صححت لها كارول بخفة :"ليس هناك فطائر , انتهت موضتها مع الخمسينيات . هل تملك الجامعة الإيطالية أى معلومات عن جدك؟"
هزت الكسا كتفيها :"لا شئ على الإطلاق"
و بدأت بتجديل شعرها الكثيف ببراعة و رشاقة , مضيفة :"إما أنهم لا يريدون تقديم أى معلومات و إما أن لغتى الإيطالية سيئة جداً فلم يتمكنوا من فهو رسالتى !"
ردت كارول مبدية تعاطفها و هى تلقى نظرة سريعة على لوح تحمله:"هذا مؤسف!"
ثم رفعت نظرها لتضيف :"بالمناسبة , مع أنه زير نساء بالتأكيد إلا أن لوكا أوف داسيا لم يعد دوقاً . فبعد وفاة والده منذ سنة أو ما يقاربها أصبح أمير داسيا . إنه السليل الوحيد للعائلة الملكية القديمة باغاتون"
راحت الكسا تبحث فى حقيبتها عن أحمر الشفاه :"كيف أرد عليه إذا وجه الكلام إلىّ؟"
تنهدت كارول :"فى المرة الأولى خاطبيه بصاحب السمو الملكى, وبعد ذلك سيدى"
تنهدت كارول ثم أردفت :"هذا لايبدو عادلاً أليس كذلك؟ أن يمتلك يمتلك رجل واحد كل شئ....السلطة, المال , الجمال...و الذكاء أيضاً"
ضحكت الكسا:"ذكاء؟ دعك من هذا , إنه رجل مستهتر"
ــ لم يكن ليترأس أحد أهم المصارف فى العالم لو لم يكن ذكياً.
ردت الكسا بخشونة:"والده هو الذى أسس المصرف و لهذا السبب و ليس لأى سبب آخر تولى هو هذا المنصب"
أخرجت الكسا أحمر الشفاه و قالت بخشونة :"إذا كان مروجو الشائعات فى الصحف و متتبعو أخبار الأمراء فى العالم على حق فإن الأمير لا وقت لديه ليكون مصرفياً مبدعاً فهو منشغل جداً بالخروج مع النساء الفاتنات من كل أنحاء العالم و تناول العشاء معهن ومعاشرتهن"
ابتسمت كارول ابتسامة عريضة :"انتظرى فقط إلى أن تريه. إنه....رائع, رؤيته تسبب الارتباك"
ــ خلال السنوات العشر الأخيرة لم أفتح مجلة أو جريدة إلا و بهرتنى منتديات ليلاس فيها صوره, أوافقك...لا يحق له أن يكون وسيماً إلى هذا الحد....هذا طبعاً إذا كنت تفضلين الرجل الأسمر,ذا البشرة الداكنة و المعروف بأنه زير نساء.
اعترضت كارول بحدة :"زير نساء...إنه ليس كذلك , كما أن المصورين لا يعطونه حقه. فأى كان تعريف الجاذبية فهى تتدفق منه بشكل يسبب الاضطراب"
ثم تابعت :"بالفعل تقدم مصورون من كل أنحاء العالم بعروض مغرية جداً لعدد كبير من العاملين هنا شرط التقاط صور له"
ــ كنت أعلم أن على إحضار الكاميرا...كان بإمكانى إخفاءها داخل قميصى على طريقة جيمس بوند
و أضافت الكسا و هى تمرر أحمر الشفاه على شفتيها المكتنزتين :"صورة واحدة له و هو يحتفل مع هؤلاء المصرفيين ستغطى على الأرجح مصاريف رحلتى إلى أوروبا"
ــ لست ضخمة بيما يكفى لتخبئى أى شئ داخل قميصك. أنت بارعة لكنك ليست بدينة , هذا ما أنت عليه.هل أحضرت معك الكاميرا؟
هزت الكسا رأسها:"لم أجد ذلك مناسباً"
أجابت المرأة الأكبر سنناً :"أنت على حق"
ثم أضافت بعد تفكير :"أمير داسيا ليس بالرجل الذى أرغب بالتصادم معه"
كانت الكسا لا تزال تضع أحمر الشفاه حين توقفت يدها فجأة و هى تنظر فى عينى كارول القاسيتين من خلال المرآة :"أنه أمير طائش و مغرور , أليس كذلك؟ و معتد بنفسه؟"
ــ أنه أبعد ما يكون عن ذلك بحسب ما يقوله أولئك الذين تعاملوا معه و الموظفين يقولون إنه لطيف جداً.
