كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
رد: د. نبيل فاروق يكتب.. الهدف أنت (3)
الهدف أنت (6).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق
تراجع طائرات الهليوكوبتر كان بهدف الإيحاء بالثقة في مصرع المجرم
في خفة مدهشة تحرك مجرم القرن في ذلك العالم، بين الطرقات غير المرصوفة والتي لم تكتمل بعد لتلك المدينة الجديدة، محاولا الابتعاد بقدر الإمكان عن الساحة الخالية، التي تفصله عن مدينة البحوث العلمية.
كان بحكم عمله السابق في جهاز المخابرات العمومية في عالمه، يعلم جيدا كيف تتعامل الجهات الأمنية في موقف كهذا.
صحيح أنه قد وثب من تلك السيارة المدرّعة، فور وصوله إلى أطراف المدينة الجديدة، بحرفية تمنع طائرات الهليوكوبتر من كشف خروجه منها، وتركها تواصل اندفاعها، مدركا أنهم إن عاجلا أو آجلا سيلجأون إلى قصف السيارة بصواريخهم، كوسيلة أخيرة لمنعه من الفرار..
إلا أنهم حتما لن يتوقفوا عند هذا..
فلا بد، وفقا لأبسط قواعد الأمن، أن يتيقنوا من مصرعه قبل إعلان هذا رسميا..
وهذا يعني أنهم سيسرعون بكل قواتهم الأرضية لفحص المكان وتفتيشه، أو لفحص بقايا السيارة المدرعة والتيقن من وجود جثته المحترقة داخلها..
ولأنه يعلم كل هذا، فقد وضع خطته منذ البداية، مفترضا كل الاحتمالات الممكنة..
وكل ما عليه الآن هو أن يسبقهم في الوصول إلى نهاية المدينة الجديدة..
هناك تنتظره سيارته التي أخفاها في مهارة وخبرة، وتركها في موضع يتيح له الانطلاق بها في سرعة وبلوغ الطريق العمومية خلال دقيقتين فحسب..
وهناك سيمتزج بالسيارات العابرة، ويصير من العسير إن لم يكن من المستحيل، أن يتم تمييزه أو العثور عليه..
ولكل هذا فقد تحرك في سرعة، عاونه عليها إدراكه لطريقه جيدا، بعد أن درس المنطقة كلها في اليوم السابق ووضع خريطة تحرّكه مسبقا..
وعلى الرغم من ثقته الشديدة في كل ما خطط له، فقد توقف فجأة وانعقد حاجباه في شدة..
طائرات الهليوكوبتر تتراجع!
فما الذي يمكن أن يعنيه هذا؟!
المفترض وفقا لأبسط القواعد أن تواصل حومها حول المكان كله، حتى تتيقن من أن المكان نظيف تماما..
ولكنها تتراجع!
وهذا ليس إجراء طبيعيا..
أبدا..
وخبرته الطويلة، في عالم المخابرات العمومية، تشير إلى أن أي تغير في إجراءات الأمن، يعني وجود خطة غير تقليدية..
انطلق عقله بسرعة الصاروخ، يحاول استنتاج ماهية تلك الخطة الجديدة..
تراجع طائرات الهليوكوبتر يعني أن هناك خطة تستهدف الإيحاء بالثقة في مصرعه، حتى يفقد حذره الزائد ويتحرك في ثقة، ليقع في فخ ما تم إعداده له بدقة..
فما هي طبيعة هذا الفخ؟!
هل كشفوا سيارته، على الرغم من براعته في إخفائها؟!
هل يكمنون له هناك؟!
هل؟!
راح عقله يعمل في كل الاتجاهات ويدرس كل الاحتمالات، وكأنه أمام رقعة شطرنج كبيرة، يواجه عليها بطل العالم في اللعبة في مراحلها الأخيرة..
وعليه أن يستخدم كل براعته وخبراته وقدراته في تحريك قطعة، و..
