كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 293- دمعة تضئ القلب - سلسلة روبين دونالد (الجزء الثانى)
7 – لــيــــلة أخــــرى
توهج وجه الكسا و غمغمت :"أنا أيضاً أشعر بذلك"
منحها ابتسامة أخرى تهز شُغاف القلب قائلاً:"هذا يسمى استجابة و ليس مشكلة"
كان فى صوته مسحة من الكآبة . فتحت الكسا فمها و قبل أن تتمكن من صياغة كلماته لتجيب أغرق يده فى شعرها النحاسى المبعثر حول كتفيها و راح يقاطع الكلمات بعناق جارف.
كان عناقاً رقيقاً إلى حد بعيد كذلك كان العناق الذى تلاه... رفعت الكسا رأسها و فتحت عينيها و كادت تجفل لرؤيتها لمحة الضحك التى لا تزال تلتمع فى عمق عينيه الذهبيتين.
إنه يعتبر الأمر مجرد متعة تافهة يملأ بها صباح أحد الأيام المشمسة....
قالت و هى تشعر بالإحراج :"قد لا يكون ذلك مشكلة بالنسبة إليك إنما هو كذلك بالنسبة لىّ"
حلت السخرية مكان التسلية فى عينيه وسألها بابتسامة هازئة لم تعجبها :"هل تحاولين اختبار شئ ما الكسا؟"
سألت بدورها :"لا أدرى....هل بدوت كذلك؟"
هذه المرة جاءت الابتسامة عدوانية :"أعتقد ذلك. لكنم علىّ أنا أيضاً أن أختبر أمراً...."
و كمن يخضع للتنويم المغناطيسى أغمضت الكسا عينيها بينما راح لوكا يمرر أصابعه على عنقها حيث تنبض عروقها بقوة
قال متشدقاً :"أنت تذكريننى بفرس كانت عندى ذات مرة"
أحست الكسا بالإهانه فاتسعت عيناها و قالت بنزق:"حسناً, شكراً جزيلاً"
قال محملاً كل كلمة من كلماته نبرة هازئة :"طويلة,أنيقة وسريعة. كان شعرها بلون شعرك تماماً لكنها كانت ترفض السماح لى بركوبها"
سألته متجاهلة المعنى المبطن فى كلماته :"ماذا حصل لها ؟ هل حكمت عليها بالأعدام؟"
قال برقة و عيناه شبه مغمضتين :"لديك أفكار غريبة بالنسبة لمواطنة تنتمى إلى دولة ديمقراطية, فلم يعد مقبول أن تقطع رؤوس الناس لأنهم يعارضون. كلا , لقد روضتها وفق إرادتى . ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت تأكل من يدى و تسمح لىّ بركوبها ساعة أشاء"
سرت فى جسد الكسا حرارة متوهجة لكنها قاومتها . رفعت حاجبيها و قالت بابتسامة مستخفة :"يا لبراعتك!"
ابتسم لوكا و أحكم قبضتيه على كتفيها ثم قربها منه . حرر لوكا أحد كتفيها ليرفع ذقنها بيده قائلاً:"بالطبع, كان على أن ألاطفها فى البداية و لم يكن ذلك سهلاً. فقد كانت سريعة الاهتياج و ذات طبع حاد....وهذا تحدٍ لا يقاوم"
كانت لمسته تفتت دفاعاتها كما يقطع السيف خيوط الحرير. وضربات قلبها السريعة تطن فى رأسها , مغرقة أفكارها فى بحر من المشاعر الحسية الضاربة.
سألها بصوت يثير الحواس بوضوح :"هل قلت لك أن تلك الفرس كانت جميلة بما يكفى لتسلب قلب الرجل من صدره؟ كانت ملساء و قوية و رائعة. كأنها الريح فوق المحيط أو الشمس فى تألقها أو نمرة تدافع ع صغارها"
قربها لوكا منه و عانقها , و ظلا متلاصقين للحظات طويلة و تجاوبت معه الكسا بحماسة تحولت إلى نار متوهجة . كانت تائهة فى عالم من الأحاسيس المضطرمة , طوقته بذراعيها , مستسلمة لعناقه . و قبل لوكا هذه الدعوة الصامتة .
رفع لوكا رأسه و راح يبتسم متأملاً وجهها المبهور بعينيه المثقلتين .
غدا اللون فى عينيه الذهبيتين أكثر عمقاً و غمغم ببهجة و هو يراقبها , ثم تراجع إلى الوراء .
بالكاد تمكنت الكسا من ملء رئتيها المذعورتين بالهواء . نظرت حولها و أدركت ببطء ما كان يحصل معها. و ما إن استعادت الذكريات حتى راحت تلوم نفسها لغباوتها و استسلامها المخجل.
تراجعت إلى الوراء و الخجل يغمرها حتى أخمص قدميها . وهمست متألمة و كأنها تحدث نفسها كالمخبولة :"كيف يمكنك أن تفعل هذا بحق الله؟"
تلاشت كل الانفعالات من عينيه و زاد اتساعهما لتصبحا معدنيتين .