ــ و لكن....ماذا؟
أنهت الكسيا وضع أحمر الشفاه و أعادت الغطاء إلى مكانه و راحت تنظر إلى صورتها فى المرآة . ثم رفعت بصرها و قالت بسرعة :"لا تجيبى على ذلك...أنا آسفة للسؤال. أعرف أن عليك أن تكونى متكتمة"
شردت كارول بأفكارها :"إنه من الرجال الذين لا يمكن تجاهلهم, فهو ليس وجهاً وسيماً و جسماً رائعاً و حسب بل ما ينبع من داخله"
أدارت الكسا رأسها فتلك الجدية غير الاعتيادية فى حديث المرأة الأكبر سناً قد أثارت فضولها :"ما هو هذا الشئ؟"
ــ إنها الجاذبية على ما أظن . رأيته يتحدث إلى المدير, ليشكره على الترحيب الذى لاقاه...لا شك أنه قام بهذا النوع من المجاملات آلاف المرات , لكن لم يظهر عليه أى أثر للضجر
رفعت الكسا حاجبيها :"إن أولاد العائلات المالكة يتدربون منذ الطفولة على ممارسة هذا النوع من العلاقات العامة. إنهم على الأرجح يتلقون دروس فى كيفية إظهار سحرهم و كيفية التحكم بعضلات وجوهم"
ــ أعلم ذلك, أراهن بلآلتى أنه ليس مجرد رئيس صورى أو أرستقراطى .
بدا لى أن طاقة جياشة تتأجج تحت لك القناع الاجتماعى العابث . يبدو أنه يتحلى بالسلطة و النفوذ.
هزت كارول كتفيها :"لا يثير هذا الرجل اهتمامك وحدك للأسف! إذا بدأ أحدهم بطرح الأسئلة أو بطلب معلومات عن تحركاته فأبلغى رجال الأمن بذلك"
ظهر الاشمئزاز على وجه الكسا ووضعت أحمر الشفاه دخل الحقيبة:"سوف أفعل"
ألقت كارول نظرة على ساعتها :"النجدة! يجب أن أذهب ... شكراً لك مرة أخرى لمساعدتى فى هذا العمل الشاق. يا إلهى....من الأفضل أن أذهب! إذا واجهتك أى مشكلة فابتسمى....ابتسامتك القاتلة"
أجابتها الكسا بشئ من الغرور :"لن تنفع ابتسامتى إذا أفسدت بزة أحد الموجودين و خاصة إذا حملت توقيع أحد أكبر مصممى الأزياء . لقد أمضيت فترة ما بعد الظهر كلها أتمرن على عبارات الأحترام"
ارتجفت كارول :"لقد أكتمل منذ خمس دقائق الطاقم الذى سيقوم بخدمة المأدبة. صلى كى يبقى العدد كافياً! تعالى , سأرافقك إلى تحت فقد تجدين الفرصة لتستخدمى لغتك الإيطالية"
تعلمت الكسا اللغة الإيطالية فى المدرسة ثم الجامعة بعد وفاة والديها تحضيراً لليوم الذى ستذهب فيه إلى إيطاليا للبحث عن قبر جدها فربما تجد لها أقارب هناك.
منتديات ليلاس
لن تكون بالطبع موضوع ترحيب لأنها حفيدة غير شرعية لكن معرفتها بأنها ليست وحيدة فى هذا العالم ستحررها من القلق و الشعور بالوحدة الذى تحسه بداخلها . أثناء الغليان الذى ساد الدقائق الأخيرة للتحضيرات راحت الكسا تتمرن على إظها ابتسامة احترام محايدة, قبل أن تحمل بأناقة صينية عليها مقبلات محضرة من المحار الطرى اللذيذ. حملتها بثبات و بدأت رحلتها داخل الغرفة حيث يتواجد كبار رجال الأعمال و المال و أصحاب النفوذ فى العالم.
راحت الكسا تنتقل ببطء محاذرة أن يلهيها اهتمامها بملابس النساء عن القيام بعملها بشكل جيد.