لا توجد خطة بديلة..
ارتفع الصوت من خلفه فجأة، وصدم أذنيه في شدة، فاستدار إلى مصدره في سرعة مدهشة، وارتفع مسدسه نحوه..
ثم على الرغم من اعتياده المفاجآت والصدمات، ومن قدرته المدهشة على استيعابها وتجاوزها، في سرعة تفوق الوصف، فقد تجمد في موقفه، واتسعت عيناه عن آخرهما..
فما رآه أمامه كان مذهلا..
وبكل المقاييس.. ***
مستحيل..
هتف قائد هليوكوبتر المفتش رياض بالكلمة، وكل لمحة من لمحات وجهه تشف عن ذهوله وانفعاله الشديد..
وفي انفعال مماثل، على الرغم من محاولة إخفائه، غمغم رياض:
- إنه ليس رجلا عاديا.
هتف قائد الهليوكوبتر:
- بالتأكيد.. لقد وثب من الهليوكوبتر، بلا ذرة واحدة من التردد ودون أن تتوقف، وعلى الرغم من هذا فقد هبط على السقف في رشاقة مذهلة، وكأنه يملك جسد فهد وقلب أسد.
غمغم رياض، محاولا كتمان انفعاله:
- إنه كذلك.
صمت قائد الهليوكوبتر لحظة، ثم تساءل في حذر:
- ولكن كيف جعلتموه يشبه مجرم القرن إلى هذا الحد المذهل؟!
انعقد حاجبا رياض، وهو يجيب في صرامة:
- هذه معلومات سرية للغاية.
هز قائد الهليوكوبتر رأسه، وكأنما يعلن اكتفاءه بهذا، إلا أنه عاد يسأل في اهتمام:
- لا بد أن لديه خطة قوية.. أليس كذلك؟!
لم يكن رياض يدري ما الذي ينتويه أكرم صدقي بالظبط..
ولا كيف سيواجه بديله في هذا العالم..
أو كيف وماذا سيحدث بينهما..
كل ما كان يثق به، هو أنها لن تكون مواجهة عادية، بأي حال من الأحوال..
ولأنه لا يدري شيئا، فقد كرر في عصبية مقتضبة:
- سري للغاية.
وازداد انعقاد حاجبيه..
كثيرا..
في نفس اللحظة التي فعل فيها هذا، كان اللواء فتحي ورجاله قد وصلوا إلى أطراف تلك المدينة الجديدة، وكان هو يقول لرجاله في صرامة، عبر أجهزة الاتصال:
- حاصروا المكان كله، وليبدأ الفريق (أ) والفريق (ب) في تمشيط كل شبر فيه، دون إهمال شبر واحد.
بدأ رجاله عملية الانتشار على الفور، واندفع الفريقان المشار إليهما لتمشيط المكان وفقا للأوامر، ووفقا لما تدربوا عليه في هذا الشأن، إلا أن أحد قائدي الفرقتين تساءل:
- لو افترضنا أنه لم يلق مصرعه بصاروخ الهليوكوبتر يا سيادة اللواء، فماذا ينبغي أن نفعل إذا ما عثرنا عليه؟ هل نلقي القبض عليه، أم..
قاطعه اللواء فتحي في صرامة:
- أطلقوا النار على الفور.. لن نجازف بمحاولة إلقاء القبض عليه مرة أخرى.
حمل صوت الرجل ارتياحه، وهو يقول:
- كما تأمر يا سيادة اللواء.
التقط جهاز اتصال رياض هذه المحادثة القصيرة، فهتف في غضب:
- ماذا تفعل يا سيادة اللواء؟! لقد طلبت منك في وضوح الابتعاد تماما عن هذه المنطقة.
صاح به اللواء فتحي عبر جهاز الاتصال:
- ما طلبته يعد خيانة عظمى أيها المفتش.