ثم قال بصوت مزق كل ما تبقى لديها من شجاعة:"ليس هناك سحر فى ما حصل فأنت امرأة جميلة و أنا رجل متمتع بصحة و قابلية جيدتين"
أجابت بحنق و يداها المرتعشتان تكذبانها :"أنا لا أتكلم عن تأثيرى عليك. لكن معظم الرجال يقومون بذلك بسهولة...."
شعرت بالمرارة فتوقفت عن إتمام كلامها .
هز لوكا كتفيه قائلاً بلا مبالاة :"النساء لسن مختلفات عن الرجال . ولا تحاولى إقناعى بأن هذا لم يحصل معك من قبل...."
على الأقل , بإمكانها الاحتفاظ بشئ لنفسها و إخفاؤه عنه, و هو أن تلك الجاذبية الطاغية جديدة و غريبة عليها تماماً .
ردت قائلة :"إنما , ليس بدون عاطفة"
استدارت مبتعدة بينما كان عناقه لا يزال يحرق جسمها
ــ أنا ذاهبة.
استوقفها صوته الذى بدا عليه الاهتمام , حين قال :"تلك الليلة , عندما التقينا كنت تنظرين إلىّ نظرات ملؤها الجرأة و المقاومة . لقد أدركت ذلك لأن هذا ما شعرت به أنا أيضاً...رغم أنى كنت أواجه تحدياً مغرياً و خطيراً فى الوقت نفسه"
تحركت يداه برقة لتلامسا بشرتها فارتجفت الكسا . ومرة أخرى ضحك لوكا. و ما هى إلا لحظة حتى كانت بين أحضانه من جديد , ترتعش مبتهجة و هو يعانقها بقوة.... تشت تفكيرها لدرجة أنها لم تعد قادرة على السيطرة على استجاباتها فتكور جسمها ملتصقاً به .
قال لوكا بصوت خشن و متقطع:"هذه هى المشكلة"
ثم قال فجأة:"خذى نفساً عميقاً"
منتديات ليلاس
شعرت الكسا بإحباط مؤلم , فملأت رئتيها بالهواء . لزم لوكا ثلاث خطوات ليصل إلى حوض السباحة و كأنه لا يشعر بوزنها بين يديه . قفز فوق حافة البركة و هى لا تزال بين ذراعيه , فاندفع الماء من حولهما بارداً و منعشاً . عانقها بحرارة و قوة ثم حررها دافعاً إياها إلى الأعلى محدثاً دوامة من الأمواج حولهما.
فتحت الكسا عينيها ما إن لامس جسمها سطح الماء من جديد, فوقع نظرها على ظهر لوكا بينما كان يخرج من حوض السباحة . أما هى فاستدارت لتسبح إلى الجهة الأخرى . و كانت نبضات قلبها تتسارع كأنها آلة لثقب الصخور .
كان لوكا يقف بانتظارها و هو يتمطى . أما هى فكانت لا تزال تشعر بألم محبط . قبلت مساعدته لإخراجها من البركة على مضض فيما قال متعمداً بنبرة آمرة:"تعالى لنقوم بنزهة معاً"
ــ و هل أملك الخيار؟
تدتها عيناه بازدراء :"بالطبع لديك خيار"
توهج خدا الكسا و نفضت يدها و ركضت لتلتقط قميصها و لبسته لتحتمى من نظرات لوكا المتفحصة.
صوبت نظرة ساخرة نحو حوض السباحة و الأثاث الفخم و قالت بتهكم:"أهكذا يتصرف الأمراء عادة؟ ظننت أنك ترعرعت على القيام بالواجب و الخدمة و التضحية بالذات"
أصبحت نظراته قاسية و قال :"أنا أتمتع بالزخارف , لكن هذا كل ما هى عليه....مجرد زخارف"
كانت تشعر بالغضب لأنها أرادت أن تكون أكثر من مجرد رفيقة لعب. فقالت بجفاء:"آسفة , لكن أنا لست أحد الزخارف"
حدق لوكا إلى الحديقة بابتسامة ضيقة كأنهما حافة السكين. وفكرت الكسا باشمئزاز بأن هذا النقاش يجب أن ينتهى هنا فهى لا تريد بالتأكيد متابعة الحديث فى هذا الموضوع . لاحظت أن الأرضية مرصوفة ببراعة و فخامة لكن الجدران كانت مرتفعة بما يكفى لتحول دون دخول أى متطفل.
قالت و الحرارة تجتاح بشرتها من جديد:"آمل ألا يكون هناك كاميرا فى أرض البركة"
تجاهل سؤالها ليقول برقة :"لا يتم تشغيل الكاميرات عندما أكون فى الحديقة"
لقد باتت الآن متأكدة من أن لوكا يمضى الساعات بإغواء النساء فى ذلك المكان . حدقت فيه قائلة :"فى الواقع أود أن أرى الأفلام التى تصورها هذه الكاميرات"
أطلق ضحكة ملؤها السخرية:"أنت متأثرة . استرخى.... سوف تجدينها مملة بشكل لا يطاق"
ابتلعت الكسا ريقها و التفتت بعيداً باحثة عن أى شئ تستطيع التحدث عنه.
