كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 293- دمعة تضئ القلب - سلسلة روبين دونالد (الجزء الثانى)
قالت الكسا بصبر و هى تبحث عن مفاتيحها :"كلا سين , لا أريد تقديم كوب من القهوة لك"
راح رفيقها للسهرة يضحك ممسكاً بمعصمها :"هيا الكسا. لا تكونى مملة"
شعرت الكسا بالسخط مما دفعها إلى نبذ كل لباقة فقالت بحدة:"عمت مساءاً , لا تدع سيارة الأجرة تنتظر"
لكن رفيقها أصر:"لماذا؟ انت تروقين لى و أنا أروق لك....فما هى مشكلتك إذاً؟"
إلا أن طيف شخص آخر لاح أعلى الدرج و بالرغم من أن عينا الكسا اتسعتا لرؤيته إلا أنها عادت و عدلت رد فعلها , فشهران من البؤس و الوحدة لم يكونا كافيين لها لتتخطى شعورها بأن كل رجل طويل و أسمر هو لوكا.
لكن عندما قال القادم الجديد بلهجة مألوفة مهلكة :"أنت هو المشكلة"
كاد قلبها يتوقف عن الخفقان و تجمدت فى مكانها . و إذا بها ترى سين يواجه لوكا قائلاً :"من أنت بحق الجحيم؟"
أجاب لوكا باقتضاب :"لست شخص تهمك معرفته"
و حول نظره من سين إلى الكسا :"هل تريدينه أن يغادر؟"
أجهدت الكسا نفسها لتتمكن من تحريك لسانها بما يكفى لتقول بصوت أجش:"كان سيغادر"
اجاب لوكا بصوت يمكنه أن يثير الارتجاف :"لقد سمعت ما قالته"
تلك النبرة المتسلطة فى صوته و فى وقفته هزتا كيان سين. و بعد أن أصبح على مسافة آمنة قال :"كان عليك أن تخبرينى بأن ثمة رجل فى حياتك الكسا, و ما كنت لأتطفل"
ظلت الكسا تراقبه مشدوهة لا تطيق الانتظار بينما كان سين يتحرك بسرعة للحاق بسيارة الأجرة"
ساد الصمت بينهما إلى أن كسرته الكسا حين قالت بصوت متوتر و فاتر:"شكراً لك"
سألها لوكا بلا مبالاة :"من هو؟"
ردت باقتضاب لأن الكلمات تعثرت على لسانها :"إنه صديق "
كان الارتباك و الأمل يتصارعان فى داخلها فثبتت نظرها على المفتاح فى القفل.
هل يحاول أصدقائك التحرش بك؟
لولا تلك البرودة فى نبرته لساورها الشك فى أن سؤاله يحمل مسحة غيرة. لكن لوكا لم يبد لها كعاشق عاد ليشكو نار حبه . فقالت و قلبها يكاد يهبط من صدرها :"هذا ليس من شأنك , لكن ما دام ذلك قد حصل, كلا إنهم لا يفعلون"
كان لوكا يبدو طويلاً و داكن اللون كأنه ينذر بالشؤم تحت الضوء المتسلل من مصابيح الشارع.
ــ و الآن , ماذا؟
كلمة مضطربة أخرى....سعلت الكسا ثم أردفت :"تجاوز الوقت منتصف الليل"
ــ إن الأمر هام.
كانت ترتجف لكنها دفعت الباب و غمغمت :"من الأفضل أن تدخل"
فى أى حال تركت شقتها ؟ لم تعد تذكر. و أملت الكسا أن تكون شقتها مرتبة.
إنها لست فى حالة سيئة فعلى الأقل هناك باقة من الأزهار ...كانت قد اشترتها بعد ظهر ذلك اليوم لأن كل شئ فى حياتها بدأ رمادياً . و الان ها هو سبب مأساتها و بؤسها الدائم يقف أمامها ينظر إليها بتجرد.