صاح رياض بدوره:
- مع اعتذاري لفارق الرتب، فأنا المسئول عن هذا الملف أيها اللواء، ووحدي أقرر ما ينبغي وما لا ينبغي في هذا الشأن.
بدا اللواء فتحي شديد الغضب، وهو يصرخ:
- يمكنك أن تتقدم بشكوى رسمية.
ثم أضاف قبل أن ينهي الاتصال:
- بعد أن أحظى بجثة مجرم القرن.
احتقن وجه رياض في شدة مع قطع الاتصال، ورسم عقله صورة لفرق الأمن وهي تطلق النار على أكرم صدقي باعتباره مجرم القرن، فسرت في جسده قشعريرة عجيبة، جعلته يقول لقائد الهليوكوبتر في عصبية صارمة:
- اهبط إلى جوار سيارة اللواء فتحي، في حين أجرى اتصالا مهما.
وتراجع بنفس العصبية، وهو يجري ذلك الاتصال برئيسه المباشر..
أما داخل تلك المدينة الجديدة، فقد راح أفراد الفريقين (أ) و (ب) يمشطون المدينة مبنى بعد آخر، وعبر خطة ممنهجة، تضمن عدم إفلات فأر صغير من بين أيديهم..
وعبر جهاز الاتصال الداخلي المحدود، قال قائد الفرقة (أ) لرجاله:
- اعملوا على تأمين كل مبنى يتم تمشيطه، حتى لا يعود إليه الهدف، بعد أن نفرغ منه.
وانعقد حاجباه دون أن يدري، وهو يضيف:
- في حال أنه لم يلقَ مصرعه بالفعل.
لم يكد يتم اتصاله، حتى جاءه صوت اللواء فتحي، يقول في صرامة:
- انتهت المهمة.. لقد لقي الهدف مصرعه بالفعل؛ عثرنا على جثته المحترقة داخل السيارة المدرعة.
قفز حاجبا قائد الفرقة (أ) يرتفعان وهو يغمغم في دهشة:
- حقا؟!
ثم عاد حاجباه ينعقدان، وهو يضيف في توتر:
- ولكن كيف تم هذا الاتصال يا سيادة اللواء؟ المفترض أن موجة الاتصال هذه موجة مغلقة محدودة بأفراد الفرقة وحدهم!
أتاه من خلفه صوت خافت، يحمل رنة ساخرة، وهو يقول:
- ربما لأنه لم يأتِ فعليا من لوائك.
استدار قائد الفرقة (أ) في سرعة، ليواجه صاحب الصوت وهو يرفع مدفعه الآلي، ولكن كل ما رآه في تلك اللحظة هو قبضة قوية تتجه نحو أنفه..
مباشرة.. ***
ارتسم مزيج من الغضب والعصبية، على وجه اللواء فتحي، عندما هبطت هليوكوبتر المفتش رياض إلى جواره، فشد قامته، وشبك أصابع كفيه خلف ظهره، في وقفة صارمة متعالية، وهو يتابع المفتش، الذي قفز من الهليوكوبتر، واندفع نحوه قائلا:
- ستصلك أوامر من الوزير شخصيا يا سيادة اللواء، لتؤكد لك أنني وحدي المسئول عن هذا الملف.
أجابه اللواء في غطرسة عصبية:
- جهاز الاتصال الخاص بي أصابه عطب مفاجئ، ولن يمكنني تلقي هذا الاتصال المزعوم.
ناوله رياض جهاز اتصاله، وهو يقول:
- يمكنك استخدام هذا.
التقط اللواء جهاز اتصال رياض في هدوء، وقلّبه بين يديه، ثم رفع عينيه إلى هذا الأخير، قائلا في برود:
- وماذا عن الرصاصة التي أصابته؟!
تساءل رياض في دهشة مستنكرة:
- أي رصاصة؟!