كانت تحدق خفية بإحدى النساء و التى ترتدى ما بدا لها أنه معطف ضيق مصنوع من قماش قرمزى شفاف عندما أمرها صوت نسائى من خلفها:"أيتها النادلة , إلى هنا من فضلك"
لحسن الحظ تمكنت الكسا من إظهار ابتسامة خفيفة و هى تلتفت إلى امرأة أنيقة المظهر تبدو عليه مظاهر النفوذ.
سألتها المرأة :"هل هذا مصنوع من المحار؟"
ابتسمت الكسا برزانة و حيادية و هى تقدم لها الطبق:"نعم إنها كذلك"
ابتسمت المرأة للرجل الواقف أمامها و قالت له بنبرة مختلفة تماماً :"جرب هذه سيدى....إنها نوعية نيوزيلندية فريدة. نحن نعتقد أن المحار عندنا هو الأفضل فى العالم"
أجابها صوت رجولى عميق بلهجة واثقة إنما تخلو من الكياسة :"هذا إدعاء كبير"
استرقت الكسا نظرة من خلال رموشها إلى صاحب الصوت . إنه يرتدى بذلة سهرة فى غاية الأناقة تظهر كتفين عريضين و وركين نحيلين . إنه ساحر الجماهير صاحب أكبر عدد من الصور , الأمير لوكا باغانون أوف داسيا. هكذا فكرت الكسا بشئ من الاستهزاء . إنه و سيم تماماً كما يظهر فى الصور !
قسمات وجهه المنحوتة ذات تأثير فورى , كذلك فمه الذى يجمع الجمال و القوة و القدرة الهائلة على ضبط النفس.
فى تلك اللحظة التقت عيناها بعينيه الذهبيتين بلون النار المتجمدة اللتين كانتا تنظران إليها بتفحص عديم الرحمة.
جمدت الكسا فى مكانها و شعرت كأنها تخضع للقياس و الحكم . بدت ضعيفة و راحت الصينية ترتجف بين يديها . لقد كانت كارول محقة فى وصفها الهالة القوية المرعبة التى تميز هذا الرجل و التى تفرض سيطرته الرجولية على الآخرين . إن الأمير لوكا أوف داسيا رجل ساحر...إنه أمير الظلام المدمر.
راح قلبها ينتفض داخل صدرها فأحكمت الكسا قبضتها على الصينية لتحملها بثبات بينما كانت يديه الأنيقة الطويلة تمتد لتناول بعض المقبلات .
قال بصوت متزن يحمل نبرة ساحرة لا مبالية :"شكراً لك"
مع أن الكسا كانت تنوى الابتعاد من دون النظر إليه, إلا أن نظرة منها أفلتت باتجاهه, مما جذب انتباه تلك العينين الساحرتين فلمعت فيهما ومضة استهزاء و كأن نوراً ساطعاً قد أضاء عمقهما الذهبى . وتحول تعبير وجه المحارب الجرئ أمير داسيا إلى قسوة متحجرة
قالت المرأة الأخرى بصوت حاد قطع صمت الكسا بشكل مروع:"شكراً هذا كل ما نحتاجه"
بابتسامة سريعة دون معنى ابتعدت الكسا و خطت خطوتين لتقدم الضيافة إلى المجموعة التالية.
لم يقل لها أحد من قبل إن الجاذبية محرقة . هكذا فكرت بعد أن استعادت أنفاسها من جديد . يا للسخافة ! لقد شعرت و كان قوة الأمير الرائعة إلى حد مؤلم , امتدت نحوها و كأنها تطالب بها, ما جعلها تحس بأنها أصبحت تحت سيطرته و جعل الخوف يتغلغل فى الأعماق.
كانت تجاهد بيأس لتستعيد روحها المرحة فراحت تأمر نفسها بألا تتصرف كالبهاء . لقد نظر إليها و نظرت هى إليه. ولأنها شخص مفعم بالحيوية فقد تجاوبت مع أكثر الرجال روعة من بين من صادفتهم فى حياتها !
شعرت زهرة منسية بالارتجاف و التوتر و ظلت حواسها منتبهة لوجوده , فراحت تتجنب النظر إلى تلك الجهة, بينما هى تلبى طلبات الآخرين و تنتقل فى أرجاء القاعة حيث تقام المأدبة .