كانت الكسا تحس بوخز فى بشرتها فقالت بصوت مخنوق :"متى جئت إلى أوكلاند؟"
كان لوكا ينظر إليها بعينين شبه محجوبتين و وجه لا ينم عن أى مشاعر:"وصلت مساء أمس فى زيارة خاصة"
رمقته بنظرة متألقة قائلة بجفاء :"لن أخبر أحد بذلك"
هل جاء وحده أم برفقة تلك الأميرة التى تتحدث الصحف عن علاقته بها مؤخراً؟ و هذه المرة بدا الأمر أكثر جدية فقد كا لوكا يمكث فى قصر أسرتها فى فرنسا.
ضاقت عيناه :"أعلم ذلك"
تخطت الكسا رغبة مجنونة راودتها و سألته :"هل اقتنعت أخيراً بأنى ليست من الصحفيين المتطفلين ؟"
جاءت ابتسامته مطمئنة و....مهلكة:"نعم"
اتسعت عيناها و قالت بتأن :"كيف؟"
ــ لم تبيعى أى قصة أو صور و التزمت بوعدك لى بعدم التحدث عما حصل.
كان من الأفضل التزام الصمت , إلا أنها لم تستطيع منع نفسها من القول :"أنا لا أنكث بما أعد به"
و لأن كلامها بدا متزمتاً تابعت تقول :"شكراً لأنك قمت باستبدال آلة تصوير والدى"
هز لوكا كتفيه :"لا داعى لشكرى"
مما يعنى أنه كلف أحد أتباعه بهذه المهمة , رغم أن توقيعه كان على الرسالة القصيرة التى وصلت معها.
ثم أردف:"شبق لك أن شكرتينى فى رسالة رسمية قصيرة"
رسالة لم يجب عليها مما آلمها فسألته بهدوء:"هل أنت من دبر لى فرصة لأعمل مع شركة (ترودى جركن)؟"
كانت الكسا تراقبه عن كثب فلاحظت ارتجافاً خائناً فى أجفانه. و قالت بسرعة:"انا ممتنة لك جداً, لكنك لا تدين لى بأى شئ . عندما قرأت عن اتفاق السلام الذى تم فى سانتا روزا أدركت لما كنت بهذه العدائية معى, لأنى أتجول بجوار منزلك حاملة آلة تصوير"
عندما شاع الخبر و انتشرت المعلومات بأن الاتفاق قد أبرم فى بيت لوكا عند الشاطئ راحت الكسا تلتهم كل ما يقع فى يدها عن هذا الموضوع.
قال لوكا:"كنت فى طريقى لمقابلة ممثلين عن حكومة سانتا روزا فى الليلة التى تعرضت فيها للهجوم"
كانت لهجته متحفظة كتعابير وجهه :"أصرت الحكومة على سرية المحادثات لأن الدولة المجاورة كانت مستعدة لاجتياح أراضيها"
أومأت الكسا . أن لوكا يتعاطف بالتأكيد مع دولة صغيرة مهددة .
و رمقها بنظرة حادة و تابع :"أرادت جماعة سانتا روزا قوة لحفظ السلام قبل أن تتسرب أخبار الاتفاق إلى الصحف"
شبكت الكسا أصابعها معاً بقوة إلى أن أصبحت بيضاء اللون تقريباً :"يمكننى أن أفهم حاجتك إلى السرية على الجزيرة.....كما أفهم لما ظننت أننى من سرب الأخبار لتلك الصحيفة.... التى تبين بالصدفة فيما بعد أن لديها جاسوس فى مكتب كارول , يستمع إلى المكالمات الهاتفية.... لكنى مازالت أعتقد أن احتجازك لىّ كان رد فعل مبالغ فيه"
قال لوكا بحزم:"بدا أمراً ضرورياً فى حينها. أعرف أن السجن سجن مهما كان مريحاً لكنى سأكرر ذلك إذا اضطررت للأمر . آمل أن تدركى كم كنت أشعر بالاستياء لاضطرارى للقيام بذلك"
أحست ان بشرتها تحترق فوق عظام خديها , عندما تذكرت تلك الوردة القطنية فقالت بصوت هادئ :"هخذا لا يهم الآن يبدو أن اتفاق السلام قد نجح و هذا ليلاس لا يقدر بثمن"
تردد قليلاً ثم قال بهدوء :"أجلسى الكسا , هناك ما أود أن أخبرك به"
رمقته الكسا بنظرة متمردة , لكنها اطاعته و جلست واضعة يديها فى حجرها فهى تريد إنهاء الموضوع!
