كاتب الموضوع :
emaa
المنتدى :
روايات زهور
توقف القلب...
ارتجف عدة مرات ثم توقف..
انه لن ينسى _ ما بقي _ له من العمر جسدها القيق المسجى على الفراش
كانت عيناها مغمضتين الا أنه شعر وكأنهما ترمقانه بعتاب واتهام من خلف الأجفان الغلقة لعجزه عن الوفاء بوعده لها
ولكنه لم يقصر في شئ..
لقد كانت العملية مطلبها منذ البداية وكان الموت مصيرها سواء أجرتها أم لم تجرها
ولكنه لن يغفر لنفسه موتها علي يديه
وراح يردد لنفسه في مرارة:
ما أقسى ذلك !! لقد شاهدت بعض المرضى يفارقون الحياة ولكنني لم أشعر ببشاعة الموت وقسوته بقدر ما أدركته هذه المرة .. لنأطرق حجرة العمليات مرة أخرى .. لن ألمس مشرط الجراحة ما بقي لي من عمر
ثم انخرط في بكاء حار وراح ينتحب كطفل صغير مرددا:
وا حبيبتاه !! لقد أضعتك مني مرة أخرى يا غادة سامحيني يا حبيبتي ... لم أكن وفيا لعهدك
وصل الدكتور منير في تلك اللحظة وحاول تهدئته قائلا:
لا تفعل بنفسك هذا... أنك لم تخطئ .. لقد فعلنا جميعنا كل ما بوسعنا ولكن هذه مشيئة الله .. لا تجعل الحزن يقتلك
قال منتحبا :
كان يمكن أن تحيا لبضع سنوات مقبلة لو لم نجر لها العملية
أجابه في حسم ::
وكان من الممكن أن تحيا أطول لو نجحت العملية ولكن الأعمار بيد الله وحده انك جراح كبير ويدهشني أن تنهار على هذا النحو حتى لو كانت المريضة تعني لك الكثير فقد كنا ندرك الأحتمالات مسبقا
قال نبيل في صوت يحمل كل معني الألم :
الشخص الذي أمامك الآن هو نبيل فقط ليس الجراح الكبي ولكن المحب الذي فقد محبوبته
غمغم منير : انني أقدر عواطفك ولكن
قاطعه نبيل :
أريد أن ألقي عليها نظرة أخيرة
خطأ هذا سيزيد من آلامك
أجوك نظرة أخيرة فقط..
حسنا تعال معي
.
.
صحب الدكتور منير نبيل الى غرفة العناية المركزة حيث رقدت غادة فوق فراشها واتصلت بجسدها كل الأنابيب والأسلاك اللازمة للأبقاء عليها في غيبوبتها حتى يحين أجلها نعم توقف القلب أثناء العملية ثم ارتجف عدة مرات وتوقف ومع محاولات انعاشه المستمرة عاد يخفق في ضعف وسقطت غادة في تلك الغيبوبة العميقة التي تسبق الموت عادة وأصبح نبيل يعلم النهاية الحتمية
الوفاة بعد ما لايزيد على أربع وعشرين ساعة ..
لم يعد أمامه سوى أن يترقب رحيلها بين لحظة وأخرى
ووقف نبيل يتأمل وجهها الملائكي وقد علته صفرة الموت واحتقنت عيناه بالدموع فقال منير:
هذا يكفي.. دعنا نغادر المكان
لا.. أرجوك .. دعني معها وحدنا بعض الوقت
ولكن...
أرجوك يا منير ... أرجوك
رضخ منير لمشيئته وغادر الحجرة ليتركه معها وحدهما ، فاقترب نبيل من فراشها وجثا على ركبتيه الى جوارها وهو يردد باكيا :
اغفري لي حبيبتي .. اغفري لي..
وهتف من أعمق أعماقه :
يا الهي ! أنت تعلم كم أحبها .. ساعدها .. أرجوك .. لست أجد في نفسي القوة على فراقها
وتوقف بغتة وتجمدت الدموع في عينيه وقد تنبه الى أمر عجيب ..
لقد استنجد ربه..
ناشده في محنته...
لقد أدرك الآن أن مهارته وتفوقه لا يساويان شيئا وأن رحمة ربه وحدها تسع كل شئ..
تذكر كلمات أخيه الشيخ صلاح عن رحمة الله وتجاوزها لكل معطيات العلم
وآمن بها..
نعم..
أنه يعترف بجحوده وغروره البشري الأحمق..
يعترف بغبائه الذي جعله يؤمن بالأسباب دون رب الأسباب..
