مستلقية ونظرها للاعلى .. وتلك تضع على وجهها كمادات ثلج .. واجمة هي .. وعينها لا تسكت دموعها .. تمتمت تلك : الحمد لله انها يت ع هالشيء ..
مالذي تقولينه يا كنة ؟ الا تعلمين بان روحها منهكة .. وانفاسها تخرج مرغمة من صدرها .. فقط لانها حية .. هدوء غريب توشح الاركان .. بعد ذاك الصراخ الذي كان.. لا شيء يسمع .. الا انفاس كنة التي تنهدت وهي تنظر لهاتفها .. روحها هي الاخرى معذبة منذ الامس .. لا يجيب عليها ذاك الفارس .. وكأن شامة احست بها .. لتستلقي على جانبها الايمن وكفيها التصقاء اسفل رأسها .. وتمتمت : كنه اريد ارقد ..
وقفت تلك لتسحب الغطاء على شقيقتها .. وبعدها انسحبت بهدوء .. وما ان اغلقت الباب خلفها حتى عانق هاتفها اذنها .. لا تعلم كم مرة اتصلت به منذ ان علمت حتى هذه الساعة .. لا يجيب .. لماذا يتهرب بهذا الشكل ؟ الا يحق لها ان تعرف رأيه فيما سمعت ؟ الا يحق لها ان تقطع الشك باليقين ؟ هي ما ان تنام حتى تاتيها كوابيس ترهقها .. حتى باتت تكره النوم دونه .. كيف ان اخذ غيرها ونساها .. نفضت رأسها من تلك الافكار .. لتجلس في الصالة التي شهدت ذاك الحدث الذي تفرق من بعده الجميع .. الجميع اختفوا خلف الجدران .. وهي ترى ان تلك الجدران تطبق عليها حتى انفاسها تكاد تنتهي في اي لحظة .. نزلت دموعها وتركتها .. لربما تريحها تلك الدموع ..
فارس عشقها وروحها وحبيب قلبها الاول .. تشتاقه بل انها اضحت تخاف رحيله عنها .. تخاف ان يبتعد عنها حد عدم استطاعتها النظر في وجهه .. زفرت انفاسها وهي ضغط على ازرار هاتفها .. لتخط له في رسالة نصية : فارس دخيل ربك رد علي .. والله تعبت .. تعبت يا فارس ..
تردد ابهامها ضغط الارسال .. فوقفت .. لا تعلم لماذا ترغب بالهواء في هذه الساعة المتأخرة من الليل .. مشت لتخرج الى ساحة المنزل .. وابهامها يعانق الارسال بهدوء .. لترفع كفها تنظر الى الشاشة .. والى تلك الاحرف التي كتبتها .. هل يحق لها ان تمنعه من الزواج ؟ هي لم تستطع ان تأتي له بطفل .. حاولت كثيرا .. حتى ان الاطباء يؤكدون انها بخير .. لا شيء يمنع الانجاب عندها .. ولكن لما الموت يتربص بهم .. اطفالها الصغار .. لو عاشوا لكان اكبرهم يجري بين كفيها الآن .. وينطق ماما وبابا ..
سحبت الهواء الى رئتيها بنهم .. وارسلتها .. صوت رنة رسالة واردة طرقت اذنها .. ابتسمت لربما بدأت تتوهم .. وما ان رفعت رأسها حتى وجمت .. يقف هناك قريبا منها .. خطوات فقط تفصلهما .. حالته صعبة جدا ..شدت على هاتفها الذي عانقت به صدرها .. لا تعلم كيف وصلت لترتمي في احضانه .. ربما طارت .. فقدماها لم تشعر بهما يطآن الارض .. شدها اليه بعنف الشوق .. لتردد وهي تكاد تمزق ثوبه من على ظهره : حرام عليك يا فارس .. تعبت وانت ما ترد علي .. هنت عليك .. والا حبك لي ما صار له وجود ..
اغمض عينيه يسحبها الى صدره .. وكأنه يخبأها : تعبان يا روحي .. تعبان .. يومين مب قادر ارقد .. امي حالفة ان ما عرست تغضب علي .. شفتي كثر شو الهم ذابحني ..
أصمت يا فارس .. بالله عليك أصمت .. فانا مقتولة في بعدك فلا تعيد القتل باحرفك المسمومة .. اصمت وفقط .. دعني في صدرك اتنفس عطرك .. وارتشف راحتي من بين ذراعيك ..
اختنقت بدموعها .. وهل تخنق الدموع صاحبها يا كنّة ؟ .. لتبتعد بعد برهة .. تمسح دموعها وتمسك بكفه : تعال ..
مشى خلفها كطفل صغير مشتاق لوالدته .. لتلج به الى الصالة الصغيرة الملاصقة لمجلس الرجال .. وتمسكه من كتفيه تجلسه .. وتجلس بجانبه .. وتربت على فخذها : حط راسك ..