ألقت نظرة على وجهه الصارم المتسم بالجدية و راحت تتساءل أن كان لوكا قد قطع كل تلك المسافة ليعلمها بأنه سوف يتزوج تلك الأميرة . لماذا يزعج نفسه؟ فليس بينهما ما هو مشترك, سوى بعض المناوشات . قالت بتصميم :"تفضل"
قال لوكا بصوت حيادى و خال من العاطفة :"عندما رأيتك للمرة الأولى أذهلتنى عيناك"
لم تكن الكسا تتوقع ما سمعته فرددت بارتياب :"عيناى؟"
بدا التوتر على فمه و قال متشدقاً :"من بين أمور أخرى"
لكنه تجاهل حرارة اللون الذى احتاج بشرتها و تابع قائلاً:"لدى صديق له لون عينيك نفسه . كان لدى أمور أخرى تشغلنى لذلك فكرت بأن الأمر مجرد صدفة. و عندما أخبرتنى أن والدك ينحدر من أصل إيطالى و أنك لا تعرفين من هو جدك بدا لىّ الأمر كأنه لغز"
ــ لماذا؟
جاءت كلمتها خرقاء , فأدركت أنها كانت تحبس أنفاسها.
ــ لأن صديقى ينتمى أيضاً إلى تلك البقعة من العالم.
هرب اللون من بشرة الكسا و لم تعد تقوى على الكلام. راحت تحدق إلى منتديات ليلاس لوكا بنهم منتبهة إلى الطريقة التى يلون بها الضوء بشرته.
منتديات ليلاس
تابع لوكا بهدوء :"بالرغم من انك تحملين الأسم نفسه , فهذا ليس غريباً....لأن أسمى الكسا و نيكول هما أسمان عصريان . لكن عندماى أخبرتنى أنهما أسما والدك , و والده الى عرفته جدتك عندما كانت تدرس فى جامعة فى إيطاليا أثار الأمر اهتمامى . عندما رجعت إلى داسيا بحثت عن كل المعلومات المتعلقة برحلة جدتك إلى إيطاليا"
قالت الكسا بقوة:"لا يحق لك القيام بذلك. كما أنه ليس عليك أن تعوض على لأنك احتجزتنى . كان عليك أن تخبرنى بشكوك و أنا أقرر ما الذى أفعله"
انعقد حاجباه معاً و قال لها :"كان هناك اعتبارات أخرى"
ــ أى اعتبارات ؟
ــ هوية جدك.
احست أنها لم تعد تستطيع التنفس . ابتلعت ريقها و قالت بصوت محبوح :"هل وجدته؟"
وضع لوكا يده النحيلة فى جيب سترته . و أخرج صورة وضعها على الطاولة أمامها :"هل تعرفين هؤلاء الأشخاص؟"
كانت يدا الكسا مثنتتين بإحكام فى حجرها فراحت تنظر إلى صورة الشخصين اللذين يبتسمان لبعضهما البعض فى تلك الصورة الباهتة و قالت بصوت مبحوح :"نعم, فلدى صورة مطابقة لها تماماً"
ــ هل يمكننى ان أراها ؟
مشوشة الذهن بمزيج من الألم و الترقب ركضت إلى غرفتها و أحضرت من خزانتها صورتين .
قالت مشيرة إلى الأقدم بينهما :"هذان هما جداى."
ثم أشارت إلى الصورة الأخرى مضيفة :"و هذان هما والداىّ يمكنك أن ترى الشبه الواضح بين جدى و والدى"
لم يظهر أى تغيير على سيماء وجه لوكا القاسى عندما كان يتفحصهما , إلا أنها وضعهما على الطاولة قائلاً :"نعم, أنهما يشبهان بعضهما إلى حد بعيد"
ــ إذا من يكون جدى؟
قال لوكا :"يبدو ان جدك كان ولى عرش ايليريا حين التقى جدتك.أن فحص الجينات سوف يثبت صحة الأمر , لكن كل المعلومات تدل على ذلك"
ارتخى فكا الكسا و عندما استعادت قدرتها على الكلام قال بتردد :"أتقصد الأمير الذى تزوج بامرأة نيوزيلندية؟ كلا أنه صغير السن!"