وأدرك لحظتها ما ينبغي له أن يفعله..
أنه سيصلي..
سيصلي من أجلها ..
وغادر الحجرة الى حجرته حيث توضأ وراح يصلي ..
لم يدرك كم من المرات سجد وركع ولكنه واصل صلاته حتى غمره شعور لا يمكن وصفه من الطمأنينة والأرتياح وهنا راح يبكي..
زرف أنهارا من الدموع وهو يصلي حتى انتهى من صلاته فغمره شعور رائع بالصفاء والسلام والأرتياح
وفجأة... اقتحم منير غرفته..
اقتحمها بفرحة طاغية تختلط بذهول عالم وهو يهتف:
نبيل .. دكتور نبيل .. لقد حدثت معجزة .. لن يمكنك أن تصدق هذا .. لقد عاد قلب غادة يعمل .. لقد انتظمت نبضاته بغته .. أنها معجزة .. معجزة بكل المقاييس..
أن مريضتك ستحيا .. ستحيا حياة طبيعية بعد أن كانت على شفا الموت
فاضت عينا نبيل بالدموع وهو يردد مرتجفا:
حمد الله .. حمدا لله .. شكرا يا ألهي .. لقد اتت استجابتك لي بأسرع مما تصورت
واندفع الى حجرة غادة ووجدها قد فتحت عينيها وان لم تستعد بعد قدرتها على النطق والحركة فجثا الى جوارها قائلا:
غادة.. أتسمعينني ؟ أتفهمين ما أقول ؟
أومأت غادة برأسها بصمت فأضاف في صوت يقطر بالسعادة :
ستعيشين يا غادة ... لقد نجحت العملية .. وسيمكنك مغادرة المستشفى بعد أيام قليلة يمكنك الآن أن تودعي الألم والحزن والخوف
تطلعت اليه في امتنان وسالت دمعة صغيرة كحبة اللؤلؤ من عينيها فهمس:
لا تشكريني أنا
وشاركها دمزعها وهو يستطرد في خشوع:
اشكري الله ( سبحانه وتعالى) فقد أنقذ حياتك بمعجزة
وتناول يدها التي عادت الى الحياة وأحاط أصبعها بخاتم الخطبة ثم مال على وجنتها يقبلها :
لا يمكنك أن ترفضي الآن
أطبقت على أصابعه بأصابعها في حب فاستطرد قائلا:
لن أسمح لك بمغادرت المستشفى عندما تستردين قواك .ز سأستغل سلطتي كطبيب وأمنعك أن تغادري قبل أن تضعي الخاتم الآخر في اصبعي أنا قبل أن تعدلي عن رأيك
ابتسمت في ضعف وبسعادة وهو يضيف :
هناك خبر آخر أريد منك أن تعرفيه .. انني لن أعود الى لندن مرة أخرى سأبقى هنا وسأبني مستشفى خيريا للفقراء والمعوزين لقد عاهدت الله على ذلك
ونهض مفلتا أصابعه من أصابعها ومردفا
سأتركك الآن فهناك موعد لا يمكنني التخلف عنه ولكنني سأعود انتظريني
ترقرقت الدموع في عيني غادة وانفرجت شفاها في ضعف:
سأنتظرك يا نبيل .. سأنتظرك حتى آخر العمر
علا صوت المؤذن يؤذن لصلاة المغرب ووقف الشيخ صلاح يؤم المصلين وينظم صفوفهم قبل بدء الصلاة
ثم لم تلبث الدهشة أن علت وجهه وهو يرى شقيقه متصدرا الصف الأول من جموع المصلين فاقترب منه قائلا:
نبيل .. عجبا لم أتوقع أن أراك بين المصلين هنا
أجابه بخشوع:
لقد هداني الله وستجدني بين صفوف المصلين دوما بأذن الله فلقد رأيت رحمة الله تتحقق أمامي وتصنع معجزة يعجز العلم عنها ولقد آمنت بأنه هناك أشياء لايجد الطب والعلم تفسيرا لها في حين لايعجز قلب المؤمن عن تفسيرها كما فعلت أنت انها رحمة الله التي أعادت غادة الى الحياة بعد أن كانت على شفا الموت
ابتسم الشيخ صلاح تلك الأبتسامة النورانية التي تشف عن الفرحة بهداية شقيقه وقال:
سأذهب معك بعد الصلاة لرؤية غادة
ثم تقدم صفوف المصلين وهتف من أعماقه:
(( الله أكبر ))
واكتملت المعجزة
.
.
اسفة مرة اخرى
قراءة ممتعة
|