وضع رأسه ورفع ساقيه .. واناملها تغرق بين شعر رأسه وتعود للخروج وكأنها سباحة ماهرة في مسابقة .. دموعها تنسكب وقلبها مذبوح .. بل انه مسحوق بالوجع .. ابتسمت ومن بين غصاتها المتلاحقة : انسى كل شيء .. وارقد .. تعرف حبيبي ..
صمتت وكأن الكلمات لا تستجيب لها .. والحروف جمحت بعيدا كفرس لعوب برية .. ساد الصمت لينطق وهو مغمض العينين : اعرف شو يا روح فارس ؟
هل تمطر السماء ونحن يقينا سقف من اعلى رؤوسنا ؟ .. فهناك مطر بدأ يداعب شعره متسللا .. وينسحب حتى خلف اذنه .. لتشد على شفتيها .. وتنطق : احبك .. بس احبك .. اريدك تعرف هالشيء .. واللي يحب ما يأذي حبيبه .. وانا ما اريد اعذبك بغضب امك عليك ..
مالذي تفعلينه يا كنّة ؟ هل تهوين تعذيبي .. ام انك طفلة صغيرة لا تعلم ماذا يعني القادم المر بالنسبة لها .. تقولين لن تعذبينني .. وانا أولستُ أحبك ؟ .. أولستُ سأعذبك حين احتضن امرأة غيرك ؟ .. كيف تفكرين .. او لربما انا بدأت اهذي من تعبي الروحي والجسدي .. دعيني انام في حجرك .. دعيني أنام ..
,‘,
الا يدركون بان افعالهم سكاكين تنغرس في قلوب الغير .. هل وصلت الانانية بهم حد ارتكاب الجرم بابتسامة .. بل احيانا بضحكة عالية .. وقفت على جانب باب غرفة ابنتها متذمرة : بعد اليوم رايحة ؟
منذ ايام وهي تبتعد عن منزلها لتجلس مع ليلى .. تحكي احاديث من هنا وهناك .. وتلك تتسلى معها حتى مجيء جابر من عمله .. فهي وحيدة وجاءت من تضحكها باحاديثها العفوية .. سحبت حقيبتها لتقف امام والدتها : هيه اليوم بعد بروح .. بنروح الصالون .. قلت لها ووافقت تروح وياي ..
تحوقلت تلك العجوز حين مرت نوال من جانبها .. واردفت وهي تتبعها : صرتي ما تقرين فالبيت ..
تنتعل حذاءها : ما تبيني اطيح فارس .. خلاص بطيحه وبخليه يكره ليلوه من اليوم ..
وخرجت مولية وراءها والدتها المتسائلة .. هل صنعت وحشا من حمل وديع ؟ لماذا تغيرت ابنتها بهذا الشكل حتى باتت لا تعرفها .. اين الغباء الذي كانت تصفها به .. تنهدت وتمتمت : استغفر الله العظيم ..
بعد نصف ساعة ولجت مع ليلى الى ذاك " الصالون" لتربض على احد الكراسي بعد ان طلبت منها احدى العاملات ذلك .. وجلست ليلى تراقبها من بعيد .. سحبت مجلة وهي تبتسم على جدال نوال مع العاملة : لا ما اريده اشقر .. شوفي اريده بني فاتح وفيه خصلات شوية صفرة .. فاهمه ..
تقدمت احدى العاملات من ليلى : مدام ما بدك تعملي شي ..
هزت رأسها بلا .. واذا بتلك العاملة تردف : شوفي مدام في عندنا تخفيضات هاليومين .. ع الصبغ والقص وتنظيف البشرة .. فيكي تأولي ع كل اشي ..
لتصرخ تلك منادية لها .. لتقف بجانبها : تفضلي مدام ..
لتبتسم بخبث : تقولين مسوين تخفيضات .. انزين اريد اقص شعري واصبغه واريد اسشوره .. وبعد اريد انظف بشرتي واحف حواجبي .. وبعد لو تقدرين اريد اسوي منكير وبدكير ..
- من عيوني .. هلأ راح نعملك كل اللي بدك ياه ..
لتنسحب من المكان وتقف ليلى مكانها : نوال شو بلاج .. جذي بنتأخر .. انتي قلتي بس بتصبغين وتقصين ..
وهي تنفش شعرها بكفيها لتسلمه للايدي التي ستعتني به : ما دام عندهم تخفيضات ليش ما اسوي .. وبعدين ما بنتأخر .. الله يخليج ليول عشاني .. تدرين ما اطلع من البيت الا وين ووين .. عشاني ..
كانت تترجاها وهي تنظر الى انعكاسها على المرآة .. لتنطق : ما اقدر .. خليها ليوم ثاني .. جابر بيوصل اليوم الظهر .. وانا لازم ارد البيت ..
تشدقت : انزين شيء اسمه مسج .. كول .. كلميه وهو الا يوم واحد .. يعني ما بيصير شيء ..
وهي على وقفتها تلك وصلها صوت رسالة نصية .. واذا به هو يرسل لها : ليلى انا بتأخر شوي اليوم .. لا تتريني ع الغدا ..
ابتسمت براحه : خلاص مب مشكلة .. عيل بعدل ظفوري ..