كان لوكا يراقبها بتركيز :"لست أعنى الأمير الكس , و إنما والده الأمير نيكولا الذى كان يومها ولياً للعهد. لقد التقى جدتك فى جامعة إيطالية و أحبا بعضهما البعض و حين أنهت دراستها عادت إلى نيوزيلندا و هى حالمل بوالدك . لم يكن بإمكان الأمير نيكولا أن يكتشف الأمر , و أعتقد أنه قدم الدعم لجدتك و ابنها بقدر ما أمكنه ذلك"
قالت الكسا بصوت ضعيف:"يبدو ذلك كالخرافة"
كانت تشد قبضتى يديها لتمنعهما من الارتجاف محاولة تنظيم أفكارها المشوشة :"إنه أمر لا يصدق"
ــ كان لدى جدتك سبباً وجيهاً لتخفى عن ابنها كل المعلومات المتعلقة بوالده. فهى على ما يبدو امرأة حساسة و طيبة.إن الرجل الذى يبدو فى الصورة مع جدتك, هو بالتأكيد والد امير ايليريا الحالى, عندما كان فى الثلاثين من عمره. إذا كانت جدتك قد أدركت أنه لم يكن لديهما أمل بالزواج فى تلك الأيام فإن قرارها كان صائباً.
قالت الكسا كأنها مخدرة :"و لم تشأ أن تحمله عبء طفل غير شرعى. ماذا حصل له عندما تعرضت ايليريا للغزو؟"
ــ بعد أن أمضى تلك السنة فى إيطاليا ذهب إلى الجامعة فى سويسرا ثم إلى انكلترا . تزوج قبل حصول الثورة الشيوعية بوقت قصير ثم راح يعمل سراً كمزارع إلى أن أكتشف أمره. عندئذٍ ضحى بحياته ليفسح لزوجته و ابنه الوقت الكافى للرحيل.
فجأة طفرت الدموع من عينى الكسا و شعرت بالألم من أجل رجل لم تعرفه قط فى حياتها. قال لوكا بهدوء :"نعم, كان جدك بطلاً يحق لك أن تكونى فخورة به"
ابتلعت ريقها :"أنا....لا اعرف ماذا أقول"
ضحك بهدوء :"ربما للمرة الأولى منذ تعارفنا"
راحت الكسا تعض شفتها لتمنعها من الارتجاف :"لِمَ قمت بكل هذا العمل الشاق؟"
ــ بدا لى هذا أقل ما يمكننى أن أقدمه لك بعد معاملتى السيئة . أخبرتنى أنك تشعرين و كأن هناك ثقب فى حياتك . و بالرغم من أنك كنت تضحكين حين كنت تكلمت عن عائلة إيطالية كبيرة , إلا أنك بدوت تواقة إليها.
إن اكتشافه هذا السر من أجل إسعادها يعنى لها أكثر من ان يقوم بتقديم التعويضات لها.
قالت له مخفية ارتباكها وراء كلماتها :"أنا....أشكرك"
رد بلا مبالاة :"لست بحاجة لأن تشكريننى"
و تحولت قسمات وجهه إلى قناع برونزى بارد حين أضاف :"لسوء الحظ بينما كنا نقوم بالبحث تحدث أحد الموظفين عندى إلى أحدهم عن امكانية أن يكون لـ نيكولا أبن آخر , فوصلت هذه المعلومة....."
شعرت الكسا بالأسف من اجل ذلك الموظف المهمل و سألته:"إلى من؟"
انتظر قليلاً و عندما لم يتفوه بكلمة غمغمت :"لا أعتقد أن ذلك مهم . فيبدو لى ان العائلة المالكة فى ايليريا لن تبدى اهتماماً بقريبة مجهولة تعيش فى الجهة الأخرى من العالم"
مع أن هذه الفكرة كانت تدغدغ احلامها...عائلة إيطاليا كبيرة و سعيدة,لكن الأمر مختلف الآن فلديها عم هو أمير.
منتديات ليلاســـ
|