فى وقت لاحق كانت تتجه إلى غرفة الملابس بعد أن انتهت مهمتها , عندما ظهرت كارول و قد بدت أقل تكدراً :"كانت المأدبة جيدة حقاً....كل شئ سار حتى الآن بشكل حسن"
ثم أردفت بملاحظة سريعة:"كيف وجدت الأمير؟"
ردت الكسا محاولة استعادة نبرتها المرحة المعتادة و التى فقدتها لتو:"إن لقب الدوق الكبير يناسبه أكثر, فهو مهيب جداً. من هى تلك المرأة التى ترافقه؟"
ــ تلك الشقراء الفاتنة؟ إنها ساندرا تشامب و كيلة إحدى الوزارات , يبدو أنها صديقة قديمة له.
ردت الكسا متشدقة و هى تكبت دفعة شديدة من المشاعر البدائية التى لم تشأ أن تسميها حسداً:"قديمة؟ لا أظن أنها ستسر بسماع لك"
أطلقت كارول تكشيرة حادة ذات مغزى :"هل حذرتك لتبتعدى عنه؟ أنا لا ألومها...بل ستكون حمقاء إذا لم تحاول الحصول على فرصة أخرى معه. حسناً, ما رأيك أنت به؟"
أملت الكسا أن تتمكن من إخفاء مشاعرها المتطرفة بابتسامة ساخرة:"أنه رجل خرافى.... أحد أولئك الرجال الخطرين اللذين يظهرون فى الحكايات"
ــ لقد ألقى خطاباً رائعاً بعد العشاء كان خطابه قصيراً لكنه ممتع و مثير بذكاء.
ــ أمل أن يكون قد دفع لكاتبه بسخاء.
فأجابت كارول و هما تستديران باتجاه المصعد :"يخيل إلىّ أنى سمعت تعبيراً ساخراً فى ملاحظتك, ألا توافقين على النظام الملكى؟"
كيف يمكنها أن تقول إن الأمير لوكا أثر عليها لدرجة أفقدتها السيطرة على تفكيرها؟ إن ذلك يبدو اندفاعاً طائشاً و سخيفاً كالوقوع فى الحب من النظرة الأولى.
هزت الكسا كتفيها :"كنظام حكم أعتقد أنه على الأرجح فى طريقه إلى الزوال . لكن من أكون أنا لأقول لأهل داسيا كيف عليهم أن يحكموا بلادهم؟ إذا كانوا يحبون أميرهم فهذا أمر جيد , و أنا أعتقد أنه يقوم بأشياء حسنة من أجلهم عن طريق المصرف الذى يملكه"
قالت كارول بصوت يملؤه الرهبة و هى تضغط على زر تشغيل المصعد:"يستعمل المصرف التاج كضمانة له"
تثاءبت الكسا بعد أن احست فجأة بالتعب و ردت بغموض:" جواهر التاج؟ أجل , قد تذكرت , أليس لديهم ثروة طائلة من الزمرد؟"
ــ و يغطى الأمير ما تبقى من ثروته الخاصة .
توقف المصعد قابلتهما و انفتحت الأبواب فسألتها كارول و هى تضغط على زر التشغيل لتبقى الأبواب مفتوحة:"هل أحضرت سيارتك؟"
هزت الكسا رأسها :"إنها فى التصليح , فهى تثير ضجة غريبة"
ــ إذاً أطلبى سيارة أجرة....و أحتفظى بالإيصال لكى تستعيدى ما دفعته فهم يدفعون لنا بدل الأنتقال.
ــ سوف أمرره لك أو أرسله بالبريد . عمت مساء.
نزلت الكسا إلى الطابق السفلى إلا أن نظرة واحدة إلى الردهة جعلتها تغير رأيها بشأن محاولة أخذ سيارة أجرة من هناك.
كان الناس يتدفقون إلى الخارج و سيارات الأجرة لا تكاد تصل إلى المكان حتى تغادره, والبوابون يتحركون بسرعة لتسهيل خروج الحشد. لم يكن ثمة داع للقلق فإن أقرب موقف للسيارات يبعد فقط بضع خطوات ويقع عند زاوية الشارع المضاء. و بما أن موقف السيارات التابع للفندق يقع فى الشارع نفسه فهذا يعنى أن هناك ما يكفى من الزحمة و المارة ليكون السير فيه آمناً كلياً.
علقت الكسا حقيبتها و خرجت فشعرت برجفة خفيفة . كانت السماء قد أمطرت فيما هى تقدم الطعام اللذيذ للأغنياء و أصحاب النفوذ.
منتديات ليلاســـ