شيء من الغيض اجتاح تلك الجالسة على الكرسي .. لعل تلك الرسالة منه .. هل ستفشل وهي في بداية مشوارها الذي ترتجي منه الفوز بـ جابر .. ابتسمت لليلى متداركة نفسها .. ليمر الوقت عليهما هناك .. وعقارب الساعة تجر خطاها لتصل القمة ..
اوقف سيارته بعد يوم متعب في العمل .. ليزفر ويبتسم بعدها ..استأذن وخرج .. تمتم : واخيرا بناكل وبنريح ..
ترجل بجسمه الرياضي بذاك اللبس الذي يزيد من هيبته ووسامته .. ليحث الخطى الى منزله .. ليقف على عتبة الباب لثواني .. ستنزل الآن راسمة ابتسامتها وتردد .. كنت انتظرك .. ستخطو ناحيته لتقف على اطراف اصابعها ويطأطأ رأسه هو قليلا لتقبل وجنته .. وتردد : الحمد لله ع السلامة ..
ويضحك هو عليها بمليء فمه .. فتشتاط غضبا .. او لعله ادعاء مرددة بان كل ساعة يقضيها بعيدا تعتبر رحلة طويلة .. وعودته تستحق الحمد والشكر .. طالت وقفته ليلج مناديا باسمها .. واذا بتلك الخادمة الاندونيسية تجيبه .. بانها لم تعد بعد .. تنهد وخطى صاعدا الدرجات .. ليغسل تعب اليوم تحت المياه الدافئة .. قالت ساعة فقط وستعود .. والآن مضى على خروجها اكثر من ساعتين .. شعر بتوتر غريب يعتريه .. فمنذ ان اصبحت تلك النوال تزورهم وليلى تبدو مختلفة .. يجب ان يضع حد لزياراتها المتكررة .. اخذ يحدث نفسه كثيرا وهو تحت تيار الماء .. ليخرج بعدها وكله أمل ان تكون تنتظره في الغرفة وقد جهزت له ملابسه ..
مشى بخطوات يتأجج منها الغضب .. ليفتح دولابه ويخرج له ثوب نوم باكمام قصيرة .. وما هي الا دقائق حتى خرج من الغرفة .. ينادي على تلك الخادمة .. يسألها ان هناك من طعام .. لتجيبه : ما في اكل بابا .. ماما يتصل يقول يسوي تاخير ..
استغفر ربه مرارا .. ليطلب منها المغادرة ويربض في الصالة بحنق .. ليس معتاد على عدم وجودها في انتظاره .. اتقول ساعة وتخلف بقولها .. سحب هاتفه يتصل بها .. وسؤال القاه على مسامعها : متى بتردين ؟
بلعت ريقها وهي تنظر لنوال التي لم تنتهي بعد : بعد شوي حبيبي .. انت وين ؟
كان صوتها هامسا مع انها في ركن بعيد عن العاملات وعن تلك النوال .. لتأتيها اجابته .. وتشعر بعدها بوخزات في صدرها .. مؤكد انه جائع .. سيفتقد وجودها .. قبلتها وضحكتها .. مشت حيث تلك تسأل متى الانتهاء .. ويأتيها ان موعد الرحيل الى الحبيب قد يطول .. لتعود بانكسار وتجلس مكانها بتوتر يجتاحها .. ليتها لم توافق .. ليتها اخبرت نوال انها لا تطيق " الصالونات " .. ليتها وليتها ..
نظر الى الساعة البيضاء على رسغه .. ليزفر ويتحوقل .. وبعدها يسحب هاتفه .. يضغط على ازارا الهاتف .. لتصلها احرفه : خذي راحتج .. بطلع اتغدا عند شبيب ..
احساس بالوجع رافقها وهي تنتظر تلك .. لم تفعلها يوما وتأخرت .. ماذا دهاكِ يا ليلى .. أين عقلك ؟ لما لم تفكري بان هناك من سيحتاجك اليوم عند الظهر .. هل نسيتي مواعيد عمله .. ام ان تلك تمتلك سحرا غريبا محمل بالنسيان .. حتى اضحت تقنعك بتفاهاتها .. وقفت لتشد الخطى نحوها .. نظرت اليها .. وصوت ذاك الجهاز ورائحة احتراق شعرها تتبعثر في المكان : نوال انا بروح .. رجعي فتكسي ..
فتحت عينيها على وسعهما : ليلى شو اللي تقولينه .. معقولة تتخلين عني ..
ابتسمت وكأن للتو ادركت ما تصبوا اليه تلك .. او لعلها لم تدرك من الامر شيء .. ولا تعلم من اين جاءتها الوقاحة لتجيب : نوال انتي وحدة فاضية .. وانا ورايي بيت وريل .. عن اذنج ..
ادبرت وابتعدت .. وحديث روحها يعاتبها .. بل انه يقسو عليها حتى اوجع عينيها فبكت .. لتدخل منزلها تجري مسرعة الى غرفتهما .. وتقف على اعتابها .. وملابسه مرمية بفوضوية .. لتشد الخطى تنحنى تلتقط ما خلفته يديه .. وتجلس على طرف السرير : سامحني ..