و رق صوتها فجأة :"هذه ورود قطنية! كانت جدتى تحرص دائماً على زرع واحدة فى حديقتها"
قال لوكا :"ورود قطنية؟ كنت أظنها أحد أنواع الخبازى"
ــ إنها تشبه الخبازى أليس كذلك ؟ لكن أزهارها تدوم أكثر .... ثلاثة أيام على الأقل"
أومأ قائلاً:"و يتغير لونها كل يوم"
ــ كانت هذه الورود تدهشنى فى صغرى...فهى بيضاء حين تتفتح, ثم تأخذ لوناً زهرياً لطيفاً و تنتهى بلون زهرى غامق محبب.
مررت أصابعها على إحدى الورود بلطف و قالت:"لِمَ تحتاج إلى كل هذه الإجراءات الأمنية؟"
جاء صوته جافاً :"عليك أن تعرفى السبب, فأنت نفسك تعرضت للهجوم فى تلك الليلة"
ألقت الكسا نظرة أخيرة على الورود القطنية و تحركت قائلة :"حصل ذلك فى المدينة, أما هنا فلا أحد يعلم بوجودك , وحتى لو علموا فالناس لن يتطفلوا عليك . قد يحدث أن يمر بعض صيادى الكنغر من هنا لكن بإمكانك أن ترسل أحد أتباعك لتحذيرهم"
شبك أصابعه بأصابعها :"يمكننى تدبر أمرى جيداً مع أولئك الذين يصطادون ذوات الأربع قوائم"
قاومت الكسا أحساساً لاذعاً بالبهجة و استغرقها الأمر برهة لتفهم ما يعنيه بقوله هذا. رفعت نظرها إليه مرتعبة لترى عينين مصقولتين غامضتين كأنهما مصنوعتان من المعدن:"لكننا هنا فى نيوزيلندا....لسنا معتادين على الخطف أو الاغتيالات"
خشن صوته فجأة و قال :"هذا الأمر يمكن أن يحصل فى أى مكان"
رفعت الكسا بصرها نحوه , لكن وجهه لم يكن يظهر شيئاً و كذلك صوته حين قال :"هذه إجراءات غايتها إبعاد الصحافة . نعم.....لعلى أبالغ فى الارتياب , لكن مهنتك ذات أهداف واضحة تماماً , وهى مهنة ماكرة حين يتعلق الأمر بالبحث عن طريدة"
قالت من بين أسنانها :"انا لست مصورة صحفية , أتخيل كم هو مزعج و محبط أن تكون دائماً عرضة لملاحقة المتطفلين . لكن هل فكرت يوماً بأن الصحافة كانت جيدة لك و لـ داسيا؟"
التعمت عيناه خلف رموشه الكثيفة و سأل بتهكم :"كيف ذلك؟ باستثناء تخصيصها حاشية فى صفحاتها عندما يتعلق الأمر بمفاوضات اقتصادية ؟"
ثم أجاب على نظراتها المستفسرة بابتسامة خالية من الفكاهة :"لم يكن أحد يتوقع من أمير عابث و متأنق أن يقوم بشئ جدى و ذى أهمية"
أومأت برأسها موافقة بمرارة :"إذاً, فهم قد اساؤوا تقديرك"
كانت الكسا تعلم جيداً ما تعنيه كلمة (هم) لأنها هى أيضاً قيمته بشكل سطحى...ثم قالت بنبرة مختلفة تماماً:"ما هذا؟"
رأت كلباً يشم الأرض قرب شجرة النخيل . اقترب منهما و هو يهز ذيله بعد أن شعر أنه موضع ترحيب . انحنت الكسا و راحت تربت على رأسه الأشقر , ثم ابتسمت حين غمغم الكلب و قالت و هى تداعب أذنيه :"إنه لطيف"
ثم رفعت بصرها نحو لوكا لتسأله بلهجة تحمل نبرة الاستهجان :"هل هو لك؟"
كان لوكا يراقبها بنظرة وامضة:"كلا, أنه كلب الحارس . ألا تعتقدين أنه يجدر بى أن أقتنى كلباً؟"
ــ أن الكلاب حيوانات اجتماعية . وهى تحتاج إلى رفيق و ليس إلى ملك متسلط.
أجاب ساخراً:"إذاً , لقد اتفقنا على أمر ما"
انتصبت الكسا واقفة و قالت :"إذا كنت قلقاً إلى هذا الحد من أن يقتحم أحد الصحفيين مقرك هذا , فعليك اقتناء بضعة كلاب شرسة,وليس كلب عجوز لطيف كهذا"
قال بهدوء و هو ينحنى ليداعب الكلب:"هناك كلاب أخرى فى الجوار"
أحست بسيل من الأحاسيس فى داخلها و هى تراقب انعكاس النور على شعر لوكا الأسود فيما هو منحن يداعب الكلب . وكادت تشعر بالاختناق و هى تقتفى أثر أشعة الشمس التى تعانق تلك الرموش الكثيفة فوق عينيه الذهبيتين اللامعتين
منتديات ليلاســـ
|