باقتضاب :"إذا ما اضطررت سوف أفعل"
ــ ماذا عن الصراصير؟
منتديات ليلاس
لم يحمل كلامه أى نبرة خبث حين تابع يقول :"أنها سوداء كبيرة الحجم . سوف تأكل أظافر قدميك عندما تنامين"
آملة ألا يلاحظ الارتعاش الذى أصاب بشرتها قالت لورين بنزق:"يمكننى أن أدبر أمرى مع الحيوانات الموجودة فى المنطقة"
تشدق الرجل :"اشك فى ذلك. لكن إذا أردت الوصول إلى هناك يمكنك محاولة الذهاب سيراً على الأقدام"
تفحصتها عيناه بتمهل قبل أن يضيف بنبرة خطيرة :"لكن إذا ما قررت الذهاب بهذه الطريقة الأفضل أن تدهنى بشرتك جيداً بمرهم واقٍ من أشعة الشمس"
من هو هذا القادم الجديد المتهكم و العينين الساخرتين و الذى جاء يفرض وجوده بقوة؟ أهو المدير؟ من الصعب أن يكون كذلك.
خلال رحلتها إلى هذه المنطقة غير المتحضرة من المحيط الهادى لم يكن ينقصها سوى هذه المواجهة مع رجل حقير ساخر ذى مظهر رجولى طاغٍ . إن هيئة هذا الرجل مذهلة و تنضح بالجاذبية حتى إن كل عصب فى جسدها الخائن قد يشعر بالإثارة و التبيه.
تلاشت رباطة جأشها بتأثير منتديات ليلاس ابتسامته التقيمية المتكاسلة , ما جعلها تشعر بالتصلب . حتى الثوب التقليدى الطويل الذى تتميز به هذه المنطقة و الذى اختارته لورين بلونها المفضل و هو القرمزى لم تستطيع إخفاء عدم الارتياح الذى يظهر على بشرتها البيضاء. لكنها ليست بلهاء ! أجبرت نفسها على التكلم بصوت ملؤه الثقة بالنفس حين سألت :"كم من الوقت تستغرق الرحلة؟"
ــ ذلك يتوقف على مدى سرعتك. عليك ألا تتوقف لمدة طويلة لأن العلق سوف يتسلل إلى جسمك و يعضك . هل تعرفين كيف تتخلصين من علقة التصقت بجلدك؟ أولاً أرفعى الجهة الدقيقة منها ثم....
قاطعته موظفة الاستقبال :"سيدتى أن السيد غاى يمزح, فالقرية بعيدة جداً و لا يمكنك الوصول إليها سيراً على الأقدام"
و رمقته بنظرة مجفلة كأنها لم تكن تتوقع منه هذا المزاح ثم تابعت تقول :"سيدتى يتطلب الوصول إليها سيراً على الأقدام يومين"
لم يعن لها أسم (السيد غاى) شيئاً لكنها باتت تعرف أسمه على الأقل.
منتديات ليلاس