ألقى اللواء فتحي جهاز اتصال رياض أرضا، وسحب مسدسه في سرعة ليطلق عليه رصاصة، ثم يعيده إلى جيبه بنفس السرعة، مبتسما في شراسة وهو يجيب:
- هذه.
احتقن وجه المفتش رياض، وهو يقول في غضب:
- لن يفلت هذا دون عقاب.
اتسعت ابتسامة اللواء فتحي، وهو يشيح بوجهه، مغمغما:
- يمكنك أن تحاول.
قالها ثم انعقد حاجباه في شدة، عندما لمح رجال الفرقتين (أ) و (ب) وهم يعودون من المدينة الجديدة، فهتف بهم في حدة:
- لماذا عدتم؟! المفترض أن تبقوا في مواقعكم!
أجابه أحدهم في دهشة:
- ولكنهم أخبرونا أنكم قد عثرتم بالفعل على جثة مجرم القرن محترقة داخل السيارة المحترقة.
صرخ فيه اللواء بكل غضبه:
- أي أحمق أخبركم هذا؟! لقد أطفأنا نيران السيارة منذ لحظات فحسب، ولم نبدأ عملية فحصها بعد.
اعتدل المفتش رياض، وارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، امتزجت بالتماعة عينيه، ورجل الفرقة يغمغم حائرا مرتبكا:
- قائدو فرقتينا أخبرونا بهذا يا سيادة اللواء!
سمع رياض من خلف صوت أكرم يهمس:
- هيا بنا.
كان اللواء فتحي يصرخ:
- إنها خدعة أيها الحمقى.. عودوا إلى مواقعكم، حتى أصدر لكم شخصيا الأمر بالعودة.
تجاهل المفتش رياض غضب اللواء فتحي، وهو يلتفت إلى الواقف خلفه، والذي يرتدي زي أفراد الفرقة (أ)، وغمغم وهو يعود إلى الهليوكوبتر:
- هيا.
استقل كلاهما الهليوكوبتر التي ارتفع قائدها على الفور، فهتف أحد أفراد الفرقتين:
- لماذا اصطحب زميلنا؟!
استدار اللواء فتحي إلى الهليوكوبتر في سرعة، وكاد يشتعل غضبا وهو يصرخ:
- أوقفوا هذه الهليوكوبتر.. أطلقوا عليها النار.
ارتبك الرجال، فلم يطلقوا النار على الفور، وغمغم أحدهم متوترا:
- على المفتش رياض؟!
لم يجبه اللواء فتحي، وهو يتابع بكل غضبه الهليوكوبتر التي راحت تبتعد في سرعة، جعلتها بعيدة عن متناول رصاصات رجاله، وضاعف من غضبه أنه لا يستطيع أن يأمر طائرات الهليوكوبتر، التي ابتعدت بالفعل بمطاردة هليوكوبتر بداخلها المسئول الرسمي عن ملف مجرم القرن، فغمغم بكل ما يشتعل في أعماقه:
- خائن.
أما في داخل الهليوكوبتر، فقد هتف رياض في انبهار:
- كيف فعلتها؟!
صمت أكرم لحظات، قبل أن يغمغم في بطء:
- بالطريقة المعتادة.
لم تكن إجابة شافية، فتساءل رياض في حذر:
- هل واجهته؟!
خلع أكرم خوذة الفريق (أ)، وهو يجيب بنفس البطء:
- كانت مواجهة مدهشة.
كانت شفتاه تحملان ابتسامة ساخرة وهو يلقي إجابته الأخيرة، فتراجع في حركة حادة وهو يهتف:
- لست أكرم صدقي.
التفت إليه أكرم، وهو يقول وقد اتسعت ابتسامته الساخرة:
- هذا هو ما يطلقونه عليّ، منذ مولدي.
صاح رياض، وهو يستل مسدسه:
- أنت مجرم القرن.
وقبل أن يرتفع مسدسه، هوت قبضة مجرم القرن على فكه..
وبمنتهى القوة. *** يُتبع
|